المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌220 - باب فضل الوضوء والذكر بعده - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ١١

[عدنان العرعور]

الفصل: ‌220 - باب فضل الوضوء والذكر بعده

‌220 - بَابُ فَضْلِ الوُضُوءِ وَالذِّكْرِ بَعْدَهُ

1396 -

حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ

◼ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ [وَغُفِرَ لَهُ]» قَالَ: فَقُلْتُ: [بَخٍ بَخٍ] مَا أَجْوَدَ هَذِهِ! ! فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: التِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ! ! فَنَظَرْتُ، فَإِذَا عُمَرُ، قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، [إِنَّهُ] قَالَ [قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ]:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ [حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ]: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ] وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

صحيحٌ (م)، والزياداتُ صحيحةٌ أيضًا.

[الفوائد]:

قال أحمد بن علي الأنصاري: ((وفي هذا الحديثِ: ما يدلُّ على أنَّ الذكرَ بعد الوضوءِ فضيلةٌ من فضائِلِهِ، وعلى أن أبوابَ الجنةِ ثمانيةٌ لا غير، وعلى أن داخلَ الجنةِ يخير في أي الأبواب شاء)) (المفهم لما أشكل من تلخيص

ص: 235

كتاب مسلم 1/ 362).

ولكن كما قال ابنُ عبدِ البرِّ في (الاستذكار 20547): "مِن رواة هذا الحديث مَن يقولُ فيه: "ثمانية أبواب من الجنة"!

قال العراقيُّ: "فهذه الروايةُ تدلُّ على أن أبوابَ الجنةِ أكثرُ من ثمانيةٍ"، وأجابَ بهذا عن الاستشكالِ الواردِ بين هذا الحديث وحديث باب الريان الذي لا يدخل منه سوى الصائمين، فقد لا يكون فاعل هذا الفعل المذكور في حديث عمر من أهل الصيام، بأن لا يبلغ وقت الصيام الواجب، أو لا يتطوع بالصيام، وبهذه الرواية التي أشارَ إليها ابنُ عبدِ البرِّ ترفع الإشكال، فقد لا يكون باب الصيام من هذه الثمانية، ولا تَعارُضَ حينئذٍ" (العمدة 10/ 263).

قلنا: ولكن الظاهر أن هذه الروايةَ من تصرف بعض الرواة، ولم تأتِ من طريقٍ يُعتدُّ به كما سنبينه.

[التخريج]:

[م 234 (واللفظ له مع الزيادة الأخيرة) / د 169 (وبقية الزيادات له ولغيره)، 906 (مقتصرًا على حديث عقبة) / ن 153، 156 (مقتصرًا على حديث عقبة) / كن 183 مختصرًا، 223 (مقتصرًا على حديث عقبة) / سي (التحفة 10609) / جه 473 مختصرًا/ حم 17314 (والزيادة الأولى له ولغيره)، 17393/ خز 235، 236 مختصرًا/ حب 1050/ ك 3554/ عه 604 - 607/ بز 243/ عب 142/ طب (17/ 331 - 332)(917 مقتصرًا على حديث عقبة) / طش 176 مختصرًا، 1924/ ش 21/ مسن 554، 555/ هق 369، 368، 370، 3562/ هقغ 111/ هقث 234/ شعب 2498/ هقت 58/ ني

ص: 236

251/ طوسي 46/ معقر 615، 616/ نعيم (جنة 163) / فة (2/ 426) / تمهيد (7/ 189 - 191) / بغ 1014 (مقتصرًا على حديث عقبة) / فاخر 57/ فكر (1/ 236 - 237) / حداد 284/ غيب 1597/ مزكى 39/ خلدف 112/ أصبهان 130/ غسان (3/ 786 - 790)].

[السند]:

قال مسلمٌ رحمه الله: حدَّثنى محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة -يعنى ابن يزيد- عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر (ح) وحدَّثني أبو عثمان عن جبير بن نُفير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:

فذكره.

والقائلُ في هذا الإسنادِ: "وحدَّثني أبو عثمان" هو معاويةُ بنُ صالحٍ كما بَيَّنَهُ أبو عليٍّ الجيانيُّ في (التقييد 3/ 785).

ثم قال مسلمٌ: حدَّثناه أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحُبابِ، حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجُهني به.

وهو في (مصنف ابن أبي شيبة 21)، وظاهره مشكل؛ ولذا قال أبو علي الجيانيُّ:

"قد رُوي عن زيدِ بنِ الحُبابِ في هذا الإسنادِ لفظٌ يوهمُ ظاهره أنَّ معاويةَ بنَ صالحٍ روى الإسنادين معًا عن ربيعة بن يزيد، كما حدَّثنا

"، وساقه بسندِهِ من طريقِ ابنِ وَضَّاح عن ابنِ أبي شيبةَ، كما سبقَ، ثم قال: "وهكذا رواه مسلمٌ عن أبي بكر بنِ أبي شيبةَ بهذا اللفظِ، وقد بَيَّن ما أشكل من ظاهرِ

ص: 237

إسنادِ هذا الحديثِ ما حدَّثنا أبو عمر النمريُّ، قال: نا خلف بن القاسم، قال: نا أبو علي بن السكن، قال: نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا زيد بن الحُباب، قال: نا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة. قال معاوية: وحدثني أبو عثمان عن جُبير بن نُفير عن عقبة بن عامر الجهنيِّ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مَنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ

» الحديث.

قال أبو علي: فهذا الإسناد بَيَّن ما أشكل من إسناد مسلم، ومحمد بن وضاح عن أبي بكر بن أبي شيبة. وقد روى عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح هذا الحديث أيضًا، فبَيَّنَ الإسنادين معًا، ومن أين مخرجهما، كما حدَّثنا

"، وساقه من طريقِ أبي داودَ، وسيأتي. (تقييد المهمل 3/ 786 - 788).

ووقعَ في روايةِ زيد بن الحباب إشكال آخر عند النسائيِّ وغيره.

فرواه النسائيُّ في (الكبرى 183) -ومن طريقه ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 7/ 189) - عن محمد بن علي بن حرب المروزي -يقال له: ترك-.

ورواه الطوسيُّ في (المستخرج 46) عن العباسِ الدوريِّ، كلاهما عن زيد بن حباب، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، وأبي عثمان، عن عقبة بن عامر، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

فأسقطَ منه جبير بن نفير، وقال فيه:«فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الجَنَّةِ» !

ص: 238

وسيأتي عند تحقيق رواية الترمذي أنه اختُلف فيه على زيد بما يُشعر باضطرابه فيه، فيحتمل أن يكون الوهم في متنه هنا منه أيضًا.

ولكن الحديث عند النسائي في (الصغرى 151) -بنفس إسناد الكبرى- باللفظِ المحفوظِ: «فُتِّحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ» !

وكذلك رواه أبو عَوانة (604)، والبيهقيُّ في (الكبرى 370) من طريقِ الدوريِّ عن زيد به باللفظِ المحفوظِ.

فهذا قد يدفع إلصاق الوهم بزيد، والله أعلم.

وقد قال ابنُ عبدِ البرِّ عقب روايته: "هكذا في هذه الأخبارِ كلها: «مِنَ الجَنَّةِ»، وقد جاءَ في غيرِ هذه الأسانيدِ في خبرِ عمرَ هذا: «فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ»، ليس فيها ذكر (مِنْ) "(التمهيد 7/ 189).

ثم ساقَهُ من طريقِ عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح به على الصوابِ سندًا ومتنًا، ثم قال:"فعلى هذا اللفظ أبواب الجنة ثمانية"(التمهيد 7/ 190).

[التحقيق]:

تحقيق زيادة [وَغُفِرَ لَهُ]:

أخرجها أحمد في (المسند 17314) -ومن طريقه ابن حجر في (نتائج الأفكار) - قال: حدَّثنا أبو العلاء الحسن بن سَوَّار قال: حدَّثنا ليثٌ عن معاوية عن أبي عثمان عن جبير بن نفير وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وعبد الوهاب بن بُخْت عن الليث بن سليم الجهني، كلُّهم يُحَدِّثُ عن عقبة بن عامر به.

وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ من أجلِ الحسن بن سوار، وهو "صدوقٌ" كما في (التقريب 1247)، وقد توبع: أخرجه البيهقيُّ في (الشعب، والبعث

ص: 239

والنشور) قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد، أنبأ عبد الله بن صالح الجهني، حدَّثَهُم قال: حدَّثني معاوية بن صالح الحمصي به.

وزيادات أبي داود صحيحة أيضًا:

أخرجها أبو داود عن أحمد بن سعيد الهمدانى، حدثنا ابن وهب سمعت معاوية -يعنى ابنَ صالح- يُحَدِّثُ عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر به. وفي آخره: قال معاوية: وحدَّثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة بن عامر.

وأخرجها أيضًا أبو عوانة في (مسنده 606) عن بحر بن نصر قال: ثنا ابن وهب به.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ مسلمٍ، عدا أحمد بن سعيد شيخ أبي داود، قال عنه الحافظُ:"صدوقٌ"(التقريب 38)، وقد تابعه بحر بن نصر، وهو ثقةٌ (التقريب 639).

وأبو عثمان الراوي عن جبير بن نفير قد اختُلِفَ فيه مَن هو؟ !

فقال البخاريُّ: "شيخٌ لم أعرف اسمه". ذكره مغلطاي في (الإعلام 1/ 510) نقلًا من علل الترمذي، ولم نجدْهُ في المطبوعِ منه.

ولعلَّ هذا هو عمدةُ قول الذهبيِّ: "لا يُدْرَى مَن هو، وخَرَّجَ له مسلمٌ متابعة"(الميزان 4/ 550).

وقد فاتَهُ قولُ الدارقطنيِّ: "وأبو عثمان هذا الأصبحي"(العلل 2/ 114).

ص: 240

يعني: شُفَيَّ بنَ مَاتِعٍ، وهو ثقةٌ، ولكن لم يعتمده المزيُّ، إذ لم يُعَلِّمْ لشُفَيٍّ علامةَ مسلمٍ، بينما ذكرَ في ترجمةِ أبي عثمان قول أبي بكر بن منجويه: يشبه أن يكون سعيد بن هانئ الخولاني المصري" (التهذيب 7507).

وذَكَرَ ابنُ حَجرٍ قولَ ابنِ حِبَّانَ: "أبو عثمان هذا يشبه أن يكون حريزُ بنُ عثمانَ الرحبيُّ"(الصحيح 1050).

قال العلامةُ الألبانيُّ: "وكلاهما ثقة؛ فالتردد بينهما لا يضرُّ"(صحيح أبي داود 162).

ولذا قال: "إسنادُهُ صحيحٌ"(صحيح أبي داود 1/ 299/ 162).

قلنا: كيفما كان فلا يضرُّ؛ لأنه متابَع كما سبقَ.

وقد رُوِي هذا الحديثُ من طرقٍ أُخرَى:

فرواه ابنُ ماجه (473) من طريق أبي بكر بن عياش، وأبو نعيم في (صفة الجنة 163)، وابن عبد البر في (التمهيد 7/ 190) من طريق أبي الأحوص، وأبو نعيم في (تاريخ أصبهان 1/ 122) من طريق سعيد بن يسار، ثلاثتهم عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء البَجَلي، عن عقبة بن عامر الجهني، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ [عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ وُضُوئِهِ]: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

وهذا السندُ معضلٌ، وله قصةٌ سنذكرها تحتَ رواية الحاكم الآتية قريبًا.

