الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
217 - بَابُ المُحَافَظَةِ عَلَى الوُضُوءِ
1369 -
حَدِيثُ ثَوْبَانَ
◼ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ (دِينِكُمُ) الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
• وَفِي رِوَايَةٍ: «اسْتَقِيمُوا تُفْلِحُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
• وَفِي رِوَايَةٍ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْمَلُوا
(1)
، وخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ».
[الحكم]:
صحيحٌ بطرقه وشواهده، وصَحَّحَهُ: العقيليُّ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ الصَّلاحِ، والذهبيُّ، والبغويُّ، والمنذريُّ، ومغلطايُ، والبوصيريُّ، والسيوطيُّ، والمُناويُّ، والألبانيُّ.
(1)
كذا في أكثر نسخ مسند أحمد، وكذا أثبته محققو طبعة الرسالة (22433)، وطبعة المكنز (22869)، وطبعة عالم الكتب (22797)، ووقع في الطبعة الميمنية (5/ 282): «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْمَلُوا وَخَيِّرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ
…
».
[الفوائد]:
1 -
قال ابنُ عبد البر: ((قوله في هذا الحديث: ((سَدِّدُوا وَقَارِبُوا)) يفسرُ قوله: ((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا)) يقول: سددوا وقاربوا فلن تبلغوا حقيقةَ البر ولن تطيقوا الإحاطة في الأعمال، ولكن قاربوا فإنكم إن قاربتم ورفقتم كان أجدر أن تدوموا على عملكم)) (التمهيد 24/ 319 - 320).
وقال أيضًا: ((يعني على الطريقةِ النهجيةِ التي نهجت لكم وسَدِّدوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في أعمال البرِّ كلها، ولا بدَّ للمخلوقين من ملال وتقصير في الأعمال، فإن قاربتم ورفقتم بأنفسكم كنتم أجدر أن تبلغوا ما يراد منكم)) (الاستذكار 1/ 209).
2 -
قال ابن حبان: ((ذكرنا في كتبنا أن العربَ تطلقُ الاسم بالكلية على جزءٍ من أجزاء شيء يطلق اسم ذلك الشيء على جزء من أجزائه. فقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» أطلق اسم الإيمان على المحافظ على الوضوء، والوضوء من أجزاء الإيمان، كذلك أوقع صلى الله عليه وسلم اسم الإيمان على المقرِّ دون العمل به؛ لأنه جزءٌ من أجزاء الإيمان على حسب ما ذكرناه)) (صحيح ابن حبان عقب رقم 1033).
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «واعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ، قال السندي:"أي: إن لم تطيقوا بما أُمرتم به من الاستقامة فحقٌّ عليكم أن تلزموا فرضها وهي الصلاة الجامعة لأنواع العبادات: القراءة والتسبيح والتهليل والإمساك عن كلام الغير"(حاشية السندي على سنن ابن ماجه 1/ 119).
[التخريج]:
[جه 278 (واللفظ له) / حم 22378، 22414 "والسياق الثاني له"،
22436، 22433 "والسياق الثالث له"/ مي 673، 674/ حب 1033/ ك 452، 453، 454/ طب 1444/ طس 7019/ طص 8، 1011/ طش 1078، 1335/ ش 35 "مختصرًا"/ تعب (2/ 187) / طي 1089/ بغ 155/ ني 614، 615، 616، 619/ هق 385، 2179/ غيب 1897، 419/ شعب 2457، 2459، 2545/ تعظ 167، 168، 170، 171/ خط (1/ 309) / عدن 22، 23/ طهور 19/ بحر (1/ 97) / أسلم 2/ يخ 18/ 172/ تمام 781/ زمب 1040/ زحم 1194/ حلب (9/ 3878) / بقر 26/ هقص 21/ قهق 297/ عراق 88/ تمهيد (24/ 318 - 319) / مقدص 24/ كك (ق 288/ ب) / فضش 34/ كر (5/ 485) / معكر 897/ متفق 54/ سبكي (1/ 419) / جعفر 66/ طاهر (تصوف 35)].
[التحقيق]:
لهذا الحديثِ أربعةُ طُرُقٍ:
الطريقُ الأولُ: أبو كبشة السلوليُّ، عن ثوبانَ:
أخرجه أحمد (22433) قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن ثوبان، حدَّثني حسان بن عطية، أن أبا كبشة السلوليَّ حدَّثه، أنه سمع ثوبانَ يقول
…
فذكره.
وأخرجه الدارمي (674)، وابن حبان، والطبراني في (الكبير 1444)، وفي (مسند الشاميين 217)، والمروزي في (تعظيم قدر الصلاة 167)، وابن شاهين في (فضائل الأعمال 34)، والبيهقي في (شعب الإيمان 2715)، وابن عساكر في (تاريخه 5/ 485) كلهم من طريق الوليد بن
مسلم به.
وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ، غير ابن ثوبان، وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان؛ مختلفٌ فيه، وقال عنه الحافظ:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 3820).
قال الألبانيُّ: "والمتقررُ أنه حسنُ الحديثِ إذا لم يخالف"(الصحيحة 115).
قلنا: وقد صرَّحَ الوليدُ بنُ مسلمٍ بالتحديثِ في جميعِ طبقاتِ الإسنادِ، فانتفتْ شبهةُ التدليس والتسوية، ولذلك صححه ابن حبان.
وقال البيهقي: "وهذا إسنادٌ موصولٌ"(الشعب 2459).
وقال ابن عبد البر: "وهذا يستندُ ويتصلُ من حديثِ ثوبانَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من طُرُقٍ صحاحٍ"(التقصي لحديث الموطأ صـ 250).
وقال أبو عمرو بن الصلاح -في رسالته في (صلاة الرغائب ق 10/ 1) بعدما عزاه لابن ماجه-: "وله طُرقٌ صِحاحٌ"(الإرواء 2/ 137).
وقال مغلطاي: "وقد وقعَ له أيضًا حديثُ ثوبانَ متصلٌ بسندٍ صحيحٍ، ذكره أبو حاتم ابن حبان في كتابه الصحيح"(شرح سنن ابن ماجه 1/ 250).
ورمز السيوطي له بالصحة في (جامعه الصغير 994).
وقال المُناوي: "وقد عَدَّ جمعٌ هذا الخبرَ من جوامعِ الكلمِ، وله طُرقٌ صِحاحٌ"(فيض القدير 1/ 497).
وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الإرواء 2/ 135)، و (السلسلة الصحيحة 115).
والظاهرُ أن هذا الطريقَ هو الذي عَنَاهُ العقيلي بقوله -معلقًا على حديث
ابن الأكوع الآتي قريبًا-: "هذا يُروى بإسنادٍ ثابتٍ عن ثوبانَ"(الضعفاء 1741).
الطريقُ الثاني: عبدُ الرحمنِ بنُ ميسرةَ، عن ثوبانَ:
أخرجه أحمد (22414) قال: حدثنا علي بن عياش، وعصام بن خالد قالا: حدثنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن ثوبان، به.
وأخرجه الطبراني في (مسند الشاميين 1078): عن أبي زرعة الدمشقي، عن علي بن عياش -وحده-، عن حريز، به.
وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة أبي سلمة الشامي؛ قال عنه علي بن المديني: "مجهولٌ، لم يَرْوِ عنه غير حريز بن عثمان"، وتبعه ابن القطان الفاسي فقال:"مجهولُ الحالِ، لا يُعرفُ روى عنه إلا حريز بن عثمان"(بيان الوهم والإيهام 4/ 109).
كذا قالا، وقد رَوى عنه جمعٌ كما في (تهذيب الكمال 17/ 450)؛ فقد روى عنه صفوانُ بنُ عمرٍو كما عند أحمدَ في (مسنده 17198)، وثورُ بنُ يزيدَ كما عند الطبراني في (الكبير 1194). وقال العجليُّ:"شامي تابعي ثقة"(معرفة الثقات وغيرهم 1081)، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 109)، وقال أبو داود:"شيوخُ حريز كلُّهم ثقات"(تهذيب الكمال 3973)، وقال الذهبي:"ثقة"(الكاشف 3327)، وأما الحافظ فقال:"مقبولٌ"(التقريب 4022).
قلنا: بل مثله لا يَنْزِلُ حديثُهُ عن مرتبة الحسن.
الطريقُ الثالثُ: سالمُ بنُ أبي الجعدِ عن ثوبانَ:
رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه)، وابن ماجه في (سننه)، والطبراني في
(الأوسط)، والحاكم في (المستدرك 454)، وغيرهم من طرق عن منصور.
ورواه أحمد في (مسنده)، والطيالسي في (مسنده)، والحاكم في (المستدرك 452، 453)، وغيرهم من طرق عن الأعمش.
ورواه الدارمي (673)، والروياني (614)، وغيرهما من طريق منصور والأعمش.
ورواه الروياني (619) من طريق الأعمش ويزيد بن أبي زياد.
ورواه الطبراني في (الصغير)، و (مسند الشاميين)، وأبو أحمد الحاكم في (الكنى) من طريق الحكم بن عتيبة.
كلهم (الأعمش، ومنصور، ويزيد بن أبي زياد، والحكم بن عتيبة) عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان به. ولفظ ابن أبي شيبة: «لَا يُحَافِظُ عَلَى الطّهُورِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
وإسنادُهُ -من طريق منصور والأعمش- رجاله ثقات رجال الشيخين غير أنه منقطع؛ فإن سالمًا لم يسمعْ من ثوبان؛ قال أحمد بن حنبل: "لم يَلْقَ ثوبانَ؛ بينهما معدانُ بنُ أبي طلحةَ"(الجرح والتعديل 4/ 181) و (جامع التحصيل 218). وقال محمد بن يحيى الذهليُّ: "سمعتُ أحمد بن حنبل ـ وذكر أحاديثَ سالم بن أبي الجعد عن ثوبانَ. فقال: لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلْقه، وبينهما معدانُ بنُ أبي طلحةَ، وليستْ هذه الأحاديث بصحاحٍ"(تهذيب الكمال 10/ 132). وقال البخاري: "لم يسمعْ من ثوبانَ"(علل الترمذي الكبير صـ 386).
ومما يؤكِّدُ عدم سماع سالم له من ثوبان أن محمد بن نصر المروزيَّ -في (تعظيم قدر الصلاة 171) - رواه عن يحيى بن يحيى النيسابوري، عن
جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن سالم، قال: حُدِّثْتُ عن ثوبانَ
…
فذكره.
وبهذه العلةِ ضَعَّفَهُ غيرُ واحدٍ:
فقال ابن حبان: "وخبرُ سالمِ بنِ أبي الجعدِ عن ثوبانَ خبرٌ منقطعٌ فلذلك تنكبناه"(الصحيح عقب رقم 1033).
وقال البيهقي: "حديثُ سالم بن أبي الجعد منقطعٌ فإنه لم يسمعْ من ثوبانَ، والله أعلم"(الشعب 2459).
وقال البغوي: "هذا منقطعٌ، ويروى متصلًا عن حسانَ بنِ عطيةَ، عن أبي كبشةَ السلوليِّ، عن ثوبانَ"(شرح السنة 155).
وقال المُناوي: "قال الحافظُ العراقيُّ في أماليه: حديثٌ حسنٌ، رواتُهُ ثقاتٌ، إلا أن في سندِهِ انقطاعًا بين سالمٍ وثوبانَ"(فيض القدير 1/ 497).
ومع ذلك قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخين ولم يخرجاه، ولستُ أعرفُ له علة يعلل بمثلها مثل هذا الحديث" اهـ.
فتَعَقَّبَهُ مغلطاي فقال: ((وليس كما قال؛ فإن هذا حديث منقطع، والمنقطعُ ليس صحيحًا، وممن صرَّحَ بذلك الإمام أحمد فإنه قال: سالم بن أبي الجعد لم يسمعْ من ثوبانَ، بينهما معدان بن أبي طلحة، وقال أبو حاتم الرازيُّ: لم يدركه. وبنحوه قاله ابن حبان، وأما تحسين الترمذي حديثه عن ثوبان يرفعه: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ}، فالكلام معه كالكلام مع الحاكم)) (شرح ابن ماجه 1/ 90).
وتَعَقَّبَهُ البوصيري -أيضًا- بقوله: "علته أن سالمًا لم يسمعْ من ثوبانَ، قاله أحمدُ وأبو حاتم والبخاريُّ وغيرُهُم"(الزوائد 1/ 321).
وقال الحافظ: "بل هو منقطعٌ بين سالم وثوبان، وإسنادُ ابنِ حبانَ أوصل منه"(إتحاف المهرة 3/ 33).
وقال المنذري: "رواه ابنُ ماجه بإسنادٍ صحيحٍ"(الترغيب 311)!
فتعقبه الحافظ برهان الدين الناجي؛ فقال: ((هو من رواية سالم بن أبي الجعد عن ثوبان، وله علةٌ عَقَّبَهُ بها صاحب الأطراف فيه بعد أن ذكره وكفانا المؤنة، فقال: "قال أحمد بن حنبل: لم يسمع سالم من ثوبان، بينهما معدان"، يعني: ابنَ أبي طلحة اليعمريَّ، أي: أنه أرسلَهُ عنه، وقال في (تهذيب الكمال) في ترجمةِ سالمٍ هذا: "قال الذهلي عن أحمد: لم يسمع سالم من ثوبان، ولم يلقه، بينهما معدان بن أبي طلحة، وليستْ هذه الأحاديث بصحاح")) (عجالة الإملاء 1/ 325 - 327).
ولعله لهذه العلة ضَعَّفَهُ النوويُّ في (الخلاصة 226).
ولكن للحديث طريقان آخران يصحُّ بهما كما تقدَّمَ.
الطريقُ الرابعُ: سلمانُ بنُ شمير الألهانيُّ، عن ثوبانَ:
رواه تمام في (الفوائد 781) عن أبي الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي، ثنا محمد بن أحمد بن زرقان المصيصي بدمشق سنة تسع وستين ومئتين، ثنا حجاج بن محمد الأعور، ثنا حريز بن عثمان الرحبي عن سلمان بن شمير الألهاني عن ثوبان به.
وفيه محمد بن أحمد بن زرقان المصيصي ذكره ابن ماكولا في (الإكمال 4/ 184)، وابن عساكر في (تاريخه 51/ 40)، وابن ناصر في (توضيح المشتبه 4/ 290)، والذهبي في (تاريخ الإسلام 380) ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وقد خُولِفَ في سندِهِ؛ فقد رواه علي بن عياش وعصام بن خالد -كما عند أحمد (22414) وغيره- عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة عن ثوبان.
فذِكرُ (سلمان بن شمير) منكرٌ في هذا الحديثِ.
وعلى أية حال فالحديثُ صحيحٌ بمجموعِ الطريقين الأولين، وسندُهُما حسنٌ، ويعضدهما الطريق الثالث مع ضعفه، وله شواهد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي أمامة وغيرهم كما سيأتي، والله أعلم.
وقوله: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا» له شاهد في الصحيحين من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما.
[تنبيه]:
ذَكَرَ جامعو كتاب (الجامع لعلوم الإمام أحمد 14/ 109) أن الإمامَ أحمدَ صَحَّحَ هذا الحديثَ، نقلًا من (تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 3/ 142 ط. دار الكتب العلمية).
وقد وَهِموا في ذلك؛ بسببِ سوء النسخة التي اعتمدوا عليها، وإنما هو قول ابن عبد الهادي نفسه، كما يُعْلمُ ذلك بمراجعة موضع الكلام في (التنقيح 4/ 285 ط. أضواء السلف).
* * *
1370 -
حَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:
◼ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ، وهذا إسنادٌ حسنٌ.
[التخريج]:
[طش 217].
[السند]:
أخرجه الطبراني في (مسند الشاميين) قال: حدثنا محمد بن جعفر الرازي، ثنا علي بن الجعد، ثنا ابن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عَمَّنْ سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ، من أجلِ الخلافِ في ابنِ ثوبانَ على ما بَيَّنَّاهُ في حديثِ ثوبانَ، والصحابي الذي روى عنه السلولي قد سمَّاه الوليد بن مسلم أنه ثوبان رضي الله عنه، وقد تَقَدَّمَ، على أن جهالةَ الصحابة لا تضرُّ، خاصة إذا كان الراوي عنه من كبار التابعين كأبي كبشة السلولي.
1371 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ لشواهدِهِ، وهذا الشاهدُ إسنادُهُ ضعيفٌ.
وضَعَّفَهُ: النووي، والبوصيري، والألباني.
وحَسَّنَهُ مغلطاي. ورمزَ لصحتِهِ السيوطي، وصَحَّحَهُ لشواهدِهِ الألبانيُّ.
[التخريج]:
[جه 279 (واللفظ له) / بز 2367/ ش 36/ مش (مغلطاي 1/ 91) / تعظ 169/ طب (13/ 442 - 443/ رقم 14294، 14295)، (13/ 444/ رقم 14298)، (13/ 453/ رقم 14312)، (13/ 626/ رقم 14548) / هقص 22/ شعب 2458، 2546/ تمهيد (24/ 319) / طاهر (تصوف 45) / دبيثي (2/ 213)].
[السند]:
رواه ابن ماجه في (سننه) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، به.
ورواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو به.
ومدار إسناده عند الجميع -عدا الطبراني (14298، 14548) - على
ليثٍ، وهو ابنُ أبي سُليمٍ، عن مجاهدٍ، به.
قال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمه يُروى عن عبد الله بن عمرو عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجهِ بهذا الإسنادِ".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ ليثِ بنِ أبي سليمٍ؛ قال فيه الحافظُ: "صدوقٌ اختلطَ جدًّا ولم يتميزْ حديثُهُ فتُرِكَ"(التقريب 5685).
وقال الذهبيُّ: ((بعضُ الأئمةِ يحسن لليثِ، ولا يبلغُ حديثُهُ مرتبةَ الحسنِ، بل عداده في مرتبة الضعيف المقارب، فيروى في الشواهد والاعتبار وفي الرغائب والفضائل، أما في الواجبات فلا)) (سير أعلام النبلاء 6/ 184).
ولذا ضَعَّفَ الحديثَ غيرُ واحدٍ:
فقال النووي: "فيه ضعفٌ"(المجموع 4/ 3).
وقال البوصيري: "إسنادُهُ ضعيفٌ لأجلِ ليثِ بنِ أبي سُليمٍ"(زوائد ابن ماجه 1/ 41).
وقال الألباني: "ورجالُهُ ثقاتٌ غير ليث وهو ابنُ أبي سُليمٍ، وهو ضعيفٌ"(الإرواء 2/ 137).
ومع ذلك قال مغلطاي: "هذا الإسنادُ لا بأسَ به"(شرح سنن ابن ماجه 1/ 91).
