الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 -
وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن يساف:
أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعًا ولا يصح،
قاله أبو بكر بن العربي المالكي (1)(الفاتحة: 7)
18 -
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول: آمين، فأكثروا من قول: "آمين"
وفي إسناده طلحة بن عمرو، وهو ضعيف. (2) (الفاتحة: 7)
سورة البقرة
19 -
وقد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير، وفيه ضعف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكل شيء سنام، وإن سَنَام القرآن البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي ". (3)(البقرة)
20 -
عن جرير بن زيد: أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح، قال:" فلعله قرأ سورة البقرة ". قال: فسئل ثابت، فقال: قرأت سورة البقرة.
وهذا إسناد جيد، إلا أن فيه إبهاما، ثم هو مرسل، والله أعلم. (4)(البقرة)
(1) سنن النسائي الكبرى برقم (10825)، وسنن ابن ماجة برقم (2117) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 150):"هذا فيه الأجلح بن عبد الله، مختلف فيه".
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه (857) والحديث ضعيف جدا؛ لاتفاقهم على ضعف طلحة بن عمرو. قال الألباني: وهو ثابت دون " فأكثروا
…
" انظر الصحيحة (691).
(3)
أخرجه الترمذي في سننه (2878) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير. وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه).وضعفه الألباني، انظر الضعيفة (1348).
(4)
وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح (9 - 57) لأبي داود وقال: (من طرق مرسلة).
21 -
عن سعيد بن جبير، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان - أو كتب - من القانتين. (1)
فيه انقطاع، ولكن ثبت في الصحيحين (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعة واحدة. (البقرة)
22 -
عن واثلة بن الأسقع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أعطيت السبع الطُّوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصّل ".
هذا حديث غريب، وسعيد بن بشير، فيه لين. وقد رواه أبو عبيد أيضا، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن سعيد بن أبي هلال، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكره، والله أعلم. (البقرة)
23 -
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أخذ السبع فهو حَبْر".
وهذا أيضًا غريب، وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي، روى عنه عمرو بن أبي عمرو وعبد الله بن أبي بكرة، وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحا، فالله أعلم.
وقد رواه الإمام أحمد، عن سليمان بن داود، وحسين، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر، به. ورواه - أيضًا - عن أبي سعيد، عن سليمان بن بلال، عن حبيب بن هند، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أخذ السبع الأوَل من القرآن فهو حَبْر ". (3)
(1) سنده ضعيف ومنقطع؛ لضعف وقاء بن إياس، وسعيد بن جبير لم يدرك عمر.
(2)
في بعض الأصول (الصحيح) والحديث أخرجه مسلم فقط.
(3)
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة "(5/ 385): (فالحديث حسن أو قريب منه. والله أعلم.
(فائدة): المقصود من (السبع الأول): السور السبع الطوال من أول القرآن، وهي مع عدد آياتها:
1 -
البقرة (286)، 2 - آل عمران (200)، 3 - النساء (176)، 4 - المائدة (120)، 5 - الأنعام (165)، 6 - الأعراف (206)، 7 - التوبة (129)).
قال أحمد: وحدثنا حسين، حدثنا ابن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قال عبد الله بن أحمد: وهذا أرى فيه، عن أبيه، عن الأعرج، ولكن كذا كان في الكتاب فلا أدري، أغفله أبي، أوكذا هو مرسل. (البقرة)
24 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا: سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله، ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها آل عمران، وكذا القرآن كله ". (1)
هذا حديث غريب لا يصح رفعه، وعبيس بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص، وهو ضعيف الرواية، لا يحتج به. وقد ثبت في الصحيحين، عن ابن مسعود: أنه رمى الجمرة من بطن الوادي، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. أخرجاه. (البقرة)
25 -
وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب المغازي، حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب، قال: مر أبو ياسر بن أخطب، في رجال من يهود، برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال: تعلمون - والله - لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله عليه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 362): (رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبيس بن ميمون وهو متروك)، قال الحافظ في " الفتح " (9/ 88):(في سنده عبيس بن ميمون العطار وهو ضعيف). وقال الذهبي في السير (8/ 277): (قال أحمد: له أحاديث منكرة. وقال ابن معين: متروك. وقال أيضا: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ترك. قلت: له في ابن ماجه حديث واحد). وهذا القول (لا تقولوا سورة البقرة ....) منسوب إلى الحجاج بن يوسف.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقالوا: يا محمد، ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك:{الم * ذلك الكتاب} ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى". فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: "نعم". قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام حيي بن أخطب، وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي، إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، هل مع هذا غيره؟ فقال:"نعم"، قال: ما ذاك؟ قال: "المص"، قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد سبعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال:"نعم" قال: ما ذاك؟ قال: "الر". قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان. فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة.
فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: "نعم"، قال: ماذا؟ قال: "المر". قال: فهذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان، ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد، حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا. ثم قال: قوموا عنه. ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب، ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم؟ لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين. فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم:{هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].
فهذاالحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحًا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأتم وأعظم. والله أعلم. (1) (البقرة: 1)
(1) رواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 208) والطبري في تفسيره، وأطال الشيخ أحمد شاكر في نقده (1/ 218 - 220).
26 -
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ ". قالوا: الملائكة. قال: "وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ ". قالوا: فالنبيون. قال: "وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ ". قالوا: فنحن. قال: "وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ". قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن أعجب الخلق إليّ إيمانا لَقَوْمٌ يكونون من بعدكم يَجدونَ صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها". (1)
قال أبو حاتم الرازي: المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث.
قلت: ولكن قد روى أبو يعلى في مسنده، وابن مردويه في تفسيره، والحاكم في مستدركه، من حديث محمد بن أبي حميد، وفيه ضعف، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله أو نحوه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (2) وقد روي نحوه عن أنس بن مالك مرفوعًا (3)، والله أعلم (البقرة: 3)
27 -
عن جعفر بن محمود، عن جدته تويلة بنت أسلم، قالت: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلينا سجدتين، ثم جاءنا من يخبرنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام، فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلون البيت الحرام.
قال إبراهيم: فحدثني رجال من بني حارثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك قال: "أولئك قوم آمنوا بالغيب". (4)
هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 3)
28 -
قال [القرطبي]: وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مؤذ في
(1) جزء الحسن بن عرفة برقم (19).
(2)
مسند أبي يعلى (1/ 147)، والحاكم في المستدرك (4/ 85)، وتعقبه الذهبي وقال:(بل ضعفوه).
(3)
رواه البزار في مسنده (2840)(كشف الأستار) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس رضى الله عنه، وقال:(غريب من حديث أنس).
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 36) وفي إسناده إسحق بن إدريس قال البخاري: "تركه الناس". وقال ابن معين: "يضع الحديث". ورواه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 207) من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه به نحوه.
النار" (1) وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف ثم قال القرطبي: وقد فسر بمعنيين، أحدهما: أن كل من آذى الناس دخل النار، والآخر: كل ما يؤذي فهو في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك. (البقرة: 24)
29 -
عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال: "من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق". (2) هذا حديث غريب.
وقد رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وهذا الذي ادعاه فيه نظر؛ فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البُسْتي: لا يجوز الاحتجاج به.
قلت: والأظهر أن هذا من كلام قتادة، كما تقدم، والله أعلم. (3) (البقرة: 25)
30 -
وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير - أيضًا - من رواية ابن جُرَيج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل". (4) وهذا الحديث من غرائب
(1) قال الألباني في الضعيفةح (4233): (موضوع: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 299) عن المفيد عن الأشج، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به مرفوعًا. قلت: وهذا إسناد باطل؛ الأشج هذا هو أبو الدنيا عثمان بن الخطاب البلوي المغربي؛ قال الذهبي: "كذاب، طرقي، كان بعد الثلاثمائة، وادعى السماع من علي بن أبي طالب، حدث عنه محمد بن أحمد المفيد" ..... والمفيد؛ أحد الضعفاء؛ كما قال الحافظ).
(2)
ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (363) من طريق عبد الله بن محمد بن يعقوب عن محمد بن عبيد به.
(3)
قال الحافظ في الفتح (6/ 320): (لا يصح إسناده).
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 103) وصحيح مسلم برقم (2789) وسنن النسائي الكبرى برقم (11010).
صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي. (1) (البقرة: 29)
31 -
عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دُحِيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة، فقال الله: إني جاعل في الأرض خليفة، يعني مكة". (2)
وهذا مرسل، وفي سنده ضعف، وفيه مُدْرَج، وهو أن المراد بالأرض مكة، والله أعلم، فإن الظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك. (البقرة: 30)
32 -
وقال ابن أبي حاتم:
…
عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول: السّجِلّ ملك، وكان هاروت وماروت من أعوانه، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور، فأسَر ذلك إلى هاروت وماروت، وكانا من أعوانه، فلما قال تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} قالا ذلك استطالة على الملائكة.
وهذا أثر غريب. وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الباقر، فهو نقله عن أهل الكتاب، وفيه نكارة توجب رده، والله أعلم. ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط، وهو خلاف السياق. (البقرة: 30)
وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم - أيضًا -
…
عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: إن الملائكة الذين قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} كانوا عشرة آلاف، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم.
(1) الأسماء والصفات (ص276) وللعلامة عبد الرحمن المعلمي كلام متين في تصحيح هذا الحديث ورد الشبه عنه في كتابه "الأنوار الكاشفة"(ص185 - 190)، وكذلك الحويني في تحقيقه لابن كثير (2/ 229 - 233).
(2)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 108)، تفسير الطبري (1/ 448)، وقال أحمد شاكر في الحاشية:(.. أما إرساله: فإن"عبد الرحمن بن سابط": تابعي، وهو ثقة، ولكنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم يدرك كبار الصحابة، كعمر وسعد ومعاذ وغيرهم).
وهذا - أيضًا - إسرائيلي منكر كالذي قبله، والله أعلم. (البقرة: 30)
33 -
عن ابن عباس قال: كان إبليس من حَيّ من أحياء الملائكة يقال لهم: الجِنّ، خلقوا من نار السموم، من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، وكان خازنا من خزان الجنة، قال: وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي، قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت قال: وخلق الإنسان من طين. فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، وقتل بعضهم بعضا. قال: فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة - وهم هذا الحي الذي يقال لهم: الجنّ - فقتلهم إبليس ومن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، فلما فعل إبليس ذلك اغتَرّ في نفسه، فقال: قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد. قال: فاطلع الله على ذلك من قلبه، ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه، فقال الله تعالى للملائكة الذين معه:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} فقالت الملائكة مجيبين له: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} كما أفسدت الجن وسفكت الدماء، وإنما بعثتنا عليهم لذلك؟ فقال:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} يقول: إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره، قال: ثم أمر بتربة آدم فرفعت، فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب: اللزج الصلب من حمإ مسنون منتن، وإنما كان حَمَأ مسنونا بعد التراب. فخلق منه آدم بيده، قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى. فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله، فيصلصل، أي فيصوت. قال: فهو قول الله تعالى: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] يقول: كالشيء المنفرج الذي ليس بمُصْمَت. (1)
قال: ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره، ويدخل من دبره، ويخرج من فيه. ثم يقول: لست شيئا - للصلصلة - ولشيء ما خلقت، ولئن سُلِّطْتُ عليك لأهلكنك، ولئن سُلِّطْتُ علي لأعْصيَنَّك. قال: فلما نفخ الله فيه من
(1) قال أحمد شاكر في حاشية الطبري (1/ 456): (المصمت: الذي لا جوف له، وكل ذي جوف إذ قرع صوت، أما المصمت فهو صامت لا صوت له. فمن الصمت أخذوه).
روحه، أتت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحمًا ودمًا، فلما انتهت النفخة إلى سُرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول الله تعالى:{وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا} قال: ضجر لا صبر له على سراء ولا ضراء. قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس، فقال:"الحمد لله رب العالمين" بإلهام الله. فقال الله له: "يرحمك الله يا آدم ". قال ثم قال الله تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات: اسجدوا لآدم. فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر، لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار. فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا، خلقتني من نار وخلقته من طين. يقول: إن النار أقوى من الطين. قال: فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله، أي: آيسه من الخير كله، وجعله شيطانا رجيما عُقُوبة لمعصيته، ثم عَلَّم آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة، يعني: الملائكة الذين كانوا مع إبليس، الذين خلقوا من نار السموم، وقال لهم:{أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إن كنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة.
قال: فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب، الذي لا يعلمه غيره، الذي ليس لهم به علم قالوا: سبحانك، تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، وتبنا إليك {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} تبريا منهم من علم الغيب، إلا ما علمتنا كما علمت آدم، فقال:{يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} يقول: أخبرهم بأسمائهم {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ} يقول: أخبرهم {بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} أيها الملائكة خاصة {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ولا يعلم غيري {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} يقول: ما تظهرون {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني: ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار. (1)
هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر، يطول مناقشتها، وهذا الإسناد إلى ابن
(1) تفسير الطبري (1/ 455).
عباس يروى به تفسير مشهور.
وقال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرّة، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش، فجعل إبليس على مُلْك السماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم: الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة، وكان إبليس مع مُلْكه خازنا، فوقع في صدره كبر وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة. فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه. فقال الله للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} قالوا: ربنا، وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. قالوا: ربنا، {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} يعني: من شأن إبليس. فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تَقْبض مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ، وقال: رب مني عاذت بك فأعذتُها، فبعث ميكائيل، فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل، فبعث مَلَك الموت فعاذت منه. فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخَلَطَ ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فَصعِد به فَبَلَّ التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض - ثم قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72] فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، ليقول له: تتكبر عما عملت بيدي، ولم أتكبر أنا عنه.
فخلقه بشرا، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم فزعا منه إبليس، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة. فذلك حين يقول:{مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] ويقول: لأمر ما خُلقت. ودخل من فيه فخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صَمَدٌ وهذا أجوف. لئن سلطت عليه لأهلكنه، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ
فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه، عَطِسَ، فقالت الملائكة: قل: الحمد لله. فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة. فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول تعالى:{خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 30، 31] أبى واستكبر وكان من الكافرين. قال الله له: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟ قال: أنا خير منه، لم أكن لأسجد لمن خلقته من طين. قال الله له: اخرج منها فما يكون لك، يعني: ما ينبغي لك {أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف: 13] والصغار: هو الذل.
قال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} ثم عرض الخلق على الملائكة {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} قال الله:{يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال: قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} فهذا الذي أبدوا "وأعلم ما تكتمون" يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.
فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السُّدِّي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مُدْرَج ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة. والله أعلم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء، ويقول: هو على شرط البخاري. (البقرة: 34)
34 -
عن ابن عباس، قال: إن الله خلق خلقا، فقال: اسجدوا لآدم. فقالوا: لا نفعل. فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق خلقا آخر، فقال: "إني خالق بشرا من طين، اسجدوا لآدم. قال: فأبوا. فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق هؤلاء، فقال: اسجدوا لآدم، قالوا: نعم. وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم. وهذا غريب، ولا يكاد يصح إسناده، فإن فيه رجلا مبهما، ومثله لا يحتج به،
والله أعلم. (البقرة: 34)
35 -
عن قتادة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما ذاق آدم من الشجرة فَرَّ هاربا؛ فتعلقت شجرة بشعره، فنودي: يا آدم، أفِرارًا مني؟ قال: بل حَيَاء منك، قال: يا آدم اخرج من جواري؛ فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مِثْلَك ملء الأرض خَلْقًا ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين". (1)
هذا حديث غريب، وفيه انقطاع، بل إعضال بين قتادة وأبي بن كعب رضي الله عنهما. (البقرة: 36)
36 -
وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثا شبيهًا بهذا فقال:
…
عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال آدم، عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبتُ ورجعتُ، أعائدي إلى الجنة؟ قال: نعم. فذلك قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع. (2)(البقرة: 37)
37 -
فأما حديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئًا من القرآن فأهدى له قوسًا، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله" فتركه، رواه أبو داود (3) وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعًا (4) فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم: أبو عمر بن عبد البر على أنه لما علمه الله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة، والله أعلم. (البقرة: 41)
38 -
عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل العالم الذي يعلم
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 130)
(2)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 135). قال الحافظ ابن كثير: (وهذا منقطع بين الحسن وأُبيّ بن كعب، فلم يسمعه منه، وفي رفعه نظر أيضًا). انظر تفسير سورة طه: الآية (121).
(3)
سنن أبي داود برقم (3416).
(4)
رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 125) من طريق عبد الرحمن بن أبي مسلم، عن عطية بن قيس، عن أبي بن كعب رضي الله عنه به مرفوعا، وهو منقطع.
الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه". (1)
هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 44)
39 -
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال، أو دعا إليه". (2)
إسناده فيه ضعف. (البقرة: 44)
40 -
عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء ". (3) وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيدا العَمِّيّ فيه ضعف، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه. (البقرة: 50)
41 -
وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره، من طريق آخر، عن أبي هريرة، فقال: حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد البصري، حدثنا أسلم بن سهل، حدثنا القاسم بن عيسى، حدثنا طلحة بن عبد الرحمن، عن قتادة عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وطلحة بن عبد الرحمن هذا سلمي واسطي، يكنى بأبي
محمد، وقيل: أبو سليمان المؤدب قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي: روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها. (4)
ثم قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة: أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم".
وهذا الحديث قد رواه
(1) قال ابن أبي حاتم (علل الحديث برقم (1868): سألت أبي عنه فقال: (قَالَ أَبِي: لا يشبه هَذَا الْحَدِيث حَدِيث الأَعْمَش، لأن الأَعْمَش لم يرو عَنْ أَبِي تميمة شيئا، وهو بأبي إِسْحَاق أشبه). (يراجع)
(2)
ورواه أبو نعيم في الحلية (2/ 7) من طريق الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 276):"فيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات".
(3)
مسند أبي يعلى (7/ 133). قال الهيثمي في المجمع (3/ 433): (رواه أبو يعلى وفيه يزيد الرقاشي وفيه كلام وقد وثق)، والصواب أنه ضعيف كما ذكر ابن كثير.
(4)
الكامل لابن عدي (4/ 114).
النسائي، عن محمد بن بشار، به. (1) وعنه، عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، به. (2) وعن محمد بن بشار، عن عبد الأعلى، عن خالد الحذاء، عن شهر بن حوشب. بقصة الكمأة فقط. (3)
وروى النسائي - أيضا - وابن ماجه من حديث محمد بن بشار، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مطر الوراق، عن شهر: بقصة العجوة عند النسائي، وبالقصتين عند ابن ماجه. (4)
وهذه الطريق منقطعة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمعه منه، بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه، عن علي بن الحسين الدرهمي عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون الكمأة، وبعضهم يقول جدري الأرض، فقال:"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". (5)
وروي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن شهر بن حوشب، عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري، قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم". (6)
قال النسائي في الوليمة أيضا: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد وجابر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". ثم رواه - أيضا -، وابن ماجه من طرق، عن
(1) هو في سنن النسائي الكبرى برقم (6671) عن نصير بن الفرج، عن معاذ بن هشام به، ولم أقع عليه عن محمد بن بشار، وقد ذكره المزي عن محمد بن بشار في تحفة الأشراف (10/ 112).
(2)
سنن النسائي الكبرى برقم (6673).
(3)
سنن النسائي الكبرى برقم (6672).
(4)
سنن ابن ماجة برقم (3400).
(5)
سنن النسائي الكبرى برقم (6670).
(6)
المسند (3/ 48).
الأعمش، عن أبي بشر، عن شهر، عنهما، به. (1)
وقد رويا - أعني النسائي وابن ماجه - من حديث سعيد بن مسلم كلاهما عن الأعمش، عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، زاد النسائي: وحديث جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".
ورواه ابن مردويه، عن أحمد بن عثمان، عن عباس الدوري، عن لاحق بن صواب عن عمار بن رزيق عن الأعمش، كابن ماجه.
وقال ابن مردويه أيضا: حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا عباس الدوري، حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كمآت، فقال:"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".
وأخرجه النسائي، عن عمرو بن منصور، عن الحسن بن الربيع ثم رواه ابن مردويه. رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام، عن عبيد الله بن موسى، عن شيبان عن الأعمش به، وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم، عن عبيد الله بن موسى به.
وقد روى من حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه كما قال ابن مردويه:
حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا حمدون بن أحمد، حدثنا حوثرة بن أشرس، حدثنا حماد، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدارؤوا في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فقال بعضهم: نحسبه الكمأة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم".
وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة. وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئاً من هذا، والله أعلم. (2)
[وقد] روي عن شهر، عن ابن عباس، كما رواه النسائي - أيضًا - في الوليمة، عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد، عن عبد الله بن عون الخَرّاز، عن أبي عبيدة الحداد، عن عبد الجليل بن عطية، عن شهر، عن عبد الله بن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".
فقد
(1) سنن ابن ماجة برقم (3453) ولم أقع عليه في سنن النسائي الكبرى المطبوعة.
(2)
سنن الترمذي برقم (3119)، وسنن النسائي الكبرى برقم (11262).
اختلف - كما ترى فيه - على شهر بن حوشب، ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها، وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم، فإن الأسانيد إليه جيدة، وهو لا يتعمد الكذب، وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم من رواية سعيد بن زيد. (البقرة: 57)
42 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن بني إسرائيل قالوا: {وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} لما أعطوا، ولكن استثنوا". (1)
ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر، عن سرور بن المغيرة، عن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن حديث أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن بني إسرائيل قالوا: {وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} ما أعطوا أبدًا، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوا لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا، فشدد الله عليهم". (2)
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة، كما تقدم مثله عن السدي، والله أعلم. (3) (البقرة: 70)
43 -
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي".
رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه، عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، صاحب الإمام أحمد، به. ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب، به، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم. (4)(البقرة: 74)
44 -
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 223). وضعفه الألباني في الضعيفة ح (1652).
(2)
قال الحافظ ابن حجر: (فيه عباد بن منصور وهو ضعيف).
(3)
ورد عن ابن عباس موقوفا عليه بإسناد صحيح كما قال ابن كثير (1/ 301).
(4)
سنن الترمذي برقم (2411)، وضعفه الألباني في الضعيفةح (920)، وأورده الإمام مالك في الموطأ (2/ 986) بلاغًا عن عيسى عليه السلام. وهذا هو اللائق بمثل هذا الكلام أن يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه الصلاة والسلام، وليس من حديث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال عنه الألباني: أثر ضعيف كما في ضعيف الترغيب ح (1719).
عمرو بن الحارث، عن دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ويل واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره".
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دراج، به. (1) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
قلت: لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الآفة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد - مرفوعًا - منكر، والله أعلم. (2) (البقرة: 79)
45 -
عن عثمان بن عفان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} قال: "الويل جبل في النار. وهو الذي أنزل في اليهود؛ لأنهم حَرَّفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة. ولذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة، فقال:{فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} . (3) وهذا غريب أيضا جدًا. (البقرة: 79)
46 -
عن الشعبي، قال: نزل عمر الروحاء، فرأى رجالا يبتدرون أحجارًا يصلون إليها، فقال: ما بال هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى هاهنا. قال: فكفر ذلك. وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل، فتركه. ثم أنشأ يحدثهم، فقال: كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة؟ فبينما أنا عندهم ذات يوم، قالوا: يا ابن الخطاب، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تغشانا وتأتينا. فقلت: إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 243)،وسنن الترمذي برقم (3164).وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ح (617)، وضعيف الجامع ح (6148).
(2)
قال الحافظ ابن كثير عن هذا الحديث في تفسير سورة المدثر الآية (17): وفيه غرابة ونكارة، وقال أيضا في تفسير سورة المعارج الآية (19): ولا يصح، وقال في سورة المرسلات الآية (15): وقد قدمنا في الحديث أن "ويل": واد في جهنم. ولا يصح.
(3)
تفسير الطبري (2/ 268). قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري: (فهذا الحديث لا أظنه مما يقوم إسناده).
تصدق الفرقان. قال: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به، قال: فقلت لهم عند ذلك: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه: أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. فقال لهم عالمهم وكبيرهم: إنه قد غَلَّظ عليكم فأجيبوه. فقالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت. قال: أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله، قال: قلت: ويحكم فأنَّي هلكتم؟! قالوا إنا لم نهلك [قال]: قلت: كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله [ثم] ولا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة وسِلْمًا من الملائكة، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل، وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل مَلَك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا.
قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما عز وجل؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. قال: قلت: فو [الله] الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خَوْخة لبني فلان، فقال: يا ابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نزلن قبل؟ " فقرأ عليّ:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حتى قرأ هذه الآيات. قال: قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر. (1)
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، أنبأنا عامر، قال: انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود، فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى: هل تجدون محمدًا في
(1) تفسير الطبري (2/ 382). وقال أحمد شاكر: (وهذا مرسل أيضا .... الشعبي: هو عامر بن شراحيل الهمداني، إمام جليل الشأن، من كبار التابعين. ولكنه لم يدرك عمر، كما قال ابن كثير. فإنه ولد سنة 19، أو سنة 20).
كتبكم؟ قالوا: نعم. قال: فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولا إلا جعل له من الملائكة كفْلا وإن جبريل كَفَل محمَّدًا، وهو الذي يأتيه، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا؛ لو كان ميكائيل هو الذي يأتيه أسلمنا. قال: فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى: ما منزلتهما من رب العالمين؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله. قال عمر. وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل. فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب: فقام إليه عمر، فأتاه، وقد أنزل الله، عز وجل، عليه:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} . (1)
وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر، فإنه لم يدرك وفاته، والله أعلم.
وقال ابن جرير:
…
عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود. فلما أبصروه رحبوا به، فقال لهم عمر: أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه. فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يُطلع محمدًا على سرنا، وإذا جاء جاء الحرب والسَّنَة، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء الخصب والسلم. فقال لهم عمر: هل تعرفون جبريل وتنكرون محمدًا صلى الله عليه وسلم؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم،
ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} . (2)
ثم قال:
…
عن قتادة، قال: بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يومًا، فذكر نحوه. وهذا - أيضًا - منقطع، وكذلك رواه أسباط، عن السدي، عن عمر مثل هذا أو نحوه، وهو منقطع أيضًا. (البقرة: 98)
47 -
ذكر الحديث الوارد في ذلك - إن صح سنده ورفعه - وبيان الكلام عليه:
قال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، في مسنده:
…
عن عبد الله بن عمر: أنه سمع نبي
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 290).
(2)
تفسير الطبري (2/ 383).
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، قالوا: ربنا، نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة: هَلُموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: برَبِّنا، هاروتَ وماروتَ. فأهبطا إلى الأرض ومثُلت لهما الزُّهَرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك. فقالا والله لا نشرك بالله شيئًا أبدًا. فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فقالا لا والله لا نقتله أبدًا. ثم ذهبت فرجعت بقَدَح خَمْر تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر. فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي. فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا أبيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرَا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا".
وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، عن الحسن عن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن بكير، به. (1)
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين، إلا موسى بن جبير هذا، وهو الأنصاري السلمي مولاهم المديني الحذاء، رَوَى عن ابن عباس وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، ونافع، وعبد الله بن كعب بن مالك. وروى عنه ابنه عبد السلام، وبكر بن مضر، وزهير بن محمد، وسعيد بن سلمة، وعبد الله بن لَهِيعة، وعمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب. وروى له أبو داود، وابن ماجه، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل، ولم يحك فيه شيئًا من هذا فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروي له متابع من وجه آخر عن نافع، كما قال ابن مَرْدُويه: حدثنا دَعْلَجُ بن أحمد، حدثنا هشام [بن علي بن هشام] حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا سعيد بن سلمة، حدثنا موسى بن سَرْجِس، عن نافع، عن ابن عمر:
(1) المسند (2/ 134) وصحيح ابن حبان برقم (717)"موارد". وقال الألباني في الضعيفة ح (170): (باطل مرفوعا).
سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره بطوله.
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين - وهو سنيد بن داود صاحب التفسير - حدثنا الفرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن نافع، قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل قال: يا نافع، انظر، طلعت الحمراء؟ قلت: لا - مرتين أو ثلاثًا - ثم قلت: قد طلعت. قال: لا مرحبًا بها ولا أهلا؟ قلت: سبحان الله! نجم مسخر سامع مطيع. قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة قالت: يا رب، كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم. قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك. قال: فاختاروا ملكين منكم. قال: فلم يألوا جهدًا أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت".
وهذان - أيضاً - غريبان جدًّا. وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عبد الرزاق في تفسيره، عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب، قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم، وما يأتون من الذنوب، فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت. فقال لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكم رسول، انزلا لا تشركا بي شيئًا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر. قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه.
ورواه ابن جرير من طريقين، عن عبد الرزاق، به.
ورواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن عصام، عن مُؤَمَّل، عن سفيان الثوري، به.
ورواه ابن جرير أيضًا: حدثني المثنى، حدثنا المعلى - وهو ابن أسد - حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن موسى بن عقبة، حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث، عن كعب الأحبار، فذكره.
فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع. فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار، عن كتب بني إسرائيل، والله
أعلم. (1)(البقرة: 102)
48 -
عن عمير بن سعيد، قال: سمعت عليًا، رضي الله عنه، يقول: كانت الزُّهَرة امرأة جميلة من أهل فارس، وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت، فراوداها عن نفسها، فأبت عليهما إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكَلَّم [المتكلم] به يُعْرج به إلى السماء. فعلماها فتكلمت به فعرجت إلى السماء. فمسخت كوكبًا!
وهذا الإسناد رجاله ثقات، وهو غريب جداً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الفضل بن شاذان، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا أبو معاوية، عن [ابن أبي] خالد، عن عمير بن سعيد، عن علي قال: هما ملكان من ملائكة السماء. يعني: {وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} . (2)
ورواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسيره بسنده، عن مغيث، عن مولاه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي - مرفوعًا. وهذا لا يثبت من هذا الوجه.
ثم رواه من طريقين آخرين، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الزّهَرة، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت". (3)
وهذا أيضًا لا يصح وهو منكر جدًا. والله أعلم. (البقرة: 102)
49 -
عن مجاهد، قال: كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر، هل طلعت الحمراء، لا مرحبًا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي
(1) وقال الألباني في الضعيفة ح (170): (وعلق عليه الشيخ رشيد رضا رحمه الله بقوله: من المحقق أن هذه القصةلم تذكر في كتبهم المقدسة، فإن لم تكن وضعت في زمن روايتها فهي في كتبهم الخرافية، ورحم الله ابن كثير الذي بين لنا أن الحكاية خرافة إسرائيلية وأن الحديث المرفوع لا يثبت. قلت: وقد استنكره جماعة من الأئمة المتقدمين، فقد روى حنبل الحديث من طريق أحمد ثم قال: قال أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد): هذا منكر، وإنما يروى عن كعب، ذكره في " منتخب ابن قدامة "(11/ 213)، وقال ابن أبي حاتم في" العلل " (2/ 69 - 70): سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر.
قلت: ومما يؤيد بطلان رفع الحديث من طريق ابن عمر أن سعيد بن جبير ومجاهدا روياه عن ابن عمر موقوفا عليه كما في " الدر المنثور " للسيوطي (1/ 97 - 98)).
(2)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 303).
(3)
قال الألباني في الضعيفةح (913): (موضوع
…
وآفته جابر وهو ابن يزيد الجعفي وهو متهم بالكذب، وكان يؤمن برجعة علي ويقول: إنه دابة الأرض المذكورة في القرآن!)
صاحبة الملكين. قالت الملائكة: يا رب، كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك ويفسدون في الأرض! قال: إني ابتليتهم، فعلَّ إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون. قالوا: لا. قال: فاختاروا من خياركم اثنين. فاختاروا هاروت وماروت. فقال لهما: إني مهبطكما إلى الأرض، وعاهد إليكما ألا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا. فأهبطا إلى الأرض وألقي عليهما الشَّبَق، وأهبطت لهما الزُّهَرة في أحسن صورة امرأة، فتعرضت لهما، فراوداها عن نفسها. فقالت: إني على دين لا يصح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله. قالا وما دينك؟ قالت: المجوسية. قالا الشرك! هذا شيء لا نقر به. فمكثت عنهما ما شاء الله. ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها. فقالت: ما شئتما، غير أن لي زوجًا، وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح، فإن أقررتما لي بديني، وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت. فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان، ثم صعدا بها إلى السماء. فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما، وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين يبكيان، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب. فقالا لو أتينا فلانًا فسألناه فطلب لنا التوبة فأتياه، فقال: رحمكما الله كيف يطلب التوبة أهل الأرض لأهل السماء! قالا إنا قد ابتلينا. قال: ائتياني يوم الجمعة. فأتياه، فقال: ما أجبت فيكما بشيء، ائتياني في الجمعة الثانية. فأتياه، فقال: اختارا، فقد خيرتما، إن أحببتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله. فقال أحدهما: إن الدنيا لم يمض منها إلا القليل.
وقال الآخر: ويحك؟ إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن، إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى. وإننا يوم القيامة على حكم الله، فأخاف أن يعذبنا. قال: لا إني أرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة لا يجمعهما علينا. قال: فاختارا عذاب الدنيا، فجعلا في بكرات من حديد في قَلِيب مملوءة من نار، عَاليهُمَا سافلَهما. (1)
وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر. وقد تقدم في رواية ابن جرير من حديث معاوية بن صالح، عن نافع، عنه
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 306 - 307).
رفعه. وهذا أثبت وأصح إسنادًا. ثم هو - والله أعلم - من رواية ابن عمر عن كعب، كما تقدم بيانه من رواية سالم عن أبيه. وقوله: إن الزُّهَرة نزلت في صورة امرأة حسناء، وكذا في المروي عن علي، فيه غرابة جدًا. (البقرة: 102)
50 -
عن ابن عباس [قال]: إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون المعاصي فقالوا: يا رب أهل الأرض كانوا يعملون بالمعاصي! فقال الله: أنتم معي، وهم غُيَّب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة، فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض، على أن يحكموا بين أهل الأرض، وجعل فيهم شهوة الآدميين، فأمروا ألا يشربوا خمرًا ولا يقتلوا نفسا، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لوثن. فاستقال منهم واحد، فأقيل. فأهبط اثنان إلى الأرض، فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها: مناهية. فَهَويَاها جميعًا، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها، فأراداها فقالت لهما: لا حتى تشربا خمري، وتقتلا ابن جاري، وتسجدا لوثني. فقالا لا نسجد. ثم شربا من الخمر، ثم قتلا ثم سجدا. فأشرف أهل السماء عليهما. فقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما. فأخبراها فطارت فمسخت جمرة. وهي هذه الزهَرة. وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فاختارا عذاب الدنيا. فهما مناطان بين السماء والأرض. (1)
وهذا السياق فيه زيادات كثيرة وإغراب ونكارة، والله أعلم بالصواب. (البقرة: 102)
51 -
وقد ورد في ذلك أثر غريب وسياق عجيب في ذلك أحببنا أن ننبه عليه،
…
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم[رضي الله عنها وعن أبيها] أنها قالت: قدمت امرأة عليَّ من
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 308). قال الحافظ ابن كثيرفي تفسيره (1/ 364):
(وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال).
أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حَدَاثة ذلك، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر، ولم تعمل به. قالت عائشة، رضي الله عنها، لعُرْوَة: يا ابن أختي، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها كانت تبكي حتى إني لأرحمها، وتقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت. كان لي زوج فغاب عني، فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فأجعله يأتيك. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبتُ أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كشيء حتى وقفنا ببابل، وإذا برجلين معلقين بأرجلهما. فقالا ما جاء بك؟ فقلتُ: أتعلم السحر. فقالا إنما نحن فتنة فلا تكفري، فارجعي. فأبيت وقلت: لا. قالا فاذهبي إلى ذلك التنور، فبولي فيه. فذهبت ففزعتُ ولم أفعل، فرجعت إليهما، فقالا أفعلت؟ فقلت: نعم. فقالا هل رأيت شيئًا؟ فقلت: لم أر شيئًا. فقالا لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري [فإنك على رأس أمري]. فأرْبَبْت وأبيت. فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه. فذهبت فاقشعررت [وخفت] ثم رجعت إليهما فقلت: قد فعلت. فقالا فما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئًا. فقالا كذبت، لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري؛ فإنك على رأس أمرك. فأرببتُ وأبيتُ. فقالا اذهبي إلى ذلك التنور، فبولي فيه. فذهبت إليه فبلت فيه، فرأيت فارسًا مقنعًا بحديد خَرَج مني، فذهب في السماء وغاب [عني] حتى ما أراه، فجئتهما فقلت: قد فعلت. فقالا فما رأيت؟ قلت: رأيت فارسًا مقنعًا خرج مني فذهب في السماء، حتى ما أراه. فقالا صدقت، ذلك إيمانك خرج منك، اذهبي. فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئًا وما قالا لي شيئًا.
