المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذرع المسجد طولا وعرضا) - الأنس الجليل - جـ ٢

[مجير الدين العليمي]

الفصل: ‌(ذرع المسجد طولا وعرضا)

(ذرع الْمَسْجِد طولا وعرضا)

واما ذرع الْمَسْجِد فقد اجتهدت فِي تحريره وتوليت ذَلِك بنفسي وَقيس بحضوري بالحبال فَكَانَ طوله قبْلَة بشمال من السُّور القبلي عِنْد الْمِحْرَاب الْمَعْرُوف بمحراب دَاوُد عليه السلام الى صدر الرواق الشمالي عِنْد بَاب الأسباط سِتّمائَة وَسِتِّينَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْعَمَل الَّتِي تذرع الابنية بِهِ فِي عصرنا غير عرض السورين وان كَانَ فِيهِ زِيَادَة اَوْ نقص نَحْو ذراعين اَوْ ثَلَاثَة فَهِيَ لاضطراب الْقيَاس لبعد الْمسَافَة فَإِنِّي احتطت فِي تحريره وَقيس بحضوري مرَّتَيْنِ حَتَّى تحققت صِحَة الْقيَاس وَعرضه شرقا بغرب من السُّور الشَّرْقِي المطل على مَقَابِر بَاب الرَّحْمَة الى صدر الرواق الغربي الَّذِي هُوَ سفل مجمع الْمدرسَة التنكزية اربعمائة ذِرَاع وَسِتَّة اذرع بِذِرَاع الْعَمَل غير عرض السورين (تَنْبِيه) قد تقدم عِنْد ابْتِدَاء ذكر صفة الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَن الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس أَن الْأَقْصَى من جِهَة الْقبْلَة الْجَامِع الْمَبْنِيّ فِي صدر الْمَسْجِد الَّذِي بِهِ الْمِنْبَر والمحراب الْكَبِير وَحَقِيقَة الْحَال ان الْأَقْصَى اسْم لجَمِيع الْمَسْجِد مِمَّا دَار عَلَيْهِ السُّور وَذكر قِيَاسه هُنَا طولا وعرضا فان هَذَا الْبناء الْمَوْجُود فِي صدر الْمَسْجِد وَغَيره من قبَّة الصَّخْرَة والأروقة وَغَيرهَا محدثة وَالْمرَاد بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى هُوَ جمع مَا دَار عَلَيْهِ السُّور - كَمَا تقدم - وَأما صحن الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فطوله قبْلَة بشام من السُّور القبلي الَّذِي هُوَ بَين الدرجتين القبليتين يمر بِالْقِيَاسِ فِيمَا بَين بَاب الصَّخْرَة الشَّرْقِي وقبة السلسلة الى السُّور الشمالي المشرف على جِهَة بَاب حطة مِائَتَان وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَعرضه شرقا بغرب من السُّور الشَّرْقِي المشرف على الزَّيْتُون عِنْد قبَّة الطومار الى السُّور الغربي الْمُقَابل للمدرسة الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة مائَة وَتِسْعَة وَثَمَانُونَ ذِرَاعا كل ذَلِك بِذِرَاع

ص: 24

الْعَمَل وَتقدم ذكر ذرع الْجَامِع الْأَقْصَى وارتفاع قبَّة الصَّخْرَة ودائرها قبل وان كَانَ فِي الْقيَاس نقص اَوْ زِيَادَة فَهُوَ يسير وَهَذَا الْقيَاس الْمَذْكُور هُنَا مُخَالف لما تقدم عِنْد ذكر صفة الْمَسْجِد الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَقد تقدم هُنَاكَ ذكر قِيَاسه على انواع مُخْتَلفَة لَيْسَ فِي احدها مَا يُوَافق الآخر وَالظَّاهِر ان الأذرعة المقاس بهَا مُخْتَلفَة بِحَسب اصْطِلَاح كل زمَان وَيحْتَمل ان يكون بَعْضهَا بِذِرَاع الْحَدِيد وَبَعضهَا بِذِرَاع الْيَد وَالله اعْلَم وَفِي الْمَسْجِد أَمَاكِن كَثِيرَة من الحواصل والأبنية والمخازن الَّتِي يطول شرح وصفهَا فان هَذَا الْمَسْجِد الشريف صِفَاته عَظِيمَة لَا يتصورها إِلَّا من شَاهدهَا عيَانًا وَهَذَا الَّذِي ذكرته هُنَا انما هُوَ على سَبِيل التَّقْرِيب وَمن اعظم محاسنه انه اذا جلس انسان فِيهِ فِي أَي مَوضِع مِنْهُ ان يرى ذَلِك الْموضع هُوَ احسن الْمَوَاضِع وأبهجها وَلِهَذَا قيل ان الله تَعَالَى نظر اليه بِعَين الْجمال وَنظر الى الْمَسْجِد الْحَرَام بِعَين الْجلَال فَهَذَا الْمَسْجِد فِي غَايَة الْبَهْجَة وَالسعَة والمنظر الْحسن وَالْمَسْجِد الْحَرَام فِي غَايَة الابهة وَالْوَقار والهيبة قَالَ الصاحب الا كمل تَاج الدّين احْمَد بن الصاحب امير الدّين ابي مُحَمَّد عبد الله الْحَنَفِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب (العسجد فِي صفة الْأَقْصَى وَالْمَسْجِد) وَأما مَا شاهدته فِيهِ بالعيان إِنَّنِي جَلَست وقتا فِي بقْعَة مِنْهُ مكللة بأزاهر من الشقائق والاقحوان والى جَانِبي فَقير عَلَيْهِ اطمار رثَّة يُبْدِي تسبما وَتارَة يعلن صَوته بالتسبيح وَالتَّكْبِير ترنما وَيَقُول سُبْحَانَ من جمع فِيك المحاسن وكساك هَذِه الْحلَل الفاخرة وجعلك تحتوي على كنوز الدُّنْيَا والاخرة فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أما فَضله وبركته فقد صدق العيان فِيهَا الْخَبَر لَكِن مَا كنوز الدُّنْيَا وَالْآخِرَة؟ فَقَالَ مَا مِنْهُ زهرَة ترَاهَا إِلَّا وَلها فِي النَّفْع والضر خَواص يعرفهَا أهل الِاخْتِصَاص فَقلت لَعَلَّك تظهر للعيان شَيْئا مِمَّا عَرفته فَيَزْدَاد بِهِ الْيَقِين تبصرة وَتَكون هَذِه الجلسة مَعَك عَن صباح النجاح مسفرة

ص: 25

فَأخذ بيَدي وَمَشى خطوَات الى جِهَة من جِهَات الْحرم وَمد يَده واخذ قَبْضَة من ذَلِك الْكلأ وَقَالَ هَل مَعَك خَاتم اَوْ دِرْهَم؟ فَقلت نعم فأخرجت درهما فَمَا معي وعركه بذلك الْكلأ فَعَاد كالدينار فِي صفرته ثمَّ اخذ حشيشة اخرى وعركه بهَا فَصَارَ ابيض انقى مِمَّا كَانَ اولا وَقَالَ هَذِه رموز احتوت على كنوز فسبحان الْقَادِر على مَا يَشَاء (الْأَقْصَى الْقَدِيمَة) وسفل الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة كَانَ كَبِير مَعْقُود وَبِه اسوار حاملة للسقف وَهِي تَحت الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الْمِحْرَاب والمنبر وَيُسمى هَذَا الْمَكَان السفلي الْأَقْصَى الْقَدِيمَة وَلَعَلَّه من أثر الْبناء السُّلَيْمَانِي فان اتقان بنائِهِ وإحكامه يدل على ذَلِك (اصطبل سُلَيْمَان) والى جَانب هَذَا الْمَكَان ايضا سفل الْمَسْجِد تَحت الْجِهَة الَّتِي بهَا الْأَشْجَار وَالزَّيْتُون مَكَان عَظِيم مَعْقُود يُقَال لَهُ اصطبل سُلَيْمَان وَهُوَ دَاخل تَحت غَالب الْمَسْجِد نَوعه من الْبناء السُّلَيْمَانِي وَهُوَ الظَّاهِر ويتوصل الى كل من المكانين الْمَذْكُورين من تَحت سور الْمَسْجِد القبلي وَأما المنائر فقد تقدم فِي ذكر وصف الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَبعده أَن فِيهِ من المنائر اربعة ثَلَاثَة مِنْهَا صف وَاحِد غربي الْمَسْجِد وَوَاحِدَة على بَاب الاسباط وَفِي عصرنا الْأَمر كَذَلِك لَكِن المنائر الَّتِي بِهِ الان بناؤها متجدد بعد ذَلِك الْبناء وَالظَّاهِر انه على الأساس الْقَدِيم فالمنارة الاولى على مقدم الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة مِمَّا يَلِي الغرب على الْمدرسَة الفخرية وَهِي ألطفها بِنَاء لكَونهَا على غير أساس وَإِنَّمَا هِيَ على ظهر مجمع الْمدرسَة الفخرية ولعلها بِنَاء صَاحب الفخرية وَالله أعلم وَالثَّانيَِة على بَاب السلسلة على الْجَانِب الغربي من الْمَسْجِد وَهِي المختصة بالامائل

ص: 26

من المؤذنين وَعَلَيْهَا عمل الْمَسْجِد واعتماد بَقِيَّة المنائر وَقد أخْبرت انها من بِنَاء تنكز نَائِب الشَّام حِين بنائِهِ لمدرسته الْمَشْهُورَة بِهِ بِخَط بَاب السلسلة وَالثَّالِثَة على مُؤخر الْمَسْجِد من جِهَة الشمَال مِمَّا يَلِي الغرب وَتسَمى مأذنة الغوانمة لكَونهَا عِنْد بَاب الغوانمة وَهِي اعظمها بِنَاء واتقنها عمَارَة وَهِي بِنَاء القَاضِي شرف الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن الصاحب الْوَزير فَخر الدّين الخليلي نَاظر اوقاف الْحَرَمَيْنِ الشريفين مَكَّة وَالْمَدينَة شرفهما الله تَعَالَى وحرمي الْقُدس الشريف والخليل عليه السلام وَقد رَأَيْت توقيعه بذلك من السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين وَفِيه أَن يُعَاد الى الْوَظِيفَة الْمَذْكُورَة فَدلَّ على انه بَاشَرَهَا قبل ذَلِك بتاريخ التوقيع الَّذِي وقفت عَلَيْهِ الثَّالِث وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة وَلَعَلَّه عمر المنارة فِي ذَلِك الْعَصْر وَقد أخْبرت ان عمارتها فِي دولة بني قلاوون وَهُوَ مُمكن وَالرَّابِعَة على الْجِهَة الشمالية من الْمَسْجِد بَين بَاب الأسباط وَبَاب حطة وَهِي اظرفها شكلا وأحسنها هَيْبَة وَهِي بِنَاء السيفي قطلوبغا نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين بناها فِي سلطنة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَأما أَبْوَاب الْمَسْجِد فأولها بَابَانِ متحدان فِي السُّور الشَّرْقِي الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ (فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب) فان الْوَادي الَّذِي وَرَاءه وَادي جَهَنَّم وهما من دَاخل الْحَائِط مِمَّا يَلِي الْمَسْجِد احدهما يُسمى بَاب الرَّحْمَة وَالثَّانِي يُسمى بَاب التَّوْبَة وهما الْآن غير مشروعين وَعَلَيْهِمَا من دَاخل الْمَسْجِد مَكَان مَعْقُود بِالْبِنَاءِ السُّلَيْمَانِي وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد من الْبناء السُّلَيْمَانِي سوى هَذَا الْمَكَان وَهُوَ مَقْصُود للزيارة وَعَلِيهِ الابهة وَالْوَقار وَقد اخبرت قَدِيما من شخص من القدماء ان الَّذِي اغلقهما امير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وانهما لَا يفتحان حَتَّى ينزل السَّيِّد عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام وَالَّذِي يظْهر أَن سَبَب غلقهما خشيَة على الْمَسْجِد وَالْمَدينَة من الْعَدو المخذول فَإِنَّهُمَا ينتهيان الى الْبَريَّة وَلَيْسَ فِي فتحهما كَبِير فَائِدَة

ص: 27

وَكَانَ على علو هَذَا الْمَكَان الَّذِي على بَاب الرَّحْمَة زَاوِيَة تسمى الناصرية وَكَانَ بهَا الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي يقْرَأ الْعلم مُدَّة طَوِيلَة وتسميتها بالناصرية نِسْبَة للشَّيْخ نصر ثمَّ اقام بهَا الامام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ فسميت الغزالية ثمَّ عمرها الْملك الْمُعظم بعد ذَلِك على مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد وَقد خربَتْ وَلم يبْق الْآن لَهَا أثر سوى بعض بِنَاء مهدوم وبالسور الشَّرْقِي أَيْضا بِقرب الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين من جِهَة الْقبْلَة بَاب لطيف مسدود بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مُقَابل درج الصَّخْرَة الْمَعْرُوف بدرج الْبراق وَيُقَال ان هَذَا الْبَاب هُوَ بَاب الْبراق الَّذِي دخل مِنْهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الاسراء وَيُسمى بَاب الْجَنَائِز لخروجها مِنْهُ قَدِيما وَبَاب الأسباط نِسْبَة لأسباط بني اسرائيل وهم يُوسُف وروبيل وشمعون ويهودا عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ فِي مُؤخر الْمَسْجِد فِي آخر جِهَة الشمَال من جِهَة الشرق وَهُوَ قريب من بَاب الرَّحْمَة وَالتَّوْبَة وَيُقَال ان بَين بَاب الرَّحْمَة وَبَاب الأسباط مسكن الْخضر والياس عليهما السلام والياس من أَنْبيَاء بني اسرائيل وَرفع الله الياس من بَين أظهرهم وَقطع عَنهُ لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب وكساه الريش فَكَانَ انسيا ملكيا ارضيا سماويا وَقيل انه مُوكل بالبنيان وَالْخضر مُوكل بالبحار قد ذهب جمَاعَة من الْعلمَاء الى أَن الْخضر نَبِي وَذهب آخَرُونَ الى انه ولي وَكثير مِنْهُم ذهب الى انه حَيّ وَهُوَ يُصَلِّي الْجُمُعَة فِي خَمْسَة مَسَاجِد فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَمَسْجِد قبا وَمَسْجِد الطّور فِي كل مَسْجِد جُمُعَة وَيَأْكُل اكلتين من كمأ وكرفس وَيشْرب مرّة من مَاء زَمْزَم وَمرَّة من جب سُلَيْمَان الَّذِي بِبَيْت الْمُقَدّس ويغتسل من عين سلوان قَالَ الشَّيْخ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد نصر الْبَنْدَنِيجِيّ سَأَلت الْخضر ايْنَ تصلي الصُّبْح فَقَالَ عِنْد الرُّكْن الْيَمَانِيّ قَالَ واقضي بعد ذَلِك شَيْئا كلفني الله قَضَاءَهُ ثمَّ

ص: 28

اصلي الظّهْر بِالْمَدِينَةِ واقضي شَيْئا كلفني الله قَضَاءَهُ واصلي الْعَصْر بِبَيْت الْمُقَدّس حكى ذَلِك صَاحب 0 (مثير الغرام) وَغَيره وَسبب حَيَاته - على مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ - انه شرب من عين الْحَيَاة ثمَّ قَالَ عِنْد مجمع الْبَحْرين عين تسمى عين الْحَيَاة لَا يُصِيب ذَلِك المَاء شَيْئا إِلَّا حييّ وروى المشرف بِسَنَدِهِ وَحَكَاهُ غَيره ان الْخضر والياس عليهما السلام يصومان شهر رَمَضَان بِبَيْت الْمُقَدّس ويوافيان الْمَوْسِم كل عَام وَبَاب حطة فِي جِهَة الشمَال من الْمَسْجِد وَهُوَ الَّذِي ورد فِيهِ عَن ابي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قيل لمُوسَى عليه السلام قل لبني اسرائيل (ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم) فبدلوا ودخلوا الْبَاب يزحفون على أستاههم وَقَالُوا حبا فِي شَعْرَة وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى (وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة - يُرِيد بَيت الْمُقَدّس - فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا - يُرِيد لَا خساب عَلَيْكُم 0 - وادخلوا الْبَاب - يُرِيد بَاب بَيت الْمُقَدّس - سجدا - لله تَعَالَى - وَقُولُوا حطة - يُرِيد لَا إِلَه إِلَّا الله لِأَنَّهَا كلمة تحط الذُّنُوب - فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير الَّذِي قيل لَهُم - قَالُوا بالعبرانية حَبَّة سمراء يُرِيدُونَ الْحِنْطَة - فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزا من السَّمَاء - أَي عذَابا - بِمَا كَانُوا يفسقون) وَيُقَال ان من صلى عِنْد بَاب حطة رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ من الثَّوْب بِعَدَد من قيل لَهُ من بني اسرائيل ادخل الْبَاب فَلم يدْخل وَإِنَّمَا سمي بَاب حطة لِأَن الله تَعَالَى أَمر بني اسرائيل أَن يدخلُوا مِنْهُ ويقولوا حطة وَهُوَ فعلة من الْحَط وَهُوَ وضع الشَّيْء من أَعلَى الى أَسْفَل يُقَال حط الْحمل عَن الدَّابَّة وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى وقولا حطة - أَي مغْفرَة - فَقَالُوا حِنْطَة

ص: 29

وَقَالَ مقَاتل انهم اصابوا خَطِيئَة بابائهم على مُوسَى دُخُول الأَرْض الَّتِي فِيهَا الجبارون فَأَرَادَ الله ان يغْفر لَهُم وَقيل لَهُم قُولُوا حطة قَالَ الزّجاج مَعْنَاهُ حط عَنَّا ذنوبنا وَقَوله تَعَالَى (وادخلوا الْبَاب مَسْجِدا) قَالَ ابْن عَبَّاس ركعا وَهُوَ شدَّة الانحناء وَالْمعْنَى منحنين متواضعين قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة هُوَ بَاب حطة من بَيت الْمُقَدّس طوطيء لَهُم الْبَاب ليخفظوا رؤوسهم فَلم يخفظوا وَكَانَ فِي زمن بني اسرائيل أذا اذنب اُحْدُ ذَنبا كتب على بَابه اَوْ على جَبينه خطيئت وعَلى عتبَة بَابه أَلا أَن فلَانا قد اذنب فِي لَيْلَة كَذَا وَكَذَا فيبعدونه ويدرحونه فَيَأْتِي بَاب التَّوْبَة وَهُوَ الَّذِي عِنْد محراب مَرْيَم عليها السلام الَّذِي كَانَ يَأْتِيهَا رزقها مِنْهُ فيبكي ويتضرع وَيُقِيم حينا فان تَابَ الله عَلَيْهِ ينمحي ذَلِك عَن جَبينه اَوْ بَابه فيقربه بَنو اسرائيل وان لم يتب عَلَيْهِ أبعدوه ودحروه بَاب شرف الْأَنْبِيَاء فِي جِهَة الشمَال من الْمَسْجِد وَلَعَلَّه الَّذِي دخل مِنْهُ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه يَوْم الْفَتْح وَالله أعلم وَيعرف الْآن بِبَاب الدويدارية نِسْبَة الى مدرسة بنيت الى جَانِبه وسنذكرها إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذِه الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة وَهِي بَاب الاسباط وَبَاب حطة وَبَاب الدويدارية فِي الْجِهَة الشمالية بَاب الغوانمة فِي آخر الْجِهَة الغربية من جِهَة الشمَال بِالْقربِ من المنارة الْمَعْرُوفَة الْآن بمنارة الغوانمة وَسمي الْبَاب بذلك لِأَنَّهُ يَنْتَهِي الى حارة بني غَانِم وَيعرف قَدِيما بِبَاب الْخَلِيل وَبَاب النَّاظر وَهُوَ بَاب قديم وجددت عِمَارَته فِي زمن الْملك الْمُعظم عِيسَى رحمه الله فِي حُدُود الستمائة وَيعرف قَدِيما بِبَاب مِيكَائِيل وَيُقَال انه الْبَاب الَّذِي ربط بِهِ جِبْرِيل عليه السلام الْبراق لَيْلَة الاسراء وَبَاب الْحَدِيد وَهُوَ بَاب لطيف مُحكم الْبناء استجده ارغون الكاملي نَائِب الشَّام وَبَاب القطانين سمي بذلك لِأَنَّهُ يَنْتَهِي الى سوق القطانين مَكْتُوب

ص: 30

عَلَيْهِ ان السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون جدد عِمَارَته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فَدلَّ على أَنه كَانَ قَدِيما وَهُوَ بَاب عَظِيم بِنَاؤُه فِي غَايَة الاتقان وبالقرب مِنْهُ بَاب المتوضأ الَّذِي يخرج مِنْهُ الى متوضأ الْمَسْجِد كَانَ قَدِيما واستهدم ثمَّ جدد عِمَارَته عَلَاء الدّين الْبَصِير لما عمر المتوضأ وَبَاب السلسلة وَبَاب السكينَة وهما متحدان ومنهما يخرج الى الشَّارِع الْأَعْظَم الْمَعْرُوف بِخَط اسيدنا دَاوُد عليه السلام وهما عُمْدَة أَبْوَاب الْمَسْجِد وغالب استطراق النَّاس الى الْمَسْجِد مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا ينتهيان الى مُعظم اسواق الْبَلَد وشوارعها وَيعرف بَاب السلسلة قَدِيما بِبَاب دَاوُد عليه السلام وَبَاب المغاربة وَسمي بذلك لمجاورته لباب جَامع المغاربة الَّذِي تُقَام فِيهِ الصَّلَاة الاولى وَلِأَنَّهُ يَنْتَهِي الى حارة المغاربة وَهَذَا الْبَاب فِي اواخر الْجِهَة الغربية من الْمَسْجِد مِمَّا يَلِي الْقبْلَة وَيُسمى بَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ثمَّ انْطلق بِي - يَعْنِي جِبْرِيل - حَتَّى دخلت الْمَدِينَة من بَابهَا الْيَمَانِيّ فَأتى قبْلَة الْمَسْجِد فَربط فِيهَا الدَّابَّة - يَعْنِي الْبراق - وَدخلت الْمَسْجِد من بَاب تميل فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ موقتوا بَيت الْمُقَدّس لَا نعلم بِالْمَسْجِدِ بَابا بِهَذِهِ الصّفة إِلَّا بَاب المغاربة فَهَذِهِ الْأَبْوَاب الثَّمَانِية من بَاب الغوانمة الى بَاب المغاربة فِي الْجِهَة الغربية من الْمَسْجِد وَثَلَاثَة ابواب فِي الْجِهَة الشمالية فجملتها أحد عشر بَابا يتَوَصَّل مِنْهَا الى الْمَسْجِد غير بَابي الرَّحْمَة وَالتَّوْبَة وَالْبَاب المسدود فِي السُّور الشَّرْقِي وَأما الابواب الَّتِي يتَوَصَّل مِنْهَا الى الْمَسْجِد مِمَّا حوله من الْمدَارِس والمنازل فنذكرها فِيمَا بعد عِنْد انْتِهَاء ذكر مَا حول الْمَسْجِد من الْمدَارِس إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْمَسْجِد فَهُوَ من جهتي الْقبْلَة والشرق يَنْتَهِي الى الْبَريَّة فالجهة الْقبلية مشرفة على عين سلوان وَغَيرهَا والجهة الشرقية مشرفة على طور زيتا ووادي جَهَنَّم وَغَيرهمَا والمنازل مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ من جِهَة الغرب وَالشمَال فَقَط

ص: 31

وَقد تقدم ان الْمَسْجِد كَانَ فِي الزَّمَان السالف فِي وسط الْمَدِينَة والمنازل مُحِيطَة بِهِ من الْجِهَات الْأَرْبَع فَلَمَّا خرب الْبناء الْقَدِيم وَلم يعتن اُحْدُ باعادته وتلاشت احوال الدُّنْيَا صَار الْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي عصرنا وَأما الْأَئِمَّة المرتبون فِيهِ فأولهم إِمَام الْمَالِكِيَّة يُصَلِّي فِي الْجَامِع الَّذِي غربي الْمَسْجِد من جِهَة الْقبْلَة وَقد تقدم ذكره ثمَّ يُصَلِّي بعده إِمَام الشَّافِعِيَّة بالجامع الْكَبِير القبلي الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ثمَّ يُصَلِّي بعده إِمَام الْحَنَفِيَّة بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ثمَّ يصي بعده إِمَام الْحَنَابِلَة وَكَانَ قَدِيما يُصَلِّي إِمَام الْحَنَابِلَة بالرواق الغربي خلف مَنَارَة بَاب السلسلة من جِهَة الشمَال وَمضى الزَّمَان على ذَلِك وَتركت الْوَظِيفَة وَاسْتقر فِيهَا غير مستحقها لعدم الْحَنَابِلَة بِبَيْت الْمُقَدّس فَلَمَّا بنيت مدرسة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف وتكاملت عمارتها ترَتّب إِمَام الْحَنَابِلَة للصَّلَاة فِي الْمجمع الَّذِي هُوَ سفل الْمدرسَة وَكَانَ مَكَان الرواق الْمَذْكُور وَذَلِكَ فِي شهور سنة تسعين وَثَمَانمِائَة مَعَ اسْتِمْرَار تِلْكَ الْوَظَائِف الْقَدِيمَة بيد غير مستحقها وَهَذَا التَّرْتِيب فِي الصَّلَوَات يُوَافق تَرْتِيب مَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام مَا عدا صَلَاة الْحَنَابِلَة فان مَسْجِد الْخَلِيل يُصَلِّي فِيهِ أَولا إِمَام الْمَالِكِيَّة بالرواق الغربي الَّذِي خلف الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الخليلية ثمَّ إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي الْمِحْرَاب الْكَبِير الَّذِي الى جَانب الْمِنْبَر ثمَّ إِمَام الْحَنَفِيَّة عِنْد مقَام آدم وَهَذَا التَّرْتِيب خلاف التَّرْتِيب بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فَإِن هُنَاكَ اولا يُصَلِّي إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي مقَام ابراهيم تجاه بَاب الْكَعْبَة ثمَّ إِمَام الْحَنَفِيَّة مُقَابل حجر اسماعيل تجاه الْمِيزَاب ثمَّ إِمَام الْمَالِكِيَّة بَين الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيّ والشامي ثمَّ إِمَام الْحَنَابِلَة مُقَابل الْحجر الْأسود وقبلة أهل بَيت الْمُقَدّس وَمَا جاوره من غَزَّة والرملة وَمَا وَرَاء ذَلِك من السواحل جِهَة ميزاب الْكَعْبَة وَحجر اسماعيل عليه السلام فهم يستقبلون الْجِهَة الَّتِي