قلنا: وهذا غير مُسَلَّمٍ له، إلا إن أرادَ: لا بأسَ به في الشواهدِ، فنعم.
قلنا: وقد وقفنا له على متابعتين تامة وقاصرة:
أما التامة؛ فأخرجها الطبراني في (المعجم الكبير 14298) عن عبدان بن أحمد، ثنا أحمد بن عبدة، ثنا زياد بن عبد الله البكائي عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو به.
ولكن هذه متابعة ضعيفة، فيزيد بن أبي زياد قال فيه ابن حجر:"ضعيفٌ كَبِر فتغيَّرَ وصارَ يتلقنُ، وكان شِيعِيًّا"(التقريب 7717).
والراوي عنه زياد البكائي، وفي حديثِهِ عن غيرِ ابنِ إسحاقَ لينٌ (التقريب 2085).
ومع ضعفه فقد خُولِفَ؛
فروى الروياني في (مسنده 619) عن أبي سعيدٍ الأشجِّ عن ابنِ فُضيلٍ.
وأبو القاسم الميانجي في (جزئه رقم 41) من طريقِ جريرٍ.
كلاهما (ابنُ فُضيلٍ، وجريرٌ) روياه عن يزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فجعلاه من مسند ثوبان. وقد تقدَّم، وروايتهما أصح.
وأما المتابعة القاصرة؛ فأخرجها الطبراني في (الكبير 14548) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي، ثنا علي بن عياش، ثنا ابن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عن عبد الله بن عمرو، به.
وهذا إسنادٌ منكرٌ؛ فيه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وهو البتلهي، قال أبو أحمد الحاكمُ: "فيه نظر، وحَدَّثَ عنه أبو الجهم المشغرائي
ببواطيل". ولذا قال الذهبي في (الميزان 1/ 151): "له مناكير"، وقال في (تاريخ الإسلام 6/ 691): "وكان ضعيفًا". وانظر (لسان الميزان 1/ 650/ ت 808).
قلنا: ومع ضعفه خولف فيه؛ فقد رواه الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان بسنده، فجعله من مسند ثوبان، لا ابن عمرو، وقد تقدم.
وقد صَرَّحَ الوليدُ بالسماعِ من ابنِ ثوبانَ، وهو أوثقُ وأتقنُ من أحمدَ هذا، والله أعلم.
ولكن الحديث يشهدُ له حديث ثوبان السابق؛ ولذا رَمَزَ السيوطيُّ له بالصحةِ في (جامعه 994)، وصَحَّحَهُ الألباني في (صحيح ابن ماجه 278).
1372 -
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
◼ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَنْ يُوَاظِبَ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ؛ وهذا إسنادٌ ضعيفٌ معلولٌ، وأعلَّهُ الحاكمُ والألبانيُّ.
[التخريج]:
[ك 455].
[السند]:
قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ الحسين بن (بشار الخياط)
(1)
ببغداد ثنا أبو بلال الأشعري ثنا محمد بن خازم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ منكرٌ؛ فيه أبو بلال الأشعريُّ، واسمه مرداس بن محمد بن الحارث؛ قال عنه الدارقطني:"ضعيف"(السنن عقب رقم 857)، كذا في مطبوع السنن، وفي كتاب (من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق 463):"ضعيف متروك". وفي (تخريج الأحاديث الضعاف صـ 69):
(1)
تحرف في (إتحاف المهرة 3/ 188)، وبعض طبعات المستدرك، إلى:"يسار الحناط"، والصواب ما أثبت في طبعة التأصيل، كما في كتب التراجم؛ انظر (تاريخ بغداد 8/ 544)، و (تلخيص المتشابه 2/ 688)، و (تاريخ الإسلام 6/ 739)، وغيرها.
"متروك". وقال البيهقي: "لا يُحتج به"(السنن الكبرى عقب رقم 18019)، و (الخلافيات 3/ 412). وذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 199) وقال:"يُغرب وينفرد"
(1)
، وقال ابن القطان:"لا يُعرف البتة"(بيان الوهم والإيهام 3/ 227).
وتعقبه الحافظ فقال: "وَهِم في ذلك؛ فإنه معروف"(لسان الميزان 7647).
وقد أخطأ أبو بلال في سند هذا الحديث على أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، فقد خالفه الإمام أحمد وغيره؛ فرواه أحمد في (المسند 22432) عن أبي معاوية ثنا الأعمش عن سالم عن ثوبان به.
وهكذا رواه وكيعٌ وغيرُهُ عن الأعمشِ كما سبق.
ولذا جزمَ الحاكمُ بوهم أبي بلال الأشعريِّ في سنده؛ فقال عقب حديث ثوبان السابق: ((ولستُ أعرفُ له علة يعلل بمثلها مثل هذا الحديث إلا وهمًا من أبي بلال الأشعريِّ، وَهِم فيه على أبي معاوية
…
)) ثم ذكر هذا الحديث.
وقال الألباني معقبًا: ((يعني أن أبا بلال أخطأَ في روايته لهذا الحديث على محمد بن خازم عن الأعمش عن أبي سفيان عنه، وأن الصوابَ روايةُ ابنِ نُميرٍ وزائدة وغيرهما عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان كما تقدم، وأبو بلال ضَعَّفه الدارقطني)) (الإرواء 2/ 138).
(1)
ولكن جعل له ترجمتين منفصلتين: الأولى بكنيته، والثانية باسمه. والصواب أنهما واحد.
1373 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَا مُؤْمِنٌ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ من حديثِ ثوبانَ رضي الله عنه، وهذا الشاهدُ إسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ، وأعلَّهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ، وضَعَّفه البوصيريُّ.
[التخريج]:
[حث 108].
[السند]:
قال الحارث: حدثنا الحسن بن قتيبة، حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عمر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: الحسن بن قتيبة المدائني؛ ضَعَّفه أبو حاتم، وقال العقيلي:"كثير الوهم"، وقال الأزدي:"واهي الحديث"، وقال الدارقطني:"متروك الحديث". وشَذَّ ابن عدي فقال: "أرجو أنه لا بأس به". وتعقبه الذهبي فقال: "قلتُ: بل هو هالكٌ"، انظر (لسان الميزان 2374).
وبه أعلَّ البوصيريُّ الحديثَ فقال: "هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ الحسنِ بنِ قتيبةَ"(إتحاف الخيرة 753).
ومع ضعفه، فقد خولفَ فيه:
خالفه وكيعٌ -كما عند ابن ماجه (278) -، ومحمد بن يوسف -كما
عند الدارمي (655) -؛ فروياه عن سفيان الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان به. كما تقدم.
ولذا قال الحافظ: "هذا مقلوبٌ، والمحفوظُ عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان رضي الله عنه"(المطالب العالية 218).
1374 -
حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ:
◼عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَفْضَلَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ من حديثِ ثوبانَ، وإسنادُهُ ساقطٌ، وضَعَّفَهُ العقيليُّ والهيثميُّ.
[التخريج]:
[عق (3/ 594)].
[السند]:
قال العقيلي: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم الهذلي، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقِطٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: محمد بن عمر الواقدي؛ وهو متروكٌ متهمٌ بالكذبِ والوضعِ، كما تقدَّم مرارًا.
وبه أعلَّه الهيثميُّ فقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه الواقدي، وهو ضعيفٌ"(المجمع 3513).
قلنا: ورواية الطبراني في (الكبير 6270) بلفظ: ((وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَاةِ
…
))؛ ولذا لم نخرجه هنا، وسيأتي إن شاء الله في كتاب الصلاة.
الثانية: موسى بن محمد بن إبراهيم المديني الهذلي، قال فيه الحافظ:"مجهولٌ، ولستُ أستبعدُ أن يكون هو الذي قبله"(التقريب 7007).
ويعني بالذي قبله: موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي أبو محمد المدني، وهو "منكر الحديث" كما في (التقريب 7007) أيضًا.
وذكرَ العقيليُّ الهذليَّ في (الضعفاء) وقال: "لا يتابعُ على حديثِهِ"، ثم أسندَ له هذا الحديث، وقال:"وهذا يُرْوى عن ثوبانَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ ثابتٍ"(الضعفاء 3/ 594).
1375 -
حَدِيثُ مَالِكٍ بَلَاغًا
◼عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا. وَاعْمَلُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ»
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وهذا إسنادٌ معضلٌ.
[التخريج]:
[طا 72].
[السند]:
رواه مالك في (الموطأ) أنه بلغه به مرفوعًا.
[التحقيق]:
رواه مالكٌ رحمه الله هكذا بلاغًا عن رسول الله صلى الله عليه سلم، وقد رُوي متصلًا من طُرُقٍ عن ثوبانَ وغيره، كما تقدَّمَ في البابِ.
قال ابن عبد البر: "وهذا الحديثُ يتصلُ مسندًا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديثِ ثوبانَ وحديثِ عبد الله بن عمرو بن العاص"(التمهيد 24/ 318).
وقال في (الاستذكار 2/ 214): "يتصلُ معنى هذا الحديث ولفظه مسندًا من حديث ثوبان، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي عليه السلام".
1376 -
حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَوْسَطَ
◼عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَوْسَطَ شَامِيٌّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اعْمَلُوا وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ. وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[عدن 59].
[السند]:
قال ابنُ أبي عمر العدنيُّ في (الإيمان): حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن رجلٍ يقال له: إِسْمَاعِيلُ بنُ أَوْسَطَ شَامِيٌّ،
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ معضلٌ؛ إسماعيل بن أوسط هو البجليُّ والي الكوفة، وَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ وغيرُهُ، وضَعَّفه الساجيُّ. انظر (لسان الميزان 1140). وذكره ابنُ حبانَ في (الثقات 6/ 31) وقال:"لا أحفظُ له رواية صحيحة بالسماع عن الصحابة"، وقال في (مشاهير علماء الأمصار 1289):"لا يصحُّ له صحبةٌ لصحابيٍّ، وتلك كلُّها أخبارٌ مدلسةٌ، لا أعتمدُ على شيءٍ منها".
وقال الذهبي: "يُرسِلُ عن الصحابةِ"(تاريخ الإسلام 3/ 209).
قلنا: فروايتُهُ هنا معضلةٌ.
وقد قال الذهبي: "كان من أعوان الحَجاجِ، وهو الذي قَدَّمَ سعيدَ بنَ جُبيرٍ للقتلِ. لا ينبغي أن يُروى عنه"(ميزان الاعتدال 853). ولذا ذكره في (ديوان الضعفاء 388) ولم يزدْ على قوله: "من أعوانِ الحجاجِ".
وسبقَهُ لذلك ابنُ الجوزيِّ في (الضعفاء والمتروكون 359) فقال: "كان أميرًا على الكُوفةِ، وهو الذي قَدَّم سعيدَ بنَ جبيرٍ للحَجاجِ حتَّى قَتَلَهُ، فليسَ بأَهلٍ أن يُروى عنه".
1377 -
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ
◼عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، يَرْفَعُ الحَدِيثَ قَالَ:«اسْتَقِيمُوا وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ من حديثِ ثوبانَ، دونَ قولِهِ:((وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ))، فإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ وضَعَّفَهُ المنذريُّ، والبوصيريُّ، ومغلطايُ، والمُناويُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[جه 280 (واللفظ له) / طب (8/ 293/ 8124) / تعظ 174/ كما (33/ 254) / شعب 2547].
[السند]:
قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدَّثني إسحاق بن أسيد عن أبي حفص الدمشقي عن أبي أمامة، به.
ومداره عند الجميعِ على سعيدِ بنِ أبي مريمَ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
الأُولى: جهالةُ أبي حفص الدمشقيِّ؛ قال عنه الحافظ: "مجهولٌ من الخامسةِ، قيل: هو عمرُ الدمشقيُّ، وقيل: عثمانُ بنُ أبي العاتكة"(التقريب 8057).
وقال الحاكم أبو أحمد: "حديثُهُ في نفسِهِ منكرٌ"(الكنى 3/ 267).
وقال ابن عبد البر: "حديثُهُ منكرٌ وقد قيل: إنه عثمانُ بنُ أبي العاتكة وليس ممن تقومُ به حجةٌ"(تهذيب التهذيب 12/ 76).
ولذا ضَعَّفَهُ المنذريُّ في (الترغيب 311)، وتبعه الألبانيُّ في (الإرواء 2/ 137).
وقال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ ضعيفٌ لضعفِ تابعيه"(زوائد ابن ماجه 1/ 42).
الثانيةُ: الانقطاعُ؛ فروايةُ أبي حفص الدمشقي عن أبي أمامة رضي الله عنه منقطعةٌ؛ قال مغلطاي: "أبو حفص الدمشقيُّ لم يذكره ابنُ أبي حاتم ولا البخاريُّ، وذَكَرَ أبو عمر في كتابِ الاستغناءِ أنه رَوى عن مكحولٍ
…
فعلى هذا تكون روايتُهُ عن أبي أُمامةَ منقطعةٌ مع ضعفها" (شرح سنن ابن ماجه 1/ 92).
وأقرَّه المُناوي في (فيض القدير 1/ 497).
وقد أشارَ الطبرانيُّ إلى هاتينِ العلتينِ فتَرجَمَ في (معجمه الكبير 8/ 352): "المراسيل ومن لم يسم، عن أبي أمامة" ثم أَسْنَدَ عدةَ أحاديث منها حديث الباب.
الثالثةُ: إسحاقُ بنُ أسيد وهو الخُراسانيُّ؛ قال أبو حاتم: "شيخٌ ليس بالمشهورِ لا يُشتغلُ به"(الجرح والتعديل 2/ 213)، وقال الحاكم أبو أحمد:"ليس بمن تقوم به الحجة"(الكنى 3/ 267)، ونقل عنه مغلطاي أنه قال أيضًا:"مجهولٌ"(إكمال تهذيب الكمال 2/ 83)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 50) وقال:"يُخطئُ"، وحُكي أن الأزديَّ قال فيه:"منكرُ الحديثِ تركوه"، انظر ترجمته في (تهذيب التهذيب 1/ 227).
ومع هذا قال الذهبي: "بل هو صالحُ الأمرِ"! (تاريخ الإسلام 3/ 814). وقال في (ميزان الاعتدال 737): "وهو جائزُ الحديثِ"!
وهذا غريبٌ منه رحمه الله لا ندري على أي شيءٍ اعتمدَ! وأقوالُ الأئمةِ متفقةٌ على تضعيفه.
والحديثُ ضَعَّفَهُ: مغلطاي في (شرح سنن ابن ماجه 1/ 91 - 92)، والألبانيُّ في (ضعيف ابن ماجه 57).
1378 -
حَدِيثُ رَبِيعَةَ الجُرَشِيِّ
◼ عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشِيِّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْتَقِيمُوا وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ، وَحَافِظُوا عَلَى الوُضُوءِ فَإِنَّ خَيْرَ عَمَلِكُمُ الصَّلَاةُ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الأَرْضِ فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ عَامِلٍ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا إِلَّا وَهِيَ مُخْبِرَةٌ» .
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ والتمامِ، والأمرُ بالاستقامةِ والمحافظةِ على الوُضوءِ، وقوله:«إِنَّ خَيْرَ عَمَلِكُمُ الصَّلَاةُ» صحيحٌ بما سبقَ، وهذا الشاهدُ إسنادُهُ ضعيفٌ؛ وضَعَّفه الهيثميُّ والألبانيُّ.
[التخريج]:
[طب 4596 (واللفظ له) / صبغ 1072/ وسيط (4/ 542) / صحا 2766].
[السند]:
أخرجه الطبراني في (الكبير) -وعنه أبو نعيم في (معرفة الصحابة) - قال: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا ابن لهيعة، حدَّثني الحارث بن يزيد أنه سَمِعَ ربيعةَ الجرشيَّ
…
فذكره.
وأخرجه البغوي في (معجمه) -ومن طريقه الواحدي في (التفسير الوسيط) - قال: حدثني محمد بن إسحاق نا أبو الأسود أنا ابن لهيعة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ابنُ لهيعةَ، وهو سيئُ الحفظِ، خاصة في غير رواية العبادلة عنه، وقد سبقَ الكلامُ عليه مرارًا.
ولذا قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في الكبير، وفيه ابنُ لهيعةَ، وهو ضعيفٌ"(المجمع 1242).
وربيعةُ الجرشيُّ نَفَى أبو حاتم صحبته، وقال الدارقطنيُّ:"في صُحْبَتِهِ نظر"، انظر (الإصابة 3/ 512)، و (تهذيب التهذيب 3/ 261)، مع (التقريب 1915).
والحديثُ ذَكَرَهُ المنذريُّ في (الترغيب) وقال: "وربيعةُ الجرشيُّ مختلفٌ في صُحْبَتِهِ"(الترغيب والترهيب 312).
وضَعَّفه الألبانيُّ في (ضعيف الترغيب والترهيب: 138)، و (الإرواء 2/ 138).
1379 -
حَدِيثُ بُرَيْدَةَ:
◼ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: بِلَالٌ))، فَأَخْبَرَهُ، [وَ] قَالَ:«بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ » قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْدَثْتُ إِلَّا تَوَضَّأْتُ، وَلَا تَوَضَّأْتُ، إِلَّا رَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ أُصَلِّيهِمَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«بِهَا» .
• وَفِي رِوَايَةٍ عن بُرَيْدَةَ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِلالًا فَقَالَ: ((يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَطُّ إِلَّا سمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، [إِنِّي] دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ ، فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ، فَقُلْتُ: أَنَا عَرَبِيٌّ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ ، قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: أَنَا قُرَشِيٌّ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ »، قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ ، قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ)). [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا غَيْرَتُكَ يَا عُمَرُ لَدَخَلْتُ القَصْرَ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتُ لَأَغَارَ عَلَيْكَ. قَالَ: وَقَالَ لِبِلالٍ: «بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ »]، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بِهِمَا» .
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ: الترمذيُّ -وأقرَّه عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ تيميةَ، وابنُ دَقيق، وابن عبد الهادي، والعراقيُّ-، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، والألبانيُّ. وذَكَرَهُ البغويُّ في قسمِ الحسانِ من (المصابيح).
[الفوائد]:
1 -
هذا الحديثُ أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه دون قوله: «مَا أَحْدَثْتُ إِلَّا تَوَضَّأْتُ» ، وهي الشاهد من الحديث في هذا الباب.
2 -
قال ابنُ الأثيرِ: "الخشخشةُ: حركةٌ لها صوتٌ كصوتِ السلاحِ"(غريب الحديث 2/ 33).
3 -
قال الترمذيُّ: "معنى هذا الحديث: «إِنِّي دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ» يعني: رأيتُ في المنامِ كأني دخلتُ الجَنَّةَ. هكذا رُوي في بعضِ الحديثِ، ويُروى عنِ ابنِ عباسٍ أنه قال: رؤيا الأنبياء وحيٌّ".
