الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
عقيدة الإمام الشافعي
أ- قوله في التوحيد:
1 -
أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال: «قال الشافعي: من حلف بالله أو باسم من أسمائه فحنث فعليه الكفارة، ومن حلف بشيء غير الله مثل أن يقول الرجل: والكعبة وأبي وكذا وكذا ما كان، فحنث فلا كفارة عليه، ومثل ذلك قوله لعمري
…
لا كفارة عليه ويمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليسكت» (1)
…
» (2).
وعلل الشافعي لذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة، فمن حلف
(1) أخرجه البخاري كتاب الإيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم (11/ 530)، ومسلم كتاب الإيمان باب النهي عن الحلف بغير الله (3/ 1266) ح (1646).
(2)
مناقب الشافعي (1/ 405).
باسم الله فحنث فعليه الكفارة (1).
2 -
وأورد ابن القيم في اجتماع الجيوش عن الشافعي أنه قال: «القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء» (2).
3 -
وأورد الذهبي عن المزني قال: «قلت: إن كان أحد يخرج ما في ضميري وما تعلق به خاطري في أمر التوحيد فالشافعي؛ فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوتُ بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحدًا لا يعلم علمك فما الذي عندك؟
(1) رواه أبن أبي حاتم في آداب الشافعي ص193، وأبو نعيم في الحلية (9/ 112، 113)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 28)، وفي الأسماء والصفات ص255، 256، وذكره البغوي في شرح السنة (1/ 188)، وانظر العلو ص121، ومختصره ص77.
(2)
اجتماع الجيوش الإسلامية ص165، إثبات صفة العلو ص124، وانظر مجموع الفتاوى (4/ 181 - 183)، والعلو للذهبي ص120، ومختصره للألباني ص176.
فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا. قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجمًا في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خُلق؟ قلت: لا، قال: فشيء تراه يعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟
ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها ففرعها على أربعة أوجه فلم أُصِبْ في شيء منه فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 163، 164]. فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف على ما لم يبلغه عقلك (1).
4 -
وأخرج ابن عبد البر عن يونس بن عبد الأعلى (2) قال:
(1) سير أعلام النبلاء (10/ 31).
(2)
هو يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي الصمري قال عنه ابن حجر: «ثقة من صغار العاشرة مات سنة 264هـ» ، تقريب التهذيب (2/ 385)، وانظر ترجمته في شذرات الذهب (2/ 149)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص28.
«سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى أو الشيء غير الشيء فاشهد عليه بالزندقة» (1).
5 -
وقال الشافعي في كتابه الرسالة: «والحمد لله
…
الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه» (2).
6 -
وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال: «نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
[الشورى: 11]» (3).
7 -
وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال: «سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]. أعلمنا بذلك أن ثم قومًا غير
(1) الانتقاء ص79، ومجموع الفتاوى (6/ 187).
(2)
الرسالة ص7، 8.
(3)
السير (20/ 341).
محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في رؤيته» (1).
8 -
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال: «حضرت محمد بن إدريس الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال الشافعي: فلما حجبوا هؤلاء في السخط كان هذا دليلاً على أنهم يرونه في الرضا قال الربيع: قلت: يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم به أدين الله» (2).
9 -
وأخرج ابن عبد البر عن الجارودي (3) قال: «ذكر عند الشافعي إبراهيم بن إسماعيل ابن علية (4) فقال: أنا مخالف له في كل شيء وفي قول لا إله إلا الله لست أقول كما يقول،
(1) الانتقاء ص79.
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 506).
(3)
لعله موسى بن أبي الجارود قال عنه النووي: «أحد أصحاب الشافعي والآخذين عنه والرواة عنه» ، وقال ابن هبة الله:«كان يفتي بمكة على مذهب الشافعي ولا يعلم تاريخ وفاته» ، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 120)، وطبقات الشافعي لابن هداية الله ص29.
(4)
هو إبراهيم بن إسماعيل ابن علية قال عنه الذهبي: «جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة 218هـ» ، ميزان الاعتدال (1/ 20)، وانظر ترجمته في لسان الميزان (1/ 34، 35).
أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلّم موسى عليه السلام تكليمًا من وراء حجاب وذلك يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلامًا أسمعه موسى من وراء حجاب» (1).
10 -
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان، قال الشافعي:«من قال القرآن مخلوق فهو كافر» (2).
