المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَاب الِاشْتِغَال) الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة (فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونه … - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ٣

[عبد القادر البغدادي]

الفصل: ‌ ‌(بَاب الِاشْتِغَال) الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة (فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونه …

(بَاب الِاشْتِغَال)

الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة

(فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونه

صحيحات مَال طالعات بمخرم)

على أَنه مِمَّا اشْتغل الْفِعْل فِيهِ بِنَفس الضَّمِير إِذْ التَّقْدِير: يعْقلُونَ كلا هَذَا الْبَيْت من معلقَة زُهَيْر بن أبي سلمى وَضمير الْجمع فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة عَائِد إِلَى الْحَيّ وهم قَبيلَة بني ذبيان وَقَوله: فكلاً أَي: فَكل وَاحِد من المقتولين الْمَذْكُورين قبل هَذَا الْبَيْت وروى الأعلم: يعقلونهم بإرجاع الضَّمِير إِلَى كل مجموعاً بِاعْتِبَار الْمَعْنى نَحْو قَوْله تَعَالَى: كل فِي فلك يسبحون ويعقلونه: أَي: يؤدون عقله أَي: دِيَته يُقَال عقلت الْقَتِيل من بَاب ضرب: أدّيت دِيَته قَالَ الْأَصْمَعِي: سميت الدِّيَة عقلا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي الْقَتِيل ثمَّ كثر الِاسْتِعْمَال حَتَّى أطلق الْعقل على الدِّيَة إبِلا كَانَت أَو نَقْدا وعقلت عَنهُ: غرمت عَنهُ مَا لزمَه من دِيَة وَجِنَايَة وَهَذَا هُوَ الْفرق بَين عقلته وعقلت عَنهُ: وَمن الْفرق بَينهمَا أَيْضا عقلت لَهُ دم فلَان: إِذا تركت الْقود للدية وَعَن الْأَصْمَعِي: كلمت القَاضِي أَبَا يُوسُف بِحَضْرَة الرشيد فِي ذَلِك فَلم يفرق بَين عقلته وعقلت عَنهُ حَتَّى

فهمته كَذَا فِي الْمِصْبَاح فتفسير الأعلم فِي شَرحه للديوان يعقلونه بقوله: يغرمون دِيَته

ص: 3

غير جيد وَالْمعْنَى: أرى حَيّ ذبيان أَصْبحُوا يعْقلُونَ كل وَاحِد من المقتولين من بني عبس فالرؤية وَاقعَة على ضمير الْحَيّ وَالْعقل وَاقع على ضمير كل فَلَا يَصح قَول أبي جَعْفَر النَّحْوِيّ وَقَول الْخَطِيب)

التبريزي فِي شرحيهما لهَذِهِ الْمُعَلقَة: إِن كلا مَنْصُوب بإضمار فعل يفسره مَا بعده كَأَنَّهُ قَالَ: فَأرى كلا وَيجوز الرّفْع على أَن لَا يضمر لَكِن النصب أَجود لتعطف فعلا على فعل لِأَن قبله وَلَا شاركت فِي الْحَرْب وَوجه الرّفْع حِينَئِذٍ: أَن يكون كل مُبْتَدأ وَجُمْلَة يعقلونه الْخَبَر وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَقَوله صحيحات مَال أَي: لَيست بعدة وَلَا مطل يُقَال: مَال صَحِيح: إِذا لم تدخله عِلّة فِي عدَّة ومطل وَالْمَال عِنْد الْعَرَب: الْإِبِل وَعند الْفُقَهَاء: مَا يتمول أَي: مَا يعد مَالا فِي الْعرف وَقَوله: طالعات بمخرم هُوَ بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الثَّنية فِي الْجَبَل وَالطَّرِيق يَعْنِي: أَن إبل الدِّيَة تعلو فِي أَطْرَاف الْجَبَل عِنْد سوقها إِلَى أَوْلِيَاء المقتولين يُشِير إِلَى وفائهم وروى أَبُو جَعْفَر والخطيب المصراع الثَّانِي: علالة ألف بعد ألف مصتم والعلالة: بِضَم الْمُهْملَة هَاهُنَا: الزِّيَادَة وَبِنَاء فعالة للشَّيْء الْيَسِير نَحْو القلامة والمصتم بِضَم الْمِيم وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: التَّام والكامل

وروى صعوداء فِي شَرحه لديوان زُهَيْر: صحيحات ألف بعد ألف مصتم

ص: 4

وَالْبَيْت الْمَذْكُور. على رِوَايَة الأعلم ملفق من بَيْتَيْنِ. وَهَذِه رِوَايَته:

(فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونهم

علالة ألف بعد ألف مصتم)

(تساق إِلَى قوم لقوم غَرَامَة

صحيحات مَال طالعات بمخرم)

وَقَالَ: وَقَوله: تساق إِلَى قوم أَي: يدْفع إبل الدِّيَة قوم إِلَى قوم ليبلغوها هَؤُلَاءِ وَيَنْبَغِي أَن نورد مَا قبل هَذَا الْبَيْت حَتَّى يَتَّضِح مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ السَّبَب الَّذِي قيلت هَذِه القصيدة لأَجله فَنَقُول: قَالَ الشُّرَّاح: إِن زهيراً مدح بِهَذِهِ القصيدة الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان المريين وَذكر سعيهما بِالصُّلْحِ بَين عبس وذبيان وتحملهما الْحمالَة وَكَانَ ورد بن حَابِس الْعَبْسِي قتل هرم بن ضَمْضَم المدي فِي حَرْب عبس وذبيان قبل الصُّلْح وَهِي حَرْب داحس ثمَّ اصْطلحَ النَّاس وَلم يدْخل حُصَيْن بن ضَمْضَم أَخُو هرم بن ضَمْضَم فِي الصل فِي الصُّلْح وَحلف: لَا يغسل رَأسه حَتَّى يقتل ورد بن حَابِس أَو رجلا من بني عبس ثمَّ من بني غَالب وَلم يطلع على ذَلِك أحدا وَقد حمل الْحمالَة الْحَارِث بن عَوْف بن أبي حَارِثَة وهرم بن سِنَان بن أبي حَارِثَة فَأقبل رجل من بني عبس ثمَّ من بني غَالب حَتَّى نزل بحصين بن ضَمْضَم فَقَالَ: من)

أَنْت أَيهَا الرجل فَقَالَ: عبسي فَقَالَ: من أَي عبس فَلم يزل ينتسب

حَتَّى انتسب إِلَى غَالب فَقتله حُصَيْن فَبلغ ذَلِك الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمَا وَبلغ بني عبس فَرَكبُوا نَحْو الْحَارِث فَلَمَّا بلغ الْحَارِث ركُوب بني عبس وَمَا قد اشْتَدَّ عَلَيْهِم من قتل صَاحبهمْ وَإِنَّمَا أَرَادَت بَنو عبس أَن يقتلُوا

ص: 5

الْحَارِث بعث إِلَيْهِم بِمِائَة من الْإِبِل مَعهَا ابْنه وَقَالَ للرسول: قل لَهُم: آللبن أحب إِلَيْكُم أم أَنفسكُم فَأقبل الرَّسُول حَتَّى قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ لَهُم الرّبيع بن زِيَاد: إِن أَخَاكُم قد أرسل إِلَيْكُم: آلإبل أحب إِلَيْكُم أم ابْنه تَقْتُلُونَهُ فَقَالُوا: نَأْخُذ الْإِبِل ونصالح قَومنَا وَيتم الصُّلْح فَقَالَ زُهَيْر فِي ذَلِك هَذِه القصيدة وَبعد أَن تغزل بِخَمْسَة عشر بَيْتا قَالَ:

(سعى ساعياً غيظ بن مرّة بَعْدَمَا

تبزل مَا بَين الْعَشِيرَة بِالدَّمِ)

الساعيان: الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان وَقيل: خَارِجَة بن سِنَان وَهُوَ أَخُو هرم بن سِنَان وهما ابْنا عَم لِلْحَارِثِ بن عَوْف لِأَنَّهُمَا ابْنا سِنَان بن أبي حَارِثَة والْحَارث هُوَ ابْن عَوْف بن أبي حَارِثَة وابْن أبي حَارِثَة هُوَ ابْن مرّة بن نشبة بن مرّة بن غيظ بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان وَمعنى سعيا: أَي: عملا عملا حسنا حِين مشيا للصلح وتحملا الدِّيات وتبزل أَي: تشقق يَقُول: كَانَ بَينهم صلح فتشقق بِالدَّمِ الَّذِي كَانَ بَينهم فسعيا فِي إحكام الْعَهْد بعد مَا تشقق بسفك الدِّمَاء

(فأقسمت بِالْبَيْتِ الَّذِي طَاف حوله

رجال بنوه من قُرَيْش وجرهم)

أَرَادَ بِالْبَيْتِ الْكَعْبَة المعظمة وجرهم: أمة قديمَة كَانَت أَرْبَاب الْبَيْت قبل قُرَيْش وبنوه بِفَتْح النُّون من الْبناء وَضمّهَا خطأ

(يَمِينا لنعم السيدان وجدتما

على كل حَال من سحيل ومبرم)

ص: 6

يَمِينا: مصدر مُؤَكد لقَوْله أَقْسَمت وَجُمْلَة لنعم السيدان الخ جَوَاب الْقسم وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب أَفعَال الْمَدْح على أَن الْمَخْصُوص بالمدح إِذا تَأَخّر عَن نعم يجوز دُخُول نواسخ الْمُبْتَدَأ عَلَيْهِ فَإِن ضمير التَّثْنِيَة فِي وجدتما هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح وَقد دخل عَلَيْهِ النَّاسِخ وَهُوَ وجد وعلى مُتَعَلقَة بِهِ والسحيل: بِفَتْح السِّين وَكسر الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: المسحول أَي: الَّذِي لم يحكم فتله والمبرم: مفعول من أبرم الفاتل الْحَبل: إِذا أعَاد عَلَيْهِ الفتل ثَانِيًا بعد أول فَالْأول سحيل وَالثَّانِي مبرم وَقيل: السحيل: مَا فتل من خيط وَاحِد)

والمبرم: مَا فتل من خيطين وَأَرَادَ بالسحيل الْأَمر السهل الضَّعِيف وبالمبرم الشَّديد الْقوي

(تداركتما عبساً وذبيان بَعْدَمَا

تفانوا ودقوا بَينهم عطر منشم)

عبس وذبيان: أَخَوان وهما ابْنا بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس

بن عيلان بن مُضر أَي: تداركتماهما بِالصُّلْحِ بَعْدَمَا تفانوا بِالْحَرْبِ ومنشم الْمَشْهُور بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة زَعَمُوا أَنَّهَا امْرَأَة عطارة من خُزَاعَة تحالف قوم فأدخلوا أَيْديهم فِي عطرها على أَن يقاتلوا حَتَّى يموتوا فَضرب زُهَيْر بهَا الْمثل أَي: صَار هَؤُلَاءِ فِي شدَّة الْأَمر بِمَنْزِلَة أُولَئِكَ وَقيل: كَانُوا إِذا حَاربُوا اشْتَروا مِنْهَا كافوراً لموتاهم فتشاءموا بهَا وَزعم بَعضهم: أَنَّهَا امْرَأَة من بني غُدَانَة وَهِي صَاحِبَة

ص: 7

يسَار الكواعب وَكَانَت امْرَأَة مَوْلَاهُ وَكَانَ يسَار من أقبح النَّاس وَكَانَ النِّسَاء يضحكن من قبحه فَضَحكت مِنْهُ منشم يَوْمًا فَظن أَنَّهَا خضعت إِلَيْهِ فَرَاوَدَهَا عَن نَفسهَا فَقَالَت لَهُ: مَكَانك فَإِن للحرائر طيبا فَأَتَت بمُوسَى فأشمته طيبا ثمَّ أنحت على أصل أَنفه فاستوعبته قطعا فَخرج هَارِبا وَدَمه يسيل فَضرب الْمثل فِي الشَّرّ بِطيب منشم وَقيل غير ذَلِك

(وَقد قلتما إِن ندرك السّلم وَاسِعًا

بِمَال ومعروف من القَوْل نسلم)

السّلم والسّلم: الصُّلْح يذكر وَيُؤَنث وَمنا مُذَكّر لقَوْله: وَاسِعًا: أَي: مُمكنا وَقَالَ الأعلم: أَي: كَامِلا مكيناً وَقَوله: نسلم أَي: من الْحَرْب وَرُوِيَ بِضَم النُّون أَي: نوقع السّلم بَين الْقَوْم وَالصُّلْح

(فأصبحتما مِنْهَا على خير موطن

بعيدين فِيهَا من عقوق ومأثم)

أَي: أصبحتما من الْحَرْب على خير منزلَة وَمن للبدل وبعيدين: خبر بعد خبر والعقوق: قطيعة الرَّحِم والمأثم: الْإِثْم عليا معد: مؤنث أَعلَى أَي: فِي عليا منزلَة هَذِه الْقَبِيلَة وَرُوِيَ بدل وَغَيرهَا هديتما وَهُوَ دُعَاء أَي: دَامَت هدايتكما إِلَى طَرِيق الْفَلاح وَمعنى يستبح كنزاً يصب مجداً مُبَاحا والكنز كِنَايَة عَن الْكَثْرَة يَقُول: من فعل فعلكما فقد أُبِيح لَهُ الْمجد وَاسْتحق أَن يعظم عِنْد النَّاس رُوِيَ يعظم بِالْفَتْح أَي: يصر عَظِيما وبالضم مَعَ كسر الظَّاء أَي: يَأْتِ بِأَمْر عَظِيم وَمَعَ فتح الظَّاء أَي: يعظمه النَّاس وعظيمين خبر ثَالِث

ص: 8

(فَأصْبح يحدى فيهم من تلادكم

مَغَانِم شَتَّى من إفال المزنم))

(تعفى الكلوم بالمئين فَأَصْبَحت

ينجمها من لَيْسَ فِيهَا بمجرم)

أَي: تمحى الْجِرَاحَات بالمئين من الْإِبِل وَإِنَّمَا يَعْنِي أَن الدِّمَاء تسْقط بالديات

وَقَوله: ينجمها أَي: تجْعَل نجوماً على غارمها وَلم يجرم فِيهَا أَي: لم يَأْتِ بجرم من قتل تجب

(ينجمها قوم لقوم غَرَامَة

وَلم يهريقوا بَينهم ملْء محجم)

يَعْنِي أَن هذَيْن الساعيين حملا دِمَاء من قتل وَغرم فِيهَا قوم من رهطهما على أَنهم لم يصبوا دم أحد ملْء محجم أَي: أَنهم أعْطوا فِيهَا وَلم يقتلُوا ويهريقوا: أَصله يريقوا وزيدت الْهَاء الْمَفْتُوحَة

(فَمن مبلغ الأحلاف عني رِسَالَة

وذبيان: هَل أقسمتم كل مقسم)

(فَلَا تكتمن الله مَا فِي نفوسكم

ليخفى وَمهما يكتم الله يعلم)

الأحلاف: أَسد وغَطَفَان وطيئ وَمعنى هَل أقسمتم الخ أَي: هَل حلفتم كل الْحلف لتفعلن مَا لَا يَنْبَغِي وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بحث هَل وَقَوله: فَلَا تكتمن الله الخ أَي: لَا تضمروا خلاف

ص: 9

مَا تظهرونه فَإِن الله يعلم السِّرّ فَلَا تكتموا مَا فِي أَنفسكُم من الصُّلْح وَتَقولُوا: لَا حَاجَة لنا إِلَيْهِ وَقيل معنى قَوْله: هَل أقسمتم هَل حلفتم على إبرام حَبل الصُّلْح فتخرجوا من الْحِنْث فَلَا تخفوا الله مَا تضمرون من الْغدر وَنقض الْعَهْد ويكتم: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِخِلَاف يعلم فَإِنَّهُ للْفَاعِل

(يُؤَخر فَيُوضَع فِي كتاب فيدخر

ليَوْم الْحساب أَو يعجل فينقم)