ص: 32

يُصَلِّي اليها إِمَام الْحَنَفِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وللمسجد الْأَقْصَى ايضا عدَّة أَئِمَّة بداخل الْجَامِع الْأَقْصَى وبمغارة الصَّخْرَة وَعند أَبْوَاب الْمَسْجِد يصلونَ التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان فَقَط وَبَقِيَّة الايام لايصلون شَيْئا وَلَكِن الْعُمْدَة على الائمة الاربعة الْمُتَقَدّم ذكرهم وَأما مَا يُوقد فِيهِ من المصابيح فِي كل لَيْلَة وَقت الْعشَاء وَوقت الصُّبْح فَفِي دَاخل الْجَامِع الْمُتَعَارف عِنْد النَّاس انه الْأَقْصَى وعَلى ابوابه سَبْعمِائة قنديل وَنَحْو خمسين قِنْدِيلًا وَفِي قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَمَا حولهَا خَمْسمِائَة قِنْدِيلًا وَنَحْو اربعين قِنْدِيلًا وَذَلِكَ خَارج عَمَّا فِي الأروقة وغيرهامن الْأَمَاكِن بِالْمَسْجِدِ وَهَذِه الْعدة لَا توقد فِي مَسْجِد من مَسَاجِد الدُّنْيَا فِي مملكتنا وَالله أعلم وَأما فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فيوقد بالجامع الْأَقْصَى وبقبة الصَّخْرَة مَا يزِيد على عشْرين الف قنديل وَهَذِه اللَّيْلَة من اللَّيَالِي الْمَشْهُورَة الَّتِي من عجائب الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج وَهِي المسفرة عَن السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب وَفِي لَيْلَة المولد الشريف وَفِي لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان يُوقد فِيهَا التنانير من المصابيح وَغَيرهَا مِمَّا لَا يُوجد فِي مَسْجِد من الْمَسَاجِد وَأما الْوَظَائِف الْمرتبَة فِيهِ والمدرسين والمعيدين والخدام والمؤذنين والقراء وَغَيرهم فكثير جدا وَلم يكن فيهم من يُبَاشر وَمَا وَجب عَلَيْهِ إِلَّا بعض النَّاس وَالله أعلم (ذكر غَالب مَا فِي بَيت الْمُقَدّس من الْمدَارِس والمشاهد) مِمَّا هُوَ بجوار سور الْمَسْجِد الْأَقْصَى 1 الفارسية بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى عِنْد الْمَكَان الَّذِي يجلس فِيهِ النِّسَاء بِالْقربِ من بِئْر الورقة منسوبة لوقف الْمدرسَة الفارسية الَّتِي شمال الْمَسْجِد وسنذكرها وَنَذْكُر واقفها والحاكورة الَّتِي بلصقها من ظَاهر الْجَامِع عِنْد الْبَاب الشَّرْقِي تعرف بحاكورة الفارسية

ص: 33

2 -

النحوية على طرف صحن الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة الى الغرب وَتقدم ذكرهَا عِنْد تَرْجَمَة بانيها الْملك الْمُعظم عِيسَى وَكَانَ بناؤها فِي سنة ارْبَعْ وسِتمِائَة 3 الناصرية وَكَانَ على برج بَاب الرَّحْمَة مدرسة تعرف بالناصرية نِسْبَة للشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي ثمَّ عرفت بالغزالية نِسْبَة لأبي حَامِد الْغَزالِيّ ثمَّ انشأها الْملك الْمُعظم عِيسَى وَجعلهَا زَاوِيَة لقِرَاءَة الْقُرْآن والاشتغال بالنحو ووقف عَلَيْهَا كتبا من جُمْلَتهَا إصْلَاح الْمنطق لأبي يُوسُف يَعْقُوب بن اسحاق ابْن السّكيت وَقد وقفت على كراسة مِنْهُ بِخَط ابْن الخشاب وعَلى ظهر الكراسة الْوَقْف وَهُوَ مؤرخ فِي التَّاسِع من ذِي الْحجَّة سنة عشر وسِتمِائَة وَقد دثرت الزاوية الْمَذْكُورَة فِي عصرنا وَلم يبْق لَهَا نظام وَصَارَت من المهملات وَأما مَا حول الْمَسْجِد من الْمدَارِس والزوايا فأولها 4 الزاوية الخنثنية بجوار الْمَسْجِد الْأَقْصَى خلف الْمِنْبَر وَقفهَا الْملك صَلَاح الدّين تغمده الله برحمته على رجل من أهل الصّلاح وَهُوَ الشَّيْخ الْأَجَل الزَّاهِد العابد الْمُجَاهِد جلال الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد جلال الدّين الشَّاشِي المجاور فِي بَيت الْمُقَدّس ثمَّ من بعده على من يحذو حذوه وَقد وَليهَا جمَاعَة من الْأَعْيَان وبناؤها قديم من زمن الرّوم وَلَكِن بِنَاء الدَّار الَّتِي بداخل الزاوية مستجد وتاريخ كتاب وَقفهَا فِي ثامن عشر ربيع الآول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَأما الْمدَارِس الْمُجَاورَة للسور من جِهَة الغرب - وسنذكرها على التَّرْتِيب - فأولها (1) الخانقاه الفخرية وَهِي مجاورة لجامع المغاربة الَّذِي تُقَام فِيهِ صَلَاة الْمَالِكِيَّة من جِهَة الغرب وَهِي بداخل سور الْمَسْجِد وبابها من دَاخل الْمَسْجِد عِنْد الْبَاب الَّذِي يخرج مِنْهُ الى حارة المغاربة واقفها الْمقر العالي القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن فضل الله نَاظر الجيوش الاسلامية أَصله قبْطِي فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَت لَهُ اوقاف كَثِيرَة وبر وإحسان لأهل الْعلم وَكَانَ صَدرا كَبِيرا مُعظما توفّي فِي منتصف رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَقد جَاوز السّبْعين رَحمَه الله

ص: 34

(2)

الْمدرسَة التنكزية واقفها الْأَمِير تنكز الناصري نَائِب الشَّام وَهِي مدرسة عَظِيمَة لَيْسَ فِي الْمدَارِس أتقن من بنائها وَهِي بِخَط بَاب السلسلة وَلها مجمع رَاكب على الأروقة الغربية فِي الْمَسْجِد ولواقفها مآثر خير فِي الْمَسْجِد وعمائر كَثِيرَة مِنْهَا الرخام الَّذِي فِي قبْلَة الْمَسْجِد عِنْد الْمِحْرَاب وَمِنْهَا جَانب الْجَامِع الْأَقْصَى الغربي وَهُوَ الَّذِي عمر قناة المَاء الْوَاصِلَة الى مَدِينَة الْقُدس الشريف وَكَانَ ابْتِدَاء عمارتها فِي شَوَّال سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة ووصلت الى الْقُدس الشريف وَدخلت الى وسط الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي أَوَاخِر ربيع الآول سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَعمل الْبركَة الرخام بَين الصَّخْرَة والأقصى وَله الْحمام الْكَائِن بِبَاب القطانين الْمَعْرُوف بالجديد وَغير ذَلِك وعَلى بَاب الْمدرسَة تاريخها فِي سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي تنكز فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة بقلعة اسكندرية مسموما عَفا الله عَنهُ وَدفن بالاسكندرية ثمَّ نقل الى تربته بِدِمَشْق وَقد جَاوز السِّتين وَكَانَ نَقله بِدِمَشْق لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس رَجَب سنة ارْبَعْ واربعين وَسَبْعمائة (3) الْمدرسَة البلدية بَاب السكينَة بجوار بَاب السلسلة واقفها الْأَمِير منكلي بغا الأحمدي نَائِب حلب توفّي وَدفن بهَا فِي جمادي الاخرة سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وبجوارها (4) الْمدرسَة الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة الاشرفية دَاخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف بِالْقربِ من بَاب السلسلة وَسبب بنائها هُوَ أَن الْأَمِير حسن الظَّاهِرِيّ كَانَ قد بنى الْمدرسَة الْقَدِيمَة للْملك الظَّاهِر خشقدم ثمَّ بعد وَفَاته سَأَلَ الْملك الْأَشْرَف قايتباي قبُولهَا فقبلها مِنْهُ ونسبت اليه ورتب لَهَا شَيخا وصوفية وفقهاء وَصرف لَهُم المعاليم ثمَّ حضر الْملك الاشرف قايتباي الى الْقُدس الشريف فِي سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فَلم تعجبه فَلَمَّا كَانَ فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ جهز خاصكي بهدمها وتوسيعها بِمَا يُضَاف اليها من العمائر فَكَانَ الِابْتِدَاء فِي حفر اساس الْمدرسَة الْمَوْجُودَة الْآن فِي رَابِع

ص: 35

عشر شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَعمل على ظَاهرهَا الرصاص الْمُحكم كظاهر الْمَسْجِد الْأَقْصَى واعظم محاسنها كَونهَا فِي هَذِه الْبقْعَة الشَّرِيفَة وَصَارَت جَوْهَرَة ثَالِثَة وَهِي قبَّة الصَّخْرَة وقبة الاقصى وَهَذِه الْمدرسَة وَمن جملَة مَا عمره الْملك الاشرف قايتباي السَّبِيل الْمُقَابل لَهَا بداخل الْمَسْجِد فَوق الْبِئْر الْمُقَابل لدرج الصَّخْرَة الغربي وَكَانَ قَدِيما على الْبِئْر الْمَذْكُورَة قبَّة مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ كَغَيْرِهَا من الْآبَار وَكَذَلِكَ الفسقية الَّتِي تقرب مِنْهُ قبلي المسطبة الْمُجَاورَة والفسقية الَّتِي بَين السلسلة وَبَاب السكينَة وَكَانَ قَدِيما مَكَانهَا حوانيت فازليت (5) الْمدرسَة العثمانية بِبَاب المتوضأ واقفتها امْرَأَة من أكَابِر الرّوم اسْمهَا اصفهان شاه خاتون وتدعى خانم وَعَلَيْهَا اوقاف بِبِلَاد الرّوم وَغَيرهَا فِي هَذِه الْبِلَاد وعَلى بَابهَا تاريخها فِي سنة اربعين وَثَمَانمِائَة ودفنت الواقفة لَهَا بالتربة الْمُجَاورَة لسور الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف رَحمهَا الله تَعَالَى (6) الرِّبَاط الزمني بِبَاب المتوضأ تجاه الْمدرسَة العثمانية واقفه الخواجا شمس الدّين مُحَمَّد بن الزَّمن اُحْدُ خَواص الْملك السُّلْطَان الْأَشْرَف قايتباي وَكَانَ بِنَاؤُه فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي واقفه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة (7) الْمدرسَة الخاتونية بِبَاب الْحَدِيد واقفتها اغل خاتون بنت شمس الدّين مُحَمَّد بن سيف الدّين القازانية البغدادية ووقفت عَلَيْهِ المزرعة الْمَعْرُوفَة بِظهْر الْجمل واشتهرت فِي عصرنا وَقَبله بباطن الْجمل تَارِيخ وقف الْجِهَة المذكوره فِي خَامِس ربيع الآخر سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة ثمَّ أكملت عمَارَة الْمدرسَة الْمَذْكُورَة ووقفت عَلَيْهَا المرحومة اصفهان شاه بنت الامير قازان شاه تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعشْر الآخر من جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة الْمدرسَة الارغونية (8) بِبَاب الْحَدِيد واقفها ارغون الكاملي نَائِب الشَّام وَهُوَ الَّذِي استجد بَاب الْحَدِيد اُحْدُ ابواب الْمَسْجِد وَكَانَ الْبَاب قَدِيما يعرف

ص: 36

بِبَاب ارغون توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة بالقدس الشريف وَدفن بهَا وأكملت عمارتها بعد وَفَاته سنة تسع وَخمسين (9) الْمدرسَة المزهرية بِبَاب الْحَدِيد واقفها الْمقر المرحوم الزيني أَبُو بكر بن مزهر الانصاري الشَّافِعِي صَاحب ديوَان الانشاء بالديار المصرية تغمده الله برحمته وَبَعضهَا رَاكب على ظهر الارغونية وَلها مجمع على أروقة الْمَسْجِد وَكَانَ الْفَرَاغ من بنائها فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَحضر واقفها الى جِهَة نابلس فِي سنة وَفَاته فِي جمادي الأولى لتجهيز الرِّجَال لتجريده ابْن عُثْمَان ملك الرّوم وَقصد الْحُضُور الى بَيت الْمُقَدّس للزيارة ورؤية مدرسته فَحصل لَهُ توعك فِي رَجَب وَتوجه الى الْقَاهِرَة وَلم يقدر حُضُوره الى الْقُدس توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة (10) رِبَاط كرد بِبَاب الْحَدِيد بجوار السُّور تجاه الْمدرسَة الارغونية واقفه الْمقر السيفي كرد صَاحب الديار المصرية فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة (11) الْمدرسَة الجوهرية بِبَاب الْحَدِيد وَبَعضهَا على رِبَاط كرد واقفها الصفوي جَوْهَر زِمَام الآدر الشَّرِيفَة فِي سنة ارْبَعْ واربعين وَثَمَانمِائَة (12) الزاوية الوفائية بِبَاب النَّاظر تجاه الْمدرسَة المنجكية وعلوها دَار من معاليمها تعرف بدار الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن الهائم ثمَّ عرفت ببني ابي الوفا لسكنهم بهَا وتعرف قَدِيما بدار مُعَاوِيَة (13) الْمدرسَة المنجكية بِبَاب النَّاظر واقفها الامير منجك نَائِب الشَّام وَكَانَ رسم لَهُ بالاقامة بالقدس الشريف طرخان فَدخل اليها فِي شهر صفر سنة احدى ورابعين وَسَبْعمائة وَفِي بعض التواريخ انه وصل الى الْقُدس الشريف ليتبني الْمدرسَة للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن فَكَانَ قَصده نباءها لَهُ فَلَمَّا قبل السُّلْطَان فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ

ص: 37

وَسَبْعمائة بناها لنَفسِهِ ونسبت اليه ووقف عَلَيْهَا ورتب لَهَا فُقَهَاء وارباب وظائف ثمَّ تلاشت احوالها فِي عصرنا وَالله الْمُوفق فَهَذِهِ الْمدَارِس فِي الْجِهَة الغربية من الْمَسْجِد وَمَا هُوَ فِي جِهَة الشمَال فنذكره على التَّرْتِيب ايضا (14) الْمدرسَة الجاولية واقفها الامير علم الدّين سنجر الجاولي نَائِب غَزَّة ومولده فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ من اهل الْعلم وَله مصنفات وترجمته فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة توفّي فِي رَمَضَان سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَقد صَارَت الْمدرسَة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة سكنا لنواب الْقُدس وفيهَا مدفن بِهِ الشَّيْخ درياس الْكرْدِي الهكاري وَكَانَ صَالحا مُعْتَقدًا نفع الله بِهِ (15) الْمدرسَة الصبيبية واقفها الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد نَائِب القلعة الصبيبية ولي نِيَابَة الْقُدس وَعمر بهَا الْمدرسَة وَتُوفِّي بِالشَّام فِي الْمحرم سنة تسع وَثَمَانمِائَة بالقبيبات ثمَّ نقل الى الْقُدس بعد مُدَّة وَدفن بمدرسته (16) لمدرسة الاسعردية واقفها الخواجا مجد الدّين عبد الْغَنِيّ بن سيف الدّين أبي بكر ابْن يُوسُف الاسعردي تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعشْرين من ربيع الاول سنة سبعين وَسَبْعمائة (17) الْمدرسَة الملكية عمرها الْحَاج ملك الجوكندار وَكَانَ بناؤها فِي سلطنة الناصرمحمد بن قلاوون فِي مستهل الْمحرم سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة كَذَا مَكْتُوب تاريخها فِي حائطها القبلي فَوق الرواق الشمالي بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَأما الْوَقْف عَلَيْهَا فَإِنَّهُ من زَوْجَة ملك بنت السيفي قلطلقتم الناصري وتاريخ وَقفهَا فِي السَّادِس عشر من ربيع الآخر من سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَالظَّاهِر ان زَوجهَا عمرها لَهَا من مَالهَا وَالله أعلم (18) الْمدرسَة الفارسية واقفها الْأَمِير فَارسي البكي ابْن الْأَمِير قطلو ملك ابْن عبد الله نَائِب السلطنة بِالْأَعْمَالِ الساحلية والجبلية ونائب غَزَّة وَهُوَ الْمَنْسُوب اليه

ص: 38

الفارسية بداخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى - الْمُتَقَدّم ذكرهَا فِي أول الْفَصْل - وقفت على كتاب وقف الْحصَّة من قَرْيَة طوركرم على الْمدرسَة الْمَذْكُورَة تَارِيخه ثَالِث شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة (19) الْمدرسَة الامينية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء الْمَعْرُوف بِبَاب الدويدارية واقفها الصاحب أَمِين الدّين عبد الله فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة (20) الْمدرسَة الدويدارية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء وَهِي الَّتِي سمي بَاب الْمَسْجِد بِسَبَبِهَا بَاب الدويدارية وَقد رَأَيْت فِي كتاب الْوَقْف الْمَنْسُوب لواقفها انهاتعرف بدار الصَّالِحين وَهُوَ مَكَان مأنوس واقفها الْأَمِير الْكَبِير الْغَازِي الْمُجَاهِد علم الدّين ابو مُوسَى سنجر بن عبد الله الدويدار الصَّالِحِي النجمي وعمارتها فِي سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وتاريخ وَقفهَا فِي سَابِع شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة (21) الْمدرسَة الباسطية بَعْضهَا على الْمدرسَة الدويدارية واقفها القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل الدِّمَشْقِي نَاظر الجيوش المنصورة وعزيز المملكة وَأول من أختط أساسها وَقصد عمارتها شيخ الاسلام شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ شيخ الصلاحية وناظر الْحَرَمَيْنِ فَأَدْرَكته الْمنية قبل عمارتها فعمرها عبد الباسط ووقفها وَشرط على الصُّوفِيَّة قِرَاءَة الْفَاتِحَة عقب الْحُضُور وإهداء ثَوَابهَا للهروي ووقفها فِي شهر جمادي الأولى فِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي واقفها فِي سنة نَيف وَخمسين وَثَمَانمِائَة (22) التربة الأوحدية بَاب حطة واقفها الْملك الأوحد نجم الدّين يُوسُف ابْن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد بن الْملك الْمُعظم عِيسَى تَارِيخ وَقفهَا فَفِي الْعشْرين من ربيع الآخر سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة (23) الْمدرسَة الكريمية بِبَاب حطة واقفها الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الْمعلم هبة الله بن مكانس نَاظر الْخَواص الشَّرِيفَة بالديار المصرية تَارِيخ كتاب

ص: 39

وَقْفَة فِي لَيْلَة الثَّامِن من شهر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة (24) الْمدرسَة الغادرية بداخل الْمَسْجِد واقفها الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر بعد أَن عمرتها زَوجته مصر خاتون وَلم يُوجد لَهَا كتاب وقف فَكتب محْضر من مَاله يوقفها وَثَبت فِي عصرنا فِي سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وبناؤها فِي سلطنة الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة (25) الْمدرسَة الطولونية بداخل الْمَسْجِد على الرواق الشمالي يصعد اليها من السّلم المتوصل مِنْهُ الى مَنَارَة بَاب الاسباط وَهِي الَّتِي انشأها شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الناصره مُحَمَّد الطولوني الظَّاهِرِيّ فِي زمن الْملك الظَّاهِر برقوق على يَد مَمْلُوكه اقبغا قبل الثَّمَانمِائَة وَلم يكْتب لَهَا كتباب وقف إِلَّا فِي شهر رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة (26) الْمدرسَة الفنزية مُقَابل الطولونية من جِهَة الشرق يصعد اليها من السّلم المتوصل مِنْهُ الى مَنَارَة بَاب الاسباط ايضا وَهِي من إنْشَاء شهَاب الدّين الطولوني عمرها مَعَ مدرسته الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَجعلهَا للْملك الظَّاهِر برقوق فَلَمَّا توفّي الظَّاهِر برقوق وَآل الْأَمر لوَلَده الْملك النَّاصِر فرج رتب لَهَا قرى واقام نظامها وَجعل لَهَا معاليم تصرف وَلما توفيت اخته خوند سارة ابْنة الْملك الظَّاهِر برقوق زَوْجَة نوروز نَائِب الشَّام دفنت بهَا فِي شهور سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة ثمَّ لما توفّي النَّاصِر فرج لم يكن لَهَا كتاب وقف فاشتراها بعد وَفَاته رجل من الرّوم يُقَال لَهُ مُحَمَّد شاه بن الفنرى القرومي ووقفها ونسبت اليه وَسميت الفنرية واخبرت ان الَّذِي بَاعهَا ولد منشيها ابْن الطولوني الْمُتَقَدّم ذكره (27) الحسنية على بَاب الاسباط وَهِي آخر الْمدَارِس وَلم اطلع لَهَا على كتاب وقف وَلم اتحقق امرها وَلَكِن اخبرت انها وقف شاهين الحسني الطواشي وانه من دولة الْملك النَّاصِر حسن الْمُتَوفَّى فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلم يكن لَهَا

ص: 40

حكم الْمدَارِس فِي النظام والشعائر وَإِنَّمَا صَارَت منزلا تتَّخذ للسكن وَهِي من جملَة جِهَات الْمَسْجِد الْأَقْصَى يسْتَوْفى ريعها لجِهَة وَقفه وَالظَّاهِر ان واقفها توفّي قبل انبرام أمرهَا وَالله أعلم فَهَذِهِ الْمدَارِس الَّتِي فِي الْجِهَة الشمالية من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ويتوصل الى الْمَسْجِد من عدَّة أَبْوَاب من الْمدَارِس ولمنازل الْمُجَاورَة لَهُ وَتقدم الْوَعْد بِذكر ذَلِك فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - الْأَمَاكِن المتوصل مِنْهَا الى الْمَسْجِد وَلها أَبْوَاب من خَارج الْمَسْجِد أَولهَا الزاوية الخنثنية وَدَار الخطابة والفخرية والمدرسة التنكزية والمدرسة البلدية والرباط الزمني والمدرسة الخاتونية والمدرسة الارغونية والزاوية الوفائية والمدرسة المنجكية وَدَار الشَّيْخ جمال الدّين ابْن غَانِم شيخ الْحرم وَدَار بني جمَاعَة الْمُجَاورَة لمنارة الغوانمة والمدرسة الصبيبية والمدرسة الاسعردية والمدرسة الملكية والزاوية الامينية والمدرسة الباسطية والمدرسة الكريمية والمدرسة الفنرية وَكَانَ بالحسنية بِبَاب الأسباط بَاب وَقد سد وَأما مَا فِي الْمَدِينَة من الْمدَارِس والمشاهد فَمن ذَلِك مَا حول الْمَسْجِد غير ملاصق للسور وَلكنه بِالْقربِ مِنْهُ من جِهَة الشمَال (1) الْمدرسَة الصلاحية بِبَاب الاسباط وقف الْملك صَلَاح الدّين رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَتقدم ذكرهَا عِنْد تَرْجَمته وَهِي كَنِيسَة من زمن الرّوم تعرف بِقَبْر حنه فانه يُقَال ان فِيهَا قبر حنة ام مَرْيَم عليها السلام تَارِيخ وَقفهَا ثَالِث عشر رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ووظيفة مشيختها من الْوَظَائِف السّنيَّة بمملكة الاسلام (2) الزاوية الشيخونية بِالْقربِ مِنْهَا عِنْد سويقة بَاب حطة واقفها الْأَمِير سيف الدّين قطيشا بن عَليّ بن مُحَمَّد من رجال حَلقَة دمشق كَانَ مجاورا بالقدس الشريف وَجعل نظرها لنَفسِهِ ثمَّ من بعده لوَلَده شيخون فسميت بالشيخونية نِسْبَة لولد الْوَاقِف