11 -
وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: «قال رجل للشافعي أخبرني عن القرآن خالق هو؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فمخلوق؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فغير مخلوق؟ قال الشافعي: اللهم نعم. قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشافعي رأسه وقال: تُقر بأن القرآن كلام الله، قال: نعم. قال الشافعي: سبقت في هذه الكلمة قال الله تعالى ذكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
قال الشافعي: فتقر
(1) الانتقاء ص79، والقصة ذكرها الحافظ عن مناقب الشافعي للبيهقي، اللسان (1/ 35).
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 252).
بأن الله كان وكان كلامه؟ أو كان الله ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان الله وكان كلامه. قال: فتبسم الشافعي وقال: يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القبل وكان كلامه فمن أين لكم الكلام: إن الكلام الله، أو سوى الله، أو غير الله، أو دون الله؟ قال: فسكت الرجل وخرج» (1).
12 -
وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي - من رواية أبي طالب العشاري (2) - ما نصّه قال: وقد سُئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي أن يؤمن به، فقال: «لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم، أمته
(1) مناقب الشافعي (1/ 407، 408).
(2)
هو محمد بن علي العشاري شيخ صدوق معروف، وقد تفرد برواية هذا الجزء وهو مما أدخل عليه فحدّث به بسلامة باطن قاله الذهبي في الميزان (3/ 656)، لكن اعتمد غير واحد من السلف ما هو مثبت في هذه العقيدة كالموفق بن قدامة في كتاب صفة العلو ص124، وابن أبي يعلى في الطبقات (1/ 382)، وابن القيم في اجتماع الجيوش ص165، والذهبي نفسه في السير (10/ 79)، ثم إن هذه الرسالة التي سأنقلها بنصها قد قرئت على الإمام الحافظ ابن نصر الدمشقي ونقلها جميعها ابن أبي يعلى في الطبقات وسأثبت الفروق بينهما.
لا يسع (1) أحدًا من خلق الله عز وجل قامت لديه (2) الحجة إن القرآن نزل به وصحيح عنده (3) قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عنه العدل خلافه (4) فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله (5) عز وجل، فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية (6) والفكر.
ونحو ذلك إخبار الله عز وجل أنه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وأن له يمينًا بقوله عز وجل:{وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، وإن له وجهًا بقوله عز وجل:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وقوله:
(1) في الطبقات: (لا يسمع).
(2)
في الطبقات: (عليه).
(3)
في الطبقات: (عنه بقوله).
(4)
في الطبقات: (سقطت كلمة خلافة).
(5)
في الطبقات: (فهو بالله كافر).
(6)
في الطبقات: (ولا بالرواية).
{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وأن له قدمًا بقوله صلى الله عليه وسلم:«حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه» (1) يعني جهنم لقوله صلى الله عليه وسلم، للذي قتل في سبيل الله عز وجل أنه:«لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه» (2) وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الدجال فقال:«إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور» (3).
وإن المؤمنين يرون ربهم
(1) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب: «وتقول هل من مزيد» (8/ 594) ح (4848)، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/ 2187) ح (2848) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
(2)
أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب الكافر يقتل المسلم (6/ 39) ح (2826)، ومسلم كتاب الإمارة باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة (3/ 1504) ح (1890) كلاهما من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
(3)
أخرجه البخاري كتاب الفتن باب ذكر الدجال (13/ 91) ح (7131)، ومسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وصفته (4/ 2248) ح (2933) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وإن له أصبعًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل» (1).
وإن (2) هذه المعاني التي وصف الله عز وجل بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يدرك (3) حقه (4) ذلك بالفكر والدراية (5) ولا يكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه وإن (6) كان الوارد بذلك خبرًا يقوم في الفهم مقام
(1) أخرجه بنحو هذا اللفظ أحمد في المسند (4/ 182)، وابن ماجه في المقدمة باب: فيما أنكرت الجهمية (1/ 72) ح (199) والحاكم في المستدرك (1/ 525)، والآجري في الشريعة ص (317) وابن منده في الرد على الجهمية ص87، جميعهم من حديث النواس بن سمعان قال الحاكم:«صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، وأقره الذهبي في التلخيص، وقال عنه ابن منده:«حديث النواس بن سمعان حديث ثابت رواه الأئمة المشاهير ممن لا يمكن الطعن على واحد منهم» .
(2)
في الطبقات: (فإن).
(3)
في الطبقات: (مما لا يدرك).
(4)
في الطبقات: (حقيقته).
(5)
في الطبقات: (والروية).
(6)
في الطبقات: (فإن كان).