جَمِيع الْأَفْعَال بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَا عدا الْأَخير يُقَال: نقم مِنْهُ من بَاب ضرب

بِمَعْنى عاقبه وانتقم

(وَمَا الْحَرْب إِلَّا مَا علمْتُم وذقتم

وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المرجّم)

يَقُول: مَا الْحَرْب إِلَّا مَا جربتم وذقتم فإياكم أَن تعودوا إِلَى مثلهَا وَقَوله: وَمَا هُوَ عَنْهَا أَي: مَا الْعلم عَن الْحَرْب بِالْحَدِيثِ أَي: مَا الْخَبَر عَنْهَا بِحَدِيث يرْجم فِيهِ بِالظَّنِّ فَقَوله: هُوَ كِنَايَة عَن)

الْعلم لِأَنَّهُ لما قَالَ إِلَّا مَا علمْتُم دلّ على الْعلم كَذَا قَالَ الْخَطِيب وَأَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ وَقَالَ صعوداء فِي شَرحه: هُوَ ضمير مَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا الَّذِي علمْتُم وَقَالَ الزوزني: هُوَ ضمير القَوْل لَا الْعلم لِأَن الْعلم لَا يكون قولا أَي: وَمَا هَذَا الَّذِي أَقُول بِحَدِيث مرجّم أَي: هَذَا مَا شهِدت عَلَيْهِ الشواهد الصادقة من التجارب وَلَيْسَ من أَحْكَام الظنون وَقَالَ الأعلم: هُوَ كِنَايَة عَن الْعلم يُرِيد: وَمَا علمْتُم بِالْحَرْبِ وعَن: بدل من الْبَاء أَي: مَا هُوَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يرْمى بِهِ بالظنون ويشكّ وَأورد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْمصدر على أَن ضمير الْمصدر يعْمل فِي الْجَار وَالْمَجْرُور وَقَالَ: أَي: مَا حَدِيثي عَنْهَا. فَجعله ضمير

ص: 10

الحَدِيث. والمرجّم: الَّذِي يرجّم بالظنون والترجيم: الظَّن. وَالْمعْنَى: أَنه يحضّهم على قبُول الصُّلْح ويخوفهم من الْحَرْب:

(مَتى تبعثوها تبعثوها ذميمة

وتضرى إِذا ضرّيتموها فتضرم)

أَي: إِن لم تقبلُوا الصُّلْح وهجتم الْحَرْب لم تحمدوا أمرهَا والْبَعْث: الإثارة وذميمة: أَي: تذمون عَاقبَتهَا. وَرُوِيَ: دَمِيمَة بِالْمُهْمَلَةِ: أَي:

حقيرة وَهَذَا بِاعْتِبَار المبدأ وضري بالشَّيْء من بَاب تَعب ضراوة: اعتاده واجترأ عَلَيْهِ ويعدّى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف قَالَ صعوداء فيش رحه: من الْعَرَب من يهمز ضري فَيَقُول: قد ضرئ بِهِ: فَمن هَذِه اللُّغَة تَقول: وتضرأ إِذا ضرأتموها وضرمت النَّار من بَاب تَعب أَيْضا: التهبت.

(فتعرككم عَرك الرَّحَى بثفالها

وتلقح كشافاً ثمَّ تحمل فتتئم)

مَعْطُوف على جَوَاب الشَّرْط وَيقْرَأ بِضَم الْمِيم للوزن قَالَ صعوداء: وَإِن رفعته مستانفاً كَانَ صَوَابا أَقُول: يمنعهُ مَا بعده من الْأَفْعَال السَّبْعَة فَإِنَّهَا مجزومة أَي: تطحنكم وتهلككم: وأصل العرك: دلك الشَّيْء. والثفال: بِكَسْر الْمُثَلَّثَة: جلدَة تكون تَحت الرَّحَى إِذا أَدْبَرت يَقع عَلَيْهَا الدَّقِيق. وَالْبَاء للمعيّة نَحْو قَوْله تَعَالَى تنْبت بالدهن. أَي: وَمَعَهَا الدّهن. وَجَاء فلَان بِالسَّيْفِ: أَي: وَمَعَهُ السَّيْف. وَالْمعْنَى: عَرك الرَّحَى طاحنة

ص: 11

لِأَن الرَّحَى لَا تطحن إِلَّا وَتَحْت مجْرى الدَّقِيق ثفال. فَعَرَكَ: مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: الْحبّ.

قَالَ صعوداء: فظع بِهَذَا أَمر الْحَرْب وَأخْبر بأشد أَوْقَاتهَا. قَالَ: والكشاف فِي لُغَة كنَانَة وهذيل وخزاعة: الْإِبِل الَّتِي لم تحمل عَاميْنِ: وَتَمِيم وَقيس وَأسد وَرَبِيعَة يَقُولُونَ: الْكَشَّاف الَّتِي إِذا نتجت ضربهَا الْفَحْل بعد أَيَّام فلقحت وَبَعْضهمْ يَقُول: هِيَ الَّتِي يحمل عَلَيْهَا فِي الدَّم: وَأَبُو مُضر)

طبّ بعسّ الْبَوْل غير ظلام قَالَ: فَهُوَ لَا يدنو مِنْهَا جاملاً فَكيف يدنو إِلَيْهَا فِي دَمهَا وَقَالَ: الْكَشَّاف عندنَا: أَن يحمل على النَّاقة عَاميْنِ متوالين وَذَلِكَ مُضر بهَا وَهُوَ أردأ النِّتَاج: وَإِلَى

هَذَا ذهب زُهَيْر أَي: إِن الْحَرْب تتوالى عَلَيْكُم فينالكم مِنْهَا هَذَا الضَّرَر. وَرُوِيَ: ثمَّ تحمل فتتئم والإتآم: أَن تضع اثْنَيْنِ: وَلَيْسَ فِي الْإِبِل إتآم إِنَّمَا الإتآم فِي الْغنم خَاصَّة وَإِنَّمَا يُرِيد بذلك تفظيع الْحَرْب وتحذيرهم إِيَّاهَا. جعل آفَة الْحَرْب إيَّاهُم بِمَنْزِلَة طحن الرَّحَى الحبّ وَجعل صنوف الشَّرّ تتولد من تِلْكَ الحروب بِمَنْزِلَة الْأَوْلَاد الناشئة من الْأُمَّهَات.

قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب: شبه الْحَرْب بالناقة لِأَنَّهُ جعل مَا يحلب مِنْهَا من الدِّمَاء بِمَنْزِلَة مَا يحلب من النَّاقة من اللَّبن كَمَا قَالَ:

(إِن المهالب لَا يزَال لَهُم فَتى

يمري قوادم كل حَرْب لاقح)

ص: 12

وَقيل: إِنَّمَا شبه الْحَرْب بالناقة إِذا حملت ثمَّ أرضعت لِأَن هَذِه الحروب تطول وَهِي أشبه بِالْمَعْنَى. وَقَوله: تتئم أَي: تَأتي بتوأمين الذّكر توأم وَالْأُنْثَى توأمة.

(فتنتج لكم غلْمَان أشأم كلهم

كأحمر عَاد ثمَّ تُوضَع فتفطم)

مَعْطُوف على قَوْله فتتئم. نتجت النَّاقة ولدا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: إِذا وَضعته. وأشأم: قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَنه مصدر كَأَنَّهُ قَالَ: غلْمَان شُؤْم وَالْآخر: أَنه صفة لموصوف أَي: غلْمَان امْرِئ أشأم أَي: مشؤوم.

وَقَالَ الأعلم: أشام هُنَا صفة للمصدر على معنى الْمُبَالغَة وَالْمعْنَى: غلْمَان شُؤْم أشام كَمَا يُقَال: شغل شاغل. وكلهم: مُبْتَدأ وكأحمر عَاد: خَبره. .

وَقَالَ صعوداء: وَإِن شِئْت رفعت كلا بأشأم كَمَا تَقول مَرَرْت بِرِجَال كريم أبوهم. وَفِيه أَن كلا إِذا أضيفت لضمير لَا تقع معمولة لعامل لَفْظِي.

وَيُرِيد بأحمر عَاد: عَاقِر النَّاقة واسْمه قدار بن سالف وأحمر لقبه. قَالَ الْأَصْمَعِي: اخطأ زُهَيْر فِي هَذَا لِأَن عَاقِر النَّاقة لَيْسَ من عَاد وَإِنَّمَا هُوَ من ثَمُود. وَقَالَ الْمبرد: لَا غلط لِأَن ثَمُود يُقَال لَهَا عَاد الْآخِرَة وَيُقَال لقوم هود عَاد الأولى وَالدَّلِيل على هَذَا قَوْله تَعَالَى وَأَنه أهلك عاداً الأولى وَقَالَ صعوداء والأعلم لَا غلط لكنه جعل عاداً فَكَانَ ثَمُود اتساعاً مجَازًا المعني مَعَ تقَارب مَا بَين عَاد وَثَمُود فِي الزَّمن والأخلاق.)

والإرضاع والفطم معروفان أَي: لاتنزع إِلَّا عَن حَوْلَيْنِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ

ص: 13

طول شدتها وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِع إِلَّا عَن تَمام لِأَن الْمَرْأَة إِذا أرضعت ثمَّ فطمت فقد تمت.

(فتغلل لكم مَا لَا تغل لأَهْلهَا

قرى بالعراق من قفيز وَدِرْهَم)

مَعْطُوف على قَوْله: فتفطم أَي: فتغلل لكم هَذِه الْحَرْب من الدّيات بدمائ قَتْلَاكُمْ مَا لَا تغلّ قرى بالعراق وَهِي تغل القفيز وَالدِّرْهَم. وَهَذَا تهكّم بهم واستهزاء. يُقَال: أغلّت الضّيعة بِالْألف. صَارَت ذَات غلّة. والغلّة كل شَيْء من ريع الأَرْض أَو من أجرتهَا وَنَحْو ذَلِك.

(لعمري لنعم الحيّ جرّ عَلَيْهِم

بِمَا لَا يواتيهم حُصَيْن بن ضَمْضَم)

جرّ: من الجريرة: وَهِي الْجِنَايَة. وفاعله حُصَيْن. وَالْجُمْلَة صفة لموصوف مَحْذُوف هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح أَي: لنعم الْحَيّ حَيّ جر عَلَيْهِم. . الخ. وعمري: مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: قسمي. وَجُمْلَة لنعم الْحَيّ الخ جَوَاب

الْقسم. ولَا يواتيهم: لَا يوافقهم رُوِيَ: لَا يماليهم والممالأة: المعاونة. وحصين بن ضَمْضَم هُوَ ابْن عَم النَّابِغَة الذبياني لِأَن النَّابِغَة هُوَ ابْن مُعَاوِيَة بن ضباب بن جَابر بن يَرْبُوع بن غيظ بن مره بن عَوْف بن سعد بن ذبيان وحصين هُوَ ابْن ضَمْضَم بن ضباب إِلَى آخر النّسَب.

وجنايته: أَنه أَنه لما اصطلحت قَبيلَة ذبيان مَعَ قَبيلَة عبس أَبى حُصَيْن بن ضَمْضَم أَن يدْخل فِي الصُّلْح واستتر مِنْهُم ثمَّ عدا على رجل من بني عبس فَقتله كَمَا تقدم بَيَانه. وَإِنَّمَا مدح حيّ ذبيان لتحملهم الدِّيات إصلاحاً لذات الْبَين:

(وَكَانَ طوى كشحاً على مستكنّة

فَلَا هُوَ أبداها وَلم يتجمجم)

ص: 14

طوى بإضمار قد عِنْد الْمبرد قَالَ: لِأَن كَانَ فعل مَاض اسْمهَا ضمير حُصَيْن وَلَا يخبر عَنهُ إِلَّا باسم أَبُو بِمَا ضارعه. وَخَالفهُ أَصْحَابه فِي هَذَا. . والكشح: الْجنب وَقيل: الخاصرة يُقَال: طوى كشحه على فعلة: إِذا أضمرها فِي نَفسه. والمستكنّة: المستترة وَهِي صفة لموصوف أَي غدرة مضمرة أَو نِيَّة مستترة أَو حَالَة مستكنة لِأَنَّهُ كَانَ قد أضمر قتل ورد بن حَابِس الْقَاتِل أَخَاهُ هرم بن ضَمْضَم أَو يقتل رجلا من بني عبس وَلِهَذَا كَانَ أَبى من الصُّلْح.

وَقَوله: وَلم يتجمجم أَي: لم يدع التَّقَدُّم فِيمَا أضمر وَلم يتَرَدَّد فِي إِنْفَاذه يُقَال: جمجم الرجل وتجمجم: إِذا لم يبين كَلَامه وَسَيَأْتِي هَذَا الْبَيْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي خبر كَانَ وَقَالَ سأقضي حَاجَتي ثمَّ اتقِي عدوي بِأَلف من ورائي ملجم حَاجته هِيَ ادراك ثَأْره وملجم قَالَ صعوداء:)

يرْوى بِكَسْر الْجِيم

أَي: ألف فَارس ملجم فرسه وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا أَي: ألف فرس ملجم. وَالْفرس مِمَّا يذكر وَيُؤَنث.

(فشدّ وَلم تفزع بيُوت كَثِيرَة

لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم)

أورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن حَيْثُ قد تجر بِغَيْر من على غير الْغَالِب.

وَقَوله: فَشد. . الخ أَي: حمل حُصَيْن على ذَلِك الرجل من عبس فَقتله. وَلم تفزع بيُوت كَثِيرَة أَي: لم يعلم أَكثر قومه بِفِعْلِهِ. وَأَرَادَ بِالْبُيُوتِ أَحيَاء وقبائل. يَقُول: لَو علمُوا بِفِعْلِهِ لفزعوا أَي: لأغاثوا الرجل الْمَقْتُول وَلم يدعوا صيناً يقْتله. وَإِنَّمَا أَرَادَ بقوله هَذَا أَلا يفسدوا صلحهم

ص: 15

بفعلة.

وَرُوِيَ: وَلم يفزع بيُوت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. قَالَ الْخَطِيب: أَي: لم يفزع أهل بيُوت ثمَّ حذف يَقُول: شدّ على عدوه وَحده فَقتله وَلم يفزع الْعَامَّة بِطَلَب وَاحِد أَي: لم يستعن عَلَيْهِ بِأحد وَإِنَّمَا قصد الثأر. وَقيل: مَعْنَاهُ أَي: لم يعلمُوا بِهِ. وَرُوِيَ: وَلم ينظر بُيُوتًا أَي: لم يُؤَخر أهل بَيت ورد بن حَابِس فِي قَتله لكنه عجل فَقتل هَذَا الرجل.

يُقَال: أنظرته بِالْألف أَي: أَخَّرته. وَرُوِيَ أَيْضا: وَلم ينظر من نظرت الرجل. أَي: انتظرته.

وَقَوله: لَدَى حَيْثُ الخ أَي: حَيْثُ كَانَ شدَّة الْأَمر يَعْنِي مَوضِع الْحَرْب وأم قشعم هِيَ الْحَرْب وَيُقَال: هِيَ الْمنية. وَالْمعْنَى أَن حصيناً شدّ على الرجل الْعَبْسِي فَقتله بعد الصُّلْح وَحَيْثُ حطت رَحلهَا الْحَرْب وَوضعت أَوزَارهَا وسكنت. وَيُقَال: هُوَ دُعَاء على حُصَيْن أَي: عدا على الرجل بعد الصُّلْح وَخَالف الْجَمَاعَة فصيّره الله إِلَى هَذِه الشدَّة وَيكون معنى أَلْقَت رَحلهَا على هَذَا ثبتَتْ وتمكنت.

