المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإشارة العاشرة: عوض ما فاتك - دروس للشيخ علي القرني - جـ ٣٣

[علي القرني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب (*) إشارات على الطريق

- ‌مقدمة

- ‌المقيم على سفر

- ‌مسافرون

- ‌ما لابد منه:

- ‌دليله ومنهاجه:

- ‌عدة المسافر وزاده:

- ‌ومن الزاد:

- ‌ومن الزاد:

- ‌ فيا أيها المسافر:

- ‌جماع الزاد

- ‌محطات الاستراحة:

- ‌هدف المسافر ووجهته:

- ‌وسيلة تثبيت واتزان:

- ‌الإشارة الأولى: أنو الخير واعمل بمقتضى هذه النية

- ‌الإشارة الثانية: خليج صاف أطيب من بحر كدر

- ‌الإشارة الثالثة: العلم الشرعي والعمل به ضرورة للمسافر

- ‌الإشارة الرابعة: إنما عليك الجهد

- ‌الإشارة الخامسة: وتعاونوا على البر والتقوى

- ‌الإشارة السادسة: إنما السيل إجتماع النقط

- ‌الإشارة السابعة: إنما الأخطار أثمان المعاني

- ‌الإشارة الثامنة: تمهل

- ‌الإشارة التاسعة: كن أحزم من قرلّى

- ‌الإشارة العاشرة: عوض ما فاتك

- ‌الإشارة الحادية عشرة: العدل - فبه قامت السموات والأرض

- ‌الإشارة الثانية عشرة: لا تكن بيتا بلا سقف

- ‌الإشارة الثالثة عشرة: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

- ‌الإشارة الخامسة عشرة: كل البقل ولا تسل عن المبقلة

- ‌الإشارة السادسة عشرة: احترام الحقيقة

- ‌الإشارة السابعة عشرة: الأصل في المسلم السلامة

- ‌الإشارة الثامنة عشرة: من ذا الذي ترضى سجاياه كلها

- ‌الإشارة التاسعة عشرة: ما كل عود ناضر بنضار

- ‌الإشارة العشرون: بقدر الصعود يكون الهبوط

- ‌الإشارة الحادية والعشرون: لا تكن يائساً

- ‌الإشارة الثانية والعشرون: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث

- ‌الإشارة الثالثة والعشرون: رفقاً بهم

- ‌الإشارة الرابعة والعشرون: لا تضخم قضية على حساب أخرى

- ‌الإشارة الخامسة والعشرون: ما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا

- ‌الإشارة السادسة والعشرون: تحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الإشارة العاشرة: عوض ما فاتك

الحزم بقدر الإهتمامات والهموم، والهموم بقدر الهمم، (والجلد والحزم خير من التفلت والتبلد، والصلاة خير من النوم، والمنية خير من الدنية، وعزَّ بزَّ.

فثب وثبة فيها المنايا أو المنى

فكل محب للحياة ذليل

(ومن أراد المنزلة القصوى من الجنة فعليه أن يكون في المنزلة القصوى في هذه الحياة، واحدة بواحدة ولكل سلعة ثمن).

كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله حازما مع نفسه قد علق سوطا في بيته يخوف به نفسه، وكان يقول لنفسه: قومي، فوالله لأزحفن بك زحفا إلى الله حتى يكون الكلل منك لا مني، فإذا فتر وكل وتعب تناول سوطه وضرب رجله ثم قال: أيضن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنهم عليه زحاماً، حتى يعلموا انهم خلفوا وراءهم رجالاً).

هم الرجال وعيب أن يقال

لمن لم يكن في زيهم رجل

حالهم:

عباس عباس إذا احتدم الوغى

والفضل فضل والربيع ربيع

* * * * *

‌الإشارة العاشرة: عوض ما فاتك

من الناس من يتحسر على ما مضى من تقصير، ويسرف في ذلك حتى يضيع حاضره، ويقطع عليه مستقبله، فيأتي عليه زمان يتحسر فيه على الزمن الذي ضيعه في الحزن والتحسر.

إن تعويض ما فات لا يكون بالندم على ما فات فحسب، ولا يكون باجترار أحزان الماضي، إنما يكون بالجد والعمل واغتنام كل فرصة قادمة ليتقدم بها خطوة وهذا دليل الكيس، وآية علو الهمة.

ابن عقيل الحنبلي رحمه الله وهو في الثمانين يقول:

ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي

ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي

وإنما اعتاض شعري غير صبغته

والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم

****

فإن كنت ترجوا معالي الأمور

فأعدد لها همة أكبرا

تلك النفوس الغالبات على العلا

والحق يغلبها على شهواتها

ص: 38

أفلا فليحمد الله من ضيع وقصر على إمهاله له وليعوض، فأيام العافية غنيمة باردة، وأوقات الإهمال فائدة، فتناول وعوض ما دامت عندك المائدة، فليست الساعات بعائدة.

فإن تك بالأمس اقترفت اساءة

فبادر بإحسان وأنت حميد

ولا تبقي فعل الصالحات إلى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

غاب أنس بن النضر رضي الله عنه وقعة بدر فأحس بألم غنيمة ضيعها، فقال -كماروى البخاري ومسلم-: يارسول الله غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، لأن أشهدني الله مشهدا ً آخر في قتال المشركين، ليرين الله مني ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون أقبل أنس يعتذر إلى الله مما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبرأ إلى الله مما صنع المشركون، يتقدم ويكسر غمد سيفه ويستقبله سعد بن معاذ فيقول: الجنة ورب النضر إني لأجد ريحها من دون أحد، يقول سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع، ولما انتهت المعركة وجدوه قد قتل، ومثل به المشركون، ووجد به بعض وثمانون ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية بسهم فما عرفته إلا أخته ببنانه.

إما فتى نال المنى فاشتفى

أو بطل ذاق الردى فاستراح

إما إلى العز وتقضي بساحته

ذل الحياة وطعم الموت سيان

من تفكر في تفريطه أن

ولتعويض ما مضى حن:

ص: 39

عكرمة رضي الله عنه يسلم عام الفتح، وشعر بما فاته من سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: والذي نجاني يوم بدر يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت أضعافها في سبيل الله ولا قتالا قاتلته في الصد عن سبيل الله إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله، ويبر بقسمه فما خاض المسلمون معركة بعد إسلامه إلا خاضها معهم، ولا خرجوا إلا كان معهم، وفي يوم اليرموك وما يوم اليرموك؟! (أقبل عركمة على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في في اليوم القائظ، اشتد الكرب بالمسلمين نزل عن جواده، وكسر غمد سيفه، واغل في صفوف الروم، فبادر خالد بن الوليد قائلا: لا تفعل يا عكرمة، إن قتلك على المسلمين سيكون شديدا، قال: إليك عني ياخالد لقد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة أما أنا وأبي أبو جهل فقد كنا أشد الناس على رسول صلى الله عليه وسلم دعني اكفر عما سلف مني، أأقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أفر اليوم من الروم، والله لا يكون أبدا.

لو بان عضدي لما تأسف منكبي

لو مات زندي ما بكته الأنامل

ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه أربعمائة من المجاهدين في سبيل الله، فقاتلوا حتى نصر الله المسلمين نصرا مؤزرا، ولقى الله عكرمة مثخنا بجراحه)، ولسان حاله (قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه:84). فرضى الله عنه وأرضاه.

بذل النفس فداء ورضى

وقضى العمر وأقصى السفرا

همة أخرجت حظ الدنيا من نفوسهم فتاقوا إلى تعويض ما فات من ساعات في خدمة دينهم فاقتحموا المكاره بغية المكارم، وعقدوا لله عقدا مع أنفسهم فما نكثوا وما نقضوا.

فبادر أخي قبل العوائق، واستدرك ما فات فلعلك بالأخيار لا حق، إن كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم.

إذا استدرك الإنسان ما فات من علا

فللحزم يعزى لا إلى الجهل ينسب

ص: 40