الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوامل الضلال
وسبب ذلك قلة العلم والفهم لكتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه، وسيرة خلفائه الراشدين المهديين، وإلا فمن استهدى الله واستعانه، وبحث عن ذلك، طلب الصحيح من المنقول، وتدبر كتاب الله، وسنة نبيه، وسنة خلفائه، ولا سيما أمير المؤمنين الهادي المهدي التي جرى فيها ما اشتبه على خلق كثير فضلوا بسبب ذلك، إما غلوا فيه، وإما جفاء عنه.
كما روي عنه قال: " يهلك في رجلان: محب غال يقرظني بما ليس فيَّ، ومبغض قال يرميني بما نزهني الله منه"1.
وحد ذلك وملاك ذلك شيئان:
طلب الهدى، مجانبة الهوى حتى لا يكون الإنسان ضالا وغاويا، بل مهتديا راشدا.
قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 2.
فوصفه بأنه ليس بضال وهو الجاهل، ولا هو غاو، وهو الظالم، فإن صلاح العبد في أنه يعلم الحق ويعمل به، فمن لم يعلم الحق فهو ضال عنه. ومن علمه فخالفه واتبع هواه فهو غاو، ومن علمه وعمل به كان من أولي الأيدي عملا، ومن أولي الأبصار علما، وهو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله سبحانه
1-أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/160.
2-
سورة النجم آية:3.
في كل صلاة أن نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1.
فالمغضوب عليهم: الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه كاليهود، والضالون الذين يعملون أعمال القلوب والجوارح بلا علم كالنصارى. ولهذا وصف الله اليهود بالغواية في قوله تعالى:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} 2.
ووصف العالم الذي لم يعمل بعلمه بذلك في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} 3.
ووصف النصارى بالضلال في قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 4.
ووصف بذلك من يتبع هواه بغير علم حيث قال: {وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} 5.
1-سورة الفاتحة، آية:6-7.
2-
سورة الأعراف، آية:146.
3-
سورة الأعراف، آية:175.
4-
سورة المائدة، آية:77.
5-
سورة الأنعام، آية:119.
وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّه} 1.
وأخبر أن من اتبع هداه المنزل فإنه لا يضل كما ضل الضالون، ولا يشقى كما شقي المغضوب عليهم فقال:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} 2.
قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
ومن تمام الهداية: أن ينظر المستهدي في كتاب الله، وفيما تواتر من سنة نبيه، وسنة الخلفاء، وما نقله الثقات الأثبات، ويميز بين ذلك وبين ما نقله من لا يحفظ الحديث، أو يتهم فيه الكذب، أو يكذب خطأ لسوء حفظه أو نسيانه، أو لقلة فهمه وضبطه.
ثم إذا حصلت "للمستهدي"3 المعرفة بذلك تدبر ذلك، وجمع بين المتفق منه، وتدبر المختلف فيه، حتى يتبين له أنه متفق في الحقيقة وإن كان الظاهر مختلفا، أو أن بعضه راجح يجب اتباعه، والآخر مرجوح ليس بدليل في الحقيقة، وإن كان الظاهر دليلا.
أما غلط الناس فلعدم التمييز بين ما يعقل من النصوص والآثار، أو يعقل بمجرد القياس والاعتبار، ثم إذا خالط الظن الغلط في العلم هوى النفوس ومناها في العمل صار لصاحبها نصيب من قوله تعالى:
1-سورة القصص، آية:50.
2-
سورة طه، آية:123.
3-
ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
وهذا سبب ما خلق الإنسان عليه من الجهل في نوع العلم، والظلم في نوع العمل، فبجهله يتبع الظن، وبظلمه يتبع ما تهوى الأنفس. ولما بعث الله رسله وأنزل كتبه، لهدى الناس وإرشادهم، صار أشدهم إتباعا للرسل أبعدهم عن ذلك كما قال تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2.
ولهذا صار ما وصف الله به الإنسان لا يخص غير المسلمين دونهم، ولا يخص طائفة من الأمة، لكن غير المسلمين أصابهم ذلك في أصول الإيمان التي صار جهلهم وظلمهم فيها كفرانا وخسرانا مبينا، ولذلك من ابتدع في أصول الدين بدعة جليلة أصابه من ذلك أشد مما يصيب من أخطأ في أمر دقيق أو أذنب فيه، والنفوس لهجة بمعرفة محاسنها، ومساوئ غيرها.
وأما العالم العادل فلا يقول إلا الحق، ولا يتبع إلا إياه، ولهذا من يتبع المنقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه وأئمة أهل بيته، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر، وابنه الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق شيخ علماء الأمة، ومثل: أنس بن مالك، والثوري، وطبقتهما، وجد ذلك جميعه متفقا مجتمعا في أصول دينهم، وجماع شرائعهم، ووجد في ذلك ما يشغله وما يغنيه عما أحدثه كثير من المتأخرين من أنواع المقالات التي تخالف ما كان عليه أولئك
1-سورة النجم، آية:23.