وَقيل: أم قشعم: كنية العنكبوت وَقيل: كنية الضبع. وَالْمعْنَى: فَشد على

صَاحب ثَأْره بمضيعة من الأَرْض وَقَالَ صعوداء فِي شَرحه: وَقَالَ قوم: أم قشعم: أم حُصَيْن هَذَا الَّذِي شدّ أَي: فَلم يفزع الْبيُوت الَّتِي بِحَضْرَة بَيت أمه والرحل: مَا يستصحبه الْمُسَافِر من الْمَتَاع

(لَدَى أَسد شاكي السِّلَاح مقاذف

لَهُ لبد أَظْفَاره لم تقلم)

لَدَى: مُتَعَلقَة بقوله أَلْقَت رَحلهَا وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات تَلْخِيص الْمعَانِي وَغَيره على أَن التَّجْرِيد والترشيح قد يَجْتَمِعَانِ: فَإِن شاكي السِّلَاح تَجْرِيد لِأَنَّهُ وصف بِمَا يلائم الْمُسْتَعَار لَهُ وَهُوَ الرجل الشجاع وَمَا بعده ترشيح لِأَن هَذَا الْوَصْف مِمَّا يلائم الْمُسْتَعَار مِنْهُ وَهُوَ الْأسد الْحَقِيقِيّ قَالَ الأعلم والخطيب: أَرَادَ بقوله لَدَى أَسد الْجَيْش وَحمل لفظ الْبَيْت على الْأسد وَقَالَ)

الزوزني: الْبَيْت

ص: 16

كُله من صفة حُصَيْن بن ضَمْضَم وَهُوَ الصَّوَاب وَقَوله: شَاك السِّلَاح أَي: سلاحه شائكة حَدِيدَة ذُو شَوْكَة وَأَرَادَ شائك فقلبت الْيَاء من عين الْفِعْل إِلَى لامه يجوز حذف الْيَاء فَيُقَال شَاك وَيكون شَاك على وزن فعل كَمَا قَالُوا رجل خَافَ وَمَال وَأَصله خوف ومول فَيُقَال: شَاك ومقاذف: مرامي يرْوى باسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَرُوِيَ أَيْضا: مقذف اسْم مفعول وَهُوَ الغليظ الْكثير اللَّحْم واللبد بِكَسْر اللَّام: جمع لبدة وَهِي زبرة الْأسد والزبرة: شعر متراكب بَين كَتِفي الْأسد إِذا أسن والْأَظْفَار: السِّلَاح وتقليمها: نَقصهَا يَقُول: سلاحه تَامّ حَدِيد

قَالَ الأعلم: وَأول من كنى بالأظفار عَن السِّلَاح أَوْس بن حجر فِي قَوْله:

(لعمرك إِنَّا والأحاليف هؤلا

لفي حقبة أظفارها لم تقلم)

(وَبَنُو جذيمة لَا محَالة أَنهم

آتوك غير مقلمي الْأَظْفَار)

أَي: لَيْسَ سِلَاحهمْ بناقص وَقَالَ الزوزني: قَوْله لم يقلم يُرِيد أَنه لَا يَعْتَرِيه ضعف وَلَا يعِيبهُ عدم شَوْكَة كَمَا أَن الْأسد لَا تقلم براثنه

(جريء مَتى يظلم يُعَاقب بظلمه

سَرِيعا وَإِلَّا يبد بالظلم يظلم)

جريء بِالْجَرِّ صفة لأسد المُرَاد بِهِ حُصَيْن بن ضَمْضَم وَيجوز رَفعه ونصبه ومَتى يظلم وإلاّ يبد كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. ويُعَاقب ويظلم بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل. والجريء: ذُو الجراءة والشجاعة. يَقُول: هُوَ شُجَاع مَتى ظلم عاقب

ص: 17

الظَّالِم بظلمه سَرِيعا وَإِن لم يَظْلمه أحد ظلم النَّاس إِظْهَارًا لعزة نَفسه وشدّة جراءته. وسَرِيعا: حَال أَو صفة مصدر أَي: يُعَاقب عقَابا سَرِيعا.

وَقَوله: وَإِلَّا يبد الأَصْل فِيهِ الْهَمْز من بَدَأَ يبْدَأ إِلَّا أَنه لما اضْطر أبدل من الْهمزَة ألفا ثمَّ حذف الْألف للجزم وَهَذَا من أقبح الضرورات وَلِهَذَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي أول شرح الشافية.

وَحكي عَن سِيبَوَيْهٍ: أَن أَبَا زيد قَالَ لَهُ: من الْعَرَب من يَقُول قريت فِي قَرَأت

فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَانَ يجب أَن يَقُول أقري حَتَّى تكون مثل رميت أرمي. وَإِنَّمَا أنكر سِيبَوَيْهٍ هَذَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِيء فعلت أفعل بِفَتْح الْعين فيهمَا إِذا كَانَ عين الْفِعْل أَو لامه من حُرُوف الْحلق وَلَا يكَاد يكون هَذَا فِي الْألف إِلَّا أَنهم قد حكوا أَبى يَأْبَى فجَاء على فعل يفعل.)

قَالَ أَبُو إِسْحَاق قَالَ اسماعيل بن اسحاق: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الْألف لمضارعتها حُرُوف الْحلق فشبّهت بِالْهَمْزَةِ. يَعْنِي: فشبهت بقَوْلهمْ قَرَأَ يقْرَأ وَمَا أشبهه.

(رعوا مَا رعوا من ظمئهم ثمَّ أوردوا

غماراً تسيل بِالرِّمَاحِ وبالدم)

هَذَا إضراب عَن قصَّة حُصَيْن إِلَى تقبيح الْحَرْب والحث على الصُّلْح. الظمء بِالْكَسْرِ وَآخره همزَة أَصله الْعَطش وَهُوَ هُنَا مَا بَين الشربتين. والغمار جمع غمر بِالْفَتْح وَهُوَ المَاء الْكثير. يُرِيد: أَقَامُوا فِي غير حَرْب ثمَّ أوردوا خيلهم وأنفسهم الْحَرْب أَي: أدخلوها فِي الْحَرْب أَي: كَانُوا فِي صَلَاح من أُمُورهم ثمَّ صَارُوا إِلَى حَرْب يسْتَعْمل فِيهَا السِّلَاح وتسفك فِيهَا الدِّمَاء. وَضرب الظمء مثلا لما كَانُوا فِيهِ من ترك الْحَرْب وَضرب الغمار مثلا لشدَّة الْحَرْب. وَرُوِيَ: تفرّى بِالسِّلَاحِ وبالدم وَأَصله تتفرّى بتاءين أَي: تتفتّح وتتكشف.

(فقضوا منايا بَينهم ثمَّ أصدروا

إِلَى كلأ مستوبل متوخّم)

ص: 18

الْكلأ: العشب. وقضّاه: أحكمه ونفذه. وأصدر: ضد أورد. واستوبلت الشَّيْء: استثقلته والوبيل: الوخيم الَّذِي لَا يمرئ. يَقُول: فَقتل كل وَاحِد من الحيّين الآخر فَقَوله: فقضوا منايا بَينهم أَي: أنفذوها بِمَا بعثوا من الْحَرْب ثمَّ أصدروا إِلَى الْكلأ أَي: رجعُوا إِلَى أَمر استوبلوه. وَضرب الْكلأ مثلا. والمستوبل: السَّيئ الْعَاقِبَة أَي صَار آخر أَمرهم إِلَى وخامة وَفَسَاد.

(لعمرك ماجرت عَلَيْهِم رماحهم

دم ابْن نهيك أَو قَتِيل المثلم)

(وَلَا شاركوا فِي الْقَوْم فِي دم نَوْفَل

وَلَا وهب مِنْهُم وَلَا ابْن المحزّم)

يَقُول: هَؤُلَاءِ الَّذين يُعْطون دِيَة الْقَتْلَى لم تجر عَلَيْهِم رماحهم دِمَاء الْمَذْكُورين. وابْن نهيك بفنح النُّون وَكسر الْهَاء. وَنَوْفَل ووهب بِفَتْح الْوَاو وَالْهَاء وَابْن المحزم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة كلهم من عبس. وجرت: جنت. وَالْمعْنَى: أَن رماحهم لم تقتل أحدا من هَؤُلَاءِ الَّذين يدونهم وَإِنَّمَا يُعْطون الدِّيات تَبَرعا وَلم يشاركوا قاتليهم فِي سفك دِمَائِهِمْ. وَرُوِيَ: وَلَا شاركت فِي الْحَرْب. وَالضَّمِير للرماح قصد بِهَذَا أَن يبين بَرَاءَة ذمتهم عَن سفك دمهم ليَكُون ذَلِك أبلغ فِي مدحهم لعقلهم الْقَتْلَى.

فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونه أَي: فَكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ المقتولين الْمَذْكُورين فِي الْبَيْت الَّذِي قبله.)

(لحي حَلَال يعْصم النَّاس أَمرهم

إِذا طلعت إِحْدَى اللَّيَالِي بمعظم)

قَوْله: لحي هُوَ حَال من قَوْله صحيحات مَال أَو أَنه بدل من قَوْله لقوم أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ لحي حَلَال أَي: المَال الصحيحات لحي.

ص: 19

وَأَرَادَ بِهَذَا الْحَيّ حَيّ الساعيين بِالصُّلْحِ بَين عبس وذبيان.

قَالَ الأعلم: الْحَلَال: جمع حلَّة بِالْكَسْرِ وَهِي مائَة بَيت. يَقُول: لَيْسُوا بحلة وَاحِدَة وَلَكنهُمْ حَلَال كَثِيرَة. وَقَوله: يعْصم النَّاس أَمرهم أَي: يلجؤون إِلَى هَذَا الْحَيّ ويتمسكون بِهِ فيعصمهم مِمَّا نابهم. وأصل الْحلَّة الْموضع الَّذِي ينزل بِهِ فاستعير لجَماعَة النَّاس.

وَقَوله: إِحْدَى اللَّيَالِي أَرَادَ لَيْلَة من اللَّيَالِي وَفِي الْكَلَام معنى التفخيم والتعظيم كَمَا يُقَال: أَصَابَته إِحْدَى الدَّوَاهِي: أَي: داهية شَدِيدَة. والمعظم: الْأَمر وَأَرَادَ بالحي الْحَلَال حَيّ الساعين بِالصُّلْحِ بَين عبس وذبيان الْعَظِيم. وَقَوله: فَلَا ذُو الْوتر يَقُول: هم أعزة لَا ينتصر مِنْهُم صَاحب دم وَلَا يدْرك وتره فيهم. وَقَوله: بِمُسلم أَي: إِذا جنى عَلَيْهِم جَان مِنْهُم شرا إِلَى غَيرهم لم يسلموه لَهُم لعزهم ومنعتهم.

وَاعْلَم أَن هَذِه الأبيات الَّتِي أوردناها على هَذَا التَّرْتِيب هِيَ رِوَايَة الأعلم وَقدم بَعضهم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وأوردهما بعد قَوْله سَابِقًا: فتغلل لكم مَا لَا تغل لأَهْلهَا وَأنْشد بعده:

(قد أَصبَحت أم الْخِيَار تَدعِي

عليّ ذَنبا كُله لم أصنع)

تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين.

ص: 20

وَأنْشد بعده وَهُوَ

الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

(ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله

والزاد حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا)

على أَن حَتَّى وَإِن كَانَت يسْتَأْنف بعْدهَا الْكَلَام إِلَّا أَنَّهَا لَيست متمحضة للاستئناف فَلم يكن الرّفْع بعْدهَا أولى فَهِيَ كَسَائِر حُرُوف الْعَطف. يَعْنِي أَنه يجوز فِي نَعله النصب وَالرَّفْع.

أما النصب فَمن وَجْهَيْن: أَحدهمَا نَصبه بإضمار فعل يُفَسر أَلْقَاهَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَتَّى ألْقى نَعله أَلْقَاهَا كَمَا يُقَال فِي الْوَاو وَغَيرهَا من حُرُوف الْعَطف.

ثَانِيهمَا: أَن يكون نَصبه بالْعَطْف على الصَّحِيفَة وَحَتَّى بِمَعْنى الْوَاو كَأَنَّهُ قَالَ: ألْقى الصَّحِيفَة حَتَّى نَعله يُرِيد وَنَعله كَمَا تَقول: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا بِنصب رَأسهَا أَي: ورأسها فعلى هَذَا الْهَاء عَائِدَة على النَّعْل أَو الصَّحِيفَة وَأَلْقَاهَا تَكْرِير وتوكيد.

فَإِن قلت: شَرط الْمَعْطُوف بحتى أَن يكون إِمَّا بَعْضًا من جمع كقدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة. أَو جُزْءا من كل نَحْو: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا أَو كجزء نَحْو: أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى حَدِيثهَا فَكيف جَازَ عطف نَعله مَعَ أَنه لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذكر قلت: جَازَ لِأَن ألْقى الصَّحِيفَة والزاد فِي معنى ألْقى مَا يثقله فالنعل بعض مَا يثقل.

ص: 21

وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَجُمْلَة أَلْقَاهَا هُوَ الْخَبَر. فحتى على هَذَا. وعَلى الْوَجْه الأول. من وَجْهي النصب حرف ابْتِدَاء وَالْجُمْلَة بعْدهَا مستأنفة.

وَزعم ابْن خلف: أَن حَتَّى هُنَا عاطفة وَالْجُمْلَة بعْدهَا معطوفة على الْجُمْلَة الْمُتَقَدّمَة وَهَذَا شَيْء قَالَه ابْن السَّيِّد نَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي ورده بقوله: لِأَن حَتَّى لَا تعطف الْجمل وَذَلِكَ لِأَن شَرط معطوفها أَن يكون جُزْءا مِمَّا قبلهَا أَو

كجزء وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي الْمُفْردَات.

وَقد نازعه الدماميني فِي هَذَا التَّعْلِيل.

وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على أَن حَتَّى فِيهِ حرف جر وَأَن مجرورها غَايَة لما قبله كَأَنَّهُ قَالَ: ألْقى الصَّحِيفَة والزاد وَمَا مَعَه من الْمَتَاع حَتَّى انْتهى الْإِلْقَاء إِلَى النَّعْل. وَعَلِيهِ فجملة أَلْقَاهَا للتَّأْكِيد وَالضَّمِير يجوز فِيهِ أَيْضا أَن يعود على النَّعْل وعَلى الصَّحِيفَة. فَقَوله: حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا رُوِيَ على ثَلَاثَة أوجه.

(وَمضى يظنّ بريد عَمْرو خَلفه

خوفًا وَفَارق أرضه وقلاها))

وهما فِي قصَّة المتلمس حِين فر من عَمْرو بن هِنْد. حكى ذَلِك الْأَخْفَش عَن عِيسَى بن عمر فِيمَا ذكره الْفَارِسِي.

وَكَانَ المتلمس قد هجا عَمْرو بن هِنْد وهجاه أَيْضا طرفَة فَكتب لَهما إِلَى عَامله بِالْبَحْرَيْنِ كتابين أوهمهما أَنه أَمر لَهما بجوائز وَهُوَ قد أمره فيهمَا بِقَتْلِهِمَا فَلَمَّا وصلا إِلَى الْحيرَة دفع المتلمس كِتَابه إِلَى غُلَام ليقرأه فَإِذا فِيهِ: أما بعد فَإِذا أَتَاك المتلمس فاقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وادفنه حَيا فَرمى المتلمس كِتَابه فِي نهر الْحيرَة وهرب إِلَى الشَّام وَقد ذكرنَا خبرهما

ص: 22

فِي الشَّاهِد الَّذِي قبل هَذَا بأَرْبعَة شَوَاهِد فَصَارَت صحيفَة المتلمس مثلا فِيمَا ظَاهره خير وباطنه شَرّ.