ورواه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين 176) عن محمد القلزمي عن عبدةَ

ص: 241

المروزيِّ عن محمد بن يوسف الفريابي، ثنا ابن ثوبان، عن القاسم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

والقلزميُّ لا تُعرفُ حاله. وابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت، متكلَّمٌ فيه، وقد خُولِفَ:

فرواه الطبرانيُّ في (المسند 1408) من طريقِ هشامِ بنِ عمارٍ، ثنا يحيى بن حمزة عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسمِ، عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: جِئْتُ وَأَصْحَابٌ لِي حَتَّى حَلَلْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، [فَقَالَ أَصْحَابِي: مَنْ يَرْعَى إِبِلِنَا، وَنَنْطَلِقُ نَقْتَبِسُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا رَاحَ أَقْبَسْنَاهُ مَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْتُ: أَنَا، ] فَفَعَلْتُ ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ إِنِّي ذَكَرْتُ فِي نَفْسِي، فَقُلْتُ: لَعَلِّي مَغْبُونٌ، يَسْمَعُ أَصْحَابِي مَا لَمْ أَسْمَعْ، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! !

فَحَضَرْتُ يَوْمًا فَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ كَامِلًا، ثُمَّ أَتَى إِلَى صَلَاتِهِ، كَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَكَيْفَ لَوْ سَمِعْتَ الكَلَامَ الأَوَّلَ كُنْتَ أَشَدَّ عَجَبًا؟ ! فَقُلْتُ: ارْدُدْ عَلَيَّ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. فَقَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ، شيئًا فَتْحَ اللَّهُ لَهُ أَبْوَابَ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ، وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ» .

وخولف فيه هشام، فرواه الطبرانيُّ في (الأوسط 7947) من طريق محمد بن المبارك الصوري، نا يحيى بن حمزة، عن الوضين بن عطاء، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر قال: «جِئْتُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَاكِبًا

» بنحوه، والزيادةُ السابقةُ منه، ولا بدَّ منها هناك.

ص: 242

وروايةُ الصوري ضعيفةٌ لضعفِ شيخ الطبراني موسى بن عيسى، ورواية هشام هي التي ذكرها الدارقطني، فقال:"وحديث يحيى بن حمزة، عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة- ليس به بأس أيضًا، والله أعلم"(العلل 2/ 114).

وانظر تحقيقنا لحديث عقبة في باب (فضل الوضوء والصلاة عقبه).

ص: 243

رِوَايَةُ (إِلَّا انْفَتَلَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) ورواية (مِنَ الجَنَّةِ):

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا نَتَنَاوَبُ الرَّعِيَّةَ، فَلَمَّا كَانَتْ نَوْبَتِي سَرَّحْتُ إِبِلِي، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فِي صَلَاتِهِ فَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ [حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ] إِلَّا انْفَتَلَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الخَطَايَا لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ» .

قَالَ: فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ عُمَرُ: وَكُنْتُ إِلَى جَنْبِهِ أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ قَدْ قَالَ: قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ مَا هُوَ أَجْوَدُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: مَا هُوَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ: قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ وُضُوئِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» الحَدِيثَ.

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون زيادة كلمة "مِنْ" التي قبل كلمة "الجَنَّةِ". وإسنادُهُ ضعيفٌ، ولكن يصح لشواهده، ولعل لذلك صححه الحاكم والألباني.

[التخريج]:

[ك 3554 (واللفظ له) / عب 142 (والزيادة له ولغيره) / معقر 615، 616/ ني 251/ أصبهان (2/ 137) مختصرًا/ مزكي 39/ خلدف 112/ شعب 2976/ فاخرج 47 مختصرًا/ غيب 1597].

[السند]:

رواه الحاكمُ -وعنه البيهقيُّ في الشعب- قال: حدَّثني علي بن عيسى الحيري، ثنا مسدد بن قَطَن، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص،

ص: 244

عن أبي إسحاقَ، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة به، وزادَ في آخرِهِ: ثم قَالَ: «يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَنْفُذُهُمُ البَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي فَيُنَادِي مُنَادٍ: «سَيَعْلَمُ أَهْلُ الجَمْعِ لِمَنِ الكَرَمُ اليَوْمَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: «أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ؟ » ، ثُمَّ يَقُولُ:«أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ؟ » ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: «سَيَعْلَمُ الجَمْعُ لِمَنِ الكَرَمُ اليَوْمَ» ، ثُمَّ يَقُولُ:«أَيْنَ الحَمَّادُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمَدُونَ رَبَّهُمْ؟ » .

ورواه عبدُ الرزاقِ عن إسرائيلَ، ورواه الرويانيُّ والمزكيُّ من طريقِ الوليدِ بنِ العيزارِ، ورواه ابن المقرئ في (معجمه)، من طريقِ يوسف بن أبي إسحاق، ومسعر، وسعير بن الخمس، ورواه الخَلَدي في (الفوائد) من طريق روح بن مسافر، ورواه أبو نعيم في (التاريخ) من طريق الثوري، ورواه ابن الفاخر من طريق أبي الأحوص، وقوام السنة في (الترغيب) من طريق عبد الكبير بن دينار الصائغ، كلّهم عن أبي إسحاق به، منهم مَن طَوَّله ومنهم مَن اختصره.

فمداره عندهم على أبي إسحاقَ، وهو السَّبيعيُّ.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:

الأُولى: فيه أبو إسحاقَ السبيعيُّ، وهو مدلسٌ مشهورٌ بالتدليسِ، وقد اختُلفَ عليه فيه كما ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 2/ 197)، وانظر ما سطرناه عقب العلة الثالثة.

الثانيةُ: عبد الله بن عطاء الطائفي؛ قال عنه الحافظ: "صدوقٌ يُخطئُ ويدلسُ"(تقريب 3479).

ص: 245

وقد دلَّسَ في هذا الحديثِ كما سيأتي.

الثالثةُ: الانقطاعُ، بل الإعضالُ؛ فهذا الإسنادُ فيه بين عبد الله بن عطاء وعقبة مفاوز؛ إذ سقطَ منه جماعة؛ ولذا قال ابن حبان: "عبد الله بن عطاء المكي

هو الذي يروي عن عقبة بن عامر ولم يرَهُ" (الثقات 7/ 41).

وله قصةٌ طريفةٌ تُبينُ الإعضالُ في سندِهِ؛ فقد أخرجَ ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين) عن إسحاق بن أحمد القطان بتنيس قال: حدثنا محمد بن سعيد بن غالب قال: حدثنا نصر بن حماد قال: كُنَّا ببابِ شعبةَ ومعي جماعةٌ، وأنا أقولُ لهم: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر في الوُضوءِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال: فَلَطَمَنِي شُعْبَةُ لطمةً ودخلَ الدارَ، ومعه عبدُ اللهِ بنُ إِدريسَ.

قال: ثم خرجَ بعد ذلك وأنا قاعدٌ أبكِي، فقال لعبد الله بن إدريس: هو بعد يبكي!

فقال عبدُ اللهِ: إنك لطمتَ الرجلَ! فقال: إنه لا يدري ما يُحَدِّثُ.

إني سمعتُ أبا إسحاقَ يُحَدِّثُ بهذا الحديثِ عن عبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ، فقلتُ لأبي إسحاقَ: مَن عبد الله بن عطاء هذا؟ فَغَضِبَ، فقال مسعرٌ: إن عبدَ اللهِ بنَ عطاءٍ حَيٌّ بمكةَ.

قَالَ: فخَرَجتُ مِن سَنَتِي إلى الحَجِّ ما أريدُ إلا الحديثَ، فأتيتُ مكةَ فسألتُ عن عبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ، فدخلتُ عليه، فإذا فتىً شاب، فقلتُ: أيُّ شَيء حدَّثني عنك أبو إسحاق؟ فقال لي: نعم.

قلتُ: لقيتَ عقبةَ بنَ عامرٍ؟ قال: لا، ولكن سعد بن إبراهيم حَدَّثَنيه.

ص: 246

قال: فأتيتُ مالكَ بنَ أنسٍ -وهو حَاجٌّ- فسألتُه عن سعدِ بنِ إبراهيمَ، فقالَ لي: ما حَجَّ العامَ.

فلمَّا قضيتُ نُسكي مضيتُ إلى المدينةِ، فأتيتُ سعدَ بنَ إبراهيمَ، فسَألتُهُ عنِ الحديثِ، فقالَ لي: هذا الحديثُ مِن عندكم خرجَ.

فقلتُ له: كيف؟ قال: حدَّثني زياد بن مخراق.

قلتُ: دَمِّرْ على هذا الحديثِ؛ مَرَّةً كوفي، ومَرَّةً مكي، ومَرَّةً مدني! ! !

قالَ: فقَدمتُ البصرةَ، فأتيتُ زيادَ بنَ مِخراقَ فسَألتُهُ عنِ الحديثِ فقالَ: لا ترده. فقلتُ: ولِمَ؟ قال: لا ترده. فقلتُ: ليسَ منه بُدٌّ.

قال: حدَّثني شهرُ بنُ حَوشبٍ. قلتُ: دَمِّرْ على هذا الحديثِ، واللهِ لو صَحَّ هذا الحديثُ كان أحب إليَّ من أهلي ومالي. (المجروحين 1/ 33 - 34).

ورواه كذلك أبو نعيم في (حلية الأولياء 7/ 148)، وابنُ عَديٍّ في (الكامل 6/ 168)، والرامهرمزيُّ في (المحدث الفاصل 209)، والبيهقيُّ في (القراءة خلف الإمام 443)، والخطيبُ في (الرحلة في طلب الحديث 59)، و (الكفاية 1/ 400، 2/ 208)، والعلائيُّ في (الأربعين المغنية 1276)، وابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 1/ 48 - 50)، وأبو موسى المدينيُّ في (اللطائف من دقائق المعارف 717)، وابنُ عساكر في (تاريخه 19/ 216).

وهذا السندُ وإن كان فيه نصرُ بنُ حمادٍ الوراقُ، فقد قالَ ابنُ حَجرٍ:"ضعيفٌ"(التقريب 7109).

غير أنه متابَعٌ، تابعه بشر بن المفضل، كما عند أبي نُعيمٍ في (حلية

ص: 247

الأولياء 7/ 148)، وابنُ أبي حَاتمٍ في (الجرح والتعديل 1/ 167)، والخطيبُ في (الرحلة في طلب الحديث 60).

وأبو داودَ الطيالسيُّ كما في (التاريخ الكبير للبخاري 5/ 165، والأوسط 651)، و (مسائل حرب الكرماني - النكاح رقم 2370)، و (المعرفة للفسوي 2/ 425)، و (الكامل لابن عدي 4/ 37).

وعبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ كما عند أبي نُعَيمٍ في (الحلية 7/ 148)، وأبو موسى المدينيُّ في (اللطائف من دقائق المعارف 718)، وابنُ عساكر في (تاريخه 19/ 215).

غير أنَّ ثَمَّ اختلافاتٍ في رواياتهم في الواسطةِ بين زياد بن مخراق وشهر، وبين شهر وعقبة، فانظرها في مواضعه التي ذُكرتْ؛ لذلك أشارَ البيهقيُّ إلى هذه المتابعاتِ فقال:"وقد روى هذه الحكاية عبد الرحمن بن مهدي وبشر بن المفضل وغيرهما عن شعبة مختصرًا"(القراءة خلف الإمام للبيهقي صـ 208).

وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "وقد رُوي هذا المعنى مِن وجوهٍ عن شعبةَ"(التمهيد 1/ 50).

وقال الخطيبُ: "بين عبد الله بن عطاء وعقبة -يعني في هذا الحديثِ- غير واحد، منهم: الأسود عن محمد بن المنكدر عن زياد بن مخراق عن رجلٍ عن شَهْرٍ عن أبي ريحانةَ عن عقبةَ، وقد رواه غيرُ واحدٍ عن أبي إسحاقَ فلم يذكروا العلة (المراسيل للخطيب كما في لطائف المعارف لأبي موسى المديني، صـ 361).

وقد ذَكَرَ الدارقطنيُّ هذه القصة في (العلل)، وقال: "فَسَدَ الحديثُ عند

ص: 248

شعبةَ بذكرِ ابنِ حَوشبٍ فيه" (العلل 2/ 114 بتصرف يسير).

وكأنَّه لذلك لم يُصححِّ الحاكمُ إسنادَهُ خِلافًا لما نقله المنذريُّ في (الترغيب 1/ 96)، وإنما قال فقط:"هذا حديثٌ صحيحٌ".

فَصَحَّحَ الحديثَ دون السند، وهو كذلك، فحديثُ عقبةَ هذا تُقَدَّم عند مسلمٍ وغيرِهِ من طُرقٍ أُخرى بلفظ:«ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إلا وَجَبَتْ له الجَنَّةُ» ، زادَ بعضُهم:[وَغُفِرَ لَهُ]، وهي بمعنى قوله هنا:«انْفَتَلَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الخَطَايَا» ، وهذه الجملة يَشْهَدُ لها أيضًا حديثُ عمرو بن عبسة المخرج في باب (ذَهاب الذنوب بماء الوضوء)، وسيأتي نحوها في بعضِ رواياتِ حديث عثمان رضي الله عنه، المخرج في الباب الذي يليه.

ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح الترغيب والترهيب 190).

ولكن جاءَ في حديثِ عقبةَ عن عمرَ عند مسلمٍ وغيرِهِ بلفظ: "أبواب الجنة"، دون زيادة "مِن"، وكذا رواه ابن ماجه وغيره من طريق أبي إسحاقَ، وقد خَرَّجنَاهُ تحت الرواية الأم لموافقته لها.

هذا، وقد روى الطبرانيُّ وابنُ عبدِ البرِّ وغيرهما هذا الحديث من طريقِ أبي إسحاقَ وغيرِهِ مقتصرين على حديث عقبة، ليس فيه حديث عمر، وهو مخرجٌ في باب "فضل الوضوء والصلاة عقبه".

-[تنبيه مهم]-

وقعَ الحديثُ عند عبد الرزاق بلفظ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةً، يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، كَانَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . فَقَالَ: قُلْتُ: بَخٍ بَخٍ! فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: قَدْ قَالَ آنِفًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسَبْغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةً يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فِيهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ

ص: 249

صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».

كذا أعادَ عبارةَ «ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةً يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فِيهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ» في حديثِ عمرَ أيضًا، فجعلَ محل الذكرِ الواردِ فيه (أي: التشهد) بعد الصلاةِ، وهو خطأٌ محضٌ، وقد ذَكَرَ محققُهُ أن هذه العبارةَ لم تُذكرْ في النسخة (ظ)، فهذا دليلٌ على أنَّ ذِكرَهَا في النسخةِ الأُخرى إنما هو بسببِ انتقالِ نظرِ النَّاسخِ من «فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ» في حديثِ عمرَ، إلى «فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ» في حديثِ عقبةَ.

وعليه، فما كان ينبغي ذكر هذه الزيادة المقحمة في أصلِ المتنِ، بل يُشَارُ إليها في الحاشيةِ، لاسيما ولم تذكرْ في شيءٍ منَ المراجعِ الأُخرَى التي خَرَّجتِ الحديثَ، فالتشهدُ عندهم جميعًا محله بعد الفراغِ منَ الوضوءِ، وهو الثابتُ في الصحيحِ كما سبقَ.

-[تنبيه آخر]-

وقعَ في سندِ ابنِ المقرئ لهذا الحديثِ (615): "عن حسان بن إبراهيم ثنا يوسف بن أبي إسحاق مسعر عن أبي إسحاق الهمذاني عن عبد الله بن عطاء

" إلخ.

كذا في المطبوعِ: "يوسف بن أبي إسحاق مسعر"، وصوابه:"ومسعر" بالعطفِ، ويدلُّ عليه ما عند أبي نعيم في (أخبار أصبهان 2/ 332).

ص: 250

رِوَايَةُ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ؛ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دونَ قولِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ» ، فزيادةٌ شاذةٌ، وفي سندِهِا وهمٌ، وانقطاعٌ، واضطرابٌ. وقد ضَعَّفَها الترمذيُّ، وابنُ القطانِ، وابنُ حَجرٍ -في أصحِّ قوليه-، والقاري. وذكرَ لها الحافظُ في (التلخيص) شاهدًا وسكتَ عنه. وبهذا الشاهدِ وغيره صَحَّحَها الألبانيُّ. وهي شواهد واهية لا تصحُّ، ولو مجتمعة.

[التخريج]:

[ت 56].

[السند]:

قال الترمذيُّ: حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي، حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:

الأُولى: الانقطاعُ؛ فأبو عثمان هذا وأبو إدريس الخولاني روايتهما عن عمرَ منقطعةٌ. انظر (تهذيب التهذيب 5/ 86)، و (جامع التحصيل 991).

ص: 251

وقد روى الترمذيُّ عنِ البخاريِّ -عقب هذا الحديث- أنه قَالَ: "وأبو إدريسَ لم يسمعْ من عمرَ شيئًا".

قلنا: أما أبو عثمان فإنما يرويه عن جُبير بنِ نُفير عن عقبة بن عامر عن عمر به كما سبق، فسقطَ منَ السندِ اثنان كما قال ابن حجر، انظر (تهذيب التهذيب 4/ 93).

وأما أبو إدريسَ الخولانيُّ فإنما يرويه عن عقبةَ عن عمرَ كما سبقَ عند مسلمٍ وغيرِهِ.

العلةُ الثانيةُ: الوهمُ في الإسنادِ والاضطرابُ فيه من قِبَلِ زيد بن الحباب.

فالحديثُ إنما يرويه معاوية عن ربيعة عن أبي إدريس عن عقبة عن عمر، وعن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة عن عمر.

هكذا رواه ابن مهدي، وابن وهب، والليث بن سعد، وعبد الله بن صالح، عن معاوية كما سبق، وهو الصوابُ، ورواية زيد بن الحباب خطأ.

وقدِ اختُلِفَ على زيدٍ بما يُشعرُ باضطرابِهِ فيه، فقد رُوي عنه على وجوهٍ أخرى:

فرواه النسائيُّ عن محمد بن علي بن حرب، ورواه الطوسيُّ عن الدوريِّ، كلاهما عن زيدٍ، وقال فيه:"عن ربيعة عن أبي إدريس وأبي عثمان عن عقبة" مقتصرًا على حديثِ عمرَ.

فأسقطَ منه جبيرًا كما سبقَ، وأوهم أنه من روايةِ ربيعةَ عن أبي عثمانَ!

ورواه أبو داود (906) عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن جبير بن نفير الحضرمي، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ص: 252

قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» .

هكذا مقتصرًا على حديثِ عقبةَ، وجعله من رواية أبي إدريس عن جبيرٍ عن عقبةَ! وأبو إدريسَ إنما يرويه عن عقبةَ بلا واسطةٍ كما سبقَ، وأبو عثمانَ هو الذي يرويه عن جُبيرٍ!

ورواه ابنُ أبي شيبةَ عن زيدٍ عن معاويةَ عن ربيعةَ عن أبي إدريس وأبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبةَ به، وهذا مشكلٌ، وقد رواه البغويُّ عنِ ابنِ أبي شيبةَ على الصوابِ كما سبقَ.

وقد رواه البزارُ في (مسنده 243) عن بشرِ بنِ آدمَ عن زيدٍ به إلى ربيعةَ عن أبي إدريسَ وَحْدَهُ عن عقبةَ عن عمرَ به على الصوابِ مثل رواية الجماعة.

ورواه أبو عوانةَ (605) عن أبي بكرٍ الجُعْفيِّ قال: ثنا زيد بن الحباب قال: ثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني، ومعاوية، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر، عن عمرَ به، على الصوابِ سندًا ومتنًا.

وكذلك رواه أبو نعيم في (المستخرج 554) من طريقِ أبي كُرَيْب وابنِ أبي شيبةَ عن زيدٍ به.

ولذا قال أبو علي الجيانيُّ: ((خَرَّجَ الترمذيُّ هذا الحديثَ من طريق زيد بن الحباب، عن شيخٍ له، لم يُقِمْ إسنادَهُ عن زيدٍ، وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب، وزيدٌ بريءٌ من هذه العُهْدةِ، والوهمُ في ذلك من أبي عيسى أو من شيخِهِ الذي حَدَّثَهُ به؛ لأنا قد قدمنا من رواية أئمة حفاظ عن زيد بن

ص: 253

حباب في هذا الإسناد ما خالف ما ذكره أبو عيسى، والحمد لله. وذكره أبو عيسى أيضًا في (العلل)، فلم يجوده، وأتى عنه فيه بقول يخالف ما ذكرنا عن الأئمة، ولعلَّه لم يحفظ عنه. وهو حديثٌ يختلفُ في إسنادِهِ، وأحسن طرقه: ما خرَّجه مسلم بن الحجاج من حديث ابن مهدي وزيد بن الحباب عن معاوية بن صالح، والله المستعان)) (تقييد المهمل 3/ 789 بتصرفٍ يسيرٍ).

قلنا: لو وقفَ الأمرُ على مخالفة شيخ الترمذي لكان ذلك صوابًا، ولكن قد رواه غيرُهُ عن زيدٍ على وُجوهٍ أخرى كما سبقَ، فالأقربُ أن الاختلافَ في سندِهِ من قِبَلِ زيدٍ، لاسيما وأن المختلفين عليه جماعةٌ منَ الثقاتِ.

نعم، وَهِم شيخ الترمذي في متنه كما تراه فيما يلي.

العلةُ الثالثةُ: الشذوذُ في المتنِ من قِبَلِ شيخ الترمذي؛ وذلك في قولِهِ في متنِ الحديثِ بعد الشهادتين: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ» ، فهذا لم يذكرْهُ الثقاتُ الذين رووا هذا الحديث عن معاويةَ؛ كابن مهدي، وابن وهب، والليث، وغيرهم.

والظاهرُ أن هذه الزيادةَ ليستْ من قِبَلِ زيدِ بنِ الحبابِ، وإنما هي من قِبل شيخِ الترمذيِّ: جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي، وهو صدوقٌ كما في (التقريب 951).

وقد تَفَرَّدَ بهذه الزيادةِ دونَ أصحابِ زيدٍ الثقات؛ كـ (ابنِ أبي شيبةَ، وأبي كُرَيْبٍ، والعباس بن محمد الدوري، ومحمد بن علي بن حرب المروزي، وأبي بكر الجعفي)، فهؤلاء الثقات لم يذكروا هذه الزيادة التي زادها جعفر.

ولذا قال الحافظ ابن حجر: ((لم تَثبتْ هذه الزيادة في هذا الحديثِ؛ فإن

ص: 254

جعفر بن محمد -شيخ الترمذي- تفرَّد بها ولم يضبطِ الإسنادَ، فإنه أسقطَ -بين أبي إدريس وبين عمر- جبيرَ بنَ نُفير، وعقبةَ، فصَارَ مُنقطعًا بل مُعْضَلًا، وخالفه كلُّ مَن رَواه عن معاوية بن صالح ثم عن زيد بن الحباب، وقد رواه عن زيدٍ سوى مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ موسى بن عبد الرحمن المسروقي وحديثُهُ عندَ النسائيِّ، وأبو بكر الجعفي وعباس بن محمد الدوري وحديثُهُما عند أبي عَوانةَ، وأبو كريب محمد بن العلاء وحديثُهُ عند أبي نعيم في (المستخرج)، فاتفاقُ الجميعِ أَوْلى مِن انفرادِ الواحدِ)) (نتائج الأفكار 1/ 243).

* وممن ضَعَّفَ هذه الزيادةَ أيضًا ابنُ القطانِ الفاسيُّ، حيثُ أعلَّها بالانقطاعِ، وتَعَقَّبَ عبدَ الحَقِّ في سكوتِهِ عنها، فقال: ((وسكتَ عنه مصححًا له، وهو منقطعٌ فإنه من روايةِ أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر

)) ثم نقلَ عن الترمذيِّ القول بانقطاعه. انظر (بيان الوهم والإيهام 382).

* وقال القاري: ((والحاصلُ ورود الاعتراض على صاحب المصابيح حيثُ كَرَّرَ رواية الترمذي في الصحاحِ لإيهامها أنه كله في أحد الصحيحين أو كليهما، وليس كذلك؛ قال في (الأزهار): هذا حديثٌ مضطربٌ ومنقطعٌ. وإلحاقُ الضعيفِ بالصحيحِ غيرُ مقبولٍ مع تغيير العبارة لفظًا ومعنى)) (مرقاة المفاتيح 289).

* هذا وقد ذَهَبَ الترمذيُّ إلى تضعيفِ هذا الحديثِ جملةً مع الزيادةِ فقال -بعد أن خرَّجه-: ((هذا حديثٌ في إسنادِهِ اضطرابٌ، ولا يصحُّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ كبيرُ شَيءٍ؛ قال محمدٌ -يعني البخاريَّ-: وأبو إدريسَ لم يسمعْ من عمرَ شيئًا)) اهـ، وانظر (بيان الوهم والإيهام 2/ 382).

ص: 255

وتَعَقَّبَ الترمذيَّ في ذلك كلٌّ من الحافظِ ابنِ حَجرٍ، والألبانيِّ:

* فقال الحافظُ: ((لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض، والزيادة التي عنده رواها البزار والطبراني في (الأوسط) من طريق ثوبان ولفظه: «مَنْ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَسَاعَةَ فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ

» الحديث)) (تلخيص الحبير 1/ 176).

هكذا قال الحافظُ، وكأنه يشيرُ إلى تقويةِ هذه الزيادةِ بشاهد ثوبان المذكور، وقد سبقَ جَزْمُهُ بعدمِ ثُبوتها، وهو الصوابُ، أما شاهد ثوبان الذي سكتَ عنه فلا يَصحُّ، وسيأتي الكلامُ عليه قريبًا.

* وقال الألبانيُّ: ((قد تَبينَ لك مما حررنا آنفًا أن الاضطرابَ إنما هو فِي رواية زيد بن الحباب وحده، وأن روايةَ الجماعةِ سالمةٌ منه؛ فلا يجوزُ تضعيفُ الحديثِ لمجردِ اضطرابِ راوٍ واحد فيه

))، ثم ذَكَرَ كلامَ الحافظِ السابقِ (صحيح أبي داود 1/ 302).

ولكن ذَهَبَ الألبانيُّ إلى تصحيحِ هذه الزيادةِ بشاهد ثوبان المذكور، بل وصَحَّحَ -في موطن آخر- سندَ الترمذيِّ هذا فقال:

((فإن قِيلَ: قد عَرَفْنَا أن الحديثَ صحيحٌ، فما حالُ إسنادِ هذه الزيادة عند الترمذيِّ؟ قلتُ: إسنادُهَا صحيحٌ، رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ رجالُ مسلمٍ، غير شيخ الترمذي جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي وهو صدوقٌ كما قال أبو حاتم، ثم إن لها شواهد من حديث ثوبان عند ابن السني (رقم 30) وابن عمر وأنس كما ذكره البيهقي في (سننه 1/ 78)؛ ولذلكَ جزمَ ابنُ القيمِ في (زاد المعاد 1/ 69) بثبوتِ الحديثِ مع هذه الزيادةِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) (تمام المنة صـ 97)،

ص: 256

وانظر (الإرواء 1/ 135).

قلنا: أما تصحيحُ السندِ، ففيه ما تَقَدَّمَ.

وأما تصحيحُ الزيادةِ بالشواهدِ المذكورةِ، فغير مُسَلَّم؛ لأمرين:

الأول: أن هذه الزيادةَ قد ثبتَ شُذوذُها ونَكارتُها في هذا الحديثِ، والشاذُّ والمنكرُ خطأٌ، والخطأُ لا يتقوى بغيرِهِ، ولا يُقوي غيرَهُ كما هو معلومٌ بداهة واصطلاحًا.

الثاني: أن هذه الشواهد لا تَثبتُ، ولا تصحُّ كما ستراه قريبًا في موضعِهِ إن شاءَ اللهِ.

وهذا الذي ذهبنا إليه من تضعيفِ هذه الزيادةِ وعدمِ تصحيحها بحديثِ ثوبانَ المذكور قد سلكه الشيخُ الألباني في شأن زيادة أخرى -وهي روايةُ رفعِ الطرف إلى السماءِ الآتية- حيثُ ضَعَّفَها وحَكَمَ بنكارتِها رغمَ أنها وردتْ في شاهد ثوبانَ المذكور! بل وفي شاهد أنسٍ أيضًا! وانظر (ضعيف أبي داود 1/ 57 وما بعدها).

* وقد أشارَ النوويُّ أيضًا إلى تقويةِ هذا اللفظِ بالشواهدِ فقال: "ورويتِ الزيادةُ التي زادها الترمذيُّ من رواية جماعة منَ الصحابةِ غير عمر"(المجموع 1/ 517).

قلنا: سيأتي الكلامُ على هذه الشواهد وبيانُ أنها لا تصلحُ لأن يَتقوى بعضها ببعضٍ.

ص: 257

رِوَايَةُ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ:«مَنْ قَامَ إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ، فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ فَكَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .

قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ: فَقُلْتُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم! فَقَالَ لِي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَكَانَ تُجَاهِي جَالِسًا: أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ! فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ عُمَرُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ [مِنَ] الجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

منكرٌ بهذه السياقةِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، ضَعَّفَهُ المنذريُّ وابنُ دَقيقِ العيدِ وابنُ حَجرٍ والعينيُّ والألبانيُّ، وهو ثابتٌ بلفظ:«أَبْوَابِ الجَنَّةِ» دون كلمة (مِنْ)، ودون قوله:«إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ» ، ودون قوله:«ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» .

[التخريج]:

[د 170 مختصرًا/ كن 10022 (مقتصرًا على حديث عمر، والزيادة له ولغيره) / حم 121 (واللفظ له) / مي 743/ عل 180 (مقتصرًا على حديث عمر)، 249، 1763 (مقتصرًا على حديث عقبة) / بز 242/ لا 1289 (مقتصرًا على حديث عمر) / سي 84/ سني 32 (مقتصرًا على

ص: 258

حديث عمر) / فكه 228/ مقدص 118/ فكر (1/ 240)].

[التحقيق]:

رواه أحمد في (المسند)، والدارمي في (المسند) قالا -والسياق للدارميِّ-: أخبرنا عبد الله بن يزيد، ثنا حيوةُ، أنبأ أبو عقيل زُهْرة بن مَعْبَد عن ابنِ عمه عن عقبةَ بنِ عامرٍ به.

ورواه أبو داود (170) -وعلَّقه عنه ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 7/ 188) - عن حسين بن عيسى

(1)

البِسْطامي، ورواه أبو يعلى (180) عن القواريري، وأيضًا (249، 1763) عن أبي خيثمة زهير بن حرب، ورواه الدولابي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، ورواه الفاكهيُّ في (الفوائد) عنِ ابنِ أبي مسرةَ، كلُّهم عن عبد الله بن يزيد، وهو أبو عبد الرحمن المقرئ عن حيوة عن أبي عقيل عن ابن عمه

(2)

به، اختصره أبو داود، وطَوَّله ابنُ أبي مسرةَ وزهيرٌ في الموضعِ الأولِ، واقتصرَ في الثاني على حديثِ عقبةَ، واقتصرَ الباقون على حديثِ عمرَ.

ووقع عند الدولابي: "عن عمه"! فإن لم تكن كلمة "ابن" سقطتْ منَ النَّاسخِ، فهو خطأٌ من راويه بلا شَكٍّ؛ لمخالفتِهِ عامة أصحاب المقرئ.

وتوبع عليه المقرئ:

فرواه النسائيُّ في (الكبرى 10022 = عمل اليوم والليلة 32) -وعنه ابنُ السنيِّ في (عمل اليوم والليلة) - عن سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبد الله، عن حيوة بن شريح، قال: أخبرني زهرة بن معبد، أن ابنَ عمِّه -

(1)

تحرف في التمهيد إلى: "علي"!

(2)

تحرَّف في أصلِ فوائد الفاكهي إلى: "عمر"، وهو خطأٌ كما أشارَ إليه محققه.

ص: 259

أخِي أبيهِ- (لَحًّا) أخبرَهُ، أن عقبةَ بنَ عامرٍ الجهنيَّ حَدَّثَه قال: قال لي عمرُ بنُ الخطابِ:

" فذكره مقتصرًا على حديث عمر. وعبد الله هو ابن المبارك.

نعم، رواه الطبراني في (الكبير 17/ 331/ 915) من طريق السيلحيني عنِ ابنِ لهيعةَ عن أبي عقيل عن عمِّه عن عقبةَ، مقتصرًا على حديثه، ولم يذكر حديث عمر، وسيأتي تخريجُهُ في بابه.

كذا قال فيه: "عن عمِّه"، وهذا من أوهامِ ابنِ لهيعةَ وتخاليطه، فكان سيئ الحفظ، واختلط، وقد خالفه حيوة وهو ثقةٌ، فجعله من رواية أبي عقيل عن ابنِ عَمٍّ له، وهو المحفوظُ.

وقد توبع عليه حيوة:

فرواه البزارُ (242) عن محمد بن المثنى قال: نا عبد الله بن يزيد قال: نا سعيد بن أبي أيوب قال: نا أبو عقيل: أن ابنَ عَمِّه أخا أبيه حَدَّثَه به مطولًا بنحوه دون قوله: "إذا استقلتِ الشمسُ"! ودون زيادة "مِنْ" قبل "الجنة"!

ولذا قال ابنُ حَجرٍ: ((وأخرجه الطبرانيُّ في (الدعاء) من طريق ابن لهيعة، عن أبي عقيل قال: حدَّثني عَمِّي عن عقبةَ

فذكره. وقال: حيوة عن أبي عقيل عن ابنِ عَمِّه، وهو المعتمدُ، فقد تابعه على ذلك سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل، وسعيد من رجال الصحيح أيضًا)) (النتائج 1/ 241).

قلنا: ولكن قد خُولِفَ فيه ابنُ المثنى:

فرواه أحمدُ وابنُ أبي شيبةَ عنِ المقرئ عن سعيدٍ به، مقتصرًا على شطره الثاني: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ:

»

ص: 260

الحديث، وجَعَلاه من حديثِ عُقْبةَ! وكذا رواه ابنُ وَهبٍ عن سعيدٍ، وسيأتي تخريجُهُ عقبَ هذا، وعقبة إنما أخذه عن عمر رضي الله عنه.

والمراد أنه وافقَ حيوة على جعله من رواية أبي عقيل عن ابنِ عمِّه.

وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ للجهلِ بحالِ ابنِ عَمِّ أبي عقيل هذا، فقد أبهم ولم يُسَّم، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.

لذا قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفْهُ"(مجمع الزوائد 3416).

وقال الحافظُ: "هذا حديثٌ حسنٌ من هذا الوجهِ، ولولا الرجل المبهم لكان على شرطِ البخاريِّ؛ لأنه أخرجَ لجميعِ رواتِهِ من المقرئ فصاعدًا إلا المبهم، ولم أقفْ على اسمه"(النتائج 1/ 243).

وبهذا أعلَّه المنذريُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، فقالا:"وفي إسنادِ هذا رجلٌ مجهولٌ"(عون 1/ 200)، (الإمام 2/ 66).

وكذلك العينيُّ بقوله: "وهذا الحديثُ في إسنادِهِ رجلٌ مجهولٌ"(شرح أبي داود 1/ 397).

بينما نقل ابنُ كَثيرٍ عنِ ابنِ المدينيِّ أنه قال: "هذا حديثٌ حسنٌ"(مسند الفاروق 1/ 111).

نعم، الحديثُ ثابتٌ من وجهٍ آخر عند مسلمٍ وغيرِهِ بنحوه إلا أنه بلفظ:«أَبْوَابِ الجَنَّةِ» دون كلمة (مِنْ)، ودون قوله:«إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ» ، ودون قوله:«ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» ، فهما زيادتان منكرتان لتفردِ الرجلِ المبهمِ بهما.

ص: 261

ولذا قال الألبانيُّ: "وهذه الزيادةُ منكرةٌ -أي: رفع البصرِ إلى السماءِ- لأنه تفرَّدَ بها ابنُ عَمِّ أبي عقيل هذا وهو مجهولٌ" اهـ. (الإرواء 1/ 135)، وانظر (ضعيف أبي داود 1/ 58).

وللزيادةِ الثانيةِ شاهد من حديثِ ثوبانَ وحديثِ أنسٍ، وهما واهيان كما سيأتي.

والحديثُ ضَعَّفَهُ الألبانيُّ بهذا السياقِ في (الضعيفة 5031)، و (ضعيف الترغيب 404)، وقال في موضعٍ آخر:"منكرٌ"(الضعيفة 6810).

تنبيه (1):

زيادة (مِنْ) قبل كلمة (الجَنَّةِ) عند النسائيِّ في (الكبرى) لم ترد في رواية ابنِ السُّنيِّ عنه في (اليوم والليلة)، ولا في رواية عبد الغني المقدسي في (الصلاة)، وهو عنده من طريقِ النسائيِّ، ولكنها زيادةٌ ثابتةٌ في هذا الطريقِ، جاءتْ في روايةِ أبي داودَ -فيما علَّقه عنه ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 7/ 188، 189) - وفي روايةِ أبي يعلى والدولابي والفاكهي، وإن لم ترد فِي روايةِ أحمدَ والدارميِّ، وأشارَ ابنُ عبدِ البرِّ إلى عدمِ صحتِهِ بهذه الزيادةِ كما سبقَ ذِكْرُهُ.

تنبيه (2):

ذكرَ المزيُّ في (التحفة 8/ 89، 90) أن أبا داودَ في روايتِهِ عنِ البسطاميِّ لم يذكرْ فيه "عمر"، أي: جعله من حديثِ عقبةَ، وكذا ذكره ضمن أحاديث عقبة في (التحفة 7/ 324)، ثم قال:"رواه ابنُ المباركِ عن حيوةَ فجعَله من مسندِ عمرَ".

قلنا: صنيعُ أبي داودَ في السنن محتملٌ، ونقله عنه ابنُ عبدِ البرِّ كروايةِ

ص: 262

الجماعةِ، من حديثِ عمرَ، والله أعلم.

تنبيه (3):

ذكرَ ابنُ الملقنِ أنَّ الرجلَ المبهمَ في هذا الحديثِ هو أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه، قال:"كما أفاده الحافظُ جمالُ الدينِ المزيُّ، فهذا إسنادٌ على شرطِ الشيخينِ"(البدر المنير 2/ 284).

كذا قالَ، وليسَ على هذا الكلامِ دليلٌ، ولم نجدْهُ في (التهذيب) ولا في (التحفة)، ولو ثبتَ لم يُفدْ شيئًا؛ لأن زُهرةَ لم يدركْ أبا بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا عليًّا، وقد توقفَ أبو حاتم في سماعه من ابنِ عمرَ، فكيفَ بروايتِهِ عن أبي بكر؟ ! ! وكيف يقال: إن سندَهُ على شرطِ الشيخين؟ ! !

ص: 263

رِوَايَةُ صَادِقًا مِنْ نَفْسِهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَادِقًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ قَلْبِهِ -شَكَّ أَيَّهُمَا قَالَ- فُتِحَ لَهُ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ يَوْمَ القِيَامَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

منكرٌ بهذا السياقِ، وضَعَّفَهُ أبو بكر الحازميُّ، واستغربه ابنُ الملقنِ، وسبقَ الحديثُ في الصحيحِ دونَ قولِهِ:«صَادِقًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ قَلْبِهِ» ، وقوله:«مِنْ» قبل «أَبْوَابِ الجَنَّةِ» .

[التخريج]:

[تمهيد (7/ 188)].

[السند]:

رواه ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد) قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شيبة قال: حدثنا أبو مصعب قال: حدَّثني إبرهيم بن محمد بن ثابت عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ فيه لين، فمحمد بن ثابت بن شرحبيل أخو بني عبد الدار تَرجَمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 1/ 50)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 7/ 215) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حبانَ في (الثقات 5/ 358)، ونقل المزيُّ في (التهذيب 24/ 552) عن عمر بن عبد العزيز أنه رَضيه، وقال ابنُ حَجرٍ:"مقبولٌ"(التقريب 5769)، بينما

ص: 264

وَثَّقَهُ السخاويُّ في (التحفة اللطيفة 3701).

وابنُهُ إبراهيمَ، قال أبو حاتم:"صدوقٌ"(الجرح والتعديل 2/ 125)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 5)، وقال ابنُ بشكوال:"لم يعرفه أحمد، ولم يعرفه محمد بن وضاح" ونقلَ كلامَ أبي حاتم المتقدم (شيوخ ابن وهب 1/ 50). وقال الذهبيُّ: "صالحُ الحديثِ، وله مناكير"(التاريخ 4/ 804)، وأقرَّهُ السخاويُّ في (التحفة 115).

وأبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر الزهريُّ المدنيُّ، صدوقٌ (التقريب 17).

والراوي عنه أحمد بن محمد بن شيبة، روى عنه قاسم بن أصبغ، وابن شاهين، وأبو بكر الشافعي، وغيرهم، قال مسلمة:"لا بأس به"(الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، لقطلوبغا 682).

بينما قالَ ابنُ النجارِ في سندٍ هو فيه: "رواتُهُ كلُّهم مجاهيل"(المغني 4886)، و (ذيل الديوان 333)، و (الميزان 3/ 339)، واعتمده ابنُ حَجرٍ، فقال:"مجهولٌ، قاله ابنُ النجار"، (اللسان 839).

قلنا: رواية قاسم وابن شاهين وأبي بكر الشافعي عنه تدفع القول بجهالته.

وعلى كلٍّ، فالثقاتُ الذين رووا هذا الحديث عن عقبة كأبي إدريس الخولاني وجبير بن نفير كما عند مسلم وغيره- ذكروه بلفظ:«فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَمَانِيَةُ» ، ولم يذكروا فيه قوله:«صَادِقًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ قَلْبِهِ» .

لذلك قال أبو بكر الحازمي: "هذه الزيادةُ غيرُ محفوظةٍ من طريقِ الثقاتِ المعتمد على حديثهم"(البدر المنير 2/ 285)، وأقرَّهُ ابنُ الملقنِ وقال:"زيادةٌ غريبةٌ"(البدر المنير 2/ 184) وقال عقبها: ((هذه الزيادةُ لم أرها في

ص: 265

شيءٍ من روايات هذا الحديث في الكتب المشهورة، وذكرها فيه الحافظ قطب الدين ابن القسطلاني في كتابه الموسوم بـ (الأدوية الشافية في الدعوات الكافية) ولم يذكرها بإسنادٍ حتى ننظرَ فيه فإن الكتاب المذكور جميعه بغير إسناد)).

بينما ذكر النوويُّ رحمه الله أن هذه اللفظة لا توجد في الكتب أصلًا، ومع ذلك قال:"لكنها شرط لا شك فيه"(المجموع 1/ 456).

قلنا: لله الحمد قد وقفنا على سندِهِا كما سبقَ.

وللحديثِ رواياتٌ أُخرى ستأتي في باب "فضل الوضوء والصلاة عقبه".

ص: 266

1397 -

حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ

◼ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

منكرٌ بهذه السياقةِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وإنما سمعه عقبةُ من عمرَ رضي الله عنه، ولكن بلفظ:«أَبْوَابِ الجَنَّةِ» دون كلمة «مِنْ» ، ودون قوله:«ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» .

[التخريج]:

[د (تحفة الأشراف 7/ 324) / حم 17363 (واللفظ له) / ش 24، 30516/ طب (17/ 331/ 916) / مش (خيرة 524) / عقبة 165/ لك 654/ فاخرج 49].

[السند]:

رواه أحمدُ وابنُ أبي شيبةَ -ومن طريقه ابن الفاخر- عن أبي عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، قال: حدَّثني زهرة بن معبد أبو عقيل، أن ابنَ عَمٍّ له أخبره أنه سمع عقبةَ بنَ عَامرٍ يقولُ

فذكره.

ورواه أبو داود كما في (التحفة) عن هارون بن عبد الله عن المقرئ به.

وقد رواه الطبرانيُّ من طريق ابن أبي شيبة، ووقع عنده من رواية المقرئ عن حيوة عن سعيد به.

وهذا خطأٌ، والحديثُ في (مصنف ابن أبي شيبة)، وفي (مسنده) كما في

ص: 267

(إتحاف الخيرة 524) من رواية المقرئ، عن سعيدٍ ليسَ بينهما حيوة، وإنما رواه حيوة عن زهرة كما سبق، وسيأتي.

ورواه اللالكائيُّ من طريقِ ابنِ وَهبٍ، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لأجلِ ابنِ عَمِّ أبي عقيل الذي لم يُسَمَّ.

وقد رواه حيوةُ عن أبي عقيل عنِ ابنِ عَمِّهِ بنحوه إلا أنه جعله من رواية عقبة عن عمر كما سبقَ، وهو المحفوظُ عن عقبةَ كما رواه مسلمٌ وغيره من طرقٍ عنه.

وكذا رواه البزارُ (242) عن محمد بن المثنى عن المقرئ عن سعيدٍ به، جعله من حديثِهِ عن عمرَ.

وذكرنا هناك أن الحديثَ ثابتٌ عن عقبةَ عن عمرَ، ولكن دون قوله:«ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» ودون كلمة «مِنْ» ، قبل كلمة «الجَنَّةِ» .

على أنه وَرَدَ هنا عند ابنِ أبي شيبةَ في الموضعِ الأولِ من (المصنف)، وعند الطبراني واللالكائي وابن الفاخر بلفظ:«فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ» ، كما هو محفوظٌ.

ص: 268

1398 -

حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

◼ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ دَخَلَ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون قوله: «ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» فمنكرٌ، وسندُهُ ضعيفٌ، وضَعَّفهُ النوويُّ ومغلطاي، والبوصيريُّ، وابنُ حَجرٍ، والشوكانيُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[جه 472 (واللفظ له) / حم 13792/ ش 22، 30515/ لا 1796/ سط (1/ 60) / سني 34/ طع 385، 386/ نعيم (جنة 167) / ضح (2/ 104) / أصبهان (2/ 150) / فكر (1/ 249) / فاخرج 48].