فقالت: بلى، لم تريدي شيئًا إلا كان، خذي هذا القمح فابذري، فبذرت، وقلت: أطلعي فأطلعت وقلت: أحقلي فأحقلت ثم قلت: أفْركي فأفرَكَتْ. ثم قلت: أيبسي فأيبست. ثم قلت: أطحني فأطحنت. ثم قلت: أخبزي فأخبزت. فلما رأيتُ أني لا أريد شيئًا إلا كان، سقط في يدي وندمت - والله - يا أم المؤمنين والله ما فعلت شيئًا قط ولا أفعله أبدًا.
ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن سليمان، به مطولا كما تقدم. وزاد بعد قولها: ولا أفعله أبدًا: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون، فما دَرَوا ما
يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلمه، إلا أنه قد قال لها ابن عباس - أو بعض من كان عنده -: لو كان أبواك حيين أو أحدهما [لكان يكفيانك].
قال هشام: فلو جاءتنا أفتيناها بالضمان [قال]: قال ابن أبي الزناد: وكان هشام يقول: إنهم كانوا أهل الورع والخشية من الله. ثم يقول هشام: لو جاءتنا مثلها اليوم لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير علم.
فهذا إسناد جيد إلى عائشة، رضي الله عنها. (1) (البقرة: 102)
52 -
وروى الترمذي
…
عن جندب الأزدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضَرْبُه بالسيف". ثم قال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وإسماعيل بن مسلم يُضعَّف في الحديث، والصحيح: عن الحسن عن جُنْدُب موقوفًا. (2)
قلت: قد رواه الطبراني من وجه آخر، عن الحسن، عن جندب، مرفوعًا (3) والله أعلم (البقرة: 103)
53 -
وقال الطبراني:
…
عن سالم، عن أبيه، قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنها مما نسخ وأنسي، فالهوا عنها". فكان الزهري يقرؤها: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} بضم النون خفيفة. (4) سليمان بن أرقم ضعيف. (البقرة: 106)
54 -
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلا فجعل الرَّجل يأخذُ الأحجارَ فيعمل مسجدا يصلي فيه. فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة. فقلنا: يا رسول الله، لقد صلينا ليلتنا
(1) قال الألباني في الضعيفةح (170): (رواها ابن جرير في " تفسيره " (2/ 366 - 367) بإسناد حسن عن عائشة، ولكن المرأة مجهولة فلا يوثق بخبرها).
(2)
سنن الترمذي برقم (1460).
(3)
المعجم الكبير (2/ 161). وضعفه الألباني في الضعيفةح (1446) مرفوعا وصحح وقفه على جندب.
(4)
المعجم الكبير (12/ 288). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 138): (رواه الطبراني وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك).
هذه لغير القبلة؟ فأنزل الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} الآية ثم رواه عن سفيان بن وَكِيع، عن أبيه، عن أبي الربيع السمان، بنحوه. (1)
ورواه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن وَكِيع. وابن ماجه، عن يحيى بن حكيم، عن أبي داود، عن أبي الربيع السمان. (2)
ورواه ابن أبي حاتم، عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن سعيد بن سليمان، عن أبي الربيع السمان - واسمه أشعث بن سعيد البصري - وهو ضعيف الحديث. (3)
وقال الترمذي: هذا حديث حسن. ليس إسناده بذاك، ولا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث يُضَعَّف في الحديث.
قلت: وشيخه عاصم أيضًا ضعيف. قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف لا يحتج به. وقال ابن حبان: متروك، والله أعلم.
وقد روي من طرق أخرى، عن جابر.
وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسير هذه الآية: حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي بن شبيب، حدثني أحمد بن عبيد الله بن الحسن، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا عبد الملك العرزمي، عن عطاء، عن جابر، قال: بَعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة، هي هاهنا قبل السماك. فصلُّوا وخطُّوا خطوطًا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت، وأنزل الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
ثم رواه من حديث محمد بن عبيد الله العَرْزَمي، عن عطاء، عن جابر، به. (4)
وقال الدارقطني: قرئ على عبد الله بن عبد العزيز - وأنا أسمع - حدثكم داود بن عمرو، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر،
(1) تفسير الطبري (2/ 531، 532).وضعفه أحمد شاكر وقال: (وقد ذهبت في شرحي للترمذي، رقم: 345، إلى تحسين إسناده. ولكني أستدرك الآن، وأرى أنه حديث ضعيف).
(2)
سنن الترمذي برقم (345) وسنن ابن ماجة برقم (1020).
(3)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 344).
(4)
ورواه الدارقطني في السنن (1/ 271)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 10 - 12)
ورواه أيضا (2/ 10).
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأصابنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة، فصلى كل منا على حدة، وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا بالإعادة، وقال:"قد أجزأت صلاتكم".
ثم قال الدارقطني: كذا قال: عن محمد بن سالم، وقال غيره: عن محمد بن عبد الله العرزمي، عن عطاء، وهما ضعيفان. (1)
ثم رواه ابن مَرْدُويه أيضا من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرِيَّة فأخذتهم ضبابة، فلم يهتدوا إلى القبلة، فصلوا لغير القبلة. ثم استبان لهم بعد طلوع الشمس أنهم صلوا لغير القبلة. فلما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثُوه، فأنزل الله عز وجل، هذه الآية:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
…
وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشد بعضها بعضا.
وأما إعادة الصلاة لمن تبين له خطؤه ففيها قولان للعلماء، وهذه دلائل على عدم القضاء، والله أعلم. (البقرة: 115)
55 -
عن قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخا لكم (2) قد مات فصلوا عليه". قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم؟ قال: فنزلت: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آل عمران: 199] قال قتادة: فقالوا: فإنه كان لا يصلي إلى القبلة. فأنزل الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} . (3)
وهذا غريب، والله أعلم (البقرة: 115)
56 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبْلَة لأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق".
وله مناسبة هاهنا، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي معشر، واسمه نَجِيح بن عبد الرحمن السَّندي المدني، به "ما بين
(1) سنن الدارقطني (1/ 271) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 206) قال البيهقي: (وبالجملة فلا نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحا ..)، وقال العقيلي:(هذا حديث لا يروى من وجه يثبت).راجع تخريجه قي نصب الراية للزيلعي (1/ 243).
(2)
الموجود في الطبري (إن أخاكم النجاشي
…
) حتى يصح المعنى.
(3)
تفسير الطبري (2/ 532). وقال أحمد شاكر: (هو حديث ضعيف، لأنه مرسل .... وسياقته تدل على ضعفه ونكارته).
المشرق والمغرب قبلة". (1)
وقال الترمذي: وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة. وتكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه، ثم قال الترمذي: حدثني الحسن بن [أبي] بكر المروزي، حدثنا المعلى بن منصور، حدثنا عبد الله بن جعفر المخزومي، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بين المشرق والمغرب قبلة". (2)
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وحكى عن البخاري أنه قال: هذا أقوى من حديث أبي معشر وأصح. قال الترمذي: وقد روي عن غير واحد من الصحابة: ما بين المشرق والمغرب قبلة - منهم عمر بن الخطاب، وعلي، وابن عباس.
وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك، فما بينهما قبلة، إذا استقبلت القبلة.
ثم قال ابن مَرْدُويه:
…
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بين المشرق والمغرب قبلة". وقد رواه الدارقطني والبيهقي (3) وقال المشهور: عن ابن عمر، عن عمر، قوله.
(البقرة: 115)
57 -
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونُس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أن دَرَّاجًا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهوالطاعة".
وكذا رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، عن دَرّاج بإسناده، مثله. (4)
ولكن هذا الإسناد ضعيف لا يعتمد عليه. ورفع هذا الحديث منكر، وقد
(1) سنن الترمذي برقم (342) وسنن ابن ماجة برقم (1011).
(2)
سنن الترمذي برقم (344).
(3)
سنن الدارقطني (1/ 270) وسنن البيهقي (2/ 9) وهو معلول والصواب وقفه. قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 184): "سئل أبو زرعة عن حديث رواه يزيد بن هارون، عن محمد بن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" قال أبو زرعة: "هذا وهم، الحديث حديث ابن عمر موقوف".
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 348) والمسند (3/ 75).وضعفه الألباني في الضعيفةح (4105)، وضعيف الجامع ح (9709).
يكون من كلام الصحابي أو مَنْ دونه، والله أعلم. وكثيرًا ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نَكَارَة، فلا يغتر بها، فإن السند ضعيف، والله أعلم. (البقرة: 116)
وذكره ابن كثير أيضا في تفسيرالآية 43 من آل عمران وقال: ورواه ابن جرير من حديث ابن لهيعة، عن دَرّاج، به، وفيه نكارة.
58 -
عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليت شعري ما فعل أبواي، ليت شعري ما فعل أبواي، ليت شعري ما فعل أبواي؟ ". فنزلت: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} فما ذكرهما حتى توفاه الله، عز وجل.
ورواه ابن جرير، عن أبي كُرَيب، عن وَكِيع، عن موسى بن عبيدة، [وقد تكلموا فيه عن محمد بن كعب] بمثله (1) وقد حكاه القرطبي عن ابن عباس ومحمد بن كعب قال القرطبي: وهذا كما يقال لا تسأل عن فلان؛ أي: قد بلغ فوق ما تحسب، وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا، وأجبنا عن قوله:(إن أبي وأباك في النار).
(قلت): والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها، وإسناده ضعيف والله أعلم.
ثم قال ابن جرير:
…
عن داود بن أبي عاصم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "أين أبواي؟ ".فنزلت: {إِنَّاأَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} . (2) وهذا مرسل كالذي قبله.
وقد رد ابن جرير هذا القول المروي عن محمد بن كعب القرظي وغيره في ذلك، لاستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه. واختار القراءة الأولى. وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه قبل أن يعلم أمرهما، فلما علم ذلك تبرأ منهما، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار كما ثبت ذلك في الصحيح ولهذا أشباه كثيرة ونظائر، ولا يلزم ما ذكر ابن جرير. والله أعلم. (البقرة: 119)
(1) قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (2/ 558): (هما حديثان مرسلان؛ فإن محمد بن كعب بن سليم القرظي: تابعي. والمرسل لا تقوم به حجة، ثم هما إسنادان ضعيفان أيضًا، بضعف راويهما: موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي: ضعيف جدا).
(2)
تفسير الطبري (2/ 559)، وقال أحمد شاكر:(وهذا مرسل أيضًا، لا تقوم به حجة).
59 -
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} قال: "يتبعونه حق اتباعه"، ثم قال: في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا أن معناه صحيح. (1)(البقرة: 121)
60 -
وروي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم"
قلت: هذا حديث لا يثبت، (2) والله أعلم. (البقرة: 124)
61 -
62 - قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله: أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميعُ ما ذكر، وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزمُ بشيء منها أنه المرادُ على التعيين إلا بحديث أو إجماع. قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له.
قال: غَيْرَ أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران:
أحدهما
…
عن سهل بن معاذ بن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله {الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] حتى يختم الآية". (3)
قال: والآخر منهما:
…
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} أتدرون ما وفى؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "وفَّى عمل يومه، أربع ركعات في النهار".ورواه آدم في تفسيره، عن حماد بن سلمة. وعبد بن حميد، عن يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن جعفر بن الزبير، به. (4)
ثم شرع ابن جرير يضعف
(1) قال الحويني: (حديثٌ باطلٌ أخرجه الخطيبُ البغدادي في ((الرواة عن مالكٍ))، وفي (اقتضاء العلم العمل)(118))، وقال الألباني: سنده ضعيف ح (77) كما في اقتضاء العلم العمل.
(2)
قال الهيثمي في المجمع (1/ 341): (رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو ضعيف جداً).
(3)
تفسير الطبري (3/ 15)، وقال أحمد شاكر:(إسناده منهار لا تقوم له قائمة ....).
(4)
تفسير الطبري (3/ 16)، وقال أحمد شاكر:(ضعفه أيضًا الطبري ووافقه ابن كثير، كما قلنا في الذي قبله).
هذين الحديثين، وهو كما قال؛ فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه والله أعلم. (البقرة: 124)
63 -
عن جابر، قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ؟ قال: "نعم". قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك {وَاتَّخِذُوا} قال: نعم. هكذا وقع في هذه الرواية. وهو غريب.
وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه. (البقرة: 125)
64 -
عن مجاهد، قال: قال عمر: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا. قال مجاهد: قدكان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن. (1)
هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد أن أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا أصح من طريق ابن مَرْدُويه، مع اعتضاد هذا بما تقدم، والله أعلم. (البقرة: 125)
65 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبدُ الله ورسوله وإن إبراهيم حَرَّم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، عضاهَها وصيدَها، لا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يقطع منها شجرة إلا لعلف بعير". (2)
وهذه الطريق غريبة، ليست في شيء من الكتب الستة، وأصل الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر، جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 169): (إسناده ضعيف).
(2)
تفسير الطبري (3/ 48)، قال أحمد شاكر: (قال فيه ابن كثير: "وهذه الطريق غريبة، ليست في شيء من الكتب الستة". وأزيد عليه: أني لم أجدها في المسند أيضًا، ولا في غيره مما استطعت الرجوع إليه من المراجع.
ثم أشار ابن كثير إلى أن أصل معناه ثابت عن أبي هريرة، من وجه آخر، في صحيح مسلم).
مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه" ثم يدعو أصْغَرَ وليد له، فيعطيه ذلك الثمر. وفي لفظ: "بركة مع بركة" ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان. لفظ مسلم. (1)(البقرة: 126)
66 -
عن عطاء ابن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة، كانت رجلاه في الأرض ورأسُه في السماء (2) يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته الملائكة، حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها. فخفضه الله إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي صلاته. فوجه إلى مكة، فكان موضع قَدَمه قريةً، وخَطوُه مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن. فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله إبراهيم، عليه السلام، فبناه. وذلك قول الله تعالى:{وَإِذْ بَوَّانَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} (3)[الحج: 26].
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قال آدم: إني لا أسمع أصوات الملائكة؟! قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض، فابن لي بيتًا ثم احفف به، كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء. فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل: من حراء. وطور زيتا، وطور سَيْناء، وجبل لبنان، والجودي. وكان رَبَضُه من حراء. فكان هذا بناء آدم، حتى بناه إبراهيم، عليه السلام، بعد. (4)
وهذا صحيح إلى عطاء، ولكن في بعضه نكارَة، (5) والله أعلم. (البقرة: 127)
(1) صحيح مسلم (1373).
(2)
قال الشيخ ابن باز: (هذا خرافة؛ فقد ثبت في الصحيحين: أنه ستون ذراعا في السماء فلم يزل الخلق ينقص).
(3)
تفسير الطبري (3/ 59).ووافق الشيخ أحمد شاكر الحافظ ابن كثير في حكمه على الحديث.
(4)
تفسير الطبري (3/ 57).
(5)
قال الحافظ ابن كثير في التعليق على أقوال أول من بنى الكعبة: (وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين).
67 -
عن ابن عباس أن نبي الله قال: "إن بني إسرائيل قالوا: يا موسى، هل يَصْبُغ ربك؟ فقال: اتقوا الله. فناداه ربه: ياموسى، سألوك هل يَصْبُغ ربك؟ فقل: نعم، أنا أصبُغ الألوان: الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلها من صَبْغي". وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} . (1) كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف، وهو أشبه، إن صح إسناده، والله أعلم. (البقرة: 138)
68 -
عن مجاهد، عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ فتلا عليه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} إلى آخر الآية. قال: ثم سأله أيضًا، فتلاها عليه ثم سأله. فقال:"إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك".
وهذا منقطع؛ لأن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر؛ فإنه مات قديمًا. (البقرة: 177)
69 -
وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، قال: جاء رجل إلى أبي ذر، فقال: ما الإيمان؟ فقرأ عليه هذه الآية: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} حتى فرغ منها. فقال الرجل: ليس عن البر سألتُكَ. فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه، فقرأ عليه هذه الآية، فأبى أن يرضى كما أبيت [أنت] أن ترضى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده:"المؤمن إذا عمل حسنة سَرته ورجا ثوابها، وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها". (2)
رواه ابن مَرْدُويه، وهذا أيضًا منقطع، والله أعلم. (البقرة: 177)
70 -
وقد روى الحاكم في مستدركه
…
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أن تعطيه وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر".
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 403).
(2)
ورواه محمد بن نصر في (تعظيم قدر الصلاة) برقم (408) من طريق عبد الله بن يزيد والملائي، كلاهما عن المسعودي به نحوه، ورواه الحاكم (2/ 272) من طريق موسى بن أعين، عن عبد الكريم به نحوه، وقال:(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) وتعقبه الذهبي: (قلت: وهو منقطع). قال الحافظ فى (المطالب العالية)(3/ 74): (هذا منقطع وله طريق أصح منه فى التفسير).
ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. (1)
قلت: وقد رواه وَكِيع عن الأعمش، وسفيان عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود، موقوفًا، وهو أصح، والله أعلم. (البقرة: 177)
71 -
وقد قال ابن أبي حاتم:
…
عن الشعبي، حدثتني فاطمة بنت قيس: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي المال حق سوى الزكاة؟ قالت: فتلا علي {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} . ورواه ابن مَرْدُويه
…
عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في المال حق سوى الزكاة" ثم تلا {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} إلى قوله: {وَفِي الرِّقَابِ}
[وقد أخرجه ابن ماجة والترمذي وضعف أبا حمزة ميمونًا الأعور، قال: وقد رواه بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي](2). (البقرة: 177)
72 -
وقد قال ابن أبي حاتم:
…
عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "يُرَدّ من صَدقة الحائف في حياته ما يردّ من وصية المجنف عند موته". (3)
وهكذا رواه أبو بكر بن مَرْدُوَيه، من حديث العباس بن الوليد، به.
قال ابن أبي حاتم: وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيد. وهذا الكلام إنما هو عن عروة فقط.
وقد رواه الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، فلم يجاوز به عروة. (البقرة: 182)
(1) ثبت في الصحيحين من حديث أبي هُرَيرة مرفوعًا: "أفضل الصدقة أن تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر".
(2)
سنن الترمذي برقم (659) وسنن ابن ماجة برقم (1789) وقال الترمذي: (هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة يضعف في الحديث، وقد روى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله، وهو أصح). وضعفه الألباني في الضعيفةح (4383)، وقال:(وجملة القول؛ أن الحديث بلفظيه ضعيف، والراجح مع ذلك الأول، والصحيح أنه من قول الشعبي. والله أعلم).
(3)
ورواه أبو داود في المراسيل برقم (194) من طريق عباس بن الوليد بن مزيد، عن أبيه، عن الأوزاعي، به. قال العباس: حدثنا به مرة، عن عروة، ومرة عن عروة، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواه أبو داود برقم (195) عن عروة مرسلا، وبرقم (196) عن الزهري مرسلا. قال أبو داود:(لا يصح هذا الحديث، لا يصح رفعه).
73 -
عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحيف في الوصية من الكبائر". (1) وهذا في رفعه أيضًا نظر. (البقرة: 182)
74 -
وقد روي عن بعض السلف أنه كَره أن يقال: "شهر رمضان" ولا يقال: "رمضان"؛ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن بكار بن الريَّان، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القُرَظي، وسعيد - هو المقْبُري - عن أبي هريرة، قال: لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان.
قال ابن أبي حاتم: وقد روي عن مجاهد، ومحمد بن كعب نحو ذلك، ورَخَّص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت.
قلت: أبو معشر هو نَجِيح بن عبد الرحمن المدني إمام في المغازي، والسير، ولكن فيه ضعف، وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعا، عن أبي هريرة، (2) وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي - وهو جدير بالإنكار - فإنه متروك، وقد وهم في رفع هذا الحديث، وقد انتصر البخاري، رحمه الله، في كتابه لهذا فقال:"باب يقال رمضان"(3) وساق أحاديث في ذلك منها: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" ونحو ذلك. (البقرة: 185)
75 -
وقال ابن مَرْدُويه:
…
عن أبي نافع بن معد يكرب، قال: كنت أنا وعائشة سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الآية: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} قال: "يا رب، مسألة عائشة". فهبط جبريل فقال: الله يقرؤك السلام، هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة، وقلبُه نقي يقول: يا رب، فأقول: لبيك. فأقضي حاجته.
(1) ورواه الدارقطني في السنن (4/ 151) والعقيلي في الضعفاء (3/ 189) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 271) من طريق عمر بن المغيرة به نحوه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 271) من طريق هشيم عن داود به موقوفا، وقال:(هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفا، وروى من وجه آخر مرفوعا، ورفعه ضعيف). وضعفه أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (8/ 66).
(2)
ضعفه النووي في الأذكار (1/ 331) وقال: (وهذا الحديث ضعيف ضعفه البيهقى والضعف عليه ظاهر).
(3)
الترجمة في الصحيح (4/ 112): "باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا".
هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 186)
76 -
وقد روى الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية حديثًا غريبًا فقال:
…
عن صفوان بن أمية أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضمخ بالزعفران، عليه جبة، فقال: كيف تأمرنى يا رسول الله في عمرتي؟ قال: فأنزل الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أين السائل عن العُمْرة؟ " فقال: ها أنا ذا. فقال له: "ألق عنك ثيابك، ثم اغتسل، واستنشق ما استطعت، ثم ما كنت صانعًا في حَجّك فاصنعه في عمرتك". هذا حديث غريب وسياق عجيب (1)
والذي ورد في الصحيحين، عن يعلى بن أمية في قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فقال: كيف ترى في رجل أحرم بالعمرة وعليه جُبة وخَلُوق؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه الوحي، ثم رفع رأسه فقال:"أين السائل؟ " فقال: ها أنا ذا، فقال:"أما الجبة فانزعها، وأما الطيب الذي بك فاغسله، ثم ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عُمْرتك". ولم يذكر فيه الغسل والاستنشاق ولا ذكر نزول الآية، وهو عن يعلى بن أمية، لا عن صفوان بن أمية، والله أعلم. (البقرة: 196)
77 -
وروي (ابن مردويه) أيضًا من حديث عمر بن قيس، سندل - وهو ضعيف - عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النسك شاة، والصيام ثلاثة أيام، والطعام فَرَق، بين ستة". (البقرة: 196)
78 -
عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج".
وإسناده لا بأس به. لكن رواه الشافعي، والبيهقي من طُرق، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل: أيُهَلّ بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال:
(1) قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند ص (29): (وأما استغراب ابن كثير رحمه الله له في تفسيره فلا وجه له لأن قوله عند الطبراني فنزل عليه {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} مبين لحديث الصحيحين الذي فيه، فنزل عليه الوحي وأما كونه عند ابن أبي حاتم عن صفوان بن أمية فالظاهر أنها سقطت منه عن أبيه ويكون الحديث عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه كما في الصحيحين والأوسط والطبراني وغيرهما من كتب الحديث).
لا. (1)
وهذا الموقوف أصحّ وأثبت من المرفوع، ويبقى حينئذ مذهب صحابي، يتقوّى بقول ابن عباس:"من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره". والله أعلم. (البقرة: 197)
79 -
وجاء فيه حديث مرفوع، ولكنه موضوع، رواه الحافظ بن مَرْدويه، من طريق حُصَين بن مخارق - وهو متهم بالوضع - عن يونس بن عبيد، عن شهر بن حَوْشَب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة"(2). وهذا كما رأيت لا يَصح رفعه، (3) والله أعلم. (البقرة: 197)
80 -
عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عَرَفَةُ كلها موقف، وارفعوا عن عُرَنة، وجَمْع كلها مَوقف إلا مُحَسرًا".هذا حديث مرسل. (4)(البقرة: 198)
81 -
عن جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "كل عرفات موقف، وارفعوا عن عُرَنة. وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحَسِّر، وكل فجاج مكة مَنْحر، وكل أيام التشريق ذبح". (5)
وهذا أيضا منقطع، فإن سليمان بن موسى هذا - وهو الأشدق - لم يدرك جُبَير بن مطعم. ولكن رواه الوليد بن مسلم، وسويد بن عبد العزيز، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان، فقال الوليد: عن ابن لجبير بن مطعم، عن أبيه. وقال سويد: عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، والله أعلم. (البقرة: 198)
82 -
عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة، فنادى في أيام التشريق فقال: "إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله، إلا من كان عليه صَوْم من
(1) الأم للشافعي (2/ 136)، والسنن الكبرى للبيهقي (4/ 343).
(2)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 139): (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه حصين بن مخارق وهو ضعيف جداً).
(3)
لا يصح رفعه، لكن جاء موقوفا على بعض الصحابة كابن عباس وابن مسعود وابن عمر وصح عنه كما قال ابن كثير، والحافظ في الفتح. انظر النافلة في الأحاديث الضعيفة ح (103) لأبي إسحق الحويني.
(4)
رواه الطبري في التفسير (4/ 179) قاله أحمد شاكر: وقد جاء موصولا من حديث جابر رضي الله عنه، ورواه ابن ماجة في السنن برقم (3012) وأصله في صحيح مسلم برقم (1218).
(5)
المسند (4/ 82).
هَدْي". (1) زيادة حسنة ولكن مرسلة. (البقرة: 203)
83 -
وفي وقته (أي التكبير) أقوال للعلماء، وأشهرها الذي عليه العمل أنَّه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو آخر النَّفْر الآخِر. وقد جاء فيه حديث رواه الدارقطني (2)، ولكن لا يصح مرفوعا والله أعلم. (البقرة: 203)
84 -
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه هاهنا أحاديث فيها غرابة والله أعلم؛ فمنها ما رواه
…
عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، قيامًا شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فَصْل القضاء، وينزل الله في ظُلَل من الغمام من العرش إلى الكرسي". (3)(البقرة: 210)
85 -
فأما ما رواه ابن جرير (4):
…
عن عبد الله بن عباس يقول: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كل ذات دين غير الإسلام، قال الله عز وجل:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5].
وقد نكح طلحة بن عُبَيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب غضبًا شديدًا، حتى هَمَّ أن يسطو عليهما. فقالا نحن نطَلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب! فقال: لئن حَلّ طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكني أنتزعهن منكم صَغَرَة قَمأة. (5)
(1) تفسير الطبري (3/ 101). وقال أحمد شاكر: (هذا الحديث مرسل، لم يذكر الزهري من رواه عنه).
(2)
سنن الدارقطني (2/ 49، 50) من طرق عن جابر رضي الله عنه.
(3)
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (9/ 416، 417) من طريقين عن المنهال بن عمرو به مطولا. قال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: (ضعيف).كما نقله عنه الصبابطي في جامع الأحاديث القدسية. وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح (3591).
(4)
تفسير الطبري (4/ 364). ورواه الترمذي رقم (3445)، وضعف إسناده الألباني في ضعيف الترمذي ح (631).
(5)
قال أحمد شاكر في حاشيته على الطبري (4/ 364): (والصغرة جمع صاغر: هو الراضي بالذل. وقماء جمع قميء: وهو الذليل الصاغر وإن لم يكن قصيرًا. والقميء: القصير. وفي المخطوطة وابن كثير"قمأة"، وليس جمعًا قياسيا، ولا هو وارد في كتب اللغة، ولكن إن صح الخبر، فهو إتباع لقوله: "صغرة" ومثله كثير في كلامهم).
فهو حديث غريب جدًا. وهذا الأثر عن عمر غريب أيضًا. (البقرة: 221)
86 -
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا".
ثم قال: وهذا الخبر - وإن كان في إسناده ما فيه (1) - فالقول به لإجماع الجميع من الأمة على صحة القول به. (2) كذا قال ابن جرير رحمه الله. (البقرة: 221)
87 -
عن عبد الله بن عَمْرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحوهن على الدين، فلأمة سوداء خَرْماء ذات دين أفضل".
والإفريقي ضعيف. (البقرة: 221)
88 -
الذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ثم من فعل ذلك فقد أثم، فيستغفر الله ويتوب إليه. وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، لما رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض:"يتصدق بدينار، أو نصف دينار". (3) وفي لفظ للترمذي: "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار". وللإمام أحمد أيضًا، عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض تصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل، فنصف دينار. (4)
والقول الثاني: وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي، وقول الجمهور: أنه لا شيء في ذلك، بل يستغفر الله عز وجل، لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث، فإنه قد روي مرفوعًا كما تقدم وموقوفًا، وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث. (البقرة: 222)
(1) قال أحمد شاكر (الطبري (4/ 367): (ومعنى هذا الحديث ثابت عن جابر، موقوفا عليه من كلامه
…
).
(2)
تفسير الطبري (4/ 367).
(3)
المسند (4/ 342)، وسنن أبي داود رقم (212)، وسنن الترمذي رقم (133)، وسنن ابن ماجه رقم (651). وصحح الألباني هذه الرواية في صحيح أبي داود ح (237).
(4)
قال الألباني في السلسلة الضعيفةح (4592): (ضعيف أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (149/ 1).
89 -
عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى". (1)
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني هدبة، حدثنا همام، قال: سُئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي اللوطية الصغرى".
قال قتادة: وحدثني عقبة بن وسَّاج، عن أبي الدرداء قال: وهل يفعل ذلك إلا كافر؟
وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان
…
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قوله. وهذا أصح، والله أعلم.
وكذلك رواه عبد بن حميد،
…
عن عبد الله بن عمرو، موقوفًا من قوله.
طريق أخرى:
…
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة لا ينظرالله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه". ابن لَهيعة وشيخه ضعيفان. (2)(البقرة: 223)
90 -
طريق أخرى: قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، حدثنا هناد، ومحمد بن إسماعيل - واللفظ له - قالا حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها".
ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي، وإنما الذي فيه عن سهيل، عن الحارث بن مخلد، كما تقدم.
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند، وَهْمٌ منه، وقد ضعفوه.
91 -
طريق أخرى: رواها مسلم بن خالد الزِّنْجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى عليه وسلم - قال:"ملعون من أتى النساء في أدبارهن".
ومسلم بن خالد فيه كلام، والله أعلم.
(1) المسند 2/ 210).
(2)
ضعفه الألباني في الضعيفةح (319)، والإرواء (8/ 59).
92 -
طريق أخرى: رواها الإمام أحمد، وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهُجيْمي، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها، أو كاهنًا فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد". (1)
وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث. والذي قاله البخاري في حديث حكيم [الأثرم] عن أبي تميمة: لا يتابع في حديثه.
93 -
طريق أخرى: قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه، عن عبد الملك بن محمد الصنعاني، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"استحيوا من الله حق الحياء، لا تأتوا النساء في أدبارهن". (2) تفرد به النسائي من هذا الوجه.
قال حمزة بن محمد الكنَاني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري، ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد؛ فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد، فإنما سمعه بعد الاختلاط، وقد رواه الزهري عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك، فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا. انتهى كلامه.
وقد أجاد وأحسن الانتقاد؛ إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط، ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة الكناني، وهو ثقة، ولكن تكلم فيه دُحَيْم، وأبو حاتم، وابن حبان، وقال: لا يجوز الاحتجاج به، فالله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد، عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين، عن أبي سلمة. ولا يصح منها شيء.
94 -
طريق أخرى: قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر.
ثم رواه، عن بُنْدَار، عن عبد الرحمن، به.
(1) المسند (2/ 408)، وسنن أبي داود رقم (3904)، وسنن الترمذي رقم (135)، وسنن النسائي الكبرى رقم 09016)، وسنن ابن ماجه رقم (639). انظر تخريج هذه الأحاديث في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (3/ 180).
(2)
سنن النسائي الكبرى رقم (9010).
قال: من أتى امرأة في دبرها ملك كفره. هكذا رواه النسائي، من طريق الثوري، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة موقوفًا.
وكذا رواه من طريق علي بن بذيمة، عن مجاهد، عن أبي هريرة - موقوفًا. ورواه بكر بن خنيس، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أتى شيئًا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر"
والموقوف أصح، وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة، وتركه آخرون. (البقرة: 223)
95 -
عن ابن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"محاش النساء حرام".
وقد رواه إسماعيل بن علية، وسفيان الثوري، وشعبة، وغيرهم، عن أبي عبد الله الشقري - واسمه سلمة بن تمام: ثقة - عن أبي القعقاع، عن ابن مسعود - موقوفًا. وهو أصح.
96 -
طريق أخرى: قال ابن عدي: حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثنا محمد بن حمزة، عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتوا النساء في أعجازهن"(1) محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه، فيهما مقال.
وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب، وعقبة بن عامر وأبي ذر، وغيرهم. وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث، والله أعلم. (البقرة: 223)
97 -
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفارتها". (2)
ورواه أبو داود من طريق عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية الله، ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الذي هو خير، فإن تركها كفارتها". (3)
(1) الكامل لابن عدي (3/ 206).
(2)
المسند (2/ 185).
(3)
سنن أبي داود رقم (3274).وقال الألباني: (حسن، إلا قوله: "ومن حلف
…
" فهو منكر، الضعيفة (1365)، ضعيف الجامع الصغير (6312).
ثم قال أبو داود: والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها: " فليكفر عن يمينه" وهي الصحاح. (1)(البقرة: 224)
98 -
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على قطيعة رحم أو معصية، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه". (2)
وهذا حديث ضعيف؛ لأن حارثة هذا هو ابن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، متروك الحديث، ضعيف عند الجميع. (البقرة: 224)
99 -
عن عطاء: في اللغو في اليمين، قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هو كلام الرجل في بيته: كلا والله وبلى والله". (3)
ثم قال أبو داود: رواه داود بن أبي الفرات، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن عائشة موقوفًا. ورواه الزهري، وعبد الملك، ومالك بن مِعْول، كلهم عن عطاء، عن عائشة، موقوفًا أيضًا. قلت: وكذا رواه ابن جريج، وابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة، موقوفًا. (ثم ساق الروايات الواردة عن عائشة في هذا). (البقرة: 225)
100 -
عن الحسن بن أبي الحسن، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون - يعني: يرمون - ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله وأخطأت والله. فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله. قال: "كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة"
هذا مرسل حسن عن الحسن (4). (البقرة: 225)
(1) ونص كلامه (قال أبو داود: الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم (وليكفر عن يمينه) إلا فيما لا يعبأ به. قال أبو داود: قلت لأحمد: روى يحيى بن سعيد عن يحيى بن عبيد الله؟ فقال: تركه بعد ذلك، وكان أهلا لذلك. قال أحمد: أحاديثه مناكير، وأبوه لا يعرف).
(2)
تفسير الطبري (4/ 442).
(3)
سنن أبي داود رقم (3254). وقال الحافظ في " الفتح "(11/ 548): (أشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم فى رفعه ووقفه). وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (2789).
(4)
قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (4/ 444) معقبا على كلام ابن كثير: (ولعله أعجبه الجناس والسجع أما المرسل فإنه ضعيف، لجهالة الواسطة بعد التابعي كما هو معروف).
101 -
عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان". (1) رواه أبو داود، والترمذي وابن ماجة. ولكن مظاهر هذا ضعيف بالكلية. وقال الحافظ الدارقطني وغيره: الصحيحُ أنه من قول القاسم بن محمد نفسه. (2)
ورواه ابن ماجة من طريق عطية العَوْفِي عن ابن عمر مرفوعًا.
قال الدارقطني: والصحيح ما رواه سالم ونافع، عن ابن عمر قوله. وهكذا رُوي عن عمر بن الخطاب. (البقرة: 228)
102 -
عن عمرو بن مهاجر، عن أبيه: أن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طُلّقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء العدة للطلاق، فكانت أول من نزلت فيها العدة للطلاق، يعني:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 228)
103 -
عن فاطمة بنت أبي حُبَيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "دعي الصلاة أيام أقرائك".
فهذا لو صح لكان صريحًا في أن القرء هو الحيض، ولكن المنذر هذا قال فيه أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور. وذكره ابن حبان في الثقات. (البقرة: 228)
104 -
عن ثوبان مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، حَرّم الله عليها رائحة الجنة".وقال: "المختلعات هن المنافقات".
ثم رواه ابن جرير والترمذي جميعًا، عن أبي كريب، عن مزاحم بن ذَوّاد بن عُلْبَة، عن أبيه، عن ليث، هو ابن أبي سليم عن أبي الخطاب، عن أبي زُرْعَة، عن أبي إدريس، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المختلعات هن المنافقات".ثم قال
(1) سنن أبي داود رقم (2189)، وسنن الترمذي رقم (1182)، وسنن ابن ماجه رقم (2080).
(2)
قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 645): (قال أحمد: هذا حديث لا يعرف مرفوعا إلا من حديث مظاهر ولا يعرف له رواية سواه. قال يحيى بن معين: مظاهر ليس بشيء مع أنه لا يعرف).وضعفه الألباني في الإرواء ح (2066)، وضعيف الجامع ح (3650).
الترمذي: غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي. (البقرة: 229)
105 -
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات"(1) غريب من هذا الوجه ضعيف. (البقرة: 229)
106 -
عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام غضبان، ثم قال:"أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟! " حتى قام رجل فقال يا رسول الله، ألا أقتله؟ (2) فيه انقطاع. (البقرة: 229)
107 -
عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته".