ص: 41

تَارِيخ وَقفهَا مستهل صفر سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (3) الْمدرسَة الكاملية بِخَط بَاب حطة بجوار الكريمية من جِهَة الشمَال واقفها الْحَاج كَامِل من أهل طرابلس وَلم يُوجد لَهَا كتاب وقف فَكتب محْضر يوقفها مؤرخ فِي شهور سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة (4) رِبَاط المارديني بِبَاب حطة مُقَابل الكاملية وَهِي بجوار التربة الاوحدية وَقفه مَنْسُوب لامرأتين من عُتَقَاء الْملك الصَّالح صَاحب ماردين وَشَرطه ان يكون لمن يرد من ماردين وَقد وقفت على محْضر ثَابت بوقفه تَارِيخه فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (5) الْمدرسَة المعظمية وقف الْملك الْمُعظم عِيسَى - وَتقدم ذكرهَا عِنْد تَرْجَمته وَهِي مُقَابل بَاب شرف الْأَنْبِيَاء الْمَعْرُوف بَاب الدويدارية تَارِيخ وَقفهَا فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من جمادي الأولى سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَقد وقفت على كتاب الْوَقْف وَفِيه جِهَات كَثِيرَة من الْقرى وَقد اخذ غالبها وَصَارَ بأيدي النَّاس إقطاعا وملكا (6) الْمدرسَة السلامية بِبَاب شرف الْأَنْبِيَاء تجاه المعظمية وَهِي بجوار الْمدرسَة الدويدارية من جِهَة الشمَال واقفها الخواجا مجد الدّين ابو الفدا اسماعيل السلَامِي وَلم اطلع على تَارِيخ وَقفهَا وَالظَّاهِر انه بعد السبعمائة (7) الزاوية المهمازية بِالْقربِ من المعظمية من جِهَة الغرب منسوبة للشَّيْخ كَمَال الدّين المهمازي ووقفت على مربع من الْملك الصَّالح اسماعيل ابْن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يشْهد انها وقف على الْمَشَايِخ المقيمين بهَا قَرْيَة بَيت القيا من عمل الْقُدس الشريف تَارِيخ الرَّابِع فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة خمس واربعين وَسَبْعمائة وَبهَا قبر رجل من ذُريَّته اسْمه الشَّيْخ خير الدّين خضر المهمازي وَفَاته فِي شَوَّال سنة سبع واربعين وَسَبْعمائة (8) الْمدرسَة الوجيهية بِخَط درج المولة وقف الشَّيْخ وجيه الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن اِسْعَدْ ابْن النجا الْحَنْبَلِيّ الْمُتَوفَّى فِي شعْبَان سنة احدى وَسَبْعمائة

ص: 42

(9)

الْمدرسَة المحدثية بِالْقربِ من الوجيهية عِنْد قبو بَاب الغوانمة واقفها رجل من أهل الْعلم كَانَ مُحدثا واسْمه عز الدّين ابو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز العجمي الاردبيلي تَارِيخ وَقفهَا فِي رَابِع الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فَهَذِهِ الْمدَارِس الَّتِي بِقرب الْمَسْجِد وَهِي من جِهَة الشمَال وَمَا هُوَ بِالْقربِ من الْمَسْجِد من جِهَة الغرب (10) الرِّبَاط المنصوري بِبَاب النَّاظر وقف السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَسَنذكر تَارِيخ وَفَاته عِنْد تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى (11) رِبَاط عَلَاء الدّين الْبَصِير تجاه الرِّبَاط المنصوري واقفه الْأَمِير عَلَاء الدّين آيدغدى الْآتِي ذكره فِيمَا بعد وَقفه فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَلم يظْهر لَهُ كتاب وقف فَكتب محْضر بوقفه وَثَبت لَدَى حَاكم الشَّرْع الشريف تَارِيخ الْمحْضر الثَّابِت بوقفه يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَهُوَ مدفون بالرباط الْمَذْكُور وَكَانَ صَالحا وَيَأْتِي ذكر وَفَاته عندترجمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى (12) الْمدرسَة الحسنية بِبَاب النَّاظر على رِبَاط عَلَاء الدّين الْبَصِير واقفها الْأَمِير حسن الكشكيلي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وَكَانَ بناؤها فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَسَنذكر تَرْجَمَة واقفها فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمُقَابل هَذِه الْمدرسَة تربة بهَا ضريح يُقَال انه قبر السيدة فَاطِمَة بنت مُعَاوِيَة (13) الْمدرسَة التشتمرية بِبَاب النَّاظر بِالْقربِ من الحسنية واقفها الْأَمِير تشتمر السيفي الْملك الناصري حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون تَارِيخ وَقفهَا فِي الثَّانِي عشر من ذِي الْقعدَة سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة (14) الْمدرسَة الباوردية بِبَاب النَّاظر بِالْقربِ من التشتمرية واقفتها السِّت الْحَاجة سفرى خاتون ابْنة شرف الدّين أبي بكر بن مَحْمُود الْمَعْرُوف والدها بالباوردي تَارِيخ وَقفهَا فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس شهر رَجَب سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (15) الزاوية المحمدية بجوار الباوردية من جِهَة الغرب واقفها مُحَمَّد بك زَكَرِيَّا الناصري تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعَاشِر من شهر رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة (16) اليونسية زَاوِيَة مُقَابل الباوردية ونسبتها للْفُقَرَاء اليونسية (17) الْمدرسَة الجهاركسية بجوار اليونسبة من جِهَة الشمَال وَهِي واليونسية كَنِيسَة من بِنَاء الرّوم قسمت نِصْفَيْنِ الأول جعل للمدرسة الجهاركسية وَالثَّانِي جعل لزاوية اليونسية والجهاركسية نِسْبَة لواقفها الْأَمِير جهاركس الخليلي أَمِير آخور الْملك الظَّاهِر برقوق توفّي قَتِيلا بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الآخر فِي سنة احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة (8) الْمدرسَة الحنبيلية بِبَاب الْحَدِيد واقفها الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَكَانَ مُتَوَلِّيًا نِيَابَة دمشق فِي سلطنة الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ بناؤها فِي الْعشْر الآخر من جمادي الْآخِرَة وَفرغ الْبناء فِي سلخ شَوَّال سنة احدى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة (19) التربة السعدية بِبَاب السلسلة تجاه الْمدرسَة التنكزية وَبَاب الْمَسْجِد واقفها الْأَمِير سعدالدين مَسْعُود بن الْأَمِير الاسفهلار بدر الدّين سنقر بن عبد الله الجاشنكير الرُّومِي الْحَاجِب بِالشَّام المحروسة فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون تَارِيخ كتاب وَقفه فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الاخر سنة احدى عشر وَسَبْعمائة (20) التربة الجالقية بِرَأْس درج الْعين بِبَاب السلسلة وقف ركن الدّين الْكَبِير العجمي الْمَعْرُوف بالجالق وَهُوَ مدفون بهَا توفّي فِي عَاشر جمادي الآولى سنة سبع وَسَبْعمائة وَكَانَ من جملَة الْأُمَرَاء بِالشَّام فِي دولة الْملك الْمَنْصُور قلاوون وَبعده (21) دَار الحَدِيث بجوار التربة الجالقية من جِهَة الغرب واقفها الْأَمِير شرف الدّين عِيسَى بن بدر الدّين أبي الْقَاسِم الهكاري تَارِيخ وَقفهَا فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين

ص: 43

من رَجَب سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة (22) دَار الْقُرْآن السلامية تجاه دَار الحَدِيث واقفها سراج الدّين عمر بن أبي بكر أبي الْقَاسِم السلَامِي تَارِيخ وَقفهَا فِي الْعشْرين من ربيع الآخر سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (23) الْمدرسَة الطازية بِخَط دَاوُد بِالْقربِ من بَاب السلسلة وقف الْأَمِير طاز الْمُتَوفَّى فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (24) تربة الْملك حسام الدّين بركَة خَان مُقَابل الْمدرسَة الطازية تَارِيخ عمارتها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وعمرت بعد مَوته (25) التربة الكيلانية بجوار الطازية من جِهَة الغرب منسوبة الى الْحَاج جمال الدّين بهلوان ابْن الْأَمِير شمس الدّين قرادشاه ابْن شمس الدّين مُحَمَّد الكيلاني اللاهجي الْمَشْهُور بِابْن الصاحب كيلان وَهُوَ أَنه أوصى الى وَلَده الْأَمِير نظام الدّين كهشروان بِأَن يصرف من ثلث مَاله مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَيدْفَع ذَلِك الى ابْن اخي الْمُوصى الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن بهاء الدّين سلار ابْن شير ملك الكيلاني ليبتاع بذلك مَكَانا ويعمره تربة بالقدس الشريف أَن تهَيَّأ نَقله وَدَفنه هُنَاكَ تَارِيخ الْوَصِيَّة فِي الْعَاشِر من شعْبَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة فعمرت هَذِه التربة وَبهَا ضريحه وَنقل اليها كَمَا أوصى بِهِ (26) التربة الطشتمرية بِالْقربِ من الكيلانية وقف الْأَمِير طشتمر العلائي أَنْشَأَهَا فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي وَدفن بهَا فِي شعْبَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة (27) زَاوِيَة الطواشية بحارة الشريف وتعرف قَدِيما بحارة الاكراد واقفها الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين عرب بن فَخر الدّين أَحْمد المجاور بالقدس فِي تَاسِع عشر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة (28) زَاوِيَة المغابة بأعلا حارتهم وقف الشَّيْخ عمر بن عبد الله بن عبد النَّبِي المغربي المصمودي الْمُجَرّد وَكَانَ رجلا صَالحا عمر الزاوية وأنشأها من مَاله ووقفها

ص: 45

على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بتاريخ ثَالِث شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وَتُوفِّي بالقدس الشريف وَدفن بِمَاء ملا عِنْد حوش البسطامية وَقد وهم بعض المؤخين فَظَنهُ الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَاقِف الزاوية بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام لاشْتِرَاكهمَا فِي الِاسْم والشهرة وَالْأَمر بِخِلَافِهِ وَسَنذكر كلا مِنْهُمَا فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تراجم الْأَعْيَان (29) الْمدرسَة الْأَفْضَلِيَّة وتعرف قَدِيما بحارة المغاربة وقف الْملك الْأَفْضَل نور الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن الْملك صَلَاح الدّين تغمده الله برحمته وَقفهَا على فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف ووقف أَيْضا حارة المغاربة على طَائِفَة المغاربة على اخْتِلَاف اجناسهم ذكورهم واناثهم وَكَانَ الْوَقْف حِين سلطنته على دمشق وَكَانَ الْقُدس من مضافاته وَلم يُوجد لَهَا كتاب فَكتب محْضر بِالْوَقْفِ لكل جِهَة وَثَبت مضمونه لَدَى حكام الشَّرْع الشريف بعد وَفَاة الْوَاقِف وَتقدم ذكر تَارِيخ سلطنته ووفاته قبل ذَلِك وَمن جملَة اوقافه المسجدالكائن عِنْد قمامة علو سجن الشرطة فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَهِي السّنة الَّتِي توفّي وَالِده فِيهَا وَبِه مَنَارَة استجدت قبل السّبْعين والثمانمائة وَأما مَا هُوَ من الزوايا والمدارس بالقدس الشريف غير قريب من الْمَسْجِد فَمِنْهَا 30 - زَاوِيَة البلاسي بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الْقبْلَة وَهِي قديمَة نسبتها للشَّيْخ أَحْمد البلاسي وَكَانَ من الصَّالِحين وقبره بهَا وَهُوَ مَشْهُور يَقْصِدهُ الزوار وَلم اطلع على تَارِيخ وَفَاته 31 - زَاوِيَة الْأَزْرَق بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الْقبْلَة وَهِي شَرْقي زَاوِيَة البلاسي نسبتها للشَّيْخ ابراهيم الْأَزْرَق وَهِي قديمَة وَبهَا قُبُور جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ اسحاق ابْن الشَّيْخ ابراهيم ووفاته فِي سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ورايت فِي مستندات تتَعَلَّق بهَا انها تعرف بزاوية السرائي 32 - الْمدرسَة اللؤلؤية بِخَط مرزبان بجوار حمام عَلَاء الدّين الْبَصِير من جِهَة

ص: 46

الشمَال واقفها الْأَمِير لُؤْلُؤ غَازِي عَتيق الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن وَكَانَت الْمدرسَة مَوْجُودَة فِي سنة احدى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَتوفى الْوَاقِف فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة 33 - الْمدرسَة البدرية بِخَط مرزبان بِالْقربِ من اللؤلؤية وَمن زَاوِيَة ولي الله تَعَالَى الشَّيْخ محمدالعرمي واقفها بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم الهكاوي اُحْدُ امراء الْملك الْمُعظم وَقفهَا فِي سنة عشر وسِتمِائَة على فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَكَانَ يتَمَنَّى ان يستشهد فرزقه الله الشَّهَادَة بالغور بِالْقربِ من نابلس فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وسِتمِائَة وَحمل الى تربته بالقدس الشريف 34 - زَاوِيَة الدركاه بجوار البيمارستان الصلاحي وَكَانَت فِي زمن الافرنج دَار الاسبيتار وَهِي من بِنَاء هيلانة ام قسطنطين الَّتِي عمرت كَنِيسَة قمامة وَعَلَيْهَا مَنَارَة استهدم بَعْضهَا وَكَانَ قَدِيما ينزل بهَا نواب الْقُدس الشريف واقفها الْملك المظفر شهَاب الدّين غَازِي ابْن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل ابي بكر بن أَيُّوب صَاحب ميافارقين وَمَا مَعهَا فِي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة 35 - زَاوِيَة الشَّيْخ يَعْقُوب العجمي بِالْقربِ من القلعة وَهِي كَنِيسَة من بِنَاء الرّوم وَقد اشتهرت فِي عصرنا بزاوية الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الشَّيْخ عبد الله الْبَغْدَادِيّ اُحْدُ الْعُدُول بالقدس الشريف كَانَ سكنه بهَا وتلاشت احوالها بعد 36 - مَسْجِد الْحَيَّات وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِهِ طلسم الْحَيَّات - وَتقدم ذكره - وَهُوَ بِقرب كَنِيسَة قمامة وَهُوَ مَسْجِد عَظِيم من الْمَسَاجِد العمرية مَنْسُوب الى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه 37 - الخانقاه الصلاحية علو كَنِيسَة قمامة وقف الْملك صَلَاح الدّين على الصُّوفِيَّة وَتقدم ذكر تَارِيخ وَقفهَا فِي الْخَامِس من شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 38 - الزاوية الْحَمْرَاء بِالْقربِ من الخانقاه الصلاحية وَهِي منسوبة للْفُقَرَاء الوفائية 39 - الزاوية اللؤلؤية بِبَاب العمود - اُحْدُ أَبْوَاب الْمَدِينَة - وَهِي وقف

ص: 47

بدر الدّين لُؤْلُؤ غَازِي وَاقِف للؤلؤية الْمُتَقَدّم ذكرهَا 40 - الزاوية البسطامية بحارة المشارقة واقفها الشَّيْخ عبد الله البسطامي وَكَانَت الزاوية مَوْجُودَة قبل سنة سبعين وَسَبْعمائة وَسَنذكر تَرْجَمته 41 - الْمدرسَة الميمونية عِنْد بَاب الساهرة وَهِي كَنِيسَة من بِنَاء الرّوم واقفها الْأَمِير فَارس الدّين أَبُو سعيد مَيْمُون ابْن عبد الله القصري خازندار الْملك صَلَاح الدّين تَارِيخ وَقفهَا فِي جمادي الأولى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلم يبْق لَهَا نظام فِي عصرنا بل صَارَت من المهملات 42 - التربة الهمازية واقفها الْأَمِير نَاصِر الدّين المهمازي وَلم اطلع لَهَا على كتاب وقف وَلَا تَارِيخ وَصَارَت فِي عصرنا مسكنا كبقة الْمنَازل 43 - زَاوِيَة الهنود بِظَاهِر بَاب الأسباط وَهِي قديمَة وَكَانَت للْفُقَرَاء الرفاعية ثمَّ نزل بهَا طَائِفَة الهنود فغرفت بهم 44 - الجراحية زَاوِيَة بِظَاهِر الْقُدس من جِهَة الشمَال وَلها وقف ووظائف مرتبَة ونسبها لواقفها الْأَمِير حسام الدّين الْحُسَيْن بن شرف الدّين عِيسَى الجراحي أحد أُمَرَاء الْملك صَلَاح الدّين ووفاته فِي صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَدفن بزاويته الْمَذْكُورَة رحمه الله وبظاهر الزاوية من جِهَة الْقبْلَة قُبُور جمَاعَة من الْمُجَاهدين يُقَال انهم من جمَاعَة الجراحي وَالله أعلم 45 - القيمرية قبَّة محكمَة الْبناء بِظَاهِر الْقُدس الشّرف من جِهَة الشمَال مِمَّا يَلِي الغرب نسبتها لجَماعَة من الشُّهَدَاء الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله قُبُورهم بهَا وهم الْأَمِير الشَّهِيد حسام الدّين أَبُو الْحسن بن أبي الفوارس القيمري ووفاته فِي الْعشْر الْأَوْسَط من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة والأمير ضِيَاء الدّين مُوسَى ابْن ابي الفوارس ووفاته فِي عَاشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة والأمير حسام الدّين خضر القيمري ووفاته فِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة والأمير نَاصِر الدّين أبي الْحسن القيمري ووفاته فِي عشري صفر

ص: 48

سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وبالقبة الْمَذْكُورَة قبر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد جَابر بك أحد أُمَرَاء الطبلخانة بِالشَّام وناظر الْحَرَمَيْنِ بالقدس الشريف والخليل عليه السلام ووفاته لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وبظاهر الْقبَّة الْمَذْكُورَة تربة بهَا قُبُور جمَاعَة من الْمُجَاهدين رحمهمَا الله تَعَالَى وَفِي الْمَدِينَة عدَّة أَمَاكِن من الزوايا والربط والترب لَا فَائِدَة فِي ذكرهَا وَإِنَّمَا ذكرت مَا هُوَ الْمَشْهُور وَأما مَا فِي الْقُدس من المنائر فقد تقدم أَن بِالْمَسْجِدِ ارْبَعْ منائر وبظاهر الْمَسْجِد مَنَارَة على الْمدرسَة المعظمية وَهِي صَغِيرَة جدا وعَلى الخانقاه الصلاحية مَنَارَة وَهِي إنْشَاء المرحوم الشَّيْخ برهَان الدّين بن غَانِم شيخ الخانقاه رحمه الله قبل الْعشْرين والثمانمائة وَقد حكى لي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الله الْبَغْدَادِيّ انه لما قصد الشَّيْخ برهَان الدّين بن غَانِم بِنَاء المنارة الْمَذْكُورَة شقّ ذَلِك على النَّصَارَى بالقدس لكَونهَا على كَنِيسَة القمامة فَاجْتمع رَأْيهمْ على دفع مَال كثير للشَّيْخ برهَان الدّين على أَن يتْرك بناءها فَلم يلْتَفت الى ذَلِك وزجرهم زجرا بليغا وَعمر المنارة ورتب لَهَا من يقو م بشعائرها فَرَأى رجل من النَّاس النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ سلم على برهَان الدّين بن غَانِم وَقل لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقريك السَّلَام وَيَقُول لَك أَنْت دَاخل فِي عُمُوم شَفَاعَته يَوْم الْقِيَامَة ببنائك هَذِه المنارة على رُؤْس الْكفَّار ومنارة على الْمَسْجِد - الْمُتَقَدّم ذكره عِنْد ذكر الْمدرسَة الفضلية - الْكَائِن علو سجن الشرطة تجاه قمامة من جِهَة الْقبْلَة وَالظَّاهِر ان بناءها على اساس قديم ومنارة علو زَاوِيَة الدركاه وَقد هدم بَعْضهَا من زَلْزَلَة وَقعت فِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ومنارة على مَسْجِد ملاصق لكنيسة الْيَهُود من جِهَة الْقبْلَة وَهِي مستجدة بعد

ص: 49

الثَّمَانمِائَة اعتصب اهل الْخَيْر وجمعوا مَالا وبنوها وأوقفوا عَلَيْهَا وَأما مَدِينَة الْقُدس الشريف فِي عصرنا فَهِيَ مَدِينَة عَظِيمَة محكمَة الْبناء بَين جبال وأودية وَبَعض بِنَاء الْمَدِينَة مُرْتَفع على علو وَبَعضه منخفض فِي وَاد وغالب الابنية الَّتِي فِي الْأَمَاكِن الْعَالِيَة مشرفة على مَا دونهَا من الْأَمَاكِن المنخفضة وشوارع الْمَدِينَة بَعْضهَا سهل وَبَعضهَا وعر وَفِي غَالب الْأَمَاكِن يُوجد سفله ابنية قديمَة وَقد بني فَوْقهَا بِنَاء مستجد على بِنَاء قديم وَالْبناء مشحون بِحَيْثُ لَو تفرق على حكم غَالب مدن مملكة الاسلام لَكَانَ حجم الْمَدِينَة ضعف مَا هُوَ الْآن وَهِي كَثِيرَة الْآبَار الْمعدة لخزن المَاء لِأَن ماءها يجمع من الأمطار وَأما مَا فِي الْقُدس الشريف من الْأَمَاكِن المحكمة الْبناء فَمن ذَلِك سوق القطانين المجاور لباب الْمَسْجِد من جِهَة الغرب وَهُوَ سوق فِي غَايَة الِارْتفَاع والاتقان لم يُوجد مثله فِي كثير من الْبِلَاد وايضا الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة الْمُجَاورَة بِالْقربِ من بَاب الْمِحْرَاب الْمَعْرُوف بِبَاب الْخَلِيل وَهِي من بِنَاء الرّوم ممتدة قبْلَة بشام وَمن بَعْضهَا الى بعض منافذ فَالْأول مِنْهَا وَهُوَ الغربي سوق العطارين وقف الْملك صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى على مدرسته الصلاحية وَالَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ الْأَوْسَط لبيع الخضراوات وَالَّذِي يَلِيهِ لجِهَة الشرق لبيع القماش وهما وقف على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَقد ذكر المسافرون انهم لم يرَوا مثل الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة فِي التَّرْتِيب وَالْبناء فِي بَلْدَة من الْبلدَانِ وان ذَلِك من المحاسن الَّتِي لبيت الْمُقَدّس (وَرُوِيَ) عَن سَلامَة ابْن قَيْصر - وَكَانَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه خَلفه بِبَيْت الْمُقَدّس ييصلي بِالنَّاسِ - ان عمر رضي الله عنه لما فتح بَيت الْمُقَدّس وقف على راس السُّوق فِي أَعْلَاهُ فَقَالَ لمن هَذَا الصَّفّ - يَعْنِي صف سوق البزازين -؟ فَقَالُوا لِلنَّصَارَى فَقَالَ لمن الصَّفّ الغربي الَّذِي فِيهِ حمام السُّوق؟ فَقَالُوا لِلنَّصَارَى فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا هَذَا لَهُم وَهَذَا لَهُم - يَعْنِي النَّصَارَى - وَهَذَا لنا مُبَاح - يَعْنِي السُّوق الْأَوْسَط الَّذِي بَين الصفين يَعْنِي السُّوق الْكَبِير الَّذِي كَانَ فِيهِ قبَّة الرصاص

ص: 50

قلت وَالَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بِتِلْكَ الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة الْمَوْجُودَة الْآن وان تِلْكَ الْأَوْصَاف الْقَدِيمَة ذهبت واستجد مَكَانهَا الْبُنيان الْمَوْجُود فِي عصرنا وَالله أعلم وَفِي الْقُدس الشريف عدَّة من الْكَنَائِس والديارات من زمن الرّوم نَحْو عشْرين مَكَانا وعمدة النَّصَارَى مِنْهَا كَنِيسَة قمامة فَإِنَّهَا عِنْدهم بمَكَان عَظِيم وبناؤها فِي غَايَة الاحكام والاتقان ويقصدونها فِي كل سنة فِي عدَّة اوقات من بِلَاد الرّوم والافرنج وَمن بِلَاد الارمن وَمن الديار المصرية والمملكة الشامية وَسَائِر الاقطار ويسمونها الْقِيَامَة ويزعمون ان حجهم اليها وَقد تقدم ذكر طرف من اخبارها وَمَا وَقع فِيهَا من الْهدم وَالْبناء قبل اسْتِيلَاء الافرنج على بَيت الْمُقَدّس ويليها كَنِيسَة صهيون المختصة بالافرنج وَهِي فِي آخر مَدِينَة الْقُدس من جِهَة الْقبْلَة ثمَّ كَنِيسَة مار يَعْقُوب وتعرف بدير الأرمن وَهِي بِالْقربِ من صهيون وكنيسة المصلبية المختصة بطَائفَة الكرج وَهِي ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب فَهَذِهِ الاربع كنائس وَهِي عُمْدَة النَّصَارَى وَالنِّهَايَة عِنْدهم كَنِيسَة قمامة وَكَانَت كَنِيسَة المصلبية قد اخذت من النَّصَارَى فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون وَجعل فِيهَا مَسْجِدا فَلَمَّا كَانَ فِي سنة خمس وَسَبْعمائة وصلت رِسَالَة من جِهَة ملك الكرج ورسل من جِهَة صَاحب قسطنطينية الى نَائِب الْملك النَّاصِر الْمشَار اليه وسألوا فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة لَهُم فَلَمَّا توصلوا وتشفعوا فِي ذَلِك اعيدت لَهُم وسلمت الى رسلهم وَلَو شرعنا نذْكر مَا فِي بَيت الْمُقَدّس من الابنية والأماكن لطال الْكَلَام وَخَرجْنَا عَن حد الِاخْتِصَار وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة فان كل من صنف فِي فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس وفتحه لم يتَعَرَّض لشَيْء من ذَلِك وَالله أعلم وَأما مَا فِي الْقُدس الشريف من الحارات الْمَشْهُورَة فَمِنْهَا حارة المغاربة

