الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ جُمَّاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ مِنْهَا «الْأَحَدُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ ، كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا عَدِيدَ ، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ عز وجل نَفْسَهُ بِهَذَا الِاسْمِ ، لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ «أَحَدٌ» وَالْمَعْنَى لَمْ يَتَفَرَّعْ عَنْهُ شَيْءٌ ، وَلَمْ يَتَفَرَّعْ هُوَ عَنْ شَيْءٍ كَمَا يَتَفَرَّعُ الْوَلَدُ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَيَتَفَرَّعُ عَنْهُمَا الْوَلَدُ ، أَيْ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا يَدْعُوهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَاهًا ، إِذْ كَانَتْ أَمَارَاتُ الْحُدُوثِ مِنَ التَّجَزِّي وَالتَّنَاهِي قَائِمَةً فِيهِ لَازِمَةً لَهُ ، وَالْبَارِي تَعَالَى لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَنَاهَى ، فَهُوَ إِذًا غَيْرُ مُشْبِهِ إِيَّاهُ وَلَا مُشَارِكٍ لَهُ فِي صِفَتِهِ
49 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسيَنِ ، ثنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، أنا شُعَيْبٌ ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ عز وجل كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي ، وَلَيْسَ أَوَّلُ خَلْقِهِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: 116] وَأَنَا اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، لَمْ أَلِدْ
⦗ص: 92⦘
وَلَمْ أُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ
50 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، إِمْلَاءً أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَا: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] ، قَالَ: الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ ، وَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]
⦗ص: 93⦘
قُلْتُ: كَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَعَلَ قَوْلَهُ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 3] تَفْسِيرًا لِلصَّمَدِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي آخَرِينَ ، فَيَكُونُ هَذَا الِاسْمُ مُلْحَقًا بِهَذَا الْبَابِ ، وَمَنْ ذَهَبَ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاشْتِقَاقُ أَلْحَقَهُ بِالْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَمِنْهَا «الْعَظِيمُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] وَذَكَرْنَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
51 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْفَهَانِيُّ ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ ، ثنا أَبُو دَاوُدُ الطَّيَالِسِيُّ ، ثنا هِشَامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهما: قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرَضِينَ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ وَغَيْرِهِ
⦗ص: 95⦘
قَالَ الْحَلِيمِيُّ رحمه الله فِي مَعْنَى الْعَظِيمِ: إِنَّهُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَلَيْهِ بِالْإِطْلَاقِ ، وَلَأَنَّ عَظِيمَ الْقَوْمِ إِنَّمَا يَكُونُ مَالِكَ أُمُورِهِمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ مَاهِيَّتُهُ فَقَدْ يَلْحَقُهُ الْعَجْزُ بِآفَاتٍ تَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ فَيُوهِنُهُ وَيُضْعِفُهُ حَتَّى يُسْتَطَاعَ مُقَاوَمَتُهُ ، بَلْ قَهْرُهُ وَإِبْطَالُهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَادِرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْصَى كُرْهًا أَوْ يُخَالَفَ أَمْرُهُ قَهْرًا ، فَهُوَ الْعَظِيمُ إِذًا حَقًّا وَصِدْقًا ، وَكَانَ هَذَا الِاسْمُ لِمَنْ دُونَهُ مَجَازًا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: الْعَظِيمُ هُوَ ذُو الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ وَمَعْنَاهُ يَنْصَرِفُ إِلَى عِظَمِ الشَّأْنِ وَجَلَالَةِ الْقَدْرِ ، دُونَ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ نُعُوتِ الْأَجْسَامِ
⦗ص: 96⦘