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حب 7129 (والزيادتان له) / ش 33001 (واللفظ له) / بز 4418/ طب 1012/ مث 263/ حل (1/ 150)].
تخريج السياق الثاني: [ت 3993 (واللفظ له) / حم 22996 (والزيادتان له ولغيره)، 23040/ حب 7128/ ك 1179 (مختصرًا)، 5335/ فحم 1731 (مختصرًا) / غخطا (1/ 582) (مختصرًا جدًّا) / شعب 2461 (مختصرًا) / بغ 1012 (مختصرًا) / طيو 79/ خط (13/ 294/ 6175) / سمعانش (صـ 716) / كر (10/ 454 - 457) / أسد (1/ 417) / جوزى (غبش 53) / حبش (صـ 131) (مختصرًا)].
[السند]:
رواه ابن أبي شيبة في (المصنف 33001) -ومن طريقه ابن أبي عاصم (263) وابن حبان (7087) والطبراني (1012) وأبو نعيم (1/ 150) - قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني حسين بن واقد، قال: حدثني
عبد الله بن بريدة، عن أبيه به، بلفظ السياقة الأُولى.
وكذا رواه البزار (4418) عن عبدةَ الصفارِ، عن زيدٍ به.
ورواه أحمد (22996)، وابن حبان (7128) من طريقِ أبي كُريبٍ، كلاهما عن زيدٍ به بنحو السياقة الثانية.
وتُوبِعَ عليه زيدٌ:
فرواه أحمد (22996)، وغيرُهُ عن علي بن الحسن بن شقيق، ورواه الترمذي (3993) وغيرُهُ من طريقِ علي بن الحسين بن واقد، كلاهما عن الحسين بن واقد، قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة، قال: حدثني أبي: بريدة
…
فذكره بلفظ السياقة الثانية، وبعضُهم اختصره فلم يذكرْ قصةَ عُمَرَ.
فمداره عندهم على الحُسينِ بنِ وَاقدٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، فعبد الله بنُ بريدة ثقةٌ، روى له الجماعةُ. والحسين بن واقد وَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ وغيرُهُ، واحتجَّ به مسلمٌ، وقد رواه عنه علي بن الحسن بن شقيق، وهو ثقةٌ حافظٌ روى له الجماعةُ، وتابعه: زيدُ بنُ الحُبَابِ وعليُّ بنُ الحسينِ بنِ وَاقدٍ، والأولُ صدوقٌ من رجالِ مسلمٍ، والثاني مختلفٌ فيه، وروى له مسلمٌ في مُقدمةِ كتابِهِ.
والحديثُ قال عنه الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ". وأقرَّهُ عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الكبرى 1/ 441)، و (الوسطى 1/ 150)، وابنُ تيميةَ في (الفتاوى 21/ 169)، وابنُ دَقيقٍ في (الإمام 2/ 92)، وابنُ عبد الهادي في (المحرر 66)، والعراقيُّ في (الطرح 2/ 57).
وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ بإيراده له في الصحيح.
وقد ألزمَ الدارقطنيُّ مسلمًا إخراج نسخة حسين بن واقد عنِ ابنِ بُريدةَ، فقال: "وأخرجَ مسلمٌ حديثًا واحدًا عن الحسينِ بنِ وَاقدٍ عنِ ابنِ بُريدةَ عن أبيه
…
وعنده نسخةٌ يلزمه إخراجها" (الإلزامات، صـ 366).
وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، ولم يخرجاه"!
فتعقبه الألبانيُّ قائلًا: "إنما هو على شرطِ مسلمٍ فقط، فإن الحسينَ بنَ واقدٍ لم يخرجْ له البخاريُّ"(الإرواء 2/ 221).
وصَحَّحَهُ أيضًا في (الثمر 1/ 12)، وتمام المنة (صـ 111)، و (صحيح الترغيب 201)، و (المشكاة 1326).
وذكره البغويُّ في قسمِ الحسانِ من (المصابيح 936).
وهناك أمرٌ لا بُدَّ من تحريرِهِ، وهو سماعُ عبد الله بن بريدة من أبيه؛
فقد سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن سماعِ عبد الله من أبيه، فقال:"ما أدري"(معجم الصحابة للبغوي 1/ 394)، وعن إبراهيمَ الحربيِّ أنه قال في عبد الله وأخيه سليمان:"لم يسمعا من أبيهما"(إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي 7/ 257)، و (تهذيب التهذيب 5/ 158)،
ونقل مغلطاي قولَ البخاريِّ: "عبد الله بن بريدة عن أبيه، سَمِعَ سمرةَ وعمرانَ"، ثم قال:"فيه إشعارٌ بل جزمٌ بأنه لم يسمعْ منه". اهـ.
وفي هذا الكلامِ نظرٌ؛ فقد أدركا من أبيهما ثلاثينَ سنة أو أكثر، وقد صرَّحَ عبد الله بن بريدة بالسماعِ من أبيه في أحاديث كثيرة، ومنها حديثنا هذا كما عند أحمد والترمذي وغيرهما؛ ولذا جَزَمَ بسماعِهِ من أبيه:
أبو أحمد الحاكمُ، كما في (تاريخ دمشق 27/ 132)، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الكبرى 1/ 370).
وهذا هو مقتضى صنيع البخاري ومسلم، حيثُ خرَّجا له من روايتِهِ عن أبيه، وكذا صنيعُ الترمذيِّ وابنِ حبانَ والحاكمِ وغيرِهِم في تصحيحهم لكثيرٍ من أحاديثِهِ عن أبيه، وقد ذَكَرَ بعضَهَا الألبانيُّ في (الصحيحة 2914).
ولهذا قال ابنُ عساكر -معقبًا على قولِ أحمدَ السابق-: "لا أدري ما معنى قول أحمد هذا؟ ! فإن عبد الله بن بريدة وُلد في خلافةِ عمرَ بنِ الخطابِ، وبقي أبوه بُريدةُ إلى أيامِ يزيدَ بنِ معاويةَ، فكيفَ لم يسمعْ منه؟ ! على أن أحمدَ قد رَوى له حديثًا أنه وفد مع أبيه على معاويةَ، فكيفَ خَفِيَ سماعه منه؟ ! "(تاريخ دمشق 27/ 133، 134).
وأما ما ذكره مغلطاي عن البخاريِّ وفهمه له، فلينظر له إجماع المحدثين (صـ 65 - 70).
هذا، والحديثُ قد رواه ابنُ أبي شيبةَ في موضعٍ آخر (المصنف 32657) -وعنه ابنُ أبي عاصم في (السنة 1269) -، واقتصرَ في المتنِ على قصةِ عُمَرَ، وهذه القصةُ لها شاهد عند البخاري (3242)، ومسلم (2395) من حديث أبي هريرة.
كما أن سماعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخشفة بلالٍ في الجنة لها شاهد من حديث جابر في الصحيحين أيضًا، ولها شواهد أخرى من حديث أبي أمامة وأنس وابن عباس، تراها مخرجة في مكانها من الموسوعة إن شاء الله تعالى.
رواية: «مَا أَذْنَبْتُ» :
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَا أَذْنَبْتُ» بَدَلَ «مَا أَذَّنْتُ» .
[الحكم]:
شاذٌّ بلفظِ: «مَا أَذْنَبْتُ» ، وضَعَّفها برهانُ الدينِ الناجيُّ، والألبانيُّ.
والصحيح بلفظ: «مَا أَذَّنْتُ قَطُّ» ، كما تقدَّم.
[التخريج]:
[خز 1281].
[السند]:
أخرجه ابنُ خزيمةَ في (صحيحه) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحسين بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مُسلمٍ، غير أن لفظةَ «أَذَّنْتُ» قد تحرَّفتْ على الإمامِ ابنِ خزيمةَ إلى:«أَذْنَبْتُ» ، ولذا بَوَّبَ عليه:"بَابُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الذَّنْبِ يُحْدِثُهُ المَرْءُ لِتَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ كَفَّارَةً لِمَا أَحْدَثَ مِنَ الذَّنْبِ".
وقد رواه ابنُ عساكر في (التاريخ 10/ 456) من طريقِ الدورقيِّ بلفظ: ((مَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ)).
وكذا رواه أحمدُ وغيرُهُ عن عليِّ بنِ شَقيقٍ به كما سبقَ.
ولذا قال الناجيُّ: "ولفظةُ «أَذْنَبْتُ» مصحفةٌ من «أَذَّنْتُ»
…
إلى أن قال: "وقوله فيه: «أَذْنَبْتُ» تصحيفٌ فاحشٌ، إنما هي «أَذَّنْتُ» والله أعلم"(عجالة الإملاء 2/ 665 - 666).
وقال الألبانيُّ -معلقًا على لفظةِ «أَذْنَبْتُ» -: "كذا وقع للمصنف رحمه الله، وتَرْجَمَ له بما سبقَ، ووقعَ في المسندِ وغيرِهِ: «أَذَّنْتُ» من التأذين، وهو الصوابُ كما نبَّهتُ عليه في تخريج الترغيب"(حاشية الشيخ على صحيح ابن خزيمة 2/ 214/ 1209/ حاشية 1).
1380 -
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ
◼عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا بِلالٌ))، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ:((بِلالُ، بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ )) قَالَ: مَا أَحْدَثْتُ إِلا تَوَضَّأْتُ، وَمَا تَوَضَّأْتُ إِلا رَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: بِهَا.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[ني 1194].
[السند]:
رواه الروياني في (مسنده) قال: حدثنا علي بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، مسلسلٌ بالضعفاءِ:
أولهم: مطرح بن يزيد؛ ضعيفٌ كما في (التقريب).
والثاني: عبيد الله بن زحر.
والثالث: علي بن يزيد وهو الألهاني.
وروايتُهُ عن القاسمِ عن أبي أُمامةَ نُسخةٌ ضَعَّفها ابنُ معينٍ وأبو حاتمٍ وابنُ حبانَ، كما في (التهذيب 21/ 179)، بل قال ابنُ حبانَ: ((وإذا اجتمعَ في إسنادِ خبرٍ: عبيدُ اللهِ بنُ زحر، وعليُّ بنُ يزيدَ، والقاسمُ أبو عبد الرحمن،
لا يكونُ متنُ ذلك الخبر إلا مما عملتْ أيديهم، فلا يحلُّ الاحتجاجُ بهذه الصحيفةِ)) (المجروحين 2/ 29).
قلنا: أما القاسمُ -وهو ابنُ عبد الرحمن الشاميُّ- فهو في نفسِهِ صدوقٌ، إنما أتت المناكيرُ في حديثِهِ من روايةِ الضعفاءِ عنه، كما تقدَّمَ بيانُهُ ذلك مفصلًا.
وعلَّقَ ابنُ حَجرٍ على كلامِ ابنِ حِبَّانَ بقولِهِ: "ليسَ في الثلاثةِ مَن اتُّهم إلا عليّ بن يزيد، وأما الآخران فهما في الأصلِ صدوقان وإن كانا يُخطئان"(تهذيب التهذيب 7/ 13).
قلنا: وعلى هذا فالحملُ فيها على الألهاني، وهو ظاهرُ كلام الجوزجاني في (التهذيب 21/ 180)، بينما ظاهر كلام أحمد في (سؤالات أبي داود صـ 255، 256) يدلُّ على أن الحملَ فيها على القاسم.
1381 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: ((ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ من غَائِطٍ قَطُّ إلا مَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
معلولٌ.
[التخريج]:
[جه 358 (واللفظ له) / حب 1437].
[السند]:
رواه ابن ماجه، قال: حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ.
وقد أخرجه ابن حبان: من طريق يحيى بن طلحة اليربوعي قال: حدثنا أبو الأحوص عن منصور، به. وزاد في أوله:((مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا العَشْرَ قَطُّ)).
واليربوعي، قال عنه النسائي:"ليس بشيءٍ"، وكذَّبه عليّ بن الحسين بن الجُنيد، وخطَّأه الصغاني. انظر (تهذيب التهذيب 11/ 234).
وذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 264) وقال: "يغرب"، وصَحَّحَ له هذا الحديث، وقال الحافظ:"لَيِّن الحديث"(التقريب 7573).
وعلى أية حال فهو متابع من قِبل هناد. والحديثُ صححه الألباني في (صحيح ابن ماجه 354).
ولكن قد خالف أبا الأحوص جرير بن عبد الحميد، فرواه عن منصور عن إبراهيم مرسلًا. أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه 1132)، وإسحاق بن راهويه في (مسنده 1506) عن جرير، به.
وجرير بن عبد الحميد الضبي مِن أثبت أصحاب منصور؛ قال الدارقطني: "أثبت أصحاب منصور، الثوري، وشعبة، وجرير الضبي"، وقدَّمه ابن معين على شريك، وقَدَّم شريكًا على أبي الأحوص، وقال:"كم روى أبو الأحوص عن منصور؟ ! "، انظر (شرح علل الترمذي 2/ 721).
وعليه: فترجح رواية جرير المرسلة على رواية أبي الأحوص المتصلة.
لاسيَّما ومتنُ حديث أبي الأحوص غريبٌ جدًّا؛ فلم يصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم المداومة على الاستنجاء، بل لم يصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه استنجى بالماء إلا في حديث أنس. فكيف يكونُ هذا ديدنه صلى الله عليه وسلم، ولا ينقل عنه ولا يشتهر.
وأعلَّه البوصيري بنحو ذلك؛ فقال: ((رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي الأحوص به. وقد رُوي عن عائشةَ ما يُخالفُ هذا؛ رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن أبي أسامة عن عبد الله بن يحيى التوأم عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن عائشة قالت: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ، فَاتَّبَعَهُ عُمَرُ بِمَاءٍ، فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا عُمَرُ؟ ! » فقال: مَاءٌ تَتَوَضَّأُ بِهِ. فَقَالَ: «مَا أُمِرْتُ كُلَّمَا بُلْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، وَلَوْ فَعَلْتُ لَكَانَتْ سُنَّةً» )) (مصباح الزجاجة 1/ 53).
قلنا: ولكن حديث ابن أبي مليكة هذا ضعيفٌ مسلسلٌ بالعللِ، كما بَيَّنَّاهُ في باب"من بال، ولم يمس ماء".
ثم إن حديثَ عائشةَ هذا -على فرضِ صحته-، يحتملُ أن يكونَ المرادُ منه الوضوء، ويحتملُ الاستنجاء، وهذا هو الذي فهمه ابن ماجه من
الحديث، حيثُ بوب عليه فقال:"باب الاستنجاء بالماء"، وترجم له ابن حبان بقوله:"ذِكر ما يجبُ على المرءِ من مَسِّ الماء عند خُروجِهِ منَ الخلاءِ".
وسيأتي الحديثُ بذكرِ الوضوء قولًا واحدًا، كما في الرواية التالية.
* * *
رِوَايَةُ: إِلَّا تَوَضَّأَ
◼ عن عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلَاءِ تَوَضَّأَ» .
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «مَا أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الخَلَاءَ إِلَّا تَوَضَّأَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْهُ، وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ساقطٌ.
[التخريج]:
[حم 25561 "والسياق الأول له"/ طح (1/ 91) "والسياق الثاني له"].
[السند]:
قال عبد الله بن أحمد: وجدتُ هذا الحديثَ في كتاب أبي بخط يده: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة به، بلفظ السياق الأول.
ورواه الطحاويُّ في (معاني الآثار) قال: حدثنا فهد قال: ثنا أحمد بن
يونس، قال: أنا زهير، قال: ثنا جابر، عن عبد الرحمن به، بلفظ السياق الثاني.
فمداره على جابرٍ وهو الجُعْفيُّ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه جابرُ بنُ يزيدَ الجُعْفيُّ؛ قال الذهبيُّ: "من أكبر علماء الشيعة، وَثَّقَهُ شعبةُ فشذَّ، وتركه الحفاظُ"(الكاشف 739).
قلنا: بل وكذَّبه غيرُ واحدٍ من الأئمة، واتَّهموه بالوضع. انظر ترجمتَهُ في (إكمال تهذيب الكمال 3/ 139) و (ميزان الاعتدال 1/ 384) وغيرهما.
أما قول الحافظ في (التقريب 878): "ضعيفٌ رافضيٌّ"، فهو تساهلٌ ظاهرٌ إن أريد به المرتبة التي هي أعلى من المتروك، وإلا فقد ضَعَّفه جدًّا الحافظُ نفسُه في مواضعَ من كتبه، وفي بعضها قال:"متروك"، انظر على سبيل المثال لا الحصر (التلخيص الحبير 1/ 372، 1/ 456، 2/ 8، 2/ 168)، و (المطالب العالية 502، 1554)، و (تغليق التعليق 3/ 152).
وبه أعلَّه الهيثميُّ فقال: "رواه أحمد، وفيه جابر الجعفي، وَثَّقَهُ شعبةُ وسفيانُ، وضَعَّفه أكثرُ الناسِ"(المجمع 1243).
وقد ذكره الألبانيُّ في (الصحيحة 3481)، وصَحَّحَهُ بمرسل إبراهيم النخعي الآتي قريبًا.
قلنا: تصحيح الحديث بمرسل النخعي المذكور فيه نظر؛ لأن مَتْنَهُ -فضلًا عن كونه مرسلًا- إنما هو بلفظ: «لَمْ يَدْخُلِ الْخَلَاءَ إِلَاّ تَوَضَّأَ، أَوْ مَسَّ مَاءً» ، فجاءَ بالتردد بين الوضوء وبين مجرد مس الماء.
1382 -
حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:((بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يَدْخُلِ الخَلَاءَ إِلَا تَوَضَّأَ أو مَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ لإرسالِهِ.
[التخريج]:
[ش 1132، 1635 (واللفظ له) / حق 1506].
[السند]:
أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه 1132)، وابن راهويه في (مسنده 1506) قالا -والسياق لـ" ابن أبي شيبة"-: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم به مرسلًا.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ، لكنه مرسلٌ.
1383 -
حَدِيثُ أَنَسٍ
◼ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَّا قَدْ أَتْحَفَتْكَ بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفَكَ بِهِ إِلَّا ابْنِي هَذَا، فَخُذْهُ فَلْيَخْدِمْكَ مَا بَدَا لَكَ.
فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي.
وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَوْصَانِي بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُ مُؤْمِنًا» فَكَانَتْ أُمِّي وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا أُخْبِرُهُمْ بِهِ وَمَا أَنَا بِمُخْبِرِ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا أَبَدًا.
قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ المُبَالَغَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «تَبُلُّ أُصُولَ الشَّعْرِ وَتُنَقِّي البَشَرَةَ» .
«وَيَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَزَالَ أَبَدًا عَلَى وُضُوءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَأْتِهِ المَوْتُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ يُعْطَ الشَّهَادَةَ.
وَيَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَزَالَ تُصَلِّي فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْكَ مَا دُمْتَ تُصَلِّي.
وَيَا أَنَسُ، إِذَا رَكَعْتَ فَأَمْكِنْ كَفَّيْكَ مِنْ رُكْبَتَيْكَ وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ عَنْ جَنْبَيْكَ.
وَيَا بُنَيَّ، إِنْ رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَأَمْكِنْ كُلَّ عُضْوٍ مِنْكَ مَوْضِعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنْظَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ.
وَيَا بُنَيَّ، فَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ وَكَفَّيْكَ مِنَ الأَرْضِ، وَلَا تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ وَلَا تُقْعِ إِقْعَاءَ الكَلْبِ -أَوَ قَالَ: الثَّعْلَبِ-.
وَإِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي النَّافِلَةِ لَا فِي الفَرِيضَةِ.
وَيَا بُنَيَّ، وَإِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ فَلَا تَقَعَنَّ عَيْنَاكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ إِلَّا سَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّكَ تَرْجِعُ مَغْفُورًا لَكَ.
وَيَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ مَنْزِلَكَ فَسَلِّمْ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى أَهْلِكَ.
وَيَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ [فَافْعَلْ]، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الحِسَابِ».
[ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ»].
وَيَا بُنَيَّ، إِنِ اتَّبَعْتَ وَصِيَّتِي فَلَا يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ المَوْتِ».
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ والتمامِ.
وضَعَّفه: أبو حَاتمٍ، وأبو زُرْعَةَ، والعُقَيليُّ، وابنُ الجَوزيِّ، وابنُ حَجَرٍ، والبوصيريُّ.
[التخريج]:
[ت 594 (مقتصرًا على جملة الالتفات)، 2870 (مقتصرًا على جملة سلامة القلب من الغش مع الزيادة الأخيرة)، 2891 (مقتصرًا على جملة السلام على الأهل) / عل 3624 (واللفظ له) / طس 5991 (والزيادتان له ولغيره) / طص 856/ طهور 45 (مقتصرًا على جملة الوضوء) / منيع
(مط 85/ 2، 2127/ 1)، (خيرة 7194/ 1) / تخ (6/ 520)(مختصرًا) / عدني (مط 653) / مجر (2/ 223، 224) / عيل 231/ متشابه (1/ 542) / شعب 2529 (مقتصرًا على جملة الملازمة للوضوء) / صحا 799 (مختصرًا جدًّا) / متفق 1348/ كر (9/ 341 - 345) / سقا 67/ سداسي 22/ شفع (مجلسانق 4 ب) / عساكر (تجريد ق 17 ب) / غيب 254/ ضو (3/ 187) / علج 579].
[التحقيق]:
حديثُ أنسٍ هذا حديثٌ طويلٌ، وله طرقٌ وألفاظٌ ورواياتٌ كثيرةٌ، وبعضُ المخرجينَ سَاقَهُ بطولِهِ، وبعضُهم اقتصرَ منه على فقرةٍ أو فقرتينِ فأكثر، وكلُّ طُرُقِهِ شديدةُ الضعفِ، وقد ذكرها ابنُ حَجَرٍ في (الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع 1/ 92 - 94) وضَعَّفها كلَّها تضعيفًا شديدًا وأبانَ عن عللها.
ومن هذه الطرق:
الطريق الأول:
أخرجه أبو يعلى في (مسنده) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه 9/ 341) - عن يحيى بن أيوب، حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الصُّدَائي، حدثنا عبَّاد المِنْقري عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب: عن أنس بن مالك به.
وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عللٍ:
الأُولى: محمد بن الحسن؛ ضَعَّفَهُ الأئمةُ وأغلظَ فيه القولُ ابنُ مَعينٍ، وتركه النسائيُّ (تهذيب التهذيب 19/ 121)، وضَعَّفه الحافظُ في (التقريب
5820).
وقد اختُلفَ على محمد بن الحسن في ذكرِ ابن المسيب في هذا الحديث، فرواه عنه يحيى بن أيوب هكذا بذكر سعيد فيه.
وتابعه إسحاق بن عمر المكتب عند أبي نعيم في (الصحابة 799) مختصرًا جدًّا.
وخالفهما عمرو بن زُرارة، فرواه عن محمد بن الحسن عن عباد المنقري عن علي بن زيد عن أنس به مختصرًا.
هكذا ذكره منقطعًا ليس فيه سعيدٌ، رواه البخاريُّ في (التاريخ 6/ 520)، والمروزيُّ في (تعظيم قدر الصلاة 714)
(1)
مختصرًا جدًّا.
فإن لم يكنِ الخلافُ من محمد بن الحسن نفسه، فابن زُرارة أثبتُ من يحيى والمكتب معًا، ورواية ابن زُرارة هي التي جَزَمَ بها الترمذيُّ، ولم يَحْكِ سواها، فقال:"وقد روى عباد بن ميسرة المنقري هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس، ولم يذكرْ فيه عن سعيد بن المسيب"(السنن 2871).
وانظرْ بقيةَ كلامِهِ فيما يلي.
الثانية: عباد المنقري لين الحديث كما في (التقريب 3149).
وقد توبع عليه عباد بما لا يُفرح به:
فرواه الترمذيُّ في (جامعه 594، 2870، 2891)، والطبرانيُّ في (الأوسط)، و (الصغير)، وابن عساكر في (تاريخه 9/ 342) كلُّهم من طريقِ
(1)
وتحرَّف فيه إلى: "عمر بن زرارة".
مسلمِ بنِ حاتمٍ البصريِّ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس به، اختصره الترمذيُّ، وطَوَّله الطبرانيُّ، ثم قال:"لم يَرْوِ هذا الحديث بهذا التمام عن سعيد بن المسيب إلا علي بن زيد، ولا عن علي بن زيد إلا عبد الله بن المثنى، تفرَّدَ به مسلمُ بنُ حَاتمٍ، عن الأنصاري، عن أبيه، وتفرَّدَ به محمد بن الحسن بن أبي يزيد، عن عباد المنقري".
وفي الصغير: "لا يُروى عن أنسٍ بهذا التمام إلا بهذا الإسناد، تفرَّدَ به مسلمٌ الأنصاريُّ، وكان ثقةً".
قلنا: ولكن عبد الله بن المثنى الأنصاري -والد محمد- قال فيه الحافظُ: "صدوقٌ كثيرُ الغلطِ"(التقريب 3571). فلا يُؤمَن غلطه فيه.
فهاتان علتان، وفيه علتان أخريان، وهما بقية علل طريق المنقري، وها هما:
الثالثة: علي بن زيد بن جُدْعان، ضعيفٌ كما في (التقريب 4734).
الرابعة: أنه لا يُعلم لسعيد رواية عن أنس إلا في هذا الحديث. كذا قال الترمذيُّ في (السنن 2870)، ولِذا لما ذَكرَ المزيُّ أنسًا ضمن شيوخ سعيد قال:"من وجهٍ ضعيفٍ"(تهذيب الكمال 11/ 66).
ورغم ذلك قال الترمذيُّ بعد أن رَواه من طريقِ الأنصاريِّ: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ثقةٌ، وأبوه ثقةٌ، وعلي بن زيد صدوقٌ إلا أنه ربما يرفعُ الشيءَ الذي يوقفه غيره".
وقد سبقَ أن عبد الله الأنصاري وابن جدعان ضعيفان، وهذا هو المعتمدُ.
ثم قال الترمذيُّ: ((وذاكرتُ به محمد بن إسماعيل -أي: البخاري- فلم
يعرفه ولم يعرفْ لسعيد بن المسيب عن أنسٍ هذا الحديث ولا غيره. وماتَ أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، وماتَ سعيد بن المسيب بعده بسنتين، ماتَ سنةَ خمس وتسعين)) اهـ. (السنن 2870).
ولعلَّه يشيرُ بذلك إلى إمكانِ السماعِ، ونحن لا ننكرُ ذلك، إنما الشأنُ في عدمِ ثبوتِ روايتِهِ عنه إلا من طريقٍ ضعيفٍ، مع أن ابنَ المسيبِ إمامٌ كبيرٌ له تلامذته الحافظون لحديثه، فأين هم من رواية شيخهم عن صحابيٍّ جليلٍ كأنسٍ رضي الله عنه؟ !
الطريق الثاني:
أخرجه ابنُ مَنِيْعٍ في مسنده كما في (المطالب 85/ 2، 2127/ 1)، و (إتحاف الخيرة 7194)، عن يزيد بن هارون، ثنا العلاء أبو محمد الثقفي، حدثنا أنس، بنحوه. وفيه:«يَا بُنَيَّ، أَحْكِمْ وُضُوءَكَ لِصَلَاتِكَ تُحِبُّكَ حَفَظَتُكَ وَيُزَادُ فِي عُمُرِكَ» ، وفيه:«وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ مِنْ يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ فَإِنْ يَأْتِكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَفُتْكَ الشَّهَادَةُ» .
وقد رواه ابن ماجه (862) من هذا الطريقِ مقتصرًا على جملة النهي عن إِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الكَلْبِ، ورواه الطبريُّ في (التهذيب/ مسند علي 429) مقتصرًا على فقرةِ المبالغةِ في الغسلِ منَ الجنابةِ.
