الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتروّح بِالْحَاء الْمُهْملَة: صَار ذَا رَاحَة.
وناعم: وصف من النَّعيم وَهُوَ الْخَفْض والدّعة وَالْمَال. وجذلان بِمَعْنى فرحان من الجذل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْفَرح. وأزننتني: اتهمتني يُقَال: زننته وأزننته بِكَذَا: إِذا اتهمته بِهِ ونسبته إِلَيْهِ.
وَقَوله: أفرح أَرَادَ أأفرح على معنى التَّقْرِير وَالْإِنْكَار فَترك ذكر الْهمزَة وَهُوَ يريدها حِين فهم مَا أَرَادَ وَهَذَا قَبِيح وَإِنَّمَا يحسن حذفهَا مَعَ أم.
وَقد أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف فِي تَفْسِيره دَلِيلا على حذف همزَة الِاسْتِفْهَام.
والرزء برَاء مَضْمُومَة وزاي سَاكِنة بعْدهَا همزَة قَالَ صَاحب الْقَامُوس: رزأه مَاله كجعله وَعَمله رزْاً بِالضَّمِّ: أصَاب مِنْهُ شَيْئا. فالمفعول الثَّانِي فِي الْبَيْت مَحْذُوف أَي: أرزأ الْكِرَام مَالهم. وأورث بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول.
والذود من الْإِبِل: دون الْعشْرَة وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْإِنَاث. والشصائص الَّتِي لَا ألبان لَهَا الْوَاحِد شصوص بِفَتْح الْمُعْجَمَة وإهمال الصادين يُقَال: شصّت النَّاقة وأشصت.
والنبل بِفَتْح النُّون وَالْمُوَحَّدَة: الصغار قَالَ فِي الْقَامُوس: والنبل محركة: عِظَام الْحِجَارَة والمدر
3 -
(تَتِمَّة:)
أورد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف اثْنَيْنِ من الشُّعَرَاء مِمَّن اسْمه حضرمي أَحدهمَا هَذَا)
الصَّحَابِيّ.
وَالثَّانِي حضرمي بن الفلندح بِفَتْح الْفَاء وَاللَّام وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَآخره حاء مُهْملَة قَالَ: هُوَ أَخُو بني حرَام بن عَوْف المشجعي. وَبَنُو مشجعَة بن تيم بن النمر بن وبرة أَخُو كلب بن وبرة شَاعِر وَهُوَ الْقَائِل:
…
(إِذا نفحت من نَحْو أَرْضك نفحة
…
ريَاح الصِّبَا يَا قيل طَابَ نسيمها)
(كَأَنَّك فِي الجلباب شمس نقيّة
…
تجوّب عَنْهَا يَوْم دجن غيومها)
انْتهى.
وَقيل مرخّم قيلة بِالْقَافِ اسْم امْرَأَة وَلَا أعرف هَل هُوَ إسلامي أَو لَا. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ
(وَلم يبْق سوى الْعدوان دنّاهم كَمَا دانوا
…
صفحنا عَن بني ذهل)
(عَسى الْأَيَّام أَن يرجع
…
ن قوما كَالَّذي كَانُوا)
(فَلَمَّا صرّح الشَّرّ
…
فأمسى وَهُوَ عُرْيَان)
(وَلم يبْق سوى العدوا
…
ن دنّاهم كَمَا دانوا)
…
(مشينا مشْيَة اللَّيْث
…
غَدا وَاللَّيْث غَضْبَان)
(بِضَرْب فِيهِ توهين
…
وتخضيع وإقران)
(وَطعن كفم الزقّ
…
غَدا والزقّ ملآن)
(وَبَعض الْحلم عِنْد الجه
…
ل للذلة إذعان)
وَفِي الشَّرّ نجاة حَيّ ن لَا ينجيك إِحْسَان)
الصفح: الْعَفو وَحَقِيقَته أعرضنا عَنْهُم وأوليناهم صفحة عنقنا. وَرُوِيَ:
عَن بني هِنْد وَهِي هِنْد بنت مرّ بن أدّ أُخْت تَمِيم. وَقَوله: عَسى الْأَيَّام الخ قَالَ المرزوقيّ: لَا يجوز أَن يكون الَّذِي بِمَعْنى الَّذين لِأَن الْمَوْصُول والصلة يصير صفة لقوم آخَرين كالقوم الْمَذْكُورين بل التَّقْدِير: أَن يرددن دأب الْقَوْم كَائِنا كالدأب الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ.
وَفِي هَذَا الْوَجْه يجوز أَن يكون الَّذِي للْجِنْس كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ ثمَّ قَالَ: أُولَئِكَ. والفصل بَين هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الأول أَنه أمّل فِي الْوَجْه الأول أَنهم إِذا عفوا عَنْهُم أدّبتهم الْأَيَّام وردّت أَحْوَالهم كأحوالهم فِيمَا مضى: فِي الِاتِّفَاق والتوادّ وَفِي الْوَجْه الثَّانِي أمّل أَن ترجع الْأَيَّام أنفسهم إِذا صفحوا عَنْهُم كَمَا عهِدت: سَلامَة صُدُور وكرم عهود انْتهى.
وَمعنى يرجعن: يرددن من بَاب فعل وفعلته يُقَال: رَجَعَ فلَان رُجُوعا ومرجعاً ورجعاناً ورجعته رجعا والعائد مَحْذُوف أَي: كَالَّذي كانوه وَهُوَ خبر كَانَ.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على ان بَعضهم اسْتدلَّ بِهِ على أَن الْمعرفَة إِذا أُعِيدَت نكرَة كَانَت عينهَا على الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة.
وصرّح بِمَعْنى انْكَشَفَ وَيَأْتِي أَيْضا متعدّياً بِمَعْنى كشفه. وَجُمْلَة وَهُوَ عُرْيَان خبر أَمْسَى وَذكر الْعُرْيَان مثل لظُهُور الشرّ. وَرُوِيَ: فأضحى وَهُوَ عُرْيَان وَهَذِه احسن لِأَن الشَّيْء فِي الضُّحَى وَقَوله: وَلم يبْق سوى الْعدوان مَعْطُوف على قَوْله صرّح.
وَقَوله: دنّاهم. . الخ جَوَاب لما. والعدوان: الظُّلم الصَّرِيح. وَالدّين: الْجَزَاء. وَأورد الْبَيْضَاوِيّ هَذَا الْبَيْت فِي قَوْله تَعَالَى: مَالك يَوْم الدَّين على أَن الدَّين الْجَزَاء. وَالْمعْنَى: لما أصرّوا على الْبَغي وأبوا أَن يدعوا الظُّلم وَلم يبْق إِلَّا أَن نقاتلهم ونعتدي عَلَيْهِم كَمَا اعتدوا علينا جازيناهم بفعلهم الْقَبِيح كَمَا ابتدؤونا بِهِ. وَإِطْلَاق المجازاة على فعلهم مشاكلة على حد قَوْله تَعَالَى: فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ.
وَقَوله: مشينا مشْيَة الخ هَذَا تَفْصِيل لما أجمله فِي قَوْله دنّاهم وَتَفْسِير لكيفية المجازاة. وكرّر اللَّيْث وَلم يَأْتِ بِهِ مضمراً تفخيماً وتعظيماً.
وَالْمعْنَى: مشينا إِلَيْهِم مشْيَة الْأسد ابتكر وَهُوَ جَائِع. وكنى عَن الْجُوع بِالْغَضَبِ لِأَنَّهُ يَصْحَبهُ.
وَغدا بِمُعْجَمَة فمهملة وَلَا يجوز بمهملتين لِأَن اللَّيْث لَا يكون مَاشِيا عادياً فِي حَال. فَإِن قيل: اجْعَلْهُ من الْعدوان قلت: اللَّيْث لَا يمشي فِي حَال عدوانه وَإِنَّمَا يشدّ شدّاً وَيجوز على رِوَايَة)
شددنا شدَّة اللَّيْث على أَنه من الْعدوان.
وَقَوله: بِضَرْب فِيهِ توهين الخ الْبَاء تتَعَلَّق بمشينا. والتوهين: التَّضْعِيف. والإقران: مُوَاصلَة لَا فتور فِيهَا. وَرُوِيَ: والتأييم: جعل الْمَرْأَة أيّماً والأيّم هِيَ الَّتِي قتل زَوجهَا أَو مَاتَ. والإرنان من الرنين والبكاء يُقَال: رنّ وأرنّ.
وَقَوله: وَطعن كفم الزقّ الخ غذا بمعجمتين بِمَعْنى سَالَ يُقَال: غذا يغذو غذواً وَالِاسْم الْغذَاء أَي: وَطعن فِي اتساعه وَخُرُوج الدَّم مِنْهُ كفم الزق إِذا سَالَ بِمَا فِيهِ وَهُوَ مَمْلُوء. وَجُمْلَة إِذا مَعَ ضَمِيره بِتَقْدِير قد حَالية.
وَقَوله: وَبَعض الْحلم الخ الإذعان: الانقياد يُقَال: أذعن لكذا: إِذا انْقَادَ لَهُ وأذعن بِكَذَا: إِذا أقرّ بِهِ. اعتذر فِي هَذَا الْبَيْت عَن تَركهم التحلم مَعَ الأقرباء بِأَنَّهُ كَانَ يُفْضِي إِلَى الذل.
وَقَوله: وَفِي الشَّرّ نجاة الخ أَرَادَ فِي دفع الشَّرّ وَيجوز أَن يُرِيد وَفِي عمل الشَّرّ نجاة كانه يُرِيد: وَفِي الْإِسَاءَة مخلص إِذا لم يخلّصك الْإِحْسَان.
والفند الزمّاني اسْمه شهل بن شَيبَان بن ربيعَة بن زمّان الْحَنَفِيّ. فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جد أَبِيه.
وشهل بالشين وَلَيْسَ فِي الْعَرَب شهل بِالْمُعْجَمَةِ إِلَّا هُوَ وشهل بن أَنْمَار من قَبيلَة بجيلة. وزمّان بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم هُوَ إِمَّا فعلان من زممت أَو فعّال من الزَّمن. والفند بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون النُّون: الْقطعَة من الْجَبَل وَإِنَّمَا لقّب بِهِ لِأَن بكر بن وَائِل بعثوا إِلَى بني حنيفَة فِي حَرْب البسوس لينصروهم فأمدّوهم بِهِ وَكَتَبُوا إِلَيْهِم: قد بعثنَا إِلَيْكُم بثلثمائة فَارس فَلَمَّا أَتَى بكرا وَهُوَ مسنّ قَالُوا: وَمَا
يُغني هَذَا العشبة قَالَ: أَو مَا ترْضونَ أَن أكون لكم فنداً تأوون إِلَيْهِ فلقب بِهِ
…
والعشبة بِفَتَحَات الْعين الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُوَحدَة: الشَّيْخ الْكَبِير وَيُقَال: العشمة بِالْمِيم بدل الْمُوَحدَة كَذَا فِي إِعْرَاب الحماسة لِابْنِ جنّي.
وَفِي الأغاني: كَانَ الفند أحد فرسَان ربيعَة الْمَشْهُورين الْمَعْدُودين شهد حَرْب بكر وتغلب وَقد قَارب الْمِائَة سنة فأبلى بلَاء حسنا. وَإِنَّمَا لقّب فنداً لِأَن بكر بن وَائِل بعثوا إِلَى بني حنيفَة يستنصرونهم. وَذكر الْحِكَايَة الَّتِي ذَكرنَاهَا ثمَّ قَالَ: فوجّهوا إِلَيْهِم بالفند الزمّاني فِي سبعين رجلا وَكَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّا قد بعثنَا إِلَيْكُم ألف رجل.
وانشد بعده وَهُوَ)
الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ
(تجانف عَن جو الْيَمَامَة نَاقَتي
…
وَمَا عدلت عَن أَهلهَا لسوائكا)
على أَن خُرُوج سَوَاء عَن الظَّرْفِيَّة شَاذ خَاص بالشعر وَإِذا خرجت كَانَت بِمَعْنى غير.
وَقد استفتى بَعضهم من جملَة أسئلة أَرْبَعَة: هَل تكون سَوَاء بِمَعْنى غير فَأَجَابَهُ أَبُو نزار الملقب بِملك النُّحَاة بِأَنَّهُ قد نَص على أَنَّهَا لَا تَأتي إِلَّا ظرف مَكَان وَأَن اسْتِعْمَالهَا اسْما متصرفاً بِوُجُوه الْإِعْرَاب بِمَعْنى غير خطأ.
وَنقل ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ صُورَة الاستفتاء الأسئلة الْأَرْبَعَة وَمَا أجَاب
بِهِ أَبُو نزار وَجَوَاب الإِمَام أبي مَنْصُور الجواليقي واستجهل أَبَا نزار وذمّه وخطّأه تبعا للجواليقي وَأصَاب هُوَ أَيْضا عَن الأسئلة وَقَالَ فِي سوى: وَأما سوى فَإِن الْعَرَب استعملتها اسْتثِْنَاء وَهِي فِي ذَلِك مَنْصُوبَة على الظّرْف بِدلَالَة أَن النصب يظْهر فِيهَا إِذا مدّت فَإِذا قلت أَتَانِي الْقَوْم سواءك فكأنك قلت مَكَانك.
واستدلّ الْأَخْفَش على أَنَّهَا ظرف بوصلهم الِاسْم النَّاقِص بهَا فِي نَحْو: أَتَانِي الَّذِي سواك.
والكوفيون يرَوْنَ اسْتِعْمَالهَا بِمَعْنى غير. وَأَقُول: إِدْخَال الجارّ عَلَيْهَا فِي قَول الْأَعْشَى: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا يُخرجهَا عَن الظَّرْفِيَّة. وَإِنَّمَا استجازت الْعَرَب ذَلِك فِيهَا تَشْبِيها لَهَا بِغَيْر من حَيْثُ استعملوها اسْتثِْنَاء. وعَلى تشبيهها بِغَيْر قَالَ أَبُو الطّيب:
(أَرض لَهَا شرف سواهَا مثلهَا
…
لَو كَانَ مثلك فِي سواهَا يُوجد)
رفع سوى الأولى بِالِابْتِدَاءِ وخفض الثَّانِيَة بفي فأخرجهما من الظَّرْفِيَّة. فَمن خطّأه فقد خطّأ الْأَعْشَى فِي قَوْله: لسوائكا وَمن خطأ الْأَعْشَى فِي لغته الَّتِي جبل
عَلَيْهَا وشعره يستشهد بِهِ فِي كتاب الله تَعَالَى فقد شهد على نَفسه بِأَنَّهُ مَدْخُول الْعقل ضَارب فِي غمرة الْجَهْل. وَمن الْعجب أَن هَذَا الْجَاهِل يقدم على تخطئة سلف النَّحْوِيين وخلفهم وتخطئة الشُّعَرَاء الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين وَلَا يُؤثر عَنهُ انه قَرَأَ مصنفاً فِي النَّحْو إِلَّا مُقَدّمَة من تأليف عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ قيل: إِنَّهَا لَا تبلغ أَن تكون فِي عشر
أوراق وَقيل إِنَّه لَا يملك من كتب النَّحْو واللغة مَا مِقْدَاره عشر أوراق وَهُوَ مَعَ ذَلِك يردّ بقحّته على الْخَلِيل وسيبويه إِنَّهَا لوصمة اتسم بهَا زَمَاننَا هَذَا لَا يبعد عارها وَلَا يَنْقَضِي شنارها.)
وَإِنَّمَا طلب بتلفيق هَذِه الأهواس أَن تسطّر فَتْوَى فَيثبت خطّه فِيهَا مَعَ خطّ غَيره. فَيُقَال: أجَاب أَبُو نزار بِكَذَا وَأجَاب غَيره بِكَذَا وَقد أدْرك لعمر الله مَطْلُوبه وَبلغ مَقْصُوده وَلَوْلَا إِيجَاب حق من أوجبت حَقه والتزمت وفاقه واحترمت خطابه لصنت خطي ولفظي عَن مجاورة خطه وَلَفظه: انْتهى كَلَام ابْن الشجري.
واجاب الجواليقي بقوله: وَأما سوى فَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا تكون بِمَعْنى غير تَقول: رَأَيْت سواك أَي: غَيْرك. وَحكى ذَلِك أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة. وَقَالَ الْأَعْشَى:
(وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا)
أَي: لغيرك وَهِي أَيْضا غير ظرف وَتَقْدِير الْخَلِيل لَهَا بالظرف فِي الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى مَكَان وَبدل لَا يُخرجهَا عَن ان تكون بِمَعْنى غير. وفيهَا لُغَات: إِذا فتحت مدّت لَا غير وَإِذا ضمت قصرت لَا غير وَإِذا كسرت جَازَ الْمَدّ وَالْقصر أَكثر. وَمَا يحمل الْمُتَكَلّم بالْقَوْل الهراء إِلَّا فشوّ الْجَهْل.
انْتهى.
وَقد حكى ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف مَذْهَب الْبَصرِيين والكوفيين
مفضّلاً فَلَا بَأْس بإيراده مُجملا. قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن
سَوَاء تكون اسْما وَتَكون ظرفا وَاحْتَجُّوا على أَنَّهَا تكون اسْما بِمَنْزِلَة غير وَلَا تلْزم الظَّرْفِيَّة انهم يدْخلُونَ عَلَيْهَا حرف الْخَفْض قَالَ المرّار بن سَلامَة العجليّ:
(وَلَا ينْطق الْفَحْشَاء من كَانَ مِنْهُم
…
إِذا جَلَسُوا منا وَلَا من سوائنا)
وَقَالَ الآخر: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا وَقَالَ أَبُو دواد:
(وكل من ظن أَن الْمَوْت مخطئه
…
مجلل بِسَوَاء الْحق مَكْذُوب)
وَقَالَ الآخر:
(أكرّ على الكتيبة لَا أُبَالِي
…
أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا)
وَرُوِيَ عَن بعض الْعَرَب أَنه قَالَ: أَتَانِي سواؤك فَرفع. وَذهب البصريون إِلَى أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا ظرفا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا مَا اسْتعْملت فِي اخْتِيَار الْكَلَام إِلَّا ظرفا قَالُوا: مَرَرْت بِالَّذِي سواك.
فوقوعها صلَة يدلّ على ظرفيتها بِخِلَاف غير. وَقَوْلهمْ: مَرَرْت بِرَجُل سواك أَي: بِرَجُل مَكَانك)
أَي: يُغني غناءك ويسدّ مسدك. وَالَّذِي يدل على تغاير سوى وَغير ان سوى لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى معرفَة نَحْو مَرَرْت بِرَجُل سواك وَسوى الْعَاقِل وَلَو قلت: سوى عَاقل لم يجز وَلَو قلت غير عَاقل جَازَ. وَيدل على ظرفية سوى أَن الْعَامِل يتعداها قَالَ لبيد:
(وابذل سوام المَال إِ
…
ن سواءها دهماً وجونا)
فنصب سواءها على الظّرْف ودهماً بِأَن. . وَأَجَابُوا عَن الأبيات بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لضَرُورَة الشّعْر وَعِنْدنَا يجوز خُرُوجهَا عَن الظَّرْفِيَّة فِي ضَرُورَة الشّعْر وَلم يَقع الْخلاف فِي حَال الضَّرُورَة وَإِنَّمَا استعملوها بِمَنْزِلَة غير فِي الضَّرُورَة لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا وَلَيْسَ شَيْء يضطرون إِلَيْهِ إِلَّا ويحاولون لَهُ وَجها. وَأما رِوَايَة: أَتَانِي سواؤك فرواية تفرّد بهَا الفرّاء عَن أبي ثروان وَهِي رِوَايَة شَاذَّة غَرِيبَة فَلَا يكون فِيهَا حجَّة. انْتهى.
وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا هَوْذَة بن عَليّ بن ثُمَامَة الْحَنَفِيّ ومطلعها:
(أحيّتك تيّاً أم تركت بدائكا
…
وَكَانَت قتولاً للرِّجَال كذلكا)
(وأقصرت عَن ذكرى البطالة وَالصبَا
…
وَكَانَ سَفِيها ضلّة من ضلالكا)
(وَقَامَت تريني بعد مَا نَام صحبتي
…
بَيَاض ثناياها وأسود حالكا)
ثمَّ وصف الْفقر والفاقة فِي أَبْيَات. . إِلَى أَن قَالَ:
(إِلَى هَوْذَة الوهّاب أهديث مدحتي
…
أرجّي نوالاً فَاضلا من عطائكا)
(تجانف عَن جوّ الْيَمَامَة نَاقَتي
…
وَمَا عَمَدت من أَهلهَا لسوائكا)
(ألمّت بِأَقْوَام فعافت حياضهم
…
قلوصي وَكَانَ الشّرْب فِيهَا بمائكا)
(فَلَمَّا أَتَت آطام جوّ وَأَهله
…
أنيخت فَأَلْقَت رَحلهَا بفنائكا)
.
(سَمِعت برحب الباع والجود والندى
…
فألقيت دلوي فاستقت برشائكا)
(وَمَا ذَاك إِلَّا أَن كفيك بالندى
…
يجودان بالإعطاء قبل سؤالكا)
(فَتى يحمل الأعباء لَو كَانَ غَيره
…
من النَّاس لم ينْهض بهَا متماسكا)
(وَأَنت الَّذِي عودتني أَن تريشني
…
وانت الَّذِي آويتني فِي ظلالكا)
(وَإنَّك فِيمَا نابني بِي مولع
…
بِخَير وَإِنِّي مولع بثنائكا)
(وجدت عليّاً بانياً فورثته
…
وطلقاً وشيبان الْجواد ومالكا)
(وَلم يسع فِي العلياء سعيك ماجد
…
وَلَا ذُو إِنَّا فِي الحيّ مثل إنائكا))
(وَفِي كل عَام أَنْت جاشم رحْلَة
…
تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا)
قَوْله: أحيّتك الْهمزَة للآستفهام والتحية مَعْرُوفَة. وتيّاً بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الظَّاهِر أَنه اسْم محبوبته وَقد تغزل بهَا فِي أَكثر قصائده كَقَوْلِه:
(تذكرت تياً وأترابها
…
وَقد أخلفت بعض ميعادها)
وَقَوله:
(عرفت الْيَوْم من تيّا مقَاما
…
بجوّ اَوْ عرفت لَهَا خياما)
وَقيل: إِنَّهَا اسْم إِشَارَة بِمَعْنى هَذِه. وَأَرَادَ بالأسود الحالك شعرهَا.
وَقَوله: تجانف عَن جوّ. . الخ أَصله تتجانف بتاءين من الجنف وَهُوَ الْميل. وجوّ بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو: اسْم الْيَمَامَة فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى سَمَّاهَا الْحِمْيَرِي لما قتل الْمَرْأَة الَّتِي تسمى الْيَمَامَة باسمها وَقَالَ الْملك الْحِمْيَرِي:
…
(وَقُلْنَا فسموها الْيَمَامَة باسمها
…
وسرنا وَقُلْنَا لَا نُرِيد إقامه)
وَقَالَ الْأَعْشَى فِي مدح الحنفيّ أَيْضا وَهُوَ صَاحب الْيَمَامَة ويذمّ الْحَارِث بن
وَعلة:
(وَإِن امْرأ قد زرته بعد هَذِه
…
بجوّ لخير مِنْك نفسا ووالدا)
كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم للبكري. وَرُوِيَ: عَن جلّ الْيَمَامَة وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ حذف مُضَاف فَالْأول عَن أهل جو الْيَمَامَة وَالثَّانِي عَن جلّ أهل الْيَمَامَة أَي: مُعظم أَهلهَا. يَعْنِي: أَنه لم يقْصد سواهُ من أهل الْيَمَامَة. وَضمير أَهلهَا لليمامة. وَجعل الْميل عَن غير هَوْذَة إِلَى هَوْذَة فعل النَّاقة وَإِنَّمَا هُوَ فعل صَاحبهَا. وَاللَّام فِي لسوائكا بِمَعْنى إِلَى غَيْرك.
قَالَ صَاحب التَّصْحِيف: قَالَ أَبُو عبيد: لَا يكون سَوَاء وَسوى اسْما هُوَ صفة وَقَالَ فِي قَوْله: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا قَالَ الزجّاج: سَوَاء زيد وَعَمْرو فِي معنى ذَوا سَوَاء وَسَوَاء عِنْده مصدرن وَإِنَّمَا هُوَ لمَكَان سوائكا. انْتهى.
وَقَالَ ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود: سوى بِمَعْنى غير مكسور الأول مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ وَقد يفتح أَوله فيمد وَمَعْنَاهُ معنى المكسور قَالَ الْأَعْشَى بِفَتْح وَمد: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا وَقَوله: وجدت عليا بانياً الخ عَليّ أَبوهُ وطلق وشيبان وَمَالك
أَعْمَامه. وَقَوله: لما ضَاعَ فِيهَا)
من قُرُوء نسائكا يَعْنِي الْغَزْوَة الَّتِي شغلته عَن وَطْء نِسَائِهِ فِي الطُّهْر.
وَهَذِه القصيدة تشبه أشعار الْمُحدثين والمولّدين فِي الرقة والانسجام وَلِهَذَا أوردنا أَكْثَرهَا.
وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده وَهُوَ خالط من سلمى خياشيم وفا على ان أَصله وفاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: اعْلَم أَن أَبَا الْحسن الْأَخْفَش قَالَ فِي قَول الراجز: خالط من سلمى خياشيم وفا إِن التَّقْدِير: وفاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله: لَيْسَ غير: إِن التَّقْدِير لَيْسَ غَيره. وَحكى بَعضهم أَن من النَّاس من قد لحّنه. والتلحين لَيْسَ بِشَيْء لاحْتِمَاله مَا قَالَ أَبُو الْحسن وَفِيه قَول آخر: انه جَاءَ على قَول من لم يُبدل من التَّنْوِين الْألف فِي النصب وَلَكِن جعل النصب فِي عدم إِبْدَال التَّنْوِين ألفا كالجر وَالرَّفْع كَمَا جعلُوا النصب فِي نَحْو:
كفى بالنأي من أَسمَاء كَاف مثل الْجَرّ وَالرَّفْع. وَكَذَلِكَ جعل النصب مثلهمَا فِي نَحْو قَوْله:
وآخذ من كل حَيّ عصم أَي: عصماً. وَهَذِه اللُّغَة وَإِن لم يحكها سِيبَوَيْهٍ فقد حَكَاهَا أَبُو الْحسن وَغَيره. ووجهها من الْقيَاس مَا أعلمتك. فَإِذا جَازَ أَن يقدر على هَذِه اللُّغَة قدرناه عَلَيْهَا وَكَانَت الْألف فِي الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ بدل من عين الْفِعْل وَجَاز ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ يبْقى الِاسْم المتمكن على حرف. أَلا ترى أَن الْألف منقلبة عَن الْعين فَصَارَ فِي ذَلِك كالأسماء الَّتِي لما أَمن إِلْحَاق التَّنْوِين بهَا جَازَ أَن تبقى على حرفين أَحدهمَا حرف لين: كَقَوْلِه: ذُو الَّتِي فِي معنى الَّذِي وَذَا وتا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا جَاءَ على حرفين أَحدهمَا حرف لين لما لم يكن مِمَّا يلْحقهُ التَّنْوِين.
فَكَذَلِك خياشيم وفا لَا يمْتَنع أَن يكون على حرفين أَحدهمَا حرف لين على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ. انْتهى.
وَبسط هَذَا الْكَلَام فِي التَّذْكِرَة القصريّة وَأطَال وأطاب فِي الْمسَائِل العسكرية.
وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة للعجّاج مطْلعهَا:)
(يَا صَاح مَا هاج الْعُيُون الذرفا
…
من طلل أَمْسَى يحاكي المصحفا)
(رسومه وَالْمذهب المزخرفا
…
جرّت عَلَيْهِ الرّيح حَتَّى قد عَفا)
وَالْبَيْت الأول من شَوَاهِد شُرُوح الألفية فِي التَّنْوِين إِلَى أَن قَالَ:
…
(خالط من سلمى خياشيم وفا
…
صهباء خرطوماً عقارا قرقفا)
والخياشيم: جمع خيشوم وَهُوَ أقْصَى الْأنف. والصهباء: فَاعل خالط وَهِي الْخمر سميت بِهِ للونها وَهُوَ الصهبة وَهِي الشقرة. والخرطوم: السلافة فِي الأساس: وَشرب الخرطوم أَي: السلافة لِأَنَّهَا أول مَا ينعصر. وَالْعَقار بِالضَّمِّ: الْخمر. سميت بذلك لِأَنَّهَا عاقرت الْعقل على قَول.
يصف طيب نكهتها كَأَن فِيهَا خمرًا. وَإِنَّمَا جمع الخياشيم بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ وأطرافه. وَحَيْثُ
كَانَ الأَصْل فاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ يَنْبَغِي أَن يكون خياشيم كَذَلِك أَيْضا أَي: خياشيمها وفاها.
وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَلَا سِيمَا يَوْمًا بدارة جلجل على أَنه رُوِيَ بِنصب يَوْم بعد لَا سِيمَا.
وَقد ذكر الشَّارِح الْمُحَقق مَا قيل فِي تَوْجِيهه. وَهَذَا عجز وصدره: أَلا رب يَوْم صَالح لَك مِنْهُمَا
وسي بِمَعْنى مثل وَأَصله سيو وَقَالَ ابْن جني: سوى من سويته فتسوى فَلَمَّا اجْتمع حرفا الْعلَّة وَسبق أَحدهمَا بِالسُّكُونِ قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِي الْيَاء.
وَيجوز فِي الِاسْم الَّذِي بعْدهَا الْجَرّ وَالرَّفْع مُطلقًا وَالنّصب أَيْضا إِذا كَانَ نكرَة وَقد رُوِيَ بِهن فِي قَوْله: وَلَا سِيمَا يَوْم. والجر أرجحها وَهُوَ على الْإِضَافَة وَمَا إِمَّا زَائِدَة وَإِمَّا نكرَة غير مَوْصُوفَة وَيَوْم بدل مِنْهَا. وَالرَّفْع على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة صلَة مَا إِن كَانَت مَوْصُولَة أَو صفتهَا إِن كَانَت نكرَة مَوْصُوفَة تَقْدِيره: لَا مثل الَّذِي هُوَ يَوْم أَو لَا مثل شَيْء هُوَ يَوْم.
وسي فِي الْوَجْهَيْنِ نكرَة لِأَنَّهُ بِمَعْنى مثل فَلَا يتعرف فِي الْإِضَافَة لتوغله فِي
الْإِبْهَام وَلِهَذَا جَازَ دُخُول لَا الَّتِي لنفي الْجِنْس. وَضعف الرّفْع بِحَذْف الْعَائِد الْمَرْفُوع مَعَ عدم الطول فِي نَحْو لَا سِيمَا)
زيد وَأما فِي الْبَيْت فقد طَالَتْ الصِّلَة أَو الصّفة بالجار وَالْمَجْرُور بعد يَوْم فَإِنَّهُ صفته وبإطلاق مَا على من يعقل. كَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَفِيه: أَنه لَا مَانع من الْإِطْلَاق قَالَ تَعَالَى: وَالسَّمَاء وَمَا بناها. وَالْأَرْض وَمَا طحاها. وَنَفس وَمَا سواهَا وَلِهَذَا لم يتَعَرَّض لَهُ الشَّارِح الْمُحَقق.
وعَلى الْجَرّ وَالرَّفْع ففتحة سي إِعْرَاب لِأَنَّهُ مُضَاف فَيكون اسْم لَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لنا. قَالَ ابْن هِشَام: وَعند الْأَخْفَش مَا خبر للا. وَيلْزمهُ قطع سي عَن الْإِضَافَة من غير عوض. قيل: وَكَون خبر لَا معرفَة. وَجَوَابه
أَنه يقدر مَا نكرَة مَوْصُوفَة أَو يكون قد رَجَعَ إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ فِي لَا رجل قَائِم: إِن ارْتِفَاع الْخَبَر بِمَا كَانَ مرتفعاً بِهِ لَا بِلَا النافية.
وَفِي الهتيات للفارسي: إِذا قيل: قَامُوا لَا سِيمَا زيد فَلَا مُهْملَة وسي حَال أَي: قَامُوا غير مماثلين لزيد فِي الْقيام. وَيَردهُ صِحَة دُخُول الْوَاو وَهِي لَا تدخل على الْحَال المفردة وَعدم تكْرَار لَا وَأما من نصب فقد تكلفوا لتوجيهه: فَقيل: إِنَّه تَمْيِيز ثمَّ قيل: مَا نكرَة تَامَّة مخفوضة بِالْإِضَافَة وَكَأَنَّهُ قيل: وَلَا مثل شَيْء ثمَّ جِيءَ بالتمييز. ففتحة سي إِعْرَاب أَيْضا. وَقَالَ الْفَارِسِي: مَا حرف كَاف لسي عَن اللإضافة فَأَشْبَهت اللإضافة فِي: على التمرة مثلهَا زبداً. ففتحتها على هَذَا بِنَاء. وَقيل: مَنْصُوب بإضمار فعل أَي: أَعنِي يَوْمًا. وَقد بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَقيل: على الِاسْتِثْنَاء. وَقيل مَنْصُوب على الظّرْف وَيكون صلَة لَهَا. كَذَا فِي شرح اللب.
وَأما انتصاب الْمعرفَة نَحْو: وَلَا سِيمَا زيدا فقد مَنعه الْجُمْهُور وَقَالَ ابْن الدهان: لَا أعرف لَهُ وَجها. وَقد وَجهه الشَّارِح الْمُحَقق بِأَنَّهُ تَمْيِيز. وَقَالَ ابْن هِشَام: وَوَجهه بَعضهم بِأَن مَا كَافَّة وَأَن لَا تنزلت منزلَة إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء ورد بِأَن الْمُسْتَثْنى مخرج وَمَا بعْدهَا دَاخل من بَاب الأولى.
وَأجِيب بِأَنَّهُ مخرج مِمَّا أفهمهُ الْكَلَام السَّابِق من مساواته لما قبلهَا. وعَلى هَذَا فَيكون اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا انْتهى.
وَأورد أَيْضا على جعلهَا للاستثناء بِأَنَّهَا لَو كَانَت بِمَعْنى إِلَّا لما جَازَ دُخُول الْوَاو العاطفة عَلَيْهِ كَمَا لَا يجوز دخولعا على إِلَّا وَاجِب بَان الْمَعْنى لَا سِيمَا
خُصُوصا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وخصوصاً فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَي: فأخص هَذَا الْيَوْم من سَائِر الْأَيَّام خُصُوصا لكَونه أبلغ فِي الخطوة مِنْهَا فَهُوَ فِي الْمَعْنى مُقَدّر بِفعل ينصبه. وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ أَنه بِمَنْزِلَة إِلَّا نظرا إِلَى الْمَعْنى لِأَن الِاسْتِثْنَاء أَيْضا تَخْصِيص. وَإِنَّمَا أَدخل الْوَاو نظرا إِلَى الْمَعْنى أَنه مُقَدّر بجملة أَي: وأخص هَذَا الْيَوْم لِأَنَّهُ لَيْسَ)
مثل الْأَيَّام الصَّالِحَة بل هُوَ أفضل. كَذَا فِي شرح اللّبَاب.
وَقد جعلهَا الشَّارِح وَاو الِاعْتِرَاض وَبَين الْمَعْنى ثمَّ ذكر ان قَوْلهم: وَلَا سِيمَا قد تحذف واوها وَقد تخفف ياؤها كَقَوْلِه:
(فه بِالْعُقُودِ وبالأيمان لَا سِيمَا
…
عقد وَفَاء من أعظم الْقرب)
لَكِن قَالَ ثَعْلَب: من اسْتَعْملهُ على خلاف مَا جَاءَ فِي قَوْله: وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل فَهُوَ مُخطئ.