[السند]:

أخرجه ابن ماجه في (سننه): حدثنا موسى بن عبد الرحمن، حدثنا الحسين بن علي وزيد بن الحباب (ح) وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو نعيم، قالوا: حدثنا عمرو بن عبد الله بن وهب أبو سفيان النخعي قال: حدثني زيد العمي عن أنس بن مالك به.

قال أبو الحسن القطان في (زوائده على السنن): حدثنا إبراهيم بن نصر قال: حدثنا أبو نعيم بنحوه.

ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه) قال: حدثنا زيد بن الحُبَاب به.

ورواه أحمدُ في (المسند) عن معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، حدثنا عمرو بن عبد الله بن وهب به.

ص: 269

ومداره عندهم على عمرو بن عبد الله بن وهب به.

[التحقيق]:

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عللٍ:

الأُولى: زيدُ بنُ الحواري أبو الحواري العميُّ، قال عنه الحافظ:"ضعيفٌ"(التقريب 2131).

وأغلظ فيه ابن حبان فقال: "يروي عن أنسٍ أشياءَ موضوعة لا أصلَ لها، حتى سبقَ إلى القلبِ أنه المتعمدُ لها، وكان يحيى يُمَرِّضُ القولَ فيه، وهو عندي لا يجوزُ الاحتجاجُ بخبره ولا كتابة حديثه إلا للاعتبار"(المجروحين 1/ 386).

العلةُ الثانيةُ: الانقطاعُ، قال أبو حاتم:"روى عن أنسٍ، مرسل"(الجرح والتعديل 3/ 560)

(1)

.

قلنا: ومع ضَعْفِهِ، فقدِ اختُلِفَ عليه فيه، وهو العلةُ الثالثةُ:

فَمَرَّةً: يرويه عن أنسٍ كما هنا.

ومَرَّةً: يرويه عن معاويةَ بنِ قرَّةَ عنِ ابنِ عمرَ، كما عند ابنِ ماجه في (سننه 423)، وغيرِهِ. وثالثةً: عن معاويةَ عنِ ابنِ عمرَ وأنسٍ، كما عند البيهقيِّ في (السنن الصغرى)، وغيرِهِ.

ورابعةً: يرويه عن معاويةَ بنِ قرَّةَ عن أبيه عن جدِّهِ، كما عند الطبرانيِّ في (الأوسط 6288). وخامسةً: يرويه عن معاويةَ عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أُبيِّ بنِ

(1)

قد عزا ابنُ حَجرٍ هذا القول لأبي حاتم في (المراسيل) كما في (تهذيب التهذيب 3/ 409)، ولم نجدْهُ في المطبوع من (المراسيل)، فلعلَّه وَهِمَ فيه رحمه الله.

ص: 270

كَعبٍ، كما عندَ ابنِ ماجه في (سننه 424)، وغيرِهِ.

وقيل عنه غير ذلك كما سيأتي ذكرُهُ في موضعِهِ.

وقد ضَعَّفَ حديثَهُ هذا غيرُ واحدٍ منَ العلماءِ:

فقال النوويُّ: "رواه أحمدُ بنُ حَنبلٍ وابنُ ماجه بإسنادٍ ضعيفٍ"(المجموع 1/ 457).

وقال مغلطاي: "هذا حديثٌ إسنادُهُ ضعيفٌ"(شرح سنن ابن ماجه 1/ 508).

وقال البوصيريُّ: "في إسنادِهِ زيدٌ العميُّ وهو ضعيفٌ"(الزوائد 1/ 68).

وقال ابنُ حَجرٍ: "إسنادُهُ ضعيفٌ"(نتائج الأفكار 1/ 247).

وقال الشوكانيُّ: "إسنادُهُ ضعيفٌ"(تحفة الذاكرين 1/ 143).

قلنا: قد تَقَدَّمَ حديثُ عمرَ، وليسَ فيه قولُهُ:«ثَلَاثُ مَرَّاتٍ» ولذا قال الألبانيُّ: ((هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ من أجلِ زيدٍ العميِّ؛ فإنه ضعيفٌ، كما جزمَ به الحافظُ، والحديثُ صحيحٌ دون قولِهِ: «ثَلَاث مَرَّاتٍ» فقد رواه كذلك عمرُ بنُ الخطابِ وعقبةُ بنُ عامرٍ)) (السلسلة الضعيفة 4578).

وقال ابنُ الملقنِ: ((قال الشيخُ تقي الدين في (الإمام): وأخرجه المستغفريُّ في (الدعوات) وقال: هذا حديثٌ حسنٌ)) (البدر المنير 2/ 288).

قلنا: وهذا منه ليس بحسن؛ لما سبقَ ذكرُهُ.

ص: 271

رِوَايَةُ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَأَسْبَغَ الوُضُوءَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَتَحَ اللَّهُ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ الجَنَّةِ وَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ مِنْ أَيِّ بَابٍ شِئْتَ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون قوله: «وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ» وإسنادُهُ تالفٌ.

[التخريج]:

[أخبار وحكايات لمحمد بن عبد الواحد الدارمي (ق 109 ب، ق 110 أ) / خط (12/ 508)].

[السند]:

رواه محمد بن عبد الواحد الدارميُّ في (أخبار وحكايات) قال: أخبرنا ابن شاذان، ثنا أبو موسى -وهو ابن عيسى بن يعقوب بن جابر- ثنا دينار، حدثني صاحبي أنس بن مالك

فذكره.

ورواه الخطيبُ في (تاريخه) قال: أخبرنا العتيقي، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ تالفٌ؛ فيه: دينار أبو مكيس الحبشي -خادم أنس بن مالك-، قال عنه الذهبي:"ذاك التالفُ المتهمُ، حَدَّثَ في حدود الأربعين ومائتين بوقاحةٍ عن أنس بن مالك؛ قال ابن حبان: يروي عن أنسٍ أشياءَ موضوعةً، وقال ابن عدي: ضعيفٌ ذاهبٌ"(ميزان الاعتدال 2/ 30).

وقال الحاكمُ: "روى عن أنسٍ قريبًا من مائةِ حديثٍ موضوعة" (لسان

ص: 272

الميزان 3/ 426).

وقال الذهبيُّ: "يغلبُ على ظَنِّي أنه كذابٌ، ما لحِقَ أنسًا أبدًا"(سير أعلام النبلاء 10/ 376).

وقد صَحَّ الحديثُ من حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ عن عمرَ رضي الله عنهما دون قولِهِ: «وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَمَاءِ» كما تَقَدَّمَ بيانُهُ قريبًا.

ص: 273

1399 -

حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ:

◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ:«هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً إِلَّا بِهِ» ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، فَقَالَ:«هَذَا وُضُوءُ القَدْرِ مِنَ الوُضُوءِ (هَذَا وضُوءُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَاعَفَ لَهُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ)» ، وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ:«هَذَا أَسْبَغُ الوُضُوءِ، وَهُوَ وُضُوئِي وَوُضُوءُ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ (وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي)، [وَمَا زَادَ فَهُوَ إِسْرَافٌ، وَهو مِنَ الشَّيْطَانِ]، وَمَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ أبو حاتم، وأبو زرعةَ، والعقيليُّ، والدارقطنيُّ، وأبو محمد الأصيليُّ، والبيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ العربي، والنوويُّ، والمنذريُّ، والزيلعيُّ، وابنُ أبي العزِ الحنفيُّ، والعراقيُّ، وابنُ الملقنِ، وابنُ حَجرٍ، وابنُ التركماني، وأحمد شاكر، والألبانيُّ.

* ولكن قوله: «ثُمَّ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

» إلخ، فصحيحُ المتنِ؛ صَحَّ من حديثِ عمرَ كما تَقَدَّمَ قريبًا.

* وقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثَلاثًا ثَلاثًا، بغيرِ هذا السياقِ كما سيأتي في موضعه.

[التخريج]:

[جه 423 (واللفظ له) / طي 2036 (والروايتان له) / عل 5598/ معل 46/ طب (13/ 234/ 13968) / عق (2/ 387) / عد (5/ 187)

ص: 274

(والزيادة له)، (4/ 456)، (5/ 310) / قط 258 - 261/ هق 379، 380/ هقع 706/ هقخ 283/ عروبة (الحاكم 58، 59) / مجر (2/ 151) / معر 143، 748/ علحا (1/ 552) / متشابه (1/ 316) / تمهيد (20/ 260) / تحقيق 154/ بشن 633/ فوائد أبي محمد الحسن بن إسماعيل القراب (لسان 3/ 521) / نو 15/ زاهر (سباعيات ق 18/ أ) / دانيال (عبدك ق 26/ ب-ق 27/ أ) / كر (58/ 201) / ضياء (مرو ق 357/ أ) / مقرئ (شيوخه 3)].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه عقب الرواية الآتية.

ص: 275

رِوَايَةُ: وَمَنْ تَوَضَّأَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُ كِفْلَانِ

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ وَاحِدَةً (مَرَّةً مَرَّةً) فَتِلْكَ وَظِيفَةُ الوُضُوءِ الَّتِي لَابُدَّ مِنْهَا، وَمَنْ تَوَضَّأَ اثْنَتَيْنِ (مَرَّتَيْنِ) فَلَهُ كِفْلَانِ [مِنَ الأَجْرِ]، وَمَنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا فَذَلِكَ وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي» .

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ الأئمةُ المذكورون أعلاه.

[التخريج]:

[حم 5735 (واللفظ له) / قط 262/ فضش 24].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه عقب الرواية الآتية.

ص: 276

رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وُضُوءُ الصَّلَاةِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ

» الحديث، وفيه:«مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ الأئمةُ المذكورون أعلاه.

[التخريج]:

[هقغ 112/ هقخ 283/ معكر 1350].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ له خمسةُ طُرُقٍ:

الطريقُ الأولُ: مَدارُهُ على زيدٍ العميِّ، وقد اختُلِفَ عليه في إسنادِهِ على وجوهٍ، منها:

الوجه الأول: أخرجه ابنُ ماجه في (سننه) قال: حدَّثنا أبو بكر بن خَلَّادٍ الباهليُّ، حدَّثني مرحوم بن عبد العزيز العطارُ، حدثني عبد الرحيم بن زيد العميُّ عن أبيه عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ عنِ ابنِ عمرَ، به.

وأخرجه أبو يعلى، والعقيليُّ، والبيهقيُّ في (الصغرى)، وابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد)، من طريقِ عبدِ الرحيمِ بنِ زيدٍ العميِّ، به.

وزاد البيهقيُّ في (الصغرى)، و (الخلافيات)، وابنُ عساكر في (معجمه

ص: 277

1350) في سندِهِ مع ابنِ عمرَ (أنسَ بنَ مالكٍ).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:

الأُولى: عبدُ الرحيمِ بنُ زيدٍ العميُّ؛ قال فيه الحافظُ: "متروكٌ، وكَذَّبَهُ ابنُ مَعينٍ"(التقريب 4055).

الثانيةُ: والده زيدٌ العميُّ؛ قال فيه الحافظُ: "ضعيفٌ"(التقريب 2131).

وبهذا أعلَّه أبو حاتمٍ الرازيُّ؛ فقال: ((عبدُ الرحيمِ بنُ زيدٍ: متروكُ الحديثِ، وزيد العمي: ضعيفُ الحديثِ، ولا يصحُّ هذا الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم)(العلل 100).

وقال البيهقيُّ: ((وهكذا رُوي عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه. وخالفهما غيرهما، وليسوا في الرواية بأقوياء)) (السنن الكبرى 1/ 243).

وقال في (الخلافيات 1/ 487): ((وهذا غير ثابت؛ فإن زيدًا العميَّ ليس بالقوي)).

