المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذكر هدم الكنيسة) - الأنس الجليل - جـ ٢

[مجير الدين العليمي]

الفصل: ‌(ذكر هدم الكنيسة)

(ذكر هدم الْكَنِيسَة)

ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شهر رَجَب عقدمجلس بِالْمَدْرَسَةِ التنكزية حَضَره شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن ابي شرِيف وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري والأمير جقمق نَائِب السلطنة وَالْقَاضِي الشَّافِعِي شهَاب الدّين بن عبيه وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ شمس الدّين الديري وَالسَّيِّد الشّرف مُحَمَّد بن عفيف الدّين وَدَار الْكَلَام بَينهم وَحصل الْبَحْث بَين الشَّيْخ كَمَال الدّين بن ابي شرِيف وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري الخليلي وانتشر الْكَلَام بَينهمَا فَإِن شيخ الاسلام يَقُول لَا وَجه لمنع الْيَهُود من كنيستهم بِغَيْر مسوغ شَرْعِي وَيرى ان شَهَادَة من شهد بحدوثها بِغَيْر مُسْتَند شَرْعِي يسْتَند اليه فِي شَهَادَته لَا تقبل وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري كَانَ من جملَة القائمين فِي منع الْيَهُود بترجيح شَهَادَة من شهد بحدوثها فَلَمَّا حصل الْبَحْث بَينهمَا قصد الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري نصْرَة قَوْله فَكَانَ من جملَة لفظ شيخ الاسلام لَهُ لَا تبحث معي بحث خليلي وَكَانَ مَجْلِسا حافلا آخِره ان القَاضِي الشَّافِعِي اشْهَدْ عَلَيْهِ بِمَنْع الْيَهُود من اتخاذها كَنِيسَة كَمَا تقدم أَولا وَثَانِيا واتصل إشهاده بذلك بِالْقَاضِي الْحَنَفِيّ وَكتب محْضر بذلك ثمَّ فِي آخر ذَلِك الْيَوْم بعد الصعد توجه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عفيف الدّين وَمن مَعَه الى الْكَنِيسَة وَأمر بهدمها فشرع الْمُسلمُونَ فِي هدمها فهدم غالبها ثمَّ فِي ثَانِي ذَلِك الْيَوْم هدم بَاقِيهَا وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَشرع الشَّيْخ ابو الْعِزّ يحرض النَّاس على الْهدم وَيُقَوِّي عزمهم وَكلما ثار الْغُبَار من التُّرَاب على رُؤْس النَّاس واثوابهم ينفضه عَنْهُم بمنديل فِي يَده وَيَقُول هَذَا غُبَار الْجنَّة تثابون على هَذَا الْفِعْل فِي الْجنَّة ثمَّ توجه الشَّيْخ أَبُو الْعَزْم بالمحضر الى الْقَاهِرَة وَتوجه الْيَهُود للشكوى للسُّلْطَان فَلَمَّا علم السُّلْطَان بذلك وانهم افتاتوا عَلَيْهِ وهدموا الْكَنِيسَة بِغَيْر مرسومه غضب غَضبا شَدِيدا وَأمر بِالْقَبْضِ على الشَّيْخ أبي الْعَزْم وَكَانَ يَوْم وُصُوله للقاهرة

ص: 307

فَبَلغهُ الْخَبَر فاختفى من حِينه وَاسْتمرّ مختفيا الى أَن توجه الى مَكَّة المشرفة واقام بهَا بَقِيَّة عمره الى ان توفّي بهَا فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ رسم السُّلْطَان بِطَلَب القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه الشَّافِعِي وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَالشُّهُود الى الْقَاهِرَة فبادر القَاضِي الشَّافِعِي وسافر من الْقُدس قبل وُصُول المرسوم فَلَمَّا وصل الى مَدِينَة غَزَّة صَادف وُصُول المرسوم لنائب غَزَّة الْأَمِير يشبك العلائي وَعلم ان القَاضِي الشَّافِعِي وصل الى غَزَّة فَقبض عَلَيْهِ وَتَركه فِي الترسيم بغزة ثمَّ ركب وَحضر الى الْقُدس فِي يَوْم الاحد تَاسِع شعْبَان وَجلسَ بالرواق الْعلوِي الَّذِي عِنْد دَار النِّيَابَة بجوار مَنَارَة الغوانمة وارز من يَده المرسوم الشريف يتَضَمَّن اعلامه انه اتَّصل بالمسامع الشَّرِيفَة مَا وَقع من هدم كَنِيسَة الْيَهُود بالقدس الشريف فالجناب العالي يتَقَدَّم من فوره قبل وضع هَذَا الْمِثَال الشريف من يَده وَيتَوَجَّهُ بِنَفسِهِ الى الْقُدس الشريف وَيقبض على القَاضِي الشَّافِعِي وَالشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وولديه وَأبي الْعَزْم وشمس الدّين بن نَاصِر وناصر الدّين الدِّمَشْقِي الحوراني ويجهزهم الى الابواب الشَّرِيفَة محتفظاً بهم فَطلب الْجَمَاعَة فهرب ابْن ابي الْعَزْم وَهُوَ المكنى بِأبي الْيمن وَقبض على بَقِيَّة الْجَمَاعَة وهم الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَمن ذكر فِي المرسوم وَوَضَعُوا فِي الْحَدِيد مَا عدا الشَّيْخ برهَان الدّين وَتوجه بهم من الْقُدس الشريف الى غَزَّة ثمَّ جهزهم وصحبهم القَاضِي الشَّافِعِي الى الْقَاهِرَة صُحْبَة قَاصد وَهُوَ رجل من اعوان الظلمَة اسْمه اسماعيل الكافري فوصلوا الى الْقَاهِرَة فِي أَوَاخِر شعْبَان ووقفوا للسُّلْطَان وَهُوَ جَالس بالحوش فِي مَحل خلْوَة فَأمر بضربهم فَضرب القَاضِي اولا ثمَّ الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري وَمن مَعَهُمَا ضربا مؤلما مَا عدا ابْن الدمقشي وَابْن عليان وَابْن نصير فَإِن السُّلْطَان رَآهُمْ من الشُّيُوخ الهرمين فَعَفَا عَنْهُم وَلما ضرب الشَّيْخ برهَان الدّين الانصاري شرع يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله اكبر لَا يزِيد على ذَلِك فألح عَلَيْهِ السُّلْطَان بقوله قل

ص: 308

لي الْحق فَقَالَ لَهُ الْحق مَا أَقُول وَشرع فِي التَّسْبِيح والتهليل على مَا هُوَ فِيهِ الى ان فرغ من ضربه ونهض وَهُوَ يذكر الله ثمَّ سلمهم للوالي الْأَمِير يشبك بن حيدر وتركهم عِنْده فِي الترسيم ثمَّ فِي اوائل شهر رَمَضَان عقد مجْلِس بِمَجْلِس الْأَمِير يشبك بن مهْدي الدوادار الْكَبِير وحضره قُضَاة الْقُضَاة الاربعة بالديار المصرية - الْمُتَقَدّم ذكرهم - وَحضر من الْعلمَاء الشَّيْخ أَمِين الدّين الاقصراني الْحَنَفِيّ وَهُوَ من المساعدين للْمُسلمين وَحضر جمَاعَة من الْعلمَاء مِمَّن افتى بِعَدَمِ جَوَاز هدم الْكَنِيسَة وتعزير من افتات على الامام بالهدم بِغَيْر اذن شرِيف مِنْهُم سراج الدّين الْعَبَّادِيّ الشَّافِعِي وَالشَّيْخ جلال الدّين الْبكْرِيّ الشَّافِعِي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين المغربي الْمَالِكِي قَاضِي الْجَمَاعَة بالمغرب وَهُوَ الَّذِي تولى كبرها وَأظْهر التعصب للْيَهُود وافحش وَحضر خلق من الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَكَانَ يَوْمًا مهولا بنصرة الْيَهُود على الْمُسلمين وَدَار الْكَلَام بَين الْعلمَاء وَحصل الْبَحْث بَينهم وَبَقِي الْفُقَهَاء احزابا مِنْهُم من ينتصر للْمُسلمين وَمِنْهُم من يساعداليهود واصحاب الاهواء كل يتَكَلَّم بِمَا يُوَافق هَوَاهُ وَكَانَ الْأَمر بالقدس الشريف كَذَلِك وَخرج الشَّيْخ أَمِين الدّين الاقصراني من الْمجْلس وَهُوَ مغضب فَلم يلْتَفت اليه وَتكلم رجلَانِ من طلبة الْعلم بِمَا فِيهِ اعانة للْمُسلمين فأشهرهما الدوادار الْكَبِير وَوَضعهمَا فِي زنجير ثمَّ سُئِلَ القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه عَن الْمَنْع الصَّادِر مِنْهُ مَا وَجهه وَمَا مُسْتَنده فِيهِ؟ فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا اقول فَقَالَ لَهُ القَاضِي زين الدّين ابْن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف قطع الله يدك ورجلك وَأَغْلظ عَلَيْهِ فِي القَوْل وَشرع الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير يهدده وَطَالَ الْكَلَام والنزاع بَين الْفُقَهَاء وَآخر الامر ان قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بالديار المصرية ولي الدّين الاسيوطي اسْتخْلف القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه فِي الحكم وَرجع عَن الْمَنْع الصَّادِر مِنْهُ بالقدس الشريف لماتبين لَهُ من فَسَاده وَحكم بِصِحَّة الرُّجُوع الصَّادِر من نَفسه وَنفذ على

ص: 309

خلفاء الحكم الْعَزِيز بالديار المصرية من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَأفْتى جمَاعَة من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة بِمصْر بِجَوَاز إِعَادَة الْكَنِيسَة وَمن جملَة من أفتى قَاضِي الْجَمَاعَة المغربي فَأَنْشد فِيهِ بَعضهم تُفْتِي بِعُود كنيس وَكَانَ ذَلِك جهلا وتدعي فرط علم وَالله مَا أَنْت إِلَّا وَأنْشد النَّاس أبياتا كَثِيرَة فِي معنى ذَلِك وَوَقع الْقدح فِي حق الشَّيْخ سراج الدّين الْعَبَّادِيّ وأنشدوا فِيهِ ابياتا وأخبرت أَن بَعضهم كتب على بَاب منزله (وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تتبع ملتهم) وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير وَاسْتمرّ الْمُسلمُونَ فِي الترسيم عِنْد الْوَالِي الى ان رُوجِعَ السُّلْطَان فِي أَمرهم فرسم باخراج القَاضِي الشَّافِعِي وَالشَّيْخ برهَان الدّين وانهما لَا يسكنان الْقُدس إِلَّا باذن شرِيف وافرج عَنْهُم اجمعين فَالْقَاضِي سَافر من الْقَاهِرَة بعد أَن صرح السُّلْطَان بعزله فِي وَجهه فوصل الى مَدِينَة الرملة فِي يَوْم السبت رَابِع عشري ذِي الْقعدَة وَتوجه الى دمشق وَأقَام بهَا الى يَوْمنَا وَهُوَ حَيّ يرْزق وَالشَّيْخ برهَان الدّين اسْتمرّ فِي الْقَاهِرَة الى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ثمَّ سَافر الى مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام واقام بهَا الى ان توفّي فِي شهور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - وَيَأْتِي ذكر إِعَادَة الْكَنِيسَة وبنائها وَمَا وَقع فِي ذَلِك فِي السّنة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا - يَعْنِي سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة أعيدالقاضي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ إِلَى قَضَاء الْقُدس والرملة ونابلس على عَادَته وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي شهر شعْبَان عَائِدًا من الْقَاهِرَة بعد كلفة مَال كَبِير بذله فِي المنصب لم تجر بِهِ عَادَة قبله فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة وَسَببه جور وَكيل السُّلْطَان ابْن ثَابت وفيهَا فِي ثامن رَمَضَان حضر خاصكي الى الْقُدس الشريف بتوجيه نَائِب غَزَّة

ص: 310

ونائب الْقُدس الى الرملة بِسَبَب غَازِي واولاد شبانه فَتوجه نَائِب الْقُدس الْأَمِير جقمق الى الرملة فوردعليه مرسوم السُّلْطَان وَهُوَ بهابان يحضر الى الابواب الشَّرِيفَة طيب الْقلب منشرح الصَّدْر فَتوجه الى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف الْأَمِير جارقطلي الظَّاهِرِيّ وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشري رَمَضَان دخل القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَفِي يَوْم الاربعاء مستهل شَوَّال حضر متسلم جارقطلي النَّائِب وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر ذِي الْقعدَة دخل الْأَمِير جارقطلي الى الْقُدس الشريف وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَقُرِئَ توقيعه يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم دُخُوله وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة دخل نَاظر الْحَرَمَيْنِ نَاصِر الدّين بن النشاشيبي الى الْقُدس الشريف عَائِدًا من الابواب الشَّرِيفَة بخلعة السُّلْطَان وفيهَا قدم القَاضِي غرس الدّين خَلِيل الْكِنَانِي الَّذِي كَانَ شيخ الصلاحية الى الْقُدس الشريف وَنزل بالارغونية وَأقَام بهَا لِأَن جارقطلي النَّائِب كَانَ صَاحبه فَلَمَّا ولي بَيت الْمُقَدّس قصد استيطانه فِي زَمَنه فَحَضَرَ الى الْقُدس فِي شهر شَوَّال وفيهَا فِي رَابِع شهر ذِي الْحجَّة اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن يُونُس النابلسي الشَّافِعِي قَاضِي الرملة ونابلس فِي قَضَاء الْقُدس الشريف عوضا عَن القَاضِي شهَاب الدّين بن عبيه وَوصل اليه علم بذلك وَهُوَ بالرملة فِي شهر ذِي الْحجَّة وَمَضَت سنة تسع وَسبعين وَكَانَت كَثِيرَة الْفِتَن والمحن بالقدس الشريف ونسأل الله حسن الْعَاقِبَة ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِي شهر الْمحرم مِنْهَا دخل القَاضِي شمس الدّين ابْن يُونُس الشَّافِعِي الى الْقُدس الشريف بخلعة السُّلْطَان وَركب لَهُ الْقُضَاة وناظر الْحَرَمَيْنِ ونائب السلطنة الْأَمِير جارقطلي وَلكنه لم يمش امامه وَإِنَّمَا مَشى خَلفه وفرئ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر صفر دخل القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار مُتَوَلِّيًا

ص: 311

قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالقدس الشريف عوضا عَن القَاضِي نور الدّين البدرشي وَكَانَت ولَايَته مستهل شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَاسْتمرّ بِالْقَاهِرَةِ بعد الْولَايَة سنة واربعة اشهر الى ان حضر فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدخل الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَقُرِئَ توقيعه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَكَانَ يَوْمًا حافلا (ذكر إِعَادَة كَنِيسَة الْيَهُود) لما جرى مَا تقدم ذكره من هدم الْكَنِيسَة بالقدس الشريف وَحُصُول المحنة للْمُسلمين من الْعلمَاء وَغَيرهم شرع الْيَهُود فِي السَّعْي فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة وتمسكوا بِمَا مَعَهم من الْفَتَاوَى بِجَوَاز إِعَادَتهَا وتشفعوا للسُّلْطَان بِمن لَهُم بهم اعتناء وَكَانَ اعظم المساعدين لَهُم يشبك الدوادار الْكَبِير بِمَال بذلوه وَلم يعلم السُّلْطَان بِشَيْء من ذَلِك فَلم يزل يشبك يسْعَى عِنْد السُّلْطَان الى ان رسم باعادتها بالاتها الْقَدِيمَة وَعين قاضيين من خلفاء الحكم بالديار المصرية وهما القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد الحزمي الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِابْن جبيلات وَالْقَاضِي عَلَاء الدّين عَليّ الْمَيْمُونِيّ الْحَنَفِيّ فَحَضَرَ الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الاربعاء عشري ربيع الآخر وَعقد مجْلِس بقبة مُوسَى حَضَره قُضَاة الْقُدس الشريف الاربعة وَمن حضر من قُضَاة الْقَاهِرَة وَقُرِئَ المرسوم الشريف الْوَارِد بِمَعْنى ذَلِك فقضاة الْقُدس لم يحصل مِنْهُم مُعَارضَة وَلَا اذن واسندوا الامر الى من حضر من الْقَاهِرَة فَأذن القَاضِي الْمَيْمُونِيّ عَلَاء الدّين الْحَنَفِيّ للْيَهُود فِي إِعَادَة الْكَنِيسَة بالاتها الْقَدِيمَة وشرعوا فِي بنائها فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشري ربيع الآخر سنة 110 هـ وَكَانَ القَاضِي شهَاب الدّين بن جبيلات حصل لَهُ توعك بالقدس فبادر الى الرُّجُوع الى الْقَاهِرَة قبل اتهاء أَمر الْكَنِيسَة وَلم يتَكَلَّم فِي أمرهَا بِشَيْء واستغفر الله تَعَالَى مِمَّا وَقع مِنْهُ من السّفر فِي هَذِه الْحَادِثَة وَحكي لي بِالْقَاهِرَةِ ان السَّبَب فِي رُجُوعه من الْقُدس بِسُرْعَة وَعدم تكَلمه فِي أَمر الْكَنِيسَة انه لما حصل لَهُ

ص: 312

التوعك بالقدس كَانَ فِي خلْوَة بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية وَإِذا باليهود قد حَضَرُوا وجلسوا على بَاب الْخلْوَة الَّتِي هُوَ بهَا وَتَكَلَّمُوا فِي أَمر الْكَنِيسَة وَمَا حصل لَهُم من اذن القَاضِي الْحَنَفِيّ فِي إِعَادَتهَا فَقَالَ بَعضهم لبَعض هَذَا عيد مبارك باعادة هَذِه الْكَنِيسَة فَمَا نسمي هَذَا الْعِيد؟ فَقَالُوا نُسَمِّيه عيدالنصر فَلَمَّا سمع القَاضِي شهَاب الدّين بن جبيلات الشَّافِعِي ذَلِك اقشعر جسده وانزعج وبادر بِالْخرُوجِ من الْقُدس وَتوجه الى الْقَاهِرَة واستغفر الله مِمَّا وَقع مِنْهُ وَقد سَمِعت هَذَا الْكَلَام من لَفظه بِالْقَاهِرَةِ على هَذِه الصّفة فِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَأما الْحَنَفِيّ فَإِنَّهُ اسْتمرّ مُقيما بالقدس الى ان كملت عمارتها وَلما اذن فِي إِعَادَتهَا امْتنع شُهُود بَيت الْمُقَدّس من كِتَابَة مُسْتَند بذلك فَكتب هُوَ بِخَطِّهِ ورقة بالاذن للْيَهُود فِي ذَلِك وَكَانَ بالقدس رجل اسْمه اسماعيل الْبناء تعين لبنائها فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ يَا اسماعيل انت تصلي عَليّ فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وتبني مَكَانا اسب فِيهِ فَامْتنعَ من بنائها فوعد بِمَال لَهُ صوره فَلم يلْتَفت اليه وَتَوَلَّى بناءها من كتب عَلَيْهِ الشقاوة وَلما وَقع ذَلِك كنت مُقيما بِالْقَاهِرَةِ وَبَلغنِي عَن هَذَا الْبَنَّا انه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَنَهَاهُ عَن الْبناء وَلم اتحقق كَيفَ وَقع القَوْل فَلَمَّا قدمت بَيت الْمُقَدّس فِي أَوَاخِر سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وجدته حَيا فَسَأَلته عَن حَقِيقَة الرُّؤْيَا فَأَخْبرنِي بهَا من لَفظه - كَمَا تقدم ذكره - وَلما انْتهى بِنَاء الْكَنِيسَة عَاد الْحَنَفِيّ الى الْقَاهِرَة وَقد أسكن الله مقته فِي قُلُوب الْعباد وَصَارَ يدعى بقاضي الْكَنِيسَة وَبَلغنِي انه لما وصل الى الْقَاهِرَة استدعى كَبِير الْيَهُود وَقَالَ لَهُ ابشرك انني بنيت لَك الْكَنِيسَة أَعلَى مِمَّا كَانَت بِكَذَا - واشار بِذِرَاع يَده - وَمِمَّا وَقع لَهُ انه كَانَ يكْتب علامته على المستندات الشَّرْعِيَّة الْحَمد لله ربالعالمين حمد الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا عمر الْكَنِيسَة وَعَاد الى الْقَاهِرَة كتب الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى معالم الْعلم واعلامه فَنكتَ عَلَيْهِ بعض الظرفاء من الْفُقَهَاء

