المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإشارة الثالثة والعشرون: رفقا بهم - دروس للشيخ علي القرني - جـ ٣٣

[علي القرني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب (*) إشارات على الطريق

- ‌مقدمة

- ‌المقيم على سفر

- ‌مسافرون

- ‌ما لابد منه:

- ‌دليله ومنهاجه:

- ‌عدة المسافر وزاده:

- ‌ومن الزاد:

- ‌ومن الزاد:

- ‌ فيا أيها المسافر:

- ‌جماع الزاد

- ‌محطات الاستراحة:

- ‌هدف المسافر ووجهته:

- ‌وسيلة تثبيت واتزان:

- ‌الإشارة الأولى: أنو الخير واعمل بمقتضى هذه النية

- ‌الإشارة الثانية: خليج صاف أطيب من بحر كدر

- ‌الإشارة الثالثة: العلم الشرعي والعمل به ضرورة للمسافر

- ‌الإشارة الرابعة: إنما عليك الجهد

- ‌الإشارة الخامسة: وتعاونوا على البر والتقوى

- ‌الإشارة السادسة: إنما السيل إجتماع النقط

- ‌الإشارة السابعة: إنما الأخطار أثمان المعاني

- ‌الإشارة الثامنة: تمهل

- ‌الإشارة التاسعة: كن أحزم من قرلّى

- ‌الإشارة العاشرة: عوض ما فاتك

- ‌الإشارة الحادية عشرة: العدل - فبه قامت السموات والأرض

- ‌الإشارة الثانية عشرة: لا تكن بيتا بلا سقف

- ‌الإشارة الثالثة عشرة: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

- ‌الإشارة الخامسة عشرة: كل البقل ولا تسل عن المبقلة

- ‌الإشارة السادسة عشرة: احترام الحقيقة

- ‌الإشارة السابعة عشرة: الأصل في المسلم السلامة

- ‌الإشارة الثامنة عشرة: من ذا الذي ترضى سجاياه كلها

- ‌الإشارة التاسعة عشرة: ما كل عود ناضر بنضار

- ‌الإشارة العشرون: بقدر الصعود يكون الهبوط

- ‌الإشارة الحادية والعشرون: لا تكن يائساً

- ‌الإشارة الثانية والعشرون: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث

- ‌الإشارة الثالثة والعشرون: رفقاً بهم

- ‌الإشارة الرابعة والعشرون: لا تضخم قضية على حساب أخرى

- ‌الإشارة الخامسة والعشرون: ما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا

- ‌الإشارة السادسة والعشرون: تحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الإشارة الثالثة والعشرون: رفقا بهم

‌الإشارة الثالثة والعشرون: رفقاً بهم

إن عند الناس من الهموم ما يكفيهم، وهم بحاجة إلى من يواسيهم لا من يعنفهم، وعلينا ألا ننسى أن البشر مخلوقات عاطفية تجذبهم الكلمة الطيبة وينفرهم التوبيخ والتقريع، وعند كل واحد منهم من الاعتداد بنفسه ومواهبه وإمكاناته ما يجعله يرى في الكلمة القاسية عدواناً على كرامته ومجاله الخاص.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ساق ما يحتاجه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر: فلا بد من هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهي والرفق ومعه الصبر بعده .. وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف، ورووه مرفوعا:(لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها فيما ينهي عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقا فيما ينهي عنه؛ حليما فيما يأمر به؛ حليما فيما ينهي عنه).

والداعية إلى جانب إيثار الكلمة الرقيقة والأسلوب العذب يؤثر أيضا التشبيهات الجميلة، ويبتعد عن الأمثال والتشبيهات القبيحة أو المنفرة؛ وقد سمعت آخر يشبه لا قطات (التلفاز) على أسطح المنازل بالرايات التي كانت تنصبها المومسات على بيوتهم في الجاهلية!! - قلت كيف لو رأى الأطباق اليوم - وهذا كلام الصمت خير منه بكثير!

إن قولنا: هذا خلاف الواقع يؤدي عين المعنى الذي يؤديه قولنا: هذا كذب، لكنه أرفق وألطف. وإن قولنا: ما رأيكم لو علمنا كذا ألطف من قولنا اعملوا كذا، وكفوا عن كذا

إن صيغة الأمر والنهي لم تعد مقبولة في كل موضوع؛ فالحضارة الحديثة وسعت دائرة الخصوصيات والحرية الشخصية إلى أبعد حد ممكن، وإن من واجبنا أن نشعر المخاطب أننا لا نتعدى على أي منهما.

فالرفق الرفق ((من يحرم الرفق يُحرم الخير كله)) صحيح مسلم.

ويقول الله تعالى: (

وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:159).

(قال السيد قطب رحمه الله حول ظلال هذه الآية)

ص: 81

(فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم

في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى العطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الإهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا

وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته مع الناس؛ ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة.

هذه هي صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله عز وجل بالتأسي به، واقتفاء أثر، وهي نموذج لكل داعية يريد دعوة الناس إلى الخير، ويحببهم فيه، ولكن مع ذلك بعضنا يفرط في هذه الصفات، ويصدر منه من المواقف والتصرفات ما ينم عن الغلظة، والفظاظة، وعدم الحلم، وسعة الصدر، متمثلا في تقطيب الوجه، وانقباض النفس، على الأخطاء، وفقدان الرفق والأناة، ومعلوم ما ينتج عن ذلك من نفرة الناس وكرههم لمن هذه أخلاقه، فوق ما في ذلك من الإثم وحرمان الأجر.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).

وثمة شيء آخر يتعلق بهذا الموضوع ألا وهو ما درج عليه بعض المربين والموجهين من الدعاة في القسوة على من معهم، وتربيتهم على التقليد الأعمى، وعدم السماح لهم بإبداء آرائهم، ومعارضتهم، وقفل باب التشاور معهم.

وهذه الطريقة الخاطئة من التربية، تفرز لنا دعاة مقلدين متعصبين منفذين لما يقال لهم بدون بصيرة، وهذه هي الحقيقة تربية عبيد لا تربية قادة، وهذا يخالف قوله تعالى:

ص: 82