وقال الحافظُ أبو بكر الحازميُّ: "هذا الحديثُ بهذا الإسنادِ لا يُعرفُ إلا من جهةِ ابنِ الحواريِّ، وهو ضعيفُ الحديثِ"(البدر المنير 2/ 137).

الثالثةُ: الانقطاعُ؛ بين معاويةَ بنِ قُرة وابنِ عُمرَ.

وبهذا أعلَّه أبو زرعةَ؛ فقال: "هو عندي حديثٌ وَاهٍ، ومعاويةُ بنُ قُرَّةَ لم يلحقِ ابنَ عمرَ"(العلل 100)

(1)

.

وأشارَ إلى هذه العلةِ الحاكمُ في (المستدرك) فقال -عقب إسناده لحديث

(1)

وحكى ابن حجر هذا القول في (تهذيب التهذيب 10/ 217) عن أبي حاتم الرازي، ولم نجده في مظانه، فنخشى أن يكون اشتبه عليه الأمر.

ص: 278

أبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» -: ((وشاهده الحديث المرسل المشهور، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً

»)) (المستدرك 541).

وقال ابنُ الملقنِ: "فيه ضعفٌ وانقطاعٌ"(تحفة المحتاج 83).

وقد توبع عبد الرحيم بن زيد العمي بمتابعات واهية:

* فتابعه سلام الطويل، فرواه عن زيدٍ العميِّ، عن معاويةَ بنِ قرَّة، عنِ ابنِ عمرَ، به.

أخرجه الطيالسيُّ في (مسنده 2036)، قال: حدثنا سلام الطويل، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر، به.

ورواه العقيليُّ في (الضعفاء 2/ 387)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 5/ 310)، والدارقطني في (السنن 259 - 260)، والبيهقيُّ في (الكبرى 380)، وغيرهم: من طريق سلام به.

وسلام الطويل هذا متروكٌ كما قال الحافظُ في (التقريب 2702).

وبهذا أعلَّه أبو حاتم الرازيُّ؛ قال ابنُ أبي حاتم: ((قلتُ لأَبي: فإن الربيعَ بنَ سليمانَ حدثنا بهذا الحديث عن أسد بن موسى عن سلام بن سليم عن زيد بن أسلم عن معاوية بن قرة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هو سلامٌ الطويلُ، وهو متروكُ الحديثِ، وهو زيدٌ العميُّ، وهو ضعيفُ الحديثِ)) (علل الحديث 100).

وقال العقيليُّ -عقبه، وقد أسنده أيضًا من حديث أُبيِّ بنِ كعبٍ-:"كلاهما فيهما نظر"(الضعفاء 2/ 387).

ص: 279

* وتابعه أيضًا محمد بن الفضل بن عطية، كما عند الدارقطني في (السنن 258).

ومحمد بن الفضل بن عطية هذا قال عنه الحافظ: "كذَّبُوه"(التقريب 6225).

الوجه الثاني:

أخرجه أحمد في (المسند 5735) -ومن طريقه الدارقطني في (السنن 262) -: عن أسود بن عامر، أخبرنا أبو إسرائيل، عن زيدٍ العَمِّيِّ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، به، دون ذكر جملة الذكر بعد الوضوء.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ زيدٍ العميِّ.

* وفيه أيضًا: أبو إسرائيلَ إسماعيلُ بنُ خليفةَ المُلَائيُّ؛ قال عنه الحافظُ: "صدوقٌ سيئُ الحفظِ"(التقريب 440).

قال الدارقطنيُّ: "ورواه أبو إسرائيل الملائيُّ عن زيدٍ العَميِّ عن نافعٍ عنِ ابنِ عمرَ، ووَهِم فيه، والصوابُ قولُ مَن قالَ: عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ"(العلل 3124).

وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ، وفيه: زيدٌ العميُّ وهو ضعيفٌ وقد وُثِّقَ، وبقية رجاله رجال الصحيح"(مجمع الزوائد 1171).

وهذا وهم؛ فما كان أبو إسرائيل من رجال الصحيح، وما روى له صاحبا الصحيح شيئًا قط.

الطريق الثاني: مداره على المسيب بن واضح، وله فيه وجهان:

الوجه الأول:

أخرجه أبو عروبة في (جزء من حديثه -رواية الحاكم 58) -ومن طريقه

ص: 280

البيهقيُّ في (الكبرى 379) - عن المسيب بن واضح، حدثنا حفص بن ميسرة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر به، دون ذكر جملة الذكر بعد الوضوء.

وأخرجه الدارقطنيُّ في (سننه)، والبيهقي في (معرفة السنن 706) من طريق المسيب بن واضح به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه المسيب بن واضح؛ قال فيه أبو حاتم: "صدوقٌ يُخطئُ كثيرًا، فإذا قيلَ له لم يقبلْ"(الجرح والتعديل 8/ 294)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 204) وقال:"كان يُخطئُ"، وضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ وغيرُهُ، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"كان النسائيُّ حسنَ الرأي فيه ويقول: الناس يؤذوننا فيه"، وساقَ ابنُ عَدِيٍّ له عِدَّةَ أحاديث تستنكر، ثم قال:"أرجو أن باقي حديثه مستقيم، وهو ممن يُكتبُ حديثه" انظر (اللسان 6/ 40).

وقال الدارقطنيُّ -بإثره-: "تفرَّدَ به المسيب بن واضح عن حفص بن ميسرة، والمسيب ضعيفٌ"(السنن 261)، وكذلك قال البيهقيُّ في (الكبرى 379).

وقال في (المعرفة 1/ 299): "المسيب بن واضح غير محتج به، وروي من أوجه كلها ضعيف".

ولذا قال أبو محمدٍ الأصيليُّ الحافظُ: "ليسَ هذا بثابتٍ، والمسيب بن واضح ضعيفٌ، ليس يصحُّ عنِ ابنِ عمرَ حديث في الوُضوءِ"(تفسير الموطأ للقنازعي 1/ 136).

وأما عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، فقال:"هذا أحسن طرق الحديث"(الأحكام الوسطى 1/ 30).

ص: 281

لكن تَعَقَّبَهُ الحافظُ بقوله: ((هو كما قال لو كان المسيبُ حفظه، ولكن انقلبَ عليه إسناده. وقال ابنُ أبي حَاتمٍ: المسيبُ صدوقٌ إلا أنه يُخطئُ كثيرًا. وقال البيهقيُّ: غير مُحتجٍّ به، والمحفوظُ رواية معاوية بن قرة عنِ ابنِ عمرَ)) (التلخيص الحبير 1/ 140).

ولذا ضَعَّفَ ابنُ الجَوزيِّ هذا الطريق في (تحقيق التحقيق 154).

وقال الحافظُ: "وليسَ فيه إلا المسيب بن واضح، وهو صدوقٌ كثيرُ الخطأِ، ولعلَّه دخلَ عليه حديث في حديث"(الدراية 1/ 25).

قلنا: رواه المسيبُ على وجهٍ آخر، فلعلَّه اختلطَ عليه بهذا الوجه، وأما الوجه الآخر فهو:

الوجه الثاني:

أخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 5/ 187) من طريق المسيب بن واضح، ثنا سليمان بن عمرو النخعي عن أبي حازم عن ابن عمر به، دون ذكر جملة الذكر بعد الوضوء، وزاد فيه:«وَمَا زَادَ فَهُوَ إِسْرَافٌ، وَهو مِنَ الشَّيْطَانِ» .

وهذا إسنادٌ تالفٌ؛ فمع ضَعْفِ المسيب فهو يرويه عن سليمان بن عمرو النخعي؛ وقد قال عنه ابنُ عَدِيٍّ: "اجتمعوا على أنه يضعُ الحديثِ"(الكامل لابن عدي 5/ 195).

الطريق الثالث:

أخرجه أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب في (فوائده) -كما في (لسان الميزان 3/ 521) - قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحارث الفهري، ثنا زكريا الساجي بالبصرة، ثنا عبد الله بن هارون بن أبي علقمة الفروي، ثنا عبد الله بن نافع، ثنا عبد العزيز بن محمد الدرواردي عن عبيد الله بن عمر

ص: 282

عن نافع عن ابن عمر، به دون ذكر جملة الذكر بعد الوضوء.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عبد الله بن هارون بن أبي علقمة الفرويُّ؛ قال الحاكمُ أبو أحمد: "منكرُ الحديثِ"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"له مناكير"، وقال الدارقطنيُّ في (غرائب مالك):"متروكُ الحديثِ"(تهذيب التهذيب 12/ 173). وقال عنه ابنُ حِبَّانَ: "يُخطئُ ويخالفُ"(الثقات 8/ 367)، وقال الحافظُ:"ضعيفٌ"(التقريب 8261).

وفيه أيضًا: عبد العزيز بن محمد الدراورديُّ؛ قال عنه النسائيُّ: "حديثُهُ عن عُبيدِ اللهِ العمريِّ منكرٌ"(التقريب 4119). وهذا من حديثه عن عبيد الله بن عمر العمري.

ولذا قال الحافظُ: "حديثٌ غريبٌ"(لسان الميزان 3/ 521).

الطريق الرابع:

أخرجه ابن شاهين في (الترغيب في فضائل الأعمال): عن محمد بن غسان بن جبلة العَتَكي بالبصرة، أنا جميل بن الحسن، أنا النضر بن كثير السعدي، أنا عبد الله بن عَرَادة، عن أبي سنان القسملي، عن عبد الله بن عمر به مختصرًا، دون ذكر جملة الذكر بعد الوضوء.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه خمسُ عللٍ:

الأُولى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَرَادَةَ؛ قال عنه البخاريُّ: "منكرُ الحديثِ"(التاريخ الكبير 5/ 166).

الثانيةُ: جميلُ بنُ الحسنِ العتكيُّ؛ قال عنه الحافظُ: "صدوقٌ يُخطئُ، أفرطَ فيه عَبدانُ"(التقريب 970).

ص: 283

الثالثة: النضرُ بنُ كثيرٍ السعديُّ؛ قال البخاريُّ وأبو حاتمٍ والدارقطنيُّ: "فيه نظرٌ"(تهذيب الكمال 6433).

الرابعة: أبو سنان القسمليُّ عيسى بن سنان الحنفيُّ؛ قال عنه الحافظُ: "لينُ الحديثِ"(التقريب 5295).

الخامسة: الانقطاعُ؛ فإن أبا سنان القسمليَّ من طبقةِ الذين عاصروا صغار التابعين، فأنَّى له أن يسمعَ عبد الله بن عمر؟ !

الطريق الخامس: رواه عباد بن صهيب على وجهين:

الأول: أخرجه الضياءُ في (المنتقى من مسموعات مرو) من طريق أبي أيوب سليمان بن أحمد بن يحيى بحمص، ثنا أحمد بن الحسين المصري، ثنا عباد بن صهيب، ثنا الخليل بن مُرَّةَ، حدَّثني معاوية بن قرة المزني، عن ابن عمر به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛

- معاوية بن قرة لم يلحقْ عبد الله بن عمر، وقد سبقَ.

- والخليلُ بنُ مُرَّةَ، قال البخاريُّ:"فيه نظرٌ"(التاريخ الكبير 3/ 199).

- وعباد بن صهيب، قال ابنُ المدينيِّ:"ذَهَبَ حديثُهُ"، وقال البخاريُّ والنسائيُّ وغيرُهُما:"متروكٌ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كان قدريًّا داعيةً، ومع ذلك يَروي أشياء إذا سمعها المبتدئُ في هذه الصناعةِ شَهِدَ لها بالوضعِ"، وقال البخاريُّ في (كتاب الضعفاء الكبير):"تركوه"(ميزان الاعتدال 2/ 367).

