الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكا رجل عليا رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه فلما جلس عمر لينظر في الدعوى قال لعلي: ساو خصمك يا أبا لحسن فتغير وجه علي رضي الله عنه. ثم قضى عمر في الدعوى وذهب الخصم فالتفت عمر إلى علي وقال أأغضبتك يا أبا الحسن إذ سويت بينك وبين خصمك؟ قال عليّ: كلا بل لأنك لم تسوي بيني وبينه يا أمير المؤمنين لقد أكرمتني ودعوتني بكنيتي يا أبا الحسن ولم تناد خصمي بكنيته فذلك الذي أغضبني، فقبل عمر رأس علي وقال: لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن.
حكموا فكان العدل شرعة حكمهم
…
ما الحكم ما السلطان إن لم يعدل
سارت مبادؤهم وسارت خلفها
…
أفعالهم في موكب متمثل
شادوا من التقوى أصح مواقف
…
وبنوا من الحسنات خير قلاع
* * * * *
الإشارة الثانية عشرة: لا تكن بيتا بلا سقف
بمعنى لا يزال لسانك رطبا رطبا على الطريق بذكر رب العالمين، فلا تكن من الغافلين، إن بيت بلا سقف حري أن يكون مرتعا للغبار والقاذورات ومأوى للهوام والحشارت، كذلك أن بيت لا يذكر الله فيه لا سقف له، خراب بلقع لا داع به ولا مجيب ((مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر فيه الله مثل الحي والميت)) - كما في صحيح مسلم رحمه الله.
إن إنسان لا يذكر الله لا سقف له، حي بعظم ميت:
إذا ما الحي عاش بعظم ميت
…
فذاك العظم حي وهو ميت
((ومثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت)) - كما ثبت عند البخاري رحمه الله.
والناس صنفان: موتى في حياتهم
…
وآخرون ببطن الأرض أحياء
فأكثر ذكره في الأرض دأبا
…
لتذكر في السماء إذا ذكرتا
فلم أرى غير حكم الله حكماً
…
ولم أر دون ذكر الله بابا
خذ ما يسرك دع شيئا تضربه
…
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
إن جمعا لا يذكر الله فيه لا سقف له مضطرب أرق قلق:
كريشة في مهب الريح ساقطة
…
لا تستقر على حال من القلق
((والدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما))، في الزهد لإبن المبارك رحمه الله. إن أبا مسلم الخولاني رحمه الله دخل مسجدا رأى فيه حلقة ظنهم في ذكر فجلس إليهم فإذا هم يتحدثون في الدنيا، فقال سبحان الله هل تدرون يا هؤلاء ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجل أصابه مطر غزير فالتفت فإذا هو بمصارعين عظيمين فقال لو دخلت هذا البيت حتى يذهب عني هذا المطر فدخل فإذا هو بيت بلا سقف، جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على خير وذكر فإذا أنتم أصحاب دنيا.
كم حديث يظنه المرء نافعا
…
وبه لو درى يكون البلاء
إنه ليس في جلاء القلوب واطمئنانها من ذكر الله ومناجاته، وليس هناك من هو أولى بملازمة ذكر الله من الداعية إلى الله، وكلنا ذلك الرجل الذي جعل محور حياته خدمة ليدن الله فهو أحرى أن يذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنب في كل حين وآن، فذكر الله له يرقق المشاعر ويوقظ القلوب والضمائر ويرهف الإحساس ويشرح الصدور ويسمو بالنفوس ويزكيها، ويترفع بها عن شهواتها ويملك جماحها، ويرفع الدرجات، ويكفر السيئات ومع ذا خفيف على اللسان ثقيل في الميزان حبيب إلى الرحمن فمن الخطورة العظيمة أيها الأحبة أن نتحول على منظرين وخططين ثم لا نكون الربانيين العابدين الأوابين المفردين الذاكرين الله كثيرا والمخبتين فنصبح من المحرومين - نعوذ بالله رب العالمين- المحروم من نعمة ملازمة ذكر الله محروم من الإحساس المرهف، والضمير اليقظ الحي، حياته جمود وعطالة وبطالة وانحطاط، أنى له أن يصل إلى وجهته؟ إن المسلم بصفة عامة وطالب العلم بصفة خاصة جدير بان يذكر الناس بالله حتى إذا ما رؤي ذكر الله تعالى فكيف به إن كان غافلا؟ أيكون جديرا بالتذكير؟! كلا والله، إن فاقد الشيء لا يعطيه.
هل يطلب الماء ممن يشتكي عطشا
…
هل يطلب الثوب ممن جسمه عار
يا بانيا بالماء حائط بيته
…
فوق العباب أرى البناء مهيلا
أرأيت قبلك عاريا
…
يبغى نزال الدارعين
كلا. إن بحر الحياة الدعوية ليست السباحة فيه بالخطب اليسير، فخير للإنسان أن يأوي إلى سفينة مأمونة الغرق، ألا وهي سفينة الإيمان والاطمئنان بذكر الرحمن، كثير ممن يحسنون السباحة غرقوا في هذا البحر وما رأينا سفينة الإيمان وذكر الرحمن تغرق فيه أبدا، وعلى الطريق. (سبق المفردون) إن القلب بذكر الرحمن بلد عامر وحصن محكم مصون، وروضة مباركة لا يكان ينفد نعيمها ولا ينضب معينها، (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (ابراهيم:25).
* الذكر مسك والغفلة رماد.
* الذكر جواد والغفلة حمار.
* فليكن لسان الحال على الطريق ما كنت لأتخطى المسك إلى الرماد.
* ولا أمتطي الحمار بعد الجواد
* وإنما يتيمم من لم يجد الماء.
* ويرعى الهشيم من عدم الجميم.
* ويركب الصعب من لا ذلول له (قد قاله ابن زيدون).
أما لسان المقال:
فالعز داري وبحر العزم راحلتي
…
والذكر أنسي ومن والاه إخواني
فيا قدمي لا سرت بي لمذلة
…
ولم ترتقي إلا إلى العز سلما