الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدب الإسلام في حرب هذه الرذيلة
…
أدب الإسلام في حرب هذه الرذائل:
وحين أراد الله بهذه الأمة خيراً بنزول الإسلام فيها حارب هذه الآفات والرذائل في حياة الفرد والجماعة، فشدد عليها النكير، ووضع لها العقاب الصارم الرادع ليجعل من هذه الأمة قوة بناءة قادرة على حمل رسالة الله إلى الناس كافة، فقد وصف الله الخمر في القرآن بأنها رجس ومن عمل الشيطان، ونهى رسول صلى الله عليه وسلم عنها، ولعن عاصرها ومعتصرها وشاربها، وجعل لشاربها حداً أربعين جلدة، وكذلك فعل أبو بكر رضي الله عنه، وحين رأى عمر رضي الله عنه بعض العرب ما يزال يتورط في شربها جعل حدَّها ثمانين جلدة بعد أن استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخف الحدود ثمانون جلدة 1.
الأدب العربي وآفة الخمر:
ويجد الباحثون في تاريخ الأدب العربي دوراً بارزاً للأدب وبخاصة الشعر في انتشار آفة الخمر، والولع بها وذلك بما صوروه في شعرهم من النشوة واللذة التي تصاحب شربها ومن جمال المجالس التي تضم الندمان، وقد أحاطت بهم صور من الترف في لذيذ المطاعم والمشارب، ونعيم الملك وأبهة السلطان.
ذلك أن كثيراً من شعراء العرب الجاهليين الذين اشتهروا بشعر الخمر، كانوا ينتجعون ملوك الحيرة والغساسنة، فيلقون عندهم صنوفا من التكريم والعطاء ما يطلق ألسنتهم بالمدح والثناء، وتصوير ما يحيط بهم من ألوان المتعة وصنوف البهاء.
ومع وفرة النصوص الأدبية التي تشيد بالخمر في وصف محاسنها والإعجاب بنشوتها قديما وحديثا، فإن الباحث لا يعدم أن يجد النصوص الكثيرة التي تذمها وتزري بشاربيها، وتصور مضارها ومفاسدها وتبرز خطرها على العقل والدين.
الشعر الجاهلي وحرب الخمر:
ففي الشعر الجاهلي نجد نصوصاً كثيرة. وإن كانت متناثرة – تصور ما أحدثته الخمر بشاربيها، وما نالت من كرامتهم، وما تعرضوا له بسببها من مهانة واحتقار، فطرفة بن العبد – وهو من أشهر واصفيها والمولعين بها والمدمنين عليها – يصور في معلقته ما ناله بسببها
1 كتاب عمدة الأحكام للإمام تقي الدين المقدسي في باب حد الخمر.
من تحامي عشيرته له، وإبعاده عنها حتى اجتنب منهم، وعزل البعير الأجرب الذي يعزل عن الإبل الصحاح حتى لا يصيبها بعداوه، وذلك حيث يقول:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي
…
وبيعي وإتلافي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
…
وأفردت إفراد البعير المعبد
ومع شيوعها في الجاهلية وفقدان الوازع الديني الذي يحرمها لم يكن معاقروها مثلا أعلى يحتذي به بين الرجال، ولا كانوا قدوة صالحة بين الناس، لأنهم ساقطو الهمة لا يرجيهم الناس لدفع ضرر أو جلب منفعة، وذلك ما يصوره قول أحد شعراء الجاهلية:
وليس فتى الفتيان من جلُّ همه
…
صبوح وإن أمسى ففضل غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح أو غدا
…
لضر عدو أو لنفع صديق
وواضح من هذا النص أن المثل الأعلى للفتوة والرجولة هو الشجاع القادر على منازلة الأعداء، الكريم القادر على نفع الأصدقاء، وليس المثل الأعلى للرجال ذلك المدمن على الشراب في صباحه ومسائه، فهو منعدم المروءة، ساقط الهمة، لا يرجى في حرب ولا سلم لأنه جعل همه هواه.
وفي سير شعراء الجاهلية ما يقدم لنا دليلا على أن الذين أولعوا بها واشتهروا بها بين قومهم وذويهم كانوا يدمنونها في مرحلة من مراحل طيش الشباب، وعرامة الفتوة، ألهاهم الغنى والترف عن التعلق بمعالي الأمور، وعن الانشغال بجلائل الأعمال، ففي حياة امرئ القيس لمحات دالة على أن انغماسه في اللذات وانهماكه في اللهو والشراب كان في الفترة الأولى من حياته وقد طرده أبوه حجر الكندي الذي كان ملكا على بني أسد، وبلغه مقتل أبيه وهو في مجلس شرابه، وقال قولته المشهورة التي صارت مثلاً: ضيعني صغيرا، وحملني دمه كبيراً اليوم خمرٌ، وغداً أمرٌ، لا صحو اليوم، ولا سكر غداً ". وكان ذلك الحادث فاصلاً بين عهدين وحداً بين مرحلتين في حياته.
وقد مدح زهير بن أبي سلمى حصن بن حذيفة الفزاري، فكان مما امتدح من فضائله أنه لا يشرب الخمر، ولا يهلك فيها ماله وإنما يذهب بماله كثرة عطاياه للمحتاجين، وذلك حيث يقول: