الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " رب أعن بِرَحْمَتك "
مُقَدّمَة الْمُؤلف
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم على بن الْحسن بن هبة الله الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي: الْحَمد لله الْقَادِر القاهر، القوى المتين، الْإِلَه الْفطر، الغافر السَّاتِر، الْغنى الْمعِين، أَحْمَده حمد من يعْتَرف لَهُ بالإبداع، والإيجاد والتكوين، وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ توكل ذوى الْإِخْلَاص، وَالْيَقِين، وَأشْهد أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ذُو الْفضل الْمُبين، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُخْتَار لِلنَّبِيِّينَ صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه ذوى الْعقل الرصين، صَلَاة مقرونة بالمزيد، والدوام، إِلَى يَوْم الدّين.
أما بعد
…
فَإِن الله تَعَالَى خلق خلقه منم الطين، وأنشاهم بقدرته - كَمَا شَاءَ - من المَاء المهين، وجعلهم بِحِكْمَتِهِ وإرادته نطفا فِي الْقَرار المكين، وَأحسن صورهم إِذْ صورهم غَايَة التحسين، وَخص أمة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِالْفَضْلِ المستبين، وَأرْسل إِلَيْهِم رَسُولا فيهم أيده بالحجج والبراهين، فعلمهم، وفهمهم، وأدبهم، على وَجه التمرين. وَأمر أمته المرحومة بِطَلَب الْعلم وَلَو بالصين، ليميزوا بِهِ إِذا سَمِعُوهُ: بَين الغث والسمين، ووعد الثَّوَاب لمن حفظ التَّبْلِيغ، والتلقين، على أمته
أَرْبَعِينَ حَدِيثا من أَمر الدّين، حرصا على إرشادهم إِلَى اقتناء النفيس الثمين، وخوفا عَلَيْهِم أَن يثبتوا دينهم بِالظَّنِّ، والتخمين، فيوقعه ترك امْتِثَال أمره فِي التَّغْيِير، والتلوين، فجدوا فِي اقتباسه فِي سَائِر الْأَوْقَات، والأحايين، وطاروا فِي التماسه إِلَى الْبلدَانِ. كلاعقبان، والشاهين، وعاشوا بِسَبَبِهِ فِي الغربة عَيْش الْفقر، وَالْمَسَاكِين، وتجوزوا فِي طلبه بِأَكْل الخشن وَلبس الثخين.
فَرب عَزِيز جَبَّار فِي غربته، كالبائس الْمِسْكِين، وَرب منعم أضحى لطول المعاناة، كالخاضع المستكين، وَلم يشغلهم عَن اكتسابه الشَّهَوَات، وشم الرياحين، وَحَمَلُوهُ عَن أربابه بالجد فِيهِ، ورفض التهوين، واستكثروا من السماع من الْعَالم بِهِ الصَّادِق الْأمين، وَكتب القرين مِنْهُم لِحِرْصِهِ عَلَيْهِ عَن القرين، حَتَّى أحكموا فِيهِ وُجُوه التَّصْحِيح لَهُ، والتوهين، ودونوه عَن أئمتهم، وشيوخهم الثِّقَات أحكم التدوين، وزينوه للطَّالِب لَهُ بتصنيفهم، وتأليفهم أبلغ التزيين، وَمكن الله لَهُم فِي نشره أحسن التَّمْكِين، ونسبوا لأَجله إِلَى الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم بِالتَّعْيِينِ، فجعلهم الله سُبْحَانَهُ برحمته من أَصْحَاب الْيَمين، وزوجهم بكرمه فِي دَار كرامته بالحور الْعين، فَلَمَّا وقف علماؤهم على مَا حضهم نَبِيّهم عليه الصلاة والسلام؛ بَادر بَعضهم إِلَى امْتِثَال مَا ندبهم إِلَيْهِ، وصنف جمَاعَة مِنْهُم " أربعينات " سَمِعت مِنْهُم، واشتهرت بهم، ونقلت عَنْهُم، وَاخْتلفت مقاصدهم فِي تصنيفها، وَلم يتفقوا على غَرَض وَاحِد فِي تأليفها، بل اخْتلفُوا فِي جمعهَا، وترتيبها، وتباينوا فِي عدهَا وتبويبها. 1 - فَمنهمْ: من اعْتمد على ذكر أَحَادِيث التَّوْحِيد، وَإِثْبَات الصِّفَات للرب عز وجل، والتمجيد.
