الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام
تأليف الدكتور: محمد جميل مبارك
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن بيان هذه القضية يجيب عن أسئلة ذات بال منها:
ما مدى حجية السنة النبوية؟ وما مدى حجية خبر الآحاد؟ وهو سؤال أخص من سابقه، لكن العلاقة بينهما آتية من أن معظم السنة أخبار آحاد، فإذا كان الاحتجاج بخبر الآحاد من حيث هو محل شك، فالاحتجاج بمعظم السنة يكون محل شك!!
غير أن من الذين يجادلون في حجية خبر الآحاد من يؤمنون بالسنة، النبوية، ويعتقدون حجيتها، ولكنهم يحصرون حجية خبر الآحاد منها في إطار محدود، فلابد إذاً من التفرقة بين السؤالين.
وأما الطوائف المنكرة لحجية خبر الآحاد فكلما كاد الزمان يطويهم عاودت نابتتهم إثارة الجدل في هذه الحجية، واجدين البيئة المناسبة في التراكمات الفكرية التي تتفاعل في واقع المسلمين.
وهذا ما يفرض العمل من أجل تحصين الأجيال من التأثر بأفكار هذه الطوائف عن طريق البحث العلمي، الذي تتحمل أعباء القيام به الطائفة المتفقهة في الدين.
والجدل في حجية خبر الآحاد موغل في القدم، ويكفي دليلاً على ذلك أن الإمام الشافعي رحمه الله (ت: 204هـ) قد تصدى لهؤلاء الذين يثيرون هذا الجدل يقيناً منه أن التساهل مع هؤلاء يؤدي إلى التنكر للسنة
برمتها، والتنكر للسنة تنكُّرٌ للإسلام جملة من حيث إن السنة بيان للقرآن، ولا فهم للقرآن بلا بيان من السنة، ولا عمل بالقرآن بلا فهم ولا بيان.
وقد تصدى العلماء لِشُبَه المجادلين في حجية خبر الآحاد في ثلاثة علوم بارزة هي: علم الحديث، وعلم العقائد، وعلم أصول الفقه، والعلماء في هذه الفنون الثلاثة يجمعهم همٌّ واحد في هذا التصدي هو همُّ إثبات حجية خبر الآحاد في مجال الاعتقاد وفي مجال الأحكام العملية.
فعلماء الحديث انطلقوا في مقاومتهم لهذا التيار من أن التشكيك في خبر الآحاد يعود بالإبطال على تلك الجهود الجبارة التي قام بها علماء الحديث في مجال خدمة السنة جمعا وتمحيصا ومنهجا من خلال "مصطلح الحديث" وعلم الرجال، وهما مجالان من إبداع العلماء المسلمين، ولذلك كان من منهج علماء الحديث أن يثيروا هذه القضية في علوم الحديث.
وعلماء الأصول انطلقوا من أن استنباط الأحكام عبر القواعد الأصولية يكون من مصدرين هما القرآن الكريم والسنة النبوية، فإذا وقع التشكيك في خبر الآحاد انهدم الأصل الثاني من أصول الاستنباط، فكان من منهج الأصوليين أن يتناولوا هذه القضية من خلال بحثهم في الأدلة، ولذلك طولوا أنفاسهم في طرق الرد على المنكرين كما قام الإمام الجويني (1) .
(1) البرهان في أصول الفقه ج1/600.
وعلماء التوحيد يقلقهم أن استبعاد خبر الآحاد من مجال العقائد يؤدي إلى إنكار كثير من قضايا العقيدة التي لم تثبت إلا بأخبار الآحاد، كما يؤدي إلى تعطيل الصفات وإبطالها.
وقد ترشح هذا البحث لدحض الشبهات التي تعلق بها منكرو حجية خبر الآحاد، حتى يعود الحق في هذه القضية الشائكة إلى نصابه.
وسيتناول البحث –إن شاء الله - المباحث الآتية:
المبحث الأول: خبر الآحاد: التعاريف والنشأة.
المبحث الثاني: جهود العلماء في الدفاع عن حجية خبر الآحاد.
المبحث الثالث: أدلة وجوب العمل بخبر الآحاد من الكتاب والسنة والإجماع.
المبحث الرابع: إفادة خبر الآحاد للعلم أو الظن.
المبحث الخامس: نشأة التفرقة بين العقائد والأحكام في الاحتجاج بخبر الآحاد.
المبحث السادس: ظاهرة التشكيك في حجية خبر الآحاد ودوافعه.
وهي مباحث أرى أنها كفيلة بإضاءة أهم الجوانب الغامضة في موضوع خبر الآحاد.
ولم يتجه الاهتمام إلى بحث كل القضايا التي لها صلة ما بحجية خبر الآحاد، كقضية الاحتجاج بخبر الآحاد إذا ما تعارض مع ما هو أقوى منه، كما نجد عند بعض الفقهاء؛ لأن الخلاف نشأ بين المثبتين لحجية خبر الآحاد، والنقاش إنما ينصب على مبدأ الحجية نفسها.
على أن في البحث إشارة إلى ما يشبه الخيط الرابط بين موقف من ينكرون حجية خبر الآحاد، وموقف من ينفون عنه الحجية إذا تعارض مع ما هو أقوى منه.
كما لم يتجه الاهتمام إلى استعراض الشروط الواجب توافرها في خبر الآحاد ليكون حجة؛ لأن ذلك يفرض إطالة ذيول البحث ويتحول به من بحث في الحجية إلى بحث في شروط الحجية، والبحث في الشروط لا يتم إلا بتسليم المشروط، والبحث إنما هو فيه.
وأعترف – بعد كل هذا – أن البحث في الحجية يحتاج إلى مزيد من المكابدة في مسألة الرد على الشبه، وفي مسالة التعارض بين الأخبار، والشروط المنهجية لهذه الندوة، ومحدودية مدة الإنجاز من موانع الاسترسال في هذه المكابدة، والعزم معقود على استكمال القضايا الجزئية المكملة لهذه القضية الكلية: قضية حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام.