المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب المفعول معه) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ٣

[عبد القادر البغدادي]

الفصل: ‌(باب المفعول معه)

وَقَالُوا قرانا حَاتِم حَيا وَمَيتًا وأردفوا صَاحبهمْ وَانْطَلَقُوا سائرين وَإِذا بِرَجُل رَاكب بَعِيرًا ويقود آخر قد لحقهم وَهُوَ يَقُول: أَيّكُم أَبُو الْخَيْبَرِيّ قَالَ الرجل: أَنا. قَالَ: فَخذ هَذَا الْبَعِير أَنا عدي بن حَاتِم جَاءَنِي حَاتِم فِي النّوم وَزعم أَنه قراكم بناقتك وَأَمرَنِي أَن أحملك فشأنك وَالْبَعِير وَدفعه إِلَيْهِم وَانْصَرف. وَإِلَى هَذِه الْقَضِيَّة أَشَارَ ابْن دارة الْغَطَفَانِي فِي قَوْله يمدح عدي بن حَاتِم:

(بِهِ تضرب الْأَمْثَال فِي الشّعْر مَيتا

وَكَانَ لَهُ إِذْ ذَاك حَيا مصاحبا)

(قرى قَبره الأضياف إِذْ نزلُوا بِهِ

وَلم يقر قبر قبله والدهر رَاكِبًا)

3 -

(بَاب الْمَفْعُول مَعَه)

أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة

(جمعت وفحشاً غيبَة ونميمة

ثَلَاث خلال لست عَنْهَا بمرعوي)

على أَن أَبَا الْفَتْح ابْن جني أجَاز تقدم الْمَفْعُول مَعَه على الْمَعْمُول المصاحب متمسكاً بِهَذَا الْبَيْت وَالْأَصْل جمعت غيبَة وفحشاً. وَالْأولَى الْمَنْع رِعَايَة لأصل الْوَاو. وَالشعر ضَرُورَة.

أَقُول: ذكره ابْن جني فِي الخصائص قَالَ: وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمَفْعُول

ص: 130

مَعَه على الْفِعْل من حَيْثُ كَانَت صُورَة هَذِه الْوَاو صُورَة العاطفة أَلا تراك لَا تستعملها إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي لَو شِئْت لاستعملت العاطفة فِيهِ فَلَمَّا ساوقت حرف الْعَطف قبح: والطيالسة جَاءَ الْبرد كَمَا قبح: وَزيد قَامَ عَمْرو لكنه يجوز جَاءَ والطيالسة الْبرد كَمَا تَقول: ضربت وزيداً عمرا قَالَ: جمعت وفحشاً غيبَة ونميمة وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَلَا يجوز تَقْدِيم التَّابِع على الْمَتْبُوع للضَّرُورَة إِلَّا فِي الْعَطف دون الصّفة والتوكيد وَالْبدل. ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ فِي الضَّرُورَة تَقْدِيم الْمَعْطُوف لِأَن الْمَعْطُوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَالصّفة هِيَ الْمَوْصُوف وَكَذَلِكَ

الْمُؤَكّد عبارَة عَن الْمُؤَكّد وَالْبدل إِمَّا أَن يكون هُوَ الْمُبدل أَو بعضه أَو شَيْئا ملتبساً بِهِ. وَمثله:

(أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق

عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام. . اه)

فَجعله من بَاب تَقْدِيم الْمَعْطُوف لَا من بَاب تَقْدِيم الْمَفْعُول مَعَه لِأَنَّهُ هُوَ الأَصْل. لَكِن فِي تنظيره نظر فَإِن قَوْله وَرَحْمَة الله مَعْطُوف عِنْد سِيبَوَيْهٍ على الضَّمِير المستكن فِي الظّرْف أَعنِي قَوْله عَلَيْك كَمَا تقدم بَيَانه. وَقَوله: خلالاً ثَلَاثًا بدل من قَوْله غيبَة ونميمة وفحشاً جمع خلة بِالْفَتْح كالخصلة لفظا وَمعنى. وارعوى عَن الْقَبِيح: رَجَعَ عَنهُ.

وَهَذَا الْبَتّ من قصيدة جَيِّدَة فِي بَابهَا ليزِيد بن الحكم بن أبي الْعَاصِ

ص: 131

الثَّقَفِيّ. قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: عَاتب فِي هَذِه القصيدة ابْن عَمه عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَله قصائد أخر يُعَاتب فِيهَا أَخَاهُ عبد ربه بن الحكم.

وَأورد هَذِه القصيدة القالي فِي أَمَالِيهِ والأصبهاني فِي أغانيه وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ مختصرة.

وَفِي رِوَايَة كل وَاحِد مِنْهُم مَا لَيْسَ فِي رِوَايَة الآخر.)

وأوردها أَبُو عَليّ الْفَارِسِي بِتَمَامِهَا فِي الْمسَائِل البصرية وَهَذِه رِوَايَته لكنه قَالَ: قَالَهَا لِأَخِيهِ من أَبِيه وَأمه عبد ربه بن الحكم. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يظْهر مِنْهَا:

(لسَانك لي أرِي وغيبك علقم

وشرّك مَبْسُوط وخيرك ملتوي)

(تفاوض من أطوي طوى الكشح دونه

وَمن دون من صافيته أَنْت منطوي)

(تصافح من لاقيت لي ذَا عَدَاوَة

صفاحاً وعني بَين عَيْنك منزوي)

(أَرَاك إِذا اسْتَغْنَيْت عَنَّا هجرتنا

وَأَنت إِلَيْنَا عِنْد فقرك منضوي)

(إِلَيْك انعوى نصحي وَمَالِي كِلَاهُمَا

وَلست إِلَى نصحي وَمَالِي بمنعوي)

(أَرَاك إِذا لم أهوَ أمرا هويته

وَلست لما أَهْوى من الْأَمر بالهوي)

ص: 132

(أَرَاك اجتويت الْخَيْر مني وأجتوي

أذاك فكلّ مجتو قرب مجتوي)

(فليت كفافاً كَانَ خيرك كُله

وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي)

(لَعَلَّك أَن تنأى بأرضك نِيَّة

وَإِلَّا فَإِنِّي غير أَرْضك منتوي)

(تبدّل خَلِيلًا بِي كشكلك شكله

فَإِنِّي خَلِيلًا صَالحا بك مقتوي)

(فَلم يغوني رَبِّي فكسف اصطحابنا

ورأسك فِي الأغوى من الغيّ منغوي)

(عدوّك يخْشَى صولتي إِن لَقيته

وَأَنت عدوي لَيْسَ ذَاك بمستوي)

(وَكم موطن لولاي طحت كَمَا هوى

بأجرامه من قلّة النيق منهوي)

(نداك عَن الْمولى ونصرك عاتم

وَأَنت لَهُ بالظلم والغمر مختوي)

(إِذا مَا بنى الْمجد ابْن عمك لم تعن

وَقلت أَلا بل لَيْت بُنْيَانه خوي)

(كَأَنَّك إِن قيل ابْن عمك غَانِم

شج أَو عميد أَو أَخُو مغلة لوي)

(تملأت من غيظ عليّ فَلم يزل

بك الغيظ حَتَّى كدت فِي الغيظ تنشوي)

(فَمَا بَرحت نفس حسود حشيتها

تذيبك حَتَّى قيل هَل أَنْت مكتوي)

(وَقَالَ النطاسيون إِنَّك مشْعر

سلالاً أَلا بل أَنْت من حسد جوي)

ص: 133

(فديت امْرأ لم يدو للنأي عَهده

وعهدك من قبل التنائي هُوَ الدوي)

(دَمَعَتْ وفحشاً غيبَة ونميمة

خلالاً ثَلَاثًا لست عَنْهَا بمرعوي)

(أفحشاً وخبّاً واختناء على الندى

كَأَنَّك أَفْعَى كدية فرّ محجوي)

(فيدحو بك الداحي إِلَى كل سوءة

فيا شرّ من يدحو بأطيش مدحوي))

(أتجمع تسآل الأخلاء مَا لَهُم

وَمَالك من دون الأخلاء تحتوي)

(بدا مِنْك غش طالما قد كتمته

كَمَا كتمت دَاء ابْنهَا أم مدّوي)

قَوْله: تكاشرني الخ يُقَال: كاشر الرجل الرجل: إِذا كشر كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه وَهُوَ أَن يُبْدِي لَهُ أَسْنَانه عِنْد التبسم وَكرها بِضَم الْكَاف وَفتحهَا: مصدر وضع فِي مَوضِع الْحَال والدوي: وصف من الدوى بِالْفَتْح وَالْقصر: الْمَرَض دوِي يدوى كفرح يفرح ودوي صَدره وَقَوله: لسَانك أَي أرِي الخ الأري: الْعَسَل والعلقم: الحنظل وَحذف أَدَاة التَّشْبِيه للْمُبَالَغَة.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: اللِّسَان هُنَا إِمَّا بِمَعْنى الْجَارِحَة أَو بِمَعْنى الْكَلَام: فَإِن جعلته من هَذَا أمكن أَن يكون لي مُتَعَلقا بِهِ كَقَوْلِك: كلامك لي جميل وَإِن جعلته بِمَعْنى الْجَارِحَة احْتمل ظان تُرِيدُ الْمُضَاف فتحذفه فَإِذا حذفته احْتمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن يكون من قبيل صلى الْمَسْجِد أَي: أَهله وَالْآخر أَن تحذف الْمُضَاف فتجعل اللِّسَان كَالْكَلَامِ كَمَا قَالُوا اجْتمعت الْيَمَامَة أَي أهل الْيَمَامَة فجعلوهم كَأَنَّهُمْ الْيَمَامَة فَإِذا جعلته كَذَلِك أمكن أَن يتَعَلَّق بِهِ لي كَمَا يتَعَلَّق بِالْوَجْهِ الأول.

وَيجوز أَن يكون لي

ص: 134

وَقَوله: أرِي الْخَبَر مثل: حُلْو حامض. وَيجوز فِيهِ أَن تَجْعَلهُ خَبرا لقَوْله: لسَانك ونريد بِهِ الْجَارِحَة لِأَنَّك تَقول: فلَان لطيف اللِّسَان تُرِيدُ بِهِ الْكَلَام وتلقي النَّاس بالجميل فَيحْتَمل ضمير الْمُبْتَدَأ وَتجْعَل أرياً بَدَلا من الضَّمِير فِي لي.

وَيجوز أَن يكون لي حَالا كَأَنَّهُ أَرَادَ: لسَانك أرِي لي فَيكون صفة فَلَمَّا تقدم صَار حَالا. . فَإِن قلت: إِن أرِي مَعْنَاهُ مثل أرِي فالعامل معنى فعل لم يجز

تقدم الْحَال عَلَيْهِ فَأَقُول: لَك أَن تضمر فعلا يدل عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِر فينصب الْحَال عَنهُ كَأَنَّهُ قَالَ: لسَانك يستحلى ثَابتا لي. أَو لِأَنَّهَا كالظرف فَعمل فِيهَا الْمَعْنى. وَأَن تجْعَل اللِّسَان حَدثا أشبه للتشاكل لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ وَهُوَ وَقَوله: تفاوض من أطوي الخ فاوضه: إِذا أظهر لَهُ أمره وأطوي: ضد أنشر والطوى: الْجُوع وَهُوَ مصدر طوي يطوى من بَاب فَرح وَهُوَ مفعول أطوي أَي: تظهر أَمرك لمن أُخْفِي عَنهُ جوعي أَي: تنبسط فِي الْكَلَام عِنْد عَدو وَلَا أظهره على شَيْء من اموري وتنقبض عَن أصدقائي وَلَا تظهرهم على شَيْء من أَمرك نكاية فيّ.

وَقَوله: وعني بَين عَيْنك منزوي بَين: مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ اسْم لَا ظرف ومنزوي: خَبره وعني: مُتَعَلق بِهِ يُقَال: انزوت الْجلْدَة فِي النَّار أَي: اجْتمعت وتقبضت وزوى مَا بَين عَيْنَيْهِ أَي:)

قبضهَا.

وَقَوله: وَأَنت إِلَيْنَا عِنْد فقرك منضور انضوى إِلَيْهِ. لَجأ وانضم إِلَيْهِ وَقَوله: إِلَيْك انعوى نصحي وَمَالِي انعوى: بِمَعْنى انعطف وَهُوَ مُطَاوع عويته أَي: عطفته.

ص: 135

وَقَوله: أَرَاك إِذا لم أهوَ أمرا هوي الشَّيْء يهواه هوى من بَاب فَرح: إِذا أحبّه وَهوى بِالْفَتْح يهوي بِالْكَسْرِ هويّاً وَكَذَلِكَ انهوى: إِذا سقط إِلَى أَسْفَل وَقد جَاءَ فِي قَوْله: وَكم موطن لولاي طحت كَمَا هوى وَقَوله: أَرَاك اجتويت الْخَيْر اجتواه بِالْجِيم أَب: كرهه. وَقَوله: فليت كفافاً كَانَ خيرك الخ يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي لَيْت من أَخَوَات الْحُرُوف

المشبهة فِي أَوَاخِر الْكتاب. وَقَوله: لَعَلَّك أَن تنأى الخ أَي: أَرْجُو أَن تنأى من أَرْضك أَي: تبعد عَنْهَا من النأي وَهُوَ الْبعد وَإِلَّا أَي: وَإِن لم تنأ فَإِنِّي عازم على الرحيل عَنْهَا. يُقَال: نَوَيْت نِيَّة وَكَذَلِكَ انتويت أَي: عزمت.

وَقَوله: بك مقتوي قَالَ فِي الصِّحَاح: القتو: الْخدمَة. وقتوت أقتو قتواً ومقتي أَي: خدمت.

يُقَال: للخادم مقتوي بفاح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء كَأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى المقتى وَهُوَ مصدر. .

وَيجوز تَخْفيف يَاء النِّسْبَة.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: نصب خَلِيلًا بِفعل مُضْمر يدلّ عَلَيْهِ مقتوي أَي: أقتوي خَلِيلًا. وَيَأْتِي شرح هَذِه الْكَلِمَة مفصلة فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين من بعد الْخَمْسمِائَةِ.

وَقَوله: وَكم موطن الخ طاح الرجل يطوح ويطيح: إِذا هلك. والأجرام: جمع جرم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْجِسْم كَأَنَّهُ جعل أعضاءه أجراماً توسعاً أَي: سقط بجسمه وَثقله. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ هَا هُنَا الذُّنُوب كَمَا فسره ابْن

ص: 136

الشجريّ بِهِ فَإِنَّهُ غير مُنَاسِب. والنيق بِكَسْر النُّون: أرفع الْجَبَل. وقلّته: مَا استدق من رَأسه. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرح هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الضمائر.

وَقَوله: نداك عَن الْمولى الندى: الْجُود. والْمولى: ابْن الْعم. وَعَن مُتَعَلقَة بعاتم أَي: بطيء يُقَال: عتم من بَاب ضرب إِذا أَبْطَأَ وقصّر. ونصرك: مَعْطُوف على نداك وَخَبره مَحْذُوف. والغمر بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة الحقد والغلّ يُقَال: غمر صَدره عليّ من بَاب فَرح. ومختور بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: وَقَوله: تودّ لَو نابه نَاب حَيَّة الْحَيَّة مَعْرُوفَة تكون للذّكر وَالْأُنْثَى قَالُوا: فلَان حَيَّة ذكر وَالتَّاء للْوَاحِد من الْجِنْس كبطّة ودجاجة وَهنا بِمَعْنى الذّكر بِدَلِيل الْوَصْف لربيب من ربّ فلَان وَلَده بِمَعْنى ربّاه فعيل بِمَعْنى مفعول.)

وَقَوله: لَيْت بُنْيَانه خوي يُقَال: خوى الْمنزل من بَاب رضى يُرْضِي وَرمى يَرْمِي لُغَتَانِ أَي: سقط قَالَ تَعَالَى: فَهِيَ خاوية على عروشها أَي: سَاقِطَة على سقوفها.

وَقَوله: شج أَو عميد الخ هُوَ خبر كَأَن والشجيّ: الحزين المهموم. والعميد: الَّذِي قد عمده الْمَرَض أَي: هدّه حَتَّى احْتَاجَ إِلَى أَن يعمد أَي:

ص: 137

يسند فَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول. والمغلة يفتح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة قَالَ أَبُو عَليّ: عِلّة تكون فِي الْجوف. واللوي: الَّذِي فِي جَوْفه وجع تَقول: لوي لوىً كفرح فَرحا.

وَقَوله: فَمَا بَرحت نفس حسود الخ النَّفس تذكّر وتؤنّث وَلِهَذَا وصفهَا بالمذكر وأنّث لَهَا الْفِعْل وَالضَّمِير. وحشيتها بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْخطاب من الحشو يُقَال: حشوت الوسادة وَغَيرهَا حَشْوًا. وَرُوِيَ حسبتها بضمير الْمُتَكَلّم من الْحساب وَهُوَ الظَّن.

والنطاسيّون: الْعلمَاء بالطب الْوَاحِد نطاسي. ومشْعر: اسْم مفعول أَي: ملبس شعاراً بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا ولي الْجَسَد من الثِّيَاب. والسلال بِالضَّمِّ: مرض السل. والجوي: من الجوى وَهُوَ دَاء للقلب وَفعله من بَاب فَرح.

وَقَوله: لم يدو للنأي عَهده تقدم تَفْسِير دوِي. وَقَوله: أفحشاً وخبّاً الخ الخب بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: مصدر خببت يَا رجل تخب خبّاً من بَاب علم: إِذا خدع ومكر. والاختناء بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبعد الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة نون. قَالَ

أَبُو عَليّ القاليّ فِي أَمَالِيهِ: هُوَ التقبّض. والندى: الْجُود. والكدية بِالضَّمِّ: الأَرْض الصلبة. وَأَرَادَ بالأفعى الأفعوان وَهُوَ ذكر الْحَيَّات وَلِهَذَا أرجع الضَّمِير إِلَيْهِ مذكراً. ومحجوي بِتَقْدِيم الْمُهْملَة على الْجِيم قَالَ أَبُو عَليّ القاليّ فِي أَمَالِيهِ نقلا عَن ابْن دُرَيْد: المحجوي المنطوي.

وَقَوله: فيدحو بك الداحي الخ الدحو: الرَّمْي يُقَال: ادحه أَي: ارمه وَيُقَال للْفرس: مر يدحو دحواً وَذَلِكَ إِذا رمى بيدَيْهِ رمياً لَا يرفع سنبكه عَن الأَرْض كثيرا. والسوءة بِالْفَتْح: الْقبْح وَالْعَيْب. وأطيش من الطيش

ص: 138

وَهُوَ الخفة. ومدحوي أَي: مرميّ بناه من ادحواه لُغَة فِي دحاه أَي: رَمَاه.

وَقَوله: كَمَا كتمت دَاء ابْنهَا أم مدوّي قَالَ الْأَصْمَعِي فِي كتاب الصِّفَات وَابْن دُرَيْد فِي الجمهرة)

وَأَبُو عَليّ القاليّ فِي أَمَالِيهِ وَابْن الْأَثِير فِي المرصّع وَاللَّفْظ لَهُ: أم مدوي يضْرب بهَا الْمثل لمن يورّي بالشَّيْء عَن غَيره ويكنى بِهِ عَنهُ. وَأَصله أنّ امْرَأَة من الْعَرَب خطبت على ابْنهَا جَارِيَة فَجَاءَت أمهَا إِلَى أم الْغُلَام لتنظر إِلَيْهِ. فَدخل الْغُلَام فَقَالَ لأمه: أدّوي بتَشْديد الدَّال على أفتعل. فَقَالَت لَهُ: اللجام مُعَلّق بعمود الْبَيْت والسرج فِي جَانِبه. فأظهرت أَن ابْنهَا أَرَادَ أَدَاة الْفرس للرُّكُوب فكتمت بذلك زلّة ابْنهَا عَن الخاطبة. وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنهَا بقوله أدّوي أكل الدّواية بِضَم الدَّال وَهِي القشرة الَّتِي تعلو اللَّبن والمرق تَقول مِنْهُ: دوّى اللَّبن بتَشْديد الْوَاو وَقد ادّويت على وزن افتعلت فَأَنا مدّو بتَشْديد الدَّال فيهمَا أَي: أكلت الدّواية. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.

وترجمة يزِيد بن الحكم تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع فِي أَوَائِل الْكتاب

وَأنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا على أَن التَّقْدِير: وسقيتها مَاء. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب: وَقيل:

ص: 139

لَا حذف بل ضمّن علفتها معنى أنلتها وأعطيتها. وألزموا صِحَة نَحْو علفتها مَاء بَارِدًا وتبناً فالتزموه محتجين بقول طرفَة: وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله على تضمين أفيضوا معنى ألقوا ليَصِح انصبابه على الشَّرَاب وَالطَّعَام مَعًا أَو على تَقْدِير بعد أَو أَي: أَو ألقوا مِمَّا رزقكم الله كَهَذا الْبَيْت فِي الْوَجْهَيْنِ وَأورد لَهُ الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ والفاضل اليمني صَدرا وَجعل الْمَذْكُور عَجزا هَكَذَا:

(لما حططت الرحل عَنْهَا واردا

علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا)

وَجعله غَيرهمَا صَدرا وَأورد عَجزا كَذَا: حَتَّى شتت همّالة عَيناهَا وَلَا يعرف قَائِله. وَرَأَيْت فِي حَاشِيَة نُسْخَة صَحِيحَة من الصِّحَاح أَنه لذِي الرمة ففتشت ديوانه فَلم أَجِدهُ فِيهِ.

