المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأدب والخمر في الإسلام: - دور الأدب في مكافحة الخمر بين الجاهلية والإسلام

[محمود محمد سالم]

الفصل: ‌الأدب والخمر في الإسلام:

قضايا الجهاد في سبيل الله، ومن تصوير الفتوح الإسلامية الرائعة، وما لمع فيها من صور البطولات الفذة، والتضحيات النادرة الخالدة.

ص: 143

‌الأدب والخمر في الإسلام:

ومن الدلالة على صدق الأدب العربي وقدرة تصويره على أحوال الأمة الإسلامية أنه لم يخل من الأمثلة الأدبية التي تصور دوره في كل ما مر بالمسلمين من أحداث ومشكلات، وما خامر عقول الأدباء والشعراء من خواطر وآراء، فلم يخل جملة واحدة من النماذج الأدبية التي تصور حنين الذين ظلوا يعاقرونها ويعدزون عن الإقلاع عنها، كما تصور ما نالهم بسببها من حدود وما تعرضوا له من أجلها من طرد وإبعاد، وأصدق هذه النماذج ما صدر عن ذوي التجارب الشعرية الحقيقية في هذا المجال وعلى رأس هؤلاء أبو محجن الثقفي، وقد كان صاحب خمر مولعا بالشراب يتغنى بها، وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقام عليه حد شرب الخمر عدة مرات ثم نفاه وحبسه فهرب من محبسه، ولحق بسعد بن أبي وقاص وهو في معارك القادسية بالعراق في جهاد المسلمين ضد الفرس، فبلغ عمر خبره ولحاقه بسعد فأرسل إليه يأمره بحبسه فحبسه سعد، فلما كان يوم "أغواث" من أيام القادسية في السنة الرابعة عشرة من الهجرة، جال المسلمون في الحرب جولة حتى كاد المسلمون ينهزمون، وتروي له كتب الأدب والتراجم والتاريخ أبياتا شعرية يقولها متحسرا على حرمانه من الجهاد، وفي آخرها يعاهد الله على التوبة، من شرب الخمر، وألا يغشى الحانات إن فرج الله كربه، وفك أسره، وأمكنه أن يشارك في الجهاد، ومن أبياته تلك قوله:

كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا

وأترك مشدودا على وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت

مصاريع من دوني تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة

فقد تركوني واحدا لا أخاليا

ولله عهد لا أخيس بعهده

لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا

وتتفق أكثر الروايات في خبر على أنه أبلى في يوم أغواث من أيام القادسية بلاء حسنا، وأنه كان يمتطي فرس سعد بن أبي وقاص المسماة بالبلقاء، وتختلف الروايات في

ص: 143

اسم المرأة التي هيأت له سبيل الخورج من السجن ليشرك في القتال، أهي زبراء أم ولد سعد كما يرى ابن سلام الجمحي وابن حجر في الإصابة أم هي سلمى بنت خصفة زوج سعد كما يروي ابن جرير في تاريخه، ويسميها ابن كثير في البداية والنهاية سلمى بنت حفص.

والمتفق عليه أنه عاهد المرأة التي أطلقت سراحه أن يعود إلى محبسه إن كتبت له النجاة من القتل، وأنه انطلق إلى قتال أعداء الله فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزم الله أعداءه، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يرقب المعركة، وكانت به قروح فكان يقول:"الضبر ضبر البقاء. والطفر طفر أبي محجن، وأبو محجن في القيد".

فلما انجلت المعركة عن هزيمة العدو رجع أبو محجن ووضع رجله في القيد كما كان وأخبرت المرأة سعدا بما كان من أمره، فخلى سعد سبيله فقال أبو محجن:" لقد كنت أشربها إذ كان يقام على الحد فأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا".

ويروى ابن حجر قصة عن سبب حبس أبي محجن خلاصتها، أن امرأة سعد سألته فيم حبس؟ فقال: والله ما حبست على حرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية، فند كثيرا على لساني وصفها فحبسني بذلك فأعلمت المرأة سعدا بذلك فقال: اذهب فما أنا بمؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله" وعاد ابن حجر فضعف هذه القصة لضعف راويها وهو سيف، ورجح الروايات التي تنسب إلى أبي محجن شرب الخمر وإقامة الحد عليه مرات لأنها أقوى وأشهر..

ومهما يكن من أمر أبي محجن في سبب سجنه فإن من الثابت المؤكد أنه تاب عن الخمر توبة نصوحا. وقضى بقية عمره مجاهدا في سبيل الله وقال شعرا يذمها ويهجوها وينهى عنها ومن ذلك قوله:

قول أناس: اشرب الخمر إنها

إذا القوم نالوها أصابوا الغنائما

فقلت لهم: جهلا كذبتم ألم تروا

أخاها سفيها بعدما كان حالما

وأضحى وأمسى مستخفا مهيما

وحسبك عارا أن ترى المرء هائما

ص: 144