ص: 51

وَهِي بجوار سور الْمَسْجِد من جِهَة الغرب ونسبتها الى المغاربة لكَونهَا مَوْقُوفَة عَلَيْهِم وسكنهم بهَا وحارة الشّرف وَهِي بجوارها من جِهَة الغرب ونسبتها لرجل من اكابر الْبَلَد اسْمه شرف الدّين مُوسَى وَله ذُرِّيَّة معروفون يُقَال لَهُم بَنو الشّرف وَكَانَت تعرف قَدِيما بحارة الاكراد وحارة الْعلم نِسْبَة لرجل اسْمه علم الدّين سُلَيْمَان وَكَانَ يعرف بِابْن الْمُهَذّب ووفاته فِي حُدُود السّبْعين والسبعمائة وَله ذُرِّيَّة مَشْهُورُونَ مِنْهُم وَلَده عمر الَّذِي كَانَ نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَأَخُوهُ شرف الدّين مُوسَى المدفون بالحارة الْمَذْكُورَة وَهِي بجوار حارة الشّرف من جِهَة الشمَال وضمنها حارة الحيادرة نِسْبَة لزاوية بهَا لطائفة الحيادرة وحارة الصلتين بجوار حارة الشّرف من جِهَة الْقبْلَة الى الغرب وحارة الْيَهُود بجوار حارة الصلتين من جِهَة الغرب وضمنها حارة الريشة وحارة صهيون الجوانية وَهِي غربي حارة الْيَهُود وحارة الضوية وَهِي بجوار حارة صهيون من الشمَال وحارة بني الْحَارِث وَهِي خَارج الْبَلَد عِنْد القلعة (خطّ دَاوُد عليه السلام هُوَ الشَّارِع الْأَعْظَم وابتداؤه من بَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الْمَعْرُوف بِبَاب سلسلة الى بَاب الْمِحْرَاب وَهُوَ بَاب الْمَدِينَة الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الْخَلِيل وَهَذَا المنط على اقسام مَعْرُوفَة فَمن بَاب الْمَسْجِد الى دَار الْقُرْآن السلامية يعرف بسوق الصاغة وَمن بَاب السلامية الى بَاب حارة الشّرف يعرف بسوق القشاش وَمِنْه الى سوق الفحم يعرف بسوق المبيضين وَمن بَاب الخان الى قنطرة الجبيلي يعرف بسوق الفحم وَمن قنطرة الجبيلي الى درج الخرافيش يعرف بسوق الطباخين وَمِنْه بَاب حارة الْيَهُود يعرف بِخَط الْوكَالَة وَهُوَ خَان عَظِيم وقف على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى يُؤجر فِي السّنة بِنَحْوِ اربعمائة دِينَار يُبَاع فِيهِ اصناف البضائع وَمن

ص: 52

بَاب حارة الْيَهُود الى خَان الْمصرف يعرف بسوق الحريرية وَمن خَان الْمصرف الى بَاب الْمَدِينَة يعرف بِخَط عَرصَة الغلال فَهَذَا كُله دَاخل فِي عُمُوم خطّ دَاوُد عليه السلام وَالسَّبَب فِي تَسْمِيَته بِخَط دَاوُد هُوَ ان سيدنَا دَاوُد كَانَ لَهُ سرداب تَحت الأَرْض من بَاب الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَاب السلسلة الى القلعة الَّتِي تعرف قَدِيما بمحراب دَاوُد وَكَانَ منزله بهَا وَهَذَا السرداب مَوْجُود وَفِي بعض الْأَوْقَات يكْشف بعضه ويشاهد وَهُوَ اقبية معقودة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم كَانَ يمشي فِيهِ من منزلَة الى الْمَسْجِد (خطّ مرزبان) وَصَارَ على أَقسَام فَمن سويقة بَاب القطانين الى آخر الْعقبَة يعرف بعقبة القطانين وَمن رَأس الْعقبَة الى خَان الجبيلي يعرف بحارة حمام عَلَاء الدّين ويليه من جِهَة الغرب شَارِع يعرف بحارة الشَّيْخ مُحَمَّد القرمي ويليه من جِهَة الشمَال شَارِع يعرف بحارة الحصرية ويليه من جِهَة الشرق شَارِع يعرف بحارة ابْن الشنتير لسكنه بهَا وَهَذَا كُله يدْخل فِي عُمُوم خطّ مرزبان وَلم أدر نسبته لماذا وَلكنه يكْتب فِي المستندات الشَّرْعِيَّة هَكَذَا وبجوار حارة مرزبان من الغرب خطّ المربعة وسوق القماش ويليه سوق الْخضر ويليه سوق العطارين ويليه خطّ الدركاه وَبِه البيمارستان الصلاحي وكنيسة قمامة ويليه حارة النَّصَارَى من جِهَة الغرب ممتدة قبْلَة بشام من بَاب الْخَلِيل الى بَاب السرب وَضمن حارة النَّصَارَى حارة الرحبة وحارة الجوالقة تلِي حارة النَّصَارَى من جِهَة الغرب وَهِي خَارج الْمَدِينَة (خطّ وَادي الطواحين) وَهُوَ الشَّارِع الْأَعْظَم الممتد قبْلَة بشام من درج الْعين الى بَاب العامود أحد ابواب الْمَدِينَة وَفِي هَذَا الْخط عدَّة شوارع مَعْرُوفَة فَمِنْهَا حارة بَاب القطانين وَهُوَ بَاب الْمَسْجِد ونسبته لبيع الْقطن بِالسوقِ الَّذِي عِنْده وحارة بَاب الْحَدِيد

ص: 53

أحد أَبْوَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَهُوَ بجوار بَاب القطانين من جِهَة الشمَال وحارة بَاب النَّاظر - أحد أَبْوَاب الْمَسْجِد - يقابلها من جِهَة الغرب عقبَة السُّوق الْمَعْرُوفَة الان بعقبة السِّت ونسبتها لعمارة عَظِيمَة بهَا عمرتها السِّت طنشق المظفرية وَكَانَت السِّت طنشق مَوْجُودَة فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة ويليها من جِهَة الغرب سوق الزَّيْت وَبِه زقاق من جِهَة الشرق يعرف بِأبي شامة وبخط وَادي الطواحين من جِهَة الشرق حارة الغوانمة الْمُجَاورَة لِلْمَسْجِدِ من جِهَة الغرب نسبتها لسكن بني غَانِم ويقابلها من جِهَة الغرب عقبَة الظَّاهِرِيَّة نسبتها لزاوية قديمَة هُنَاكَ تسمى الظَّاهِرِيَّة وبعقبة الظَّاهِرِيَّة من جِهَة الْقبْلَة عقبَة تسمى السودَان وفيهَا ايضا من جِهَة الشمَال زقاق يعرف بقناطر خضير وبآخر الْعقبَة من جِهَة الغرب سوق الْفَخر نِسْبَة لفخر الدّين صَاحب الْمدرسَة الفخرية وَبِه المصابن الَّتِي يعْمل فِيهَا الصابون ويلي سوق الْفَخر من جِهَة الغرب الى الشمَال حارة بني مرّة ويليها من جِهَة الغرب حارة الزراعنه وحارة الملاط وَهِي بِظَاهِر الْبَلَد بلصق حارة النَّصَارَى من جِهَة الغرب وحارة بَاب العامود وَهِي انْتِهَاء خطّ وَادي الطواحين وَهِي آخر الْمَدِينَة من جِهَة الشمَال الى الغرب وضمنها حارة بني سعد وحارة القصيلة وَهِي شَرْقي وَادي الطواحين ويليها من جِهَة الشمَال حارة عقبَة الشُّيُوخ ويليها من جِهَة الشمَال حارة بني زيد وضمنها زقاق يعرف بالسعديين وحارة بَاب الزاهرة وَهِي آخر الْمَدِينَة من الشمَال وحارة درج المولوية وَهِي بجوار حارة القصيلة من الشرق ويليها من الْقبْلَة حارة شرف الْأَنْبِيَاء وتعرف الْآن بحارة بَاب الدويدارية وضمنها عقبَة المهمازية وَيَنْتَهِي الى بَاب الساهرة وحارة بَاب حطة وَهِي شمال الْمَسْجِد ويليها من الشمَال حارة المشارقة وانتهاؤها إِلَى سور الْمَدِينَة الشمالي وحارة الغورية من بَاب الاسباط وتنهي إِلَى سور الْمَدِينَة الشمالي وَإِلَى حوش هُنَاكَ يعرف بالصامت وَفِي الْقُدس الشريف عدَّة شوارع وخطط لَا فَائِدَة لذكرها فَإِن غالبها يدْخل فِي عُمُوم مَا ذكرته وَإِنَّمَا ذكرت مَا هُوَ مَشْهُور

ص: 54

وَمن أعظم الحارات وأكبرها حارة بَاب حطة وَهَذِه الحارات مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ من جِهَة الغرب وَالشمَال - كَمَا تقدم ذكره - وَأما من جِهَة الْقبْلَة والشوق من الْمَسْجِد فهما مشرفان على الْبَريَّة - كَمَا تقدم القَوْل فِي ذَلِك - (القلعة) وَهِي حصن عَظِيم الْبناء بِظَاهِر بَيت الْمُقَدّس من جِهَة الغرب - وَقد تقدم ذكره - وَكَانَ قَدِيما يعرف بمحراب دَاوُد عليه السلام وَكَانَ سكنه بهَا وَيُقَال ان بِنَاء القلعة كَانَ مُتَّصِلا الى دير صهيون وَفِي هَذَا الْحصن برج عَظِيم الْبناء يُسمى برج دَاوُد وَهُوَ من الْبناء الْقَدِيم السُّلَيْمَانِي وروى المشرف بِسَنَدِهِ ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بَيت الْمُقَدّس لَيْلَة اسرى بِهِ فَإِذا عَن يَمِين الْمَسْجِد وَعَن يسَاره نوران ساطعان فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذَانِ النوران؟ فَقَالَ أما هَذَا الَّذِي عَن يمنيك فَإِنَّهُ محراب اخيك دَاوُد وَأما هَذَا الَّذِي عَن يسارك فعلي قبر اختك مَرْيَم وَقد جدد الرّوم والافرنج عمَارَة بَقِيَّة القلعة غير برج دَاوُد حِين استيلائهم على بَيت الْمُقَدّس وللقلعة نَائِب غيرنائب الْقُدس وَكَانَت تدق فِيهِ الطبلخانة فِي كل لَيْلَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء على عَادَة القلاع بالبلاد وَقد تلاشت أحوالها فِي عصرنا وتشعثت وَبَطل مِنْهَا دق الطبلخانة وَصَارَ نائبها كآحاد النَّاس لتلاشي الْأَحْوَال وَعدم إِقَامَة النظام وَتقدم ان الْوَالِي بالقدس الشريف كَانَ قَدِيما ينزل بالقلعة الْمَذْكُورَة وَأما بِنَاء بَيت الْمُقَدّس فَهُوَ فِي غَايَة الإحكام والاتقان جَمِيعه بالأحجار الْبيض النحت وسقفه مَعْقُود وَلَيْسَ فِي بنائِهِ لبن وَلَا فِي سقفه خشب وَقد ذكر المسافرون انه لم يكن فِي جَمِيع المملكة أتقن عمَارَة وَلَا أحسن رُؤْيَة من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس وَفِي مَعْنَاهُ بِنَاء بلد سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام لَكِن بِنَاء الْقُدس أمكن

ص: 55

وأتقن وبقرب مِنْهُ بِنَاء مَدِينَة نابلس فَهَذِهِ المدن الثَّلَاث بناءها متقن لكَونهَا فِي الْجَبَل وَالْحِجَارَة فِيهَا كَثِيرَة متيسرة وَأما رُؤْيَة بَيت الْمُقَدّس من بعد فَمن الْعَجَائِب الْمَشْهُورَة فِي نورانيتها وَحسن منظرها من جِهَة الشرق اذا كَانَ الانسان على جبل طور زيتا وَكَذَلِكَ من جِهَة الْقبْلَة وَأما من جِهَة الغرب وَالشمَال فَلَا يرى مِنْهَا من بعد إِلَّا الْقَلِيل لمواراة الْجبَال لَهَا فَإِن بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام فِي جبال كَثِيرَة الأوعار والأحجار وَالسير فِيهَا مشق والمسافة فِيهَا بعيدَة فَإِن الْجبَال المحيطة بالبلدتين مسافتها تَقْرِيبًا ثَلَاثَة أَيَّام طولا وَمثلهَا عرضا بسير الأثقال وَلَكِن اذا من الله على قَاصد الزِّيَارَة بالوصول الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف والى الْمقَام الشريف الخليلي فَمن حِين رُؤْيَته لتِلْك الْأَمَاكِن المشرفة يحصل لَهُ من الانس والبهجة مَا لَا يكَاد يُوصف ويسلو مَا حصل لَهُ من الْمَشَقَّة وَالنّصب وَقد أنْشد الْحَافِظ ابْن حجر عِنْد قدومه لزيارة بَيت الْمُقَدّس فِي معنى ذَلِك الى الْبَيْت الْمُقَدّس جِئْت أَرْجُو (1) جنان الْخلد نزلا من كريم قَطعنَا فِي محبته عقَابا وَمَا بعد الْعقَاب سوى النَّعيم (2) وَأما الْأَبْوَاب الَّتِي للمدينة فأولها من جِهَة الْقبْلَة بَاب حارة المغاربة وَبَاب صهيون الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب حارة الْيَهُود وَمن جِهَة الغرب بَاب سرّ صَغِير لصق دير الأرمن وَبَاب الْمِحْرَاب وَهُوَ الْمُسَمّى الْآن بِبَاب الْخَلِيل وروى المشرف بِسَنَدِهِ عَن عَليّ بن سَلامَة قَالَ سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت ان بَاب لد الَّذِي جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه يقتل عَلَيْهِ عِيسَى بن مَرْيَم " ع " الدَّجَّال لَيْسَ هُوَ بَاب الْكَنِيسَة الَّتِي عِنْد الرملة وَإِنَّمَا هُوَ بَاب دَاوُد الغربي الَّذِي عِنْد محراب دَاوُد وَيُسمى بَاب لد وَبَاب يعرف بِبَاب الرحبة وَمن جِهَة الشمَال بَاب دير السرب وَبَاب العامود وَبَاب الداعية المتوصل مِنْهُ الى حارة نَبِي زيد وَبَاب الساهرة وَمن جِهَة الشرق بَاب الاسباط

ص: 56

فَهَذِهِ عشرَة أَبْوَاب لمدينة الْقُدس الشريف وَكَانَ قبل ذَلِك بَاب عِنْد الزاوية الْمُتَقَدّم ذكرهَا الْمَعْرُوفَة بِابْن الشَّيْخ عبد الله تجاه القلعة وَبَاب بحارة الطورية يَنْتَهِي الى ميدان العبيد خَارج بَاب الاسباط وَقد سد (ذكر عين سلوان وَغَيرهَا مِمَّا هُوَ بِظَاهِر الْقُدس الشريف) أما عين سلوان فَهِيَ بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الْقبْلَة بالوادي يشرف عَلَيْهَا سور الْمَسْجِد القبلي وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن الله اخْتَار من الْمَدَائِن أَرْبعا مَكَّة وَهِي الْبَلدة وَالْمَدينَة وَهِي النَّخْلَة وَبَيت الْمُقَدّس وَهِي الزيتونة ودمشق وَهِي التِّين وَاخْتَارَ من الثغور اربعة اسكندرية مصر وقزوين خُرَاسَان وعبدان الْعرَاق وعسقلان الشَّام وَاخْتَارَ من الْعُيُون اربعا فَيَقُول فِي مُحكم كِتَابه الْعَزِيز (فيهمَا عينان تجريان) وَقَالَ (فيهمَا عينان نضاحتان) فَأَما اللَّتَان تجريان فعين بيسان وَعين سلوان وَأما النضاحتان فعين زَمْزَم وَعين عكا وَاخْتَارَ من الانهار أَرْبعا سيحان وجيحان والنيل والفرات وَعَن خَالِد بن معدان انه قَالَ زَمْزَم وَعين سلوان الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس من عُيُون الْجنَّة وَعنهُ انه قَالَ من أَتَى بَيت الْمُقَدّس فليأت محراب دَاوُد وَليصل فِيهِ وليسبح فِي عين سلوان فَإِنَّهَا من الْجنَّة وَلَا يدْخل الْكَنَائِس وَلَا يشتر فِيهَا فَإِن الْخَطِيئَة فِيهَا مثل ألف خَطِيئَة والحسنة مثل ألف حَسَنَة (عين المقذوقات) عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ كَانَ فِي زمن بني اسرائيل فِي بَيت الْمُقَدّس عِنْد عين سلوان عين وَكَانَت الْمَرْأَة اذا قذفت اثوابها اليها فَشَرِبت مِنْهَا فَإِن كَانَت برئية لم يَضرهَا وَإِن كَانَت غير بريئة طعنت فَمَاتَتْ فَلَمَّا حملت مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام

ص: 57

أَتَوا بهَا وَحملُوهَا على بغلة فَعَثَرَتْ بهَا فدعَتْ الله أَن يعقم رَحمهَا فعقمت من يَوْمئِذٍ فَلَمَّا أتتها وشربت مِنْهَا لم تَزْدَدْ إِلَّا خيرا فدعَتْ الله أَن لَا يفضح بهَا أمْرَأَة مُؤمنَة فغارت تِلْكَ الْعين من يؤمئذ (بِئْر ايوب) وَهُوَ بِالْقربِ من عين سلوان نسبته الى سيدنَا أَيُّوب عليه السلام وَحكى صَاحب كتاب الانس فِي معنى هَذِه الْبِئْر قَالَ قَرَأت بِخَط ابْن عمي أبي مُحَمَّد الْقَاسِم واجازه لي قَالَ قَرَأت فِي بعض التواريخ إِنَّه ضَاقَ المَاء فِي الْقُدس بِالنَّاسِ فاحتاجوا الى بِئْر هُنَاكَ فنزلوها طولهَا ثَمَانُون ذِرَاعا وسعة رَأسهَا بضعَة عشر ذِرَاعا وعرضها اربعة أَذْرع وَهِي مطوية بحجارة عَظِيمَة كل حجر مِنْهَا خَمْسَة اذرع واقل واكثر فِي سمك ذراعين وذراع فعجبت كَيفَ نزلت هَذِه الْحِجَارَة الى ذَلِك الْمَكَان وَمَاء الْعين بَارِد خَفِيف ويستقى مِنْهَا المَاء طول السّنة من ثَمَانِينَ ذِرَاعا واذا كَانَ فِي الشتَاء فاض مَاؤُهَا وفار حَتَّى يسيح على وَجه الأَرْض فِي بطن الْوَادي وتدور عَلَيْهِ ارحية تطحن الدَّقِيق فَلَمَّا احْتِيجَ اليه وَإِلَى عين سلوان نزلت الى قَرَار الْبِئْر وَمَعِي جمَاعَة من الصناع لأثقبها فَرَأَيْت المَاء يخرج من حجر يكون قدره نَحْو ذراعين فِي مثلهَا وَبهَا مغارة فتح بَابهَا ثَلَاثَة أَذْرع فِي ذِرَاع وَنصف يخرج مِنْهَا ريح بَارِد شَدِيد الْبرد وَأَنه حط فِيهِ الضَّوْء فَرَأى المغارة مطوية السّقف بِحجر وَدخل الى قريب مِنْهَا وَلم يثبت لَهُ الضَّوْء فِيهَا من شدَّة الرّيح الَّذِي يخرج مِنْهَا وَهَذِه الْبِئْر فِي بطن الْوَادي والمغارة فِي بَطنهَا وَعَلَيْهَا وحولها من الْجبَال الْعَظِيمَة الشاهقة مَا لَا يُمكن لانسان ان يرتقي عَلَيْهَا إِلَّا بِمَشَقَّة وَهِي الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه أَيُّوب عليه السلام (اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب) انْتهى كَلَامه وَهَذِه الْبِئْر مَشْهُورَة مَعْرُوفَة فِي كل سنة عِنْد قُوَّة الشتَاء وَكَثْرَة الأمطار

ص: 58

يفور المَاء مِنْهَا حَتَّى يصير كالنهر الْجَارِي ويسيح الى مَسَافَة بعيدَة وَيسْتَمر على هَذِه الْحَالة عدَّة أَيَّام كالشهر وَنَحْوه وَهُوَ من الْعَجَائِب وَكَانَ فِي بَيت الْمُقَدّس سِتّ برك عَملهَا حزقيل أحد مُلُوك بني اسرائيل مِنْهَا ثَلَاثَة فِي الْمَدِينَة بركَة بني اسرائيل وبركة سُلَيْمَان وبركة عِيَاض وَثَلَاثَة خَارج الْمَدِينَة بركَة ماملا وبركتا المرجيع جعل ذَلِك خَزَائِن للْمَاء لأهل بَيت الْمُقَدّس قلت اما بركَة بني اسرائيل فَهِيَ مَوْجُودَة مَشْهُورَة وَهِي شمَالي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بلصق سُورَة بَين بَاب الأسباط وَبَاب حطة ومنظرها مهول وَهِي من الْعَجَائِب وَأما بركَة سُلَيْمَان وبركة عِيَاض فَلَا أَعْرفهُمَا وَلم اطلع على شَيْء يدل عَلَيْهِمَا وَلَكِن بداخل الْقُدس بركتان أحداهما بِخَط مرزبان وَهِي لجمع المَاء المتحصل لحمام عَلَاء الدّين الْبَصِير وَهِي بجواره وَالثَّانيَِة بحارة النَّصَارَى لجمع المَاء المتحصل لحمام البترك وقف الخانقاه الصلاحية فَيحْتَمل انهما البركتان المذكورتان وَالله أعلم وَأما بركَة ماملا فَهِيَ مَوْجُودَة مَشْهُورَة وَهِي الَّتِي فِي وسط مَقْبرَة مَا ملا وَأما بركتا المرجيع مِنْهَا بِالْقربِ من قَرْيَة ارطاس وهما موجودتان ينْتَفع بهما فِي خزن المَاء الْوَاصِل من قناة السَّيْل الى الْقُدس الشريف ومسافتهما عَن الْقُدس نَحْو نصف بريد وَالله اعْلَم وَسبب تَسْمِيَة مكانهما بالمرجيع ان سيدنَا يُوسُف عليه السلام لما أَخذه اخوته والقوه فِي الْجب مروا بِهِ على قبر امهِ وَهُوَ بِالْقربِ من المرجيع فَلَمَّا رأى قبرها وهم طالعون ألْقى نَفسه عَن النَّاقة وَقَالَ يَا أُمَّاهُ ارفعي رَأسك وانظري مَا حل بولدك من الْبلَاء وفقدوه فَرَجَعُوا فَسُمي المرجيع من ذَلِك الْيَوْم فَلَمَّا رجعُوا لطموا وَجهه وَحَمَلُوهُ والقوه فِي الْجب كَمَا هُوَ مَشْهُور فِي الْقِصَّة وَالله أعلم وبظاهر مَدِينَة الْقُدس الشريف من كل جِهَة كروم بهَا من أَنْوَاع الْفَوَاكِه من الْعِنَب والتين والتفاح وَغَيره وَأحسن الْأَمَاكِن أَرض تعرف بالبقعة ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب الى جِهَة الْقبْلَة وقف الْملك صَلَاح الدّين على خانقاه

ص: 59

الصُّوفِيَّة وَفِي هَذِه الْبقْعَة وَغَيرهَا أَيْضا قُصُور مَبْنِيَّة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم وملاكها فِي كل سنة يُقِيمُونَ بهَا فِي زمن الصَّيف مُدَّة أشهر اقامة استيطان وينفقون أَمْوَالًا كَثِيرَة وَلم يكن فِي الزَّمن السالف بِبَيْت الْمُقَدّس من شجر النّخل إِلَّا نَخْلَة وَاحِدَة وَيُقَال إِنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فِي شَأْن مَرْيَم عليها السلام وَهِي منحنية قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَيُقَال انها غرست مُنْذُ الف سنة وَزِيَادَة وَأما فِي عصرنا فَكَانَ فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى ثَلَاث نخلات مِنْهَا وَاحِدَة كَانَت عِنْد المسطبة الَّتِي الى جَانب سَبِيل السُّلْطَان غربي الصَّخْرَة زَالَت بعد الثَّمَانِينَ والثمانمائة وَاثْنَتَانِ باقيتان الى الْيَوْم احداهما عِنْد بَاب الرَّحْمَة وَالثَّانيَِة قبلي صحن الصَّخْرَة تعرف بنخلة النَّبِي صلى الله عليه وسلم قيل أَنه رُؤِيَ عِنْدهَا وَالله أعلم (دير أبي ثَوْر) وَإِلَى جَانب الْبقْعَة من جِهَة الشمَال قَرْيَة تعرف بدير أبي ثَوْر وَهِي قَرْيَة صَغِيرَة بهَا دير من بِنَاء الرّوم يعرف قَدِيما بدير مارقوص ثمَّ عرف بدير أبي ثَوْر نِسْبَة للشَّيْخ أَحْمد الشهير بِأبي ثَوْر وَكَانَ صَالحا وَقد وقف الدَّيْر عَلَيْهِ وعَلى ذُريَّته الْملك الْعَزِيز أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن الْملك صَلَاح الدّين فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَلما توفّي الشَّيْخ أَحْمد ابو ثَوْر دفن بهَا وقبره مَوْصُوف يزار ويتبركون بِهِ وَله قَرْيَة معروفون وَبَعْضهمْ مُقيم بالقرية الْمَذْكُورَة وَهِي قريبَة من بَاب الْمَدِينَة الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الْخَلِيل وَيَأْتِي ذكر الشَّيْخ أَحْمد ابي ثَوْر وَسبب تَسْمِيَته بذلك فِي تَرْجَمته بَين الاعيان ان شَاءَ الله تَعَالَى (طور زيتا) وَهُوَ الْجَبَل الشَّرْقِي عِنْد بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ جبل عَظِيم مشرف على الْمَسْجِد الْأَقْصَى

ص: 60

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ أقسم رَبنَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون وطور زيتا وَفِي رِوَايَة عَنهُ أقسم رَبنَا عز وجل بأَرْبعَة أجبل فَقَالَ (والتين الزَّيْتُون وطور سينين وَهَذَا الْبَلَد الْأمين) فالتين مَسْجِد دمشق الزَّيْتُون طور زيتا مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وطور سِنِين حَيْثُ كلم الله مُوسَى عليه السلام وَهَذَا الْبَلَد الْأمين مَكَّة وَتقدم عنذ ذكر الصَّحَابَة ان صَفِيَّة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم قدمت بَيت الْمُقَدّس فصلت بِهِ وصعدت طور زيتا فصلت وَقَامَت على طرف الْجَبَل فَقَالَت من هَا هُنَا يتفرق النَّاس يَوْم الْقِيَامَة الى الْجنَّة والى النَّار وَهَذَا الْجَبَل هُوَ الَّذِي صعد مِنْهُ عِيسَى عليه السلام الى السَّمَاء حِين رَفعه الله اليه وعَلى رَأس كَنِيسَة من هيلانة وَفِي وَسطهَا قبَّة وَيُقَال انها مصعد عِيسَى " ع " وَقد استهدمت الْكَنِيسَة وَالنَّصَارَى يعظمون هَذَا الْمَكَان تَعْظِيمًا زَائِدا وبطور زيتا شَجَرَة خرنوب عِنْدهَا مَسْجِد لطيف وَتَحْت الْمَسْجِد مغارة مأنوسة ويقصد النَّاس هَذَا الْمَكَان للزيارة وَتسَمى هَذِه الشَّجَرَة خزنوبة الْعشْرَة وَلَا أَدْرِي مَا السَّبَب فِي تَسْمِيَتهَا بذلك وَلَكِن اشْتهر هَذَا الِاسْم عندالناس وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَيُسمى جبل بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ طور زيتا جبل الْخمر - بِفَتْح الْخَاء وَالْمِيم - وَهُوَ كثير الشّجر والظل وَلما فتح الْملك صَلَاح الدّين بَيت الْمُقَدّس وقف أَرض طور زيتا على الشَّيْخ الصَّالح ولي الدّين ابي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن دَاوُد الهكاري وعَلى الشَّيْخ الامام الزَّاهِد ابي الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله الهكاري سوية بَينهمَا ثمَّ على ذريتهما تَارِيخ كتاب وَقفه فِي السَّابِع عشر من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة (قبر مَرْيَم عليها السلام وَهُوَ فِي كَنِيسَة فِي دَاخل جبل طور زيتا تسمى الجيسمانية بِخَارِج بَاب

ص: 61

الأٍ سباط وَهُوَ مَكَان مَشْهُور يَقْصِدهُ النَّاس للزيارة من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَهَذِه الْكَنِيسَة من بِنَاء هيلانة أم قسطنطين كَمَا تقدم وَتقدم عِنْد ذكر القلعة لفظ الْأَثر الْوَارِد فِي قبر مَرْيَم حِين اسري بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ورووي ان عمر رضي الله عنه لما فتح بَيت الْمُقَدّس مر بكنيسة مَرْيَم الَّتِي فِي الادي فصلى بهَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ نَدم لقَوْله صلى الله عليه وسلم هَذَا وَاد من اودية جَهَنَّم ثمَّ قَالَ وَمَا كَانَ اغنى عمر أَن يُصَلِّي فِي وَاد جَهَنَّم وَعَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ لَا تَأْتُوا كَنِيسَة مَرْيَم الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس - أَي كَنِيسَة الجيسمانية - والعمودين اللَّذين فِي كَنِيسَة الطّور فَإِنَّهُمَا طواغيت وَمن اتاهما حَبط عمله وبالقرب من قبر مَرْيَم فِي الْوَادي الْمَعْرُوف بوادي جَهَنَّم بذيل جبل طور زيتا قبَّة من بِنَاء الرّوم يسميها النَّاس طرطور فِرْعَوْن ويرجمونها بالأحجار وبالقرب مِنْهَا بذيل الْجَبَل أَيْضا قبَّة أُخْرَى من الصخر يُقَال لَهَا كوفية زَوْجَة فِرْعَوْن واشتهر عِنْد النَّاس ذَلِك وَقد قيل ان الْقبَّة الأولى قبر زَكَرِيَّا وان الثَّانِيَة قبر يحيى عليهما السلام وَرَأَيْت مَنْقُولًا بِخَط بعض الْعلمَاء ان يحيى وزَكَرِيا عليهما السلام مدفونان بِبَيْت الْمُقَدّس بذيل جبل طور زيتا بمقابر الْأَنْبِيَاء وَهُوَ مِمَّا يعضد هَذَا القَوْل وَقيل إِن قبر يحيى وزَكَرِيا بقرية سبسطية من ارْض نابلس وَقيل بِجَامِع دمشق وَالله أعلم (الساهرة) وَهُوَ البقيع الَّذِي الى جَانب طور زيتا من جِهَة الغرب وَعَن ابراهيم بن ابي عبلة فِي قَوْله تَعَالَى (فَإِذا هم بالساهرة) قَالَ البقيع الَّذِي الى جَانب طور زيتا قَرِيبا من مصلى عمر مَعْرُوف بالساهرة وَفِي حَدِيث ابْن عمر ان ارْض الْمَحْشَر

ص: 62

تسمى الساهرة وَاصل الساهرة الفلاة وَوجه الأَرْض وَقيل الأَرْض العريضة البسيطة والساهرة عِنْد الْعَرَب الأَرْض الَّتِي تبْعَث سالكها على السهر للسرى فِيهَا لينجو مِنْهَا وَمعنى الساهرة ارْض لَا ينامون عَلَيْهَا ويسهرون قلت وَهَذَا البقيع الْمَعْرُوف بالساهرة ظَاهر مَدِينَة الْقُدس الشريف من جِهَة الشمَال وَبِه مَقْبرَة يدْفن فِيهَا موتى الْمُسلمين وَبهَا جمَاعَة من الصَّالِحين والمقبرة مُرْتَفعَة على جبل عَال (الأدهمية) وسفل هَذَا الْجَبَل كَهْف من الْعَجَائِب وَهُوَ زَاوِيَة للْفُقَرَاء الأدهمية دَاخل تَحت هَذَا الْجَبَل فِي صَخْرَة عَظِيمَة وَتسَمى مغارة الْكَتَّان والمقبرة الَّتِي هِيَ الساهرة علو سقف هَذِه المغارة بِحَيْثُ أَنه لَو أمكن حفر الْقُبُور من اسفلها لنفذ الى الْكَهْف الَّذِي هُوَ زَاوِيَة الأدهمية وَلَكِن الْمسَافَة بعيدَة فَإِن الصَّخْرَة سَمَكَة ضخمة جدا ويلغز فِي هَذَا بِأَن يُقَال احياء تَحت أموات وَهَذَا لأمر مشَاهد عيَانًا وَقد عمر هَذِه الزاوية الْأَمِير منجك نَائِب الشَّام ووقف عَلَيْهَا هُوَ وَغَيره من اهل الْخَيْر وفيهَا قُبُور جمَاعَة من الصَّالِحين وَعَلَيْهَا الْأنس وَالْوَقار (مغارة الْكَتَّان) وَمُقَابل الساهرة من جِهَة الْقبْلَة تَحت سور الْمَدِينَة الشمالي مغارة كَبِيرَة مستطيلة وَتسَمى مغارة الْكَتَّان أَيْضا يُقَال إِنَّهَا تصل الى تَحت الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ودخلها جمَاعَة وحكوا عَنْهَا أَشْيَاء من الْأُمُور المهولة وَأما مَا بِظَاهِر بَيت الْمُقَدّس من المقابرة والمغائر الْمعدة لدفن أموات الْمُسلمين فأولها مَقْبرَة بَاب الرَّحْمَة وَهِي بجوار سور الْمَسْجِد الشَّرْقِي فَوق وَادي جَهَنَّم وَهِي مأنوسة لقربها من الْمَسْجِد وَهِي أقرب الترب الى الْمَدِينَة وفيهَا قبر شَدَّاد ابْن أَوْس الانصاري مَشْهُور وَغَيره من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَقد جدد فِيهَا تربة

ص: 63

فِي أَولهَا من جِهَة الشمَال عمرها الْأَمِير فانصوه اليحياوي كافل المملكة الشامية حِين كَانَ مجاورا بالقدس الشريف وبناؤها يشْتَمل على ايوان وَبِه مدفنان من جهتي الشرق والغرب وَدفن بهَا من توفّي من أَوْلَاده ثمَّ أفرج عَنهُ وسافر من الْقُدس الشريف فِي مستهل شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلم تكمل عمارتها فَلَمَّا اسْتَقر فِي نِيَابَة الشَّام ثَانِيًا جهز مَالا لعمارتها فأكملت بِبِنَاء الحوش الشمالي والبوابة وحفر الصهريج وَبنى المتوضأ وكملت عمارها فِي سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصَارَت مَشْهُورَة ومقبرة الساهرة - وَتقدم ذكرهَا - وَهِي شمَالي الْبَلَد ومقبرة الشُّهَدَاء بِالْقربِ من مَقْبرَة الساهرة الى جِهَة الشرق وَهِي مَقْبرَة لَطِيفَة لقلَّة من يقْصد الدّفن فهيا فَإِنَّهُ لَا يدْفن فِيهَا من أهل الْبَلَد إِلَّا قَلِيل من النَّاس ومقبرة ماملا وَهِي بِظَاهِر الْقُدس من جِهَة الغرب وَهِي أكبر مَقَابِر الْبَلَد وفيهَا خلق من الْأَعْيَان وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاء وتسميتها بماملا قيل إِنَّمَا اصله مِمَّا من الله وَقيل بَاب الله وَيُقَال زيتون الْملَّة وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ من دفن فِي بَيت الْمُقَدّس فِي زيتون الْملَّة فَكَأَنَّمَا دفن فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَاسْمهَا عِنْد الْيَهُود بَيت لمواء وَعند النَّصَارَى بابيلا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة النَّاس مَا ملا القلندرية وبوسط هَذِه الْمقْبرَة زَاوِيَة تسمى القلندرية بهَا ابنية عَظِيمَة وَكَانَت هَذِه الزاوية كَنِيسَة وَهِي من بِنَاء الرّوم وتعرف بالدير الْأَحْمَر وَلِلنَّصَارَى فِيهَا اعْتِقَاد فَقدم الى بَيت الْمُقَدّس رجل اسْمه الشَّيْخ ابراهيم القلندري وَأقَام بهَا جمَاعَة من الْفُقَرَاء فنسبت اليه وَسميت بالقلندرية وَكَانَت فِي عصره السِّت طنشق بنت عبد الله المظفرية الَّتِي عمرت الدَّار الْكُبْرَى الْمَعْرُوفَة بدار السِّت بِالْعقبَةِ الَّتِي بِالْقربِ من بَاب النَّاظر فَكَانَت تحسن الى الشَّيْخ ابراهيم وعمرت فِي الزاوية الْمَذْكُورَة قبَّة محكمَة الْبناء على قبر أَخِيهَا بهادر وَهِي بَاقِيَة الى يَوْمنَا (صُورَة)

ص: 64

وعمرت الحوش الْمُحِيط بهَا وَكَانَت عِمَارَته فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَتوفيت بالقدس الشريف فِي يَوْم السبت فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانمِائَة ودفنت بتربتها الَّتِي أنشأتها بعقبة السِّت تجاه الدَّار الْكُبْرَى رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَانَ بالزاوية القلندرية جمَاعَة مقيمون وَلَا وقف لَهَا وَقد خربَتْ الزاوية وَسَقَطت فِي زمن قريب فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة واستمرت خرابا الى يَوْمنَا وَبهَا يدْفن الاعيان من الْأُمَرَاء مِمَّن يرد الى بِبَيْت الْمُقَدّس وَغَيرهم وَأَرْض هَذِه القلندرية ومعظم أَرض ماملا صَخْر أَصمّ وحفر الْقُبُور فِيهَا بِمَشَقَّة زَائِدَة زَاوِيَة الكبكية وبمقبرة ماملا قبَّة محكمَة الْبناء تعرف بالكبكية نسبتها للأمير عَلَاء الدّين آيد غدى ابْن عبد الله الكبكي المدفون بهَا ووفاته فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة (بَيت لحم) قريبَة من الْقُدس وَهِي عَنْهَا نَحْو ربع بريد من جِهَة الْقبْلَة وَبهَا ولد سيدنَا عِيسَى عليه السلام وَقد ورد فِي حَدِيث الْمِعْرَاج الشريف ان جِبْرِيل " ع " قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين أسرى بِهِ انْزِلْ فصل فَنزل فصلى قَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت؟ صليت بِبَيْت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى عليه السلام وَكَانَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ يبْعَث بِزَيْت يسرج فِي بَيت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى عليه السلام وَهَذِه الْقرْيَة غَالب سكانها فِي عصرنا نَصَارَى وَبهَا كَنِيسَة محكمَة الْبناء بهَا ثَلَاث محاريب مُرْتَفعَة أَحدهَا موجه الى جِهَة الْقبْلَة الشَّرِيفَة وَالثَّانِي الى جِهَة الشرق وَالثَّالِث الى جِهَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وسقفها خشب مُرْتَفع على خمسين عمودا من الصخر الْأَصْفَر الصلب غير السَّوَارِي المبنية بالأحجار وأرضها مفروشة بالرخام وعَلى ظَاهر سقفها رصاص فِي غَايَة الْأَحْكَام وَهَذِه الْكَنِيسَة من بِنَاء هيلانة

ص: 65

وَالِدَة قسطنطين - كماتقدم - وفيهَا مَكَان مولد عِيسَى عليه السلام وَهُوَ فِي مغارة بَين المحاريب الثَّلَاثَة وَلِلنَّصَارَى فِيهَا اعْتِقَاد وَيرد اليها من بِلَاد الافرنج وَغَيرهَا الْأَمْوَال لَهَا وللرهبان المقيمين بالدير المجاور للكنيسة (قبَّة راحيل) وَبَين بَيت الْمُقَدّس وَبَيت لحم قبَّة راحيل وَالِدَة سيدنَا يُوسُف الصّديق عليه السلام وَهُوَ الى جَانب الطَّرِيق بَين بَيت لحم وَبَيت جالا فِي قبَّة موجهة لجِهَة الصَّخْرَة وَهِي مَشْهُورَة تزار وَقد قيل إِن تَسْمِيَة بَيت لحم وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْقرى مِمَّا حول بَيت الْمُقَدّس كبيت جالا وَبَيت نوبَة وكل مَكَان أَوله بَيت إِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ مسكنا لبي من أَنْبيَاء لنَبِيّ اسرائيل فَيُقَال بَيت فلَان نِسْبَة لساكنه وَالله أعلم وبظاهر بَيت الْمُقَدّس عدَّة أَمَاكِن ومشاهد مَشْهُورَة مَقْصُودَة للزيارة يطول ذكرهَا ويخرجنا عَن حد الِاخْتِصَار وَفِيمَا ذكر كِفَايَة وَالله الْمُوفق وَهُوَ حسبي وَكفى (ذكر رَملَة فلسطين) قد تقدم فِي أول الْكتاب عِنْد الْكَلَام على تَفْسِير سُورَة الاسراء مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى (باركنا حوله) فلسطين والأردن وَتقدم ذكر الاردن وَهُوَ النَّهر الْمُسَمّى بالشريعة شَرْقي بَيت الْمُقَدّس مسافته عَنهُ نَحْو يَوْم وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَمُقَاتِل فِي قَوْله تَعَالَى (وآويناهما الى ربوة ذَات قَرَار ومعين) قيل هِيَ الرملة وَقَالَ السّديّ هِيَ ارْض فلسطين وَتقدم قَول ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَكَعب إِنَّهَا بَيت الْمُقَدّس وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ اكرموا الرملة - يَعْنِي فلسطين - فَإِنَّهَا الربوة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا (وآويناهما الى ربوة ذَات قَرَار

ص: 66

ومعين) وَفِي حَدِيث الْمِعْرَاج قَالَ صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَخَذَنِي جِبْرِيل وَلم نزل نسير من سَمَاء الى سَمَاء فَمَا مَرَرْت بِشَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاوَات إِلَّا ومكتوب عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله حَتَّى انْتَهَيْت الى سَمَاء الدُّنْيَا فَفتح لنا بَابهَا وَإِذا اللَّيْل على حَاله لم ينقص مِنْهُ شَيْء ثمَّ نظرت الى الأَرْض وَإِذا بروضتين خضراوين ونكتتين سوداوين فَقلت يَا أخي يَا جِبْرِيل مَا هَاتَانِ الروضتان الخضراوان والنكتتان السوداوان؟ قَالَ يَا مُحَمَّد أما الروضتان الخضراوان فَإِنَّهُمَا دمشق وفلسين وَأما النكتتان السوداوان فأرمينية واذربيجان ثمَّ حَملَنِي حَتَّى انزلني على جبل بَيت الْمُقَدّس وَإِذا أَنا بِالْبُرَاقِ وَاقِف على حَاله فِي مَوْضِعه الَّذِي تركته فِيهِ لم يتَقَدَّم وَلم يتَأَخَّر وَذكر تَمام الْقِصَّة وَقسمت الْأَوَائِل الشَّام خَمْسَة أَقسَام الشَّام الأولى فلسطين واوسط بَلَدهَا الرملة وَالشَّام الثَّانِيَة حوران ومدينتها الْعُظْمَى طبرية وَالشَّام الثَّالِثَة الغوطة ومدينتها الْعُظْمَى دمشق وَالشَّام الرَّابِعَة حمص وَالشَّام الْخَامِسَة قنسرين ومدينتها الْعُظْمَى حلب وفلسطين - بِكَسْر الْفَاء وَفتح اللَّام - وَسميت بذلك لِأَن أول من نزلها فلسطين بن كيسوحين بن لقطين بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام وَأول حُدُود فلسطين من طَرِيق مصر أمج قَالَ أَبُو مَحْمُود لَعَلَّه رمخ وَهُوَ الْعَريش ثمَّ يَليهَا غَزَّة ثمَّ رَملَة فلسطين وَمن مدن فلسطين ايليا وَهِي مَدِينَة بَيت الْقُدس الشريف بَينهَا وَبَين الرملة سِتَّة فراسخ ثَمَانِيَة عشر ميلًا صخار ووهاد وَمن مدنها أَيْضا عسقلان ولد وسبسطية ونابلس ومدينة سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام ومسافة فلسطين طولا من أمج الى حد اللجون للراكب الْمجد يَوْمَانِ وَأما سير الأثقال فَأكْثر من أَرْبَعَة أَيَّام وعرضها من يافا الى اريحا مَسَافَة يَوْمَيْنِ وَأما مَدِينَة الرملة وَهِي وَاسِطَة بلد فلسطين فانها فِي أَرض سهلة وَهِي كَثِيرَة

ص: 67

الْأَشْجَار وَالنَّخْل وحولها كثير من الْمزَارِع والمغارس وفيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه وظاهرها حسن المنظر وَهِي من جملَة الثغرو فَإِن الْبَحْر المالح قريب مِنْهَا مسافته عَنْهَا نَحْو نصف بريد من جِهَة الغرب وَكَانَت فِي الزَّمن السالف فِي عهد بني اسرائيل مَدِينَة عَظِيمَة الْبناء متسعة وَكَانَ جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بِجَانِب فلسطين - كَمَا تقدم عِنْد ذكر سيدنَا دَاوُد عيه السَّلَام - وَتقدم ان سيدنَا يُونُس " ع " أَقَامَ بالرملة ثمَّ توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس يعبد الله تَعَالَى وَأما صفة مَدِينَة الرملة قَدِيما قبل الإٍ سَلام وَبعده الى حُدُود الْخَمْسمِائَةِ فَكَانَ بهَا سور مُحِيط بهَا وَكَانَ لَهَا قلعة وَاثنا عشر بَابا مِنْهَا بَاب الْقُدس وَبَاب عسقلان وَبَاب يافا وَبَاب نابلس وَلها أَرْبَعَة أسواق مُتَّصِلَة من أَرْبَعَة أَبْوَاب الى وَسطهَا وَهُنَاكَ مَسْجِد جَامعهَا فَمن بَاب يافا يدْخل فِي سوق القماحين وَهُوَ مُتَّصِل بسوق البصالين حَتَّى يتَّصل بِمَسْجِد جَامعهَا وَهِي أسواق كَانَت حَسَنَة يُبَاع فِيهَا أَنْوَاع السّلع ويتصل بِبَاب الْقُدس سوق القطانين الى سوق المشاطين للكتان الى سوق العطارين الى الْمَسْجِد الْجَامِع ويتصل بسوق الحبابين من بَاب يازور ثمَّ سوق الخرازين ثمَّ البقالين الى الْمَسْجِد الْجَامِع ويتصل بِبَاب آخر من ابوابها سوق الصياقلة ثمَّ سوق السراجين الى الْمَسْجِد الْجَامِع وَيُقَال أَن الرملة كَانَت أَرْبَعَة آلَاف ضَيْعَة وَتقدم ان السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين هدم قلعتها وَهدم مَدِينَة اللد فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَأما فِي عصرنا فَلم يبْق أثر لتِلْك الْأَوْصَاف الَّتِي بالرملة وَقد زَالَت أسوارها وأسواقها الْقَدِيمَة لاستيلاء الافرنج عَلَيْهَا نَحْو مائَة سنة وَلم يبْق من الْمَدِينَة ثلثهَا بل وَلَا بعها وَبني فِيهَا مَسَاجِد ومنابر مستجدة من زمن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَبعده وَالْمَوْجُود الْآن من الابنية فِي الْمَدِينَة معظمه خراب مستهدم وَقد صَار الْمَسْجِد الْجَامِع الْقَدِيم بِظَاهِر الْمَدِينَة من جِهَة الغرب وَصَارَ حوله مَقْبرَة وَقد بنى فِيهِ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون مَنَارَة وَهِي من عجائب الدُّنْيَا فِي الْهَيْئَة والعلو وَذكر

ص: 68

المسافرون انها من الْمُفْردَات لَيْسَ لَهَا نَظِير وَكَانَ الْفَرَاغ من بناءها فِي نصف شعْبَان سنة ثَمَانِيَة عشر وَسَبْعمائة وَلم يبْق حول الْجَامِع الْمَذْكُور من الابنية الْقَدِيمَة سوى حارة بجواره من جِهَة الشمَال حكمهَا حكم الْقرى وَأما الْمَدِينَة فَصَارَت مُنْفَصِلَة عَنهُ وَهَذَا الْجَامِع بِنَاء بعض الْخُلَفَاء الامويين وَهُوَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك - الْمُتَقَدّم ذكره - لما ولي الْخلَافَة فِي سنة سِتّ وَتِسْعين من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَهُوَ جَامع متسع مأنوس عَلَيْهِ الابهة وَالْوَقار والنورانية وَيعرف فِي عصرنا وَقَبله بالجامع الْأَبْيَض وَفِي صحنه السماوي مغارة تَحت الأَرْض مهيبة يُقَال أَن بهَا دفن سيدنَا صَالح النَّبِي عليه السلام وَتقدم ذكر ذَلِك ثمَّ جدد عمَارَة الْجَامِع الْأَبْيَض فِي زمن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين على يَد رجل من دولته اسْمه الياس بن عبد الله اُحْدُ جمَاعَة الْأَمِير علم الدّين قَيْصر عين الْأُمَرَاء بالدولة الصلاحية كَانَت عِمَارَته فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ لما فتح الْملك الظَّاهِر بيبرس يافا فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة عمر الْقبَّة الَّتِي على الْمِحْرَاب وَالْبَاب الْمُقَابل للمحراب وَهُوَ المجاور للمنبر الَّذِي يخْطب عَلَيْهِ للعيد وَعمر المنارة الْقَدِيمَة وَقد زَالَت وَبنى عوضهَا المنارة الْمَوْجُودَة الْآن وَأما الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ فقد تقهقرت ونقصت جدا وَقل ساكنها وَمَعَ ذَلِك فَهِيَ مَقْصُودَة للْبيع وَالشِّرَاء وَلَا تَخْلُو من بركَة فِي معيشتها ببركة أرْضهَا وسكانها من الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء والأولياء فَإِن فِيهَا السَّيِّد الْجَلِيل الْفضل بن الْعَبَّاس رضي الله عنهما وَهُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ وَالِده الْعَبَّاس يكنى بِهِ وَهُوَ الَّذِي غسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما توفّي - كَمَا تقدم - ووفاته فِي طاعون عمواس فِي سنة ثَمَانِيَة عشر من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَهُوَ فِي مشْهد يقْصد للزيارة وَقد بنى عَلَيْهِ الْأَمِير شاهين الكمالي استادا الرملة مَنَارَة وَجعل فِيهَا مَسْجِدا جَامعا تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ووقف عَلَيْهِ أَمَاكِن ورتب فِيهِ وظائف وَكَانَت عِمَارَته

ص: 69

سنة أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقد تلاشت أَحْوَال الْمَسْجِد فِي عصرنا وَخرب مُعظم الْوَقْف وَتقدم ان عبَادَة بن الصَّامِت رحمه الله كَانَ قَاضِيا بهَا وَهُوَ أول من ولي قَضَاء فلسطين وَمَات بهَا وَاخْتلف فِي قَبره فَقيل بالرملة وَقيل حمل الى الْقُدس فَدفن بِهِ وَهُوَ أشهر ووفاته فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة - كَمَا تقدم - وفيهَا الإِمَام الْمُحدث أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بدحيم أحد أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه كَانَ قَاضِيا من قبل الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله العباسي خَليفَة بَغْدَاد تغمده الله تَعَالَى برحمته ثمَّ عينه لقَضَاء مصر وَأمره بالتوجه اليها فعاجلته الْمنية فَتوفي بالرملة وَلم يعرف قَبره ووفاته فِي رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وفيهَا الإِمَام الْمُحدث الْحَافِظ أَبُو عبد الرَّحْمَن ابْن شُعَيْب النساي أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا فِي الحَدِيث مولده فِي سنة اربعة عشر وَمِائَتَيْنِ ووفاته بالرملة فِي ثَالِث عشر صفر سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَهُوَ الَّذِي قدمه السُّبْكِيّ فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الْوُسْطَى وقبره يُقَال انه بِظَاهِر الْجَامِع الْأَبْيَض بلصق حَائِطه من جِهَة الشرق فِي حوش هُنَاكَ وَقيل أَنه فِي عكا وَالله أعلم وَتُوفِّي وَله ثَمَان وَثَمَانُونَ سنة وفيهَا من الْأَوْلِيَاء الشَّيْخ الْقدْوَة الزَّاهِد العابد ولي الله تَعَالَى أَبُو عبد الله مُحَمَّد البطائحي صَالح مَشْهُور للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد ووفاته فِي يَوْم الْجُمُعَة الْعَاشِر من شهر صفر سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة وقبره فِي مشْهد بحارة الباشقردي وَعَلِيهِ من الْأنس والهيبة وَالْوَقار مَا لَا يكَاد يُوصف وَالدُّعَاء عِنْده مستجاب وَقد جربت ذَلِك وَكَانَ الضريح قبل ذَلِك تَحت السَّمَاء فَبنِي عَلَيْهِ ايوان فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَقد وهم كثير من النَّاس فِي أمره فَظن انه الشَّيْخ عبد الله البطائحي صَاحب السَّيِّد عبد الْقَادِر الكيلاني وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن السَّيِّد عبد الْقَادِر رحمه الله مولده فِي سنة احدى وَسبعين واربعمائة بعد وَفَاة الشَّيْخ عبد الله هَذَا بِمِائَة

ص: 70

وَأَرْبَعَة عشر سنة فَظهر من ذَلِك أَن صَاحب السَّيِّد عبد الْقَادِر غير هَذَا بِلَا إِشْكَال وَالشَّيْخ مَحْمُود الْعَدوي صَالح مَشْهُور لَهُ كرامات ظَهرت وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وقبره فِي مشْهد بحارة العنابة يقْصد للزيارة وَالشَّيْخ الْقدْوَة صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الأشموني الْمَشْهُور بالغني صَالح مَشْهُور من أَوْلِيَاء الله كَانَ مَوْجُودا فِي سنة خمس عشر وَثَمَانمِائَة وقبره فِي مشْهد عِنْد سوق الفاكهين وَعَلِيهِ الْوَقار وَالْجَلالَة وَفِي الرملة عدَّة من الْأَوْلِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ يطول الْفَصْل بذكرهم وَالله الْمُوفق (ذكر لد) رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه ذكر الدَّجَّال فَقَالَ يقْتله عِيسَى ابْن مَرْيَم بِبَاب لد فَفِي هَذَا الحَدِيث فَضِيلَة تِلْكَ الأَرْض المقدسة لأَنهم يُقَاتلُون مَعَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم الْأَعْوَر الدَّجَّال وَتقدم عِنْد ذكر الْفَضَائِل صفة الدَّجَّال وَمَا ورد فِي أمره وَقتل الْمَسِيح لَهُ عِنْد بَاب لد بأبسط من هَذَا وَكَانَت لد فِي الزَّمن السالف منزلا جميلا فِيهِ نَاس يعمرونه وَفِيه كَانَت تنزل الرفاق والقافلة الْوَاصِلَة من مصر الى الشَّام وَكَانَت بلد كَنِيسَة محكمَة الْبناء وَاسِعَة الفناء عَلَيْهَا لِلنَّصَارَى أوقاف كَثِيرَة وَلَهُم فِيهَا اعْتِقَاد الى يَوْمنَا وَقد خربها الْملك صلا ح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ وَقد صَارَت الْبَلَد يؤمئذ قَرْيَة كَبَقِيَّة الْقرى وَلكنهَا حَسَنَة المنظر وظاهرها بهيج وَهِي بِظَاهِر الرملة من جِهَة الشمَال على مَسَافَة قريبَة وفيهَا جَامع مأنوس وَكَانَ كَنِيسَة وَهُوَ من بِنَاء الرّوم وَعَلِيهِ الابهة والنورانية وَبِه مَنَارَة مُرْتَفعَة وبظاهر لد من جِهَة الشرق مشْهد يُقَال أَن بِهِ قبر أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الصَّحَابِيّ رضي الله عنه ووفاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة

ص: 71

وَقد تقدم أَنه توفّي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَأَن قَبره بِالبَقِيعِ وَلَكِن الْمَشْهُور عِنْد أهل تِلْكَ النواحي انه بلد فِي المشهد الْمَعْرُوف وَالله أعلم وبظاهر الرملة من جِهَة الغرب بِالْقربِ من الْبَحْر المالح مشْهد يُقَال أَن بِهِ ضريح سيدنَا روبيل بن يَعْقُوب عليهما السلام وَهُوَ مَكَان مأنوس يقْصد للزيارة وَفِي كل سنة لَهُ موسم يجْتَمع النَّاس فِيهِ من الرملة وغزة وَغَيرهمَا ويقيمون أَيَّامًا وينفقون أَمْوَالًا كَثِيرَة وَيقْرَأ هُنَاكَ الْقُرْآن الْعَظِيم والمولد الشريف وَالَّذِي عمر المشهد سيدنَا ومولانا ولي الله تَعَالَى الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن رسْلَان تغمده الله برحمته وَمن الاولياء الْمَشْهُورين بِأَرْض فلسطين السَّيِّد الْجَلِيل الْكَبِير وسلطان الاولياء وقدوة العارفين وَسيد أهل الطَّرِيقَة الْمُحَقِّقين صَاحب القمامات والمواهب والكرامات والخوارق الباهرات الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله الملازم لطاعة الله أَبُو الْحسن عَليّ بن عليل وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بِابْن عليم - بِالْمِيم - وَأما نسبه الصَّحِيح الثَّابِت عليل - بَالَام - صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة والمناقب الظَّاهِرَة وشهرته تغني عَن الاطناب فِي ذكره وَالِاسْتِقْصَاء فِي تَرْجَمته فَإِن صيته كضوء النَّهَار لَا يخفى على أحد وَنسبه مُتَّصِل بأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَهُوَ عَليّ بن عليل بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن السَّيِّد الْجَلِيل الزَّاهِد العابد الصوام القوام الصَّحَابِيّ عبد الله ابْن مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ابي حَفْص عمر بن الْخطاب الْقرشِي رضي الله عنه وَعَن اصحاب رَسُول الله أَجْمَعِينَ وضريح السَّيِّد عَليّ بن عليل بشاطيء الْبَحْر المالح بساحل أرسوف وَعَلِيهِ مشْهد عَظِيم مأنوس وَبِه مَنَارَة مُرْتَفعَة وَأهل تِلْكَ النواحي بأسرها فِي حفظه وبركة سره وَمن مناقبه أَن الأفرنج يَعْتَقِدُونَ فِيهِ ويعترفون بصلاحه وَقد أخْبرت أَن الأفرنج اذا اقْبَلُوا على ضريحه وهم فِي الْبَحْر كشفوا رُؤْسهمْ ونكسوها نَحوه رضي الله عنه وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت لاثني عشرَة خلت من ربيع الأول سنة أَربع وَسبعين واربعمائة وَلما نزل الْملك الظَّاهِر بيبرس يَوْم فتح يافا وأرسوف زَارَهُ وَنذر النذور والأوقاف ودعا عِنْد قَبره فيسر الله لَهُ فتح الْبِلَاد وَفِي كل سنة لَهُ موسم فِي زمن الصَّيف يَقْصِدهُ النَّاس من الْبِلَاد الْبَعِيدَة والقريبة ويجتمع هُنَاكَ خلق لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وينفقون الْأَمْوَال الجزيلة وَيقْرَأ عِنْده المولد الشريف وَفِي عصرنا ولي النّظر عَلَيْهِ سيدنَا ومولانا وَشَيخنَا ولي الله تَعَالَى قدوة الْعباد وَإِمَام الزهاد وبركة الْوُجُود والعباد شمس الدّين أَبُو العون مُحَمَّد الْغَزِّي الْقَارِي الشَّافِعِي نزيل جلجوليا شيخ السَّادة القادرية بالمملكة الاسلامية متع الله الانام بِوُجُودِهِ فعمر المشهد وَأقَام نظامه وشعاره وَفعل آثارا حَسَنَة مِنْهَا الرخام الْمركب على الضريح الْكَرِيم عمله فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ قبله يعْمل عَلَيْهِ ضريح من خشب وحفر الْبِئْر الَّذِي بِصَحْنِ الْمَسْجِد حَتَّى وصل الى المَاء الْمعِين ثمَّ عمر برجا على ظهر الايوان من جِهَة الغرب للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَوضع فِيهِ آلَات الْحَرْب لقِتَال الافرنج - خذلهم الله - وَكَانَت عِمَارَته بعد التسعين والثمانمائة وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْعِمَارَة وَالْخَيْر أثابه الله تَعَالَى ثَوابًا جزيلا وَمد فِي حَيَاته أمدا طَويلا وَتُوفِّي شَيخنَا ابو العون الْغَزِّي فِي ربيع الآخر سنة عشر وَتِسْعمِائَة بِمَدِينَة الرملة وبأرض فلسطين عدَّة من الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ والأماكن الْمَقْصُودَة للزيارة وَالْمَقْصُود هُنَا الِاخْتِصَار وَالله يهدي من يَشَاء الى صِرَاط مُسْتَقِيم (ذكر عسقلان) عَن عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ رجل الى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنِّي أُرِيد الْغَزْو فِي سَبِيل الله فَقَالَ عَلَيْك بِالشَّام فَإِن الله تَعَالَى قد تكفل بِالشَّام وَأَهله والزم من الشَّام عسقلان فَإِنَّهَا اذا دارت الرحا

ص: 72

فِي أمتِي كَانَ أَهلهَا فِي عَافِيَة وَقد ورد فِيهَا أَحَادِيث غير هَذَا ضعفها الْحَافِظ ابو مُحَمَّد وأكذب رواتها وَتقدم أَن عسقلان كَانَت من احسن المدن وأظرفها وَقد خربها الْملك صَلَاح الدّين فِي شهر شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة واستمرت الى يَوْمنَا لم تعمر وَبهَا مشْهد عَظِيم بناه بعض الفاطميين من خلفاء مصر على مَكَان زَعَمُوا أَن رَأس الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنهما بِهِ وبسعقلان أَمَاكِن تقصد للزيارة وَهِي على شاطيء الْبَحْر المالح وَقد ألف الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر جُزْءا فِي فَضلهَا (ذكر غَزَّة) عَن مُصعب بن ثَابت عَن ابْن الزبير يرفعهُ طُوبَى لمن سكن احدى القريتين عسقلان وغزة وَهِي من أحسن المدن الْمُجَاورَة لبيت الْمُقَدّس وفيهَا ولد سيدنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عليهما السلام وَهِي من الثغور فَإِن الْبَحْر قريب مِنْهَا وَبهَا كثير من الْأَشْجَار وَالنَّخْل وحولها كثير من المغارس والمزارع وفيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه وَهِي من أحسن مدن فلسطين وفيهَا خلق مِمَّن سلف من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَتقدم أَن الإِمَام الْأَعْظَم مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي رضي الله عنه ولد بهَا وَمَوْضِع مولده مَعْرُوف يقْصد للزيارة وَلَو لم يكن لغزة من الْفَخر إِلَّا مولد النَّبِي سُلَيْمَان وَالْإِمَام الشَّافِعِي بهَا لكفاها (ذكر أرِيحَا) قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن رَسُوله مُوسَى عليه الصلاة والسلام (وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم) قَالَ ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالسُّديّ هِيَ أرِيحَا وَهِي مَدِينَة الجبارين الَّتِي تقدم ذكرهَا عِنْد قصَّة سيدنَا مُوسَى عليه السلام كَمَا تقدم ذكره - وَهِي شَرْقي بَيت الْمُقَدّس بِالْقربِ من

ص: 74

نهر الاردن وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد أخرج الْيَهُود من الْمَدِينَة فَخَرجُوا الى الشَّام وَإِلَى أَذْرُعَات واريحا ثمَّ أجلى آخِرهم عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فِي إمارته من أَرض الْحجاز الى تيما واريحا وَقد صَارَت أرِيحَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة قَرْيَة من قرى بَيت الْمُقَدّس وَهِي إقطاع لمن يكون نَائِبا بالقدس الشريف وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق انها كَانَت من زمن بني اسرائيل سكن الجبارين وَفِي زمن الاسلام مُخْتَصَّة بحاكم الشرطة (ذكر نابلس) روى المشرف بِسَنَدِهِ عَن كَعْب قَالَ أحب الْبِلَاد الى الله الشَّام وَأحب اشام الى الله تَعَالَى الْقُدس وَأحب الْقُدس الى الله تَعَالَى جبل نابلس ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يتماسحونه بالحبال بَينهم ونابلس مَدِينَة بِالْأَرْضِ المقدسة مُقَابل بَيت الْمُقَدّس من جِهَة الشمَال مسافتها عَنهُ نَحْو يَوْمَيْنِ بسير الاثقال خرج مِنْهَا كثير من الْعلمَاء الْأَعْيَان وَهِي كَثِيرَة الْأَعْين وَالْأَشْجَار والفواكه ومعظم الاشجار بضواحيها الزَّيْتُون وَبهَا كثير من السامرة فَإِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَن الْقُدس جبل نابلس وَقد كذبُوا وخالفوا جَمِيع الامم فِي ذَلِك لعنهم الله وَقد قيل إِن سيدنَا يُوسُف عليه السلام قَبره بِالْقربِ من نابلس وَتقدم ذَلِك عِنْد ذكره عليه السلام وبمدينة نابلس مشْهد يُقَال إِن بِهِ أَوْلَاد يَعْقُوب عليهم السلام أَجْمَعِينَ وبضواحيها مشَاهد كَثِيرَة تنْسب الى جمَاعَة من الانبياء عليهم السلام وَمن الْأَنْبِيَاء الْمَشْهُورين حول بَيت الْمُقَدّس السَّيِّد عازر وَلَعَلَّه الْعيزَار بن هَارُون عليهما السلام قَبره بقرية العازرية بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الشرق بِالْقربِ من طور زيتا على طَرِيق الْمَار الى سيدنَا مُوسَى الكليم عليه السلام وَهُوَ ظَاهر فِي مشْهد بالقرية يقْصد للزيارة

ص: 75

وَيُقَال ان الْعيزَار بن هَارُون إِنَّمَا هُوَ بقرية عورنا من أَعمال نابلس وَقيل انه عازر الَّذِي أَحْيَاهُ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام وَالله أعلم وَأما شمويل عليه السلام فَتقدم ذكره عِنْد ذكر سيدنَا دَاوُد عليه السلام وقبره بقرية ظَاهر الْقُدس الشريف من جِهَة الشمَال على طَرِيق السالك الى رَملَة فلسطين على رَأس جبل هُنَاكَ وَهُوَ مَشْهُور وَاسم الْقرْيَة عِنْد الْيَهُود رامة وَلَو شرعنا نذْكر الانبياء مِمَّن كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس وَحَوله من بني اسرائيل وَغَيرهم لطال الْفَصْل فَإِن بَعضهم لم يعرف لَهُ مَكَان معِين وَبَعْضهمْ يخْتَلف فِيهِ وَإِنَّمَا ذكرت من اشْتهر وَصَارَ لَهُ مَوضِع يقْصد بالتواتر فَإِنَّهُ لم يثبت قبر نَبِي من الْأَنْبِيَاء سوى قبر نَبينَا وَسَيِّدنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بداخل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وابراهيم الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام بداخل السُّور السُّلَيْمَانِي وَمَا عداهما فَهُوَ بِالظَّنِّ لَا بِالْقطعِ وَقد رُوِيَ عَن كَعْب الاحبار رضي الله عنه أَنه قَالَ فِي بَيت الْمُقَدّس من قُبُور الانبياء الف قبر قَالَ صَاحب (مثير الغرام) يَعْنِي هِيَ وَمَا حولهَا فَإِن ثمَّ قبورا ومعالم يرى أَثَرهَا وَلَا تعلم وَكثير مِنْهَا قد درس وخفي لاستيلاء الافرنج على الْبِلَاد مُدَّة طَوِيلَة وَالله أعلم (ذكر نبذة من أَخْبَار مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام قد تقدم ذكر صفة الْمَسْجِد الشريف الخليلي وَمَا هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ وَأما الْمَدِينَة وَاسْمهَا جبرون وَهِي تجاه بَيت الْمُقَدّس مِمَّا يَلِي الْقبْلَة فمنظرها فِي غَايَة الْحسن والنورانية وَهِي مستديرة حول الْمَسْجِد من الْجِهَات الاربع وبناؤها مُحدث بعد بِنَاء السُّور السُّلَيْمَانِي وَهُوَ الْمَسْجِد بِزَمن طَوِيل فَإِن فِي زمن سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام كَانَت المغارة فِي صحراء وَلم يكن هُنَاكَ بِنَاء وَكَانَ الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام مُقيما بنمرى فِي مخيمه وَهِي بِالْقربِ من بلد

ص: 76

سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام من جِهَة الشمَال وَهِي أَرض بهَا عين مَاء وكروم وأستمر الْحَال على ذَلِك بعد وَفَاة الْخَلِيل وابنائه الأكرمين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام الى أَن بني سيدنَا سُلَيْمَان السُّور على الْقَبْر الشريف ثمَّ اختطت الْمَدِينَة بعد ذَلِك وَكَانَ من أمرهَا مَا حُكيَ أَن امْرَأَة من بني اسرائيل تسمى دبورا زَوْجَة العبدوق من سبط أقرام ملكت تِلْكَ الأَرْض وَادعت النُّبُوَّة واطاعها النَّاس وعمرت الرامة وَكَانَت تجْلِس بَين الرامة وايلة وتحكم فِي بني اسرائيل وَكَانَ بالرامة رجل من ذَوي الْأَمْوَال من بني اسرائيل اسْمه يُوسُف الرَّامِي أدْرك زمن عِيسَى عليه السلام وآمن بِهِ فَبنى بِالْقربِ من السُّور السُّلَيْمَانِي بُيُوتًا للسكن تبركا بِقرب الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهُوَ أول من اختط الْبناء حول السُّور ثمَّ تتَابع الْبناء قَلِيلا قَلِيلا فَصَارَت هُنَاكَ مَدِينَة وَهِي مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ من الْجِهَات الْأَرْبَع - كَمَا تقدم - فبعضها مُرْتَفع على رَأس جبل وَهِي شَرْقي الْمَسْجِد تسمى يسلون وَبَعضهَا منخفض فِي وَادي وَهِي غربي الْمَسْجِد والأماكن الَّتِي فِي الْعُلُوّ غالبها مشرف على الْأَمَاكِن المنخفظة وشوارع الْمَدِينَة بَعْضهَا سهل وَبَعضهَا وعر وبناؤها حكم بِنَاء بَيت الْمُقَدّس بالاحجار الفص النحيت وسقفها عُقُود لَيْسَ فِي بنائها لبن وَلَا فِي سقفها خشب وَقد تقدم أَن الْمَاضِي من زمن رفع سيدنَا عِيسَى عليه السلام الى السَّمَاء الى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة المحمدية ألف واربعمائة سنة وَثَمَانِية وَتسْعُونَ سنة فَيعلم من ذَلِك التَّارِيخ بِنَاء مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام تَقْرِيبًا لِأَن الْبَانِي لَهَا وَهُوَ يُوسُف الرَّامِي أدْرك زمن عِيسَى عليه السلام كَمَا تقدم وَالله أعلم وَأما السُّور السُّلَيْمَانِي فَتقدم أَنه بني عقب بِنَاء بَيت الْمُقَدّس فَيعلم تَارِيخه من تَارِيخ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس وَأما الحارات الْمَشْهُورَة فَمِنْهَا حارة الشَّيْخ عَليّ البكا وَهِي مُنْفَصِلَة عَن الْبَلَد من جِهَة الشمَال وحارة

ص: 77

الأكراد وَهِي مُرْتَفعَة على علو فِي سفح الْجَبَل وحارة الجبارية وتعرف قَدِيما بحارة الفستقة وحارة المشرفية وحارة السواكنة وحارة الحدابنة وضمنها حارة النَّصَارَى وحارة الشمابنة وحارة رَأس قيطون وَهِي مُنْفَصِلَة عَن الْبَلَد من جِهَة الغرب وحارة الدارية وَمن جُمْلَتهَا حارة القصاروة وحارة الْيَهُود وحارة الزجاجين وَهَذِه الحارات مُحِيطَة بِالْمَسْجِدِ - كَمَا تقدم - فحارتان مِنْهَا معتمدتان وهما حارة الدواية وَهِي غربي الْمَسْجِد وفيهَا اسواق الْبَلَد ومنافعها وَهِي أحسن الحارات وحارة الأكراد وَهِي شَرْقي الْمَسْجِد وَفِي الْبَلَد شوارع غير ذَلِك وَإِنَّمَا ذكرت الْمَشْهُور مِنْهَا وَأما مَا فِيهَا من الْمدَارِس والزوايا والمشاهد فأحسنها زَاوِيَة الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَهِي بحارة الأكراد وَسَنذكر تَرْجَمَة واقفها وتاريخ وَفَاته فِيمَا بعد والمدرسة القيمرية عِنْد بَاب الْمَسْجِد الشمالي بِالْقربِ من عين الطواشي وزاوية المغاربة بجوار عين الطواشي الْمَذْكُورَة والقلعة وَهِي حصن من بِنَاء الرّوم بلصق الْمَسْجِد من جِهَة الغرب وينسب وَقفهَا الى الْملك النَّاصِر حسن جعلهَا مدرسة وَقد صَارَت فِي عصرنا مسَاكِن لبَعض أهل الْبَلَد وضريح السَّيِّد يُوسُف الصّديق عليه السلام بداخلها كَمَا تقدم القَوْل فِيهِ ووفاة واقفها الْملك النَّاصِر حسن فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع جمادي الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة قَتِيلا وزاوية الشَّيْخ عَليّ البكا بالحارة الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَسَنذكر تَارِيخ بنائها ووفاة الشَّيْخ عَليّ الْمُجَرّد عِنْد ذكر تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى وزاوية القواسمهة بِالْقربِ مِنْهَا نِسْبَة للشَّيْخ أَحْمد القاسمي الجنيدي من ذُرِّيَّة ابي الْقَاسِم الْجُنَيْد وَهُوَ مدفون بهَا

ص: 78

وَمَسْجِد بِخَط سوق الحصرية والزياتين وَيعرف بِمَسْجِد ابْن عُثْمَان وَعَلِيهِ مَنَارَة وَهُوَ مأنوس ومشهد بِالْقربِ من بَاب الْمَسْجِد بِخَط سوق الْغَزل عِنْد عين الطواشي بِهِ ضريح الشَّيْخ يُوسُف النجار صَالح مَشْهُور والمدرسة الفخرية بِالْقربِ من حارة الشعابنة وَقد صَارَت مُهْملَة وَالَّذِي يظْهر أَن نسبتها لصَاحب الفخرية بالقدس الشريف وَالله أعلم والرباط المنصوري تجاه بَاب القلعة وقف الْملك الْمَنْصُور قلاوون عمره فِي سنة تسع وسبيعين وسِتمِائَة والبيمارستان المنصوري وقف الْملك الْمَنْصُور قلاوون ايضا عمره فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وفيهَا عدَّة من الزوايا فَمَتَى ذَلِك زَاوِيَة الشَّيْخ ابراهيم المري وَهِي بَين حارتي الأكراد والدارية وَمَا هُوَ بحارة الأكراد زَاوِيَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الأرزرومي وزاوية البسطامية بجوار الْمَسْجِد الجاولي من جِهَة الشمَال وزاوية السمانية بجوار زَاوِيَة الشَّيْخ عمر الْمُجَرّد وَمَسْجِد الشَّيْخ بهاء الدّين الوفائي وزاوية أبي عقامة ورباط الطواشي وزاوية شيخون ورباط مكي وَهُوَ بحارة رَأس قيطون وَهِي الْمُنْفَصِلَة عَن الْبَلَد من جِهَة الغرب - كَمَا تقدم - وزاوية الشَّيْخ رضوَان وزاوية الشَّيْخ خضر وزاوية الصلاطقة بجوار الْبركَة وَهِي دَاخل زَاوِيَة الأدهمية وزاوية الرَّامِي وزاوية الشَّيْخ عَليّ كنعوش الأدهمي وَمَسْجِد مَسْعُود وزاوية الشَّيْخ مُحَمَّد الْبَيْضَة وزاوية الْموقع وزاوية الشَّيْخ ابراهيم الْحَنَفِيّ وَغير ذَلِك وَمَسْجِد رعونة بحارة الزجاجين وزاوية أبي كَمَال ظَاهر الْمَدِينَة ورباط الحماعيلي بحارة النَّصَارَى زَاوِيَة الْخضر بِالْقربِ من متوضأ الْمَسْجِد زَاوِيَة الاعنص بحارة الحدابنة زَاوِيَة القادرية بِظَاهِر الْبَلَد وقبة الزَّاهِد بَين حارة الشَّيْخ عَليّ

ص: 79

البكا وَالْمَدينَة وَقد تفحصت عَن معرفَة اسماء الواقفين لذَلِك وَمَعْرِفَة تواريخ أوقافهم لأذكرها كَمَا وَقع لي فِي مدارس بَيت الْمُقَدّس فَلم اظفر بذلك لعدم وجود كتب وَقفهَا وَلعدم شَيْء يدل على الِاطِّلَاع على ذَلِك فَإِن غَالب مَا ذكرته قد صَار مهملا لَا نظام لَهُ وَإِنَّمَا ذكرته لاحاطة الْعلم بِهِ وَالله الْمُوفق (مشْهد الْأَرْبَعين) وبظاهر الْبَلَد من جِهَة الغرب على رَأس جبل هُنَاكَ مَسْجِد يُسمى مشْهد الْأَرْبَعين يُقَال ان بِهِ اربعين شَهِيدا وَلم أطلع على نقل لذَلِك وَالنَّاس يقصدوه للزيارة وَهُوَ مَوضِع مأنوس وَفِي الْمَدِينَة من أعين المَاء عين الطواشي على بَاب الْمَسْجِد الشمالي بِالْقربِ من السُّور ومنعها من قَرْيَة مجدل فصيل بِقرب مَدِينَة سيدنَا ابراهيم الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام والقرية وقف على مصَالح قناة الْعين والحوض الَّذِي عَليّ بَاب الْمَسْجِد ووقفها مَنْسُوب الى الْأَمِير بكتمر الجوكندار وَله ذُرِّيَّة بِالْقَاهِرَةِ لَهُم التَّكَلُّم عَلَيْهَا وَهِي أحسن الْأَعْين واطيبها مَاء وَعين الخد أم وَهِي عِنْد الْبَاب الَّذِي تدق عِنْده الطبلخانة منبعها من مَكَان يُقَال لَهُ خلة الْعُيُون بِالْقربِ من زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا وَعين سارة بِظَاهِر الْبَلَد بَين الكروم ومنبعها قريب من حَوْضهَا وَعين السميقة ومنبعها من وَادي سارة وَعين الْحمام ومنبعها من وَادي التفاح وماؤها يجْتَمع مَعَ مَاء السميقة لحاصل الْحمام بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَعين حبرى ظَهرت قَرِيبا من نَحْو عشْرين سنة عِنْد الْمقْبرَة السُّفْلى ومنبعها من تَحت الْجَبَل الَّذِي على رَأس مشْهد الْأَرْبَعين وبالقرب من زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا بِئْر معِين وَإِلَى جَانِبه حَوْض سَبِيل أنشأ