ص: 313

وَقَالَ لَهُ يَنْبَغِي ان تكْتب الْحَمد الله الَّذِي أَعلَى معالم الدّين فَرجع وَكتب علامته الأولى وَلم يزل امْرَهْ يضمحل وأحواله تتناقص حَتَّى وَقع لَهُ محنة فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة بِسَبَب حكم حكم بِهِ فِي ايام قَاضِي الْقُضَاة سعدالدين الديري من مُدَّة تقرب من عشْرين سنة قبل التَّارِيخ الْمَذْكُور فَأحْضرهُ السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ وضربه ضربا مؤلما وَهُوَ بالحوش فِي الْمَكَان الَّذِي ضرب فِيهِ أهل الْقُدس وَوَضعه فِي زنجير وَسلمهُ للوالي الَّذِي كَانَ تسلم أهل بَيت الْمُقَدّس وَأمر باخراجه الى حلب بعد ان كتب عَلَيْهِ انه لَا يعْمل قَاضِيا وَلَا شَاهدا وعزله عزلا مُؤَبَّدًا فَخرج من الْقَاهِرَة الى ان وصل الى خانقاه سرياقوس فَوَقَعت فِيهِ شَفَاعَة فاعيد الى الْقَاهِرَة وَتوجه من ليلته الى بَلْدَة مينة مَيْمُون واقام بهَا مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ عَاد الى الْقَاهِرَة وَقد صَار فَقِيرا حَقِيرًا لَا يقدر على قوته وَقد اجْتمعت بِهِ وتكلمت مَعَه ولمته على مَا صدر مِنْهُ فِي أَمر الْكَنِيسَة والاهتمام باعادتها فأشهدني عَلَيْهِ ان الاذن الصَّادِر مِنْهُ فِي إِعَادَتهَا إِنَّمَا قصد بِهِ الْفَتْوَى وَلم يقْصد بِهِ الحكم الشَّرْعِيّ الرافع للْخلاف وَالله مُتَوَلِّي السرائر (ذكر قدوم السُّلْطَان الى بَيت الْمُقَدّس} 80 هـ وَفِي شهر رَجَب الْفَرد سنة ثَمَانِينَ سَافر السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف من الْقَاهِرَة المحروسة قَاصِدا زِيَارَة سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف فوصل الى مَدِينَة غَزَّة المحروسة وَتوجه مِنْهَا فوصل الى مَدِينَة الْخَلِيل فِي يَوْم السبت خَامِس عشري رَجَب وَرفع اليه امْر الْحِسْبَة بِمَدِينَة الْخَلِيل وَأَنه يُؤْخَذ من الْمُحْتَسب مَال لنائب الْقُدس فَيلْزم مِنْهُ تسلطه على الْفُقَرَاء من المتسببين فرسم السُّلْطَان بابطال تَوْلِيَة الْحِسْبَة من نَائِب الْقُدس وابطال مَا هُوَ مُقَرر عَلَيْهَا من الرِّشْوَة وان يكون الْمُحْتَسب بمرسوم

ص: 314

شرِيف بِغَيْر كلفة وَاسْتمرّ الْأَمر على ذَلِك مُدَّة ثمَّ اخْتَلَّ النظام وَرجع الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَولا وَتوجه السُّلْطَان من مَدِينَة الْخَلِيل فِي يَوْم الْأَحَد سادس عشري رَجَب وَوصل الى الْقُدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشري رَجَب وَنزل بمخيمه عِنْد خَان الظَّاهِر ثمَّ ركب وَدخل الى الْمَدِينَة وَقت الظّهْر وَنزل بمدرسته الْقَدِيمَة الَّتِي هدمت فَلَمَّا رَآهَا لم تعجبه وَكَانَ ذَلِك هُوَ السَّبَب لهدمها وَبِنَاء الْمدرسَة الْمَوْجُودَة الْآن ثمَّ بعد صَلَاة الْعَصْر من الْيَوْم الْمَذْكُور جلس بقبة مُوسَى تجاه بَاب السلسلة وَجلسَ على مدرسته فِي الشباك المطل من جِهَة الشرق وَجلسَ عِنْده من دَاخل الْقبَّة الْأَمِير ازبك أَمِير كَبِير ومنن ظَاهر الشباك على المسطبة الْأَمِير يشبك الدوادار وَالْقَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَحضر مَعَ السُّلْطَان جمَاعَة من اركان الدولة مِنْهُم الْأَمِير خشقدم الطواشي الْوَزير وَالْقَاضِي تَاج الدّين الْمَقْدِسِي نَاظر الْخَواص الشَّرِيفَة وَالْقَاضِي شرف الدّين الانصاري وَالْقَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت وَغَيرهم وشكى النَّاس على الْأَمِير جارقطلي نَائِب الْقُدس وَرفعت فِيهِ الْقَصَص بِسَبَب مَا تَعَمّده من الظُّلم والجور فَطَلَبه وَسمع فِيهِ الشكوى وانصف النَّاس مِنْهُ وَأمره ان يدْفع اليهم مَا أَخذ مِنْهُم وشكى النَّاس من القَاضِي غرس الدّين خَلِيل أخي ابي الْعَبَّاس وَأَنه يجْتَمع بالنائب وتيكلم فِي حق النَّاس فَطَلَبه السُّلْطَان وانتهره وَوَضعه على الارض ليضربه فشفع فِيهِ الْأَمِير يشبك الدوادار ورسم بِعَدَمِ إِقَامَته بالقدس فسافر مِنْهُ فَكَانَ يُقيم تَارَة بغزة وَتارَة بِبَلَد المجدل وَلم يزل على ذَلِك الى ان توجه الى مَكَّة وَتُوفِّي بهَا فِي شهور سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة 898 هـ ثمَّ بعد فرَاغ السُّلْطَان من فضل الحكومات فِي الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ الى الْقُدس صلى الْمغرب بقبة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة خلف الامام سعدالله الْحَنَفِيّ ثمَّ نزل

ص: 315

الى الْجَامِع الْأَقْصَى وَقد اوقدت الْقَنَادِيل على الْعَادة الَّتِي تكون فِي نصف شعْبَان وَكَذَلِكَ قبَّة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَكَانَت لية مَشْهُودَة وَجلسَ فِي محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَإِلَى جَانِبه الْأَمِير أزبك أَمِير كَبِير والأمير يشبك الدوادار الْكَبِير وَغَيرهم من اركان الدولة وَجلسَ مَعَه شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَشَيخ الاسلام النَّجْم بن جمَاعَة والقضاة وَالْخَاص وَالْعَام وقرئت ختمات شريفة وَكَانَ مَعَ السُّلْطَان ثَلَاثَة انفار من رُؤَسَاء الْقُرَّاء بِالْقَاهِرَةِ فقرؤا وَحصل بهم الْبَهْجَة والانس ثمَّ قَرَأَ بعدهمْ الْقُرَّاء بِبَيْت الْمُقَدّس وَصلى السُّلْطَان الْعشَاء الْآخِرَة خلف الشَّيْخ نجم الدّين بن جمَاعَة وَانْصَرف وَلم يسمع قِرَاءَة الْمِعْرَاج الشريف لعدم وجود من يَقْرَؤُهُ فَإِن الشَّيْخ شهَاب الدّين العميري كَانَ غَائِبا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ حضر الشَّيْخ ابو مَدين وَقَرَأَ الْمِعْرَاج بِحُضُور اركان الدولة ثمَّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري رَجَب خرج السُّلْطَان الى مخيمه بِظَاهِر الْقُدس وَطلب النَّائِب وَأمره ان يُصَالح جَمِيع من شكى مِنْهُ فَصَالحهُمْ وَدفع لكل من اخذ مِنْهُ شَيْئا على جريمة نصف مَا أَخذ مِنْهُ وَمن لَهُ دين شَرْعِي دَفعه لَهُ بِكَمَالِهِ ثمَّ أعلم الدوادار الْكَبِير السُّلْطَان ان النَّائِب أرْضى جَمِيع خصمائه فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان احسن للنَّاس واحكم بَينهم بِالْعَدْلِ والانصاف وبالشرع الشريف وَإِن شكى أحد مِنْك بعد الْيَوْم قطعتك نِصْفَيْنِ ثمَّ قدم النَّائِب خدمته للسطان فألبسه خلعة الِاسْتِمْرَار وَتوجه السُّلْطَان فِي لَيْلَة الاربعاء الى الرملة وَكَانَ فِي زمن الشتَاء وَوَقع مطر كثير وَهُوَ بالمخيم على قبَّة الجاموس وَمِمَّا انفق ان انسانا من اللُّصُوص دخل على السُّلْطَان وَهُوَ نَائِم بالخيمة فِي اللَّيْل وسرق بقجة قماش من عِنْد رَأسه فَأصْبح السُّلْطَان وَقبض على الشَّيْخ حَرْب شيخ جبل نابلس بِسَبَب ذَلِك وَقصد قَتله وغرمه مَالا ثمَّ توجه السُّلْطَان الى مَدِينَة غَزَّة وَعَاد الى الْقَاهِرَة وَدخل اليها فِي يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من شعْبَان وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله

ص: 316

وَقدر أَن اللص الَّذِي دخل على السُّلْطَان قبض عَلَيْهِ وجهز الى السُّلْطَان ووقف بَين يَدَيْهِ واعترف بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَأمر بسجنه بالمقشرة وَلم يتقله وفيهَا وَقعت حَادِثَة بالقدس الشريف وَهِي ان شخصا نَصْرَانِيّا وَقع فِي حق سيدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه والسيدة فَاطِمَة ابْنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِقَذْف وَرفع أمره القَاضِي عَلَاء الدّين بن المزوار الْمَالِكِي وَعقد لَهُ مجْلِس بدار النِّيَابَة بِحُضُور الْأَمِير جارقطلي نَائِب السلطنة وَحضر بِالْمَجْلِسِ شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف وَثَبت مَا نسب الى النَّصْرَانِي عِنْد القَاضِي الْمَالِكِي وَحكم بسفك دَمه وَضرب عُنُقه بِحُضُور الْجَمَاعَة بديار النِّيَابَة ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وفيهَا فِي مستهل الْمحرم حضر هجان من الْقَاهِرَة بمرسوم شرِيف بِالْقَبْضِ على الافرنج المقمين بدير صهبون وَبَيت لحم وكنيسة قمامة وتجهيزهم الى الابواب الشَّرِيفَة بِمُقْتَضى ان الافرنج أَسرُّوا أَرْبَعَة من اسكندرية وعدوا بهم واخذوهم الى بِلَاد الافرنج وفيهَا اسْتَقر القَاضِي فتح الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن دَاوُد بن الاسيل الشَّافِعِي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف والرملة ونابلس عوضا عَن القَاضِي شمس الدّين ابْن يُونُس وَورد عَلَيْهِ المرسوم الشريف الْوَارِد عَلَيْهِ من الابواب الشَّرِيفَة والبس القَاضِي شمس الدّين الديري خلعة الِاسْتِمْرَار بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة وَهِي كاملية صوف مرسيني بفروسمور وألبس جمال الدّين يُوسُف بن ربيع خلعة لاستقراره فِي وَظِيفَة أَمَانَة الحكم ووكالة الغياب وَهِي فوقاني حَرِير بِوَجْهَيْنِ وطراز وَقُرِئَ توقيع الشَّافِعِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي يَوْم لبسه وَلم يقدر لِابْنِ يُونُس بعد ذَلِك ولَايَة قَضَاء بَيت الْمُقَدّس الى ان حج الى بَيت الله الْحَرَام فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتُوفِّي بعد خُرُوجه من مَكَّة بِمَنْزِلَة بطن مرو وَحمل الى مَكَّة فَدفن بهَا

ص: 317

وفيهَا - اعني سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ - فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر جمادي الاخرة رَحل شيخ الاسلام الكمالي ابْن ابي شرِيف من الْقُدس الشريف بأولاده وعائلته إِلَى الْقَاهِرَة المحروسة واستوطنها وَكَانَ دُخُوله اليها فِي اوائل رَجَب وفيهَا دخل الوباء بالطاعون حَتَّى عَم جَمِيع المملكة وَكَانَ دُخُوله بَيت الْمُقَدّس فِي اوائل رَجَب وَاسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة وَلم يزل الطَّاعُون بالقدس الى مستهل ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وأفنى خلقا من الشَّبَاب وَالنِّسَاء وَأهل الذِّمَّة وَلم يكن طَال ببلدة من الْبِلَاد أَكثر من بَيت الْمُقَدّس فسبحان الْقَادِر عَليّ مَا يَشَاء ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وفيهَا وصل الى الْقُدس الشريف الْأَمِير جانم الخاصكي قريب السُّلْطَان وناظر الجوالي بعد عوده من المملكة الشامية وَكَانَ دُخُوله الى الْقُدس فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر جمادي الأولى فَإِنَّهُ توجه الى بِلَاد الشَّام لكشف الاوقاف وَحضر الى الْقُدس بِسَبَب ذَلِك وأوقد لَهُ الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي لَيْلَة السبت وقبة الصَّخْرَة فِي لَيْلَة الاحد والمدرسة السُّلْطَانِيَّة فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَفِي كل لَيْلَة كَانَ يقْرَأ لَهُ ختمات شريفة بِحُضُورِهِ وَجمع لَهُ من جِهَة الاوقاف بالقدس الشريف تِسْعمائَة دِينَار وَقيل الف دِينَار وَمن اهل الذِّمَّة ثلثمِائة دِينَار فَلم يقبل شَيْئا من جِهَة الاوقاف وَأعَاد الْمبلغ بِكَمَالِهِ لمستحقية وَأخذ مَا جمع لَهُ من اهل الذِّمَّة وَحصل للْمُسلمين من مستحقي الاوقاف الْجَبْر بذلك وتضاعف الدُّعَاء فِي صحائفه وسافر من الْقُدس فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشري جمادي الاولى (ذكر سفر السُّلْطَان الى المملكة الشامية) وفيهَا سَافر السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف من الْقَاهِرَة قَاصِدا المملكة الشامية فوصل الى مَدِينَة غَزَّة فِي يَوْم الاربعاء تَاسِع شهر جمادي الْآخِرَة فِي جمع قَلِيل دون مائَة نفس وَولي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب نِيَابَة الْقُدس الشريف وَهُوَ بغزة

ص: 318

عوضا عَن جَار قطلي وَألبسهُ كاملية خضراء بفروسمور وَدخل الى الْقُدس فِي نَهَار الْجُمُعَة حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وعَلى يَده المرسوم بولايته بِخَط قَاضِي الْقُضَاة قطب الدّين الخضري الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَوصل السُّلْطَان الى مَدِينَة حلب وَتوجه الى الْفُرَات وَحصل لَهُ توعك فِي السّفر وَعَاد الى دمشق وَهُوَ متوعك ثمَّ عوفي وَعَاد الى الْقَاهِرَة وَلم يقدر لَهُ الدُّخُول بِبَيْت الْمُقَدّس وَكَانَ دُخُوله الى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع شهر شَوَّال وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وفيهَا اسْتَقر الْخَطِيب ابو الحزم مُحَمَّد بن شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين ابي بكر بن القرقشندي فِي نصف خطابة الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف عوضا عَن الْخَطِيب محب الدّين ابْن جمَاعَة وَهُوَ النّصْف الَّذِي كَانَ اسْتَقر فِيهِ وَوَقع فِيهِ مَا تقدم شَرحه فِي حوادث سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وخطب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر جمادي الْآخِرَة وَقَرَأَ فِي أول رَكْعَة (وَلما فتحُوا مَتَاعهمْ وجدوا بضاعتهم ردَّتْ اليهم) وَقُرِئَ توقيعه وَتوجه الى منزله وأعلام الْمَسْجِد حوله وَمَشى النَّاس فِي خدمته وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَاسْتقر الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن غَانِم شيخ الْحرم فِي جَمِيع مشيخته الخانقاه الصلاحية عوضا عَن القَاضِي برهَان الدّين بن ثَابت وَكيل السُّلْطَان بِحكم وَفَاته وَعَن الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة بِحكم عَزله فَإِن ابْن ثَابت هُوَ الَّذِي كَانَ قَائِما بنظام الْخَطِيب محب الدّين بن جمَاعَة وعضده فِي تَوْلِيَة نصف الخطابة وَنصف مشيخة الخانقاه ثمَّ اسْتَقر ابْن ثَابت فِي النّصْف الثَّانِي من مشيخة الخانقاه - تقدم ذكره - فَلَمَّا توفّي فِي اوائل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بعد محن حصلت لَهُ مَعَ الْخَطِيب أَبُو الحزم فِي نصف الخطابة وَشَيخ الْحرم فِي جَمِيع مشيخة الخانقاه الصلاحية وأعانهما القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف فاستقل فِي ذَلِك فِي شهر جمادي الاخرة

ص: 319

وفيهَا فِي جمادي الْآخِرَة عزل القَاضِي كَمَال الدّين النابلسي الْحَنْبَلِيّ من قَضَاء الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف والرملة ونابلس عَزله القَاضِي زين الدّين بن مزهر كَاتب السِّرّ الشريف وَهُوَ بِمَنْزِلَة قانون صُحْبَة السُّلْطَان وَوَقع فِي عَزله مَا لم يَقع لغيره فَإِن الْعَادة جرت إِذا عزل القَاضِي يكْتب مرسوم السُّلْطَان أَو مطالعة القَاضِي كَاتب السِّرّ بعزله وَهَذَا القَاضِي إِنَّمَا ثَبت عَزله بِبَيِّنَة شهِدت عِنْد القَاضِي فتح الدّين ابي الْفَتْح بن الاسيل الشَّافِعِي على القَاضِي كَاتب السِّرّ انه عَزله من الْقَضَاء فَصرحَ القَاضِي الشَّافِعِي بِثُبُوت عَزله وَكَانَ الْحَنْبَلِيّ غَائِبا بِالْقَاهِرَةِ لِأَنَّهُ توجه اليها من جمادي الأولى وَكتب القَاضِي الشَّافِعِي الى نَائِبه بالرملة انه يمْنَع نَائِب الْحَنْبَلِيّ بهَا من الحكم بِمُقْتَضى ثُبُوت عزل مستخلفه وفيهَا فِي يَوْم الاحد حادي عشري رَجَب توفّي الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل ابْن ابي وَالِي اُحْدُ أَعْيَان بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ رَئِيسا كَرِيمًا وَفِيه الْخَيْر والاحسان الى الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ النَّاس يَتَرَدَّدُونَ اليه من الاعيان وَغَيرهم ويأكلون على سماطة فِي كل وَقت وَكَانَ يطعم من عرف وَمن لم يعرف فِي جَمِيع السّنة وَأما فِي شهر مضان فَمن الْعَجَائِب فِي إطْعَام الطَّعَام وَكَانَ ذَلِك عَن طيب نفس مِنْهُ لَا يتكره من ذَلِك بل يفرح لَهُ وَكَانَ قد اعتراه السّمن وتزايد حَتَّى كَانَ لَا يَسْتَطِيع الْقيام إِلَّا بِمَشَقَّة وَكَانَ من محَاسِن بَيت الْمُقَدّس وَمن أعظم محاسنه مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من هَذِه المناقب الْحَسَنَة سَلامَة النَّاس من يَده وَلسَانه وَلم يبْق بعده من هُوَ فِي مَعْنَاهُ ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي شهر ربيع الأول توجه المباشرون بالقدس الشريف الى الْقَاهِرَة المحروسة بمرسوم شرِيف ورد فِي ذَلِك وَأَقَامُوا بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ فِي ترسيم القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن الصَّابُونِي وَكيل الْمقَام الشريف ثمَّ افرج عَنْهُم وعادوا الى الْقُدس وفيهَا طلب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب نَائِب الْقُدس الشريف بِسَبَب مَا وَقع عَلَيْهِ من الشكوى للسُّلْطَان ثمَّ خلع عَلَيْهِ بالاستمرار وَعَاد الى مَحل

ص: 320

ولَايَته وَكَانَ ذَلِك فِي جمادي الأولى وفيهَا فِي شهر رَجَب توفّي الْأَمِير جاني بك الْفَقِيه أَمِير سلَاح بِالْمَدْرَسَةِ الخاتونية بعد حُضُوره الى الْقُدس من شهر الْمحرم حِين عوده من الْحجاز الشريف وَدفن بالقلندرية بماملا ثمَّ دخلت سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة فِيهَا فِي الْمحرم برز الامر الشريف بِطَلَب القَاضِي فتح الدّين بن الاسيل الشَّافِعِي إِلَى الابواب الشَّرِيفَة فَتوجه الى الْقَاهِرَة وَنزل عِنْد الْأَمِير ابي بكر قرا الدويدار الثَّانِي وَغرم مَالا وَعَاد بعد الانعام عَلَيْهِ بالاستمرار فِي وظيفته وَدخل الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم السبت رَابِع عشر ربيع الأول بخلعة السُّلْطَان وفيهَا حضر قَاصد من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة بِطَلَب المباشرين بالقدس الشريف فتوجهوا فِي شهر ربيع الأول - كَمَا تقدم فِي السّنة الْمَاضِيَة - ورسم عَلَيْهِم من بَاب القَاضِي عَلَاء الدّين الصَّابُونِي ثمَّ افرج عَنْهُم وعادوا الى الْقُدس وفيهَا توفّي أَمِير الْمُؤمنِينَ المستنجد بِاللَّه أَبُو المظفر يُوسُف بن مُحَمَّد العباسي تغمده الله برحمته وَاسْتقر بعده فِي الْخلَافَة مَوْلَانَا الامام الْأَعْظَم والخليفة المكرم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَم سيد الْمُرْسلين صلى الله عليه وسلم ووارث الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المتَوَكل على الله ابو الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن يَعْقُوب أعز الله بِهِ الدّين وأمتع بِبَقَائِهِ الاسلام وَالْمُسْلِمين ودعي لَهُ على مِنْبَر بَيت الْمُقَدّس وَغَيره من مَنَابِر الاسلام وفيهَا جدد عمل الرصاص على ظَاهر الْجَامِع الْأَقْصَى وَفك الرصاص الْقَدِيم ثمَّ ركب وَلم يكن كالاول فِي حسن الصِّنَاعَة والاتقان وَكَانَ الصَّانِع لَهُ رجلا من أهل الرّوم ثمَّ قصد نَاظر الْحَرَمَيْنِ الامير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي ان يفك الرصاص عَن ظَاهر قبَّة الصَّخْرَة ويجدده كَمَا فعل بالجامع الْأَقْصَى فَمَنعه الشَّيْخ جمال الدّين بن غَانِم شيخ الْحرم وَقَامَ فِي ذَلِك أعظم قيام وَكَانَ تَوْفِيقًا من الله فَإِن الرصاص الْقَدِيم الْمَوْجُود إِلَى الْآن أولى وَأحسن من المستجد الَّذِي عمل بالأقصى

ص: 321

وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير سنطباي النحاسي فِي نِيَابَة السلطنة الشَّرِيفَة بالقدس الشريف عوضا عَن الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب وَدخل متسلمه الى الْقُدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر جمادي الأولى وَدخل هُوَ إِلَى الْقُدس فِي يَوْم السبت سادس عشر رَجَب وَقُرِئَ توقيعه يَوْم الْجُمُعَة وفيهَا توجه القَاضِي فتح الدّين بن الاسيل الشَّافِعِي قَاضِي الْقُدس الى الْحجاز الشريف خُفْيَة من حَيْثُ لم يعلم النَّاس بِحَالهِ فَإِنَّهُ اظهر انه يتَوَجَّه الى نابلس فِي شهر رَمَضَان فَتوجه اليها ثمَّ توجه من نابلس الى بلد الْخَلِيل وسافر صُحْبَة الْحجَّاج وَهُوَ مُسْتَمر على الأولاية وشغرت الْوَظِيفَة عَنهُ من شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ ألى آخر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَلم يكن بالقدس إِذْ ذَاك حَاكم مالكي وَلَا حنبلي وَانْفَرَدَ القَاضِي شمس الدّين الديري الْحَنَفِيّ بالحكم فِي مَدِينَة الْقُدس مُدَّة سنة كَامِلَة الى ان ولي الْحَنْبَلِيّ وَدخل الى الْقُدس فِي ثامن عشر شهر شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ فَكَانَ القَاضِي الْحَنَفِيّ كلما احْتَاجَ الْأَمر الى مسئلة خلافية اسْتخْلف فِيهَا من اهل ذَلِك الْمَذْهَب وفيهَا - أَعنِي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ - حج السُّلْطَان وَالْملك الْأَشْرَف قايتباي الى بَيت الله الْحَرَام وزار النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الذّهاب واقام بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ توجه مِنْهَا الى مَكَّة المشرفة وَقضى مَنَاسِكه وَعَاد الى مَحل سلطنته بالديار المصريية وَالله الْمُوفق ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة 885 هـ فِيهَا فِي شهر الْمحرم وَردت الْبُشْرَى الى الْقُدس الشريف بوصول السُّلْطَان من مَكَّة المشرفة وَكَانَ دُخُوله إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر الْمحرم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وزينت مَدِينَة الْقُدس وَغَيرهَا من الْبِلَاد وفيهَا - بعد قدوم السُّلْطَان من الْحجاز الشريف - انْعمْ على الامير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب باستقراره فِي نِيَابَة الْقُدس الشريف عوضا عَن الامير سنطباي

ص: 322

النحاسي وُصُول متسلمه - وَهُوَ أَخُوهُ الشهابي احْمَد - الى الْقُدس فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس صفر وفيهَا ورد مرسوم شرِيف بِطَلَب نَاظر الْحَرَمَيْنِ الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي والمباشرين الى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة فتوجهوا فِي نَهَار الثُّلَاثَاء سادس ربيع الأول ثمَّ توجه القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة ثَانِي نَهَار الِاثْنَيْنِ عَاشر ربيع الآخر بمرسوم شرِيف ورد بِحُضُورِهِ وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشري ربيع الآخر دخل الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب الى الْقُدس بخلعة السُّلْطَان وَكَانَ يَوْمًا حافلا وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع جمادي الأولى دخل الْأَمِير نَاصِر الدّين بن النشاشيبي نَاظر الْحَرَمَيْنِ الى الْقُدس الشريف عَائِدًا من الابواب الشَّرِيفَة وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لدُخُوله وفيهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر جمادي الْآخِرَة كبس عَمْرو بن غَانِم البدري وَمن مَعَه من الْعَرَب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب نَائِب الْقُدس باريحاء الْغَوْر وحصلت فتْنَة قتل فِيهَا جمَاعَة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع رَجَب توجه الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب الى حلب قَاصِدا الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير وَفِي يَوْم الاحد ثَانِي عشر رَجَب حضر ملك الْأُمَرَاء برسباي نَائِب غَزَّة الى برك المرجيع وَنصب مخيمه هُنَاكَ بعمارة البرك وَشرع فِي الْعَمَل بِنَفسِهِ وَعَسْكَره وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان حضر الْأَمِير نَاصِر الدّين بن ايوب من مَدِينَة حلب الى الْقُدس الشريف وفيهَا اسْتَقر القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بن القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد الْجَعْفَرِي النابلسي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بالقدس الشريف وبلد سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام والرملة ونابلس بعد شغور قَضَاء الْقُدس عَن أَخِيه القَاضِي كَمَال الدّين من سنة اثْنَتَيْنِ

ص: 323

وَثَمَانِينَ - كَمَا تقدم - والبس القَاضِي فَخر الدّين بن نسيبة كاملية على سمور واذن لَهُ فِي السّفر فَتوجه هُوَ وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط الْحَنْبَلِيّ من الْقَاهِرَة ودخلا الى الْقُدس الشريف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر شعْبَان وكل مِنْهُمَا لابس خلعته وَقُرِئَ توقيع القَاضِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشري شعْبَان وفيهَا فِي شهر رَمَضَان ورد الْخَبَر الى الْقُدس الشريف ان الْأَمِير يشبك الدوادار الْكَبِير قتل فِي التجريدة فِي مملكة الشرق وأشاع ذَلِك رجل اسْمه يحيى ابْن جرار الفطايس فَبلغ النَّائِب الْأَمِير مُحَمَّد بن أَيُّوب ذَلِك فَطلب يحيى الْمَذْكُور وضربه بالمقارع لكَونه أشاع ذَلِك ثمَّ تَوَاتَرَتْ الاخبار بتقله وَصحت وارخ يَوْم قَتله فَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم الَّذِي تحدث النَّاس بِهِ بالقدس الشريف وَكَانَ قَتله بِأَرْض الرها من ملك الْعَجم وفيهَا وَقعت فتْنَة بالقدس الشريف سَببهَا ان الْأَمِير نَاصِر الدّين بن أَيُّوب نَائِب الْقُدس قبض على جمَاعَة من بني زيد وقتلهم فَحَضَرَ الى الْقُدس جمع كَبِير من جمَاعَة المقتولين وعصبتهم وهجموا على مَدِينَة الْقُدس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشري شَوَّال فَعلم بهم النَّائِب فَركب من منزله وَتوجه الى نَحْو بَاب الاسباط فأدركه الْقَوْم وقصدوه فَدخل وَهُوَ رَاكب الى الْمَسْجِد من بَاب الاسباط وَاسْتمرّ رَاكِبًا الى أَن خرج من بَاب المغاربة وهجم العشير الى دَاخل الْمَسْجِد وَالسِّلَاح مَشْهُور بِأَيْدِيهِم لقصد قَتله فنجا مِنْهُم باسراعه بِالْخرُوجِ من بَاب المغاربة وَكسر بَاب السجْن وَأخرج من بِهِ من المسجونين وبادر التُّجَّار بتوزيع مَا فِي حوانيتهم وَقتل ثَلَاثَة أَنْفَار وجرح جمَاعَة وَشرع الْعَرَب فِي قطع الطّرق وايذاء النَّاس وَحصل الارجاف فِي النَّاس واغلقت الاسواق والمنازل خشيَة النهب وَكَانَت فتْنَة فَاحِشَة

ص: 324