ورواه ابن جرير، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي، عن هشام بن عبد الملك، حدثنا محمد بن دينار، فذكره. (3)
قلت: ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري، ويقال له: ابن أبي الفرات: اختلفوا فيه، فمنهم من ضعفه، ومنهم من قواه وقبله وحسن له. وقال أبو داود: أنه تغير قبل موته، فالله أعلم. (البقرة: 230)
(1) ضعفه أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (4/ 569) وأشار إلى وقوع التحريف في بعض ألفاظه وقال: وأصح من هذه الروايات كلها ما رواه أحمد في المسند: 9347 (2: 414 حلبي) من حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: "المختلعات والمنتزعات هن المنافقات". وهو حديث صحيح بينا صحته وفصلنا القول في تخريجه في المسند في شرح الحديث. وانظر الصحيحة للألباني ح (632).
(2)
سنن النسائي (6/ 142). وضعفه الألباني في المشكاةح (3292).
(3)
المسند (3/ 248)، وتفسير الطبري (4/ 594). قال أحمد شاكر: (هي عشرة أسانيد لحديث عائشة في وجوب الدخول بالمطلقة ثلاثا حتى تحل لزوجها الأول، وهذا أمر مجمع عليه ثبت بالدلائل المتواترة. ويجب أن يكون الزوج الثاني راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها، مما هو القصد الصحيح للزواج. أما إذا تزوجها ودخل بها قاصدا تحليلها للزوج الأول أو كان ذلك مفهوما من واقع الحال - فإن هذا هو المحلل الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن المحلل له. وكان نكاح هذا الثاني باطلا لا تحل به المعاشرة.
ثم روى أبو جعفر - بعد هذه العشرة - حديثين لأبي هريرة وحديثا لأنس وحديثا لعبيد الله ابن عباس، وثلاثة أحاديث لابن عمر. فهي سبعة عشر حديثا. سنوجز ما استطعنا في تخريجها إن شاء الله). راجعها هناك.
108 -
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره، فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأول أن يراجعها، قال:"لا حتى يذوق الآخر عسيلتها". (1) ثم رواه من وجه آخر عن شيبان، وهو ابن عبد الرحمن، به. وأبو الحارث غير معروف. (2) (البقرة: 230)
109 -
وقال مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن تزويجها، وقال:"لا تحل لك حتى تذوق العسيلة" كذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك وفيه انقطاع. (3)
وقد رواه إبراهيم بن طَهْمَان، وعبد الله بن وهب، عن مالك، عن رفاعة، عن الزبير بن عبد الرحمن، عن أبيه، فوصله. (البقرة: 230)
110 -
عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له. ثم قال: وليس إسناده بالقائم، ومجالد ضعفه غير واحد من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل. قال: ورواه ابن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، عن علي. قال: وهذا وهم من ابن نمير، والحديث الأول أصح. (4) (البقرة: 230)
111 -
عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعريين، فأتاه أبو موسى فقال: يا رسول الله، أغضبت على الأشعريين؟! فقال: يقول أحدكم: "قد طلقت، قد راجعت، ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قُبُل عدتها". (5) ثم رواه من وجه
(1) تفسير الطبري (4/ 593). ثبت الحديث في الصحيحين من رواية عائشة رضي الله عنها.
(2)
قال أحمد شاكر (الطبري (4/ 593)): (والتعقيب عليه: أن البخاري وأبا حاتم عرفاه، ولم يذكرا فيه جرحا فهو ثقة فضلا عن أنه تابعي، وهم على الثقة حتى يستبين جرح واضح).
(3)
الموطأ (2/ 531).
(4)
سنن الترمذي (1119).
(5)
تفسير الطبري (5/ 14).
آخر عن أبي خالد الدالاني، وهو يزيد بن عبد الرحمن، وفيه كلام. (1) (البقرة: 231)
112 -
عن الحسن، هو البصري، قال: كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق ويقول: كنت لاعبًا وينكح ويقول: كنت لاعبًا فأنزل الله: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح، جادًا أو لاعبًا، فقد جاز عليه".
وكذا رواه ابن جرير من طريق الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، مثله. (2) وهذا مرسل. وقد رواه ابن مردويه من طريق عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن أبي الدرداء، موقوفًا عليه. (البقرة: 231)
113 -
عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمرو بن العاص أنه قال: لا تُلْبِسوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر. (3) ورواه أبو داود، عن قتيبة، عن غُنْدَر - وعن ابن المثنى، عن عبد الأعلى. وابن ماجة، عن علي بن محمد، عن وَكِيع - ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن مَطَر الوراق، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة، عن عمرو بن العاص، فذكره. (4)
وقد روي عن الإمام أحمد أنه أنكر هذا الحديث، وقيل: إن قبيصة لم يسمع عَمْرًا، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف، منهم: سعيد بن المسيب، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، وأبو عياض، والزهري، وعمر بن عبد العزيز. وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان، وهو أمير المؤمنين. وبه يقول الأوزاعي، وإسحاق بن رَاهْوَيه،
(1) يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، وكنيته أبو خالد، وهو بها أشهر قال الحافظ في التقريب:(صدوق يخطئ كثيرا، وكان يدلس)، وحكم عليه الألباني بالضعف كما في الضعيفة ح (2950)، الإرواء (7/ 11).
(2)
تفسير الطبري (5/ 13). قال في نصب الراية في تخريخ حديث الأمر بإعادة الوضوء لمن ضحك في الصلاة وهو من رواية الزهري عن سليمان عن الحسن: (قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى تَوَسُّطِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ، وَالْحَسَنِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ تَعَلَّلَ) انْتَهَى. وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ.
(3)
المسند (4/ 203).
(4)
سنن أبي داود برقم (2308) وسنن ابن ماجة برقم (2083).
وأحمد بن حنبل، في رواية عنه. (البقرة: 134)
114 -
وذهب الإمام مالك إلى أنها (1)، تحرم عليه على التأبيد. واحتج في ذلك بما رواه عن ابن شهاب، وسليمان بن يسار: أن عمر، رضي الله عنه، قال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا. (2)
قالوا: ومأخذ هذا: أن الزوج لما استعجل ما أجل الله، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التأبيد، كالقاتل يحرم الميراثَ. وقد روى الشافعي هذا الأثر عن مالك. قال البيهقي: وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول علي: إنها تحل له.
قلت: ثم هو منقطع عن عمر. وقد روى الثوري، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق: أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها، وجعلهما يجتمعان. (البقرة: 235)
115 -
قال ابن أبي حاتم: ذكر عن ابن لهيعة، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولي عقدة النكاح الزوج".
وهكذا أسنده ابن مردويه من حديث عبد الله بن لهيعة، به. وقد أسنده ابن جرير، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، (3) ولم يقل: عن أبيه، عن جده (4) فالله أعلم. (البقرة: 237)
116 -
عن أم فَرْوَة - وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الأعمال، فقال:"إن أحب الأعمال إلى الله تعجيلُ الصلاة لأول وقتها".
(1) من تزوج امرأة في عدتها ودخل بها.
(2)
الموطأ (2/ 535).
(3)
تفسير الطبري (5/ 157). ونقل أحمد شاكرعن البيهقي قوله: (وهذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به، والله أعلم).
(4)
ورواه الدارقطني في السنن (3/ 279) من طريق قتيبة عن ابن لهيعة به، وذكر البيهقي في السنن الكبرى (7/ 251) وقال:"هذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به، والله أعلم".
وهكذا رواه أبو داود، والترمذي (1) وقال: لا نعرفه إلا من طريق العمري، وليس بالقوي عند أهل الحديث. (البقرة: 238)
117 -
عن الزبرقان أن رهطًا من قريش مر بهم زيد بن ثابت، وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم؛ يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي العصر. فقام إليه رجلان منهم فسألاه، فقال: هي الظهر. ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه، فقال: هي الظهر؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فأنزل الله:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليَنْتَهيَنَّ رجال أو لأحرقن بيوتهم". (2)
الزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري، لم يدرك أحدا من الصحابة. والصحيح ما تقدم من روايته، عن زهرة بن معبد، وعروة بن الزبير (3). (البقرة: 238)
118 -
طريق أخرى، بل حديث آخر: وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا سليمان بن أحمد الجرشي الواسطي، حدثنا الوليد بن مسلم. قال: أخبرني صدقة بن خالد، حدثني خالد بن دهقان، عن خالد بن سبلان، (4)
عن كهيل بن حرملة. قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى، فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح: أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك: فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، ثم خرج إلينا
(1) المسند (6/ 274) وسنن أبي داود برقم (426) وسنن الترمذي برقم (170).
(2)
المسند (5/ 206).
(3)
أي يروي الحديث عن زهرة بن معبد وعروة بن الزبير عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(4)
وقال أحمد شاكر (الطبري (5/ 191)): (سبلان: بفتح السين المهملة والباء الموحدة وتخفيف اللام، كما ضبطه ابن ماكولا، فيما نقل عنه ابن عساكر، وكما في المشتبه للذهبي، ص:256. وهو لقب لخالد هذا، لقب به لعظم لحيته. وذكر الحافظ في التهذيب3: 87، في شيوخ"خالد بن دهقان"، باسم"خالد بن عبد الله سبلان". فيكون"سبلان" لقب خالد، كما بينا .....
وثبت اسمه على الصواب في ابن كثير، إذ نقله عن هذا الموضع من الطبري، ولكن زيد فيه"بن" بين الاسم واللقب. والظاهر أنه من تصرف الناسخين).
فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر. (1) غريب من هذا الوجه جدًا. (البقرة: 238)
…
119 - عن إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسًا عند عبد العزيز بن مروان فقال: يا فلان، اذهب إلى فلان فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر - وأنا غلام صغير - أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال: هذه الفجر، وقبض التي تليها، فقال: هذه الظهر. ثم قبض الإبهام، فقال: هذه المغرب. ثم قبض التي تليها، فقال: هذه العشاء. ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت: الوسطى. فقال: أي الصلاة بقيت؟ فقلت: العصر. فقال: هي العصر. (2) غريب أيضًا جدًا (3). (البقرة: 238)
120 -
وقيل: إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب. رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وفي إسناده نظر؛ فإنه رواه عن أبيه، عن أبي الجُمَاهر عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب. وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب وحكي أيضاً عن قتادة على اختلاف عنه. ووجه هذا القول بعضهم بأنها: وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية، وبأنها وتر المفروضات، وبما جاء فيها من الفضيلة، والله أعلم .... وقيل: بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وفي صحته أيضاً نظر والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمري، إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختاره - مع اطلاعه وحفظه - ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر. (البقرة: 238)
121 -
عن أبي عثمان النهدي، قال: أتيت أبا هريرة فقلت له: إنه بلغني أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة. فقال: وما أعجبك من ذلك؟ لقد سمعته
(1) تفسير الطبري (5/ 191). وضعفه أحمد شاكر.
(2)
تفسير الطبري (5/ 196). قال أحمد شاكر: (هذا إسناد مجهول - عندي على الأقل؟).
(3)
الموجود في طبعة مؤسسة الريان (1/ 382) غريب أيضا جدا، بخلاف الموجود في طبعة السلامة (1/ 654) غريب أيضا.
من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة". (1)
هذا حديث غريب، وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير. (البقرة: 245)
122 -
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء". ثم قرأ ابن عمر: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ} (2) وهذا إسناد ضعيف فإن يحيى بن سعيد هذا هو أبو زكريا العطار الحمصي وهو ضعيف جدًّا. (البقرة: 251)
123 -
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم". (3) وهذا أيضًا غريب ضعيف لما تقدم أيضا. (البقرة: 251)
124 -
125 - عن ثوبان - رفع الحديث - قال: "لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله". (4)
وقال ابن مردويه أيضًا:
…
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون وبهم تنصرون"
قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم. (5)(وهذان الحديثان ضعيفان، وإسناد كل منهما لا يثبت). (6)(البقرة: 251)
126 -
قال الحاكم أبو عبد الله في مستدركه:
…
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه! آية
(1) المسند (2/ 296). وضعفه الألباني في الضعيفةح (3975).
(2)
تفسير الطبري (5/ 374). وضعفه الألباني في الضعيفةح (815)، وضعيف الجامع ح (3574).
(3)
تفسير الطبري (5/ 375). وضعفه أحمد شاكر.
(4)
ورواه عبد الرزاق في المصنف برقم (20457) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا.
(5)
ورواه الطبراني في المعجم الكبير، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (5057).
فائدة: قال الإمام ابن القيم في المنار المنيف (ص136): "أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والاوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرب ما فيها: "لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلا، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر" ذكره أحمد ولا يصح أيضا، فإنه منقطع".
(6)
ما بين القوسين موجود في طبعة السلامة فقط (1/ 672).