وشتت بِمَعْنى أَقَامَت شتاء فِي الْقَامُوس: شتا بِالْبَلَدِ أَقَامَ بِهِ شتاء كشتى وتشتى وفاعله ضمير مستتر عَائِد إِلَى مَا عَاد إِلَيْهِ ضمير علفتها. وهمالة حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر وَهُوَ من)

هملت الْعين: إِذا صبَّتْ دمعها. وعيناها فَاعله.

ص: 140

وَزعم الْعَيْنِيّ أَن شتت بِمَعْنى بَدَت وَلم أر هَذَا الْمَعْنى فِي اللُّغَة وَأَن عَيناهَا فَاعله وهمالة تَمْيِيز. وَهَذَا خلاف الظَّاهِر. فَتَأمل.

الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: وَمَا النجدي والمتغور وَهُوَ قِطْعَة من بَيت لجميل بن معمر وَهُوَ:

(وَأَنت امْرُؤ من أهل نجد وأهلنا

تهام وَمَا النجديّ والمتغوّر)

على أَن الرّفْع فِي مثله أولى من النصب على الْمَفْعُول مَعَه.

قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: قَوْلهم: مَا أَنْت وَزيد الرّفْع فِيهِ الْوَجْه لِأَنَّهُ

عطف اسْما ظَاهرا على اسْم مُضْمر مُنْفَصِل وأجراه مجْرَاه وَلَيْسَ هُنَا فعل فَيحمل على الْمَفْعُول فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَنْت وَمَا زيد وَهَذَا تَقْدِيره فِي الْعَرَبيَّة وَمَعْنَاهُ لست مِنْهُ فِي شَيْء وَهَذَا الشّعْر كَمَا أصف لَك ينشد:

(وَأَنت امْرُؤ من أهل نجد وأهلنا

تهام فَمَا النجديّ والمتغوّر)

وَكَذَلِكَ قَوْله:

(تكلّفني سويق الْكَرم جرم

وماجرم وَمَا ذَاك السويق)

فَإِن كَانَ الأوّل مضمراً مُتَّصِلا كَانَ النصب لِئَلَّا يحمل ظَاهر الْكَلَام على مُضْمر تَقول: مَالك وزيداً فَإِنَّمَا تنهاه عَن ملابسته إِذْ لم يجز وَزيد

ص: 141

وأضمرت لِأَن حُرُوف الِاسْتِفْهَام للأفعال فَلَو كَانَ الْفِعْل ظَاهرا لَكَانَ على غير إِضْمَار نَحْو قَوْلك: مَا زلت وَعبد الله حَتَّى فعل لِأَنَّهُ لَيْسَ يُرِيد مَا زلت وَمَا زَالَ عبد الله وَلكنه أَرَادَ: مَا زلت بِعَبْد الله فَكَانَ الْمَفْعُول مخفوضاً بِالْبَاء فَلَمَّا زَالَ مَا يخفضه وصل الْفِعْل إِلَيْهِ فنصبه كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا.

فالواو فِي معنى مَعَ وَلَيْسَت بخافضة فَكَانَ مَا بعْدهَا على الْموضع فعلى هَذَا ينشد هَذَا الشّعْر:

(فَمَا لَك والتلدد حول نجد

وَقد غصّت تهَامَة بِالرِّجَالِ)

وَلَو قلت: مَا شَأْنك وزيداً لاختير النصب لِأَن زيدا لَا يلتبس بالشأن لِأَن الْمَعْطُوف على)

الشَّيْء فِي مثل حَاله. وَلَو قلت: مَا شَأْنك وشأن زيد لرفعته لِأَن الشَّأْن يعْطف على الشَّأْن.

وَهَذِه الْآيَة تفسر على وَجْهَيْن من الْإِعْرَاب: أَحدهمَا هَذَا وَهُوَ الأجود فِيهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: فَأَجْمعُوا أَمركُم

وشركاءكم فَالْمَعْنى وَالله أعلم مَعَ شركائكم لِأَنَّك تَقول: جمعت قومِي وأجمعت أَمْرِي وَيجوز أَن يكون لما أَدخل الشُّرَكَاء مَعَ الْأَمر حمله على مثل لَفظه لِأَن الْمَعْنى يرجع إِلَى شَيْء وَاحِد فَيكون كَقَوْلِه:

(يَا لَيْت زَوجك قد غَدا

مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا)

شرّاب ألبان وَسمن وأقط

ص: 142

انْتهى كَلَام المبرّد ولجودته سقناه برمّته.

وَقَوله: وَمَا النجديّ والمتغور مَا مُبْتَدأ. والنجدي خَبره. وَالْمعْنَى: أَن أَهلِي يرتابون بك إِذا وجدوك عِنْدهم لِأَنَّك غَرِيب بعيد الدَّار مِنْهُم فينكرون كونك بَينهم فَيجب أَن تتجنب وَتعرض. تحذّره بني عَمها كَمَا يَأْتِي بَيَانه ف الأبيات

وتهام بِفَتْح التَّاء مَنْسُوب إِلَى التهم بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى التهامة بِكَسْر التَّاء وَقد بَينا هَذَا مشروحاً فِي الشَّاهِد الثَّامِن عشر من أَوَائِل الْكتاب. وتهام خبر عَن قَوْله وأهلنا وَإِعْرَابه كقاض. وَلم يقل تهامون لِأَنَّهُ نظر إِلَى لفظ أهل وَهُوَ مُفْرد وَيجوز نظراَ إِلَى الْمَعْنى تهامون. وَقَالَ ابْن خلف: إِنَّمَا قَالَ تهام لِأَنَّهُ اكْتفى بِالْوَاحِدِ عَن الْجمع كَقَوْلِه:

كَأَن عَيْني فِيهَا الصاب مَذْبُوح هَذَا كَلَامه فَتَأَمّله.

ونجد قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ من بِلَاد الْعَرَب وَهُوَ خلاف الْغَوْر والغور هُوَ تهَامَة وكل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد وَهُوَ مُذَكّر وَتقول: أنجدنا أَي: أَخذنَا فِي بِلَاد نجد.

وَفِي الْمثل: أنجد من رأى حضنا وَذَلِكَ إِذا علا من الْغَوْر. وحضن محركة: جبل. والمتغور اسْم فَاعل من تغور فلَان: إِذا انتسب إِلَى الْغَوْر. وغار وغوّر أَيْضا بِالتَّشْدِيدِ: إِذا أَتَى الْغَوْر قَالَ فِي الْمِصْبَاح: والغور المطمئن من الأَرْض. والغور قيل: يُطلق على تهَامَة وَمَا يَلِي الْيمن وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَا بَين ذَات عرق وَالْبَحْر

ص: 143

غور وتهامة فتهامة أوّلها مدارج ذَات عرق من قبل نجد إِلَى مرحلَتَيْنِ وَرَاء مَكَّة وَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى الْبَحْر فَهُوَ الْغَوْر.

وَالْبَيْت من قصيدة. وَقَبله:)

(وَآخر عهد لي بهَا يَوْم ودّعت

ولاح لَهَا خدّ مليح ومحجر)

(عَشِيَّة قَالَت لَا تضيعنّ سرنا

إِذا غبت عَنَّا وارعه حِين تدبر)

(وَأعْرض إِذا لاقيت عينا تخافها

وَظَاهر ببغض إِن ذَلِك أستر)

(فَإنَّك إِن عرّضت بِي فِي مقَالَة

يزدْ فِي الَّذِي قد قلت واش مكثّر)

(وينشر سرّاً فِي الصّديق وَغَيره

يعز علينانشره حِين ينشر)

(وَمَا زلت فِي إِعْمَال طرفك نحونا

إِذا جِئْت حَتَّى كَاد حبك يظْهر)

(لأهلي حَتَّى لامني كل نَاصح

شفيق لَهُ قربى لديّ وأيصر)

(وقطعني فِيك الصّديق ملامة

وَإِنِّي لأعصي نهيهم حِين أزْجر)

(وَمَا قلت هَذَا فاعلمن تجنباً

لصرم وَلَا هَذَا بِنَا عَنْك يقصر)

(وأخشى بني عمي عَلَيْك وَإِنَّمَا

يخَاف وينقي عرضه المتفكر)

(وَأَنت امْرُؤ من أهل نجد واهلنا

تهام وَمَا النجديّ والمتغور)

(وطرفك إِمَّا جئتنا فاحفظنه

فزيغ الْهوى باد لمن يتبصر)

ص: 144

(وَقد حدثوا أَنا الْتَقَيْنَا على هوى

فكلهم من غلّة الغيظ موقر)

(فَقلت لَهَا: يَا بثن أوثيت حَافِظًا

وكل امْرِئ لم يرعه الله معور)

(سأمنح طرفِي حِين أَلْقَاك غَيْركُمْ

لكيما يرَوا أَن الْهوى حَيْثُ أنظر)

(وأكني بأسماء سواك وأتقي

زيارتكم وَالْحب لَا يتَغَيَّر)

(فكم قد رَأينَا واجداً بحبيبه

إِذا خَافَ يُبْدِي بغضه حِين يظْهر)

وَفِي هَذِه الأبيات استشهاد وَلِهَذَا ذَكرنَاهَا.

وترجمة جميل بن معمر العذري تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ

الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة قَول الرَّاعِي. وَهُوَ من شَوَاهِد س:

(أزمان قومِي وَالْجَمَاعَة كَالَّذي

منع الرحالة أَن تميل مميلا)

على أَنه على تَقْدِير: أزمان كَانَ قومِي وَالْجَمَاعَة. فالجماعة مفعول مَعَه على تَقْدِير إِضْمَار الْفِعْل.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: زَعَمُوا أَنه الرَّاعِي كَانَ ينشد هَذَا الْبَيْت نصبا. وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: أزمان كَانَ قومِي مَعَ الْجَمَاعَة. وَحذف كَانَ لأَنهم يستعملونها كثيرا فِي هَذَا الْموضع وَلَا لبس فِيهِ وَلَا تَغْيِير معنى.

ص: 145

وَمثله قَوْله تَعَالَى: وَاتبعُوا مَا تتلوا الشاطين على ملك سُلَيْمَان أَرَادَ مَا كَانَت تتلو.

قَالَ ابْن عُصْفُور: وَإِنَّمَا حمل على إِضْمَار كَانَ وَلم يحمل على تَقْدِير حذف مُضَاف إِلَى قومِي فَيكون التَّقْدِير: أزمان كَون قومِي وَالْجَمَاعَة لِأَن الْمصدر المقدّر بِأَن وَالْفِعْل من قبيل الموصولات وَحذف الْمَوْصُول وإبقاء شَيْء من صلته لَا يجوز.