وَمِنْهَا «الْعَزِيزُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إِدْخَالُ مَكْرُوهٍ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَزِيزَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنَ الْعِزَّةِ وَهِيَ الصَّلَابَةُ ، فَإِذَا قِيلَ لِلَّهِ الْعَزِيزُ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الِاعْتِرَافُ لَهُ بِالْقِدَمِ الَّذِي لَا يَتَهَيَّأُ مَعَهُ تَغَيُّرُهُ عَمَّا لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ ، وَذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى تَنْزِيهِهِ عَمَّا يَجُوزُ عَلَى الْمَصْنُوعِينَ لِأَعْرَاضِهِمْ بِالْحُدُوثِ فِي أَنْفُسِهِمْ لِلْحَوَادِثِ أَنْ تُصِيبَهُمْ ، وَتُغَيِّرَهُمْ ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله: الْعَزِيزُ هُوَ الْمَنِيعُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ ، وَالْعِزُّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ ، يُقَالُ مِنْهُ: عَزَّ يَعُزُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ يَعُزُّ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ ، يُقَالُ مِنْهُ: عَزَّ يَعَزُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى نَفَاسَةِ الْقَدْرِ ، يُقَالُ مِنْهُ: عَزَّ الشَّيْءُ يَعِزُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ، فَيُتَأَوَّلُ مَعْنَى الْعَزِيزِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
52 -
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ، أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَةَ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ ، ثنا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ
⦗ص: 97⦘
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهما قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِنْبَرِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «هَكَذَا يُمَجِّدُ نَفْسَهُ أَنَا الْعَزِيزُ أَنَا الْجَبَّارُ ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ» فَرَجَفَ بِهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهَا «الْمُتَعَالِي» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُرْتَفِعُ عَنْ أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثِينَ ، مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ وَالْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ وَاتِّخَاذِ السَّرِيرِ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهِ ، وَالِاحْتِجَابِ بِالسُّتُورِ عَنْ أَنْ تَنْفُذَ الْأَبْصَارُ إِلَيْهِ وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ إِثْبَاتَ بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ النِّهَايَةَ ، وَبَعْضُهَا يُوجِبُ الْحَاجَةَ وَبَعْضُهَا يُوجِبُ التَّغَيُّرَ وَالِاسْتِحَالَةَ ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْقَدِيمِ وَلَا جَائِزٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا «الْبَاطِنُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي وَغَيْرِهِ
53 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، أَبُو كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَهَا: «قُولِي اللَّهُمَّ رَبَّ السَّماَوَاتِ السَّبْعَ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْبَاطِنُ الَّذِي لَا يُحَسُّ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِآثَارِهِ وَأَفْعَالِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ:
⦗ص: 99⦘
وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى الظُّهُورِ وَالْبُطُونِ تَجْلِيَةٌ لِبَصَائِرِ الْمُتَفَكِّرِينَ ، وَاحَتِجَابُهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْعَالِمَ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأُمُورِ ، وَالْمَطَّلِعَ عَلَى مَا بَطَنَ مِنَ الْغُيُوبِ وَمِنْهَا «الْكَبِيرُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} وَقَالَ عز وجل: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
54 -
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ
⦗ص: 100⦘
الْأَوْجَاعِ كُلِّهَا وَمِنَ الْحُمَّى: «بِاسْمِ اللَّهِ الْكَبِيرِ نَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ وَشَرِّ حَرِّ النَّارِ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى الْكَبِيرِ: إِنَّهُ الْمُصَرِّفُ عِبَادَهُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَوْهُ وَكَبِيرُ الْقَوْمِ هُوَ الَّذِي يَسْتَغْنِي عَنِ التَّبَذُّلِ لَهُمْ وَلَا يَحْتَاجُ فِي أَنْ يُطَاعَ إِلَى إِظْهَارِ نَفْسِهِ ، وَالْمُشَافَهَةِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ إِطْلَاقُ حَقِيقَةٍ ، وَفِيمَنْ دُونَهُ مَجَازٌ لِأَنَّ مَنْ يُدْعَى كَبِيرَ الْقَوْمِ قَدْ يَحْتَاجُ مَعَ بَعْضِ النَّاسِ وَفِي بَعْضِ الْأُمُورِ إِلَى الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِإِبْدَاءِ نَفْسِهِ لَهُ وَمُخَاطَبَتِهِ كِفَاحًا لِخَشْيَةِ أَنْ لَا يُطِيعَهُ إِذَا سَمِعَ أَمْرَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْكَبِيرُ الْمَوْصُوفُ بِالجْلَالِ وَكِبَرِ الشَّأنِ ، فَصَغُرَ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي كَبُرَ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ وَمِنْهَا «السَّلَامُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23]
⦗ص: 101⦘
وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
55 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَسْقَلَانِيُّ ، ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ ، حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى السَّلَامِ: إِنَّهُ السَّالِمُ مِنَ الْمَعَائِبِ إِذْ هِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى الْقَدِيمِ فَإِنَّ جَوَازَهَا عَلَى الْمَصْنُوعَاتِ لِأَنَّهَا أَحْدَاثٌ وَبَدَائِعُ ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يُوجَدُوا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ جَازَ أَنْ يُعْدَمُوا بَعْدَمَا وُجِدُوا وَجَازَ أَنْ تَتَبَدَّلَ أَعْرَاضُهُمْ
⦗ص: 102⦘
وَتَتَنَاقَصَ أَوْ تَتَزَايَدَ أَجْزَاؤُهُمْ ، وَالْقَدِيمُ لَا عِلَّةَ لِوُجُودِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّغَيُّرُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضَهُ نَقْصٌ أَوْ شَيْنٌ ، أَوْ تَكُونَ لَهُ صِفَةٌ تُخَالِفُ الْفَضْلَ وَالْكَمَالَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقِيلَ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي سَلَّمَ الْخَلْقَ مِنْ ظُلْمِهِ وَمِنْهَا «الْغَنِيُّ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
56 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِي ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، ثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ فِيهِ: « {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
⦗ص: 103⦘
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى الْغَنِيِّ: إِنَّهُ الْكَامِلُ بِمَا لَهُ وَعِنْدَهُ فَلَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَرَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ نَقْصٌ وَالْمُحْتَاجُ عَاجِزٌ عَنْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَهُ وَيُدْرِكَهُ ، وَلِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ فَضْلٌ بِوُجُودِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْمُحْتَاجِ ، فَالنَّقْصُ مَنْفِيٌّ عَنِ الْقَدِيمِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَالْعَجْزُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَضْلٌ إِذْ كُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ خَلْقٌ لَهُ وَبِدْعٌ أَبْدَعَهُ لَا يَمْلِكُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَمَا يُرِيدُ اللَّهُ عز وجل ، وَيُدَبِّرُهُ عَلَيْهِ ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَ هَذَا اتِّسَاعٌ لِفَضْلٍ عَلَيْهِ وَمِنْهَا «السُّبُّوحُ»
57 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ ، ثنا عَفَّانُ ، ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، فَقَالَ: فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى السُّبُّوحِ: إِنَّهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْمَعَائِبِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي تَعْتَوِرُ الْمُحْدَثِينَ مِنْ نَاحِيَةَ الْحُدُوثِ ، وَالتَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ
58 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ
⦗ص: 105⦘
، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّسْبِيحِ فَقَالَ: «تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ السُّوءِ» هَذَا مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
59 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَزِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ التُّسْتَرِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَجَلِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ ، قَالُوا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ ح ، وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، إِمْلَاءً وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ قِرَاءَةً
⦗ص: 106⦘
عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَالَا: ثنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُمَحِيُّ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ: أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيشِيُّ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَفْسِيرِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ: «هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عز وجل عَنْ كُلِّ سُوءٍ» وَمِنْهَا «الْقُدُّوسُ»
60 -
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ أَبِيهِ ، رضي الله عنهما، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مَبِيتِهِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهِ: فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى فِرَاشِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمَمْدُوحُ بِالْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ فَالتَّقْدِيسُ مُضَمَّنٌ فِي صَرِيحِ التَّسْبِيحِ، وَالتَّسْبِيحُ مُضَمَّنٌ فِي صَرِيحِ التَّقْدِيسِ ، لِأَنَّ نَفْيَ الْمَذَامِّ إِثْبَاتٌ لِلْمَدَائِحِ كَقَوْلِنَا: لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ ، إِثْبَاتٌ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ وَكَقَوْلِنَا: لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ إِثْبَاتٌ أَنَّهُ
⦗ص: 108⦘
قَادِرٌ قَوِيٌّ وَكَقَوْلِنَا: إِنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا إِثْبَاتٌ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي حُكْمِهِ ، وَإِثْبَاتُ الْمَدَائِحِ لَهُ نَفْيٌ لِلْمَذَامِّ عَنْهُ كَقَوْلِنَا: إِنَّهُ عَالِمٌ نَفْيٌ لِلْجَهْلِ عَنْهُ وَكَقَوْلِنَا: إِنَّهُ قَادِرٌ نَفْيٌ لِلْعَجْزِ عَنْهُ ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَنَا: هُوَ كَذَا ظَاهِرُهُ التَّقْدِيسُ ، وَقَوْلَنَا لَيْسَ بِكَذَا ظَاهِرُهُ التَّسْبِيحُ ، ثُمَّ التَّسْبِيحُ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ التَّقْدِيسِ وَالتَّقْدِيسُ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ التَّسْبِيحِ ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تبارك وتعالى بَيْنَهُمَا فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] فَهَذَا تَقْدِيسٌ ثُمَّ قَالَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 3] فَهَذَا تَسْبِيحٌ ، وَالْأَمْرَانِ رَاجِعَانِ إِلَى إِفْرَادِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالشَّبِيهِ عَنْهُ
61 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
⦗ص: 109⦘
هِلَالٍ ، قَالَ: إِنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ لَا يَقْرَأُ بِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ - تَعْنِي يَخْتِمُ - إِلَّا بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يُحِبُّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: كَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمِّهِ
62 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
⦗ص: 110⦘
جَهْضَمٍ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، رضي الله عنه قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي ، قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ مِنَ السَّحَرِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ السُّورَةَ كُلَّهَا يُرَدِّدُهَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَجُلًا قَامَ اللَّيْلَةَ يَقْرَأُ مِنَ السَّحَرِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ السُّورَةَ كُلَّهَا يُرَدِّدُهَا وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا كَأَنَّ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ، فَقَالَ: وَزَادَ أَبُو مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ
63 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الْفَقِيهَ ، يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ قُلْتُ: مَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: " إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ أَثْلَاثًا: ثُلُثٌ مِنْهَا أَحْكَامٌ وَثُلُثٌ مِنْهَا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ ، وَثُلُثٌ مِنْهَا الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ وَقَدْ جُمِعَ فِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، أَحَدُ الْأَثْلَاثِ وَهُوَ الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ ، فَقِيلَ: إِنَّهَا ثُلُثُ الْقُرْآنِ وَمِنْهَا «الْمَجِيدُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15]، وَقَالَ:{إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73] ، وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَمَعْنَاهُ الْمَنِيعُ الْمَحْمُودُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ لِكُلِّ مَحْمُودٍ مَجِيدًا ، وَلَا لِكُلِّ مَنِيعٍ مَجِيدًا ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مَنِيعًا غَيْرَ مَحْمُودٍ كَالْمُتَآمِرِ الْخَلِيعِ الْجَائِرِ أَوِ اللِّصِّ الْمُتَحَصِّنِ بِبَعْضِ الْقِلَاعِ وَقَدْ
⦗ص: 111⦘
يَكُونُ مَحْمُودًا غَيْرَ مَنِيعٍ كَأَمِيرِ السُّوقَةِ وَالْمُصَابِرِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: مَجِيدٌ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمَجِيدَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ مَنِيعًا لَا يُرَامُ ، وَكَانَ فِي مَنْعَتِهِ حَسَنَ الْخِصَالِ جَمِيلَ الْفِعَالِ وَالْبَارِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَجِلُّ عَنْ أَنْ يُرَامَ أَوْ يُوصَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُحْسِنٌ مُنْعِمٌ مُجْمِلٌ مُفْضِلٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يُحْصِيَ نِعْمَتَهُ وَلَوِ اسْتَنَفَدَ فِيهِ مُدَّتَهُ ، فَاسْتَحَقَّ اسْمَ الْمَجِيدِ وَمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَجِيدُ الْوَاسِعُ الْكَرِيمُ ، وَأَصْلُ الْمَجْدِ فِي كَلَامِهِمُ السَّعَةُ ، يُقَالُ: رَجُلٌ مَاجِدٌ إِذَا كَانَ سَخِيًّا وَاسِعَ الْعَطَاءِ وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، إِنَّ مَعْنَاهُ الْكَرِيمُ وَقِيلَ: الشَّرِيفُ وَمِنْهَا «الْقَرِيبُ» قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:{إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50] وَرُوِّينَاهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ
64 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ، بِبَغْدَادَ ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، ثنا الْفِرْيَابِيُّ ثنا سفيان، عَنُ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَسَبَّحْنَا وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا
⦗ص: 112⦘
النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيعٌ قَرِيبٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أوَجْهٍ أُخَرَ وَرَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَزَادَ فِيهِ «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا مَسَافَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَسْمَعُ دُعَاءَهُ أَوْ يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُ ، كَيْفَ مَا تَصَرَّفَتْ بِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِهَايَةً ، وَحَاشَا لَهُ مِنَ النِّهَايَةِ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَرِيبٌ بِعِلْمِهِ مِنْ خَلْقِهِ قَرِيبٌ مِمَّنْ يَدْعُوهُ بِالْإِجَابَةِ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]
⦗ص: 113⦘
وَمِنْهَا «الْمُحِيطُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْهُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ حَقًّا إِلَّا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَانْتِفَاءِ الْغَفْلَةِ وَالْعَجْزِ عَنْهُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هُوَ الَّذِي أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ ، وَهُوَ الَّذِي {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] وَمِنْهَا «الْفَعَّالُ» قَالَ اللَّهُ عَزَّ جَلَّ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْفَاعِلُ فِعْلًا بَعْدَ فِعْلٍ كُلَّمَا أَرَادَ فَعَلَ ، وَلَيْسَ كَالْمَخْلُوقِ الَّذِي إِنْ قَدَرَ عَلَى فِعْلٍ عَجَزَ عَنْ غَيْرِهِ وَمِنْهَا «الْقَدِيرُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَالْقَدِيرُ التَّامُّ الْقُدْرَةِ لَا يُلَابِسُ قُدْرَتُهُ عَجْزٌ بِوَجْهٍ
⦗ص: 114⦘
وَمِنْهَا «الْغَالِبُ» قَالَ اللَّهُ: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21]، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الْبَالِغُ مُرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا ، وَهَذَا أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ ، وَأَنَّهُ لَا يُقْهَرُ وَلَا يُخْدَعُ وَمِنْهَا «الطَّالِبُ» قَالَ: وَهَذَا اسْمٌ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَمِينِ مَعَ الْغَالِبِ وَمَعْنَاهُ الْمُتَتَبِّعُ غَيْرُ الْمُهْمِلِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ وَهُوَ عَلَى الْإِمْهَالِ بَالِغُ أَمْرِهِ كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا فِي كِتَابِهِ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178]، وَقَالَ تبارك وتعالى:{فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84]، وَقَالَ جل جلاله:{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]
65 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ الْكُوفِيُّ ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، ثنا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُمْهِلُ الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا
⦗ص: 115⦘
أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَمِنْهَا «الْوَاسِعُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْكَثِيرُ مَقْدُورَاتُهُ وَمَعْلُومَاتُهُ ، وَاعْتِرَافٌ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْوَاسِعُ: الْغَنِيُّ الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ مَفَاقِرَ عِبَادِهِ ، وَوَسِعَ رِزْقُهُ جَمِيعَ خَلْقِهِ وَمِنْهَا «الْجَمِيلُ» قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهَذَا الِاسْمُ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَمَعْنَاهُ ذُو الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ، لِأَنَّ الْقَبَائِحَ إِذْ لَمْ تَلِقْ بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ اسْمُهُ مِنْ أَسْمَائِهَا ، وَإِنَّمَا تُشْتَقُّ أَسْمَاؤُهُ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي كُلُّهَا مَدَائِحُ ، وَأَفْعَالُهُ الَّتِي أَجْمَعُهَا حِكْمَةٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْجَمِيلُ هُوَ الْمُجَمِّلُ الْمُحَسِّنُ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَعِّلٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْجَمِيلُ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ وَالْبَهْجَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»
66 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ ، ثنا يَعْقُوبُ
⦗ص: 116⦘
بْنُ سُفْيَانَ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ ، يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا شُعْبَةُ ، ثنا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرَّجُلُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ وَرُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، وَمَنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَمِنْهَا «الْوَاجِدُ» وَهُوَ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَضِلُّ عَنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَنِيُّ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ ، وَالْوِجْدُ الْغِنَى ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ
⦗ص: 117⦘
وَمِنْهَا «الْمُحْصِي» وَهُوَ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي ، وَفِي الْكِتَابِ:{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْعَالِمُ بِمَقَادِيرِ الْحَوَادِثِ مَا يُحِيطُ بِهِ مِنْهَا عُلُومُ الْعِبَادِ ، وَمَا لَا يُحِيطُ بِهِ مِنْهَا عُلُومُهُمْ ، كَالْأَنْفَاسِ وَالْأَرْزَاقِ وَالطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالْقُرَبِ ، وَعَدَدِ الْقَطْرِ وَالرَّمْلِ وَالْحَصَا وَالنَّبَاتِ وَأَصْنَافِ الْحَيَوَانِ وَالْمَوَاتِ وَعَامَّةِ الْمَوْجُودَاتِ ، وَمَا يَبْقَى مِنْهَا أَوْ يَضْمَحِلُّ وَيَفْنَى ، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى نَفْيِ الْعَجْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَخْلُوقِينَ عَنْ إِدْرَاكِ مَا يَكْثُرُ مِقْدَارُهُ وَيَتَوَالَى وُجُودُهُ ، وَتَتَفَاوَتُ أَحْوَالُهُ عَنْهُ عَزَّ اسْمُهُ وَمِنْهَا «الْقَوِيُّ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لِقَوِيُّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي ، قَالَ: أَبُو سُلَيْمَانَ: الْقَوِيُّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَادِرِ وَمَنْ قَوِيَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ التَّامَّ الْقُوَّةِ الَّذِي لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الْعَجْزُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ، وَالْمَخْلُوقُ وَإِنْ وُصِفَ بِالْقُوَّةِ فَإِنَّ قُوَّتَهُ مُتَنَاهِيَةٌ ، وَعَنْ بَعْضِ الْأُمُورِ قَاصِرَةٌ وَمِنْهَا «الْمَتِينُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] وَهُوَ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
67 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، أنا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رضي الله عنه قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي
⦗ص: 118⦘
أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لَا تَتَنَاقَصُ قُوَّتُهُ فَيَهِنَ وَيَفْتُرَ ، إِذْ كَانَ يَحْدُثُ مَا يَحْدُثُ فِي غَيْرِهِ لَا فِي نَفْسِهِ ، وَكَانَ التَّغَيُّرُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ
68 -
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] يَقُولُ: الشَّدِيدُ وَمِنْهَا «ذُو الطَّوْلِ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {ذِي الطَّوْلِ} [غافر: 3] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ لَا يَعُوزُهُ مِنْ أَصْنَافِ الْخَيْرَاتِ شَيْءٌ ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَ بِهِ عَبْدَهُ ، وَلَيْسَ كَذَا طَوْلُ ذِي الطَّوْلِ مِنْ عِبَادِهِ قَدْ
⦗ص: 119⦘
يُحِبُّ أَنْ يَجُودَ بِالشَّيْءِ فَلَا يَجِدُهُ
69 -