ص: 80

الْأَمِير سيف الدّين ابْن سلار نَائِب السلطنة بالديار المصرية والممالك الشامية بِمُبَاشَرَة الْأَمِير كبكلدي النجمي فِي دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة حِين بِنَاء المنارة على زَاوِيَة الشَّيْخ عَليّ البكا وبظاهر الْبَلَد من الْمَقَابِر الْمعدة لدفن اموات الْمُسلمين الْمقْبرَة السُّفْلى وَهِي الْقَدِيمَة وَهِي غربي الْبَلَد مِمَّا يَلِي حارة الدارية بِالْقربِ من مشْهد الْأَرْبَعين ومقبرة تسمى تربة الرَّأْس وَهِي من جِهَة الشرق مِمَّا يَلِي حارة الاكراد ومقبرة ثَالِثَة بحارة سَيِّدي الشَّيْخ عَليّ البكا تعرف بِالبَقِيعِ وَأما الكروم بِظَاهِر الْمَدِينَة فَهِيَ مُحِيطَة بهَا من كل جَانب وفيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه أعظمها الْعِنَب وَهِي على صفة كروم بَيت الْمُقَدّس فِي غالبها قُصُور مَبْنِيَّة بِالْبِنَاءِ الْمُحكم وَأَهْلهَا فِي كل سنة يُقِيمُونَ بهَا فِي زمن الصَّيف مُدَّة اشهر وبظاهر الْبَلَد أَمَاكِن وَجها ت لَا فَائِدَة لذكرها وَقد اقتصرت على مَا ذكرته طلبا للاختصار وَالله الْمُوفق (إقطاع تَمِيم الدَّارِيّ الَّذِي أقطعه لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهِي الأَرْض الَّتِي بهَا بلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَمَا حولهَا من الأَرْض وَكتب لَهُ فِي ذَلِك فِي قِطْعَة أَدِيم من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه بِخَطِّهِ وَقد حكى المؤرخون لفظ الاقطاع على وُجُوه مُخْتَلفَة وَقد رَأَيْت عِنْد التَّكَلُّم على الاقطاع الْمشَار اليه الْقطعَة الاديم الَّتِي يُقَال أَنَّهَا من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَقد صَارَت رثَّة وفيهَا بعض أثر الْكِتَابَة ورايت مَعهَا ورقة مَكْتُوبَة فِي الصندوق الَّذِي فِيهِ الْقطعَة الاديم مَنْسُوب خطّ هَذِه الورقة الى أَمِير المؤنين المستنجد بِاللَّه العباسي تغمده الله برحمته كتب فِيهَا نُسْخَة الاقطاع وَصُورَة مَا كتبه المستنجد بِخَطِّهِ

ص: 81

الْحَمد لله هَذِه نُسْخَة كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي كتبه لتميم الدَّارِيّ واخوته فِي سنة تسع من الْهِجْرَة بعد مُنْصَرفه من غَزْوَة تَبُوك فِي قِطْعَة أَدِيم من خف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وبخطه نسخته كَهَيْئَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَن جَمِيع الصَّحَابَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا انطاه مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الدَّارِيّ وأخوته حبرون والمرطوم وَبَيت عينون وَبَيت ابراهيم وَمَا فِيهِنَّ نطية بت بَينهم ونفذت وسلمت ذَلِك لَهُم ولأعقابهم فَمن آذاهم آذاه الله فَمن آذاهم لَعنه الله شهد عَتيق ابْن أبي قُحَافَة وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَكتب عَليّ بن ابي طَالب وَشهد وَقد نسخت ذَلِك من خطّ المستنجد بِاللَّه كَهَيْئَته وَلَعَلَّ هَذَا اصح مَا قبل فِيهِ وَالله اعْلَم وَاسْتمرّ هَذَا الاقطاع بيد ذُرِّيَّة تَمِيم الدَّارِيّ يأكولونه الى يَوْمنَا وهم مقيمون بِبَلَد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وهم طَائِفَة كَثِيرَة يُقَال لَهُم الدارية وَهَذَا ببركات النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَتقدم عِنْد ذكر الصَّحَابَة أَن تَمِيم الدَّارِيّ كَانَ أَمِيرا على بَيت الْمُقَدّس وَقد تعرض بعض الْوُلَاة لآل تَمِيم واراد انتزاع الأَرْض مِنْهُم وَرفع أَمرهم الى القَاضِي أبي حَاتِم الْهَرَوِيّ الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُدس الشريف فاحتج الداريون بِالْكتاب فَقَالَ القَاضِي هَذَا الْكتاب لَيْسَ بِلَازِم لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقطع تميما مَا لم يملك فاستفتى الْوَالِي الْفُقَهَاء وَكَانَ الامام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ رضي الله عنه حِينَئِذٍ بِبَيْت الْمُقَدّس قبل اسْتِيلَاء الافرنج عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا القَاضِي كَافِر فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ زويت لي الأَرْض كلهَا وَكَانَ يقطع فِي الْجنَّة فَيَقُول قصر كَذَا لفُلَان فوعده صدق وعطاؤه حق فخري القَاضِي والوالي وَبَقِي آل تَمِيم على مَا بِأَيْدِيهِم وَكَانَت هَذِه الْحَادِثَة حِين كَانَ اللقاضي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ بِالشَّام وَتقدم فِي تَرْجَمته أَنه دخل الى الشرق فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ واربعمائة وَقدم الى الشَّام وَبَيت الْمُقَدّس

ص: 82

وَأما حُدُود الأَرْض المقدسة فَمن الْقبْلَة أَرض الْحجاز الشريف يفصل بَينهمَا جبال الشورى وَهِي جبال منيعة بَينهَا وَبَين ايلة نَحْو مرحلة وسطح أَيْلَة هُوَ حد الْحجاز وَهِي من تيه بني اسرائيل وَبَينهَا وَبَين بَيت الْمُقَدّس نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام بسير الاثقال وَمن الشرق من بعد دومة الجندل بَريَّة السماوة وَهِي كَبِيرَة ممتدة الى الْعرَاق ينزلها عرب الشَّام ومسافتها عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو مَسَافَة ايلة وَمن الشمَال مِمَّا يَلِي الشرق نهر الْفُرَات على قَول الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد الذَّهَبِيّ مؤرخ الشَّام رحمه الله ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو عشْرين يَوْمًا بسير الاثقال فَتدخل فِي هَذَا الْحَد المملكة الشامية بكمالها وَمن الغرب بَحر الرّوم وَهُوَ الْبَحْر المالح ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس من جِهَة رَملَة فلسطين نَحْو يَوْمَيْنِ وَمن الْجنُوب رمل مصر والعريش ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو خَمْسَة أَيَّام بسير الاثقال ثمَّ يَلِيهِ تيه بني اسرائيل وطور سيناء ويمتد من تِلْكَ الْجِهَة الَّتِي تَبُوك ثمَّ دومة الجندل الْمُتَّصِلَة بِالْحَدِّ الشَّرْقِي وَأما الْحُدُود المنسوبة لبيت الْمُقَدّس عرفا مِمَّا يَلِي الْقبْلَة يُطلق عَلَيْهَا عمل الْقُدس الشريف ويسوغ لقضاة الْقُدس الحكم فِيهِ فَمن الْقبْلَة عمل بلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام يفصل بَينهمَا قَرْيَة سعير وَمَا حاذاها وَهِي من عمل الْقُدس وَمن الشرق نهر الْأُرْدُن وَهُوَ الْمُسَمّى بالشريعة وَمن الشمَال عمل مَدِينَة نابلس يفصل بَينهمَا قَرْيَة سنجل وعرزن وهما من أَعمال الْقُدس وتتمة الْحَد رَأس وَادي بني زيد وَهُوَ من اعمال الرملة وَمن الغرب مِمَّا يَلِي رَملَة فلسطين قَرْيَة بَيت نوبَة وَهِي من أَعمال الْقُدس وَمِمَّا يَلِي مَدِينَة غَزَّة قَرْيَة عجور وَهِي من أَعمال غَزَّة وَأما الْحُدُود المنسوبة عرفا لبلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام فَمن الْقبْلَة منزلَة الْملح على درب الْحجاز الشريف وقباب الساوية وَهِي قَرْيَة

ص: 83

منسوبة لبني ساوة وأمراء عرب جرن وَمن الشرق قَرْيَة عين جدي من عمل بلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وبحرة لوط وَهَذَا الْحَد هُوَ الْفَاصِل بَين عمل بلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَعمل مَدِينَة الكرك وَمن الشمَال عمل الْقُدس الشريف يفصل بَينهمَا قَرْيَة سعير وَمَا حاذاها - كَمَا تقدم - وَمن الغرب من الْجِهَة المحاذية لرملة فلسطين قَرْيَة زَكَرِيَّا وَهِي من أَعمال الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَمن جملَة الْوَقْف الشريف المبرور وَمن الْجِهَة المحاذية لمدينة غَزَّة قَرْيَة سيمح الْمُجَاورَة لقرية السكرية وبلاد بني عبد وَهِي من أَعمال الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَأما الْمسَافَة من بَيت الْمُقَدّس الى بلد الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام فَهِيَ تقرب من بريد فَقيل انها ثَلَاثَة عشر ميلًا وَقيل ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَالله أعلم وَقد تقدم فِي أول الْكتاب عِنْد الْكَلَام على تَسْمِيَة الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَنه سمي بذلك لِأَنَّهُ وسط الدُّنْيَا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَتقدم عِنْد ذكر الْفَضَائِل أَن قَوْله تَعَالَى (واستمع يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي من مَكَان قريب) الْمُنَادِي هُوَ اسرافيل عليه السلام يُنَادي من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس بالحشر وَهِي وسط الدُّنْيَا وَرُوِيَ عَن عَليّ بن ابي طَالب رضي الله عنه أَنه قَالَ أَوسط الارضين بَيت الْمُقَدّس وارفع الْأَرْضين كلهَا الى السَّمَاء بَيت الْمُقَدّس وَعَن ابْن عَبَّاس ومعاذ بن جبل أقرب السَّمَاء الى الأَرْض بَيت الْمُقَدّس بِاثْنَيْ عشر ميلًا وَعَن قَتَادَة عَن كَعْب بَيت الْمُقَدّس أقرب الأَرْض الى السَّمَاء بِثمَانِيَة عشر ميلًا وَالْقَوْل بِأَن بَيت الْمُقَدّس وسط الأَرْض ظَاهر فَإِن بَيت الْمُقَدّس اذ اعْتبر امْرَهْ وجد فِي وسط الأَرْض وَسَائِر الممالك مُحِيطَة بِهِ من كل جِهَة فَإِنَّهُ يُقَابله من جِهَة الْقبْلَة اقليم الْحجاز الشريف وبلاد الْيمن ومملكة الْهِنْد وَمَا والاها وَمن جِهَة الشرق بَغْدَاد وَالْعراق ومملكة الْعَجم وَمَا والاها وَمن جِهَة الشمَال الْبِلَاد الشامية ومملة الرّوم وَمَا والاها وَمن جِهَة الغرب الديار المصرية ومملكة الغرب

ص: 84

وَمَا والاها فَظهر من هَذَا ان بَيت الْمُقَدّس فِي وسط الدُّنْيَا وَالله أعلم (ذكر جمَاعَة من أَعْيَان مُلُوك الاسلام مِمَّن ولي على بَيت الْمُقَدّس)(وبلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَفعل فيهمَا الْخَيْر)(وأنواع الْبر والعمارة) وَقد تقدم ذكر جمَاعَة مِمَّن ولي على بَيت الْمُقَدّس من الْخُلَفَاء أعظمهم وأجلهم أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه الَّذِي فَتحه وانفذه من أَيدي الْكفَّار وَذكر بعض من كَانَ بعده من بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس وَجَمِيع الفاطميين وَتقدم ذكر جمَاعَة من السلاطين بِمصْر أمثلهم واعلاهم الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن ايوب تغمده الله برحمته وَهُوَ أول الْمُلُوك بالديار المصرية بعد انْقِرَاض دولة الفاطميين وَمن بعده من مُلُوك بني ايوب بِمصْر وَغَيرهَا وَذكر مَا فعل كل مِنْهُم من الْخَيْر والعمارة وَفعل الْمَعْرُوف الى زمن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الَّذِي فتح الْقُدس الْفَتْح الْأَخير ثمَّ بعد الْملك الصَّالح ولي جمَاعَة على الديار المصرية فلنذكرهم بأجمعهم من غير إخلال بِأحد مِنْهُم وكل من لَهُ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِد الْخَلِيل فعل خير وآثار حَسَنَة ذكرت تَارِيخ ولَايَته والخليفة الَّذِي كَانَ فِي زَمَنه وتاريخ وَفَاته وَمَا فعل فِي أَيَّامه من الْخَيْر فيهمَا أَو فِي الأَرْض المقدسة مِمَّا حولهَا وَمن لم أطلع لَهُ على شَيْء من أَفعَال القربات ذكرت اسْمه فَقَط لكَونه ولي أَمر بَيت الْمُقَدّس ودعى لَهُ على منبره من غير تعرض الى ذكر تَارِيخه فَإِنَّهُ تَطْوِيل بِلَا فَائِدَة فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والمستعان - وَمِمَّنْ ولي الْملك بالديار المصرية بعد الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَلَده الْملك الْمُعظم توران شاه وَتقدم ذكره ثمَّ ولي بعده الْملك الْمعز ايبك التركماني أول مُلُوك التّرْك بِمصْر فِي سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة فَأَقَامَ خَمْسَة ايام ثمَّ خلع

ص: 85

وَولي بعده الْملك الْأَشْرَف مُوسَى وَهُوَ آخر مُلُوك بني أَيُّوب بِمصْر ثمَّ خلع فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة وأعيد الْملك الْمعز ايبك ثمَّ توفّي قَتِيلا وَولي بعده وَلَده الْمَنْصُور نور الدّين عَليّ ثمَّ خلع وَولي بعده الْملك المظفر قطز ثمَّ قتل وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس وَهُوَ ركن الدّين أَبُو الْفَتْح بيبرس الصَّالِحِي النجمي " البندقداري كَانَ مَمْلُوكا لَا يدكين البندقداري الصَّالِحِي ثمَّ أَخذه الْملك الصَّالح من البندقداري فانتسب اليه دون استاذه اسْتَقر فِي السلطنة فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ من الْمُلُوك المعتبرين وتلقب اولا بِالْملكِ القاهر فَقيل لَهُ أَنه لقب غير مبارك مَا تلقب بِهِ أحد فطالت مدَّته فَغَيره وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر وَهُوَ الَّذِي اقر الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس بالديار المصرية فِي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة واولهم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بعد انْقِرَاض دولتهم من بَغْدَاد وخرابها فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَفِي سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة أرسل عسكرا هدموا كَنِيسَة الناصرة وَهِي من أكبر مَوَاطِن عبادات النَّصَارَى لِأَن مِنْهَا خرج دين النَّصْرَانِيَّة وأغاروا على عكا ثمَّ ركب بِنَفسِهِ وأغار عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهدم برجا خَارج الْبَلَد وَفتح قيسارية بِنَفسِهِ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي تَاسِع جمادي الأولى وَفتح ارسوف فِي جمادي الْآخِرَة مِنْهَا وَفِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة خرج بعسكره من الديار المصرية وَفتح صفد وَغَيرهَا وَكَانَ فتح صفد فِي تَاسِع عشر شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة بالآمان بعد حصرها ثمَّ قتل اهلها عَن آخِرهم وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة توجه بعساكره الى الشَّام وَفتح يافا فِي شهر رَجَب وَأَخذهَا من الافرنج وَفتح انطاكية بِالسَّيْفِ فِي يَوْم السبت رَابِع رَمَضَان مِنْهَا وَقتل أَهلهَا

ص: 86

وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة حج الى بَيت الله الْحَرَام وزار الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة حضر الى الْقُدس الشريف وَعمر مقَام سيدنَا مُوسَى الكليم عليه الصلاة والسلام كَمَا تقدم عِنْد ذكر قصَّته فانه توجه لزيارته وَمر فِي طَرِيقه على دير السيق ومسافته عَن بَيت الْمُقَدّس نَحْو نصف بريد وَهُوَ لِلنَّصَارَى فَوجدَ حول الدَّيْر قلالي للرهبان عامرة مسكونة واحضروا لَهُ ضِيَافَة فاستكثرها فَقيل لَهُ ان هَا هُنَا جمَاعَة من الرهبان فِي القلالي الْمَذْكُورَة نَحْو ثلثمِائة رَاهِب فَأمر بهدم القلالي خوفًا على بَيت الْمُقَدّس من الْعَدو المخذول وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فتح حصن الأكراد وحصن عكا والقرى وَغير ذَلِك وَله بالقدس حَسَنَات مِنْهَا أَنه اعتنى بعمارة الْمَسْجِد وجدد فصوص الصَّخْرَة الشَّرِيفَة الَّتِي على الرخام من الظَّاهِر وَعمر الخان الْكَائِن بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب الى الشمَال الْمَعْرُوف بخان الظَّاهِر وَكَانَ بِنَاؤُه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَنقل اليه بَاب قصر الْخُلَفَاء الفاطميين ووقف عَلَيْهِ نصف قَرْيَة لفتا وَغَيرهَا من الْقرى بأعمال دمشق وَجعل بالخان فرنا وطاحونا وَجعل لِلْمَسْجِدِ الَّذِي فِيهِ إِمَامًا وَشرط فِيهِ اشياء من فعل الْخَيْر من تفرقه الْخبز على بَابه وَإِصْلَاح حَال النازلين بِهِ وأكلهم وَغير ذَلِك وَقد أَخذ الْوَقْف الَّذِي بِالشَّام وَانْقطع مَا كَانَ شَرط فِيهِ من الْخبز وَغَيره لفساد الزَّمَان وتلاشي الاحوال وَهُوَ الَّذِي جدد الْقُضَاة الثَّلَاث بالمملكة بعد أَن لم يكن بهَا سوى القَاضِي الشَّافِعِي فَقَط وَكَانَ يسْتَخْلف من بَقِيَّة الْمذَاهب وَكَانَت ولَايَته الْقُضَاة الثَّلَاثَة بِمصْر فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَفِي الشَّام فِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ ملكا جَلِيلًا شجاعا أبطل الْمَظَالِم واسقط تشفع الْأَمْلَاك وَكَانَ جملَة مَا يحمل مِنْهَا الى الدِّيوَان الف الف دِينَار واهتم بعمارة الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ

ص: 87

حِين احْتَرَقَ وَوضع الدرابزين حول الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَعمل فِيهَا منبرا وسقفه بِالذَّهَب واهتم بكسوة الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَفتح الفتوحات وجدد قبر سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَزَاد فِي رواتبه مَا يصرف على المقيمين وَبنى على الْمَكَان الْمَنْسُوب لسيدنا مُوسَى الكليم صلى الله عليه وسلم قبَّة - كَمَا تقدم - وجدد بالقدس الشريف اشياء حَسَنَة من ذَلِك قبَّة السلسلة ورمم شعث الصَّخْرَة وَغَيرهَا وَبنى على قبر أبي عُبَيْدَة بن الْجراح مشهدا ووقف عَلَيْهِ شَيْئا للواردين وَتُوفِّي رحمه الله بِدِمَشْق يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة وَدفن بهَا وَكَانَت مُدَّة ملكه نَحْو سَبْعَة عشر سنة وشهرين وَعشرَة ايام رَحمَه الله تَعَالَى وَعَفا عَنهُ وَولي الْملك بعده وَلَده الْملك السعيد مُحَمَّد بركَة ثمَّ خلع وَولي أَخُوهُ الْملك الْعَادِل سلامش ثمَّ خلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي هُوَ سيف الدّين قلاوون الالفي وجنسه قبجاقي وَهُوَ أول مَمْلُوك بيع بِأَلف دِينَار وَاسْتقر فِي السلطنة فِي يَوْم الْأَحَد الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَأقَام منار الْعدْل وَفتح الفتوحات فَفتح حصن المرقب وَهُوَ حصن الاستبار وَهُوَ فِي غَايَة الْعُلُوّ والحصانة فحصره ثمَّ فَتحه بالأمان فِي ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَفتح صهيون فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَفتح طرابلس بعد ان نازلها بعسكره يَوْم الْجُمُعَة مستهل ربيع الأول سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة ويحيط الْبَحْر بغالبها وَلَيْسَ عَلَيْهَا قتال فِي الْبر إِلَّا من جِهَة الشرق وَهُوَ مِقْدَار قَلِيل فحصرها حَتَّى فتحهَا يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الآخر بالسف فَدَخلَهَا الْعَسْكَر عنْوَة وَقتل غَالب رجالها وسبى ذَرَارِيهمْ وَكَانَ الأفرنج قد استولوا عَلَيْهَا فِي سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة فَبَقيت فِي ايديهم وَكَانَ الأفرنج قد استولوا عَلَيْهَا فِي سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة فَبَقيت فِي أَيّدهُم

ص: 88

الى هَذَا التَّارِيخ فَتكون مُدَّة لبثها بيد الافرنج نَحْو مائَة وَخمْس وَثَمَانِينَ سنة وشهروا وَلم يَجْسُر أحد من الْمُلُوك مثل صَلَاح الدّين وَغَيره على التَّعَرُّض لَهَا وَإِلَى المرقب فيسر الله تَعَالَى على يَده وَمن حَسَنَاته بالقدس الشريف أَنه عمر سقف الْمَسْجِد الْأَقْصَى من جِهَة الْقبْلَة مِمَّا يَلِي الغرب عِنْد جَامع الانبياء وَله الرِّبَاط المنصوري الْمَشْهُور بِبَاب النَّاظر وَهُوَ رِبَاط فِي غَايَة الْحسن وَالْبناء الْمُحكم ورخم دَاخل الْحُجْرَة الخليلية فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَعمر بِمَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام الرِّبَاط والبيمارستان وَله غير ذَلِك توفّي رحمه الله فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَمُدَّة ملكه نَحْو احدى عشرَة سنة وَثَلَاثَة اشهر وأياما وَكَانَ ملكا مهيبا حَلِيمًا قَلِيل سفك الدِّمَاء شجاعا عَفا الله عَنهُ ثمَّ تسلطن بعده وَلَده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَفتح عكا بِالسَّيْفِ وَقتل أَهلهَا وأخربها ودكها دكا وَفتح عدَّة حصون ومدن واخلى الافرنج من صيدا وبيروت وتسلمها السُّلْطَان الْأَشْرَف وَكَذَلِكَ هرب أهل مَدِينَة صور فَأرْسل السُّلْطَان وتسلمها وتسلم عثليث وانطرسوس وَذَلِكَ جَمِيعه فِي سنة تسعين وسِتمِائَة وَاتفقَ لهَذَا السُّلْطَان من السَّعَادَة مَا لم يتَّفق لغيره فتح هَذِه الْبِلَاد الْعَظِيمَة الحصينة من غير قتال وَلَا تَعب وَأمر بهَا فخربت عَن آخرهَا وتكملت بِهَذِهِ الفتوحات جَمِيع الْبِلَاد الساحلية الاسلامية وَكَانَ الْأَمر لَا يطْمع فِيهِ وَلَا يرام وتطهرت الشَّام والسواحل من الافرنج بعد أَن كَانُوا اشرفوا على الديار المصرية وعَلى ملك دمشق وَغَيرهَا من الشَّام وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَكَانَ انْقِطَاع الافرنج وَزَوَال دولتهم من بِلَاد الاسلام والسواحل زوالا لَا رُجُوع بعده فِي هَذِه السّنة وَهِي سنة تسعين وسِتمِائَة على يَد الْملك الْأَشْرَف

ص: 89

خَلِيل بن قلاوون تغمده الله برحمته وَكَانَ ابْتِدَاء تغلبهم على مملكة الشَّام وتسلطهم على بِلَاد الاسلام من سنة تسعين واربعمائة - كَمَا تقدم - وَاسْتمرّ الى هَذَا التَّارِيخ فَكَانَت مدتهم جُمْلَتهَا مِائَتَا سنة كَامِلَة لعنة الله عَلَيْهِم ثمَّ فتح قلعة الرّوم فِي سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقتل الْملك الأِشرف صَلَاح الدّين خَلِيل بن قلاوون رَحمَه الله تَعَالَى فِي ثامن عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة بِظَاهِر الْقَاهِرَة قَتله جمَاعَة من مماليك وَالِده والأمراء ثمَّ حمل الى الْقَاهِرَة وَدفن بهَا فِي تربته وانتقم الله من قَاتله عَاجلا وآجلا فأمسكوا وَقتل بَعضهم عَاجلا واحرقت جثته وَبَعْضهمْ حبس ثمَّ قطعت أَيْديهم وارجلهم وصلبوا على الْجمال وطيف بهم وايديهم معلقَة فِي أَعْنَاقهم جَزَاء بِمَا كسبوا وشنق بَعضهم فسبحان المنتقم بعدله وتسلطن بعده الْملك القاهر بيدرا يَوْمًا وَاحِدًا وَقتل وَولي بعده الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون سلطنته الأولى ثمَّ خلع ثمَّ ولي بعده السُّلْطَان الْملك الْعَادِل كتبغاهو زين الدّين كتبغا المنصوري وَاسْتقر فِي السلطنة فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع الْمحرم سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله ابا الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَفِي أَيَّامه جدد عمل فصوص الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وجدد عمَارَة السُّور الشَّرْقِي المطل على مَقْبرَة بَاب الرَّحْمَة فِي شهور سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وخلع من السلطنة فِي الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهُوَ بِأَرْض الشَّام عِنْد نهر العوجا وَكَانَت مدَّته نَحْو سنتَيْن واعطاه حسام الدّين لاجين الَّذِي تسلطن بعده صرخد فَسَار اليها وَاسْتقر فِيهَا ثمَّ فِي سلطنة النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون اسْتَقر فِي نِيَابَة حماه فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي بهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَلما خلع الْعَادِل كتبغا ولي بعده السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور لاجين هُوَ

