الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل قيام الليل
لقد وصف الله المتقين فقال ((إن المتقين فى جنات وعيون، ءاخذين ما ءاتاهم ربهم انهم كانوا قبل ذلك محسنين))، أي فى دار الدنيا ثم بين إحسانهم فى العمل فقال ((كانوا قليلا من الليل ما يهجعون
وبالأسحار هم يستغفرون)) (1) قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلي السحر)) (2)
ووصف سبحانه المؤمنين فقال ((إنما يؤمن بآيتنا الذين إذا ذ كروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون، تتجافى جنوبهم عن المضاجع)) يعنى بذلك
(1) سورة الذاريات من الآية (15: 18)
(2)
تفسير القرآن العظيم (4/ 250)
قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة. ثم قال سبحانه ((يدعون ربهم خوفا وطمعا)) أي خوفا من وبال عقابه وطمعا فى جزيل ثوابه (1)
وكيف لا يقومون الليل وكان سيدهم وإمامهم وفخرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم الليل حتى تتورم قدماه يصفه عبد الله بن رواحه رضى الله عنه فيقول: وفينا رسول الله يتلو كتابه
…
إذا انشق معروف من الصبح ساطع أرانا الهدى بغد العمى فقلوبنا به موقنات إن ما قال واقع يبيت يجافى جنبه عن فراشه إذا استقلت بالمشركين المضاجع
(1) - راجع تفسير القرآن العظيم (3/ 468)
ثم ذ كر سبحانه وتعالى ((فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)) (1) أي فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله فى الجنات من النعيم المقيم واللذات التى لم يطلع على مثلها أحد لما أخفوا أعمالهم كذا لك أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا فان الجزاء من جنس العمل، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ولم يخطر على قلب بشر (2) قال وقال سبحانه فى وصف عباد الرحمن ((والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما)) (3) أي يحيون الليل بالعبادة فهم مستيقظون حيث ينام الناس ومنتبهون حيث يغفل الناس
(1) سورة السجدة الآية (15: 17)
(2)
- راجع تفسير القرآن العظيم (3/ 469)
(3)
- سورة الفرقان (الآية 64)
انهم اخلصوا الحب لله تعالى فتلذذوا بمناجاته ولقد احسن القائل فيهم امنع جفونك أن تنام مناما
…
واذر الدموع على الخدود سجاما
…
واعلم بأنك ميت ومحاسب يا من على سخط الجليل أقاما لله قوم أخلصوا فى حبه فرضى بهم واختصهم خداما قوم إذا جن الظلام عليهم باتوا عل هنالك سجدا وقياما حمس البطون من التعفف ضمرا لا يعرفون سوى الحلال طعاما.
عن عبد الله بن سلام رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: أيها الناس أفشو السلام، أطعموا الطعام وصلوا
والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) (1) ففي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن قيام الليل سبب من أسباب دخول الجنة فاستمسك بذلك أخي المسلم - وفقك الله - فانه مفتاح السعادة. بل أن الصلاة فى الليل افضل من صلاة النهار لأنها تكون اقرب إلى الخشوع والإخلاص ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((افضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وافضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) (2).والليل موسم لتنزل الرحمات ولنوول رب الأرض والسماوات وهو وقت فاضل
(1) - رواه الترمذى وقال حديث صحيح
(2)
- رواه مسلم (8/ 54 نووي) عن أبي هريرة
فعليك باغتنامه فعن جابر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرا من أمر الدنيا والأخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)).
ولو تفكر المسلم في ثواب قيام الليل ما تركه قط فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنة غرف يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام)).
واعلم - حفظك الله أن قيام الليل هو طريق الصالحين، وسبيل العاملين، وتكفير لذنوب المذنبيين وهداية للفجرة والعاصين.
فعن أبي أمامة الباهلي رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بقيام الليل فانه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم)).قال الهيثمى فى المجمع ((2/ 251)): رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال عبد الملك بن شعيب بن الليث: ثقة مأمون وضعفه جماعة من الأئمة. ا. هـ قلت منهم النسائي، والإمام احمد، وابن جريمة، ولكن وثقة كثيرون مثل: يحيي بن معين، وابن عدى، وأبو حاتم، وقال المنذرى فى
الترغيب (6/ 348): قد روى عنه البخاري فى صحيحه. فمثل هذا حديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن ان شاء الله تعالى، ولذلك حسنه العراقي فى تخريج الاحياء (4/ 634) والحديث له طرق أخرى عند الطبرانى فى الكبير، عن سلمان الفارسي رضى الله عنه، وفيه عبد اللاحمن بن سلمان، قال الحافظ فى التقريب (1/ 482): صدوق يخطئ اهـ. ومثل هذا حديثه يصلح فى الشواهد.
وللحديث طرق ثالثه، عن بلال رضى الله عنه، ولا يصح، لان فى إسناد محمد بن سعيد الشامي المصلوب، وهو كذاب وضاع، ولذلك روى الترمذى (5/ 213) حديث أبي أمامه هذا وقال هذا اصح من حديث أبي إدريس، من بلال.
واعلم أرشدك الله أن الشرف والكرامة فى قيام الليل، فعن سهل بن سعد رضى الله عنهما قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد عش ما شئت فانك ميت، واعمل ما شئت فانك مجزى به، احبب ما شئت فانك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس)(1) والمسلم القائم بالليل قريب من ربه عز وجل، فعن عمرو بن عنبه رضى الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(اقرب ما يكون الرب من العبد فى جوف الليل الأخر، فان استطعت أن تكون ممن يذكر الله فى تلك الساعة فكن)) (2)
(1) - قال الحافظ المنذرى فى الترغيب (2/ 23): رواه الطبرانى فى الأوسط واسنادة حسن
(2)
- رواه الترمذى وقال: حسن صحيح غريب
يكفيك - بارك الله فيك - إذا كنت ممن يقيم الليل أن يحبك الله، ويضحك إليك ويستبشر بك، فعن أبي الدر داء رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثة يحبهم الله، ويضحك اليهم ويستبشر بهم: الذى إذا انكشفت فئة قاتل ورائها بنفسه لله عز وجل ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لى بنفسه. والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرنى ولو شاء رقد. والذي إذا كان فى سفر، وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا، فقام من السحر فى ضراء وسراء)) (1)
(1) -قال الحافظ المنذرى فى الترغيب (2/ 33) رواه الطبرانى فى الكبير بإسناد حسن.
فيالها من بشارة عظيمة، ومنزلة رفيعة، أن تنال حب الله عز وجل، فاسلك نفسك فى سلك العاملين وتشبه بالصالحين وسر سير المتقين وجاهد نفسك فى سبيل رب العالمين عسى أن تصل إلى مرتبة المحسنين، وتكون فى الآخرة من الفائزين. بل أن الغبطة جائزة فى أعمال الخير مثل قيام الليل وغيرة، فعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا فى اثنتين: رجل أتاه الله القران فهو يقوم به أناء الليل وأطراف النهار، ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه أناء الليل وأطراف النهار)) (1).وعن يزيد بن الاخنس رضى الله عنه أن
(1) - رواه البخاري (9/ 73 فتح)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنافس إلا فى اثنتين: رجل أتاه الله قرأنا فهو يقوم به أناء الليل وأطراف النهار، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم فلان. ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق منه ويتصدق فيقول رجل مثل ذلك)) (1).قال الحسن البصري رحمه الله: ما نعلم عملا أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال، فقيل له: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها؟ قال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نورا من نوره. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم انك
(1) - قال المنذرى فى الترغيب (2/ 36) رواه الطبرانى فى الكبير ورواته ثقاة مشهورون ورواه أبو يعلى من حديث أبي سعيد نحوه بإسناد حسن
محروم وقد كثرت خطيئتك. واعلم - أنار الله قلبك بنور الإيمان - أن قيام الليل هو مهر الحور العيين، ومن أكثر فله أكثر، والله أكثر. يقول مالك بن دينار: سهوت ليلة عن وردى فإذا أنا فى المنام بجارية كأ حسن ما يكون وفى يدها رقعة - أى ورقه فقالت لى: أتجسن تقرأ؟ فقلت نعم، فدفعت إلى الرقعة فإذا فيها: أألهتك الذائذ والأماني عن البيض الأوانس فى الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها وتلهو فى الجنان مع الحسان تنبه من منامك أن خيرا من التهجد بالقرآن.