فَإِن قلت: مَا الدَّلِيل على أَن قومِي من قَوْله: أزمان قومِي مَحْمُول على فعل مُضْمر قلت: لِأَنَّهُ لَيْسَ من قبيل المصادر وَأَسْمَاء الزَّمَان لَا يُضَاف شَيْء مِنْهَا إِلَّا إِلَى مصدر أَو جملَة تكون فِي مَعْنَاهُ نَحْو: هَذَا يَوْم قدوم زيد وَقَوْلهمْ: يَوْم الْجمل وَيَوْم حليمة فَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: يَوْم حَرْب الْجمل وَنَحْوه.

قَالَ الأعلم: وصف مَا كَانَ من اسْتِوَاء الزَّمَان واستقامة الْأُمُور قبل قتل عُثْمَان وشمول الْفِتْنَة.

وَأَرَادَ الْتِزَام قومه الْجَمَاعَة وتركهم الْخُرُوج على السُّلْطَان. وَالْمعْنَى: أزمان قومِي والتزامهم الْجَمَاعَة وتمسكهم بهَا كَالَّذي تمسك بالرحالة ومنعها من أَن تميل وَتسقط. والرحالة بِالْكَسْرِ: وَهِي أَيْضا السرج. ضربهَا مثلا اه.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدّتها تِسْعَة وَثَمَانُونَ بَيْتا لِلرَّاعِي. مدح بهَا عبد الْملك بن مَرْوَان وشكا فِيهَا من السعاة وهم الَّذين يَأْخُذُونَ الزَّكَاة من قبل السُّلْطَان. وَهِي قصيدة جَيِّدَة كَانَ يَقُول: من لم يرو لي من أَوْلَادِي هَذِه القصيدة وقصيدتي الَّتِي أَولهَا: بَان الْأَحِبَّة بالعهد الَّذِي عهدوا

ص: 146

وَهِي فِي هَذَا الْمَعْنى أَيْضا فقد عقني: وَقبل بَيت الشَّاهِد:)

(أوليّ أَمر الله إِنَّا معشر

حنفَاء نسجد بكرَة وَأَصِيلا)

(عرب نرى لله فِي أَمْوَالنَا

حق الزَّكَاة منزّلاً تَنْزِيلا)

(قوم على الْإِسْلَام لمّا يمنعوا

مَا عونهم ويضّيعوا التهليلا)

(فادفع مظالم عيّلت أبناءنا

عَنَّا وأنقذ شلونا المأكولا)

(فنرى عَطِيَّة ذَاك

إِن أَعْطيته من رَبنَا فضلا ومنك جزيلا)

(أَنْت الْخَلِيفَة حلمه وفعاله

وَإِذا أردْت لظَالِم تنكيلا)

(قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما

ودعا فَلم أر مثله مخذولا)

(فتصدعت من بعد ذَاك عصاهم

شققاً وَأصْبح سيفهم مسلولا)

(حَتَّى إِذا استعرت عجاجة فتْنَة

عمياء كَانَ كتابها مَفْعُولا)

(وزنت أُميَّة أمرهَا فدعَتْ لَهُ

من لم يكن غمراً وَلَا مَجْهُولا)

(مَرْوَان أحزمها إِذا نزلت بِهِ

حدب الْأُمُور وَخَيرهَا مسؤولا)

(أزمان رفّع بِالْمَدِينَةِ ذيله

وَلَقَد رأى زرعا بهَا ونخيلا)

(وديار ملك خرّبتها فتْنَة

ومشيّدا فِيهِ الْحمام ظليلا)

(إِنِّي حَلَفت على يَمِين برّة

لَا أكذب الْيَوْم الْخَلِيفَة قيلا)

ص: 147

(مَا زرت آل أبي خبيب وافداً

يَوْمًا أُرِيد لبيعتي تبديلا)

(من نعْمَة الرَّحْمَن لَا من حيلتي

إِنِّي أعدّ لَهُ عليّ فضولا)

(أزمان قومِي وَالْجَمَاعَة كَالَّذي

لزم الرحالة أَن تميل مميلا)

إِلَى أَن قَالَ:

(إِن السعاة عصوك حِين بعثتهم

وَأتوا دواهي لَو علمت وغولا)

(إِن الَّذين أَمرتهم أَن يعدلُوا

لم يَفْعَلُوا مِمَّا أمرت فتيلا)

(أخذُوا العريف فقطّعوا حيزومه

بالأصبحية قَائِما مغلولا)

(يَدْعُو أَمِير الْمُؤمنِينَ ودونه

خرق تجرّ بِهِ الرِّيَاح ذيولا)

قَوْله: قوم على الْإِسْلَام لمّا يمنعوا ماعونهم أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَيمْنَعُونَ الماعون على أَن الماعون الزَّكَاة. والتهليل: هُوَ قَول لَا إِلَه إِلَّا الله أَرَادَ كلمة التَّوْحِيد.

وَقَوله: عيّلت أبناءنا التعييل: سوء الْغذَاء وعيّل الرجل فرسه: إِذا سيّبه فِي الْمَفَازَة. والإنقاذ:)

التخليص. والشلو بِالْكَسْرِ: الْعُضْو. والشكول جمع شكل بِفَتْح أَوله وكسره: الشّبَه والمثل أَي: جعلُوا النَّاس متخالفين بعد أَن كَانُوا متحدين. وَقَوله: قتلوا ابْن عَفَّان الخ يُقَال: أحرم الرجل إِذا دخل فِي حُرْمَة لَا تهتك.

قَالَ العسكري فِي بَاب مَا وهم فِيهِ عُلَمَاء الْكُوفِيّين من كتاب التَّصْحِيف:

ص: 148

أخبرنَا أَبُو عَليّ الكوكبيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن سُوَيْد حَدثنِي مُحَمَّد بن هُبَيْرَة قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي للكسائي وهما عِنْد الرشيد: مَا معنى قَول الرَّاعِي: قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما فَقَالَ الْكسَائي. كَانَ محرما بِالْحَجِّ. قَالَ الْأَصْمَعِي: فَقَوله: قتلوا كسْرَى بلَيْل محرما فَتَوَلّى لم يمتع بكفن هَل كَانَ محرما بِالْحَجِّ قَالَ الرشيد للكسائي: يَا عليّ إِذا جَاءَ الشّعْر فإياك والأصمعي قَالَ الْأَصْمَعِي محرم أَي: لم يَأْتِ مَا تستحل بِهِ عُقُوبَته وَمن ثمّ قيل مُسلم محرم أَي: لم يحلّ من نَفسه شَيْئا يُوجب الْقَتْل. وَقَوله: قتلوا كسْرَى محرما يَعْنِي حُرْمَة الْعَهْد الَّذِي كَانَ لَهُ فِي أَعْنَاق أَصْحَابه اه.

وَقَوله: حدب الْأُمُور جمع أحدب وحدباء أَرَادَ الْأُمُور المشكلة. وَقَوله: مَا زرت آل أبي حبيب الخ. أَبُو خبيب هُوَ عبد الله بن الزبير وَكَانَ

ادّعى الْخلَافَة يَوْمئِذٍ فِي الْحجاز. وَقَوله: إِنِّي أعدّ لَهُ عليّ فضولاً هُوَ جمع فضل بِمَعْنى الْإِحْسَان والإنعام وَهُوَ الْعَامِل النصب على الظَّرْفِيَّة فِي أزمان وَيجوز رَفعه على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: من الفضول أزمان قومِي الخ.

قَالَ صَاحب كتاب التَّنْبِيه على مَا أشكل من كتاب سِيبَوَيْهٍ: وَيجوز رفع أزمان على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف دون إِظْهَار كَانَ وَالْوَاو وَاو مَعَ أَيْضا فَتكون إِضَافَة أزمان إِلَى الْجُمْلَة الإسمية على هَذَا. ثمَّ قَالَ: وَالْأول أَي: النصب على الظَّرْفِيَّة احسن وَأكْثر اه. والسعاة: جمع ساع وَهُوَ كل من ولي شَيْئا على قوم وَأكْثر مَا يُقَال

ص: 149

ذَلِك فِي وُلَاة الصَّدَقَة أَي: الزَّكَاة. وَقَوله: أخذُوا الْمَخَاض من الفصيل الخ الْمَخَاض: النوق الْحَوَامِل وَاحِدهَا خلفة.

والفصيل: ابْنهَا. والغلبّة بِضَم الْغَيْن وَاللَّام وَتَشْديد الموحّدة هِيَ الْغَلَبَة بِالتَّحْرِيكِ وَالتَّخْفِيف.

وَهُوَ وظلماً مصدران وَقعا حَالين من فَاعل أخذُوا. وَيجوز نصب الثَّانِي بِالْأولِ على أَنه مصدر معنويّ. والأفيل ككريم من أَوْلَاد الْإِبِل: مَا أَتَى عَلَيْهِ سَبْعَة أشهر وَهُوَ مَنْصُوب بيكتب بِالْبِنَاءِ)

للْفَاعِل أَي: يكْتب السَّاعِي. وعَلى رِوَايَة الْبناء للْمَفْعُول وَهِي الْمَشْهُورَة مفعول لفعل مَحْذُوف أَي: وَيكْتب أَخذنَا من فلَان أفيلا.

وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن من فِيهِ للبدل أَي: نَأْخُذ الْمَخَاض بدل الفصيل.

قَالَ ابْن يسعون: وَيجوز أَن لَا تكون بدليّة بل مُتَعَلقَة بأخذوا أَي: انتزعوه من أمه. وَرُوِيَ بدله من العشار فَهِيَ بَيَانِيَّة أَي: كائنة من العشار.

وَقَوله: أخذُوا العريف هُوَ رَئِيس الْقَوْم ومتكلمهم. والأصبحية هِيَ السِّيَاط منسوبة إِلَى ذِي أصبح من مُلُوك الْيمن فَإِنَّهُ الَّذِي اخترعها. والْخرق بِالْفَتْح: الفلاة. والرَّاعِي اسْمه عبيد بن حُصَيْن بتصغيرهما ابْن مُعَاوِيَة بن جندل بن

قطن بن ربيعَة بن عبد الله بن الْحَارِث بن نمير بن عَامر بن صعصعة. وكنية الرَّاعِي: أَبُو جندل. ولقّب الرَّاعِي لِكَثْرَة وَصفه الْإِبِل والرعاء فِي شعره. وَقيل: لقب بِهِ بِبَيْت قَالَه.

وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: اسْمه حُصَيْن بن مُعَاوِيَة. وَكَانَ يُقَال لِأَبِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة مُعَاوِيَة الرئيس. وَولده وَأهل بَيته فِي الْبَادِيَة سادة أَشْرَاف.

ص: 150