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا ، أنا الطَّرَائِفِيُّ ، أنا عُثْمَانُ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ:{ذِي الطَّوْلِ} [غافر: 3] يَعْنِي السَّعَةَ وَالْغِنَى وَمِنْهَا «السَّمِيعُ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 20] وَرُوِّينَاهُمَا فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
70 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ أنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءٌ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَجَعَلْنَا لَا نَصْعَدُ شَرَفًا وَلَا نَهْبِطُ وَادِيًا إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ
⦗ص: 120⦘
فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ «، كَذَا فِي كِتَابِي بَصِيرًا وَقَالَ غَيْرُهُ قَرِيبًا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ رحمه الله فِي مَعْنَى» السَّمِيعِ ": إِنَّهُ الْمُدْرِكِ لِلْأَصْوَاتِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْمَخْلُوقُونَ بِآذَانِهِمْ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُذُنٌ ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْصُوفٍ بِالْحِسِّ الْمُرَكَّبِ فِي الْأُذُنِ ، لَا كَالْأَصمِّ مِنَ النَّاسِ ، لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُ هَذِهِ الْحَاسَّةُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِإِدْرَاكِ الْأَصْوَاتِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: السَّمِيعُ بِمَعْنَى السَّامِعُ ، إِلَّا أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الصِّفَةِ ، وَبِنَاءُ فَعِيلٍ بِنَاءُ الْمُبَالَغَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى ، سَوَاءٌ عِنْدَهُ الْجَهْرُ وَالْخَفْتُ ، وَالنُّطْقُ وَالسُّكُوتُ ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ السَّمَاعُ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
⦗ص: 121⦘
مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ» ، أَيْ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْتَجَابُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، مَعْنَاهُ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ
71 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ ، ثنا اللَّيْثُ ح ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا اللَّيْثُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَخِيهِ ، عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ ، مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ» رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
⦗ص: 122⦘
«وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» وَمِنْهَا «الْبُصَيْرُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 20] قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ لِلْأَشْخَاصِ وَالْأَلْوَانِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْمَخْلُوقُونَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ
⦗ص: 123⦘
غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَارِحَةُ الْعَيْنِ ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْصُوفٍ بِالْحِسِّ الْمُرَكَّبِ فِي الْعَيْنِ ، لَا كَالْأَعْمَى الَّذِي لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُ هَذِهِ الْحَاسَّةُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِإِدْرَاكِ شَخْصٍ وَلَا لَوْنٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْبَصِيرُ هُوَ الْمُبْصِرُ ، وَيُقَالُ: الْعَالِمُ بِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ وَمِنْهَا «الْعَلِيمُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَاهُ: إِنَّهُ الْمُدْرِكُ لِمَا يُدْرِكُهُ الْمَخْلُوقُونَ بِعُقُولِهِمْ وَحَوَاسِّهِمْ ، وَمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ إِدْرَاكَهُ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِعَقْلٍ أَوْ حِسٍّ ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ - لَا يَغِيبُ - عَنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُعْجِزُهُ إِدْرَاكُ شَيْءٍ ، كَمَا
⦗ص: 124⦘
يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ أَوْ لَا حِسَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُمْ وَلَا يُشْبِهُونَهُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْعَلِيمُ هُوَ الْعَالِمُ بِالسَّرَائِرِ وَالْخَفِيَّاتِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا عِلْمُ الْخَلْقِ، وَجَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعِيلٍ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ بِكَمَالِ الْعِلْمِ