والصحيفة: الْكتاب. وَقَوله: ألْقى الصَّحِيفَة أَي: رَمَاهَا بنهر الْحيرَة كَمَا أخبر المتلمس عَن نَفسه بقوله:

(قذفت بهَا فِي النَّهر من جنب كَافِر

كَذَلِك أقنو كل قطّ مضلل)

وَرُوِيَ أَيْضا: ألْقى الحقيبة وَهِي خرج يحمل فِيهِ الرجل مَتَاعه. وَرُوِيَ أَيْضا: ألْقى الحشية وَهِي الْفراش المحشو بالقطن أَو الصُّوف ينَام عَلَيْهِ قَالَ عنترة: وحشيتي سرج على عبل الشوى

(قوم يبيت على الحشايا غَيرهم

ومبيتهم فَوق الْجِيَاد الضمر)

وَزعم ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ غَيره: أَن الحشية مَا يركب عَلَيْهِ الرَّاكِب. وَأورد بَيت عنترة. وَهَذَا غير لَائِق بِهِ. وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: الحشية: هِيَ البرذعة المحشوة والرحل هُنَا بِمَعْنى الأثاث وَالْمَتَاع. وَقد أنكرهُ الحريري فِي درة الغواص بِهَذَا الْمَعْنى ورد عَلَيْهِ ابْن بري فِيمَا كتبه عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ الْجَوْهَرِي: الرحل: منزل الرجل وَمَا يستصحبه من الأثاث والرحل أَيْضا: رَحل الْبَعِير وَهُوَ أَصْغَر من القتب. فقد ثَبت فِيهِ الرحل بِمَعْنى الأثاث. وَقد فسر بَيت متمّم بن نُوَيْرَة على ذَلِك وَهُوَ قَوْله:

ص: 23

(كريم الثنا حُلْو الشَّمَائِل ماجد

صبور على الضراء مُشْتَرك الرحل)

قَالُوا: أَرَادَ بالرحل الأثاث. وَمثله قَول الآخر ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله

قَالُوا: رَحْله: أثاثه وقماشه. وَالتَّقْدِير عِنْدهم: ألْقى قماشه وأثاثه حَتَّى ألْقى نَعله مَعَ جملَة أثاثه. وَإِنَّمَا قدروه بذلك ليَصِح كَون مَا بعد حَتَّى فِي هَذَا الْموضع جُزْءا مِمَّا قبلهَا. وَعَلِيهِ فسر)

قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف: قَالُوا جَزَاؤُهُ من وجد فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَالُوا: رَحْله: أثاثه بِدَلِيل: ثمَّ استخرجها من وعَاء أَخِيه. انْتهى كَلَام ابْن بري.

وَقد فسر ابْن السَّيِّد الرحل فِي شرح أَبْيَات الْجمل بقوله: الرحل للناقة كالسرج وَتَبعهُ عَلَيْهِ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَابْن خلف وَغَيرهمَا. وَهَذَا مَعَ كَونه غير مُنَاسِب كَانَ الصَّوَاب أَن يَقُول: والرحل للبعير لَا للناقة قَالَ الأعلم: كَانَ الْوَاجِب فِي الظَّاهِر أَن يَقُول: ألْقى الزَّاد كي يُخَفف رَحْله والنعل حَتَّى الصَّحِيفَة فيبدأبالأثقل ثمَّ يتبعهُ الأخفّ فَلم يُمكنهُ الشّعْر. أَو يكون قدّم الصَّحِيفَة لِأَن الزَّاد والنعل أَحَق عِنْده بالإبقاء لِأَن الزَّاد يبلّغه الْوَجْه الَّذِي يُريدهُ والنعل يقوم لَهُ مقَام الرَّاحِلَة إِن عطبت فَاحْتَاجَ إِلَى الْمَشْي فقد قَالُوا: كَاد المنتعل أَن يكون رَاكِبًا.

ص: 24

والبريد: الرَّسُول وَمِنْه قَول الْعَرَب: الحمّى بريد الْمَوْت: وَعَمْرو هُوَ عَمْرو بن هِنْد الْملك ملك الْحيرَة. وَقد ذكرنَا تَرْجَمته قبل هَذَا الشَّاهِد ببيتين.

قَالَ ابْن خلف: أنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت لأبي مَرْوَان النَّحْوِيّ قَالَه فِي قصَّة المتلمس حِين فر من عَمْرو بن هِنْد حكى ذَلِك الْأَخْفَش عَن عِيسَى بن عمر فِيمَا ذكره الْفَارِسِي. وَنسبه النَّاس إِلَى المتلمس انْتهى.

وَنسبَة ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الأدباء إِلَى مَرْوَان النَّحْوِيّ لَا أبي مَرْوَان

قَالَ: سَمِعت بعض النَّحْوِيين ينْسب إِلَيْهِ هَذَا الْبَيْت وَقَالَ فِي تَرْجَمته: هُوَ مَرْوَان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن وَأنْشد بعده وَهُوَ

الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

(فَلَا حسباً فخرت بِهِ لتيم

وَلَا جدا إِذا ازْدحم الجدود)

على أَنه يجوز النصب فِي قَوْله حسباً وَالرَّفْع لوُقُوعه بعد حرف النَّفْي أمّا نَصبه فبفعل مُقَدّر مُتَعَدٍّ إِلَيْهِ بِنَفسِهِ فِي معنى الْفِعْل الظَّاهِر وَالتَّقْدِير: فَلَا ذكرت حسباً فخرت بِهِ وَلَا جدا مَعْطُوف على قَوْله حسباً وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: أزيداً مَرَرْت بِهِ وَإِنَّمَا لم يجز إِضْمَار الْفِعْل الْمُتَعَدِّي بِحرف

ص: 25

الْجَرّ لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى إِضْمَار حرف الْجَرّ وَلَا يجوز إضماره لِأَنَّهُ مَعَ الْمَجْرُور كشيء وَاحِد وَهُوَ عَامل ضَعِيف فَلَا يجوز أَن يتَصَرَّف فِيهِ بالإضمار والإظهار كَمَا يتَصَرَّف فِي الْفِعْل وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَجُمْلَة فخرت بِهِ صفته ولتيم: هُوَ الْخَبَر وَرُوِيَ بدل قَوْله: لتيم كريم وَهُوَ الثَّابِت وجدا مَعْطُوف على حسباً قَالَ السيرافي: لما جَازَ الرّفْع مَعَ الِاسْتِفْهَام وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار النصب كَانَ الرّفْع فِي حُرُوف النَّفْي أقوى لِأَنَّهَا لم تبلغ أَن تكون فِي الْقُوَّة مثل حُرُوف الِاسْتِفْهَام والحسب: الْكَرم وَشرف الْإِنْسَان فِي نَفسه وأخلاقه وَالْجد: أَبُو الْأَب يَقُول: مَا ذكرت لتيم حسباً تفتخر بِهِ لِأَنَّك لم تَجِد لَهَا شَيْئا تذكره وَلَا

لَك جد شرِيف تعول عَلَيْهِ عِنْد ازدحام النَّاس للمفاخر وَقيل: الْجد هُنَا: الْحَظ أَي: لَيْسَ لتيم حَظّ فِي علو الْمرتبَة وَالذكر الْجَمِيل وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لجرير هجا بهَا الفرزدق وتيم الربَاب وَلَيْسَت من النقائض وَهِي إِحْدَى القصائد الثَّلَاث الَّتِي هِيَ خير شعره كَذَا فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب وَزعم الأعلم وَتَبعهُ ابْن خلف وَغَيره أَن جَرِيرًا هجا بهَا عمر بن لَجأ وه من تيم عدي والرباب بِكَسْر الرَّاء: جمع رب بضَمهَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: ولد عبد مَنَاة بن أدّ تيماً وهم الربَاب وعدياً بطن وعوفاً والأشيب وثوراً وَإِنَّمَا سموا الربَاب لِأَن تيماً وعدياً وثوراً

ص: 26

وعوفاً وأشيب وضبة بن أد غمسوا أَيْديهم فِي الرب فتحالفوا عَليّ بني تَمِيم فسمّوا الربَاب فهم جَمِيعًا الربَاب وخصت تيم أَيْضا بالرباب انْتهى وَمن هَذِه القصيدة:

(لقد أخزى الفرزدق رَهْط ليلى

وتيم قد أقادهم مُقَيّد))

(خصيت مجاشعاً وجدعت تيماً

وَعِنْدِي فاعلموا لَهُم مزِيد)

(أتيماً تَجْعَلُونَ إليّ ندّاً

وَهل تيم لذِي حسب نديد)

(أتوعدنا وتمنع مَا أردنَا

ونأخذ من ورائك مَا نُرِيد)

(وَيقْضى الْأَمر حِين تغيب تيم

وَلَا يستأذنون وهم شُهُود)

(فَلَا حسب فخرت بِهِ كريم

وَلَا جد إِذا ازْدحم الجدود)

(لئام الْعَالمين كرام تيم

وسيدهم وَأَن زَعَمُوا مسود)

(وَإنَّك لَو لقِيت عبيد تيم

وتيماً قلت أَيهمَا العبيد)

(أرى لَيْلًا يُخَالِفهُ نَهَار

ولؤم التيم مَا اخْتلفَا جَدِيد)

(بخبث الْبذر ينْبت بذر تيم

فَمَا طَابَ النَّبَات وَلَا الحصيد)

(تمنى التيم أَن أَبَاهُ سعد

فَلَا سعد أَبوهُ وَلَا سعيد)

(وَمَا لكم الفوارس يَا ابْن تيم

وَلَا المستأذنون وَلَا الْوُفُود)

(أَهَانَك بِالْمَدِينَةِ يَا ابْن تيم

أَبُو حَفْص وجدّعك النشيد)

(وَإِن الْحَاكِمين لغير تيم

وَفينَا العزّ والحسب التليد)

ص: 27

(وَإِن التيم قد خبثوا وقلوا

فَمَا طابوا وَلَا كثر العديد)

(إِذا تيم ثوت بصعيد أَرض

بَكَى من خبث ريحهم الصَّعِيد)

(أتيما تَجْعَلُونَ إِلَى تَمِيم

بعيد فضل بَينهمَا بعيد)

وَقَوله: أتيماً تَجْعَلُونَ إِلَيّ ندا الْبَيْت أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف وَالْقَاضِي على أَن الند من قَوْله تَعَالَى فَلَا تجْعَلُوا لله أندادأً. بِمَعْنى الْمثل المناوئ أَي: المعادي وَهُوَ من ند ندوداً: إِذا نفر وناددت الرجل: خالفته خص بالمخالف المماثل فِي الذَّات كَمَا خص الْمسَاوِي للمماثل فِي الْقدر.

قَالَ السعد: وإلي كَانَ فِي الأَصْل صفة لقَوْله ندّاً فَلَمَّا قدم صَار حَالا مِنْهُ وَإِلَى بِمَعْنى اللَّام.

وَقَالَ السَّيِّد: هَذَا لَا يَصح لِأَن ندّاً خبر لمبتدأ فِي الأَصْل وَإِنَّمَا هُوَ حَال من قَوْله تيماً. . وَفِيه: أَن تيماً فِي الأَصْل مُبْتَدأ وَعند سِيبَوَيْهٍ يجوز مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ وَعند الْأَخْفَش من الْخَبَر.

والاستفهام للإنكار.

والتنوين فِي ذِي حسب للتحقير يَعْنِي أَن تيماً لَيْسَ ندّاً لذِي حسب حقير فَكيف يَجْعَل ندّاً لمثلي وَيجوز أَن يكون للتعظيم وَيُرِيد بِذِي حسب نَفسه. والنديد بِمَعْنى الند.)

وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من الحماسة:

ص: 28

إِذا الْخصم أَبْزَى مائل الرَّأْس انكب وَقَبله: فهلاّ أعدوني لمثلي تفاقدوا على أَن إِذا الشّرطِيَّة يجوز عِنْد الْكُوفِيّين وُقُوع الْجُمْلَة الاسمية بعْدهَا لَكِن بِشَرْط كَون خَبَرهَا فعلا إِلَّا فِي الشاذ كَهَذا الْبَيْت.

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يرْوى إِذْ وَإِذا جَمِيعًا: فَمن رَوَاهُ إِذْ حكى الْحَال المتوقعة كَقَوْل الله سُبْحَانَهُ: إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم وَمن رَوَاهُ إِذا فَهُوَ كَقَوْلِك: أَتَيْتُك إِذا زيد قَائِم وَهَذَا جَائِز على رَأْي أبي الْحسن وَذَلِكَ أَنه يُجِيز الِابْتِدَاء بعد إِذْ الزمانية الْمَشْرُوط بهَا انْتهى وأبذى من قَوْلهم: زجل أبذى وَامْرَأَة بذواء وَهُوَ الَّذِي يخرج صَدره وَيدخل ظَهره وأبذى هَهُنَا مثل وَمَعْنَاهُ الراصد المخاتل لِأَن المخاتل رُبمَا انثنى فَيخرج عَجزه.

وَقَالَ أَبُو رياش: أَبْزَى: تحامل على خَصمه ليظلمه. . فَجعل أَبْزَى فعلا وَلَا يمْتَنع ذَلِك وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف أَن يُقَال: بزوت الرجل وَمِنْه اشتقاق الْبَازِي من الطير إِذا اسْتعْمل على وزن القَاضِي. وَعَلِيهِ فالخصم مَرْفُوع بِفعل يفسره أَبْزَى وَيرْفَع مائل الرَّأْس على أَنه بدل من الْخصم.

والأنكب: المائل وَأَصله الَّذِي يشتكي مَنْكِبَيْه فَهُوَ يمشي فِي شقّ. ومائل الرَّأْس أَي: مصعر من الْكبر. وَقَوله: تفاقدوا دُعَاء قد اعْترض بِهِ بَين أول الْكَلَام وَآخره يَقُول: هلا جعلوني عدَّة لرجل مثلي فقد بَعضهم بَعْضًا وَقد جَاءَهُم الْخصم

ص: 29

مُتَأَخّر الْعَجز مائل الرَّأْس منحرفاً. وَهَذَا تَصْوِير لحَال الْمقَاتل إِذا انتصب فِي وَجه مَقْصُوده وَهُوَ أبلغ فِي الْوَصْف من كل تَشْبِيه.

وَمثله قَول الآخر: جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ أَلا ترى أَنه لَو صور لون المذق لما قَالَ: هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ.

وَالْمعْنَى: لم أفاتوني أنفسهم وهلا ادخروني ليَوْم الْحَاجة إِذا كَانَ الْخصم هَكَذَا. وَهَذَا)

الْبَيْت من أَبْيَات خَمْسَة فِي الحماسة لبَعض بني فقعس أَولهَا:

(رَأَيْت موَالِي الألى يخذلونني

على حدثان الدَّهْر إِذْ يتقلب)

الموَالِي هُنَا: أَبنَاء الْعم. والألى فِي معنى الَّذين ويخذلونني من صلته. يَقُول: رَأَيْت أَبنَاء عمي هم الَّذين يَقْعُدُونَ عَن نصرتي على تقلب الزَّمَان وَتصرف الْحدثَان. وَقَوله: على حدثان الخ

(فَهَلا أعدوني لمثلي تفاقدوا

إِذا الْخصم أَبْزَى مائل الرَّأْس أنكب)

(وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا

وَفِي الأَرْض مبثوث شُجَاع وعقرب)

كَرَّرَه تَأْكِيدًا وتفظيعاً لِلْأَمْرِ. وَالْمعْنَى: هلا جعلوني عدَّة لرجل مثلي فِي النَّاس فقد بَعضهم بَعْضًا وَقد انْتَشَر أَعدَاء كَثِيرَة وأنواع من الشَّرّ فظيعة والشجاع:

الْحَيَّة. وكنى بِهِ وبالعقرب عَن الْأَعْدَاء وَالشَّر. وارتفاع شُجَاع يجوز أَن يكون على الْبَدَل من مبثوث وَيجوز أَن يكون على الِابْتِدَاء ومبثوث خَبره قدم عَلَيْهِ.

ص: 30

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يرْوى مبثوثاً ومبثوث: فَمن نصب فَلِأَنَّهُ صفة نكرَة قدم عَلَيْهَا فنصب على الْحَال مِنْهَا وَمن رفع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَجعل شُجَاع وعقرب بَدَلا من مبثوث. فَإِن قلت: فَهَلا قَالَ: وَفِي الأَرْض مبثوثون أَو مبثوثان قلت: فِيهِ جوابان: أَحدهمَا أَنه لم يرد بِشُجَاعٍ وعقرب الِاثْنَان الشافعان للْوَاحِد وَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ الْأَعْدَاء الَّذين بَعضهم شجعان وَبَعْضهمْ عقارب أَي: أَعدَاء فِي خبثهما ونكرهما فَلَمَّا لم يرد حَقِيقَة التَّثْنِيَة وَإِنَّمَا أَرَادَ الْأَعْدَاء ذهب بِهِ مَذْهَب الْجِنْس. .

وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون أَرَادَ: وَفِي الأَرْض مبثوثاً شُجَاع أَي: شُجَاع مبثوث فَلَمَّا قدمه عَلَيْهِ نَصبه حَالا مِنْهُ ثمَّ عطف عقرب على الضَّمِير فِي مبثوثاً. وَكَذَلِكَ إِذا رفعت تعطف عقرب على الضَّمِير فِي مبثوث فَإِذا سلكت هَذِه الطَّرِيق سَقَطت عَنْك كلفة الِاعْتِذَار من ترك التَّثْنِيَة.

انْتهى مُلَخصا.

(فَلَا تَأْخُذُوا عقلا من الْقَوْم إِنَّنِي

أرى الْعَار يبْقى والمعاقل تذْهب)

(كَأَنَّك لم تسبق من الدَّهْر لَيْلَة

إِذا أَنْت أدْركْت الَّذِي أَنْت تطلب)

لَك فِي المعاقل الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف وَالنّصب عطفا على الْعَار. يَقُول: لَا ترغبوا فِي قبُول الدِّيَة فَإِنَّهُ عَار والعار يبْقى أَثَره وَالْأَمْوَال تفنى.

والمعاقل: جمع المعقلة والمعقلة بِضَم الْقَاف وَكسرهَا وَالْمِيم فيهمَا مَفْتُوحَة. وَالْعقل: الدِّيَة)

وَأَصله الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي الْمَقْتُول وَهُوَ مصدر وصف بِهِ. وَحكى الْأَصْمَعِي: صَار دَمه معقلة على قومه أَي: صَارُوا يدونه. وَقَوله: كَأَنَّك لم تسبق الخ يَقُول: من أدْرك مَا طلبه من الثأر

ص: 31

فكأنهلم يصب وَلم يُوتر. وَهَذَا بعث وتحضيض على طلب الدَّم والزهد فِي الدِّيَة.

وَبَنُو فقعس حَيّ من بني أَسد وفقعس اسْم مرتجل غير مَنْقُول وَقيل: الفقعسة: البلادة. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: فقعس: ابْن طريف بن عَمْرو بن قعين بِالتَّصْغِيرِ ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وَنسب صَاحب الحماسة البصرية هَذِه الأبيات إِلَى عَمْرو بن أَسد الفقعسي وَالله أعلم.

(لَا تجزعي إِن منفس أهلكته

وَإِذا هَلَكت فَعِنْدَ ذَلِك فاجزعي)

تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته فَقَامَ بفأس بَين وصليك جازر على أَنه يقدر على مَذْهَب الْمبرد فِي رِوَايَة رفع ابْن إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بلغ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَيكون ابْن نَائِب الْفَاعِل لهَذَا الْفِعْل الْمَحْذُوف. وبلالاً

يَنْبَغِي أَن يكون بِالرَّفْع لِأَنَّهُ بدل من ابْن أَو عطف بَيَان لَهُ

ص: 32

وَقد رَأَيْته مَرْفُوعا فِي نسختين صحيحتين من إِيضَاح الشّعْر لأبي عَليّ الْفَارِسِي إِحْدَاهمَا بِخَط أبي الْفَتْح عُثْمَان بن جني.

وَفِي نسخ الْمُغنِي وَغَيره نصب بِلَال مَعَ رفع ابْن: قَالَ الدماميني فِي شَرحه: وبلالاً مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف آخر يفسره بلغته وَالتَّقْدِير: إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بلغت بِلَالًا بلغته. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التَّكَلُّف وَالتَّقْدِير المستغنى عَنهُ. وَقد رُوِيَ بِنصب ابْن أَيْضا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَالنّصب عَرَبِيّ كثير وَالرَّفْع أَجود.

قَالَ النّحاس: وغلّطه المبرّد فِي الرّفْع لِأَن إِذا بِمَنْزِلَة حُرُوف المجازاة فَلَا يجوز أَن يرْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: الرّفْع فِيهِ بِمَعْنى إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بِلَال. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَليّ: إِن إِذا هَذِه تُضَاف إِلَى الْأَفْعَال وَهِي ظرف من الزَّمَان وَمَعْنَاهَا على أَن تدخل على الْأَفْعَال لِأَن مَعْنَاهَا الشَّرْط وَالْجَزَاء وَقد جوزي بهَا فِي الشّعْر فَإِذا وَقع بعْدهَا اسْم مُرْتَفع)

فَلَيْسَ ارتفاعه بِالِابْتِدَاءِ وَلَكِن بِأَنَّهُ فَاعل والرافع لَهُ يفسره الْفِعْل الَّذِي بعد الِاسْم كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بِلَال بلغته وَكَذَلِكَ إِذا اوليها اسْم مَنْصُوب صَار على تَقْدِير إِذا بلغت ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته.

وَقَالَ أَبُو عَليّ أَيْضا فِي إِيضَاح الشّعْر. قَالَ الْقطَامِي:

(إِذا التياز ذُو العضلات قُلْنَا:

إِلَيْك إِلَيْك ضَاقَ بهَا ذِرَاعا)

فَاعل ضَاقَ ضمير التياز وضاق جَوَاب إِذا والتياز يرْتَفع بِفعل مُضْمر يفسره قُلْنَا التَّقْدِير: إِذا خُوطِبَ التياز. وَقُلْنَا مَعْنَاهُ قُلْنَا لَهُ وَهُوَ مُفَسّر

ص: 33

لخوطب أَو

كلم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يفسره قُلْنَا لَهُ وَهُوَ رَافع التياز كإنشاد من أنْشد: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته وَالْمعْنَى: ضَاقَ ذرع التياز بِأخذ هَذِه النَّاقة لِأَنَّهُ لَا يضبطها من شدتها ونشاطها فَكيف من هُوَ دونه وَمن أنْشد: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَال بِالنّصب نصب التيار أَيْضا فَهُوَ بِمَنْزِلَة إِذا زيدا مَرَرْت بِهِ جئْتُك وَيَقُول من أنْشد إِذا ابْن أبي مُوسَى بِالدفع قَول لبيد أَلا ترى أَن أَنْت يرْتَفع بِفعل فِي معنى هَذَا الظَّاهِر كَانَ لَو أظهرته فَإِن لم تنْتَفع وَلَو حمل أَنْت على هَذَا الْفِعْل الظَّاهِر الَّذِي هُوَ ينفعك لوَجَبَ أَن يكون مَوضِع أَنْت إياك لِأَن الْكَاف الَّذِي هُوَ سَببه هِيَ مفعولة مَنْصُوبَة فَهَذَا الْبَيْت يُقَوي إنشاد من أنْشد: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِالرَّفْع على إِضْمَار فعل فِي معنى الظَّاهِر نَفسه. انْتهى.

وَقَوله: فَقَامَ بفأس هُوَ جَوَاب إِذا. وَدخلت الْفَاء على الْفِعْل الْمَاضِي لِأَنَّهُ دُعَاء كَمَا تَقول: إِن أَعْطَيْتنِي فجزاك الله خيرا وَلَو كَانَ خَبرا لم تدخل عَلَيْهِ الْفَاء. والفأس مَعْرُوفَة وَهِي مَهْمُوزَة وَرُوِيَ بدلهَا: بنصل بِفَتْح النُّون والنصل: حَدِيدَة السَّيْف والسكين. والوصل بِكَسْر الْوَاو: الْمفصل وَهُوَ ملتقى كل عظمين وَهُوَ وَاحِد الأوصال وَالْمرَاد بوصليهما: المفصلان اللَّذَان عِنْد مَوضِع نحرها. والجازر: اسْم فَاعل من جزر النَّاقة: إِذا نحرها وَهُوَ فَاعل قَامَ. وبلال هَذَا هُوَ بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَالتَّاء من بلغته مَكْسُورَة خطاب لناقته.

وَكَذَلِكَ الْكَاف

ص: 34

فِي وصليك دُعَاء عَلَيْهِمَا بالنحر والجزر. إِذا بلغته إِلَى ابْن أبي مُوسَى وَقد عيب عَلَيْهِ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة غيلَان مدح بهَا بِلَالًا مطْلعهَا:)

(لمية أطلال بحزوى دواثر

عفتها السوافي بَعدنَا والمواطر)

(إِلَى ابْن أبي مُوسَى بِلَال طوت بِنَا

قلاص أبوهن الجديل وداعر)

(بلاداً يبيت البوم يَدْعُو بَنَاته

بهَا وَمن الأصداء وَالْجِنّ سامر)

(تمر برحلي بكرَة حميرية

ضناك التوالي عيطل الصَّدْر ضامر)

تمر: تمْضِي. والضناك بِالْكَسْرِ: المكتنزة الغليظة وتواليها: مآخيرها. والعيطل: الطَّوِيلَة.

(أَقُول لَهَا إِذْ شمر السّير واستوت

بهَا البيد واستنت عَلَيْهَا الْحَرَائِر)

إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته شمر السّير: قلص. واستوت بهَا البيد. أَي: لَا علم بهَا. واستنت: اطردت. والحرائر: جمع حرور وَهِي السمُوم. وبلال هُوَ ابْن أبي بردة ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.

قَالَ ابْن حجر فِي التَّهْذِيب: هُوَ من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من التَّابِعين مَاتَ سنة نَيف وَعشْرين وَمِائَة وَقَالَ: فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب هُوَ أَمِير الْبَصْرَة وقاضيها. روى عَن

ص: 35

أنس فِيمَا قيل وَعَن أَبِيه وَعَمه أبي بكر روى لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيثا وَاحِدًا وَذكره البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام وَذكره الصّقليّ فِي كتاب الضُّعَفَاء. قَالَ خَليفَة

الحناط: ولاه خَالِد الْقَسرِي الْقَضَاء سنة تسع وَمِائَة وَحكي عَن مَالك بن دِينَار أَنه قَالَ لما ولي بِلَال الْقَضَاء: يَا لَك أمة هَلَكت ضيَاعًا وروى الْمبرد: أَن أول من أظهر الْجور من الْقُضَاة فِي الحكم بِلَال وَكَانَ يَقُول: إِن الرجلَيْن ليختصمان إليّ فأجد أَحدهمَا أخف على قلبِي فأقضي لَهُ وروى ابْن الْأَنْبَارِي أَنه مَاتَ فِي حبس يُوسُف بن عمر وَأَنه قَتله دهاؤه وَقَالَ للسجان: أعلم يُوسُف أَنِّي قدمت وَلَك مني مَا يُغْنِيك فَأعلمهُ فَقَالَ يُوسُف: أحب أَن أرَاهُ مَيتا فَرجع إِلَيْهِ السجان فَألْقى عَلَيْهِ شَيْئا فغمه حَتَّى مَاتَ ثمَّ أرَاهُ يُوسُف.

وَقَالَ جوَيْرِية بن أَسمَاء: لما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز وَفد إِلَيْهِ بِلَال فهنأه ثمَّ لزم الْمَسْجِد يُصَلِّي وَيقْرَأ ليله ونهاره فدسّ عمر إِلَيْهِ ثِقَة لَهُ فَقَالَ لَهُ: إِن عملت لَك ولَايَة الْعرَاق مَا تُعْطِينِي فضمن لَهُ مَالا جزيلاً فَأخْبر بذلك عمر فنفاه وَأخرجه وَكتب إِلَى عَامله على الْكُوفَة: إِن بِلَالًا غرنا بِاللَّه فكدنا نغتر بِهِ ثمَّ سبكناه فوجدناه كُله خبثاً.

وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن فِي أَوَائِل الْكتاب روى

ص: 36

المرزباني فِي كتاب الموشح)

عَن أبي بكر الْجِرْجَانِيّ عَن الْمبرد عَن التوزي أَنه قَالَ: أنْشد ذُو الرمة قصيدته فِي بِلَال بن أبي بردة فَلَمَّا بلغ قَوْله: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته

قَالَ لَهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن وَكِيع: هلاّ قلت كَمَا قَالَ سيدك الفرزدق:

(أَقُول لناقتي لما ترامت

بِنَا بيد مسربلة القتام)

(إلام تلفتين وَأَنت تحتي

وَخير النَّاس كلهم أَمَامِي)

(مَتى تردي الرصافة تستريحي

من التصدير والدبر الدوامي)

قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى من الفرزدق دَاوُد بن سلم فِي مدحه قثم بن الْعَبَّاس أَخا عبد الله بن الْعَبَّاس رضي الله عنهم فَأحْسن وَقَالَ:

(عتقت من حلي وَمن رحلتي

يَا ناق إِن أدنيتني من قثم)

(إِنَّك إِن أدنيت مِنْهُ غَدا

حالفني الْيُسْر وَزَالَ الْعَدَم)

(فِي كَفه بَحر وَفِي وَجهه

بدر وَفِي الْعرنِين مِنْهُ شمم)

وَقَالَ التاريخي: لما أنْشد مَرْوَان بن أبي حَفْصَة يحيى بن خَالِد:

(إِذا بلغتنا العيس يحيى بن خَالِد

أَخذنَا بِحَبل الْيُسْر وَانْقطع الْعسر)

قَالَ لَهُ يحيى: لَا عَلَيْك أَن لَا تَقول شَيْئا بعد هَذَا

ص: 37

أَقُول: الفرزدق قد سلك طَريقَة الْأَعْشَى مَيْمُون فِي مدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَهُوَ قَوْله:

(فآليت لَا أرثي لَهَا من كَلَالَة

وَلَا من وجى حَتَّى تلاقي مُحَمَّدًا)

(مَتى مَا تناخي عِنْد بَاب ابْن هَاشم

تراحي وتلقي من فواضله ندى)

(رَأَيْت عرابة الأوسي يسمو

إِلَى الْخيرَات مُنْقَطع القرين)

(إِذا مَا راية رفعت لمجد

تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ)

(إِذا بلغتني وحملت رحلي

عرابة فاشرقي بِدَم الوتين)

قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَقد أحسن كل الْإِحْسَان فِي قَوْله: إِذا بلغتني وحملت رحلي يَقُول: لست أحتاج أَن أرحل إِلَى غَيره. وَقد عَابَ بعض الروَاة قَوْله: فاشرقي بِدَم الوتين وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَن ينظر لَهَا مَعَ استغنائه عَنْهَا فقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ للأنصارية)

المأسورة بِمَكَّة وَقد نجت على نَاقَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَقَالَت يَا رَسُول الله: إِنِّي نذرت إِن نجوت عَلَيْهَا أَن أنحرها.

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: لبئسما مَا جزيتهَا. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ: لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله جلّ وعزّ وَلَا نذر للْإنْسَان فِي غير ملكه.

وَمِمَّا لم يعب فِي هَذَا الْمَعْنى قَول عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ لما أمّره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ بعد زيد وجعفر على جَيش مُؤْتَة:

ص: 38

(إِذا بلّغتني وحملت رحلي

مسيرَة أَربع بعد الحساء)

(فشأنك فانعمي وخلاك ذمّ

وَلَا أرجع إِلَى أَهلِي ورائي)

قَالَ بعض الْعلمَاء فِيمَا كتبه على الْكَامِل هَذِه الْمَرْأَة غفارية لَا أنصارية.