تَتِمَّة: فِي شرح التسهيل: قد يَقع بعد مَا ظرف نَحْو: يُعجبنِي الِاعْتِكَاف لَا سِيمَا عِنْد الْكَعْبَة قَالَ:
(يسرّ الْكَرِيم الْحَمد لَا سِيمَا لَدَى
…
شَهَادَة من فِي خَيره يتقلّب)
وَقد تقع جملَة فعلية كَقَوْلِه:
(فق النَّاس ف يالخير لَا سِيمَا
…
ينيلك من ذِي الْجلَال الرِّضَا)
وَالْغَالِب وَصلهَا بالاسمية. وَقَالَ الْمرَادِي: إِنَّه وَقع بعْدهَا الْجُمْلَة الشّرطِيَّة فَمَا كَافَّة بِنَاء على أَن الشّرطِيَّة لَا تكون صلَة للموصول. وَفِيه كَلَام فِي شُرُوح الْكَشَّاف.
وَهَذَا كَمَا حكى الْجَوْهَرِي: فلَان يكرمني لَا سِيمَا إِن زرته.
وَلَا يَصح جعل مَا زَائِدَة لِأَنَّهُ يلْزم إِضَافَة سيّ إِلَى الْجُمْلَة الشّرطِيَّة وَلَا يُضَاف إِلَى الْجمل إِلَّا أَسمَاء الزَّمَان.
وَقد يَقع بعْدهَا جملَة مقترنة بِالْوَاو فعلية كَمَا وَقع فِي عبارَة الْكَشَّاف: لَا سِيمَا وَقد كَانَ كَذَا واسمية كَمَا فِي قَول صَاحب المواقف: لَا سِيمَا والهمم قَاصِرَة.
وَفِي شرح التسهيل: إِنَّه تركيب غير عَرَبِيّ وَكَلَام الشَّارِح يُخَالِفهُ. وَفِي شرح المواقف أَن قَوْله: والهمم قَاصِرَة مؤوّل بالظرف نظرا إِلَى قرب الْحَال من ظرف الزَّمَان فصحّ وُقُوعهَا صلَة لما.
وَهَذَا من قبيل الْميل إِلَى الْمَعْنى والإعراض عَن ظَاهر اللَّفْظ أَي: لَا مثل انتفائه فِي زمَان قُصُور الهمم. وَهَذَا لَا يرضاه نحويّ كَيفَ وَالْجُمْلَة الحالية فِي مَحل النصب والصلة لَا مَحل لَهَا.
وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا:
(وَإِن شفائي عِبْرَة لَو سفحتها
…
فَهَل عِنْد رسم دارس من معوّل)
(كدأبك من أم الْحُوَيْرِث قبلهَا
…
وجارتها أمّ الربَاب بمأسل)
(إِذا قامتا تضوّع الْمسك مِنْهُمَا
…
نسيم الصِّبَا جَاءَت بريّا القرنفل))
(فاضت دموع الْعين مني صبَابَة
…
على النَّحْر حَتَّى بلّ دمعي محملي)
(أَلا ربّ يَوْم صَالح لَك مِنْهُمَا
…
وَلَا سِيمَا يَوْمًا بدارة جلجل)
(فظلّ العذارى يرتمين بلحمها
…
وشحم كهدّاب الدمقس المفتل)
.
(وَيَوْم دخلت الخدر خدر عنيزة
…
فَقَالَت: لَك الويلات إِنَّك مرجلي)
(تَقول وَقد مَال الغبيط بِنَا مَعًا:
…
عقرت بَعِيري يَا امْرأ الْقَيْس فَانْزِل)
(فَقلت لَهَا: سيري وأرخي زمامه
…
ولاتبعديني من جناك المعلّل)
البيتان الْأَوَّلَانِ قد تقدم شرحهما فِي بَاب الْحَال فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة.
وَقَوله: إِذا قامتا الخ ضمير الْمثنى لأم الْحُوَيْرِث وَأم الربَاب. وتضوع: فاح مُتَفَرقًا. والمسك يذكّر وَيُؤَنث وَكَذَلِكَ العنبر وَمن أنّثه ذهب بِهِ إِلَى معنى الرّيح وَرَوَاهُ تضوع الْمسك على أَنه فعل مضارع أَصله تتضوع بتاءين. وَنصب نسيم الصِّبَا لِأَنَّهُ قَامَ مقَام نعت لمصدر مَحْذُوف قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بَيَان كَيْفيَّة التَّقْدِير: إِنَّه إِذا استدعي الْكَلَام تَقْدِير مَوْصُوف وَصفَة مُضَافَة مثلا فَلَا يقدر أَن ذَلِك حذف دفْعَة وَاحِدَة بل على التدريج نَحْو: تضوع الْمسك مِنْهُمَا
نسيم الصِّبَا أَي: تضوعاً مثل تضوع نسيم الصِّبَا أَي تضوعا مثل تضوع نسيم الصِّبَا. انْتهى.
وَأورد صَاحب تَحْرِير التحبير هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الاتساع وَهُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِبَيْت يَتَّسِع فِيهِ التَّأْوِيل على قدر قوى النَّاظر فِيهِ وبحسب مَا تحتمله أَلْفَاظه: فَإِن هَذَا الْبَيْت اتَّسع النقاد فِي تَأْوِيله: فَمن قَائِل: تضوع الْمسك مِنْهُمَا تضوع نسيم الصِّبَا وَهَذِه هُوَ الْوَجْه عِنْدِي وَمن
والريّا: الرَّائِحَة الطّيبَة لَا غير. وَجُمْلَة جَاءَت الخ بِتَقْدِير قد حَال من الصِّبَا. ونسيم الصِّبَا هبوبها بِضعْف. قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: القرنفل أَجود مَا يُؤْتى بِهِ من بِلَاد الصين. وَقد كثر مَجِيء الشّعْر بِوَصْف طيبه. . وَأنْشد هذاالبيت ثمَّ قَالَ: وَقَالُوا: قد أَخطَأ امْرُؤ الْقَيْس فَإِنَّهُ لَا يُقَال تضوع الْمسك حَتَّى كَأَنَّهُ ريّا القرنفل إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: تضوع القرنفل حَتَّى كَأَنَّهُ ريا الْمسك. انْتهى.
وَقد تبعه الإِمَام الباقلاني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن قَالَ: وَفِيه خلل لِأَنَّهُ بعد أَن شبّه عرفهَا بالمسك شبّه ذَلِك بنسيم القرنفل. وَذكر ذَلِك بعد الْمسك نقص. وَكَذَلِكَ قَوْله: إِذا قامتا تضوّع الْمسك مِنْهُمَا. وَلَو أَرَادَ أَن يجوّد أَفَادَ أَن بهما طيبا على كل حَال. فَأَما فِي حَال الْقيام فَقَط فَذَلِك تَقْصِير. وَقَوله: نسيم الصِّبَا فِي تَقْدِير الْمُنْقَطع عَن المصراع الأول. انْتهى.)
والعيبان الأخيران ليسَا كَمَا زَعمه فَتَأمل.
وَقَوله: فَفَاضَتْ دموع الْعين الخ فاضت: سَالَتْ. والصبابة: رقة الشوق ونصبها على أَنَّهَا مفعول لَهُ. والمحمل بِكَسْر الأول: السّير الَّذِي يحمل بِهِ السَّيْف قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة: وَمِمَّا يسْأَل عَنهُ هُنَا أَن يُقَال: كَيفَ يبلّ
الدمع محمله وَإِنَّمَا الْمحمل على عَاتِقه فَيُقَال: قد يكون مِنْهُ على صَدره فَإِذا بَكَى وَجرى عَلَيْهِ الدمع ابتلّ وَقَالَ الإِمَام الباقلاني: قَوْله:
مني استعانة ضَعِيفَة عِنْد وَقَوله: على النَّحْر حَشْو آخر لِأَن قَوْله: بلّ دمعي محملي يُغني عَنهُ. ثمَّ قَوْله: حَتَّى بلّ دمعي الخ إِعَادَة ذكر الدمع حَشْو آخر وَكَانَ يَكْفِيهِ أَن يَقُول: حَتَّى بلّت محملي. فَاحْتَاجَ لإِقَامَة الْوَزْن إِلَى هَذَا كُله. ثمَّ تَقْدِيره أَنه قد أفرط فِي إفَاضَة الدمع حَتَّى بلّ محمله تَفْرِيط مِنْهُ وتقصير وَلَو كَانَ أبدع لَكَانَ يَقُول: حَتَّى بلّ دمعي مغانيهم وعراصهم. ويشبّه أَن يكون غَرَضه إِقَامَة الْوَزْن والقافية لِأَن الدمع يبعد أَن يبلّ الْمحمل وَإِنَّمَا يقطر من الْوَاقِف والقاعد على الأَرْض. أَو على الذيل. وَإِن بلّه فلقلته وَأَنه لَا يقطر. وَأَنت تَجِد فِي شعر الْمُتَأَخِّرين مَا هُوَ أحسن من هَذَا الْبَيْت انْتهى.
وَقَوله: أَلا ربّ يَوْم صَالح. . الخ ربّ هُنَا للتكثير ومنهما أَي: من أمّ الْحُوَيْرِث وأمّ الربَاب.
وَرُوِيَ: أَلا ربّ يَوْم لَك مِنْهُنَّ صَالح أَي: من النِّسَاء وَفِيه الْكَفّ وَهُوَ حذف النُّون من مفاعيلن. وَالْمعْنَى: أَلا رب يَوْم لَك مِنْهُنَّ سرُور وغبطة بوصال النِّسَاء وعيش ناعم مَعَهُنَّ. وَقَوله: وَلَا سِيمَا الخ أَي: وَلَيْسَ يَوْم من تِلْكَ الْأَيَّام مثل يَوْم دارة جلجل فَإِن هَذَا الْيَوْم كَانَ أحسن الْأَيَّام وأفضلها. يُرِيد: التَّعَجُّب من فضل هَذَا الْيَوْم. ودارة جلجل بِضَم الجيمين: اسْم غَدِير قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم
مَا استعجم: قَالَ أَبُو قَالَ الإِمَام الباقلاّني: وَهَذَا الْبَيْت خَال من المحاسن والبديع خاو من الْمَعْنى
وَلَيْسَ لَهُ لفظ يروق وَلَا معنى يروع من طباع السوقة فَلَا يرعك تهويله باسم مَوضِع غَرِيب.
وَقَوله: وَيَوْم عقرت الخ يَوْم مَعْطُوف على يَوْم فِي قَوْله: وَلَا سِيمَا يَوْم لكنه بني على الفتحة لِإِضَافَتِهِ إِلَى مَبْنِيّ أَو هُوَ مَنْصُوب بِتَقْدِير: اذكر. والعقر: الضَّرْب بِالسَّيْفِ على قَوَائِم الْبَعِير وَرُبمَا قيل عقره: إِذا نَحره. والعذارى: الْبَنَات الْأَبْكَار. والرحل: كل شَيْء يعدّ للرحيل: من وعَاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن. والمتحمّل: اسْم مفعول أَي: الْمَحْمُول.)
وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن لَام للعذارى للتَّعْلِيل. وَقَوله: فيا عجبا الْألف بدل من الْيَاء فَإِنَّهَا تبدل فِي النداء إِلَيْهَا جَوَازًا. وَيُقَال: كَيفَ يجوز أَن يُنَادى الْعجب وَهُوَ مِمَّا لَا يُجيب وَلَا يفهم فَالْجَوَاب: أَن الْعَرَب إِذا أَرَادَت أَن تعظم أَمر الْخَبَر جعلته نِدَاء.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِذا قلت يَا عجبا كَأَنَّك قلت: تعال يَا عجب فَإِن هَذَا من إبانك. فَهَذَا أبلغ من قَوْلك تعجبت. وَالْمعْنَى: انتبهوا للعجب كَذَا فِي شُرُوح الْمُعَلقَة.
وَقَالَ الإِمَام الباقلاّني: قَالَ بعض الأدباء: قَوْله يَا عجبا يعجّبهم من سفهه فِي سبابه من نَحره نَاقَته لهنّ. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَلا يكون الْكَلَام من هَذَا المصراع مُنْقَطِعًا عَن الأول وَأَرَادَ أَن يكون الْكَلَام ملائماً لَهُ. وَهَذَا
الَّذِي ذكره بعيد وَهُوَ مُنْقَطع عَن الأول وَظَاهر أَنه يتعجب من تحمّل العذارى رَحْله. وَلَيْسَ فِي هَذَا تعجّب كَبِير وَلَا فِي نحر النَّاقة لَهُنَّ تعجب. وَإِن كَانَ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُنَّ حملن رَحْله وَأَن بَعضهنَّ حَملته فَعبر عَن نَفسه برحله فَهَذَا قَلِيلا يشبه أَن يكون عجبا. لَكِن الْكَلَام لَا يدلّ عَلَيْهِ. وَلَو سلم الْبَيْت من الْعَيْب لم يكن فِيهِ شَيْء غَرِيب وَلَا معنى بديع أَكثر من سفاهته مَعَ قلَّة مَعْنَاهُ وتقارب أمره ومشاكلته طبع الْمُتَأَخِّرين.
وَمن أول القصيدة لم يمرّ لَهُ بَيت رائع وَكَلَام رائق.
وَقَوله: فظل العذارى الخ يرتمين: يناول بَعضهنَّ بَعْضًا. والهدّاب بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد هُوَ الهدب وَهُوَ طرف الثَّوْب الَّذِي لم يتم نسجه. والمقس: الْحَرِير الْأَبْيَض وَيُقَال لَهُ القز.
قَالَ الإِمَام الباقلاني: هَذَا الْبَيْت يعدونه حسنا ويعدون التَّشْبِيه مليحاً وَاقعا. وَفِيه شَيْء: وَذَلِكَ انه عرّف اللَّحْم ونكّر الشَّحْم فَلَا يعلم أَنه وصف شحمها وَذكر تَشْبِيه أَحدهمَا بِشَيْء وَاقع وَعجز عَن تَشْبِيه الْقِسْمَة الأولى فمرّت مُرْسلَة وَهَذَا نقص فِي الصَّنْعَة وَعجز عَن إِعْطَاء الْكَلَام حَقه. وَفِيه شَيْء آخر من جِهَة الْمَعْنى: وَهُوَ أَنه وصف طَعَامه لضيوفه بالجودة وَهَذَا قد يعاب وَقد يُقَال: إِن الْعَرَب تفتخر بذلك وَلَا ترَاهُ عَيْبا وَإِنَّمَا الْفرس هم الَّذين يرَوْنَ هَذَا عَيْبا شنيعاً. وَأما تَشْبِيه الشَّحْم بالدمقس فشيء يَقع للعامة وَيجْرِي على ألسنتهم
فَلَيْسَ بِشَيْء قد سبق إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا زَاد المفتل للقافية وَهَذَا مُفِيد.
وَمَعَ ذَلِك فلست أعلم الْعَامَّة تذكر هَذِه الزِّيَادَة. وَفِيه شَيْء آخر: وَهُوَ أَن تبجحه بِمَا أطْعم الأحباب مَذْمُوم وَإِن سوغ التبجح بِمَا أطْعم الأضياف إِلَّا أَن يُورد الْكَلَام مورد المجون على طرائق أبي نواس فِي المزاح والمداعبة.)
وَقَوله: وَيَوْم دخلت الخ هُوَ مَعْطُوف على يَوْم عقرت. والخدر بِالْكَسْرِ: الهودج هُنَا. وخدر عنيزة بدل مِنْهُ. وعنيزة بِالتَّصْغِيرِ: لقب ابْنة عَمه فَاطِمَة. وَفِيه ردّ على من زعم أَنه لم يسمع تلقيب الْإِنَاث. وَأنْشد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي بحث النُّون من الْمُغنِي على ان التَّنْوِين اللَّاحِق لعنيزة تَنْوِين الضَّرُورَة وَهُوَ التَّنْوِين اللَّاحِق لما لَا ينْصَرف.
وَقَوله: مرجلي: اسْم فَاعل من أرجلته إِذا صيّرته رَاجِلا وَرجل الرجل يرجل من بَاب علم: إِذا صَار رَاجِلا. وَقَوله: لَك الويلات فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: ان يكون دُعَاء مِنْهَا عَلَيْهِ إِذْ كَانَت تخَاف عَلَيْهِ أَن يعقر بَعِيرهَا. وَالثَّانِي: أَن يكون دُعَاء مِنْهَا لَهُ على الْحَقِيقَة كَمَا تَقول الْعَرَب للرجل إِذا رمى فأجاد: قَاتله الله مَا أرماه وَحَقِيقَة مثل هَذَا أَنه يجْرِي مجْرى الْمَدْح وَالثنَاء.
وَقَالَ الإِمَام الباقلاني: دخلت الخدر خدر عميزة ذكره تكريراً لإِقَامَة الْوَزْن لَا فَائِدَة فِيهِ غَيره وَلَا ملاحة وَلَا رونق. وَقَوله: فَقَالَت لَك الخ الْكَلَام مؤنث من كَلَام النِّسَاء نَقله من جِهَته إِلَى شعره وَلَيْسَ فِيهِ غير هَذَا. انْتهى.
وَقَوله: تَقول وَقد مَال الخ الغبيط بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الهودج بِعَيْنِه وَقيل: قتب الهودج وَقيل: مركب من مراكب النِّسَاء. وعقرت هُنَا بِمَعْنى جرحت ظَهره قَالَ الإِمَام الباقلاني: كرر قَوْله سَابِقًا بقوله: تَقول وَقد مَال الخ وَلَا فَائِدَة فِيهِ غير تَقْدِير الْوَزْن وَإِلَّا فحكاية قَوْلهَا الأول كَاف.
وَهُوَ فِي النّظم قَبِيح لِأَنَّهُ ذكر مرّة فَقَالَت وَمرَّة تَقول فِي معنى وَاحِد وَفصل خَفِيف. وَفِي المصراع الثَّانِي أَيْضا تَأْنِيث من كلامهن. انْتهى.
طعنه الأول غير وَارِد لِأَنَّهُ من بَاب الإطناب بَسطه ثَانِيًا للتلذذ والإيضاح. وَقَوله ثَانِيًا تَقول غير معيب لِأَنَّهُ من حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة وَقد عدّ حسنا.
ثمَّ قَالَ الباقلاني: وَذكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه قَالَ: عقرت بَعِيري وَلم يقل نَاقَتي لأَنهم يحملون النِّسَاء على ذُكُور الْإِبِل لِأَنَّهَا أقوى. وَفِيه نظر لِأَن الْأَظْهر أَن الْبَعِير اسْم للذّكر وَالْأُنْثَى. وَاحْتَاجَ إِلَى ذكر الْبَعِير لإِقَامَة الْوَزْن.
وَقَوله: فَقلت لَهَا سيري الخ جناها: مَا اجتنى مِنْهَا من الْقبل. والمعلل: الملهى الَّذِي يعلله ويتشفى بِهِ. وَرُوِيَ بِفَتْح اللَّام أَي: الَّذِي علل بالطيب أَي طيّب مرّة بعد مرّة من الْعِلَل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي. وَمعنى
الْبَيْت: أَنه تهاون بِأَمْر الْجمل فِي حَاجته فَأمرهَا أَن تخلّي زمامه وَلَا تبالي بِمَا أَصَابَهُ. قَالَ الباقلاني: هَذَا الْبَيْت قريب النسج لَيْسَ لَهُ معنى بديع وَلَا لفظ شرِيف)
وَالْمرَاد بِالْيَوْمِ فِي هَذِه الْمَوَاضِع مُطلق الْوَقْت وَالزَّمَان وَإِلَّا فَجَمِيع هَذِه الْأُمُور قد صدرت فِي يَوْم وَاحِد كَمَا يعرف من خبر يَوْم دارة جلجل وَقد رَوَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح الْمُعَلقَة قَالَ: كَانَ من حَدِيثه على مَا حدّث ابْن رألان عَن أبي شفقل راوية أبي فراس همام بن غَالب الفرزدق أَنه قَالَ: لم أر أروى من الفرزدق لأخبار امْرِئ الْقَيْس وأشعاره وَخَرجْنَا يَوْمًا إِلَى المربد بعقب طشّ قد وَقع واتصل بِهِ خبر نسْوَة أَشْرَاف قد خرجن إِلَى متنزه لَهُنَّ قَالَ: سر بِنَا حَتَّى قرب من مجتمعهن فخلفني وَصَارَ إلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه قُلْنَ: قد علمنَا أَنا لن نفوتك.
فَلم يزل يَوْمه الأطول يحدثهن ويفاكههن وينشدهن إِلَى ان ولّى النَّهَار ثمَّ انْصَرف إليّ فَقَالَ: سر بِنَا. فَلم أر يَوْمًا قطّ أشبه بِيَوْم دارة جلجل من يَوْمنَا هَذَا ثمَّ أنشأ يحدّث حَدِيث يَوْم دارة جلجل. فَقَالَ: حَدثنِي الثِّقَة أَن حَيّ امْرِئ الْقَيْس تحملوا وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَاب حَدِيث السن يهوى ابْنة عَم لَهُ يُقَال لَهَا: فَاطِمَة ويكنة عَنْهَا بعنيزة وتخلف النِّسَاء وفيهن فَاطِمَة وارتحل امْرُؤ الْقَيْس لَا يرى الْحَيّ مسيره إِلَى أَن نأى عَن الْحَيّ فأخفى شخصه بِقرب غَدِير يعرف بدارة جلجل وَقَالَ لمن كَانَ مَعَه: سيمرّ النِّسَاء بالغدير فَلَا بُد أَن يتبردن فِيهِ.
وأمعن الْحَيّ فِي الْمسير وارتحل النِّسَاء بعدهمْ فمررن على الغدير وَلَا يدرين أَن وراءهن أحدا فنزلن وَعند الغدير شَجَرَة
فأنخن إبلهن إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ونزعن ثيابهن فدخلن الغدير وَجَاء امْرُؤ الْقَيْس فَأخذ ثيابهن وَقَالَ: لَا تَأْخُذ امراة مِنْكُن ثِيَابهَا حَتَّى تخرج كَمَا هِيَ فناشدنه الله وطلبن إِلَيْهِ حَتَّى طَال يومهن وخشين أَن
يفوتهن الْمنزل فَجعلْنَ يخْرجن وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى بلغ إِلَى فَاطِمَة فرآها واستمتع بِالنّظرِ إِلَيْهَا ثمَّ قُلْنَ لَهُ: قد أتعبتنا فاجلس فَجَلَسَ ينشدهن ويحدثهن وَيشْرب من شراب مَعَه فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ: أطعمنَا لَحْمًا. فَقَامَ إِلَى مطيّته فنحرها وأطعمهن من لَحمهَا وَشرب حَتَّى انتشى. حَتَّى إِذا أَرَادوا الرواح قَالَت امْرَأَة مِنْهُنَّ: أتدعن امْرأ الْقَيْس يهْلك فَقَالَت فَاطِمَة: فككن رَحْله واحملنه معكن وَأَنا أحملهُ معي فِي هودجي ففعلن فَجعل يمِيل رَأسه إِلَيْهَا فيقبلها وَجعل هودجها يمِيل بهَا وَهِي تنادي بِهِ وَتقول: قد عقرت بَعِيري فَانْزِل حَتَّى إِذا بلغ قَرِيبا من الْحَيّ كمن فِي غمض من الأَرْض. وَسَار النِّسَاء حَتَّى لحقن برحالهن. انْتهى.
وروى ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد نَحوا من هَذَا مَعَ بعض مُخَالفَة. وَنَصه. قَالَ الفرزدق: أَصَابَنَا بِالْبَصْرَةِ لَيْلًا مطر جود فَلَمَّا أَصبَحت ركبت بغلتي وسرت إِلَى المربد فَإِذا أَنا بآثار)
دوابّ فاتبعت الْأَثر حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى بغال عَلَيْهَا رحال مَوْقُوفَة على غَدِير فأسرعت إِلَى الغدير فَإِذا فِيهِ نسْوَة مستنقعات فِي المَاء فَقلت: لم أر كَالْيَوْمِ أشبه بِيَوْم دارة جلجل وانصرفت مستحيياً فنادينني: يَا صَاحب البغلة ارْجع نَسْأَلك عَن شَيْء.
فَرَجَعت إلَيْهِنَّ فقعدن فِي المَاء إِلَى حلوقهن ثمَّ قُلْنَ: بِاللَّه لمّ أخبرتنا مَا كَانَ من حَدِيث دارة جلجل قلت: حَدثنِي جدي وَأَنا يَوْمئِذٍ
غُلَام حَافظ أَن امْرأ الْقَيْس كَانَ عَاشِقًا لابنَة عَمه فَاطِمَة وَيُقَال لَهَا عنيزة وَأَنه طلبَهَا زَمَانا فَلم يصل إِلَيْهَا حَتَّى كَانَ يَوْم الغدير وَهُوَ يَوْم دارة جلجل: وَذَلِكَ أَن الْحَيّ تحملوا فَتقدم الرِّجَال وتخلف الخدم والثقل فَلَمَّا رأى ذَلِك امْرُؤ الْقَيْس تخلف بعد مَا سَار مَعَ رجال قومه غلوة فكمن فِي غامض حَتَّى مر بِهِ النِّسَاء وفيهن عنيزة فَلَمَّا وردن الغدير قُلْنَ: لَو نزانا فاغتسلنا فِي هَذَا الغدير فَذهب عَنَّا بعض الكلال فنزلن فِي الغدير ونحين العبيد ثمَّ تجرّدن فوقفن فِيهِ فأتاهن امْرُؤ الْقَيْس فَأخذ ثيابهن فجمعها
وَقعد عَلَيْهَا وَقَالَ: وَالله لَا أعطي جَارِيَة مِنْكُن ثوبها وَلَو قعدت فِي الغدير يَوْمهَا حَتَّى تخرج متجردة فتأخذ ثوبها فأبين ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى تَعَالَى النَّهَار وخشين أَن يقصّرن عَن الْمنزل الَّذِي يردنه فخرجن جَمِيعًا غير عنيزة فناشدته الله أَن يطْرَح ثوبهان فَأبى فَخرجت فَنظر إِلَيْهَا مقبلة ومدبرة وأقبلن عَلَيْهِ فَقُلْنَ لَهُ: إِنَّك عذبتنا وحبستنا وأجعتنا. قَالَ: فَإِن نحرت لكنّ نَاقَتي أتأكلن معي قُلْنَ: نعم فَجرد سَيْفه فعرقبها ونحرها ثمَّ كشطها وَجمع الخدم حطباً كثيرا فأجّجن نَارا عَظِيمَة فَجعل يقطع أطايبها ويلقي على الْجَمْر ويأكلن وَيَأْكُل مَعَهُنَّ وَيشْرب من فضلَة خمر كَانَت مَعَه ويغنيهن وينبذ إِلَى العبيد من الكباب فَلَمَّا أَرَادوا الرحيل قَالَت إِحْدَاهُنَّ: أَنا أحمل طنفسته وَقَالَت الْأُخْرَى: أَنا أحمل رَحْله وأنساعه.
فتقسمن مَتَاعه وزاده وَبقيت عنيزة لم تحمل شَيْئا فَقَالَ لَهَا:
يَا ابْنة الْكِرَام لَا بدّ أَن تحمليني مَعَك فَإِنِّي لَا أُطِيق الْمَشْي فَحَملته على غارب بَعِيرهَا فَكَانَ يجنح إِلَيْهَا فَيدْخل رَأسه فِي خدرها فيقبلها فَإِذا امْتنعت مَال هودجها فَتَقول: عقرت بَعِيري فَانْزِل. . وَكَانَ الفرزدق أروى النَّاس لأخبار امْرِئ الْقَيْس وأشعاره وَذَلِكَ أَن امْرأ الْقَيْس رأى من أَبِيه جفوة فلحق بِعَمِّهِ شُرَحْبِيل بن الْحَارِث وَكَانَ مسترضعاً فِي بني دارم فَأَقَامَ فيهم. وهم رَهْط الفرزدق. انْتهى.
وَقد روى أَيْضا خبر هَذَا الْيَوْم أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح هَذِه الْمُعَلقَة)
على وَجه مُجمل.
وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ.
وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ
(فَأَنت طَلَاق
…
وَالطَّلَاق أليّة ثَلَاثًا وَمن يخرق أعق وأظلم)
على أَن الْوَاو فِي قَوْله: وَالطَّلَاق ألية اعتراضية وَالْجُمْلَة اعْتِرَاض للتقوية والتسديد بَين قَوْله: فَأَنت والأليّة: الْيَمين. أَرَادَ أَن الطَّلَاق يلْزم الْمُطلق كَمَا يلْزم الْوَفَاء
بمضمون الْيَمين. وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة: وَالطَّلَاق عَزِيمَة وَوَقع فِي أَكثر النّسخ المصراع الأول فَقَط اكْتِفَاء بشهرة الشّعْر.
وَقد نقل السعد كَلَام الشَّارِح هُنَا فِي بحث الْجُمْلَة الحالية من المطوّل قَالَ الفناري فِي حَاشِيَته: قَوْله: فَأَنت طَالِق وَالطَّلَاق ألية آخِره: بهاء الْمَرْء ينجو من شباك الطوامث.
الشباك: الحبائل. والطوامث: الحيّض من طمثت الْمَرْأَة: حَاضَت. وَفِي وَقع هَذِه الْجُمْلَة متوسطة بَين أَجزَاء كَلَام وَاحِد كَمَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَامه نوع خَفَاء إِذْ الظَّاهِر أَن قَوْله: بهَا الْمَرْء الخ كَلَام مُسْتَقل. وَقيل: آخر المصراع الْمَذْكُور: ثَلَاثًا وَمن يخرق أعق وأظلم لَكِن الرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَيْت عَزِيمَة مَكَان أليّ. وَلَعَلَّ فِيهِ رِوَايَة اخرى لم أطلع عَلَيْهَا. انْتهى.
وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الِاعْتِرَاض على مَذْهَب الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن الِاعْتِرَاض عِنْده مَا يساق لنكتة سوى رفع الْإِبْهَام. وَيكون لَا محلّ لَهَا.
وَهَذَا الْبَيْت مَبْنِيّ على مَسْأَلَة فقهية. وأوّل من تكلم عَلَيْهِ الإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن أَو الْكسَائي على اخْتِلَاف سَيذكرُ.
وَنقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي الْجَواب وَبحث فِيهِ وَزَاد ثمَّ تكلم عَلَيْهِ السَّيِّد معِين الدَّين الإيجي فِي رِسَالَة أفردها وَزَاد على ابْن هِشَام فِيمَا استنبطه. وكل مِنْهُمَا لم ير مَا كتبه عَلَيْهِ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل القصرية وَقد تنبّه لما قَالَاه وردّه فَيَنْبَغِي أَن نورد كَلَام كل مِنْهُم على حِدة لَكِن نقدم ابْتِدَاء ذكر السَّائِل والمجيب أَولا فَنَقُول:
قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: حَدثنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي عَن يحيى بن الْحَرِيش الرقي قَالَ:)
أَرْسلنِي الْكسَائي إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن أسأله عَن الْجَواب فِي هَذِه الأبيات:
(إِن ترفقي يَا هِنْد فالرفق أَيمن
…
وَإِن تخرقي يَا هِنْد فالخرق أشأم)
(فَأَنت طَلَاق وَالطَّلَاق عَزِيمَة
…
ثَلَاثًا وَمن يجني أعق وأظلم)
(فبيني بهَا أَن كنت غير رَفِيقَة
…
فَمَا لامرئ بعد الثَّلَاث مقدم)
قا ل: فَأتيت مُحَمَّد بن الْحسن بالأبيات فَقَالَ: إِن نصب الثَّلَاث فَهِيَ ثَلَاث تَطْلِيقَات وَإِن رفع الثَّلَاث فَهِيَ وَاحِدَة كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يخبر أَن عَزِيمَة الطَّلَاق ثَلَاث. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى الْكسَائي فَأَخْبَرته بقول مُحَمَّد فتعجب من فطنته. انْتهى.
وَهَذَا هُوَ المسطور فِي كتب الْحَنَفِيَّة كالمبسوط وَشرح الْكَنْز للزيلعي لَكِن ذكرُوا أَن رَسُول الْكسَائي إِلَى مُحَمَّد هُوَ ابْن سَمَّاعَة. وَلَا مُخَالفَة لجَوَاز أَن يَكُونَا ذَهَبا مَعًا برسالة الْكسَائي وكل وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: كتب الرشيد لَيْلَة إِلَى القَاضِي أبي يُوسُف صَاحب أبي حنيفَة يسْأَله عَن قَول الْقَائِل وَأنْشد الأبيات فَقَالَ: مَاذَا يلْزمه إِذا رفع الثَّلَاث وَإِذا نصبها قَالَ أَبُو يُوسُف: فَقلت: هَذِه مَسْأَلَة نحوية فقهية وَلَا آمن الْخَطَأ إِن قلت فِيهَا برأيي. فَأتيت الْكسَائي وَهُوَ فِي فرَاشه فَسَأَلته فَقَالَ: إِن رفع ثَلَاثًا طلقت وَاحِدَة لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ أخبر أَن الطَّلَاق التَّام ثَلَاث وَإِن
نصبها طلقت ثَلَاثًا لِأَن مَعْنَاهُ: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا
وَمَا بَينهمَا جملَة مُعْتَرضَة. فَكتبت بذلك إِلَى الرشيد فَأرْسل إِلَيّ بجوائز فوجّهت بهَا إِلَى الْكسَائي. انْتهى مُلَخصا. هَذَا كَلَامه.
وَقَالَ السَّيِّد معِين الدَّين: قد وجدت فِي كتاب من كتب النَّحْو أَن الْمَسْأَلَة قد وَقعت بَين الإِمَام مُحَمَّد وَالْكسَائِيّ بِحَضْرَة الرشيد فَقَالَ الْكسَائي: أَنْت يَا مُحَمَّد تزْعم أَن الماهر فِي علم يُمكن أَن يستنبط من الْعُلُوم وَأَنت ماهر فِي الْفِقْه فاستنبط من هَذَا الْبَيْت. فَقَالَ: فِي نصب الْعَزِيمَة وَرفع الثَّلَاث طَلْقَة وَفِي رَفعهَا وَنصب الثَّلَاث ثَلَاث. فَقَالَ الْكسَائي: أصبت وَالْقَوْل مَا قلت.
انْتهى.
والرفق من بَاب قتل: خلاف الْخرق والعنف وخرق خرقاً من بَاب فَرح: إذغ عمل شَيْئا فَلم يرفق فِيهِ فَهُوَ أخرق وَهِي خرقاء وَالِاسْم الْخرق بِالضَّمِّ. وأيمن وصف بِمَعْنى ذِي يمن وبركة لَا والعزيمة قَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح البُخَارِيّ: هِيَ فِي الأَصْل عقد الْقلب على الشَّيْء اسْتعْمل لكل أَمر محتوم. وَفِي الِاصْطِلَاح: ضد الرُّخْصَة. وَفعله من بَاب ضرب يُقَال: عزم على الشَّيْء)
وعزمه عزماً بِمَعْنى عقد ضَمِيره على فعله. وَقَالَ النَّوَوِيّ: حَقِيقَة الْعَزْم حُدُوث رَأْي وخاطر فِي الذِّهْن لم يكن. والعزم وَالنِّيَّة متقاربان يُقَام أَحدهمَا مقَام الآخر. ويجني مضارع جنى على قومه جِنَايَة: أذْنب ذَنبا يُؤَاخذ بِهِ. وروى الْجَمَاعَة: وَمن يخرق فَقَالَ ابْن يعِيش: من شَرْطِيَّة.
ورد عَلَيْهِ الدماميني بِأَنَّهُ يلْزمه حذف الْفَاء والمبتدأ من جملَة الْجَزَاء وَالتَّقْدِير: فَهُوَ أعق وأظلم وَلَيْسَ هَذَا بمتعين لجَوَاز أَن تكون مَوْصُولَة
وتسكين الْقَاف للتَّخْفِيف كَقِرَاءَة أبي عَمْرو: وَمَا يشعركم. بِإِسْكَان الرَّاء. وأعق خبر من الموصولة فَلَا حذف وَلَا ضَرُورَة وَلَا قبح. انْتهى.
وَالَّذِي ذكره الجعبري: أَن وَجه الإسكان فِيهِ طلب التَّخْفِيف عِنْد اجْتِمَاع ثَلَاث
حركات ثقال من نوع وَاحِد أَو نَوْعَيْنِ. ويخرق لَيْسَ مِنْهُمَا. وَأما التسكين فِي قَوْله: فاليوم أشْرب غير مستحقب فقد قيل أَنه للضَّرُورَة. . وَقَوله: أعق من العقوق وَهُوَ ضد الْبر.
وَقَوله: فبيني بهَا الخ هِيَ أَمر من الْبَيْنُونَة وَهِي الْفِرَاق وَضمير بهَا للثلاث أَي: كوني ذَات طَلَاق بَائِن بِهَذِهِ التطليقات الثَّلَاث لكونك غير رَفِيقَة. فَأن مَفْتُوحَة الْهمزَة مُقَدّر قبلهَا لَام الْعلَّة.
ومقدم: مصدر ميمي أَي: لَيْسَ لأحد تقدم إِلَى الْعشْرَة والألفة بعد إِيقَاع الثَّلَاث. كَذَا قَالَ الدماميني. وَأَجَازَ بَعضهم أَن يكون مقدم بِمَعْنى مهر مقدم أَي: لَيْسَ لَهُ بعد الثَّلَاث مهر يقدمهُ لمطلقته ثَلَاثًا إِلَّا بعد زوج آخر. فَيكون اسْم مفعول. هَذَا كَلَامه.
وَأما مَا بَحثه ابْن هِشَام بعد الْجَواب الْمَذْكُور فَهَذَا نَصه: أَقُول: إِن الصَّوَاب أَن كلا من الرّفْع وَالنّصب مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث ولوقوع الْوَاحِدَة: أما الرّفْع فَلِأَن أل فِي الطَّلَاق إِمَّا لمجاز الْجِنْس وَإِمَّا للْعهد الذكري أَي: وَهَذَا الطَّلَاق الْمَذْكُور عَزِيمَة ثَلَاث. فعلى العهدية تقع الثَّلَاث وعَلى الجنسية تقع
وَاحِدَة.
وَأما النصب فَلِأَنَّهُ مُحْتَمل لِأَن يكون على الْمَفْعُول الْمُطلق وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوع الثَّلَاث إِذْ الْمَعْنى: فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا ثمَّ اعْترض بَينهمَا بقوله وَالطَّلَاق عَزِيمَة وَلِأَن يكون حَالا من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم وُقُوع الثَّلَاث لِأَن الْمَعْنى: وَالطَّلَاق عَزِيمَة إِذا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقع مَا نَوَاه. هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ مَعَ قطع النّظر عَمَّا بعده فَإِنَّهُ يعين الثَّلَاث. انْتهى كَلَامه.
وَقَالَ الفناري فِي حَاشِيَة المطول: قد انتصر جدنا شمس الدَّين الفناري للكسائي وَأبي يُوسُف حَيْثُ قَالَ: وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا لم يعْتَبر الْكسَائي وَأَبُو يُوسُف حِين ارْتِفَاع الثَّلَاث كَون اللَّام)
للْعهد لِأَن ثَلَاث وعزيمة لَا يَصح أَن يَكُونَا خبرين عَن الطَّلَاق الْمَعْهُود فَإِن الطَّلَاق رخصَة وَلَيْسَ بعزيمة. وَكَذَا حِين انتصاب الثَّلَاث لايصح أَن يكون ثَلَاثًا حَالا من ضمير عَزِيمَة لما قُلْنَا. فَلم يتَعَيَّن أَيْضا قَالَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تحمل الْعَزِيمَة على الْمَعْنى اللّغَوِيّ. وَالْعرْف أملك. وَفِيه بحث: أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَا دخل فِي لُزُوم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لجعل اللَّام للْعهد إِذْ منشؤه عدم اجْتِمَاع الثَّلَاث والعزيمة وَهَذَا الِاجْتِمَاع لَازم على تَقْدِير الْحمل على مجَاز الْجِنْس اللَّهُمَّ إِلَّا أَنِّي يُرَاد الْحمل على الْجِنْس الْمُطلق وَيجْعَل الْإِخْبَار بالعزيمة وَالثَّلَاث بِالنّظرِ إِلَى أَنْوَاع الطَّلَاق.
وَأما ثَانِيًا: فالأملك فِي مثله هُوَ الْعرف الْعَام فَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى: الطَّلَاق الَّذِي ذكرت لَيْسَ بلغو وَلَا لعب بل هُوَ معزوم عَلَيْهِ. نعم الْكَلَام على تَقْدِير جعل ثَلَاثًا حَالا من الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث بِأَن يكون الْمَعْنى وَالطَّلَاق الَّذِي ذكرته إِذْ كَانَ ثَلَاثًا. فَتَأمل. انْتهى.
ونازعه الدماميني فِي الْأَخير فَقَالَ: الْكَلَام مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث على تَقْدِير الْحَال أَيْضا بِأَن تجْعَل أل للْعهد الذكري كَمَا تقدم لَهُ فِي أحد وَجْهي الرّفْع. كَأَن قَالَ: وَالطَّلَاق الَّذِي ذكرت معزوم عَلَيْهِ حَال كَونه ثَلَاثًا. وَلَا يقدر حِينَئِذٍ إذاكان بل إِذْ كَانَ.
وَأما كَلَام السَّيِّد معِين الدَّين فَإِنَّهُ قَالَ: الشّعْر يحتما اثْنَي عشروجهاً لِأَن اللَّام إِمَّا للْجِنْس وغما للْعهد وعزيمة إِمَّا مَرْفُوع وَإِمَّا مَنْصُوب وَثَلَاث إِمَّا مَرْفُوع وَإِمَّا مَنْصُوب على الْحَال أَو على الْمَفْعُول الْمُطلق فَخرج من ضرب أَرْبَعَة فِي
ثَلَاثَة: اثْنَا عشر لَكِن أَرْبَعَة مِنْهَا تركيب بَاطِل. أما الثَّمَانِية فعلى تَقْدِير أم اللَّام للْجِنْس إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة وَثَلَاث مرفوعين فَيلْزمهُ على مَا قَالَ ابْن هِشَام وَاحِدَة وَالظَّاهِر أَنه يلْزمه ثَلَاث إِذْ لَيْسَ الطَّلَاق عِنْده إِلَّا عَزِيمَة ثَلَاث وطلاقه فَرد مِمَّا ادَّعَاهُ. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا وَثَلَاث مَرْفُوعا فَيلْزمهُ وَاحِدَة وَهُوَ أحد وَجْهي الإِمَام مُحَمَّد وَفِيه أَن ذَا الْحَال مُبْتَدأ.
وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث حَالا من الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة يلْزمه وَاحِدَة وَهُوَ وَجه ثَان لِابْنِ هِشَام وَللْإِمَام لَكِن فِي كَلَام الإِمَام إِبْهَام لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون ثَلَاث مَفْعُولا مُطلقًا وَحِينَئِذٍ يلْزمه ثَلَاث وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث مَفْعُولا مُطلقًا فَيلْزمهُ ثَلَاث وَهُوَ ثَالِث وُجُوه ابْن هِشَام. فَهَذِهِ وُجُوه أَرْبَعَة.
وعَلى تَقْدِير أَن اللَّام للْعهد إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة وَثَلَاث مرفوعين كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَنت طَلَاق وَهَذَا الطَّلَاق عَزِيمَة ثَلَاث فَيلْزمهُ ثَلَاث وَهُوَ رَابِع وُجُوه ابْن هِشَام. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا)
وَثَلَاث مَرْفُوعا فَيلْزمهُ ثَلَاث.
وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث مَنْصُوبًا حَالا من الْمُسْتَتر فَيلْزمهُ ثَلَاث. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث مَفْعُولا مُطلقًا فَيلْزمهُ ثَلَاث. فَهَذِهِ أَرْبَعَة أُخْرَى فَتكون ثَمَانِيَة.
واما الْأَرْبَعَة الَّتِي فَسدتْ لأجل الْإِعْرَاب فَهِيَ: بِتَقْدِير أَن اللَّام للْجِنْس إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا وَثَلَاث حَالا من الْمُسْتَتر أَو مَفْعُولا مُطلقًا. وَبِتَقْدِير أَن اللَّام للْعهد إِمَّا ان يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا وَثَلَاث حَالا من الْمُسْتَتر أَو مَفْعُولا مُطلقًا. وعَلى الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنه حَال يلْزمه وَاحِدَة وعَلى الْوَجْهَيْنِ الآخرين يلْزمه ثَلَاث. هَذَا كَلَامه.
وَقد كتب ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ على مَوَاضِع من هَذ الرسَالَة فَكتب عِنْد قَوْله: الشّعْر يحْتَمل اثْنَي عشر وَجها: لَا بُد على سَائِر التقادير فِي وُقُوع أصل الطَّلَاق عِنْد الشَّافِعِيَّة من النِّيَّة كَمَا هُوَ ظَاهر لِأَن أَنْت طَلَاق من الْكِنَايَات عِنْدهم.
وَكتب عِنْد قَوْله: وَالظَّاهِر أَنه يلْزمه ثَلَاث: قد يمْنَع من هَذَا الظَّاهِر عِنْد الشَّافِعِيَّة أَن: أَنْت طَلَاق كِنَايَة عِنْدهم وَشرط تَأْثِير الْكِنَايَة فِي أصل الْوُقُوع وَالْعدَد
النِّيَّة وَلَا يقوم مقَام النِّيَّة مَا اقْترن بِالْكِنَايَةِ مِمَّا يدل على الْوُقُوع أَو الْعدة من الْقَرَائِن وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْوُقُوع بقوله أَنْت بَائِن بينونة مُحرمَة وَلَا تحلين لأي أبدا إِذا لم ينْو. وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاس فِي قَول الشَّاعِر: فَأَنت طَلَاق عدم الْوُقُوع رَأْسا إِن لم ينْو. فَإِن نوى الطَّلَاق الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَإِن نوى أصل الطَّلَاق فَقَط فَالْقِيَاس وُقُوع وَاحِدَة.
وَقَوله: وَالطَّلَاق عَزِيمَة ثَلَاث على تَقْدِير رفع عَزِيمَة وَثَلَاث
وَكَون أل فِي الطَّلَاق للْجِنْس لَا يصلح لتقييد الطَّلَاق الَّذِي أوقعه بِالثلَاثِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن جنس الطَّلَاق لَيْسَ إِلَّا الثَّلَاث فَهُوَ غير صَحِيح إِذْ الْجِنْس مَوْجُود فِي الْوَاحِدَة والثنتين أَيْضا وغن أَرَادَ أَن الْجِنْس قد يكون فِي الثَّلَاث فَهَذَا لَا يَقْتَضِي تَقْيِيد هَذَا الطَّلَاق الْوَاقِع بِالثلَاثِ فَلْيتَأَمَّل.
