المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع لهأولها: الله ، قال الله جل ثناؤه: {الله خالق كل شيء} [ - الأسماء والصفات - البيهقي - جـ ١

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ عَدَدِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ

- ‌بَابُ بَيَانِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ

- ‌بَابُ بَيَانِ أَنَّ لِلَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَسْمَاءً أُخْرَى وَلَيْسَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا» نَفْيُ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّخْصِيصُ بِذِكْرِهَا لِأَنَّهَا أَشْهَرُ الْأَسْمَاءِ وَأَبْيَنُهَا مَعَانِيَ وَفِيهَا وَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ «مَنْ حَفِظَهَا» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ

- ‌بَابُ جِمَاعِ أَبْوَابِ مَعَانِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ عَزَّ ذِكْرُهُ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَلِيمِيُّ فِيمَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِقْرَارُ بِهِ فِي الْبَارِي سبحانه وتعالى عِدَّةَ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: إِثْبَاتُ الْبَارِي جل جلاله لِتَقَعَ بِهِ مُفَارَقَةُ التَّعْطِيلِ وَالثَّانِي: إِثْبَاتُ وَحْدَانِيَّتِهِ لِتَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ إِثْبَاتَ الْبَارِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالِاعْتِرَافَ بِوُجُودِهِ جَلَّ وَعَلَا مِنْهَا الْقَدِيمُ وَذَلِكَ مِمَّا يُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ

- ‌بَابُ جِمَاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ إِثْبَاتَ الْإِبْدَاعِ وَالِاخْتِرَاعِ لَهُأَوَّلُهَا: اللَّهُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [

- ‌بَابُ جُمَّاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ مِنْهَا «الْأَحَدُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ ، كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا عَدِيدَ ، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ عز وجل نَفْسَهُ بِهَذَا الِاسْمِ ، لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ

- ‌بَابُ جُمَّاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ إِثْبَاتَ التَّدْبِيرِ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: فَأَوَّلُ ذَلِكَ «الْمُدَبِّرُ» وَمَعْنَاهُ مُصَرِّفُ الْأُمُورِ عَلَى مَا يُوجِبُ حُسْنَ عَوَاقِبِهَا وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الدُّبُرِ فَكَانَ الْمُدَبِّرُ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى دُبُرِ الْأُمُورِ فَيَدْخُلُ فِيهِ عَلَى عِلْمٍ بِهِ وَاللَّهُ جل جلاله عَالِمٌ بِكُلِّ مَا هُوَ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حُرُوفِ الْمُقَطَّعَاتِ فِي فَوَاتِحَ السُّوَرِ وَأَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْكَلِمَةِ الْبَاقِيَةِ فِي عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَهِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى وَدَعْوَةُ الْحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ: ضَمَّنَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَمَرَ الْمَأْمُورِينَ بِالْإِيمَانِ أَنْ

- ‌بَابُ جُمَّاعِ أَبْوَابِ إِثْبَاتِ صِفَاتِ اللَّهِ عز وجل وَفِي إِثْبَاتِ أَسْمَائِهِ إِثْبَاتُ صِفَاتِهِ ، لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَوْجُودًا ، فَوُصِفَ بِأَنَّهُ حَيٌّ ، فَقَدْ وُصِفَ بِزِيَادَةِ صِفَةٍ عَلَى الذَّاتِ هِيَ الْحَيَاةُ ، فَإِذَا وُصِفَ بِأَنَّهُ قَادِرٌ فَقَدْ وُصِفَ بِزِيَادَةِ صِفَةٍ هِيَ الْقُدْرَةُ ، وَإِذَا وُصِفَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ فَقَدْ وُصِفَ بِزِيَادَةِ صِفَةٍ هِيَ الْعِلْمُ ، كَمَا

- ‌جُمَّاعُ أَبْوَابِ إِثْبَاتِ صِفَةِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ لِلَّهِ عز وجل وَكِلْتَاهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ ، وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ رحمه الله يَقُولُ: مِنْ أَسَامِي صِفَاتِ الذَّاتِ مَا يَعُودُ إِلَى الْإِرَادَةِ مِنْهَا: الرَّحْمَنُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لَرِزْقِ كُلِّ حَيٍّ فِي دَارِ الْبَلْوَى وَالِامْتِحَانِ وَمِنْهَا «الرَّحِيمُ» وَذَلِكَ الْمُرِيدُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ رضي الله عنهم فِي إِثْبَاتِ الْمَشِيئَةِ

- ‌جِمَاعُ أَبْوَابِ إِثْبَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ وَمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل غَيْرُ مُحْدَثٍ ، وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَا حَادِثٍ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي إِسْمَاعِ الرَّبِّ عز وجل بَعْضَ مَلَائِكَتِهِ كَلَامَهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ بِهِ مَوْصُوفًا وَلَا يَزَالُ بِهِ مَوْصُوفًا ، وَتَنْزِيلُ الْمَلَكِ بِهِ إِلَى مَنْ أُرْسِلَهُ إِلَيْهِ ، وَمَا يَكُونُ فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ مِنَ الْفَزَعِ عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ رضي الله عنهم فِي أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ

الفصل: ‌باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع لهأولها: الله ، قال الله جل ثناؤه: {الله خالق كل شيء} [

‌بَابُ جِمَاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ إِثْبَاتَ الْإِبْدَاعِ وَالِاخْتِرَاعِ لَهُ

أَوَّلُهَا: اللَّهُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [

الرعد: 16]

ص: 56

26 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ ، ثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟

⦗ص: 57⦘

، قَالَ:«اللَّهُ» قَالَ: فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ ، وَجَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَدَقَةً فِي أَمْوَالِنَا قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ ، قَالَ:«نَعَمْ» قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، قَالَ:«صَدَقَ» قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ ، فَلَمَّا مَضَى قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى «اللَّهِ» : إِنَّهُ الْإِلَهُ ، وَهَذَا أَكْبَرُ الْأَسْمَاءِ وَأَجْمَعُهَا لِلْمَعَانِي ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ مَوْضُوعٌ غَيْرُ مُشْتَقٍّ ، وَمَعْنَاهُ الْقَدِيمُ التَّامُّ الْقُدْرَةِ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ سَابِقًا لِعَامَّةِ الْمَوْجُودَاتِ كَانَ وُجُودُهَا بِهِ ، وَإِذَا كَانَ تَامَّ الْقُدْرَةِ أَوْجَدَ الْمَعْدُومَ ، وَصَرَفَ مَا يُوجِدُهِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ ، فَاخْتَصَّ لِذَلِكَ بِاسْمِ الْإِلَهِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ أَحَدٌ سِوَاهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ الْإِلَهِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ ، فَقَدْ رَجَعَ قَوْلُهُ إِلَى أَنَّ الْإِلَهَ إِذَا كَانَ هُوَ الْقَدِيمُ التَّامُّ الْقُدْرَةِ كَانَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَاهُ صَنِيعًا لَهُ ، وَالْمَصْنُوعُ إِذَا عُلِمَ صَانِعُهُ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْذِيَ لَهُ بِالطَّاعَةِ وَيَذِلُّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ ، لَا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى بِتَفْسِيرِ هَذَا الِاسْمِ قُلْتُ: وَهَذَا الِاسْتِحْقَاقُ لَا يُوجِبُ عَلَى تَارِكِهِ إِثْمًا وَلَا عِقَابًا مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِيمَا أُخْبِرْتُ عَنْهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ ، هَلْ هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ أَوْ مُشْتَقٌّ؟ فَرُوِيَ

⦗ص: 58⦘

فِيهِ عَنِ الْخَلِيلِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ ، فَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْأَلْفِ أَوِ اللَّامِ مِنْهُ ، كَمَا يَجُوزُ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَرَوَى عَنْهُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ ، فَكَانَ فِي الْأَصْلِ إِلَاهٌ مِثْلَ فِعَالٍ ، فَأَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُهُ فِي الْكَلَامِ إِلَهٌ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ أَلَهَ الرَّجُلُ يَأْلَهُ إِلَيْهِ إِذَا فَزِعَ إِلَيْهِ مِنْ أَمَرٍ نَزَلَ بِهِ ، فَآلَهَهُ أَيْ أَجَارَهُ وَآمَنَهُ ، فَسُمِّيَ إِلَاهًا كَمَا يُسَمَّى الرَّجُلُ إِمَامًا إِذَا أَمَّ النَّاسَ فَأْتَمُّوا بِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْمًا لِعَظِيمٍ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أَرَادُوا تَفْخِيمَهُ بِالتَّعْرِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ ، لِأَنَّهُمْ أَفْرَدُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ دُونَ غَيْرِهِ فَقَالُوا: الْإِلَهُ ، وَاسْتَثْقَلُوا الْهَمْزَةَ فِي كَلِمَةٍ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ إِيَّاهَا ، وَلِلْهَمْزَةِ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ ضَغْطَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَحَذَفُوهَا فَصَارَ الِاسْمُ كَمَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ وَلَّاهُ فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هُمَزَةً فَقِيلَ: إِلَهٌ كَمَا قَالُوا: وِسَادَةٌ وَإِسَادَةٌ ، وَوِشَاحٌ وَإِشَاحٌ وَاشْتُقَّ مِنَ الْوَلَهِ لِأَنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ تُولَهُ نَحْوَهُ ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53] وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ: مَأْلُوهٌ كَمَا قِيلَ: مَعْبُودٌ إِلَّا أَنَّهُمْ خَالَفُوا بِهِ الْبِنَاءَ لِيَكُونَ اسْمًا عَلَمًا ، فَقَالُوا: إِلَهٌ كَمَا قِيلَ لِلْمَكْتُوبِ كِتَابٌ ، وَلِلْمَحْسُوبِ حِسَابٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ مِنْ أَلَهَ الرَّجُلُ يَأْلَهُ إِذَا تَحَيَّرَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَأْلَهُ عِنْدَ التَّفَكُّرِ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى ، أَيْ تَتَحَيَّرُ وَتَعْجَزُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِ جَلَالِهِ ، وَحَكَى بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ مِنْ أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَاهَةً بِمَعْنَى عَبْدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127] أَيْ عِبَادَتَكَ ، قَالَ: وَالتَّأَلُّهُ التَّعَبُّدُ ، فَمَعْنَى الْإِلَهِ: الْمَعْبُودُ ، وَقَوْلُ الْمُوَحِّدِينَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَعْنَاهُ لَا مَعْبُودَ غَيْرُ اللَّهِ ، وَإِلَّا فِي الْكَلِمَةِ بِمَعْنَى غَيْرٍ لَا بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ الْكِنَايَةُ عَنِ الْغَائِبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوهُ مَوْجُودًا فِي فِطَرِ عُقُولِهِمْ ، فَأَشَارُوا إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ ، ثُمَّ زِيدَتْ فِيهِ لَامُ الْمُلْكِ ، إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَمَالِكُهَا ، فَصَارَ «لَهُ» ثُمَّ زِيدَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعْظِيمًا ، وَفَخَّمُوهَا تَوْكِيدًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى الْأَصْلِ

⦗ص: 59⦘

بِلَا تَفْخِيمٍ ، فَهَذِهِ مَقَالَاتُ أَصْحَابِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ فِي هَذَا الِاسْمِ ، وَأَحَبُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ إِلَيَّ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ ، وَلَيْسَ بِمُشْتَقٍّ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ مِنْ بِنْيَةِ هَذَا الِاسْمِ وَلَمْ تَدْخُلَا لِلتَّعْرِيفِ دُخُولَ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ كَقَوْلِكَ يَا أَللَّهُ ، وَحُرُوفُ النِّدَاءِ لَا تَجْتَمِعْ مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلتَّعْرِيفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَا تَقُولُ: يَا الرَّحْمَنُ وَيَا الرَّحِيمُ كَمَا تَقُولُ يَا أَللَّهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بِنْيَةِ الِاسْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهَا «الْحَيُّ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [غافر: 65] وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي

ص: 56

27 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ بِبَغْدَادَ أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، يَقُولُ: إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ لَفِي سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ ثَلَاثٍ: الْبَقَرَةِ ، وَآلِ عِمْرَانَ ، وَطه ، فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عِيسَى بْنُ مُوسَى لِابْنِ زَبْرٍ ، وَأَنَا أَسْمَعُ: يَا أَبَا زَبْرٍ سَمِعْتُ غَيْلَانَ بْنَ أَنَسٍ

⦗ص: 60⦘

يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ لَفِي سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ ثَلَاثٍ: الْبَقَرَةِ ،

⦗ص: 61⦘

وَآلِ عِمْرَانَ ، وَطه " ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ ، عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: فَنَظَرْتُ أَنَا فِي هَذِهِ السُّوَرِ فَرَأَيْتُ فِيهَا شَيْئًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مِثْلُهُ آيَةُ الْكُرْسِي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وَفِي آلِ عِمْرَانَ {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2] ، وَفِي طه {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]

ص: 59

28 -

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ حَفْصِ ابْنِ أَخِي ، أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ

⦗ص: 62⦘

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فِي الْحَلَقَةٍ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ تَشَهَّدَ وَدَعَا، فَقَالَ فِي دُعَائِهِ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكُ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، إِنِّي أَسْأَلُكُ. . .» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَلَبِيِّ عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ

⦗ص: 63⦘

قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ ، وَأَفْعَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كُلُّهَا صَادِرَةٌ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ ، فَإِذَا أَثْبَتْنَاهَا لَهُ فَقَدْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ حَيٌّ ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْحَيُّ فِي صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا وَبِالْحَيَاةِ مَوْصُوفًا ، لَمْ تَحْدُثْ لَهُ الْحَيَاةُ بَعْدَ مَوْتٍ ، وَلَا يَعْتَرِضُهُ الْمَوْتُ بَعْدَ الْحَيَاةِ ، وَسَائِرُ الْأَحْيَاءِ يَعْتَوِرُهُمُ الْمَوْتُ وَالْعَدَمُ فِي أَحَدِ طَرَفَيِ الْحَيَاةِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وَمِنْهَا «الْعَالِمُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73]

ص: 61

29 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئ أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ ، نا شُعْبَةُ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه:

⦗ص: 64⦘

يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«قُلِ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمَنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ» ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجِعَكَ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ رحمه الله فِي مَعْنَى «الْعَالِمِ» : إِنَّهُ مُدْرِكُ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ بِهِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُوصَفَ الْقَدِيمَ عَزَّ اسْمُهُ بِالْعَالِمِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ فِعْلٌ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِعْلٌ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ وَإِرَادَةٍ وَالْفِعْلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَظْهَرُ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ كَمَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ ، وَمِنْهَا «الْقَادِرُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] وَقَالَ: {بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33]

ص: 63

30 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، ثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ ، أنا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِي الْيَسَعِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40]، قَالَ:«بَلَى» ، وَإِذَا قَرَأَ:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] قَالَ: «بَلَى» هَكَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ

⦗ص: 65⦘

أُمَيَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] فَلْيَقُلْ: بَلَى "

⦗ص: 66⦘

31 -

أَخْبَرَنَاه أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ، ثنا سُفْيَانُ ، فَذَكَرَهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الِاسْمَ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ رحمه الله: وَهَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، بَلْ يُسْتَتَبُّ لَهُ مَا يُرِيدُ عَلَى مَا يُرِيدُ ، لِأَنَّ أَفْعَالَهُ قَدْ ظَهَرَتْ ، وَلَا يَظْهَرُ الْفِعْلُ اخْتِيَارًا: إِلَّا مِنْ قَادِرٍ غَيْرِ عَاجِزٍ كَمَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ عَالِمٍ وَمِنْهَا «الْحَكِيمُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26] وَقَالَ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي

ص: 64

32 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي قَالَا: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، أنا مُوسَى الْجُهَنِيُّ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:

⦗ص: 67⦘

جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ: قَالَ: «قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» ، قَالَ: هَذَا لِرَبِّي فَمَا لِي؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرِينَ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى الْحَكِيمِ: الَّذِي لَا يَقُولُ وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابُ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ سَدِيدَةٌ ، وَصُنْعَهُ مُتْقَنٌ ، وَلَا يَظْهَرُ الْفِعْلُ الْمُتْقَنُ السَّدِيدُ إِلَّا مِنْ حَكِيمٍ ، كَمَا لَا يَظْهَرُ الْفِعْلُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ إِلَّا مِنْ حَيٍّ عَالِمٍ قَدِيرٍ ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْحَكِيمُ هُوَ الْمُحْكِمُ لِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ صُرِّفَ عَنْ مِفْعَلٍ إِلَى فَعِيلٍ ، وَمَعْنَى الْإِحْكَامِ لِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى إِتْقَانِ التَّدْبِيرِ فِيهَا ، وَحُسْنِ التَّقْدِيرِ لَهَا ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ الْخَلِيقَةِ مَوْصُوفًا بِوَثَاقَةِ الْبِنْيَةِ وَشِدَّةِ الْأَسْرِ كَالْبَقَّةِ وَالنَّمْلَةِ ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ ضِعَافِ الْخَلْقِ ، إِلَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِمَا وَالدَّلَالَةُ بِهِمَا عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَإِثْبَاتِهِ ، لَيْسَ بِدُونِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِخَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ، وَسَائِرِ مَعَاظِمِ الْخَلِيقَةِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي قَوْلِهِ عز وجل:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] ، لَمْ تَقَعِ الْإِشَارَةُ بِهِ إِلَى الْحُسْنِ الرَّائِقِ فِي الْمَنْظَرِ ، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ وَالدُّبِّ وَأَشْكَالِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ الْمَعْنَى فِيهِ إِلَى حُسْنِ التَّدْبِيرِ فِي إِنْشَاءِ كُلِّ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَنْ يُنْشِئَهٌ عَلَيْهِ ، وَإِبْرَازِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي أَرَادَ أَنْ يُهَيِّئَهُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ عز وجل:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] وَمِنْهَا «السَّيِّدُ» وَهَذَا اسْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْكِتَابُ وَلَكِنَّهُ مَاثُورٌ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 66

33 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ ، ثنا مُسَدَّدٌ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، أنا أَبُو مَسْلَمَةَ ، سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الشِّخِّيرِ ، قَالَ: قَالَ أَبِي رضي الله عنه: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ

⦗ص: 69⦘

إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «السَّيِّدُ اللَّهُ» قُلْنَا: فَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بِبَعْضِ قَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّ سَيِّدَ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ رَأْسُهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ، وَبِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، وَعَنْ رَأْيِهِ يَصْدُرُونَ وَمِنْ قَوْلِهِ يَسْتَهْدُونُ ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ خَلْقًا لِلْبَارِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِمْ غِنْيَةٌ عَنْهُ فِي بَدْءِ أَمْرِهِمْ وَهُوَ الْوُجُودُ ، إِذْ لَوْ لَمْ يُوجِدْهُمْ لَمْ يُوجَدُوا ، وَلَا فِي الْإِبْقَاءِ بَعْدَ الْإِيجَادِ ، وَلَا فِي الْعَوَارِضِ الْعَارِضَةِ أَثْنَاءَ الْبَقَاءِ ، كَانَ حَقًّا لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ سَيِّدًا ، وَكَانَ حَقًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْعُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ. وَمِنْهَا «الْجَلِيلُ» وَذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرِ الْأَسَامِي وَفِي الْكِتَابِ {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] وَمَعْنَاهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، فَإِنَّ

⦗ص: 70⦘

جَلَالَ الْوَاحِدِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ إِنَّمَا يَظْهَرُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَمْرٌ نَافِذٌ لَا يَجِدُ مِنْ طَاعَتِهِ فِيهِ بُدًّا ، فَإِذَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْبَارِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى مَنْ أَبْدَعَهُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ نَافِذًا ، وَطَاعَتُهُ لَهُ لَازِمَةً ، وَجَبَ لَهُ اسْمُ الْجَلِيلِ حَقًّا ، وَكَانَ لِمَنْ عَرَفَهُ أَنْ يَدْعُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ ، وَبِمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ، وَيُؤَدِّي مَعْنَاهُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانِ: هُوَ مِنَ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ ، وَمَعْنَاهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى جَلَالِ الْقَدْرِ ، وَعِظَمِ الشَّأْنِ ، فَهُوَ الْجَلِيلُ الَّذِي يَصْغُرُ دُونَهُ كُلُّ جَلِيلٍ ، وَيَتَّضِعُ مَعَهُ كُلُّ رَفِيعٍ. وَمِنْهَا «الْبَدِيعُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117] وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي

ص: 68

34 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيُّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكُ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرِضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَقَدْ كَادَ يَدْعُو اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى آلِ رِفَاعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى «الْبَدِيعِ» : إِنَّهُ الْمُبْدِعُ وَهُوَ مُحْدِثُ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ قَطُّ ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117] أَيْ مُبْدِعُهُمَا وَالْمُبْدِعُ مَنْ لَهُ إِبْدَاعٌ فَلَمَّا ثَبَتَ وُجُودُ الْإِبْدَاعِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ لِعَامَّةِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ ، اسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى

⦗ص: 71⦘

بَدِيعًا أَوْ مُبْدِعًا وَمِنْهَا " الْبَارِئُ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ رحمه الله: وَهَذَا الِاسْمُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُوجِدُ لِمَا كَانَ فِي مَعْلُومِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وَلَا شَكَّ أَنَّ إِثْبَاتَ الْإِبْدَاعِ وَالِاعْتِرَافَ بِهِ لِلْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ لَيْسَ يَكُونُ عَلَى أَنَّهُ أَبْدَعَ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ سَبَقَ لَهُ بِمَا هُوَ مُبْدِعُهُ ، لَكِنْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِمَا أَبْدَعَ قَبْلَ أَنْ يُبْدَعَ ، فَكَمَا وَجَبَ لَهُ عِنْدَ الْإِبْدَاعِ اسْمُ الْبَدِيعِ ، وَجَبَ لَهُ اسْمُ الْبَارِئُ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَارِئِ قَالِبُ الْأَعْيَانِ ، أَيْ أَنَّهُ أَبْدَعَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَالنَّارَ وَالْهَوَاءَ لَا مِنْ شَيْءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا الْأَجْسَامَ الْمُخْتَلِفَةَ كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] وَقَالَ: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص: 71]، وَقَالَ:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20]، وَقَالَ:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل: 4]، وَقَالَ:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15]، وَقَالَ:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12] فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ بَرَأَ الْقَوَّاسُ الْقَوْسَ إِذَا صَنَعَهَا مِنْ مَوَادِّهَا الَّتِي كَانَتْ لَهَا فَجَاءَتْ مِنْهَا لَا كَهَيْئَتِهَا ، وَالِاعْتِرَافُ لِلَّهِ عز وجل بِالْإِبْدَاعِ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ لَهُ بِالْبَرْءِ إِذْ كَانَ الْمُعْتَرِفُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، إِلَى أَنْ صَارَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَالِاعْتِرَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا «الذَّارِئُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُنْشِئُ وَالْمُنَمِّي ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11] أَيْ جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لِيُنْشِئَكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ وَيُنَمِّيكُمْ ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ

⦗ص: 72⦘

الذَّرْءَ مَا قُلْنَا ، وَصَارَ الِاعْتِرَافُ بِالْإِبْدَاعِ يُلْزِمُ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالذَّرْءِ مَا أَلْزَمَ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْبَرْءِ

ص: 70

35 -

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ ، قَالَا: أنا أَبُو عَمْرٍو بْنُ مَطَرٍ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ قَالَ: نَعَمْ تَحَدَّرَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يَحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا رَآهُمْ

⦗ص: 73⦘

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزِعَ مِنْهُمْ وَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ:«مَا أَقُولُ؟» ، قَالَ:" قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بُرٌّ وَلَا فَاجِرٌ ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا ، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ" قَالَ: فَطُفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل وَمِنْهَا «الْخَالِقُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الَّذِي صَنَّفَ الْمُبْدَعَاتِ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا قَدْرًا فَوَجَدَ فِيهَا الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالطَّوِيلَ وَالْقَصِيرَ وَالْإِنْسَانَ وَالْبَهِيمَةَ وَالدَّابَّةَ وَالطَّائِرَ وَالْحَيَوَانَ وَالْمَوَاتَ ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْإِبْدَاعِ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِالْخَلْقِ ، إِذْ أَنَّ الْخَلْقَ هَيْئَةُ الْإِبْدَاعِ ، فَلَا يُعَرَّى أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ ، وَهُوَ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي مَذْكُورٌ

ص: 72

36 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ إِمْلَاءً ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه قَالَ:: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي

⦗ص: 74⦘

فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ يُونُسَ وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمِنْهَا» الْخَلَّاقُ " قَالَ اللَّهُ عز وجل: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81] وَمَعْنَاهُ الْخَالِقُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ وَمِنْهَا «الصَّانِعُ» وَمَعْنَاهُ الْمُرَكِّبُ وَالْمُهَيِّئُ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] وَقَدْ يَكُونُ الصَّانِعُ الْفَاعِلُ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاخْتِرَاعُ وَالتَّرْكِيبُ مَعًا

ص: 73

37 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ، بِبَغْدَادَ ، أنا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ ، ثنا الْقَعْنَبِي ، ثنا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنْ

⦗ص: 75⦘

رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل صَنَعَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ» وَمِنْهَا «الْفَاطِرُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ الْأَرْضِ} وَذَكَرْنَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ

ص: 74

38 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سلْمَانَ ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَنَا أَسْمَعُ ، ثنا يَحْيَى بْنُ السَّكَنِ ، ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " قُلِ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ

⦗ص: 76⦘

وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجِعَكَ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى الْفَاطِرِ: إنَّهُ فَاتِقِ الْمُرْتَتَقِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} فَقَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى كَانَتِ السَّمَاءُ دُخَانًا فَسَوَّاهَا: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات: 29] ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ فَدَحَاهَا ، {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات: 31] ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ:{أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، مَعْنَاهُ أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: فَتَقْنَا السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ

ص: 75

39 -

أَخْبَرَنَاه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ ، ثنا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ طَلْحَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى:{أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} فَفَتَقْنَاهُمَا ، قَالَ: فُتِقَتِ السَّمَاءُ بِالْغَيْثِ ، وَفُتِقَتِ الْأَرْضُ بِالنَّبَاتِ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَالْإِقْرَارُ بِالْإِبْدَاعِ يَأْتِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَيَقْتَضِيهِ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْفَاطِرُ هُوَ الَّذِي فَطَرَ الْخَلْقَ أَيِ ابْتَدَأَ خَلَقَهُمْ كَقَوْلِهِ: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51] وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: فَطَرَ نَابُ الْبَعِيرِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَطْلُعُ

ص: 77

وَ

40 -

أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدَانَ ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَوْقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهما: لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ مَعْنَى فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى اخْتَصَمَ أَعْرَابِيَّانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا ، يُرِيدُ اسْتَحْدَثْتُ حَفْرَهَا وَمِنْهَا «الْبَادِئُ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] وَهُوَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِيمَا أُخْبِرْتُ عَنْهُ مَعْنَاهُ الْمُبْدِئُ يُقَالُ: بَدَأَ وَأَبْدَأَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ الْأَشْيَاءَ مُخْتَرِعًا لَهَا عَنْ غَيْرِ أَصْلٍ

⦗ص: 79⦘

وَمِنْهَا «الْمُصَوِّرُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ: مَعْنَاهُ الْمُهَيِّئُ لِمَنَاظِرِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مِنْ تَشَابُهٍ أَوْ تَخَالُفٍ ، وَالِاعْتِرَافُ بِالْإِبْدَاعِ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَاحِقِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُصَوِّرُ الَّذِي أَنْشَأَ خَلْقَهُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ لِيَتَعَارَفُوا بِهَا ، وَمَعْنَى التَّصْوِيرِ التَّخْطِيطُ وَالتَّشْكِيلُ ، وَخَلَقَ اللَّهُ عز وجل الْإِنْسَانَ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ ثَلَاثَ خَلْقٍ يُعْرَفُ بِهَا وَيَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِسِمَتِهَا ، جَعَلَهُ عَلَقَةً ، ثُمَّ مُضْغَةً ، ثُمَّ جَعَلَهُ صُورَةً ، وَهُوَ التَّشْكِيلُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ ذَا صُورَةٍ وَهَيْئَةٍ:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14]

ص: 78

41 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ، بِبَغْدَادَ ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ

⦗ص: 80⦘

مُحَمَّدٍ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةُ تَمَاثِيلَ ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرَامِ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخُلُقِ اللَّهِ تَعَالَى رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ

ص: 79

42 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ، أنا أَبُو يَعْلَى ، ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ ، ثنا جَرِيرٌ ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ لِسَعِيدٍ يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِ أَوْ لِمَرْوَانَ قَالَ: فَتَوَضَّأَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ رُكْبَتَيْهِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِنَّهُ مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ قَالَ: فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فِي الدَّارِ ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي

⦗ص: 81⦘

فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَمِنْهَا «الْمُقْتَدِرُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 42] وَهُوَ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْمُقْتَدِرُ الْمُظْهِرُ قُدْرَتَهُ بِفِعْلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَمْضَاهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَمْ يَفْعَلْهَا ، وَلَوْ شَاءَ لَفَعَلَهَا ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ أَنْ يُسَمَّى مُقْتَدِرًا ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْمُقْتَدِرُ هُوَ التَّامُّ الْقُدْرَةِ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يَحْتَجِزُ عَنْهُ بِمَنْعَةٍ وَقُوَّةٍ ، وَوَزْنُهُ مُفْتَعِلٌ مِنَ الْقُدْرَةِ إِلَّا أَنَّ الِاقْتِدَارَ أَبْلَغُ وَأَعْلَمُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ ، وَالْقُدْرَةُ قَدْ يَدْخُلُهَا نَوْعٌ مِنَ التَّضْمِينِ بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا «الْمَلِكُ وَالْمَلِيكُ فِي مَعْنَاهُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: 114] وَقَالَ: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55] قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْإِبْدَاعُ لِأَنَّ الْإِبْدَاعَ هُوَ إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَا أَبْدَعَ مِنْهُ ، وَلَا أَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمَلِكُ ، وَأَمَّا الْمَلِيكُ فَهُوَ مُسْتَحِقُّ السِّيَاسَةِ ، وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَنَا قَدْ يَصْغُرُ وَيَكْبُرُ بِحَسَبِ قَدْرِ الْمَسُوسِ ، وَقَدْرِ السَّائِسِ فِي نَفْسِهِ وَمَعَانِيهِ ، وَأَمَّا مُلْكُ الْبَارِي عَزَّ اسْمُهُ فَهُوَ الَّذِي لَا يُتَوَهَّمُ مُلْكٌ يُدَانِيهِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفُوقَهُ ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِإِبْدَاعِهِ لِمَا يَسُوسُهُ ، وَإِيجَادِهِ إِيَّاهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَا يَخْشَى أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ أَوْ يُدْفَعَ عَنْهُ ، فَهُوَ الْمَلِكُ حَقًّا ، وَمُلْكُ مَنْ سِوَاهُ مَجَازٌ

ص: 80

43 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، نا حَرْمَلَةُ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَقْبِضُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَرْمَلَةَ ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ

ص: 82

44 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالُوا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْوَاسِطِيُّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَعْنِي مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ

⦗ص: 86⦘

يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل، فَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي قَبْضَةٍ ، ثُمَّ يَقُولُ عز وجل: أَنَا اللَّهُ ، أَنَا الرَّحْمَنُ ، أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الْقُدُّوسُ ، أَنَا السَّلَامُ ، أَنَا الْمُؤْمِنُ ، أَنَا الْمُهَيْمِنُ ، أَنَا الْعَزِيزُ ، أَنَا الْجَبَّارُ ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ ، أَنَا الَّذِي بَدَأْتُ الدُّنْيَا وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ، أَنَا الَّذِي أَعَدْتُهَا ، أَيْنَ الْمُلُوكُ؟ ، أَيْنَ الْجَبَابِرَةُ؟ «وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُرْهَانٍ» أُعِيدُهَا "

ص: 83

45 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، ثنا الْحُمَيْدِيُّ ، ثنا سُفْيَانُ ، ثنا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَخْنَعَ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل رَجُلٌ تُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ» قَالَ سُفْيَانُ: «شَاهَانْ شَاهُ» قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: أَخْنَعُ: أَرْذَلُ

ص: 86

46 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه رِوَايَةً: " أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَبْدٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ ، لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ نَحْوَ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

ص: 87

47 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُرْهَانَ ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالُوا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ

⦗ص: 88⦘

الصَّفَّارُ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ ، - بِضَمِّ الْحَاءِ - قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما فَقُلْتُ: حَدِّثْنَا مِمَّا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَلْقَى إِلَيَّ صَحِيفَةً، فَقَالَ: هَذَا مَا كَتَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا أَقُولُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا بَكْرٍ قُلِ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ، وَمَنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ " وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، وَرُوِّينَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: هَذَا مَا كَتَبَ لِي يُرِيدُ مَا أَمَرَ بِكِتَابَتِهِ أَوْ أَمْلَاهُ ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي «مَالِكُ الْمُلْكِ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِيمَا أُخْبِرْتُ عَنْهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلْكَ بِيَدِهِ يُؤْتِيهُ مَنْ يَشَاءُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَالِكَ الْمُلُوكِ كَمَا يُقَالُ: رَبُّ الْأَرْبَابِ ، وَسَيِّدُ

⦗ص: 89⦘

السَّادَاتِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَارِثَ الْمُلْكِ يَوْمَ لَا يَدَّعِي الْمُلْكَ مُدَّعٍ ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ مُنَازِعٌ ، كَقَوْلِهِ عز وجل:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] وَمِنْهَا «الْجَبَّارُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنَ الْجَبْرِ الَّذِي هُوَ نَظِيرُ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي إِحْدَاثِ الشَّيْءِ عَنْ عَدَمٍ فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ وُجُودَهُ كَانَ لَمْ يَتَخَلَّفْ كَوْنُهُ عَنْ حَالِ إِرَادَتِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ فِعْلُهُ لَهُ كَالْجَبْرِ ، إِذِ الْجَبْرُ طَرِيقٌ إِلَى دَفْعِ الِامْتِنَاعِ عَنِ الْمُرَادِ ، فَإِذَا كَانَ مَا يُرِيدُهُ الْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَذَاكَ فِي الصُّورَةِ جَبْرٌ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْجَبَّارِ غَيْرُ هَذَا ، فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهَذَا الْبَابِ لَمْ يُمَيِّزْهُ عَنِ الْإِبْدَاعِ ، وَجَعَلَ الِاعْتِرَافَ لَهُ بِأَنَّهُ بَدِيعٌ اعْتِرَافًا لَهُ بِأَنَّهُ جَبَّارٌ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِيمَا أُخْبِرْتُهُ عَنْهُ: الْجَبَّارُ الَّذِي جَبَرَ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، يُقَالُ: جَبَرَهُ السُّلْطَانُ وَأَجْبَرَهُ بِالْأَلْفِ وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي جَبَرَ مَفَاقِرَ الْخَلْقِ وَكَفَاهُمْ أَسْبَابَ الْمَعَاشِ وَالرِّزْقِ ، وَيُقَالُ: بَلِ الْجَبَّارُ الْعَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ ، مِنْ قَوْلِهِمْ تَجَبَّرَ النَّبَاتُ إِذَا عَلَا

ص: 87

48 -

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، ثنا أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ:«إِنَّمَا يُسَمَّى الْجَبَّارُ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ»

ص: 89