المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التأديب العملي هو طريق الإسلام إلى حرب الخمر - دور الأدب في مكافحة الخمر بين الجاهلية والإسلام

[محمود محمد سالم]

الفصل: ‌التأديب العملي هو طريق الإسلام إلى حرب الخمر

إنه قول مجرب ذاق مرارتها وإن زعم الناس سفاهة أنه تجلب السرور، وتدفع الهموم، ولكنه يصور ما يلقاه شاربها من استخفاف الناس به واحتقارهم لما يأتيه من أقوال وأفعال تذل على الطيش والضلال.

وحسبك أن ترى في قصته على اختلاف الرواة فيها أن المجتمع الإسلامي أصبح ينظر إلى معاقريها نظرة ازدراء واحتقار وأنه محروم من أشرف ما يتسابق إليه المتسابقون في ظل الإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله وأن هذا المجتمع الجاد لا يصح أن يشغل المرء نفسه وغيره بتصوير الشهوات والحنين إلى أيام الضلال والترهات لأن مثل هذا الحنين يضعف النفوس عن قوة العزائم، وبأس الإرادة، واستمع إلى أبي محجن يعلن توبته ويعاهد الله ألا يعود إليها ما عاش: حيث يقول:

أتوب إلى الله الرحيم فإنه

غفور لذنب المرء ما لم يعاود

ولست إلى الصهباء ما عشت عائدا

ولا تابعا قول السفيه المعاند

وكيف قد أعطيت ربي موثقا

أعود لها والله ذو العرش شاهد

سأتركها مذمومة لا أذوقها

وإن رغمت فيها أنوف حواسدي

وقوله:

ألم ترني ودعت ما كنت أشرب

من الخمر إذ رأسي لك الخير أشيب

وكنت أروي هامتي من عقارها

إذ الحد مأخوذ وإذ أنا أضرب

فلما دروا عني الحدود تركتها

وأضمرت فيها الخير والخير يطلب

وقال لي الندمان لما تركتها

أالجد هذا منك أم أنت تلعب

وقالوا: عجيب تركك اليوم قهوة

كأني مجنون وجلدي أجرب

سأتركها لله ثم أذمها

وأتركها في بيتها حيث تشرب

ص: 145

‌التأديب العملي هو طريق الإسلام إلى حرب الخمر

التأديب العلمي هو طريق الإسلام إلى حرب الخمر:

ومن المؤكد أن أقوى الوسائل وأنجع الطرق في حرب الخمر ومقاومة الولع بها هو ما

ص: 145

سلكه الإسلام في حربها، ذلك أن الله عز وجل خاطب بالأمر عن اجتنابها قلوب المؤمنين به، فكانت عقيدة الإيمان بالله التي امتلأت بها قلوب السلف الصالح من المسلمين هي أقوى الرسائل في اجتنابها، فما كان لقلب المؤمن أن يهفوا إلى ما حرمه الله، وما كان له أن ينازع أو تكون له الخيرة فيما قضاه من أمر بالتحريم أو التحليل لأن التسليم والإذعان هو علامة الإيمان بالله مصداقا لقوله تعالى.

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} سورة الأحزاب الآية/36، والثابت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يشرب الخمر شاربها وهو مؤمن".

فإن قويت العقيدة الإيمانية في نفس المؤمن كانت الزاجر الداخلي الذي لا يحتاج معه المؤمن إلى زاجر من قوة خارجية تصده عما يهواه، فإن ضعفت هذه العقيدة أو غابت، برزت قوة الشريعة وسلطة القانون الديني التي تقف للعابثين بالمرصاد بما شرعه الله من عقوبات وحدود تصون سلامة الفرد وتحمي أمن الجماعة، ولهذا قام الخلفاء المسلمون على تنفيذ الشريعة شريعة الله في إقامة الحدود، ومنها حد الخمر على شاربها أيا كانت منزلته الاجتماعية، وأيا بلغت مكانته بين الناس. .

ومن ذلك ما رواه ابن جرير الطبري بسنده في حوادث السنة الثانية عشرة من الهجرة وهو أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وهو أمير جيوش المسلمين بالشام في حرب الروم قد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نفرا من علية القوم في المسلمين أصابوا الشراب منهم ضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهل فسألناهم فقالوا: خيرنا فاخترنا قال: فهل أنتم منتهون..؟ ولم يعزم أبو عبيدة، فجمع عمر الناس واستشارهم فيما فعل هؤلاء وفيما قالوه، فاجتمعوا على أن يضربوا فيها بثمانين جلدة، فكتب عمر إلى أبي عبيدة، أن ادعهم فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين جلدة، فبعث إليهم فسألهم واستحيوا ولزموا البيوت" وأدركت أبا جندل حال من الوسواس كادت تقتله فكتب أبو عبيدة إلى عمر: إن أبا جندل قد وسوس إلا أن يأتيه الله على يديك بفرج فاكتب إليه وذكره، فكتب إليه عمر: من عمر إلى أبي جندل: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فتب إليه، وارفع رأسك، وابرز، ولا تقنط فإن الله عز وجل يقول:{يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} سورة الزمر/ 53، فلما قرأ أبو عبيدة على أبي جندل كتاب عمر تطلق

ص: 146