الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره ورده السلام على الناس
السؤال
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون} وثبت عنه: {ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه} وثبت عنه: إن الله وكل ملكاً أعطاه سمع العباد فما من مسلم يصلي علي إلا وبلغني منه الصلاة} أو كما قال، فما نوع هذه الحياة التي امتاز الأنبياء عن غيرهم بها إن كنا نقول إنها حياة برزخية؟ ثم كيف نوفق بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وإذا ردت روحه صلى الله عليه وسلم عليه فهل يعني هذا أن روحه لا تزال مردودة في الليل والنهار، لكثرة من يسلم عليه في مشارق الأرض ومغاربها؟ وهل يسمع هو صلى الله عليه وسلم السلام عليه عند قبره؟ وإن كان الجواب بالنفي، فلماذا شرع لزوار القبور السلام على الموتى؟
الجواب
الجواب يحتاج إلى رسالة، ولكن نوجز مراعين الإفادة، النبي صلى الله عليه وسلم لا شك عندنا في موته، وقبل أن نتحدث عن حياته بعد الموت نقرر أولاً: هل مات أم لا، فقد قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] فقد مات صلى الله عليه وسلم، كما في صريح القرآن والسنة وإجماع الأمة، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت فهو كافر، إذاً فقد مات صلى الله عليه وسلم، أي: مات الميتة التي كتبها الله على من عاش هذه الحياة الدنيا التي نحياها نحن اليوم، والتي سنموت كما مات صلى الله عليه وسلم، فقد كتب الله تعالى الموت على جميع النفوس، الصالح منها والطالح.
ثم صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه بعد موته يرد السلام على من يصلي ويسلم عليه، إذاً هناك شيء آخر، بل هنالك آية في كتاب الله عز وجل، تقول:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] إذاً الشهداء أحياء والأنبياء أحياء، فأي الحياتين تكون أكمل وأعظم؟ حياة الأنبياء بلا شك هي أعظم من حياة الشهداء، ونقول في الموت: ميتة الحياة الدنيوية، والحياة الأخرى لا نعلم كنهها ولا حقيقتها إلا لما يأتينا من نص فنؤمن به، ولا نتردد في ذلك، ولا نعارضه بعقولنا وآرائنا، فإذاً هو صلى الله عليه وسلم، في حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ولا تعارض بين الأحاديث ولله الحمد في ذلك.
أما كونه يرد السلام على من يسلم عليه صلى الله عليه وسلم، فيكون معنى ذلك أن روحه ما تزال مترددة، نقول ما دمنا قررنا أنها حياة برزخية لا نعرف كنهها، فكيف نجادل فيما لا نعرف؟ فهل ترجع روحه وترد السلام، ثم تذهب ثم ترجع؟ نحن لا نعرف نوع الحياة أصلاً لكن الواجب علينا فيها هو أن نسلم ونؤمن بهذه الأحاديث ولا نبحث ولا نخوض فيما وراء ذلك، هذا هو مقتضى الإيمان به وبكل ما يخبر عنه صلى الله عليه وسلم.
وأما سماعه صلى الله عليه وسلم لمن يسلم عليه عند قبره، أو غيره من الموتى، فهذا أيضاً لا يتعارض مع ذلك، فالمسلم إذا سلم وأسمع الله سبحانه وتعالى الموتى ذلك فهذا نفس الشيء، وهو أنه راجع إلى نوع الحياة البرزخية التي يحيونها، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لنا ذلك ما فعلناه، ولما زرنا القبور، ولما سلمنا على الموتى، فما دمنا نسير في حدود ما شرع، وما دمنا متبعين لما جاء به صلى الله عليه وسلم، فلن نضل ولن نشقى.
أما إذا قيل: إنه ما دام حياً إذاً ندعوه، ونستغيث به، ونتوسل به، فنقول: لا، هذا خطأ، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كانوا يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم، واستسقوا بدعائه في حياته، ولما مات استسقوا بعمه العباس، فالنبي صلى الله عليه وسلم موجود ولكن لم يقولوا أنه حي، وعرفوا أن هذا العمل يكون من الأحياء وأنه صلى الله عليه وسلم بموته لا تلحقه الأحكام التي كانت له في حياته ولكن في حدود ما ورد فقط، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أمر عمر أن يطلب من أويس القرني وهو تابعي، أن يستغفر له، فلماذا يطللب منه وهو من التابعين ولا يطلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول: هكذا شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته لا نتقرب ولا نعمل أي عمل إلا بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فقط، والكلام في هذا كثير، وحسبنا ذلك.