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ علتُه: العلاء بن زيد أبو محمد الثقفي؛ فهو "متروك، ورَمَاهُ أبو الوليد بالكذب" كما في (التقريب 5239)، وكذا رَمَاهُ ابنُ المدينيِّ وابنُ حِبَّانَ والحاكمُ "بالوضعِ"، وقال البخاريُّ والعقيليُّ وابنُ عَديٍّ:"منكرُ الحديثِ". انظر (تهذيب التهذيب 8/ 183).
وقصَّرَ البوصيريُّ، فقال: "رواه أحمد بن منيع بسندٍ ضعيفٍ لضعفِ العلاءِ
أبي محمدٍ الثقفيِّ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر بسندٍ فيه راوٍ لم يُسَمَّ" (الإتحاف 7/ 405).
قلنا: وهذا تساهلٌ منه؛ فالعلاءُ هذا ساقطٌ؛ قال عنه عليُّ بنُ المدينيِّ: "كان يضعُ الحديثَ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"رَوى عن أنسٍ نسخةً موضوعةً، لا يحلُّ ذكره إلا تعجبًا"،
وقال الحاكمُ: "يَروي عن أنسٍ أحاديثَ موضوعة"، وكذا قال أبو نعيم، وقال البخاريُّ وأبو حاتم والعقيليُّ وابن عدي:"منكرُ الحديثِ"، انظر ترجمته في (تهذيب التهذيب 328).
وأما طريقُ ابنِ أَبِي عُمَرَ -الذي أشارَ إليه البوصيريُّ، وذكرَ أن فيه راوٍ لم يُسَمَّ- فالظاهرُ أنه يعني به ما نقله ابن حجر في (المطالب 653) عن ابنِ أَبِي عُمَرَ العدنيِّ أنه قال: "حدثنا شيخ من أهل المدينة -أتيناه عند رأس الثنية- قال: عن عمر الذكواني، عمَّن حَدَّثَهُ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ أَو عَشرٍ فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، أَكْثِرِ الطُّهُورَ يُزَدْ فِي عُمُرِكَ، وَصَلِّ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةُ الأَوَّابِينَ
…
»، الحديث. كذا، ولم يَسُقْ بَقيَّتَهُ، وذكرَ أنَّه سيأتي بطولِهِ في موضعٍ آخر.
وهذا سندٌ ساقطٌ مظلمٌ، يرويه العدنيُّ عن مبهمٍ لم يُسَمَّ! عن الذكواني وهو مجهولٌ لا يُعرفُ! عن مبهمٍ آخر لم يُسَمَّ أيضًا!
الطريق الثالث:
أخرجه ابن حبان في (المجروحين) -ومن طريقه ابن الجوزي في (الموضوعات) و (العلل) - من طريقِ قتيبةَ بنِ سعيدٍ عن كثيرٍ أبي هاشم الأيلي عن أنسٍ به مطولًا بنحو رواية أبي يعلى.
ورواه البيهقيُّ في (الشعب) عن أبي نصر بن قتادة، ثنا أبو عمرو بن مطر، أنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، ثنا بشر بن الوليد، ثنا كثير بن عبد الله أبو هاشم الناجي قال: سَمِعْتُ أنسًا رضي الله عنه يقولُ:
…
فذكره مختصرًا على جملة: «يَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ أَبَدًا عَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ
…
».
وأخرجه أبو بكرٍ الشافعيُّ في (مجلسان له) -ومن طريقه الخطيب في (المتفق والمفترق) - عن يزيد بن الهيثم الباد، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني، حدثنا كثير بن عبد الله الناجي قال: سَمِعْتُ أنسَ بنَ مالكٍ يقولُ
…
فذكره مختصرًا أيضًا على الجملةِ السابقةِ.
فمداره على كثير بن عبد الله أبي هاشم الناجي.
وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه كثيرٌ الناجيُّ؛ قال عنه البخاريُّ وأبو حاتم والنسائيُّ وغيرُهُم: "منكرُ الحديثِ"، انظر ترجمتَهُ في (تهذيب التهذيب 8/ 374).
وقال ابن حبان: "كان ممن يَرْوي عن أنسٍ ما ليس من حديثِهِ من غيرِ رُؤيتِهِ، ويضعُ عليه ثم يحدِّثُ به، لا يحلُّ كتابة حديثه ولا الرواية عنه إلا على سبيلِ الاختبارِ، وهو الذي روى عن أنسٍ أن أمَّ سُليمٍ قالتْ:
…
"، وذَكَرَ هذا الحديثَ.
ولذا قال ابنُ الجوزيِّ: "هذا حديثٌ لا يصحُّ، قال ابن حبان: أبو هاشمٍ الأيليُّ كان يضعُ الحديثَ على أنسٍ، لا يحلُّ كتب حديثه إلا اعتبارًا"(الموضوعات 3/ 453)
الطريق الرابع:
أخرجه ابن عساكر في (تاريخه 9/ 343 - 344) عن أبي القاسم
هبة الله بن عبد الله الواسطي، أنا أبو بكر الخطيب، أنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا ابن محمد بن حاتم
(1)
، حدثنا حماد بن محمد بن عبد الله بن مجيب بن حرمي بن أيوب الفَزاري الكوفي، حدثني محمد بن طلحة بن مصرف عن حميد عن أنس، ببعضه نحوه.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه حماد بن محمد بن عبد الله بن مجيب الفزاري؛ قال عنه الحافظ صالح جزرة: "ضعيفٌ"(تاريخ بغداد 8/ 151). وذكره العقيليُّ في "الضعفاء" وذَكَرَ له حديثًا ثم قال: "لم يصحَّ حديثه، ولا يعرفُ إلا به"(الضعفاء 1/ 550).
ومحمد بن طلحة بن مصرف -وإن أَخرجَ له الشيخان- فقد قال النسائيُّ: "ليس بالقوي"، وقال ابن معين:"يُتقى حديثه"، وقال مرةً:"ضعيف"، وقال أبو زرعة وغيره:"صدوق"(الكاشف 4925). وقال الحافظ: "صدوق له أوهام"(التقريب 5982).
فتفرد مثله عن مثل حميدٍ يُعَدُّ منكرًا.
الطريق الخامس:
رواه الإسماعيليُّ في (معجمه 231)، والخطيبُ في (التلخيص 1/ 542)، وقوامُ السنةِ في (الترغيب 254) من طريق بشر بن إبراهيم أبي عمرو البصري المفلوج، نا عباد بن كثير، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك، مطولًا بنحوه.
(1)
هو الحافظ عباس بن محمد بن حاتم الدوري، صاحب التاريخ عن ابن معين.
وهذا إسنادٌ ساقطٌ، فعباد متروك، وبشر المفلوج ممن يضعُ الحديثَ، قاله العقيليُّ وابنُ عَدِيٍّ وابنُ حِبَّانَ (الميزان 1/ 311).
ولذا قال ابن حجر: ((هو باطلٌ بهذا الإسنادِ، وله طرقٌ متعددةٌ عن أنسٍ. قال العقيليُّ: "لا يثبتُ منها شيءٌ")) (اللسان 1460).
وبعد، فالحديثُ لا يرتقي إلى الصحةِ بهذه الطرقِ، ولا يُقوِّي بعضها بعضًا؛ لشدةِ ضعفها مع نكارةِ المتنِ.
وممن ضَعَّفه أبو حاتم؛ فقال ابنُه: ((وسألتُ أبي وأبا زرعة عن أحاديثَ تُرْوَى عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ يَزِيدُ فِي العُمْرِ»؟ وذكرتُ لهما الأسانيدَ المرويةَ في ذلك؟ فضعَّفاها كلَّها، وقالا: ليس في: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ يَزِيدُ فِي العُمْرِ» حديثٌ صحيحٌ)) (العلل لابن أبي حاتم رقم 128).
وقال العقيليُّ: "ليسَ لهذا المتنِ عن أنسٍ إسنادٌ صحيحٌ"(الضعفاء 1/ 332)
ولذا ضَعَّفه الحافظُ جدًّا من جميعِ طرقه، انظر (الإمتاع 1/ 92 - 94).
ولهذا الحديثِ روايات كثيرة جدًّا وسياقات مختلفة، انظرها مع بقية طرقه تحت "باب الأمر بإسباغ الوضوء"، و"باب الوضوء عند النوم" وغيرها.
هذا، وقول أنسٍ:«فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي .. إلخ» ، وقوله:«فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي» ، ثابتٌ عن أنسٍ من وجوهٍ؛ فأخرجَ البخاريُّ (5166) عنِ ابنِ شِهَابٍ، قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: «أنَّهُ كانَ ابنَ عَشر
سِنينَ، مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ».
وأخرجَ البخاريُّ (2768)، ومسلمٌ (2309)، عن أَنسٍ رضي الله عنه، قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ:«فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟ » .
وعند أحمدَ (13067) من طريقِ حُميدٍ، عن أنسٍ، أن أمَّ سُليمٍ هي التي أخذتْ بيدِهِ، وكلاهما صحيحٌ، قال ابنُ حَجرٍ:"وأما قصةُ أَنسٍ، فإنه كان في كفالةِ أُمِّهِ فرأتْ له من المصلحةِ أن يخدمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من تحصيلِ النفعِ العاجلِ والآجلِ فأحضرتْهُ وكان زوجُهَا معها فنسبَ الإحضارَ إليها تارة وإليه أُخرى"(الفتح 12/ 254).
وأخرجَ البخاريُّ (6038) من طريقٍ ثابتٍ، عن أنسٍ رضي الله عنه قال:"خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا: أَلَّا صَنَعْتَ؟ ".