الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب نزول قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ)
السؤال الأول: ما سبب نزول هذه الآيات: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75 - 77]؟
الجواب
قال أهل السنة -من العلماء- على رأسهم ابن جرير وابن كثير: سبب نزولها أن رجلاً اسمه {ابن جميل عاهد الله عز وجل، وكان فقيراً، وقال: يا رب! أعاهدك إذا رزقتني مالاً أن أجعله في طاعتك، وأنفقه في مرضاتك، فأعطاه الله ما شاء من المال، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يجبي الصدقة، فذهب فمر على المسلمين فأعطوه الصدقات، إلا العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد وابن جميل، منعوا الثلاثة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم -وأصل الحديث في البخاري ومسلم - فقال عليه الصلاة والسلام: {أما العباس فهي عليَّ ومثلها -يعني: الزكاة لأنه دفعها لسنتين، فهي دين على الرسول صلى الله عليه وسلم وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله} أي: جعل ماله وقف فلا زكاة عليه، فلماذا تطلب منه زكاة؟
يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله
خالد عنده مائة فرس جعلها وقفاً في سبيل الله، ومائة درع كذلك، والوقف لا زكاة فيه.
وأما ابن جميل الداهية الدهياء، فيقول فيه عليه الصلاة والسلام:{وأما ابن جميل فما ينقم إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} يقول لـ ابن جميل كالمستهزئ به والمتظاهر عليه، يقول:{كان فقيراً فأغناه الله} فهذا جزاء المعروف والإحسان، فأنزل الله في ابن جميل آيات بأسلوب لا يجرح ولا يشهر، وهو أسلوب الداعية الناجح فلا يسمي الأسماء ولا الكيانات ولا الهيئات والأشخاص، وقد كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا تكلم: يا أيها الناس! إن منكم من فعل كذا وكذا ولا يسمي، أنزل الله:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75 - 77] وهذه الآية تسري على كل من يفعل ذلك، فالمال مال الله، والمنصب لله، والصحة أعطاها الله، والرزق من الله، فليس لأحد منَّة على الله بل المنة كلها لله، وكثير من الناس تمر بهم ظروف فقر ويعاهدون الله في وقت الرخاء أن يبذلوا وأن يعطوا؛ فإذا منحهم الله؛ تولوا على أعقابهم ونكصوا ونقضوا عهد الله وميثاقه.
أذكر قصة باختصار ذكرها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وهي في الصحيحين من حديث أبي هريرة، يقول: {كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل ثلاثة: أقرع وأبرص وأعمى؛ الأقرع: الذي لا شعر في رأسه، والأبرص: الذي تغير جلده من البرص وذهب بهاؤه، والأعمى: الذي ذهب بصره، أراد الله أن يبتليهم، فأرسل لهم ملكاً من السماء، فمر على الأقرع، فقال: ماذا تشتهي وتتمنى؟
قال: أتمنى من الله أن يرد علي شعر رأسي الذي قذرني الناس به، فسأل الله أن يرد عليه شعره فرده، ثم قال: ماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: أشتهي الإبل، فدعا الله له فرزقه الله بناقة فولدت وأنتجت حتى ملأت الوادي، ثم ذهب إلى الأبرص وقال: ماذا تطلب من الله؟ قال: جلداً حسناً يرده الله علي فقد قذرني الناس بجلدي، فسأل الله فرد عليه الجلد الحسن، قال: ماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: البقر، فسأل الله فأعطاه بقرة فولدت وأنتجت حتى ملأت الوادي، ثم ذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تشتهي؟ قال: أن يرد الله علي بصري}.
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور
وعند العمى أقول: العمى قسمان: عمى القلب وهو الذي لا طب فيه إلا أن يشاء الله، وعمى البصر وهو سهل، فعمى البصر سهل وأجر من عمي على الله، يقول سبحانه في الحديث القدسي في البخاري:{من ابتليته بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة} وأما عمى القلب فهو الذي ليس بعده عمى، يقول سبحانه:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] وقال: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
{فأعطاه، ثم قال: وماذا تشتهي من الأنعام؟ قال: الغنم، فسأل الله له شاة فأعطاه شاة فأنتجت حتى ملأت وادياً، ثم ذهب الملك وتغير في صورة مسكين} الله الذي يصوره، فقد صور جبريل له ستمائة جناح كل جناح يسد ما بين المشرق إلى المغرب، ومرة يصوره في صورة رجل كما في الصحيحين يوم أتى يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الإسلام، واسمع قول الله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1].
{أتى هذا الملك على صورة مسكين، فمر بالأقرع، قال: أريد منك ناقة، أنا فقير ومسكين، قال: المال مالي ولا أعطيك شيئاً، قال: كنت أقرع وكنت فقيراً فرزقك الله، قال: لا.
ورثت المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً فردك الله على ما كنت، فرده الله أقرع فقيراً، ثم ذهب إلى الأبرص، وقال: أعطني بقرة أتقوت بها، قال: لا.
المال مالي، قال: قد كنت أبرص فقيراً، قال: لا.
ما كنت أبرص وما كنت فقيراً، قال: إن كنت كاذباً فردك الله على ما كنت، فرده الله كما كان، ثم ذهب إلى الأعمى فسأله قال: خذ ما شئت واترك ما شئت، والله لا أشكرك على ما تركت، كنت أعمى فرد الله عليَّ بصري، وكنت فقيراً فأعطاني الله فخذ ما أردت، قال: أما أنت فقد رضي الله عنك وغضب على صاحبيك} وهذه النعم تجري، زكاة البدن تستخدمه في طاعة الله، وزكاة العينين البكاء، وزكاة اللسان الثناء، وزكاة الجسم الحياء، وكلها مما أوجبه الله على عباده.