وَقد تبع الشماخ فِي اساءته أَبُو دهبل الجُمَحِي أَيْضا فِي قَوْله يمدح الْمُغيرَة بن عبد الله وَهُوَ مطلع أَبْيَات لَهُ فِيهِ:

(يَا ناق سيري واشرقي

بِدَم إِذا جِئْت الْمُغيرَة)

(سيثيبني أُخْرَى سوا

ك وَتلك لي مِنْهُ يسيرَة)

(إِن ابْن عبد الله نع

م أَخُو الندى وَابْن الْعَشِيرَة)

وتبعهما أَيْضا ابْن أبي العاصية السّلمِيّ فَإِنَّهُ لما قدم على معن بن زَائِدَة بِصَنْعَاء نحر نَاقَته على بَابه بلغ ذَلِك مَعنا فتطير وَأمر بإدخاله فَقَالَ: مَا صنعت قَالَ: نذرت أصلحك الله قَالَ: وَمَا هُوَ فأنشده من أَبْيَات:

(نذر عليّ لَئِن لقيتك سالما

أَن يسْتَمر بهَا شفار الجازر)

فَقَالَ معن: أطعمونا من كبد هَذِه المظلومة وَأول من عَابَ على الشماخ عرابة ممدوحه فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: بئْسَمَا كافأتها بِهِ. وَكَذَا عَابَ عَلَيْهِ أحيحة بن الجلاح فَإِن الشّمّاخ لما أنْشدهُ الْبَيْت قَالَ لَهُ أحيحة: بئس المجازاة جَازَيْتهَا

ص: 39

وَمِمَّنْ رد عَلَيْهِ من الشُّعَرَاء أَبُو نواس: روى المرزباني فِي كتاب الموشح

بِسَنَدِهِ عَن أبي نواس أَنه

(وَإِذا الْمطِي بِنَا بلغن مُحَمَّدًا

فظهورهن على الرّحال حرَام)

(قرّبتنا من خير من وطىء الْحَصَا

فلهَا علينا حُرْمَة وذمام)

وَقلت أَيْضا:

(أَقُول لناقتي إِذْ قرّبتني

لقد أَصبَحت عِنْدِي بِالْيَمِينِ))

(فَلم أجعلك للغربان نحلا

وَلَا قلت اشرقي بِدَم الوتين)

(حرمت على الأزمة والولايا

وأعلاق الرحالة والوضين)

الولايا: جمع ولية وَهِي البرذعة. والأعلاق: مَا علق على الرحل من العهون وَغَيره. والْوَضِين: حزَام الرحل.

قَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة ذِي الرمة: أَبُو نواس هُوَ الَّذِي كشف هَذَا الْمَعْنى وأوضحه حَتَّى قَالَ بعض الْعلمَاء وَلَا أستحضر الْآن من هُوَ الْقَائِل لما وقف على بَيت أبي نواس: هَذَا الْمَعْنى وَالله الَّذِي كَانَت الْعَرَب تحوم حوله فتخطئه وَلَا تصيبه. فَقَالَ الشماخ: كَذَا وَقَالَ ذُو الرمة: كَذَا وَمَا أبانه إِلَّا أَبُو نواس بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ فِي نِهَايَة الْحسن. هـ.

وَقد تقدم أَن أول من كشف هَذَا الْمَعْنى الْأَعْشَى لَا أَبُو نواس.

ص: 40

ورد أَبُو تَمام أَيْضا على الشماخ تَابعا لأبي نواس:

(أشرقها من دم الوتين لقد

ضل كريم الْأَخْلَاق عَن شيمه)

(ذَلِك حكم قضى بفيصله

أحيحة بن الجلاح فِي أطمه)

وروى المرزباني أَيْضا عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن وهب أَن مُحَمَّد بن عَليّ القنبري

الْهَمدَانِي أنْشد عبيد الله بن يحيى بن خاقَان قَوْله من قصيدة:

(إِلَى الْوَزير عبيد الله مقصدها

أَعنِي ابْن يحيى حَيَاة الدَّين وَالْكَرم)

(إِذا رميت برحلي فِي ذراه فَلَا

نلْت المنى مِنْهُ إِن لم تشرقي بِدَم)

(وَلَيْسَ ذَاك لجرم مِنْك أعلمهُ

وَلَا لجهل بِمَا أسديت من نعم)

(لكنه فعل شماخ بناقته

لَدَى عرابة إِذْ أدته للأطم)

فَلَمَّا سمع عبيد الله هَذَا الْبَيْت قَالَ: مَا معنى هَذَا فَقَالَ لَهُ أبي سُلَيْمَان: أعز الله الْوَزير إِن الشماخ بن ضرار مدح عرابة الأوسي بقصيدة وَقَالَ فِيهَا يُخَاطب نَاقَته: إِذا بلغتني وحملت رحلي الْبَيْت فعاب من فعله هَذَا أَبُو نواس فَقَالَ:

ص: 41

أَقُول لناقتي إِذْ قربتني الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ عبيد الله: هَذَا على صَوَاب والشماخ على خطأ فَقَالَ لَهُ أبي: قد أَتَى مَوْلَانَا الْوَزير)

بِالْحَقِّ وَكَذَا قَالَ عرابة الممدوح للشماخ لما أنْشدهُ هَذَا الْبَيْت: بئْسَمَا كافأتها بِهِ. هـ.

تتمات الأولى قَول الشماخ: تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل:

قَالَ أَصْحَاب الْمعَانِي: مَعْنَاهُ بِالْقُوَّةِ. وَقَالُوا مثل ذَلِك فِي قَول الله عز وجل: وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ. هـ.

قَالَ الْحَاتِمِي: أَخذ الشماخ هَذَا من قَول بشر بن أبي خازم:

(إِذا مَا المكرمات رفعن يَوْمًا

وَقصر مبتغوها عَن مداها)

(وَضَاقَتْ أَذْرع المثرين عَنْهَا

سما أَوْس إِلَيْهَا فاحتواها)

وَرَأَيْت فِي الحماسة البصرية نِسْبَة الْبَيْت لجندب بن خَارِجَة الطَّائِي الجاهلي وَرَوَاهُ هَكَذَا:

(إِذا مَا راية رفعت لمجد

سما أَوْس إِلَيْهَا فاحتواها)

وَذكر بَيْتَيْنِ قبله وهما:

(إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأم

ليقضي حَاجَتي فِيمَن قَضَاهَا)

(فَمَا وطىء الْحَصَى مثل ابْن سعدى

وَلَا لبس النِّعَال وَلَا احتذاها)

ص: 42

عرابة الَّذِي عناه الشماخ بمدحه هُوَ أحد أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَهُوَ ابْن أَوْس بن قيظي بن عَمْرو بن زيد بن جشم بن حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج: وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ الشماخ الأوسي وَهُوَ من الْخَزْرَج نِسْبَة إِلَى أَوْس بن قيظي.

قَالَ أَبُو الْفرج: لم يصنع إِسْحَاق شَيْئا عرابة من الْأَوْس لَا من الْخَزْرَج وَإِنَّمَا وَقع عَلَيْهِ الْغَلَط فِي هَذَا لِأَن فِي نسب عرابة الْخَزْرَج وَفِي الْأَوْس رجل يُقَال لَهُ:

الْخَزْرَج لَيْسَ هُوَ الْجد الَّذِي ينتمي إِلَيْهِ الخزرجيون الَّذِي هُوَ أَخُو الْأَوْس وَهَذَا الْخَزْرَج بن النبيت بن مَالك بن الْأَوْس. ورده رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فِي غَزْوَة أحد لصغره مَعَ تِسْعَة نفر: مِنْهُم ابْن عَمْرو وَزيد بن ثَابت وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأسيد بن ظهير. . وَأَبوهُ أَوْس من الْمُنَافِقين الَّذين شهدُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أحدا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إِن بُيُوتنَا عَورَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَة وَكَانَ من وُجُوههم. وَقد انقرض عقب عرابة فَلم يبْق مِنْهُم أحد.

قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: قَالَ مُعَاوِيَة لعرابة بن أَوْس بن قيظي الْأنْصَارِيّ: بِمَ سدت قَوْمك قَالَ: لست بسيدهم وَلَكِنِّي رجل مِنْهُم فعزم عَلَيْهِ فَقَالَ: أَعْطَيْت فِي نائبتهم وحلمت عَن سفيهم)

وشددت على يَدي حليمهم فَمن فعل مِنْهُم مثل فعلي فَهُوَ مثلي وَمن قصر عَنهُ فَأَنا أفضل مِنْهُ وَمن تجاوزني فَهُوَ أفضل مني.

وَكَانَ سَبَب ارْتِفَاع عرابة: أَن قدم من سفر فَجَمعه الطَّرِيق والشماخ بن ضرار المري فتحادثا فَقَالَ لَهُ عرابة: مَا الَّذِي أقدمك الْمَدِينَة فَقَالَ: قدمت لأمتار بهَا فَمَلَأ لَهُ عرابة رواحله برا وَتَمْرًا وأتحفه غير ذَلِك فَقَالَ الشماخ ذَلِك.

ص: 43

الثَّانِيَة: تتَعَلَّق بِشعر الفرزدق.

قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو بكر قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو عُثْمَان عَن التوزي عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: خرج جرير والفرزدق إِلَى هِشَام بن عبد الْملك مرتدفين على نَاقَة فَنزل جرير يَبُول فَجعلت النَّاقة تتلفت فضربها الفرزدق وَقَالَ: علام تلفتين وَأَنت تحتي الْبَيْتَيْنِ ثمَّ قَالَ: الْآن يَجِيء جرير فأنشده هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَيرد عَليّ:

(تلفت أَنَّهَا تَحت ابْن قين

إِلَى الكيرين والفأس الكهام)

(مَتى ترد الرصافة تخز فِيهَا

كخزيك فِي المواسم كل عَام)

فجَاء يضْحك فَقَالَ مَا يضحكك يَا أَبَا فراس فأنشده الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ جرير: تلفت أَنَّهَا تَحت ابْن قين.

كَمَا قَالَ الفرزدق سَوَاء قَالَ الفرزدق وَالله لقد قلت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ جرير: أما علمت أَن شيطاننا وَاحِد.

الثَّالِثَة: تتَعَلَّق بِشعر أبي نواس الأول: قَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمته: لهَذَا الْبَيْت حِكَايَة جرت لي مَعَ صاحبنا جمال الدَّين مَحْمُود بن عبد الله الإربلي الأديب الْمجِيد فِي صَنْعَة الألحان وَغير ذَلِك فَإِنَّهُ جَاءَنِي إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ المحروسة فِي بعض شهور سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقعد عِنْدِي سَاعَة وَكَانَ النَّاس مزدحمين

ص: 44

لِكَثْرَة أشغالهم حِينَئِذٍ ثمَّ نَهَضَ وَخرج فَلم أشعر إِلَّا وَقد جَاءَ غُلَام وَفِي يَده رقْعَة مَكْتُوب فِيهَا هَذِه الأبيات:

(يَا أَيهَا الْمولى الَّذِي بِوُجُودِهِ

أبدت محاسنها لنا الْأَيَّام))

(إِنِّي حججْت إِلَى جَانِبك حجَّة

الأشواق مَا لَا يُوجب الْإِسْلَام)

(وأنخت بِالْحرم الشريف مطيتي

فتسربت واستاقها الأقوام)

(فظللت أنْشد عِنْد نشداني لَهَا

بَيْتا لمن هُوَ فِي القريض إِمَام)

(وَإِذا الْمطِي بِنَا بلغن مُحَمَّدًا

فظهورهن على الرّحال حرَام)

فوقفت عَلَيْهَا وَقلت لغلامه: مَا الْخَبَر فَقَالَ: إِنَّه لما قَامَ من عنْدك وجد مداسه قد سرق فاستحسنت مِنْهُ هَذَا التَّضْمِين وَالْعرب يشبهون النَّعْل بالراحلة

وَقد جَاءَ هَذَا فِي شعر الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَاسْتَعْملهُ المتنبي فِي مَوَاضِع من شعره ثمَّ جَاءَنِي من بعد جمال الدَّين الْمَذْكُور وَجرى ذكر هَذِه الأبيات فَقلت لَهُ: وَلَكِن أَنا اسْمِي أَحْمد لَا مُحَمَّد فَقَالَ: علمت ذَلِك وَلَكِن أَحْمد وَمُحَمّد وَاحِد وَهَذَا التَّضْمِين حسن وَلَو كَانَ الِاسْم أَي شَيْء كَانَ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س:

ص: 45

(فَمَتَى واغل يزرهم يحيو

هـ وَتعطف عَلَيْهِ كأس الساقي)

على أَنه فصل اضطراراً بَين مَتى ومجزومه فعل الشَّرْط بواغل ف واغل فَاعل فعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: مَتى يزرهم واغل يزرهم. وَرُوِيَ أَيْضا يجئهم وَرُوِيَ أَيْضا ينبهم من نَاب يَنُوب. والواغل: الرجل الَّذِي يدْخل على من يشرب الْخمر وَلم يدع وَهُوَ فِي الشَّرَاب بِمَنْزِلَة الوارش فِي الطَّعَام وَهُوَ الطفيلي يُقَال: وغل بِالْفَتْح يغل بِالْكَسْرِ وغلاً بِالسُّكُونِ فَهُوَ واغل ووغل أَيْضا بِالسُّكُونِ كَذَا فِي كتاب كتاب النَّبَات للدينوري. والكأس بِالْهَمْز مُؤَنّثَة قَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات وَذكر أَسمَاء الْخمر فَقَالَ: وَمِنْهَا الكاس وَهُوَ اسْم لَهَا وَلَا يُقَال للزجاجة كأس إِن لم يكن فِيهَا الْخمر ثمَّ أورد حجَجًا على ذَلِك مِنْهَا قَول الله تَعَالَى: يُطَاف عَلَيْهِم بكأس من معِين.

وَقد رد عَلَيْهِ أَبُو قَاسم عليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة فِيمَا كتبه على كتاب النَّبَات فَقَالَ: قد أَسَاءَ فِي هَذَا الشَّرْط الكأس: نفس الْخمر كَمَا قَالَ والكأس: الزجاجة وَقَول الله تَعَالَى الَّذِي

احْتج بِهِ هُوَ حجَّة عَلَيْهِ وَمثله قَوْله تَعَالَى: بأكواب)

وأباريق وكأس من معِين أَي: ظرف فِيهِ خمر من هَذِه الَّتِي هَذِه صفتهَا. وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ: وكأساً دهاقاً والدهاق: الملأى. وَلَا يجوز أَنه أَرَادَ خمرًا ملأى. وَهَذَا فَاسد من القَوْل.

وَالْعرب تَقول: سقَاهُ كأساً مرّة و: جرّعه كأساً من السم وَقَالَ: وَقد سقى الْقَوْم كاس النعسة السهر

ص: 46

وأوضح من هَذَا كُله وَأبْعد من قَول أبي حنيفَة مَا أنْشدهُ أَبُو زِيَاد لريسبان بن عميرَة من بني عبد الله بن كلاب:

(وَأول كأس من طَعَام تذوقه

ذرا قضب يجلو نقياً مفلجا)

فَجعل سواكها كأساً وَجعل الكأس من الطَّعَام وبعّض من تبعيضاً يدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ.

وَقَالَ آخر:

(من لم يمت عبطة هرماً

للْمَوْت كأس والمرء ذائقها)

وَقَالَ كرَاع: الكأس: الزجاجة والكأس أَيْضا: الْخمر. فَبَدَأَ بقولنَا. هـ. وتعطف بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعدي بن زيد الْعَبَّادِيّ وَبعده

(وَيَقُول الْأَعْدَاء: أودى عديّ

وَبَنوهُ قد أيقنوا بعلاق)

وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين.

وَأنْشد بعده وَهُوَ

الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

(صعدة نابتة فِي حائر

أَيْنَمَا الرّيح تميّلها تمل)

لما تقدم قبله. فَتكون الرّيح فاعلة بِفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: أَيْنَمَا تميّلها الرّيح تميلها.

