المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السخرية بالسكارى والمخمورين: - دور الأدب في مكافحة الخمر بين الجاهلية والإسلام

[محمود محمد سالم]

الفصل: ‌السخرية بالسكارى والمخمورين:

رعديد جبان، وقد صورة بعض النصوص ما تحدثه الخمر في عقول شاربيها من الأوهام، ومما قيل في شجاع السكر جبان قول أحد الشعراء:

إذا شرب الجبان الخمر يوما

أعارته الشجاعة باللسان

وعند الصحو تلقاه جزوعا

إذا اشتد اللقا يوم الطعان

وقيل فيه أيضا:

يقول جبان القوم في حال سكره

وقد شربت الصهباء هل من مبارز

وأين الخيول الأعوجيات في الوغى

أناقل فيها كل ليث مناهز

ومن لي بحرب ليس تخمد نارها

لعمرك إني لست فيها بعاجز

ففي السكر قيس وابن معدي وعامر

وفي الصحو تلقاه كبعض العجائز

ص: 153

‌السخرية بالسكارى والمخمورين:

وتقل النصوص الأدبية من الشعر والنثر التي تبرز دور الأدب في محاربة الخمر في عصور الانحطاط الأدبي. وترجع قلتها لأسباب كثيرة سياسية واجتماعية، ولكن من المؤكد أن الفكاهة الأدبية المروية والمكتوبة عن أحوال السكارى وسوء حالهم متناثرة في بطون الكتب القديمة والصحف العصرية وتحتاج إلى جمع وبحث وتحليل، وتؤدي الدور الذي كان يؤديه الأدب في محاربة الخمر في عصور القوة والازدهار الأدبي، وهذه الفكاهة الساخرة، وإن لم ترتفع إلى مستوى الأدب الرفيع والذوق العالي لما يند فيها من ألفاظ العبث وصور المجون، إلا أنها توجع السكارى، وتبعث بسمة السخرية على شفاه الناس من سوء أحوال هؤلاء الذين منحهم الله العقل فاشتروا بأيديهم ما يسلب عقولهم، ليصبحوا سخرية الساخرين وهزأة المستهزئين.

ومن الحق المؤكد أن الأدب العملي الذي سلكه الإسلام في مقاومة الخمر هو أنجع الوسائل في القضاء عليها ويتمثل هذا الأدب العلمي في أمرين: قوة العقيدة، وتنفيذ الشريعة، وإذا طلب من الأدب من الشعر والنثر أن يؤدي دوره في مجال محاربة الخمر والمخدرات

ص: 153

والمكيفات وغيرها من الآفات المنتشرة في عالمنا المعاصر فإنه لا يمكن أن يثمر ثماره، ويؤتي نتائجه المرجوة إلا إذا كانت الطباع سليمة والنفوس مهيئة لقبول الحق. وتلقي النصح، أما إذا كانت البيئة فاسدة، والنفوس جامحة والسلطة فاترة فإنه لا ينفع أدب أديب، ولا رأي أريب فإنه:

إذا كان الطباع طباع سوء

فلا أدب يفيد ولا أديب

فلتأخذ الأمة الإسلامية من تاريخها عبرة ولتعد إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ولتحكم شرع الله في كل أحوالها فإن عادت إلى الحسنى وكان لها الجزاء الأوفى. والله وحده الهادي إلى سواء السبيل.

الخمر وسوء المصير:

روي أن بشار بن برد الشاعر كان عربيدا سكيرا يؤذي الناس خاصتهم وعامتهم بقبيح أهاجيه، وقد هجا الخليفة المهدي العباسي وخرج المهدي إلى البصرة يتفقد أحوالها فسمع أذانا في الضحى فقال: أنظروا ما هذا فإذا بشر وهو سكران فقال له:يا زنديق عجب أن يكون هذا من غيرك، ثم أمر به فضرب حد الخمر فأتلفه الضرب، فألقي في سفينة، وألقيت جثته في الماء فحمله فقذف به الماء إلى شاطيء دجلة فجاء بعض أهله فحملوه، وأخرجت جنازته فما تبعه أحد، وتباشر عامة الناس بموته، لما كان يلحقهم من أذاه.

ص: 154