2 -
وَمِنْهُم: من قصد ذكر أَحَادِيث الْأَحْكَام؛ لما فِيهَا من التَّمْيِيز بَين الْحَلَال وَالْحرَام. 3 - وَمِنْهُم: من اقْتصر على نَقله بالعبادات وَيكون سَببا لِاكْتِسَابِ الْقرب فِي الطَّاعَات. 4 - وَمِنْهُم: من اخْتَار سلوك طَرِيق أَصْحَاب الْحَقَائِق فِي إِيرَاد أَحَادِيث المواعظ وَالرَّقَائِق. 5 - وَمِنْهُم: من قصد إِخْرَاج مَا صَحَّ سَنَده، وسلمك من الطعْن عِنْد الْأَئِمَّة مورده. 6 - وَمِنْهُم: من كَانَ قَصده وَمرَاده: إِخْرَاج مَا علا عِنْد إِسْنَاده. 7 - وَمِنْهُم: من أحب تَخْرِيج مَا طَال مَتنه، وَظهر لَهُ حِين يسمعهُ حسنه. إِلَى غير ذَلِك من الْأَنْوَاع الَّتِي قصدوها، والأغراض الَّتِى سنحت لَهُم وأرادوها، وكل مِنْهُم لم يأل فِي طلب الْأجر، وَلم يقْتَصر فِي اقتناء الثَّوَاب وَالْأَجْر، وسمى كل وَاحِد مِنْهُم كِتَابَة بِكِتَاب الْأَرْبَعين، فرحمة الله ورضوانه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، كَمَا نشرُوا الدّين، وأظهروا الْحق الْمُبين، وَفِيهِمْ لمن بعدهمْ أُسْوَة، وهم لمن اقتفى آثَارهم الْقدْوَة: 1 - فَمنهمْ " مُحَمَّد بن أسلم الطوسي الطَّبَرَانِيّ ". 2 - وَأَبُو الْعَبَّاس الْحسن بن سُفْيَان النسوى الشَّيْبَانِيّ. 3 - وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُرِّيُّ. 4 - وَمُحَمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئ. 5 - وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّد الجوزقاني. 6 - وَأحمد بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ.
7 -
وَأَبُو الْخَيْر يزِيد بن رِفَاعَة الْهَاشِمِي. 8 - وَأَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السّلمِيّ. 9 - وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي. 10 - وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقشيرِي. 11 - وَأَبُو سعد أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن الْخَلِيل المالينى. 12 - وَأَبُو الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم بن نصر المقدسى الفلسطيني. 13 - وَأَبُو نعيم أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ. 14 - وَأَبُو سعد أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المطرى الهمذاني. 15 - وَأَبُو نصر مُحَمَّد بن على بن ودعان الموصلى. 16 - وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأنصارى الْحَنْبَلِيّ. وشيخانا: 17 - أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفضل الفراوى الشَّهْر ستاني. 18 - وَأَبُو سعيد إِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْكرْمَانِي الْمُؤَذّن. ولغير من سميت من قوم آخَرين، من المتقديمن من أَصْحَاب الحَدِيث، والمتأخرين فِي هَذَا الْمَعْنى، مَا كفى وأغنى، وَقد وَقع لى من أربعيناتهم نَحْو الثَّلَاثِينَ، لَوْلَا خشيَة الإطالة لذكرت أسانيدها بِالتَّعْيِينِ، وَقد جمعت أَنا: 1 - الْأَرْبَعين الطوَال. 2 - وَالْأَرْبَعِينَ فِي الأبدال العوالى. 3 - و " الْأَرْبَعين " فِي الِاجْتِهَاد فِي إِقَامَة فرض الْجِهَاد.