ص: 47

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لِابْنِ جعيل مِنْهَا هَذِه الأبيات:

(وضجيع قد تعللت بِهِ

طيّب أردانه غير تفل)

(فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ برم

وفراش متعال متمهل)

(فَإِذا قَامَت إِلَى جاراتها

لاحت السَّاق بخلخال زجل)

(وبمتنين إِذا مَا أَدْبَرت

كالعنانين ومرتج رهل)

صعدة قد سمتت فِي حائر الضجيع: الْمضَاجِع مثل النديم بِمَعْنى المنادم والجليس بِمَعْنى الْمجَالِس من الضجوع وَهُوَ وضع الْجنب على الأَرْض وَهُوَ مجرور بِرَبّ الْمقدرَة بعد الْوَاو وَجُمْلَة قد تعللت جَوَاب رب وَهُوَ الْعَامِل فِي مجرورها وَقد وَقع جَوَاب رب قبل وَصفه. والتعلل: التلهي. وطيب: صفة ضجيع وأردانه: فَاعله. والتفل: بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَكسر الْفَاء وصف من تفلت الْمَرْأَة تفلاً فَهِيَ تفلة

من بَاب: تركت الطّيب والأدهان. والْبرم بِفتْحَتَيْنِ: مصدر برم بِهِ بِالْكَسْرِ: إِذا سئمه وضجر مِنْهُ. وفرَاش: مَعْطُوف على مَكَان. ومتمهل: اسْم فَاعل من اتمهل الشَّيْء على وزن اقشعرّ أَي: طَال واعتدل وأصل الْمَادَّة تمهل بمثناة فوقية فميم فهاء فلام. وزجل: بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَكسر الْجِيم. أَي: مصوت. وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يجْعَلُونَ فِي الخلاخيل جلاجل.

وَقَوله: وبمتنين هُوَ تَثْنِيَة متن وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن فَارس مكتنفا الصلب من العصب وَاللَّحم وَهُوَ مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي: وَإِذا مَا أَدْبَرت أَدْبَرت بمتنين كالعنانين وبمرتج الخ وَهُوَ مثنى عنان الْفرس وعنانا الْمَتْن: حبلاه أَرَادَ أَن خصرها مجدول لطيف وَأَرَادَ بالمرتج الكفل. والرهل بِفَتْح فَكسر: المضطرب.

ص: 48

وَقَوله: صعدة أَي: هِيَ صعدة والصعدة: الْقَنَاة الَّتِي تنْبت مستوية فَلَا تحْتَاج إِلَى تثقيف وتعديل وَامْرَأَة صعدة: مستوية الْقَامَة شبهها بالقناة. وأنشده الْجَوْهَرِي فِي مَادَّة صعد وَلم)

ينْسبهُ إِلَى أحد. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: نسبه الْجَوْهَرِي إِلَى الحسام بن صداء الْكَلْبِيّ. وَلَا أَدْرِي أَيْن ذكره. والحائر بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ أَبُو نصر: يُقَال للمكان المطمئن الْوسط الْمُرْتَفع الْحُرُوف: حائر وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَإِنَّمَا قيل لَهُ حائر لِأَن المَاء يتحير فِيهِ فَيَجِيء وَيذْهب. . قَالَ الأعلم: الحائر: القرارة من الأَرْض يسْتَقرّ فِيهَا السَّيْل فيتحير مَاؤُهُ. أَي: يستدير وَلَا يجْرِي وَجعلهَا فِي حائر لِأَن ذَلِك أنعم لَهَا وَأَشد لتثنيها إِذا اخْتلفت الرّيح. هـ.

وَقَالَ أَبُو بكر الزبيرِي فِي كتاب لحن الْعَامَّة وَيَقُولُونَ تكون فِي الحظيرة تكون فِي الدراحير ويجمعونه أحيارا وَالصَّوَاب حائر وَجمعه حوران وحيران بِالْبَصْرَةِ حائر الْحجَّاج مَعْرُوف وَقَالَ أَحْمَر بن يحيى ثَعْلَب: الحائر هُوَ الَّذِي تسميه الْعَامَّة حيراً وَهُوَ الْحَائِط. هـ.

وَرُوِيَ بدل نابتة: قد سمقت أَي: طَالَتْ وَارْتَفَعت.

وابْن جعيل صَاحب هَذَا الشّعْر بِضَم الْجِيم مصغر جعل. واسْمه كَعْب بن جعيل بن قمير مصغر قمر ابْن عجْرَة بن ثَعْلَبَة بن عَوْف بن مَالك بن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن تغلب بن وَائِل. وَهُوَ شَاعِر مَشْهُور إسلامي كَانَ فِي زمن مُعَاوِيَة. وَفِيه يَقُول عتبَة بن الوغل التغلبي:

ص: 49

(سمّيت كَعْبًا بشرّ الْعِظَام

وَكَانَ أَبوك يُسمى الْجعل)

(وَإِن مَكَانك من وَائِل

مَكَان القراد من است الْجمل)

هَكَذَا ذكره الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَنسب إِلَيْهِ الشّعْر الَّذِي مِنْهُ بَيت الشَّاهِد.

وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: وَكَعب بن جعيل هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ يزِيد بن مُعَاوِيَة: اهج الْأَنْصَار فدله على الأخطل. ولكعب هَذَا أَخ يُقَال لَهُ: عُمَيْر بن جعيل بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ شَاعِر أَيْضا وَهُوَ الْقَائِل يهجو قومه:

(كسا الله حيّي تغلب ابْنة وَائِل

من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها)

ثمَّ نَدم فَقَالَ:

(نَدِمت على شتمي الْعَشِيرَة بَعْدَمَا

مَضَت واستتبت للرواة مذاهبه)

(فَأَصْبَحت لَا أَسْتَطِيع دفعا لما مضى

كَمَا لَا يرد الدّرّ فِي الضَّرع حالبه)

وَفِي الشُّعَرَاء شَاعِر آخر يُقَال لَهُ ابْن جعيل بِالتَّصْغِيرِ واسْمه شبيب التغلبي وَسَتَأْتِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي خبر مَا ولَا وَفِيهِمْ أَيْضا من يُقَال لَهُ ابْن جعل مكبراً وَهُوَ تغلبي أَيْضا كاللذين قبله واسْمه عميرَة بِفَتْح الْعين ابْن جعل بن عَمْرو بن مَالك بن الْحَارِث بن حبيب بن)

عَمْرو بن غنم بن تغلب بن وَائِل شَاعِر جاهلي وَهُوَ الْقَائِل:

(فَمن مبلغ عني إِيَاس بن جندل

أَخا طَارق وَالْقَوْل ذُو نفيان)

(فَلَا توعدني بِالسِّلَاحِ فَإِنَّمَا

جمعت سلاحي رهبة الْحدثَان)

ص: 50

(جمعت ردينيّاً كَأَن سنانه

سنا لَهب لم يتَّصل بِدُخَان)

كَذَا فِي المؤتلف أَيْضا للآمدي.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س

(أَلا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصّلة تبيت)

على أَن أَلا عِنْد الْخَلِيل قد تكون للتحضيض كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت أَي: أَلا ترونني رجلا هُوَ بِضَم التَّاء من الإراءة لَا بِفَتْحِهَا من الرُّؤْيَة.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن هَذَا الْبَيْت فَزعم أَنه لَيْسَ على التَّمَنِّي وَلَكِن بِمَنْزِلَة قَول الرجل: فَهَلا خيرا من ذَاك كَأَنَّهُ قَالَ: أَلا تروني رجلا جزاه الله خيرا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَمن مَعَاني أَلا الْعرض والتحضيض ومعناهما طلب الشَّيْء وَلَكِن الْعرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وتختص أَلا هَذِه بالفعلية وَمِنْه عِنْد الْخَلِيل هَذَا الْبَيْت وَالتَّقْدِير عِنْده: أَلا تروني رجلا هَذِه صفته فَحذف الْفِعْل مدلولاً عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى.

وَزعم بَعضهم: أَنه مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير أَي: أَلا جزى الله رجلا جزاه خيرا. وَألا على هَذَا للتّنْبِيه. وَقَالَ يُونُس: أَلا لِلتَّمَنِّي ونوّن الِاسْم للضَّرُورَة. . وَقَول الْخَلِيل أولى لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِي إِضْمَار الْفِعْل بِخِلَاف التَّنْوِين. وإضمار الْخَلِيل

ص: 51

أولى من إِضْمَار غَيره لِأَنَّهُ لم يرد أَن وَأما قَول ابْن الْحَاجِب فِي تَضْعِيف هَذَا القَوْل: إنّ يدلّ صفة لرجل فَيلْزم الْفَصْل بَينهمَا بِالْجُمْلَةِ المفسرة وَهِي أَجْنَبِيَّة فمردود بقوله تَعَالَى: إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد ثمَّ الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ لَازم وَإِن لم تقدّر مفسرة إِذْ لَا تكون صفة لِأَنَّهَا إنشائية. اه كَلَام الْمُغنِي.

وقدّر الْعَامِل غير الْخَلِيل أَلا أجد رجلا. وقدّره بَعضهم أَلا هَات رجلا. وَرُوِيَ أَيْضا أَلا رجل بِالرَّفْع والجر فالرفع اخْتَارَهُ الْجَوْهَرِي على أَنه فَاعل لفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: أَلا يدل رجل. وَقيل: رجل: مُبْتَدأ تخصص بالاستفهام وَالنَّفْي وَجُمْلَة يدل خَبره. والجر على)

تَقْدِير أَلا دلَالَة رجل فَحذف الْمُضَاف وَبَقِي لامضاف إِلَيْهِ على حَاله.

وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: الْجَرّ على معنى أما من رجل. وهما ضعيفان. وَجُمْلَة جزاه الله خيرا دعائية لَا مَحل لَهَا.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لعَمْرو بن قعاس الْمرَادِي. وَهَذَا مطْلعهَا وأبيات مِنْهَا:

(أَلا يَا بَيت بالعلياء بَيت

وَلَوْلَا حب أهلك مَا أتيت)

(أَلا يَا بَيت أهلك أوعدوني

كاني كل ذنبهم جنيت)

(أَلا بكر العواذل فاستميت

وَهل من رَاشد لي أَن غويت)

ص: 52

(إِذا مَا فَاتَنِي لحم غريض

ضربت ذِرَاع بكري فاشتويت)

(أمشّي فِي سراة بني غطيف

إِذا مَا سامني ضيم أَبيت)

(أرجّل لمّتي وَأجر ذيلي

وَتحمل بزتي أفق كميت)

(وَبَيت لَيْسَ من شعر وصوف

على ظهر المطيّة قد بنيت)

(أَلا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصّلة تبيت)

(ترجّل لمّتي وتقمّ بَيْتِي

وأعطيها الإتاوة إِن رضيت)

وَالْبَيْت الأول من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ نسبه إِلَى عَمْرو بن قعاس وَأوردهُ فِي بَاب النداء. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع الْبَيْت لِأَنَّهُ قَصده بِعَيْنِه وَلم يصفه بالمجرور بعده فينصبه لِأَنَّهُ أَرَادَ: لي بالعلياء بَيت وَلَكِنِّي أوثرك عَلَيْهِ لمحبتي فِي أهلك.

وَقَوله: كَأَنِّي كل ذنبهم أتيت قَالَ الْمَازِني: مَعْنَاهُ: كَأَنِّي جنيت كل ذَنْب أَتَاهُ إِلَيْهِم آتٍ.

وَقَوله: فاستميت. أَي: عَلَوْت عَن سَماع عذلهن وَهُوَ افتعلت من السموّ أَي: أَنا أَعلَى من أَن ألام على شَيْء وَهل من رَاشد لي إِن غويت.

واللَّحْم الْغَرِيض: الطري. والْبكر: بِالْفَتْح. والرّقّ بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة. يصف نَفسه بالعفة ورقة الْقلب. وامشي بِالتَّشْدِيدِ: لُغَة فِي أَمْشِي بِالتَّخْفِيفِ. وغطيف بِالتَّصْغِيرِ جده الْأَعْلَى. والبزة قَالَ فِي الْمِصْبَاح: يُقَال فِي السِّلَاح بزَّة بِالْكَسْرِ مَعَ الْهَاء وبز بِالْفَتْح مَعَ حذفهَا. وَرُوِيَ بدله: وَتحمل شكّتي بِكَسْر الشين وَهِي السِّلَاح أَيْضا. وأفق بِضَمَّتَيْنِ: الْفرس الرائع للْأُنْثَى وَالذكر كَذَا فِي الْعباب.

وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والكميت من

ص: 53

الْخَيل: بَين الْأسود والأحمر وَقَالَ أَبُو عبيد: وَيفرق بَينه وَبَين الْأَشْقَر بِالْعرْفِ والذنب. فَإِن كَانَا أحمرين فَهُوَ أشقر وَإِن كَانَا أسودين فَهُوَ الْكُمَيْت وَقَوله:)

(قوم يبيت على الحشايا غَيرهم

ومبيتهم فَوق الْجِيَاد الضمّر)

والحشايا: جمع حشيّة وَهِي الْفراش.

وَقَوله: يدل على محصلة تبيت المحصلة بِكَسْر الصَّاد قَالَ الْجَوْهَرِي وَابْن فَارس وتبعهما قَول الْعباب والقاموس وَغَيرهَا هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي تحصل تُرَاب الْمَعْدن وانشدوا هَذَا الْبَيْت.

قَالَ بن فَارس وأصل التَّحْصِيل اسْتِخْرَاج الذَّهَب من حجر الْمَعْدن وفاعلة المحصل وَهَذَا كَمَا ترى رَكِيك وَالظَّاهِر مَا قَالَه الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب فَإِنَّهُ أنْشد هَذَا الْبَيْت وَمَا بعده قَالَ: هما لأعرابي أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة بمتعة فصاده مَفْتُوحَة.

بمتعة. فصاده مَفْتُوحَة.

وَأنْشد الْأَخْفَش هَذَا الْبَيْت فِي كتاب المعاياة وَقَالَ: قَوْله محصلة مَوضِع يجمع النَّاس أَي: يحصلهم. وتبيت: فعل نَاقص مضارع بَات اسْمهَا ضمير المحصلة وَجُمْلَة ترجل لمّتي فِي مَحل نصب خَبَرهَا. وَفِيه الْعَيْب الْمُسَمّى بالتضمين وَهُوَ توقف الْبَيْت على بَيت آخر وخرّجه بَعضهم على أَنه بِضَم أَوله من أبات أَي:

تجْعَل لي بَيْتا أَي: امْرَأَة بِنِكَاح وَعَلِيهِ فَلَا تضمين لكني لم أجد أبات بِهَذَا الْمَعْنى فِي كتب اللُّغَة.

وَزعم الأعلم أَنه فعل تَامّ فَقَالَ: طلبَهَا للمبيت إِمَّا

ص: 54

للتحصيل أَو الْفَاحِشَة. وروى بَعضهم: تبيث بِالْمُثَلثَةِ وَقَالَ: الْعَرَب تَقول: بثت بالشَّيْء بوثاً وبثته بيثاً: إِذا استخرجته. أَرَادَ امْرَأَة تعينه على اسْتِخْرَاج الذَّهَب من تُرَاب الْمَعْدن. وَهَذَا غَفلَة عَمَّا قبله وَمَا بعده.

والترجيل: التسريح وَإِصْلَاح الشّعْر واللمة بِالْكَسْرِ: الشّعْر الَّذِي يُجَاوز شحمة الْأذن. وقم الْبَيْت قماً من بَاب قتل: كنسه. والإتاوة قَالَ فِي الْمِصْبَاح: وأتوته آتوه إتاوة بِالْكَسْرِ: رشوته.

وَعَمْرو بن قعاس بِكَسْر الْقَاف بعْدهَا عين قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: وَيُقَال ابْن قنعاس أَيْضا.

أَي: بِزِيَادَة نون بَينهمَا.

وَهَذِه نسبته من جمهرة ابْن الْكَلْبِيّ: عَمْرو بن قعاس بن عبد يَغُوث بن مخدش ابْن عصر بِالتَّحْرِيكِ ابْن غنم بِفَتْح بِسُكُون ابْن مَالك بن عَوْف بن مُنَبّه بن غطيف بن عبد الله بن)

نَاجِية بن مَالك بن مُرَاد الْمرَادِي الْمذْحِجِي. وَمن ولد عَمْرو ابْن قعاس هَانِئ بن عُرْوَة بن نمران بن عَمْرو بن قعاس قَتله عبيد الله بن زِيَاد مَعَ مُسلم بن عقيل بن أبي طَالب وصلبهما.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة

(تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لَوْلَا الكمي المقنعا)

ص: 55

. على أَن الْفِعْل قد حذف بعد لَوْلَا بِدُونِ مُفَسّر. أَي: لَوْلَا تَعدونَ.

قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: لَوْلَا هَذِه لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل لِأَنَّهَا لِلْأَمْرِ والتحضيض مظْهرا أَو مضمراً كَمَا قَالَ: تَعدونَ عقر النيب الْبَيْت أَي: هلا تَعدونَ الكمي المقنعا. وَمثله قدر ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: أَرَادَ لَوْلَا تَعدونَ الكمي أَي: لَيْسَ فِيكُم كمي فتعدوه.

وَكَذَلِكَ قدره أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي يحذف بعْدهَا الْفِعْل وَغَيره وَقَالَ: فالناصب للكمي هُوَ الْفِعْل المُرَاد بعد لَوْلَا وَتَقْدِيره: لَوْلَا تلقونَ الكمي أَو تبارزون أَو نَحْو ذَلِك إِلَّا أَن الْفِعْل حذف بعْدهَا لدلالتها عَلَيْهِ.

فَكل هَؤُلَاءِ كالشارح جعل لَوْلَا تحضيضية وَقدر الْمُضَارع لِأَنَّهَا مُخْتَصَّة بِهِ. وَخَالفهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَجَعلهَا للتوبيخ والتنديم وتختص بالماضي وَقَالَ: الْفِعْل مُضْمر أَي: لَوْلَا عددتم. وَقَول النَّحْوِيين: لَوْلَا تَعدونَ مَرْدُود إِذْ لم يرد أَن يحضهم على أَن يعدوا فِي الْمُسْتَقْبل بل المُرَاد توبيخهم على ترك عده فِي الْمَاضِي. وَإِنَّمَا قَالَ تَعدونَ على حِكَايَة الْحَال فَإِن كَانَ مُرَاد النَّحْوِيين مثل ذَلِك فَحسن.

وتعدون اخْتلف فِي تعديته إِلَى مفعولين: قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد:

اخْتلف فِي تعدِي عد. بِمَعْنى اعْتقد إِلَى مفعولين فَمَنعه قوم وَزَعَمُوا فِي قَوْله:

ص: 56

(لَا أعد الإقتار عدماً وَلَكِن

فقد من قد رزيته الإعدام)

أَن عدماً حَال. وَلَيْسَ الْمَعْنى عَلَيْهِ. وأثبته آخَرُونَ مستدلين بقوله:

(فَلَا تعدد الْمولى شريكك فِي الْغنى

ولكنما الْمولى شريكك فِي الْعَدَم))

وَقَوله: تَعدونَ عقر النيب الخ. هـ وَجه الِاسْتِدْلَال فِي الْبَيْت الأول أَن قَوْله شريكك. وَفِي الْبَيْت الثَّانِي أَن قَوْله أفضل مجدكم معرفتان لَا يجوز نصبهما على الحالية لِأَنَّهَا وَاجِبَة التنكير.

وَقَوله: الكمي المقنعا مَنْصُوب على أَنه الْمَفْعُول الأول لتعدون الْمَحْذُوف بِتَقْدِير مُضَاف وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف أَي: لَوْلَا تَعدونَ عقر الكمي أفضل مجدكم. وَلَا يجوز أَن يكون من الْعد بِمَعْنى الْحساب قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَأما عد من الْعدَد وَهُوَ إحصاء الشَّيْء فيتعدى لمفعولين أَحدهمَا بِحرف الْجَرّ. وَقد يحذف تَقول: عددتك المَال وعددت لَك المَال. هـ.

فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِاللَّامِ وَتَقْدِير من لَا يَسْتَقِيم. وَقدر بَعضهم من حُرُوف الْجَرّ من وَقَالَ: هلا تَعدونَ ذَلِك من أفضل مجدكم. نَقله ابْن الْمُسْتَوْفى فِي شرح أَبْيَات الْمفصل. وَفِيه نظر. وَذكر أَيْضا وُجُوهًا أخر: مِنْهَا أَن أفضل مجدكم بدل من عقر النيب. وَفِيه أَن هَذَا لَيْسَ بدل اشْتِمَال وَلَا بدل بعض لعدم الضَّمِير وَلَا بدل كل لِأَنَّهُ غَيره وَلَا بدل غلط لِأَنَّهُ لم يَقع فِي الشّعْر. ومِنْهَا أَنه مَنْصُوب على

الْمصدر بِتَقْدِير مُضَاف أَي: تَعدونَ عقر النيب عد أفضل مجدكم. ومِنْهَا أَنه نعت أَو عطف بَيَان.

ص: 57

والْعقر: مصدر عقر النَّاقة بِالسَّيْفِ من بَاب ضرب: إِذا ضرب قَوَائِمهَا بِهِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: لَا يُطلق الْعقر فِي غير القوائم وَرُبمَا قيل: عقر الْبَعِير: إِذا نَحره. والنيب: جمع نَاب وَهِي النَّاقة المسنة. والْمجد: الْعِزّ والشرف. وبني ضوطرى: منادى بإضمار يَا قَالَ ابْن الأثيرفي المرصع: بَنو ضوطرى وَيُقَال فِيهِ: أَبُو ضوطرى: هُوَ ذمّ وَسَب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: وضوطرى هُوَ الرجل الضخم اللَّئِيم الَّذِي لَا غناء عِنْده وَكَذَلِكَ الضوطر والضيطر.

وَمثله فِي سفر السَّعَادَة وَزَاد ضيطاراً وَقَالَ: وَجمع ضيطار ضياطرة.

وَقَالَ حَمْزَة بن الْحُسَيْن: الْعَرَب تَقول: يَا ابْن ضوطر أَي: يَا ابْن الْأمة. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: الضوطر: الْمَرْأَة الحمقاء. والكمي: الشجاع المتكمي فِي سلاحه لِأَنَّهُ كمى نَفسه أَي: سترهَا بالدرع والبيضة كَذَا فِي الصِّحَاح. والْمقنع بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول الَّذِي على رَأسه الْبَيْضَة والمغفر.

حَاصِل الْمَعْنى: أَنكُمْ تَعدونَ عقر الْإِبِل المسنة الَّتِي لَا ينْتَفع بهَا وَلَا يُرْجَى نسلها أفضل مجدكم)

هلا تَعدونَ قتل الشجعان أفضل مجدكم وَهَذَا تَعْرِيض بجبنهم وضعفهم عَن مقارعة الشجعان ومنازلة الأقران.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يهجو بهَا الفرزدق. وقَضِيَّة عقر الْإِبِل مَشْهُورَة فِي التواريخ محصلها أَنه أصَاب أهل الْكُوفَة مجاعَة فَخرج أَكثر النَّاس إِلَى الْبَوَادِي وَكَانَ غَالب أَبُو الفرزدق رَئِيس قومه (وَكَانَ سحيم بن وثيل الريَاحي رَئِيس قومه) فَاجْتمعُوا فِي أَطْرَاف السماوة من بِلَاد كلب على مسيرَة يَوْم من الْكُوفَة فعقر غَالب لأَهله نَاقَة صنع مِنْهَا طَعَاما وَأهْدى إِلَى قوم من تَمِيم جفاناً وَأهْدى إِلَى سحيم جَفْنَة فكفاها وَضرب الَّذِي أَتَى بهَا وَقَالَ: أَنا مفتقر إِلَى طَعَام غَالب وَنحر سعيم لأَهله فَلَمَّا كَانَ من الْغَد نحر غَالب لأَهله ناقتين وَنحر سحيم ناقتين وَفِي الْيَوْم الثَّالِث نحر غَالب ثَلَاثًا فَنحر

ص: 58

سحيم ثَلَاثًا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع نحر غَالب مائَة نَاقَة وَلم يكن لسحيم هَذَا الْقدر فَلم يعقر شَيْئا وَلما انْقَضتْ المجاعة وَدخل النَّاس الْكُوفَة قَالَ بَنو ريَاح لسحيم جررت علينا

عَار الدَّهْر هلاّ نحرت مثل مَا نحر غَالب وَكُنَّا نعطيك مَكَان كل نَاقَة ناقتين فَاعْتَذر أَن إبِله كَانَت غَائِبَة وَنحر نَحْو ثَلَاثمِائَة نَاقَة. وَكَانَ فِي خلَافَة عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فَمنع النَّاس من أكلهَا وَقَالَ: إِنَّهَا مِمَّا أهل لغير الله بِهِ وَلم يكن الْغَرَض مِنْهُ إِلَّا الْمُفَاخَرَة والمباهاة فَجمعت لحومها على كناسَة الْكُوفَة فَأكلهَا الْكلاب والعقبان والرخم.

وَقد أورد القالي هَذِه الْحِكَايَة فِي ذيل أَمَالِيهِ بأبسط مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَأورد مَا قيل فِيهَا من الْأَشْعَار وَمَا مدح بِهِ غَالب وهجي بِهِ سحيم.

تَتِمَّة بَيت الشَّاهِد نسبه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ للأشهب بن رميلة. وَكَذَا غَيره. وَالصَّحِيح أَنه من قصيدة لجرير لَا خلاف بَين الروَاة أَنَّهَا لَهُ. وَهِي جَوَاب عَن قصيدة تقدّمت للفرزدق على قافيتها. وَكَانَ الفرزدق تزوج حدراء الشيبانية وَكَانَ أَبوهَا نَصْرَانِيّا وَهِي من ولد بسطَام بن قيس وَمَاتَتْ قبل أَن يصل إِلَيْهَا الفرزدق وَقد سَاق إِلَيْهَا الْمهْر فَترك الْمهْر لأَهْلهَا وَانْصَرف.

(يَقُولُونَ زر حدراء والترب دونهَا

وَكَيف بِشَيْء وَصله قد تقطعا)

(يَقُول ابْن خِنْزِير: بَكَيْت وَلم تكن

على امْرَأَة عَيْني إخال لتدمعا)

ص: 59

(وأهون رزء لمرىء غير عَاجز

رزية مرتج الروادف أفرعا))

(وَمَا مَاتَ عِنْد ابْن المراغة مثلهَا

وَلَا تَبعته ظَاعِنًا حَيْثُ دعدعا)

فَأَجَابَهُ جرير بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا:

(وحدراء لَو لم ينجها الله برزت

إِلَى شَرّ ذِي حرث دمالاً ومزرعا)

(وَقد كَانَ رجساً طهرت من جمَاعه

وآب إِلَى شَرّ الْمضَاجِع مضجعا)

ثمَّ قَالَ:

(تَعدونَ عقر النيب أفضل سعيكم

بني ضوطرى هلاّ الكمي المقنعا)

(وَقد علم الأقوام أَن سُيُوفنَا

عجمن حَدِيد الْبيض حَتَّى تصدعا)

(أَلا رب جَبَّار عَلَيْهِ مهابة

سقيناه كأس الْمَوْت حَتَّى تضلعا)

والقصيدتان مسطورتان أَيْضا فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب.

وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة سحيم بن وثيل أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة

(ونبّئت ليلى أرْسلت بشفاعة

إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها)

على أَن الْجُمْلَة الاسمية قد وَقعت فِيهِ بعد أَدَاة التحضيض شذوذاً.

ص: 60

هَذَا الْبَيْت أوردهُ أَبُو تَمام فِي أول بَاب النسيب من الحماسة مَعَ بَيت ثَان وَهُوَ:

(أكْرم من ليلى عليّ فتبتغي

بِهِ الجاه أم كنت امْرَءًا لَا أطيعها)

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: هلاّ من حُرُوف التحضيض وبابه الْفِعْل إِلَّا أَنه فِي هَذَا الْموضع اسْتعْمل الْجُمْلَة المركبة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَوضِع المركبة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهَذَا فِي نَحْو هَذَا الْموضع عَزِيز جدا وَكَذَا قَالَ شرّاح الحماسة. وخرجه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على إِضْمَار كَانَ الشأنية أَي: فَهَلا كَانَ هُوَ أَي: الشَّأْن. ثمَّ قَالَ: التَّقْدِير فَهَلا شفعت نفس ليلى لِأَن الْإِضْمَار من جنس الْمَذْكُور أَقيس. وشفيعها على هَذَا خبر لمَحْذُوف أَي: هِيَ شفيعها.

وَنسب أَبُو حَيَّان الْوَجْه الأول لأبي بكر بن طَاهِر وَنسب الْوَجْه الثَّانِي إِلَى الْبَصرِيين. ونبىء يتَعَدَّى لثَلَاثَة مفاعيل الْمَفْعُول الأول التَّاء وَهِي نَائِب الْفَاعِل وليلى الْمَفْعُول الثَّانِي وَجُمْلَة أرْسلت فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّالِث. وَقَوله: بشفاعة أَي: بِذِي شَفَاعَة فالمضاف)

مَحْذُوف أَي: شَفِيعًا. يَقُول: خبرت أَن ليلى أرْسلت إِلَيّ ذَا شَفَاعَة تطلب بِهِ جاهاً عِنْدِي هلا جعلت نَفسهَا شفيعها.

وَقَوله: أأكرم من ليلى الخ الِاسْتِفْهَام إِنْكَار وتقريع. أنكر مِنْهَا استعانتها عَلَيْهَا بِالْغَيْر.

وَقَوله: فتبتغي مَنْصُوب فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام لكنه سكنه ضَرُورَة. وأم مُتَّصِلَة كَأَنَّهُ قَالَ: أيّ هذَيْن توهمت (أطلب) إِنْسَان أكْرم عَليّ مِنْهَا أم اتهامها لطاعتي لَهَا وَخبر أكْرم عَليّ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير (أأكرم من ليلى مَوْجُود فِي الدُّنْيَا) .

وَقد أورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْبَاب الْخَامِس من الْمُغنِي شَاهدا على اشْتِرَاط الصّفة لما وطّىء بِهِ من خبر

ص: 61

أَو صفة أَو حَال.

وَفِي الأمالي ابْن الشجري: فِي الْبَيْت إِعَادَة الضَّمِير من أطيعها ضمير مُتَكَلم وفَاقا لَكُنْت وَلم يعد ضمير غَائِب وفَاقا لامرىء على حد (قَوْله تَعَالَى:) بل أَنْتُم قوم تجهلون.

والبيتان نسبهما ابْن جنّي فِي إِعْرَاب الحماسة للصّمّة بن عبد الله الْقشيرِي.

قَالَ أَبُو رياش فِي شرح الحماسة: وَكَانَ من خبر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ أَن الصّمّة بن عبد الله كَانَ يهوى ابْنة عَمه تسمى ريّا فَخَطَبَهَا إِلَى عَمه فَزَوجهُ على خمسين من الْإِبِل فجَاء إِلَى أَبِيه فَسَأَلَهُ فساق عَنهُ تسعا وَأَرْبَعين فَقَالَ: أكملها فَقَالَ: هُوَ عمك وَمَا يناظرك فِي نَاقَة (نَاقِصَة) فجَاء إِلَى عَمه بهَا فَقَالَ: وَالله لَا أقبلها إِلَّا كلهَا. فلجّ عَمه ولجّ أَبوهُ فَقَالَ: وَالله مَا رَأَيْت ألأم مِنْكُمَا وَأَنا ألأم مِنْكُمَا إِن أَقمت مَعَكُمَا فَرَحل إِلَى الشَّام فلقي الْخَلِيفَة فَكَلمهُ فأعجب بِهِ وَفرض لَهُ وألحقه بالفرسان. فَكَانَ يتشوق إِلَى نجد وَقَالَ هَذَا الشّعْر. هـ. والصمّة كَمَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب هُوَ الصمَّة بن عبد الله بن الْحَارِث بن قُرَّة بن هُبَيْرَة. كَانَ شريفاً شَاعِرًا ناسكاً عابداً وقرة بن هُبَيْرَة وَفد على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فَأكْرمه وكساه وَاسْتَعْملهُ على صدقَات قومه وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى قُشَيْر بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر.

تَتِمَّة نسب الْعَيْنِيّ الْبَيْت الشَّاهِد إِلَى قيس بن الملوح. قَالَ: وَيُقَال: قائلة ابْن الدّمينة.

ص: 62