الكرسي". (1)
وكذا رواه من طريق أخرى عن زائدة عن حكيم بن جبير ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا قال، وقد رواه الترمذي من حديث زائدة [به] ولفظه:"لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي". ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم فيه شعبة وضعفه.
قلت: وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد من الأئمة وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي. (البقرة: 255)
127 -
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ دُبُر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".
وهكذا رواه النسائي في "اليوم والليلة" عن الحسين بن بشر به (2) وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن حِمْير وهو الحمصي من رجال البخاري أيضًا فهو إسناد على شرط البخاري، وقد زعم أبو الفرج بن الجوزي أنه حديث موضوع (3) فالله أعلم. وقد روى ابن مردويه من حديث علي والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله نحو هذا الحديث. ولكن في إسناد كل منها ضعف. (البقرة: 255)
128 -
عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة فإنه من يقرؤها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعلْ له قلب الشاكرين ولسان الذاكرين وثواب المنيبين وأعمال الصديقين ولا يواظب على ذلك إلا نبي أو صديق أو عبد امتحنتُ قلبه للإيمان أو أريد
(1) المستدرك (2/ 259). وقال الألباني في الضعيفة ح (1348): (وبالجملة فالحديث ضعيف، غير أن طرفه الأول قد وجد ما يشهد له من حديث عبد الله بن مسعود، وهو مخرج في " الصحيحة " برقم (588)).
(2)
سنن النسائي الكبرى رقم (9928).وصحح المنذري والألباني الحديث. صحيح الترغيب ح (1595).
(3)
الموضوعات (1/ 244). قال ابن حجر: غفل ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وهذا من السمج ما وقع له. نقلا من تذكرة الموضوعات للفتني.
قتله في سبيل الله" (1)
…
وهذا حديث منكر جدًّا. (البقرة: 255)
129 -
قال أبو عيسى الترمذي:
…
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ: {حم} المؤمن إلى: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح" ثم قال: هذا حديث غريب وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مُلَيْكة المليكي من قبل حفظه (2). (البقرة: 255)
130 -
131 - وقد ورد في فضيلتها أحاديث أخر، تركناها اختصارًا لعدم صحتها وضعف أسانيدها كحديث على في قراءتها عند الحجامة: أنها تقوم مقام حجامتين.
وحديث أبي هريرة في كتابتها في اليد اليسرى بالزعفران سبع مرات، وتلحس للحفظ وعدم النسيان، أوردهما ابن مروديه، وغير ذلك. (البقرة: 255)
132 -
عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: {لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أن موسى عليه السلام سأل الملائكة هل ينام الله عز وجل؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام ففعلوا ثم أعطوه قارورتين فأمسكهما ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يده في كل يد واحدة قال: فجعل ينعس وينبه وينعس وينبه حتى نعس نعسة فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله عز وجل يقول: فكذلك السموات والأرض في يديه.
وهكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق فذكره. (3)
هو من أخبار بني إسرائيل وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام
(1) وفيه محمد بن الحسن النقاش، قال البرقاني كل حديثه منكر. وقال الخطيب: حديثه مناكير. وروى نحوه من حديث جابر رضي الله عنه لكنه ضعيف.
(2)
سنن الترمذي (2879).
(3)
تفسير الطبري (5/ 393). قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 41):
(ولا يثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلط من رفعه والظاهر أن عكرمة رأى هذا في كتب اليهود فرواه فما يزال عكرمة يذكر عنهم أشياء لا يجوز ان يخفى هذا على نبي الله عز وجل وقد روى عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب السنة عن سعيد بن جبير قال ان بني اسرائيل قالوا لموسى عليه السلام هل ينام ربنا وهذا هو الصحيح فإن القوم كانوا جهالا بالله عز وجل.
لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل وأنه منزه عنه. (البقرة: 255)
133 -
وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير:
…
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر، قال:"وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ فأرسل الله إليه ملكًا فأرقه ثلاثًا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما". قال: "فجعل ينام تكاد يداه تلتقيان فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان" قال: "ضرب الله له مثلا عز وجل: أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض". (1)
وهذا حديث غريب جدا والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم (البقرة: 255)
134 -
عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} قال: "كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل".
كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس، فذكره وهو غلط، وقد رواه وَكِيع في تفسيره:
…
عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره. وقد رواه الحاكم في مستدركه
…
عن ابن عباس موقوفًا مثله، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظُهَيْر الفزاري الكوفي - وهو متروك - عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يصح أيضًا. (البقرة: 255)
135 -
136 - عن عبد الله بن خليفة عن عمر، رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة. قال: فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطًا كأطيط الرَّحل الجديد من ثقله". (2)
وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما والطبراني وابن أبي عاصم في كتابي السنة لهما والحافظ الضياء في كتاب "المختار" من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن خليفة وليس بذاك المشهور وفي
(1) تفسير الطبري (5/ 394)، قال الحافظ ابن كثير في تفسير (فاطر: 41): (والظاهر أن هذا الحديث ليس بمرفوع، بل من الإسرائيليات المنكرة فإن موسى عليه السلام أجَلّ من أن يُجَوّز على الله سبحانه وتعالى النوم).
(2)
ورواه من طريقه الضياء المقدسي في المختارة رقم (151).
سماعه من عمر نظر ثم منهم من يرويه عنه عن عمر موقوفًا ومنهم من يرويه عنه مرسلا ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة ومنهم من يحذفها. (1)
وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود في كتابه السنة من سننه، والله أعلم (2)
وقد روى ابن مردويه وغيره أحاديث عن بريدة وجابر وغيرهما في وضع الكرسي يوم القيامة لفصل القضاء، والظاهر أن ذلك غير المذكور في هذه الآية
…
وقال: وقد اعتمد ابن جرير على حديث عبد الله بن خليفة، عن عمر في ذلك وعندي في صحته نظر والله أعلم. (البقرة: 255)
137 -
عن عمران بن حصين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أرسل بنفقة في سبيل الله، وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ومن غزا في سبيل الله، وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم". ثم تلا هذه الآية: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} وهذا حديث غريب. (3)(البقرة: 261)
138 -
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا - أو كدوحا - في وجهه". قالوا: يا رسول الله، وما غناه؟ قال:"خمسون درهما، أو حسابها من الذهب".وقد رواه أهل السنن الأربعة، من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي. (4) وقد تركه شعبة بن الحجاج، وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث. (البقرة: 273)
(1) ضعفه أحمد شاكر كما في الطبري (5/ 400)، والألباني في الضعيفةح (4978) من جميع طرقه وأشار أنه فيه ثلاث علل. فراجعها.
(2)
قَالَ جبير بن مطعم: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ جُهِدَتِ الأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «وَيْحَكَ أَتَدْرِى مَا تَقُولُ» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِى وُجُوهِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَانُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَيْحَكَ أَتَدْرِى مَا اللَّهُ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا» . وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» .رواه أبو داود ح (4726) وضعفه الألباني في الضعيفة (2639).
(3)
ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2761) عن هارون بن عبد الله به.
(4)
المسند (1/ 388) وسنن أبي داود برقم (1626) وسنن الترمذي برقم (650) وسنن النسائي (5/ 97) وسنن ابن ماجة برقم (1840). وصححه الألباني في الصحيحة ح (499).
139 -
عن عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، عن أبيه قال: كان لعلي أربعة دراهم، فأنفق درهمًا ليلا ودرهمًا نهارًا، ودرهمًا سرًا، ودرهما علانية، فنزلت:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سِرًّا وَعَلانِيَةً} وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف. (البقرة: 274)
140 -
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا". ورواه الإمام أحمد، عن حسن وعفان، كلاهما عن حماد بن سلمة، به. (1) وفي إسناده ضعف. (البقرة: 275)
141 -
عن أبي إسحاق الهمداني، عن أم يونس - يعني امرأته العالية بنت أيفع - أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم -: يا أم المؤمنين، أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته عبدًا إلى العطاء بثمانمائة، فاحتاج إلى ثمنه، فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة. فقالت: بئس ما شريت! وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب قالت: فقلت: أرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم، {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} .
وهذا الأثر مشهور، وهو دليل لمن حرم مسألة العينة، مع ما جاء فيها من الأحاديث المقررة في كتاب الأحكام، ولله الحمد والمنة
…
وبعدها نقل ابن كثير عن السهيلي أنه قال: ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف. (البقرة: 275)
142 -
وقد رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق (2) عن عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا تصدق من طيب، يقبلها الله منه، فيأخذها بيمينه، ويُرَبِّيها كما يربي
(1) سنن ابن ماجة برقم (2273) والمسند (2/ 353). وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (496)، وضعيف الجامع (133).
(2)
قال أحمد شاكر في الطبري (6/ 19): (وقد انفرد ابن كثير بشيء لا أدري ما هو؟ ذكر أنه"رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الملك بن إسحق"!! ولم أجد في الرواة من يسمى بهذا. فلا أدري أهو سهو منه، أم تخليط من الناسخين؟).
أحدكم مُهْره أو فصيله وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله - أو قال: في كف الله - حتى تكون مثل أحد، فتصدقوا". (1)
وهكذا رواه أحمد، عن عبد الرزاق. وهذا طريق غريب صحيح الإسناد، ولكن لفظه عجيب، والمحفوظ ما تقدم. (البقرة: 276)
143 -
عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له على رجل حق فأخره كان له بكل يوم صدقة". (2)
غريب من هذا الوجه وقد تقدم عن بريدة نحوه. (البقرة: 280)
144 -
عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول من جحد آدم، عليه السلام، أن الله لما خلق آدم، مسح ظهره فأخرِج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلا يَزْهر، فقال: أي رب، من هذا؟ قال: هو ابنك داود. قال: أي رب، كم عمره؟ قال: ستون عامًا، قال: رب زد في عمره. قال: لا إلا أن أزيده من عمرك. وكان عمر آدم ألف سنة، فزاده أربعين عامًا، فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة، فلما احتُضر آدم وأتته الملائكة قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عامًا، فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلت. فأبرز الله عليه الكتاب، وأشهد عليه الملائكة". (3)
وحدثنا أسود بن عامر، عن حماد بن سلمة، فذكره، وزاد فيه:"فأتمها الله لداود مائة، وأتمها لآدم ألف سنة".
وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن يوسف بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عن حماد بن سلمة به.
هذا حديث غريب جدا، وعلي بن زيد بن جُدعان في أحاديثه نكارة. (البقرة: 282)
145 -
عن أمية قالت: سألت عائشة عن هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "هذه مبايعة الله العبد، وما يصيبه من الحمى، والنَّكبة، والبضاعة يضعها في يد كمه، فيفتقدها فيفزع لها، ثم يجدها في ضِبْنِه، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج
(1) المسند (2/ 404). وقال أحمد شاكر في الطبري (6/ 19): (ولسنا نرى في هذا اللفظ عجبا، ولا في الإسناد غرابةّ! وهو صحيح على شرط الشيخين). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/ 209).
(2)
المسند (4/ 442).
(3)
المسند (1/ 251).
التبر الأحمر". وكذا رواه الترمذي، وابن جرير من طريق حماد بن سلمة، به. (1) وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه.
قلت: وشيخه علي بن زيد بن جُدْعان ضعيف، يغرب في رواياته وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه: أم محمد أمية بنت عبد الله، عن عائشة، وليس لها عنها في الكتب سواه. (البقرة: 284)
146 -
قال أبو عيسى الترمذي:
…
عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان". ثم قال: هذا حديث غريب.
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. (2) (البقرة: 285)
147 -
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". وقد روي من طُرُق أخَرَ وأعله أحمد وأبو حاتم (3) والله أعلم. (البقرة: 285)(1/ 741)
(1) سنن الترمذي رقم (2991)، والطبري (6/ 117).وذكره الألباني في ضعيف الترغيب ح (2000).
(2)
سنن الترمذي (2882)، والمستدرك (1/ 562). وضعفه أبو إسحق الحويني في مجلة التوحيدعدد (8) عام2000، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وصحيح الترغيب ح (1467).
(3)
العلل لابن أبي حاتم (1/ 431)،والعلل للإمام أحمد (1/ 227) وانظر في تفصيل الكلام على الحديث وعلته: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب (2/ 361) ط. الرسالة، وفتح الباري للحافظ ابن حجر (5/ 161). فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (1/ 314): " وقال أبى: (لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء. إنما سمعه من رجل لم يسمعه. أتوهم أنه عبد الله بن عامر أو إسماعيل بن مسلم ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده)، وصحح الألباني الحديث في الإرواء (1/ 124) ح (82).