المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الخامس همسات في أذن خطيب الجمعة وتنبيهات ومقتربات] - خطبة الجمعة في الكتاب والسنة

[عبد الرحمن بن محمد الحمد]

الفصل: ‌[الفصل الخامس همسات في أذن خطيب الجمعة وتنبيهات ومقتربات]

[الفصل الخامس همسات في أذن خطيب الجمعة وتنبيهات ومقتربات]

الفصل الخامس

همسات في أذن خطيب الجمعة وتنبيهات ومقتربات أخي الخطيب إن من يقوم بعمل يهدف من ورائه إلى أن يصل إلى شيء ما فاجعل لك هدفا عاليا في خطبتك فأنت تهدف في صعودك المنبر في السنة اثنين وخمسون مرة تقريبا إلى أن تصحح مفاهيم الناس وبخاصة حول معتقداتهم وترشدهم إلى المعتقد الصحيح. وأنت تهدف في صعودك المنبر إلى أن تقرب الناس من ربهم وأن تحبب الدين وأحكامه إليهم، فعليك بما يقوي فيهم الإيمان ويزرع فيهم الخير والنفع والرحمة والشفقة، وأنت تهدف إلى تصحيح أوضاع اجتماعية تعارف عليها الناس وقد يكون الصواب في غيرها فاجتهد في توجيه الناس إلى الصواب، وحذار من السخرية والاستفزاز والإعجاب وسرعة الوصول إلى النتائج.

إنك تهدف إلى إصلاح المجتمع ولن يتأتى هذا العلاج بخطبة أو خطبتين فوطن نفسك على الرفق وحب الخير للناس ونصحهم وتوجيههم في كل قول تقوله.

أخي الخطيب: أحكام الإسلام متفاوتة في أهميتها فأعط كل حكم ما يستحقه من الاهتمام، والحكمة ضالة المؤمن. قال عز وجل:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]

ص: 41

ومن يرد الله به خيرا يفقه في الدين.

أخي الخطيب: سائل نفسك باستمرار ماذا حققت من خطبك المتكررة؟ هل شاركت في تربية المجتمع على الخلق الفاضل والأدب الحسن؟ هل أسهمت في تعليم الناس أمور دينهم؟

إنك تحملت أمانة عظيمة أسأل الله أن يعينك على أدائها وأن يعين جميع المسلمين على أداء ما تحملوه.

أخي الخطيب: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المسلم لأخيه كاليدين تغسل إحداهما الأخرى.

إن اللقاء بين الخطباء المتجاورين والتنسيق فيما بينهم يختصر عليهم الطريق فالتفاهم حول الموضوعات وكيفية طرحها من الأمور المهمة فاحرص على تفهم ما عند الآخرين واستفد من إخوانك وأفدهم واحرص على التواضع وعدم التعالي على السامعين.

فإن من الأمور التي ينبغي على الخطيب أن يفطن لها أن يكون ذا تواضع ينظر إلى الناس بعين الرحمة والشفقة يوقر الكبير ويرحم الصغير، يذكر عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: ما رأيت أكبر مني إلا قلت هو خير مني سبقني إلى الطاعة، ولا رأيت أصغر مني إلا قلت هو خير مني سبقته إلى المعصية.

ص: 42

إن السامعين ينفرون ممن يتعالى عليهم ويظهر أنه أعلا وأرفع منهم، وبالمقابل فإنهم يحبون المتواضعين الذي يحترمون الناس ويرحمونهم فعلى الخطيب الكريم أن يكون قدوة فيما يدعو الناس إليه، وليتذكر قول الشاعر:

وقفت لتذكير ولو كنت منصفا

لذكرت نفسي فهي أحوج للذكرى

إذا لم يكن مني لنفسي واعظ

فيا ليت شعري كيف أفعل في الأخرى

أخي الخطيب: إن إثارة الحمية الدينية لدى السامعين من الأمور الهامة في الخطبة فأعلم:

أن الخطيب الذي يثير السامعين بأسلوبه ويهز مشاعرهم بخطابه ويرجع ما يصيب الناس من المصائب والكوارث والابتلاء إلى ضعف الإيمان وانتهاك ما حرم الله خطيب ناجح، كما أن الخطيب الذي يثير حمية السامعين الدينية ويلفت انتباههم بأن ما يحصل للمسلمين من انحراف وتفرق وشرود عن النهج الصحيح يفرح أعداء الإسلام ويسرهم كثيرا أنه خطيب موفق، وقد قال الله تعالى {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120] وأي سيئة أعظم من تخلخل ارتباط المسلمين بإسلامهم، وأي سيئة أعظم من أن يتفرق المسلمون ويفسد ما بينهم إن هذا مما يبهج الأعداء ويفرحهم وفساد ذات البين هي الحالقة وهي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين. كما

ص: 43

ورد في الحديث، وإليك أيها الخطيب الكريم هذه التنبيهات: -

- إن خطبة الجمعة في بلاد المسلمين ذات أثر عظيم وقد آتت ولا تزال تؤتي ثمارا يانعة ولله الحمد والمنة وكم من الخطباء الأكارم من يكون له تأثير كبير ليس لدى الحاضرين فحسب بل يؤثر على من يستمع إلى خطبه بواسطة الأشرطة المسجلة. وإذا كان إيجابيات للخطباء فإن هناك أمورا سلبية يحسن بالخطباء الأفاضل أن ينتبهوا إليها.

فمن ذلك: -

الإطالة في الخطبة علما أن في المصلين كبار السن وهم قد يضيقون ذرعا بطول الجلوس بسبب بكورهم إلى المساجد وفي المصلين من الضعفاء وأصحاب الحاجات ونحوهم ممن يصعب عليه الجلوس الطويل، علما أن الإطالة في الغالب داعية إلى السآمة والملل، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يطيل في خطبه مخافة أن يسأم الناس وقد يكون بعض المصلين في البرد الشديد أو الحر الشديد فلا بد من مراعاتهم، وإذا أنهى الخطيب الخطبة والناس في شوق إلى حديثه فهذا خير من سآمتهم ومللهم.

2 -

عدم العناية باللغة العربية، فمن العيوب المستهجنة لدى العلماء اللحن، وعلاجه التعرف على اللغة العربية وقراءة الخطبة قبل إلقائها أكثر من مرة وضبط الحروف التي تحتاج إلى ضبط بالشكل.

ص: 44

يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا الفرائض واللحن أي - اللغة والنحو - فإنه من دينكم (1) .

3 -

التركيز على السلبيات عند المصلين وكثرة الحديث حولها:

إن ترديد السلبيات وتكرارها يحطم جوانب الأمل لدى الفرد السامع حيث يتصور نفسه أنه كتلة من الأخطاء والعيوب والنقص وقد تكون نظرته إلى الخطيب الذي يسمع خطبته نظرة غير مقبولة فينصرف عن سماع ما يقول ولا يحاول الاستفادة، ولقد جاءت النصوص الشرعية ناهية عن اليأس والقنوط والتيئيس والتنقنيط وآمرة بالتيسير والتبشير.

إن التنبيه على الأخطاء والعيوب مطلوب ولكن ليكن بطريقة لبقة لا سخرية فيها ولا استفزاز، ويذكر عن الحسن والحسين ابني على بن أبي طالب رضي الله عنهم أنهما رأيا أعرابيا وهو لا يحسن وضوءه فأراد أن يعلماه الوضوء ولكنهما خشيا من إحراجه فقالا: لقد اختلفنا في كيفية الوضوء ونريدك أن تحكم بيننا، فقال: توضأ أمامي، فتوضأ أمامه وضوءا صحيحا فعرف الهدف وقال: كلاكما أحسن وضوءا مني، وهكذا استطاعا بذكائهما أن يعلماه الوضوء الصحيح من غير أن يحتقر نفسه أو يزدريها بإحراجهما له.

(1) محمد بن عبد الله الدويش (حتى تستفيد من خطبة الجمعة) مجلة البيان عدد 66 - ص11.

ص: 45

4 -

ومن السلبيات: البعد عن تفهم أحوال الناس وما هم فيه:

فقد يكون الخطيب في واد والسامعون في واد آخر، إن من الجميل جدا أن يتعرف الخطيب على مجتمعه وما يدور فيه، وأن يتحدث الحديث في مناسبته فلكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث.

5 -

الاقتصار على بعض الجوانب في الإسلام حيث يكون الخطيب ذا اهتمام بشيء معين مثلا بحيث يكثر الحديث حوله دائما وأبدا، وقد يكون الخطيب موظفا فيتأثر بعمله الوظيفي وقد تجد مدرسا خطيبا فيكثر في خطبه عن الامتحانات والأجازات وبداية العام أو الفصل ونهايتهما، وقد يكون الخطيب من المحتسبين فتجد أن خطبه تدور حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضرورة تطهير المجتمع من المنكرات المتفشية، وقد يكون للخطيب اهتمام جهادي فترى معظم خطبه تدور حول الجهاد وأهميته وضرورة مساعدة المجاهدين، وقد يكون الخطيب ميالا إلى الوعظ فترى خطبه تدور حول المواعظ لا يتجاوزها إلى غيرها وهكذا.

ولا شك أن هذه الجوانب مطلوبة ولكن لا تكون على حساب الجوانب الأخرى فكل شيء يقدره بقدره وكل حدث يعطي الاهتمام اللائق به، وكل الجوانب في الإسلام ينبغي أن يعتني بها حسب أهميتها على أن لا يكون بعضها على حساب البعض الآخر.

ص: 46

6 -

ومن السلبيات تجريح الناس وتفسيقهم ووصفهم بالخطأ:

إن مما لا شك فيه أن النفوس تشمئز من النيل من الأشخاص المعينين وأن الولوغ في أعراض الناس أمر قبيح لا يقره من عنده دين أو خلق، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى من أحد شيئا يكره يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.

إن التلميح يغني عن التصريح وإن الإشارة تغني عن العبارة، وإن آداب الإسلام يجب أن يراعيها المسلمون لا سيما من يعلون المنابر فهم أولى بتطبيق تعاليم الشريعة.

والتخطئة العلنية كذلك تعتبر غير مقبولة فقد يخطئ ذو منصب أو ذو علم فلا يكون الخطأ مادة يتخذها الخطيب للنيل من هذا أو ذاك.

7 -

الاهتمام بالخطبة الثانية:

الخطبة الثانية ينبغي على الخطيب الاهتمام بها مثلما يهتم بالخطبة الأولى فلا يقتصر على شيء معين لا يزيد فيه ولا ينقص منه فإن ذلك مدعاة للملل، وله أن يجعل الثانية امتدادا لموضوع الأولى كما أن له أن يجعل الأولى تهتم بموضوع معين والثانية يجعلها علاجا لمشكلة معينة أو توضيحا لمسألة فقهية أو حديثا عن أحوال

ص: 47

المسلمين وما يتجدد في المجتمع الإسلامي مما هو بحاجة إلى طرق وبيان وتوضيح.

فمن المستحسن أن يغير الخطيب في نمط الخطبة الثانية فتارة يجعل الثانية مكملة للأولى وتارة يتحدث في الثانية عن مسألة فقهية أو يتحدث عن بعض أحوال المسلمين مما يحتاج إلى معالجة ونحو ذلك.

لأن التغيير ضمن الحدود الشرعية أدعى لتقبل الناس وارتياحهم وشعورهم بأن خطيبهم حريص على إفادتهم فوائد متنوعة (1) .

(1) محمد بن عبد الله الدويش (حتى نستفيد من خطبة الجمعة) مجلة البيان عدد 66 - ص11.

ص: 48