72 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ ، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ بَشَّارٍ ثنا أَبُو ضَمْرَةَ الْمَدَنِيُّ ، ثنا أَبُو مَوْدُودٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تَفْجَأَهُ فَاجِئَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تَفْجَأَهُ فَاجِئَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ
⦗ص: 125⦘
وَمِنْهَا «الْعَلَّامُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109] وَهُوَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ ، وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْعَالِمُ بِأَصْنَافِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى تَفَاوُتِهَا ، فَهُوَ يَعْلَمُ الْمَوْجُودَ وَيَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ، وَيَعْلَمُ مَا لَيْسَ بِكَائِنٍ ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ
73 -
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] قَالَ: يَعْلَمُ السِّرَّ مَا أَسَرَّ ابْنُ آدَمَ فِي نَفْسِهِ ، وَأَخْفَى مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ آدَمَ مِمَّا هُوَ فَاعِلُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ ، فَعِلْمُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا بَقِيَ عِلْمٌ وَاحِدٌ ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْهَا «الْخَبِيرُ» قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُتَحَقِّقُ لِمَا يَعْلَمُ كَالْمُسْتَيْقِنِ مِنَ الْعِبَادِ إِذْ كَانَ الشَّكُّ غَيْرَ جَائِزٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّكَّ يَنْزِعُ إِلَى الْجَهْلِ وَحَاشَا لَهُ مِنَ الْجَهْلِ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُوصَفُ بِعِلْمِ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُهُ أَكْثَرُ رَأْيِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ يُجِيزُ الْخَطَأَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُوصَفُ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، إِذْ كَانَ الْعَجْزُ غَيْرَ جَائِزٍ عَلَيْهِ ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يُؤْتَى فِيمَا وَصَفْتُ مِنْ قِبَلِ الْقُصُورِ وَالْعَجْزِ
⦗ص: 126⦘
وَمِنْهَا «الشَّهِيدُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17] وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] ، وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي
74 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي ، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ قَالَ: إِيتِنِي بِالشُّهُودِ أُشْهِدُهُمْ عَلَيْكَ ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، قَالَ: فَأْتِنِي بِكَفِيلٍ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَ: صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، فَذَكَرَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى الشَّهِيدِ: إِنَّهُ الْمُطَّلِعُ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ الْمَخْلُوقُونَ إِلَّا بِالشُّهُودِ وَهُوَ الْحُضُورُ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوصَفُ بِالْحُضُورِ الَّذِي هُوَ الْمُجَاوَرَةُ أَوِ الْمُقَارَبَةُ فِي الْمَكَانِ فَإِنَّ مَا يَجْرِي، وَيَكُونُ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَا
⦗ص: 127⦘
يَخْفَى عَلَى الْبَعِيدِ النَّائِي عَنِ الْقَوْمِ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّائِيَ إِنَّمَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ قُصُورِ آلَتِهِ وَنَقْصِ جَارِحَتِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَيْسَ بِذِي آلَةٍ وَلَا جَارِحَةٍ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِمَا مَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِمَا وَمِنْهَا «الْحَسِيبُ» قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6] وَرُوِّينَاهُ فِي خَبَرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ لِلْأَجْزَاءِ وَالْمَقَادِيرِ الَّتِي يَعْلَمُ الْعِبَادُ أَمْثَالَهَا بِالْحِسَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْسِبَ ، لِأَنَّ الْحَاسِبَ يُدْرِكُ الْأَجْزَاءَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَعْلَمُ الْجُمْلَةَ عِنْدَ انْتِهَاءِ حِسَابِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَوَقَّفُ عِلْمُهُ بِشَيْءٍ عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ ، وَحَالٍ يَحْدُثُ ، وَقَدْ قِيلَ: الْحَسِيبُ هُوَ الْكَافِي ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ تَقُولُ الْعَرَبُ نَزَلْتُ بِفُلَانٍ فَأَكْرَمَنِي وَأَحْسَبَنِي أَيْ أَعْطَانِي مَا كَفَانِي حَتَّى قُلْتُ حَسْبِي