الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ذكر الْفَتْح الصلاحي النجمي)
(الَّذِي يسره الله تَعَالَى على يَد السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين)(أَيُّوب بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر)(ابْن أَيُّوب تغمده الله تَعَالَى برحمته واسكنه فسيح جنته) لما وَقع مَا تقدم ذكره من تَسْلِيم الْقُدس للإفرنج فِي سنة إِحْدَى واربعين وسِتمِائَة استدعى الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الخوارزمية لينصروه على عَمه الصَّالح اسماعيل فَسَار الخوارزمية ووصلوا إِلَى غَزَّة فِي سنة اثْنَتَيْنِ 642 هـ واربعين وسِتمِائَة وَوصل اليهم عدَّة كَثِيرَة من العساكر المصرية مَعَ ركن الدّين بيبرس مَمْلُوك الصَّالح ايوب وَكَانَ اكبر مماليكه وارسل الصَّالح اسماعيل عَسْكَر دمشق مَعَ الْملك الْمَنْصُور ابراهيم ابْن شيركوه صَاحب حمص وَسَار صَاحب حمص جَرِيدَة وَدخل عكا واستدعى الافرنج على مَا كَانَ قد وَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق مَعَهم وَوَعدهمْ بِجُزْء من بِلَاد مصر فَخرج الافرنج واجتمعوا بالفارس والراجل وَلم يحضر للناصر دَاوُد والتقى الْفَرِيقَانِ بِظَاهِر غَزَّة فولى عَسْكَر دمشق وَصَاحب حمص والافرنج منهزمين وتبعهم عَسْكَر مصر والخوارزمية فَقتلُوا مِنْهُم خلقا عَظِيما وَاسْتولى الْملك الصَّالح ايوب صَاحب مصر على غَزَّة والسواحل والقدس الشريف وَللَّه الْحَمد ووصلت الأسرى والرؤس إِلَى مصر ودقت بهَا البشائر عدَّة أَيَّام ثمَّ ارسل الصَّالح ايوب صَاحب مصر الْعَسْكَر وَسَار إِلَى دمشق وحاصروها وَخرجت السّنة وهم فِي حصارها وَتُوفِّي الْملك المغيث فتح الدّين عمر فِي حبس عَمه اسماعيل وَبلغ وَالِده الصَّالح ايوب ذَلِك فَاشْتَدَّ حزنه عَلَيْهِ وحنقه على اسماعيل فَلَمَّا دخلت سنة ثَلَاث واربعين وسِتمِائَة تسلم عَسْكَر الصَّالح ايوب دمشق من الصَّالح اسماعيل ثمَّ استولى الصَّالح ايوب على بعلبك فِي سنة ارْبَعْ واربعين سِتّمائَة 644 هـ وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ الْملك الْمَنْصُور ابراهيم بن شيركوه صَاحب حمص وَفِي سنة
خمس واربعين فتحت قلعة عسقلان وقلعة طبرية وَالْملك الصَّالح ايوب بِالشَّام بعد محاصرتها مُدَّة وَاسْتولى الصَّالح ايوب على الكرك فِي سنة سبع واربعين قبل فَاتَهُ بِيَسِير وَهَذَا الْفَتْح الْوَاقِع فِي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وسِتمِائَة لبيت الْمُقَدّس هُوَ آخر فتوحاته فانه اسْتمرّ بأيدي الْمُسلمين الى عصرنا والمرجو من كرم الله تَعَالَى استمراره كَذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بحول الله وقوته وَتُوفِّي الْملك الصَّالح نجم الدّين ايوب لَيْلَة الْأَحَد لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة مَضَت من شعْبَان سنة سبع واربعين وسِتمِائَة وَكَانَت مُدَّة ملكة تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَعشْرين يَوْمًا وعمره نَحْو ارْبَعْ واربعين سنة وَكَانَ مهيبا عالي الهمة عفيفا طَاهِر اللِّسَان شَدِيد الْوَقار وَلَو لم يكن من علو همته إِلَّا مبادرته لاستنقاذ الْبَيْت الْمُقَدّس من أَيدي الْكفَّار فِي اسرع وَقت لكفى رحمه الله وَعَفا عَنهُ وعوضه الْجنَّة وتسلطن بعده وَلَده الْملك الْمُعظم توران شاه وَكَانَ الافرنج قد استولوا على دمياط قبل وَفَاة الْملك الصَّالح فِي سنة سبع اربعين وَوَقع بَين الْمُسلمين والافرنج بِأَرْض دمياط وقعات وارسلوا يطْلبُونَ الْقُدس وَبَعض السواحل وَأَن يسلمُوا دمياط الى الْمُسلمين فَلم تقع الاجابة بذلك وَفتح الله دمياط بعد ذَلِك فِي الْمحرم سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة وَقتل الْمُعظم توران شاه عقب ذَلِك فِي آخر الْمحرم وَأما الصَّالح اسماعيل فَإِنَّهُ بعد انتزاع دمشق مِنْهُ انْتَمَى الى الْملك النَّاصِر يُوسُف صَاحب حلب وَاسْتمرّ عِنْده الى ان ملك دمشق بعد الصَّالح ايوب وَتوجه مَعَه حِين مسيره الى الْقَاهِرَة فِي سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة وَلما قصد أَخذ الديار المصرية من صَاحبهَا الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن يُوسُف صَاحب الْيمن الْمَعْرُوف باقسيس ابْن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل ابي بكر ابْن ايوب فانكسر النَّاصِر يُوسُف وَانْهَزَمَ وَقبض على الصَّالح اسماعيل واعتقله بقلعة الْجَبَل بالديار المصرية ثمَّ قتل فِي لَيْلَة الاحد السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وعمره قريب من خمسين سنة
واما النَّاصِر دَاوُد فَإِنَّهُ لما ضَاقَتْ عَلَيْهِ الامور سَار الى النَّاصِر يُوسُف صَاحب حلب مستجيرا بِهِ وَكَانَ قد بَقِي عِنْده من الْجَوْهَر مِقْدَار كثير يُسَاوِي مائَة الف دِينَار اذا بيع بالهوان فَلَمَّا وصل الى حلب سير الْجَوْهَر الْمَذْكُور الى بَغْدَاد وأودعه عِنْد الْخَلِيفَة المستعصم وَوصل اليه خطّ الْخَلِيفَة بِتَسْلِيمِهِ ثمَّ فِي مستهل شعْبَان سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة قبض عَلَيْهِ الْملك النَّاصِر يُوسُف وَبعث بِهِ الى حمص واعتقله بهَا لامور بلغته عَنهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بشفاعة الْخَلِيفَة المستعصم وامره أَن لَا يسكن فِي بِلَاده فَرَحل الى جِهَة بَغْدَاد فَلم يمكنوه من الْوُصُول اليها وَطلب وديعته الْجَوْهَر فمنعوه إِيَّاهَا وَكتب الْملك النَّاصِر يُوسُف الى مُلُوك الْأَطْرَاف أَنهم لَا يأوونه فَبَقيَ مشتتا ثمَّ نزل الأنبار - وَبَينهَا وَبَين بَغْدَاد ثَلَاثَة ايام - وَهُوَ يتَضَرَّع للخليفة المستعصم فَلَا يُجيب ضراعته وَيطْلب وديعته فَلَا يرد لهفته وَلَا يجِيبه إِلَّا بالمماطلة ثمَّ أرسل الْخَلِيفَة يشفع فِيهِ عِنْد الْملك النَّاصِر فَأذن لَهُ فِي العودة الى دمشق ورتب لَهُ شَيْئا يصل اليه ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة طلب من النَّاصِر يُوسُف دستورا الى الْعرَاق بِسَبَب طلب وديعته من الْخَلِيفَة وَهُوَ الْجَوْهَر وَأَن يمْضِي الى الْحَج فَأذن لَهُ فَسَار الى كربلاء ثمَّ مضى مِنْهَا الى الْحَج وَلما رأى قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم تعلق فِي أَسْتَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة بِحُضُور النَّاس وَقَالَ اشْهَدُوا ان هَذَا مقَامي من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَاخِلا عَلَيْهِ مستشفعا بِهِ الى ابْن عَمه المستعصم فِي أَن يرد عَليّ وديعتي فأعظم النَّاس ذَلِك وَجَرت عبراتهم وارتفع بكاؤهم وَكتب بِصُورَة مَا جرى مشروح وَدفع الى أَمِير الْحَاج وَذَلِكَ فِي يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة فَتوجه النَّاصِر دَاوُد مَعَ الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَأقَام بِبَغْدَاد فَلَمَّا أَقَامَ بهَا بعد وُصُوله من الْحجاز واستشفاعه بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رد وديعته فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وسِتمِائَة أرسل
الْخَلِيفَة المستعصم من حاسب النَّاصِر دَاوُد على مَا وَصله فِي تردده الى بَغْدَاد من المضيف مثل اللَّحْم وَالْخبْز والحطب والعليق والتبن وَغير ذَلِك وَثمن عَلَيْهِ بأغلى الاثمان وارسل إِلَيْهِ شَيْئا نزرا وألزمه أَن يكْتب خطه بِقَبض وديعته وانه مَا بَقِي ستحق عِنْد الْخَلِيفَة شَيْئا فَكتب خطه بذلك كرها وَسَار عَن بَغْدَاد وَأقَام مَعَ الْعَرَب ثمَّ ارسل اليه النَّاصِر يُوسُف صَاحب دمشق فطيب قلبه وَحلف لَهُ فَقدم الى دمشق وَأقَام بالصالحية وَكَانَت وَفَاة النَّاصِر دَاوُد فِي لَيْلَة السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من جمادي الأولى سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة بالطاعون بِظَاهِر دمشق فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا البويضا ومولده سنة ثَلَاث وسِتمِائَة وَكَانَ عمره نَحْو ثَلَاث وَخمسين سنة وَمَات بعد محن كَثِيرَة حصلت لَهُ وَدفن بالصالحية فِي تربة وَالِده الْمُعظم عِيسَى وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة استولى التتر على بَغْدَاد وخربوها وَقتلُوا الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه أَبَا احْمَد عبد الله بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَهُوَ آخر خلفاء بَغْدَاد وبقتله انقرضت دولة بني الْعَبَّاس ثمَّ فِي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة قتل الْملك النَّاصِر يُوسُف ابْن الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الْملك الظَّاهِر غَازِي ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب دمشق وحلب فِي بِلَاد تبريز من ملك الْعَجم فَإِنَّهُ لما ورد عَسْكَر التتر الى جِهَة دمشق خرج لقصده فاسر وجهز الى هولاكو ملك التتر فَقتله هُوَ وَمن مَعَه وَعقد عزاهُ فِي جَامع دمشق فِي سَابِع جمادي الأولى سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَقد انْتهى ذكر مَا وَقع فِي بَيت الْمُقَدّس من الفتوحات على ايدي مُلُوك الاسلام وَمَا ذكرته فِي ذَلِك من تواريخ لَا تتَعَلَّق بِالْفَتْح فَلَا بُد فِيهَا من شَيْء مُتَعَلق بِالْحَال وَلَا يَخْلُو من فَائِدَة لمن تَأمله ولنرجع الى ذكر مَا يتَعَلَّق بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فاقول - وَالله الْمُوفق للصَّوَاب -