2-
سورة البقرة، آية:213.
السلف "وهؤلاء المتأخرون"1 ممن ينتصب لعداوة آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبخسهم حقوقهم، ويؤذيهم، أو ممن يغلوا فيهم غير الحق ويفتري عليهم الكذب، ويبخس السابقين والطائعين حقوقهم، ورأى أن في المأثور عن أولئك السلف في باب التوحيد والصفات، وباب العدل والقدر، وباب الإيمان والأسماء والأحكام، وباب الوعيد والثواب، والعذاب، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما يتصل به حكم الأمراء أبرارهم وفجارهم، وحكم الرعية معهم، والكلام في الصحابة والقرابة ما يبين لكل عاقل عادل أن السلف المذكورين لم يكن بينهم من النزاع في هذه الأبواب إلا من جنس النزاع الذي أقرهم عليه الكتاب والسمة كما تقدم ذكره، وأن البدع الغليظة المخالفة للكتاب والسنة، واتفاق أولي الأمر الهداة المهتدين إنما حدثت من الأخلاف، وقد يعزون بعض ذلك إلى بعض الأسلاف، تارة بنقل غير ثابت، وتارة بتأويل لشيء من كلامهم متشابه.
ثم إن من رحمة الله قل أن ينقل عنهم شيء من ذلك إلا وفي النقول الصحيحة الثابتة عنهم للقول المحكم الصريح ما يبين غلط الغالطين عليهم في النقل أو التأويل، وهذا لأن الصراط المستقيم في كل الأمة بمنزلة الصراط في الملك، فكمال الإسلام هو الوسط في الأديان والملك، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} 2.
ولم ينحرفوا انحراف اليهود والنصارى والصابئين.
فكذلك أهل الاستقامة، ولزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه السلف، تمسكوا بالوسط، ولم ينحرفوا إلى الإطلاق.
فاليهود مثلا جفوا في الأنبياء والصديقين حتى قتلوهم وكذبوهم، كما قال الله تعالى:
1-ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
2-
سورة البقرة، آية:143.
{فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} 1.
والنصارى غلوا فيهم عبدوهم كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} 2.
واليهود انحرفوا في النسخ حتى زعموا أنه لا يقع من الله أو لا يجوز عليه، كما ذكر الله عنهم إنكاره في القرآن حيث قال:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} 3.
والنصارى قابلوهم، فجوزوا للقسيسين والرهبان أن يوجبوا ما شاءوا، ويحرموا ما شاءوا، وكذلك تقابلهم في سائر الأمور.
فهدى الله المؤمنون إلى الوسط فاعتقدوا في الأنبياء ما يستحقونه، ووقروهم، وعزروهم، وأحبوهم، وأطاعوهم واتبعوهم ولم يردوهم كما فعلت اليهود، ولا أطروهم ولا غلوا فيهم فنزلوهم منزلة الربوبية كما فعلت النصارى.
وكذلك في النسخ، جوزوا أن ينسخ الله، ولم يجوزوا لغيره أن ينسخ، فإن الله له الخلق والأمر، فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره.
وهكذا أهل الاستقامة في الإسلام المعتصمون بالحكمة النبوية، والعصبة الجماعية، متوسطون في باب التوحيد والصفات بين النفاة المعطلة وبين الشبهة الممثلة.
وفي باب القدر والعدل والأفعال بين القدرية والجبرية والقدرية المجوسية.
وفي باب الأسماء والأحكام بين من أخرج أهل المعاصي من الإيمان بالكلية
1-سورة البقرة، آية:87.
2-
سورة النساء، آية:171.
3-
سورة البقرة، آية:142.
كالخوارج وأهل المنزلة، وبين من جعل إيمان الفساق كإيمان الأنبياء والصديقين كالمرجئة والجهمية.
وفي باب الوعيد والثواب والعقاب بين الوعيد بين الذين لا يقولون بشفاعة نبينا لأهل الكبائر، وبين المرجئة الذين يقولن بنفوذ الوعيد.
وفي باب الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بين الذين يوافقون الولاة على الإثم والعدوان، ويركنون إلى الذين ظلموا، وبين الذين لا يرون أن يعاونوا أحدا على البر والتقوى، لا على جهاد ولا جمعة ولا أعياد إ أن يكون معصوما، ولا يدخلون فيما أمر الله به ورسوله إلا في طاعة من لا وجود له.
فالأولون يدخلون في المحرمات، وهؤلاء يتركون واجبات الدين، وشرائع الإسلام، غلاتهم يتركونها لأجل موافقة من يظنونه ظالما، وقد يكون كاملا في علمه وعدله.