ثمَّ لما عثر بعض أَصْحَابِي، وحبِيب من أحبابي على " الْأَرْبَعين " الَّتِى صنفها الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ، بَقِيَّة السّلف، ومقتدى أَصْحَاب
الحَدِيث من الْخلف، أَبُو طَاهِر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ السلَفِي فسح الله فِي أَجله، وَختم بِخَير عمله، فَإِنَّهُ شيخ الْجَمَاعَة، والمقدم فِي هَذِه الصِّنَاعَة، وَأَعْلَى الْجَمَاعَة سندا، وَأَحْسَنهمْ فِي جمع الحَدِيث فَنًّا، وأقدمهم لَهُ سَمَاعا ا، وأعظمهم فِيهِ ارتفاعا، وَجعلهَا أَرْبَعِينَ حَدِيثا، عَن أَرْبَعِينَ شَيخا، فِي أَرْبَعِينَ مَدِينَة، أبان بهَا عَن رحْلَة وَاسِعَة، وَأظْهر فِيهَا رُتْبَة عالية مبينَة، وسألني أَن أقتدى بسنته، وأقتضى سَبيله فِي صَنعته، فأجبته إِلَى مَا التمس من ذَلِك الْغَرَض، وَجعلت سلوك سَبِيل ذَلِك الشَّيْخ كالشء المفترض، وَلَقَد أحسن فِيمَا قصد، وَأغْرب فِيمَا لَهُ اعْتمد، وزدت على مَا أَتَى بِهِ من الغرابة؛ بِأَن جَعلتهَا عَن أَرْبَعِينَ من الصَّحَابَة وهى إِذا اعْتبرت تخرج فِي أَرْبَعِينَ بَابا، كل بَاب مِنْهَا إِذا جمع إِلَيْهِ مَا يتلوه صَار كتابا، وبينت صحيحها من معلولها، وأبنت مقبولها من مردودها، وتكلمت على أَحْوَال نقلتها، وَعرفت برواتها وحملتها، وَذكرت من أسمائهم، وَكُنَاهُمْ، وأنسابهم، مَا الْعلَّة يخفى ليَكُون الِانْتِفَاع بهَا لمن أَرَادَ تَحْصِيلهَا، أوفى مَا تكون الإستفادة مِنْهَا، وأكملها، وفوائدها أَعم وأشمل، وَإِذا ذكرت حَدِيثا للضَّرُورَة نازلا أوردته من وَجه آخر عَالِيا؛ ليكمل لطالبه الابتهاج بحصوله وَيصير لَدَيْهِ عَزِيزًا غَالِبا، فَإِن لعلو الْإِسْنَاد فِي الْقلب فرحة وَقد عد بعض الْعلمَاء نزُول الحَدِيث ترحة، وَقد قَالَ بعض من رغب فِي الحَدِيث وتحصيله: إِن قرب الْإِسْنَاد قرب إِلَى الله وَإِلَى رَسُول صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخْبرنِي الشريف أَبُو الْحسن زيد بن الْحسن بن زيد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن مُوسَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِم بن حَمْزَة
ابْن مُوسَى بن جَعْفَر الموسرى الطوسى بطابران قَالَ: أَنا أَبُو الْخَيْر عبد الله بن مَرْزُوق الهروى، أَنا أَبُو الْفضل الطبسى قَالَ: أَنا مُحَمَّد بن الْقَاسِم الفرسي، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّد الْحَافِظ قَالَ: ثَنَا أَبُو عبد الله المخضوب قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ يَقُول يحيى ابْن معِين يَقُول: الْإِسْنَاد النَّازِل ترحة فِي الْوَجْه، والإسناد العالى قرب إِلَى الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم فَأول مَا أبدأ بِهِ:
" ذكر أَحَادِيث فِي الْحَث على حفظ أَرْبَعِينَ حَدِيثا من السّنة " وَأَن من حفظهَا: يكون فَقِيها مستوجبا للشفاعة وَدخُول الْجنَّة.
ثمَّ أرْدف ذَلِك بِذكر حَدِيث سمعته حِين حللت فِي كل بلد دَخلته، وَمن سَائِر الأفاق؛ من الْحجاز، وَالشَّام، وخراسان، وَالْجِبَال، والجزيرة، وَالْعراق.
وَأول مَا أبدأ بِهِ: ذكر الْحَرَمَيْنِ الشريفين، المعظمين، الْمُكرمين، ثمَّ الشَّام، وَالْعراق، وأصبهان، ومدن كور خُرَاسَان؛ إِلَى غير ذَلِك من الْأَمْصَار الَّتِى دَخَلتهَا فِي سَائِر الأقطار، وقدج أخرجت لذكر ذَلِك معجما مُفردا، فَمن وقف عَلَيْهِ وجد ذكرهَا فِيهِ مُقَيّدا، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك إِلَّا لذى رحْلَة وَاسِعَة وصفاق آفَاق، وَجَوَاب بِلَاد شاسعة قد ادرع من الْأَهْوَال وَقطع الفراسخ، وَأنْفق الْأَمْوَال فِي لِقَاء الْمَشَايِخ، واستهان الشدائد، وانتهز الْفَوَائِد، وَقد رزق الله سُبْحَانَهُ من ذَلِك مَا يسره، وَسَهل مِنْهُ مَا شَاءَ وَقدره، فَلهُ الْحَمد على مَا أعْطى ومنح، وَله الشُّكْر على مَا من بِهِ وَفتح، وَالله يعصمنا من المباهاة، ويعيذنا من المنافسة والمراءاة، فَإِنَّهُ الْمُوفق للسداد، والمعين على بُلُوغ المُرَاد.
أَرْبَعُونَ حَدِيثا لأربعين شَيخا من أَرْبَعِينَ بَلْدَة