وَمَا ذَكرْنَاهُ لَا يُنَافِيهِ قَول الرَّوْض: فَإِن قَالَ أَنْت بَائِن ثَلَاثًا وَنوى الطَّلَاق الثَّلَاث وقعن أَي: الثَّلَاث. انْتهى.
لِأَنَّهُ قيد الْبَيْنُونَة الَّتِي نوى بهَا الطَّلَاق بِالثلَاثِ وَمَا ذكر لَا تَقْيِيد فِيهِ وَلَا ارتباط فِيهِ للثلاث بِالطَّلَاق الَّذِي أوقعه. فليتامل.
وَكتب عِنْد قَوْله: وطلاقه فَرد مِمَّا ادَّعَاهُ قد يُقَال: مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ بِصَحِيح بِظَاهِرِهِ إِذْ جنس)
الطَّلَاق لَا ينْحَصر فِي الثَّلَاث فَلَا يلْزم ان يكون طَلَاقه فَردا من جنس الثَّلَاث نعم إِن قصد ذَلِك بِأَن قصد طَلَاقا من أَفْرَاد الثَّلَاث فمسلّم فليتامل. .
وَكتب عِنْد قَوْله: وَفِيه أَن ذَا الْحَال مُبْتَدأ: قد يُقَال هَذَا لَا يرد لِأَن المُرَاد ان هَذَا التَّقْدِير وَالْحمل يَقْتَضِي هَذَا الحكم وَأما أَن هَذَا التَّقْدِير ضَعِيف فشيء آخر لَا يُنَافِي ذَلِك. . وَكتب عِنْد قَوْله: وَحِينَئِذٍ يلْزمه ثَلَاث: هَذَا ظَاهر إِن أُرِيد الْمَفْعُول الْمُطلق من طَالِق لَا من الطَّلَاق.
وَكتب شَيخنَا الشهاي الخفاجي عِنْد بَيَانه للأربعة الَّتِي فَسدتْ لأجل الْإِعْرَاب: وَمَا ادَّعَاهُ من بطلَان الْوُجُوه الْأَرْبَعَة إِذا رفع الطَّلَاق وَنصب عَزِيمَة وَثَلَاث على الحالية أَو المفعولية غير مُسلم
هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ مِمَّا كتب على هَذَا الشّعْر. وَكَلَامهم دائر على ان ثَلَاثًا إِمَّا مفعول مُطلق لطلاق الْمُنكر أَو الْمُعَرّف وَإِمَّا حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر.
وَمنع الكلّ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل القصرية وَمنع كَونه تمييزاً أَيْضا وعيّن أَن يكون ثَلَاثًا مَفْعُولا مُطلقًا إِمَّا لعزيمة أَو لطلقت محذوفاً وَإِمَّا ظرف لعزيمة. وحقق أَن مفَاد الْبَيْت الطَّلَاق الثَّلَاث لَا غير وهَذَا كَلَامه: قَوْله:
(فَأَنت طَلَاق وَالطَّلَاق عَزِيمَة
…
ثَلَاث)
لَا يَخْلُو إِذا نصبت ثَلَاثًا أَن يكون مُتَعَلقا بِطَلَاق أَو غَيره فَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِطَلَاق لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُتَعَلقا بِهِ لم يخل من أَن يكون طَلَاق الأول أَو الثَّانِي فَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِطَلَاق الأول لِأَن الطَّلَاق مصدر فَلَا يجوز ان يتَعَلَّق بِهِ شَيْء بعد الْعَطف عَلَيْهِ وَلَا يجوز ان ينصب ثَلَاث بِطَلَاق الثَّانِي لِأَنَّهُ قد أخبر عَنهُ للفصل.
فَإِذا بَطل الْوَجْهَانِ جَمِيعًا ثَبت أَنه مُتَعَلق بِغَيْرِهِ: فَيجوز ان يكون مُتَعَلقا بعزيمة أَي: أعزم ثَلَاثًا وَلم يحْتَج إِلَى ذكر الْفَاعِل لِأَن مَا تقدم من قَوْله: فَأَنت طَلَاق قد دلّ على الْفَاعِل أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ: أَنْت ذَات طَلَاق اي: ذَات طَلَاقي أَي: قد طَلقتك.
فَلَا فصل بَين انت ذَات طَلَاقي وَبَين قد: طَلقتك لما أضفت الْمصدر إِلَى الْفَاعِل اسْتَغْنَيْت عَن إِظْهَار الْمَفْعُول لجري ذكره فِي الْكَلَام فحذفته كَمَا اسْتَغْنَيْت من ذكر الْمَفْعُول فِي قَوْله: والحافظين فروجهم والحافظات فَلم يحْتَج إِلَى ذكر الْفَاعِل فِي عَزِيمَة إِذْ كَانَ مصدرا كالنذير والنكير وكما لم يحْتَج إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: اَوْ إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسبغة يَتِيما لتقدم ذكره فَلذَلِك لم يحْتَج إِلَى ذكر الْفَاعِل فِي عَزِيمَة فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَلَاق وَالطَّلَاق عزيمتي ثَلَاثًا أَي: أعزمه)
ثَلَاث. فَيكون ثَلَاثًا
الْمَنْصُوب مُتَعَلقا بعزيمة أَو يكون تعلقه بِهِ على جِهَة
الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ: أعزم ثَلَاث مَرَّات أَو ثَلَاث تَطْلِيقَات فَإِذا كَانَ كَذَلِك وَقع ثَلَاثًا تَطْلِيقَات لتَعلق الثَّلَاث بِمَا ذَكرْنَاهُ وَلَا يجوز ان يكون أقلّ من ذَلِك لتَعَلُّقه بالعزيمة. وَالْأَشْبَه فِيمَن نصب ثَلَاثًا أَن يكون الطَّلَاق الثَّانِي الْمُعَرّف بِاللَّامِ يُرَاد بِهِ الطَّلَاق المنكور الَّذِي تقدم ذكره أَي: ذَلِك الطَّلَاق عزمته أَي: عزمت عَلَيْهِ ثَلَاثًا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يتَّجه إِلَّا إِلَى الْإِيقَاع للثلاث.
وَأما إِذا رفع ثَلَاثًا أمكن أَن يكون المُرَاد: الطَّلَاق عَزِيمَة ثَلَاث أَي: جنس الطَّلَاق ذُو عَزِيمَة ثَلَاث وَأمكن أَن يكون طَلَاقي ذُو عَزِيمَة ثَلَاث. فَإِذا امكن أَن يكون المُرَاد بِهِ طَلَاقه خَاصَّة وَأمكن أَن يكون غير طَلَاقه وَلَكِن جنس الطَّلَاق لم يُوقع بِهِ شيءاً حَتَّى يتَيَقَّن ذَلِك بِإِقْرَار من الْمُطلق أَنه أَرَادَ ذَلِك فَأَما إِذا لم يقْتَرن إِلَى هَذَا اللَّفْظ الَّذِي يحْتَمل الطَّلَاق الْخَاص وَالطَّلَاق الْعَام شَيْء يدلّ بِهِ أَنه يُرِيد بِهِ طَلَاقه خَاصَّة لم نوقعه.
وَالْأَشْبَه فِي قَوْلهم: وَاحِدَة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاث فِي الطَّلَاق وإيصالهم إِيَّاه بِهن أَن يكون مرَارًا فينتصب على أَنه ظرف من الزَّمَان يُقَوي ذَلِك قَوْله تَعَالَى: الطَّلَاق مَرَّتَانِ وَالْمعْنَى: الطَّلَاق فِي مرَّتَيْنِ إِلَّا أَنه اتَّسع فِيهِ فأقيم مقَام الْخَبَر كَمَا أقيم ظرف الزَّمَان مقَام الْفَاعِل فِي قَوْلهم: سير عَلَيْهِ طوران وسير عَلَيْهِ مَرَّتَانِ وشهران فَكَذَلِك قَوْله مَرَّتَانِ. وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ قَوْلهم: أَنْت طَالِق وَاحِدَة كانك قلت: أَنْت طَالِق مرّة وَأَنت طَالِق ثِنْتَيْنِ أَي: مرَّتَيْنِ. وَكَذَلِكَ ثَلَاثًا. فَيكون ذَلِك ظرفا من الزَّمَان.
وَيجوز فِيمَن نصب ثَلَاثًا فِي الْبَيْت أَن لَا يحملهُ على عَزِيمَة وَلَكِن يحملهُ على فعل مُضْمر كَأَنَّهُ لما لم يجز أَن يحملهُ على طَلَاق الأول وَلَا على طَلَاق الثَّانِي وَكَانَ الْمَعْنى وَالْمرَاد أَن يكون يكون الثَّلَاث مَحْمُولا
على الطَّلَاق أضمر طلقت. ودلّ عَلَيْهِ مَا تقدم من ذكر الطَّلَاق فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلقتك ثَلَاثًا. فَأَما حمل الثَّلَاث على التَّفْسِير فِي قَوْلهم: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَلَيْسَ ذَلِك من مَوَاضِع التَّفْسِير أَلا ترى أَن التَّفْسِير جَمِيع مَا كَانَ منتصباً مِنْهُ فقد نَص النحويون على جَوَاز إِدْخَال من فِيهِ وَأَن مِنْهُ مَا يردّ
إِلَى الْجمع وَمِنْه مَا يقر على الْوَاحِد كَقَوْلِهِم: عشرُون من الدَّرَاهِم وَللَّه دره من رجل. وَلَا يجوز ذَلِك فِي هَذَا أَلا ترى انه لَا يَسْتَقِيم: انت طَالِق من وَاحِد وَلَا من الْعدَد وَلَا مَا أشبه ذَلِك فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن تَفْسِيرا.
وَأَيْضًا فَإِن التَّفْسِير لَا يجوز أَن يكون مُعَرفا والتعريف فِي هَذَا غير مُمْتَنع تَقول: انت طَالِق)
الثَّلَاث وَأَنت طَالِق الثِّنْتَيْنِ اَوْ الطلقتين. فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ ظرفا والظرف يكون تَارَة معرفَة وَتارَة نكرَة.
وَقد تَقول: أَنْت طَالِق من ثَلَاث مَا شِئْت فَيكون مَا شِئْت معرفَة كانك قلت: الَّذِي شئته فَيكون معرفَة. وَلَو كَانَ تَفْسِيرا لم تقع الْمعرفَة فِي هَذَا الْموضع.
وَلَا يجوز أَن ينْتَصب على أَنه حَال لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَالا لم يجز أَن يَقع خَبرا للأبتداء فِي قَوْله: الطَّلَاق مَرَّتَانِ كَمَا لَا يكون الْحَال خَبرا للمبتدأ. وَلَو قلت: قُمْت خَلفك فَنصبت خَلفك على تَقْدِير الْحَال أَي: قُمْت ثَابتا فِيهِ لم يجز الْإِخْبَار عَنهُ لِأَن الْحَال لَا يكون خبر مُبْتَدأ.
فَإِن قلت: يكون قَوْله: وَالطَّلَاق عَزِيمَة اعتراضاً بَين الصِّلَة والموصول وَتحمل ثَلَاثًا على الطَّلَاق الأول قيل: لَا يجوز أَن تحمله على الِاعْتِرَاض.
كَمَا أَن قَوْله: وأقرضوا الله قرضا حسنا فِي قَوْلنَا اعْتِرَاض الا ترى أَن ذَلِك اعْتِرَاض بَين الْخَبَر والمخبر عَنهُ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: قل إِن الْهدى هدى الله اعْتِرَاض بَين الْمَفْعُول الَّذِي هُوَ أَن يُؤْتى أحد. وَلَا يعْتَرض بَين الطَّلَاق وَثَلَاث لِأَنَّهُ لَا مثل لَهُ يشبه بِهِ.
هَذَا كُله كَلَام أبي عليّ وَقد حذفنا مِنْهُ بعض مَا يسْتَغْنى عَنهُ. وَفِي مَنعه الِاعْتِرَاض رد على كمل الْجُزْء الثَّالِث ويليه الْجُزْء الرَّابِع وأوله بَاب خبر كَانَ وَأَخَوَاتهَا
وَالْحَمْد لله وَحده