ص: 90

حسام الدّين لاجين المنصوري اسْتَقر فِي السلطنة بعد خلع الْعَادِل كتبغا وَهُوَ بدهليزه على نهر العوجا ثمَّ سَار الى الديار المصرية وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله - الْمُتَقَدّم ذكره - وَفِي ايامه جددت عمَارَة محراب دَاوُد الَّذِي بالسور القبلي عِنْد مهد عِيسَى عليه الصلاة والسلام بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف وَفتح عدَّة بِلَاد مِنْهَا سيس وَغَيرهَا من بِلَاد الأرمن وَقتل فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حاي عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وثب عَلَيْهِ جمَاعَة من المماليك الصّبيان فَقَتَلُوهُ وَهُوَ يلْعَب بالشطرنج وَكَانَت مُدَّة ملكه سنتَيْن وَثَلَاثَة اشهر ثمَّ ولي بعده الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون سلطنته الثَّانِيَة ثمَّ خلع وَولي بعده الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير ثمَّ خلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ نَاصِر الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الْملك الْمَنْصُور قلاوون مولده فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة اسْتَقر فِي السلطنة ثَلَاث مَرَّات الأولى فِي الْعشْر الاوسط من الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وعمره نَحْو تسع سِنِين وَكَانَ الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فَأَقَامَ سنة وخلع وتسلطن بعده الْعَادِل كتبغا ثمَّ الْمَنْصُور لاجين - الْمُتَقَدّم ذكرهمَا - 0 ثمَّ تسلطن ثَانِيًا فِي يَوْم السبت رَابِع عشر جمادي الأولى سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة والخليفة الْحَاكِم بِأَمْر الله - الْمُتَقَدّم ذكره - واقام عشر سِنِين واربعة أشهر وَعشرَة أَيَّام ثمَّ نزل عَن السلطنة بِاخْتِيَارِهِ وَتوجه الى الكرك وتسلطن بعده الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير - الْمُتَقَدّم ذكره - واقام أحد عشر شهرا وخلع واعيد بعده الى السلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهِي سلطنته الثَّالِثَة الَّتِي ثَبت قدمه فِيهَا وَصفا لَهُ الْوَقْت وَجلسَ على سَرِير الْملك بعد الْعَصْر من نَهَار الاربعاء مستهل شَوَّال سنة تسع وَسَبْعمائة وَكَانَ الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الرّبيع

ص: 91

سُلَيْمَان وَكَانَ الْملك النَّاصِر من الْمُلُوك المعتبرين أَصْحَاب التواريخ حج الى بَيت الله الْحَرَام ثَلَاث مَرَّات الاولى فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة وَالثَّانيَِة فِي سنة تِسْعَة عشر وَالثَّالِثَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَوَقع لَهُ وقعات كَثِيرَة مَعَ التتر وَغَيرهم وَله غارات على بِلَاد سيس وَفتح جَزِيرَة أرواد وَهِي فِي بَحر الرّوم قبالة انطرسوس وَفتح ملطية وَغير ذَلِك وَله بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى خيرات كَثِيرَة مِنْهَا أَنه عمر فِي أَيَّامه السُّور القبلي الَّذِي عِنْد محراب دَاوُد عليه الصلاة والسلام ورخم صدر الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام بِإِشَارَة تنكز نَائِب الشَّام وَفتح بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشباكين اللَّذين عَن يَمِين الْمِحْرَاب وشماله وَكَانَ فتحهما فِي سنة أحدى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وجدد تذهيب القبتين قبَّة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وقبة الصَّخْرَة وَمن الْعجب أَن تذهيب قبَّة الصَّخْرَة كَانَ قبل الْعشْرين والسبعمائة وَقد مضى عَلَيْهِ ألى عصرنا هَذَا أَكثر من مائَة وَثَمَانِينَ سنة وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن والنورانية من رَآهُ يظنّ ان الصَّانِع قد فرغ مِنْهُ الْآن وَعمر القناطر على الدرجتين الشماليتين بِصَحْنِ الصَّخْرَة الَّتِي أحداهما مُقَابل بَاب حطة والاخرى مُقَابل بَاب الدويدارية وَعمر بَاب القطانين بِالْبِنَاءِ الْمُحكم - وَتقدم ذكر ذَلِك - وكل مَكَان من هَذِه الْأَمَاكِن مَكْتُوب عَلَيْهِ تَارِيخ عِمَارَته وَعمر قناة السَّبِيل الَّتِي عِنْد بركَة السُّلْطَان بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب وَله غير ذَلِك من العمارات والقربات بالقدس الشريف وَغَيره من الْبِلَاد من عماره الْحُصُون والقلاع فَإِن سطنته الثَّالِثَة أَقَامَ فِيهَا اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة وشهرين وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَكَانَت مُدَّة ملكه فِي ولاياته الثَّلَاثَة ثَلَاثًا ورابعين سنة وَسَبْعَة اشهر وتخلل بَين ولاياته ولَايَة الْعَادِل كتبغا والمنصور لاجين والمظفر بيبرس نَحْو خمس سِنِين وشهرين فَكَانَت الْمدَّة من حِين ابْتِدَاء سلطنته الى حِين وَفَاته تسعا واربعين سنة

ص: 92

وَتُوفِّي فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة بالقلعة وَصلى عَلَيْهِ عز الدّين ابْن جمَاعَة إِمَامًا وَانْزِلْ لَيْلَة الْخَمِيس الى الْمدرسَة المنصورية بِخَط بَين القصرين وَدفن بهَا مَعَ ابيه قلاوون رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا وَكَانَ ملكا مُعْتَبرا اخباره مَشْهُورَة عَفا الله عَنهُ وَلما توفّي تسلطن بعده ثَمَانِيَة من أَوْلَاده لصلبه فأولهم الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر وخلع ثمَّ الْأَشْرَف كجك وخلع ثمَّ النَّاصِر أَحْمد وخلع ثمَّ الصَّالح اسماعيل وَتُوفِّي ثمَّ الْكَامِل شعْبَان وخلع ثمَّ المظفر حاجي وَقتل ثمَّ الْملك النَّاصِر حسن وخلع ثمَّ الْملك الصَّالح صَالح وخلع وأعيد النَّاصِر حسن وَتُوفِّي قَتِيلا وَتقدم ذكر تَارِيخ وَفَاته فِي أَخْبَار مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَولي بعده ابْن أَخِيه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْملك المظفر حاجي وخلع ثمَّ ولي بعده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان ابْن الْأَمِير حسن بن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون مولده فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَسَبْعمائة وَاسْتقر فِي السلطنة فِي نصف شعْبَان سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله من الْعُمر عشر سِنِين وَكَانَ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَفِي أَيَّامه عمرت المنارة الَّتِي عِنْد بَاب الأسباط وَتقدم أَن عمارتها بِمُبَاشَرَة السيفي قطلوبغا نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وعمارتها فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وجددت الابواب الْخشب المركبة على أَبْوَاب الْجَامِع الْأَقْصَى وجددت عمَارَة القناطر الَّتِي على الدرجَة الغربية فِي صحن الصَّخْرَة الْمُقَابل لباب النَّاظر فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَتُوفِّي قَتِيلا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ رحمه الله من حَسَنَات الدَّهْر هينا لينًا حَلِيمًا محبا لأهل الْخَيْر مقربا للْعُلَمَاء والفقراء معتنيا بالأمور الشَّرْعِيَّة عَفا الله عَنهُ

ص: 93

ثمَّ ولي بعده وَلَده الْملك الْمَنْصُور عَليّ ثمَّ توفّي ثمَّ ولي أَخُوهُ حاجي سلطنته الأولى الملقب فِيهَا بِالْملكِ الصَّالح ثمَّ خلع وَاسْتقر فِي السلطنة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق وَهُوَ أَبُو سعيد برقوق ابْن أنس بن عبد الله الجاركسي الأَصْل وَهُوَ أول دولة الجهاركسية وَهُوَ من مماليك بلبغا الْعمريّ الناصري حسن ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَاسْتقر فِي السلطنة يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد وخلع فِي شهر جمادي الْآخِرَة سنة احدى وَتِسْعين وتوى الْملك الْمَنْصُور حاجي ابْن الْأَشْرَف شعْبَان وَهِي سلطنته الثَّانِيَة الملقب فِيهَا بِالْملكِ الْمَنْصُور ثمَّ خلع وأعيد برقوق الى السلطنة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فِي خلَافَة المتَوَكل على الله أَيْضا وَفِي ايامه عمرت دكة المؤذنين الَّتِي بالصخرة الشَّرِيفَة تجاه الْمِحْرَاب الى جَانب بَاب المغارة بِمُبَاشَرَة نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب الْقُدس الشريف الناصري مُحَمَّد بن السيفي بهادر الظَّاهِرِيّ فِي مستهل شهر شَوَّال سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَعمر الْبركَة الَّتِي بِظَاهِر الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب الْمَعْرُوفَة ببركة السُّلْطَان وعمارتها فِي سنة وَفَاته وَهِي سنة احدى وَثَمَانمِائَة وَهِي الْآن خراب لَا ينْتَفع بهَا ووقف قَرْيَة ديراسطيا من أَعمال نابلس على سماط سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَشرط أَن لَا يصرف ريعها إِلَّا إِلَى السماط الْكَرِيم فَقَط وَكتب الْوَقْف على عتبَة بَاب مَسْجِد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الْبَاب الشَّرْقِي من الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الَّتِي بداخل السُّور وَهُوَ خلف مقَام السيدة سارة من جِهَة الشرق وَفِي أَيَّامه فِي شهر رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة ورد الْأَمِير شهَاب الدّين احْمَد بن اليغموري نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف

ص: 94

وبلد سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام الى الْقُدس الشريف وأبطل المكوس والمظالم والرسوم الَّتِي أحدثها النواب قبله بالقدس الشريف وَنقش بذلك رخامة والصقت على بَاب الصَّخْرَة من جِهَة الغرب وَله غير ذَلِك من الْحَسَنَات توفّي بقلعة الْجَبَل فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شَوَّال سنة احدى وَثَمَانمِائَة عَن سِتِّينَ سنة أَو قريب مِنْهَا ثمَّ ولي بعده وَلَده السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج وَهُوَ زين الدّين أَبُو السعادات فرج بن الْملك الظَّاهِر برقوق اسْتَقر فِي السلطنة وعمره اثْنَتَا عشرَة سنة فِي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة لِلنِّصْفِ من شَوَّال سنة احدى وَثَمَانمِائَة والخليفة المتَوَكل على الله وَفِي أَيَّامه كَانَت وقْعَة تيمورلنك الْمَشْهُورَة فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وخلع من السلطنة بأَخيه الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز فِي سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَأقَام اخوه نَحْو شَهْرَيْن وَتِسْعَة أَيَّام وخلع ثمَّ اعيد النَّاصِر فرج الى السلطنة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَنزل الشَّام مرَارًا وَوصل الى حلب مرَّتَيْنِ وَدخل بَيت الْمُقَدّس وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية وَفرق مَالا كثير على النَّاس وَمن جملَة مَا رسم بِهِ بالقدس الشريف أَن نَائِب الْقُدس لَا يكون نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَلَا يتَكَلَّم على النّظر بِالْجُمْلَةِ الكافية وَنقش بذلك بلاطه والصقت بحائط بَاب السلسلة عَن يمنة الدَّاخِل من الْبَاب وعلق بِمَسْجِد سيدنَا ابراهيم عليه الصلاة والسلام الستائر الْحَرِير على الاضرحة الشَّرِيفَة وَتُوفِّي قَتِيلا لَيْلَة السبت سَابِع عشر صفر سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقابر الْمُسلمين بِدِمَشْق رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَولي الْملك الْمُؤَيد شيخ وَتُوفِّي وَولي بعده وَلَده الْملك المظفر أَحْمد وخلع وَولي بعده الْملك الظَّاهِر ططر وَتُوفِّي

ص: 95

وَولي بعده الْملك الصَّالح مُحَمَّد وخلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الأِشرف برسباي هُوَ أَبُو النَّصْر برسباي الدقمامقى الظَّاهِرِيّ من عُتَقَاء الظَّاهِر برقوق اسْتَقر فِي السلطنة فِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فِي شهر ربيع الأول وَكَانَ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وَفِي أَيَّامه كَانَ نَاظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة بالقدس الشريف الْأَمِير اركاس الجلباني وَكَانَ حَاكما مُعْتَبرا عمر الْأَوْقَاف ونماها وَصرف المعاليم وَاشْترى للْوَقْف مِمَّا أرصده من المَال جِهَات من الْقرى والمسقفات وَورد مرسوم الْأَشْرَف بِصَرْف معاليم الْمُسْتَحقّين مِنْهَا وإرصاد مَا بَقِي لمصَالح الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَنقش بذلك رخامة والصقت بحائط الصَّخْرَة الشَّرِيفَة تجاه قبَّة الْمِحْرَاب فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَمن حَسَنَات الْملك الْأَشْرَف بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف الْمُصحف الشريف الَّذِي وَضعه بداخل الْجَامِع تجاه الْمِحْرَاب بِإِزَاءِ دكة المؤذنين وَهُوَ مصحف كَبِير عَظِيم أهدي اليه بِدِمَشْق حِين سَافر الى آمد فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فجهزه صُحْبَة خازنداره الى الْقُدس الشريف ووقف عَلَيْهِ جِهَة للقارئ وَالْخَادِم وَشرط النّظر لمن يكون شيخ الْمدرسَة الصلاحية بالقدس الشريف وَقرر فِي الْقِرَاءَة فِيهِ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن قطلوبغا الرَّمْلِيّ الْمقري وَكَانَ من الْقُرَّاء الْمَشْهُورين فِي الْحِفْظ وَحسن الصَّوْت وَله محَاسِن كَثِيرَة توفّي رحمه الله يَوْم السبت ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثممانمائة وَولي بعده وَلَده الْعَزِيز يُوسُف وخلع وَولي بعده الْملك الظَّاهِر وَهُوَ أَبُو سعيد جقمق العلائي الظَّاهِرِيّ نِسْبَة الى الْملك الظَّاهِر برقوق تسلطن وَجلسَ على سَرِير الْملك تَاسِع عشر شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وَكَانَ الظَّاهِر على قدم عَظِيم من الصيانة والديانة والعفة والشجاعة ومحبة الْعلمَاء وأنعم على الوقفين الْقُدس والخليل فِي زمن شمس الدّين الْحَمَوِيّ الظَّاهِرِيّ

ص: 96

النَّاظر بمبلغ الفي دِينَار وَخَمْسمِائة دِينَار ذَهَبا وَمِائَة وَعشْرين قِنْطَارًا من الرصاص برسم الْعِمَارَة ثمَّ فِي أَيَّام القَاضِي أَمِين الدّين عبد الرَّحْمَن الديري أنعم بِمِائَة وَعشْرين غراره من الْقَمْح الْقيمَة عَنْهَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وسِتمِائَة دِينَار وَلما توفّي ابْن الديري تحمل على الْوَقْف ثمن أغلال فأنعم بتوفية الثّمن وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة دِينَار وَكَانَ فِي أَيَّامه نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين بالقدس الشريف والخليل عليه الصلاة والسلام القَاضِي عز الدّين خَلِيل السخاوي وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ نظام الْحَرَمَيْنِ الشريفين ورتب فيهمَا الْوَظَائِف وَكَانَ المؤذنون قبل ذَلِك نوبتين فزادهما نوبَة ثَالِثَة وَعمر الاوقاف ونماها وَكَانَ سماط سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام يعْمل فِيهِ لَيْلَة الْجُمُعَة الْأرز المفلفل وَالْحب رمان والعدس فِي كل يَوْم وَفِي الأعياد تعْمل الْأَطْعِمَة المفتخرة وَفِي أَيَّامه - أَعنِي الْملك الظَّاهِر - فِي شهر رَجَب سنة احدى وَخمسين وَثَمَانمِائَة حرق جَانب من سقف الصَّخْرَة الشَّرِيفَة بصاعقة نزلت من السَّمَاء وَدخلت من بَاب الصَّخْرَة القبلي فاحرقت بعض السّقف من جِهَة الغرب من جَانب الْقبَّة وَاجْتمعَ النَّاس لاطفاء الْحَرِيق فَحصل بذلك ضجة عَظِيمَة وَيُقَال ان الْحَرِيق لم يكن بصاعقة وَإِنَّمَا بعض اولاد الاكابر دخل بَين السّقف ليتصيد طيورا من الْحمام وَمَعَهُ شمعة موقودة فتعلقت النَّار من ضوء الشمعة فِي الْخشب فَكَانَ سَببا للحريق وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال ثمَّ عمر السّقف بِأَحْسَن مِمَّا كَانَ وَمن حَسَنَات الْملك الظَّاهِر الْمُصحف الشريف الَّذِي وَضعه بالصخرة الشَّرِيفَة تجاه الْمِحْرَاب ورتب لَهُ قَارِئًا وَهُوَ مَوْجُود الى عصرنا ورسم بابطال الْمَظَالِم من الْقُدس الشريف وَنقش بذك بلاطة والصقت بحائط الْمَسْجِد الغربي عِنْد بَاب السلسلة وَفِي أَيَّامه جهز خَاص كيا اسْمه اينال باي وَكَانَ السَّاعِي فِي أمره الشَّيْخ مُحَمَّد المشمر أحد جمَاعَة الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن ارسلان فَحَضَرَ الى الْقُدس الشريف بمرسوم الْملك الظَّاهِر بالكشف على الديورة وبهدم مَا استجد بدير صهيون وَغَيره وانتزاع

ص: 97

قبر دَاوُد عليه السلام من أَيدي النَّصَارَى فهدم الْبناء المستجد بصهيون وَأخرج قبر دَاوُد من أَيدي النَّصَارَى ونبشت عِظَام الرهبان المدفونين بِالْقربِ من قبر السَّيِّد دَاوُد عليه الصلاة والسلام وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَفِي تِلْكَ السّنة وَقع الْبَطْش فِي النَّصَارَى وَأخرج الْمَسْجِد من دير السريان وَسلم للشَّيْخ مُحَمَّد المشمر وَصَارَ زَاوِيَة وَهدم الْبناء المستجد بِبَيْت لحم وبالقمامة وَقلع الدرابزين الْخشب المستجد بالقمامة وَأخذ الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وكشف جَمِيع الديورة وَهدم جَمِيع مَا استجد بهَا وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَاخِر عمر السُّلْطَان فختم الله أَعماله بالصالحات وَإِزَالَة الْمُنْكَرَات وَسَنذكر مَا وَقع فِي أَمر قبر دَاوُد عليه الصلاة والسلام وصهيون فِي عصرنا فِيمَا بعد فِي تَرْجَمَة الْملك الْأَشْرَف قايتباي فِي حوادث سنة خمس وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتُوفِّي الْملك الظَّاهِر فِي لَيْلَة يسفر صباحها عَن يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّالِث من صفر سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَصلي عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى صَلَاة الْغَائِب فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر صفر وَتُوفِّي بعد أَن خلع نَفسه من الْملك وعهد الى وَلَده الْملك الْمَنْصُور أبي السعادات عُثْمَان وَاسْتقر بعده فِي الْملك ثمَّ خلع وَولي بعده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف اينال وَهُوَ أَبُو النَّصْر أينال الناصري نسبته الى النَّاصِر فرج بن برقوق وَاسْتقر فِي السلطنة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الأول سنة سبع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله أَبُو الْبَقَاء حَمْزَة وَولي نظ الْحَرَمَيْنِ الشريفين فِي السّنة الْمَذْكُورَة الْأَمِير عبد الْعَزِيز الْعِرَاقِيّ الْمَشْهُور بِابْن المعلاق فَحصل للأوقاف والمستحقين مَا لم يحصل لَهُم قبل ذَلِك من الْعِمَارَة وَصرف المعاليم كَامِلَة من غير قطع وَلَا محاصصة واقام نظام السماط الْكَرِيم الخليلي وَمن حَسَنَات الْملك الْأَشْرَف اينال الْمُصحف الشريف الَّذِي وَضعه بِالْمَسْجِدِ

ص: 98

الْأَقْصَى بِالْقربِ من جَامع عمر بن الْخطاب رضي الله عنه تجاه الشباك المطل على عين سلوان ورتب لَهُ قَارِئًا ووقف عَلَيْهِ جِهَة وكسى الأضرحة الشَّرِيفَة وَهِي ضريح سيدنَا الْخَلِيل وَأَوْلَاده وَسَيِّدنَا مُوسَى الكليم وَسَيِّدنَا لوط وَسَيِّدنَا يُونُس عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام الستور المزركشة وجهزها على يَد زوج ابْنَته بردبك الدويدار الثَّانِي وَحصل مِنْهُ صدقَات وإسحان وأنعم الْأَشْرَف اينال على جِهَة الوقفين بِأَلف ومائتي أردب قَمح الْقيمَة عَنْهَا أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَثَمَانِية دَنَانِير وَعمر الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي أَيَّامه وَتُوفِّي فِي تَاسِع جمادي الأولى سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بعد أَن خلع نَفسه من الْملك وعهد الى وَلَده الْملك الْمُؤَيد أَحْمد وَاسْتقر بعده فِي الْملك ثمَّ خلع وَولي السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر خشقدم هُوَ أَبُو سعيد خشقدم المؤيدي من عُتَقَاء الْمُؤَيد شيخ اسْتَقر فِي السلطنة يَوْم الْأَحَد ثامن عشر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستنجد بِاللَّه ابو المظفر يُوسُف وَمن حَسَنَاته بالقدس الشريف عمَارَة قناة السَّبِيل الْوَاصِلَة الى الْقُدس الشريف من عين العروب وَعمارَة الْبركَة الشرقية من بركتي المرجيع وَكَانَت الْعِمَارَة على يَد الْأَمِير دولات وَكَانَ باي الخاصكي جهز الى الْقُدس الشريف اهتم بعمارته واقام فِي ذَلِك اعظم قيام وأنعم الظَّاهِر خشقدم على جِهَة الْوَقْف الخليلي بستين غرارة قَمح الْقيمَة عَنْهَا ثَمَانمِائَة واربعون دِينَارا وجدد عمَارَة رُخَام الْمَسْجِد الجاولي بالخليل فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بِمُبَاشَرَة الْأَشْرَف نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْهمام نَاظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَله فِي الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مصحف كَبِير وَضعه بِإِزَاءِ مصحف الْملك الظَّاهِر جقمق من جِهَة الغرب وَفِي أَيَّامه ولي الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْهمام نظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ عزل وَولي بعده الْأَمِير حسن الظَّاهِرِيّ وَهُوَ الَّذِي بنى الْمدرسَة بجوار بَاب السلسلة برسم الْملك الظَّاهِر خشقدم وَآل امرها الى مَوْلَانَا الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَكَانَ

ص: 99

من خَبَرهَا مَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ الظَّاهِر خشقدم رسم بِإِبْطَال الْمَظَالِم من الْقُدس الشريف وَنقش بذلك رخامتين وجهزهما الى الْقُدس الشريف فِي أَوَاخِر عمره والصقتا بحائط الْمَسْجِد الْأَقْصَى من جِهَة الغرب وَتُوفِّي فِي حادي عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وتسلطن بعده الْملك الظَّاهِر بيلباي وَاسْتمرّ سنة وَخمسين يَوْمًا ثمَّ تسلطن الْملك الظَّاهِر تمر بغا وَاسْتمرّ سَبْعَة وَخمسين يَوْمًا وخلع وتسلطن مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَسَنذكر تَرْجَمته فِيمَا بعد كَمَا تقدم الْوَعْد بِهِ فِي اول الْكتاب وَالله حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وَمِمَّنْ فعل الْآثَار الْحَسَنَة بالصخرة الشريفه من مُلُوك الرّوم السُّلْطَان مُرَاد ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان بايزيد خَان رتب قراء يقرؤن لَهُ فِي الصَّخْرَة الشَّرِيفَة فِي ربعَة شريفة بتاريخ ثامن عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَالسُّلْطَان ابراهيم بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن قرمان رتب أَيْضا قراء يقرؤن لَهُ فِي ربعَة شريفة بتاريخ التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَغَيرهمَا من الْمُلُوك والأعيان رتبوا أسباعا تقْرَأ لَهُم ووقفوا أوقافا على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى وخدمته طلبا لثواب الله تَعَالَى رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَأكْثر من فعل الْخَيْر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومقام سيدنَا الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام من الْمُلُوك السالفة الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق ثمَّ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون رحمهمَا الله تَعَالَى وَقد ذكرت جَمِيع الْمُلُوك بالديار المصرية واولهم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب تغمده الله برحمته وَمن بعده الى عصرنا من غير إخلال باحد مِنْهُم غير من ذكرته من بني أَيُّوب من مُلُوك الشَّام وَغَيرهَا - كَمَا تقدم القَوْل فِي أول الْفَصْل - ولنذكر الْآن أَسمَاء الْعلمَاء فاقول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -

ص: 100