الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمور الميسرة لقيام الليل
أعلم أخى المسلم - وفقك الله - أن قيام الليل من اثقل الطاعات على النفوس، ومن اشدها علي على القلوب، ومن أصعبها على الأبدان إلا من يسره الله عليه، وهناك أمور لو تمسك بها العبد ليسرت عليه قيام الليل أن شاء الله تعالى.
وهذه الأمور تنقسم إلى قسمين: أمور ظاهرة، وأخرى باطنة.
أولا: الأمور الظاهرة:
1 -
أن لا يكثر العبد من الأكل والشرب، فيغلبه النوم أو يثقل عليه القيام وقد قيل: لا تأكل كثيرا فتشرب كثيرا، فتنام كثيرا، فتخسر كثيرا. وروى عبد الله بن محمد بن عتيد بسنده عن وهيب بن
الورد قال: بلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا فقال: إني أريد أن أنصحك، قال: كذبت، أنت لا تنصحنى ولكن أخبرني عن بنى أدم؟
قال: هم عندنا على ثلاث أصناف: أول صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا، نقبل عليه حتى نفتنه ونستمكن منه، ثم يتفرغ للاستغفار والتوبة، فيفسد علنا كل ما أدركناه منه، ثم نعود فيعود، فلا نحن نيأس منه، ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك فى عناء.
وأما الصنف الثاني فهم فى أيدينا بمنزلة الكرة فى أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا أنفسهم.
وأما الصنف الأخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ.
قال يحيى: على ذلك هل قدرت منى على شئ؟ قال: لا إلا مرة واحدة، فانك قدمت طعاما تأكل فلم أزل أشهيه لك حتى أكلت منه أكثر مما تريد، فنمت تلك الليلة فلم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم. فقال يحيى: لا جرم لا شبعت من طعام أبدا فقال الخبيث: لا جرم لا نصحت ادميا بعدك.
- وعن بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أن أهل الشبع فى الدنيا هم أهل الجوع غدا فى الآخرة)) رواه الطبرانى بإسناد حسن، قاله
المنذرى فى الترغيب (4/ 129)
- وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: إياكم والبطنة فإنها ثقل فى الحياة، نتن فى الممات.
- وقال لقمان لابنه: يا بنى إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
- وقال أبو سليمان الدارنى: من شبع دخل عليه ست آفات - فقد حلاوة المناجاة، - وتعذر عليه حفظ الحكمة،
- وحرمان الشفقة على الخلق - لأنه إذا شبع ظن الخلق كلهم شباعا، - وثقل العبادة، - وزيادة الشهوات،
وأن سائر المؤمنين ويدورون حول المساجد
والشباع يدورون حول المزابل.
- وقال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم، وصفا ورق، وأن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد.
- وقال عمرو بن قيس: إياكم والبطنة، فإنها تقسي القلب.
- وقال الحسن البصرى: كانت بلية أبيكم أدم أكله، وهو بليتكم إلى يوم القيامة.
- وقد قيل: إذا أردت أن يصح جسمك، ويقل نومك، فأقلل من الأكل.
- وقال إبراهيم بن أدهم: من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وان معصية الله بعيدة من الجائع، وقريبة من الشبعان والشبع يميت القلب.
- وقال الشافعي: الشبع يثقل البدن، ويذيل الفطنة، ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبا دة.
وخلاصة القول أن تقلل من الأكل وتقوم قبل حد الشبع، وعلامة ذلك أن تقوم وأ نت مشتاق إلى الطعام.
2 -
ألا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال التى تعيا بها الجوارح وتضعف بها الأعصاب فان ذلك مجلبة للنوم.
3 -
ألا يترك القيلولة بالنهار للاستعانة بها على قيام الليل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:((قيلوا فان الشياطين لا تقيل)) (1).وفى سنن ابن ماجه بسند ضعيف ((استعينوا بطعام السحر على صيام
(1) - السلسلة الصحيحة - برقم (1647)
النهار، واستعينوا بالقيلولة على قيام الليل))
وقد كان الحسن البصرى رحمه الله يمر على أهل السوق ويقول: أظن ليل هؤلاء سوء لأنهم لا يقيلون.
4 -
أن يتجنب ارتكاب المعاصي، فان ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة، فان مقترف الذنوب لا يوفق لقيام الليل، ومن أحسن فى نهاره وفق فى ليله. وقال رجل للحسن البصرى: يا أبا سعيد! أنى أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهورى، فما بالى لا أقوم؟!.
فقال الحسن البصرى: قيدتك ذنوبك.
قيل لعبد الله بن مسعود: ما لنا لا نستطيع قيام الليل؟.
وقال أبعدتكم ذنوبكم.
5 -
أن يبتعد عن التنعيم الزائد فى الفراش، فان ذلك بمنع من قيام الليل فقد سئلت حفظة عن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت مسحا - أي مساء خشن من الصوف - نثنيه ثنتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته أربع ثنيات لكان أوطأ له، فثنيناه له أربع ثنيات فلما اصبح قال:((ما فرشتموه لي الليلة؟)) قالت: قلنا هو فراشك إلا أننا ثنيناه لك أربع ثنيات ليكون أوطأ لك - أي لينة - فقال عليه الصلاة والسلام ((ردوه فانه منعني من صلاة الليلة)) (1)
وعن عا ئشة رضى الله عنها قالت: إنما كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم
(1) - رواه الترمذى فى الشمائل (156)
الذى كان ينام عليه من أدم (1) حشوه ليف (2)
6 -
الابتعاد عن فضول النظر والكلام، فان ذلك يقسي القلب، ويبعده عن الرب.
7 -
كثرة ذكر الله، فان الذكر حياة القلب، وصاحب القلب الحي موفق لقيام الليل أن شاء الله تعالى. فقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الذى يذكر ربه بالحي. وهو فعلا حي القلب - ومثل الغافل عن ذكر الله بالميت - وهو فعلا ميت القلب - فعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذى يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي
(1) -الا دم: جمع اأديم وهو الجلد المدبوغ، والليف هو ليف النخل.
(2)
- رواه مسلم فى اللباس برقم (2082)
والميت)) (1)
8 -
أكل الحلال، والابتعاد عن الحرام، فكلما كان العبد متحريا الحلال كان موفقا، قال سهل بن عبد الله التسترى رحمه الله: من أكل الحلال أطاع الله شاء أو أبى. وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ((يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم)) (2).وقال ((يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)) (3)
(1) - رواه البخاري (11/ 208فتح)، ومسلم (6/ 68نووى)
(2)
- سورة المؤمنون الاية (51)
(3)
- سورة البقرة الاية (172)
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك)) (1).وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من أكل طيببا، وعمل فى سنة، وأمن الناس بوائقه، دخل الجنة)) (2)
ثانيا: الأمور الباطنة
1 -
سلامة القلب من الحقد على المسلمين وعن البدع، وعن فضول هموم الدنيا كي ينشغل القلب بالله مولاه ويترك ما سواه.
(1) - رواه مسلم.
(2)
- رواه الترمذى (4/ 87) وقال: حسن صحيح.
2 -
خوف غالب يلازم القلب، فا نه إذا تفكر العبد فى أهوا ل الأخرة، ودركات جهنم طار نومه، وعظم حذره، وازداد خوفه. وقد قيل: منع القران بوعده ووعيده
…
مقر العيون بليلها أن تهجما
فهموا عن الملك الجليل كلامه
…
فرقابهم ذلت إليه تخضعا
وقد قيل:
…
إذا ما الليل أظلم كابدوه
…
فيسفر عنهم وهو ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
…
وأهل الدنيا فى الدنيا هجوع
3 -
أن يتفكر فى فضل قيام الليل بسماع الآيات والأحاديث والآثار الواردة فيه، فان
ذلك يدفعه على العمل وييسر عليه المشقة، فان الشوق إلى الجنة يدفع الناس على العمل والاجتهاد لتحصيل المراد من رب العباد.
4 -
تذكر حلاوة المناجاة والوقوف بين يدي الله، فان لقيام لذة فى القلب، وحلاوة فى النفس ولا يشعر بهذه اللذة وتلك الحلاوة إلا من أخلص الحب لله، وجرد الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:
((قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) (1)
5 -
قصر الأمل فانه يدفع على العمل، وإياك وطول الأمل، فانه يدفع على الكسل،
(1) - سورة ال عمران الاية (31)
ويجلب الملل، ويحرمك من لبس الحلال، والجلوس فى الظل. وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: ((كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك (1)
6 -
تذكر نومتك فى القبر الوحيش وظلمته، فان ذلك يهمون عليك القيام فى ظلمات الليل.
(1) - رواه البخارى (11/ 233فتح)
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: أغتنم فى الفراغ فضل الركوع
…
فعسى أن يكون موتك بغتة
كم من صحيح مات من غير سقم
…
ذهبت نفسه الصحيحة فلتة (1)
(1) - رواه البخارى (11/ 233فتح)