ومع ضَعْفِ عباد هذا فقد رواه عن شيخٍ آخرَ، كما عند عبدِ الغنيِّ

ص: 284

المقدسيِّ في (إيضاح الإشكال) -كما في (البدر المنير 2/ 133) - من حديثِ عبادِ بنِ صُهَيبٍ، عن مِسعرِ بنِ كِدامٍ، عن مُعاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن عبد الله بن عمر به

وعلته الانقطاعُ، وضَعْفُ عباد مع اضطرابِهِ فيه: فمَرَّةً يرويه عن الخليلِ، ومَرَّةً عن مِسعرٍ.

خُلَاصةُ ما سبقَ:

بعد استعراضِ طُرُقِ الحديثِ وأسانيدِهِ فإنه لا يتقوى بمجموعِ هذه الطُرُقِ، بل إن كثرة طرقه مما تَزيد في وهائِهِ وضَعْفِهِ.

وقال البيهقيُّ: "رُوي مَن أوجهٍ كلِّها ضعيف"(معرفة السنن والآثار 1/ 299).

ولذا قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: "حديثٌ ضعيفٌ لا يجيء من وجهٍ صحيحٍ ولا يُحتجُّ بمثله"(التمهيد 20/ 259).

وقال أيضًا: ((وأما قولُهُ في هذا الحديثِ: «مَنْ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ -يَعْنِي مِنْ وُضُوئِهِ-: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ

» إلى آخر الحديث فرُوي بأسانيدَ صالحةٍ وإن كانتْ معلولةً من حديثِ عمر وحديث عقبة بن عامر، وهكذا يصنعُ الضعفاء، يخلطون ما يُعرف بما لا يُعرف، والله المستعان)) (التمهيد 20/ 261).

وقال أيضًا: "هذا كلُّه منكرٌ في الإسنادِ والمتنِ"(التمهيد 20/ 260).

وقال أبو محمدٍ الأصيليُّ الحافظُ: "ليسَ يصحُّ عنِ ابنِ عمر حديث في الوضوءِ"(تفسير الموطأ للقنازعي 1/ 136).

ص: 285

وقال ابنُ العربيِّ: "هذه الأحاديثُ لم تصحَّ"(أحكام القرآن 2/ 78).

وقال الحافظُ أبو بكر الحازميُّ: "وقد روُي من أوجهٍ عن غيرِ واحدٍ منَ الصحابةِ، وكلُّها ضعيفةٌ"(البدر المنير 2/ 137).

وقال ابنُ الملقنِ: "وهو حديثٌ ضعيفٌ بمرَّةٍ، لا يصحُّ من جميعِ هذه الطرق"(البدر المنير 2/ 131).

وقال الحافظُ: "وهو حديثٌ ضعيفٌ كما تَقَدَّمَ، لا يصحُّ الاحتجاجُ به لضعْفِهِ"(فتح الباري 1/ 236).

وضَعَّفه كذلك: النوويُّ في (المجموع 1/ 492 - 493)، والمنذريُّ في (الترغيب 308)، وابنُ التركماني في (الجوهر النقي 1/ 80)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 28 - 29)، وابنُ أبي العِزِّ الحنفيُّ في (التنبيه على مشكلات الهداية 1/ 266)، والعراقيُّ في (تخريج الإحياء 1/ 83)، والبوصيريُّ في (مصباح الزجاجة 1/ 72)، والزرقانيُّ في (شرح الموطأ 1/ 65)، والعلامةُ أحمدُ شاكر في (تحقيقه للمسند 5/ 220).

وقال الألباني: "ضعيفٌ جدًّا"(ضعيف سنن ابن ماجه صـ 38).

ولبعضِ مَتْنِهِ شواهد من حديث أُبيِّ بنِ كعبٍ وغيرِهِ، وسيأتي تخريجُها في باب "الوضوء مرة مرة".

واغترَّ بهذه الشواهدِ ابنُ مفلح، فقال:"وقد يحتملُ أن يكونَ هذا المتن حسنًا لكثرةِ طرقه"(الفروع 2/ 95).

والصوابُ: ما ذَهَبَ إليه الأئمةُ السابقُ ذكرهم، أي أن طرقَهُ كلّها ضعيفةٌ واهيةٌ لا تنهض للتحسين، والله أعلم.

* * *

ص: 286

1400 -

حَدِيثُ إِيَاسِ بْنِ هِلَالِ المُزَنِيِّ:

◼ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةً وَاحِدَةً؛ فَقَالَ: «هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاتَهُ إِلَّا بِهِ» ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَقَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ» ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ:«هَذَا إِسْبَاغُ الوُضُوءِ، وَهَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتَحَ اللَّهُ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[طس 6288].

[السند]:

أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط): عن محمد بن علي الصائغ المكي، نا بشر بن عبيس بن مرحوم العطار، حدَّثني جَدي، عن عبد الرحيم بن زيد العَمِّي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن جده، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: عبد الرحيم بن زيد، وهو متروكٌ، وأبوه زيدٌ ضعيفٌ كما تَقَدَّمَ قريبًا.

وبهما أعلَّه الهيثميُّ فقال: "وعبد الرحيم بن زيد متروكٌ، وأبوه مختلفٌ فيه"(مجمع الزوائد 1230).

ص: 287

وقدِ اضطربَ زيدٌ في إسنادِهِ:

فرواه مَرَّةً عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ عنِ ابنِ عُمرَ كما سبقَ.

ورواه مَرَّةً عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ عن أبيه عن جدِّه كما في هذا الحديثِ.

وقيل عنه غير ذلك كما تَقَدَّمَ.

وأشارَ الطبرانيُّ إلى هذا الاضطرابِ، فقال: ((هكذا روى هذا الحديثَ مرحومُ بنُ عبدِ العزيزِ، عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبيه، عن جده.

ورواه الحُجَيْنُ، وغيرُهُ، عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن ابن عمر.

ورواه عبد الله بن عرادة الشيباني، عن زيد العمي، عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن عبيد بن عمير، عن أُبيِّ بنِ كعبٍ" (الأوسط 6288).

* * *

ص: 288

1401 -

حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الوُضُوءَيْن» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ، وضَعَّفَهُ: الدارقطنيُّ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ القطانِ، والنوويُّ، وابنُ الملقنِ، وابنُ حَجرٍ، والألبانيُّ.

وصحَّ متنُ الحديثِ دونَ قولِهِ: «قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» ، ودون التثليث في مسحِ الرأسِ.

[التخريج]:

[قط 307/ هقخ 126/ فكر (1/ 248)].

[السند]:

أخرجه الدارقطنيُّ -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات)، وابنُ حَجرٍ في (نتائج الأفكار) - قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، نا شعيب بن محمد الحضرمي أبو محمد، نا الربيع بن سليمان الحضرمي، نا صالح بن عبد الجبار الحضرمي وعبد الحميد بن صُبيح، قالا: نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عللٍ:

الأُولى: محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانيُّ؛ قال عنه أبو حاتم،

ص: 289

والبخاريُّ، والنسائيُّ:"منكرُ الحديثِ"، وقال الذهبيُّ:"وَاهٍ"(الكاشف 4987)، وقال ابنُ حَجرٍ:"ضعيفٌ، وقد اتَّهمه ابنُ عَدِيٍّ وابنُ حِبَّانَ"(التقريب 6067).

الثانيةُ: أبوه عبد الرحمن بن البيلماني؛ قال عنه الحافظُ: "ضعيفٌ"(التقريب 3819).

الثالثةُ: الانقطاعُ؛ فإن عبد الرحمن بن البيلمانيَّ لم يثبتْ له سماعٌ من أحدٍ من الصحابةِ. انظر (تهذيب التهذيب 6/ 150).

الرابعةُ: الاضطرابُ؛ فقد رواه ابنُ البيلماني على وجهٍ آخرَ، حيثُ جعله من حديثِ عثمانَ كما سيأتي.

* وفي السندِ أيضًا: صالحُ بنُ عبدِ الجبارِ؛ قال عنه ابنُ القطانِ: "مجهولُ الحالِ"(بيان الوهم والإيهام 1276)، وذكره الذهبيُّ في (الميزان) وقال:"أتَى بخبرٍ مُنكرٍ جدًّا"(الميزان 2/ 296)، ونقل الحافظُ عنِ العقيليِّ أنه قال في ترجمةِ ابنِ البيلمانيِّ:"روى عنه صالح بن عبد الجبار مناكير"(اللسان 3/ 172).

ولكن صالح متابَع؛ تابعه عبد الحميد بن صبيح؛ قال عنه الذهبي: "لا بأس به"(تاريخ الإسلام 18/ 323).

والحديثُ ضَعَّفَهُ عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، فقال:"وفي إسناده البيلماني"(الأحكام الوسطى 1/ 169).

وتَعقَّبه ابنُ القطانِ بقوله: "لم يزد في تعليله على هذا، وهو منه اعتماد على ما قدَّمَ، ولكنه لم يُقدمْ بيانًا؛ فإن البيلمانيَّ (أبٌ وابنٌ) والحديثُ من روايتهما، وكلاهما ضعيفٌ، وهما محمد بن عبد الرحمن فمحمد بن

ص: 290

عبد الرحمن وأبوه لا يُحتجُّ بهما" (بيان الوهم والإيهام 3/ 319).

وقال الحافظُ: "قال الدارقطنيُّ: تفرَّد به ابن البيلماني، وهو ضعيفٌ جدًّا، وقد اتفقوا على ضَعْفِهِ، وأشدُّ ما رأيتُ فيه قول ابن عدي: كل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاءُ فيه منه. وذكر أنه كان يضعُ الحديثِ وأنه كان يسرقُ الحديثِ وقد رواه مرة أخرى مخالفًا فيه الصحابي"(النتائج 1/ 248).

وضَعَّفه أيضًا: النووي في (المجموع 1/ 457)، و (الأذكار 75)، وابن الملقن في (البدر المنير 2/ 183).

وقال الألبانيُّ -معلقًا على هذا السياق ضمن حديث عثمان الآتي-: "موضوع بجملة التكلم"، انظر (الضعيفة 6811).

ومتنُ الحديثِ قد صَحَّ من حديثِ عثمانَ وغيرِهِ دونَ قولِهِ: "قبلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ"، ودون التثليث في مسح الرأس، وسيأتي الكلام على رواية التثليث في مسح الرأس مفصلًا بذكر طرقها تحت "باب جامع في صفة الوضوء".

ص: 291

1402 -

حَدِيثُ عُثْمَانَ

◼عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ البَيْلَمَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه جَالِسًا بِالمَقَاعِدِ يَتَوَضَّأُ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَوَقَفَ عَلَى الرَّجُلِ [مُعْتَذِرًا إِلَيْهِ] فَقَالَ: لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ [ثَلَاثًا] ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ [ثَلَاثًا] ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الوُضُوءَيْنِ» .

[الحكم]:

منكرٌ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفهُ المنذريُّ، وعبد الله بن يحيى بن أبي بكر الغساني، وابنُ الملقنِ، والهيثميُّ، والبوصيريُّ، وابنُ حَجرٍ، والسيوطيُّ، وقال الألبانيُّ:"موضوعٌ بجملة التكلم".

[التخريج]:

[عل (مقصد 139)، (مط 87)، (خيرة 563) "واللفظ له"/ طع مختصرًا 387/ عد (9/ 188) / قط 305 "والزيادات له"/ هقخ 125].

[السند]:

رواه أبو يعلى في (مسنده) قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا محمد بن الحارث، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه به.

ورواه الطبرانيُّ في (الدعاء)، وابن عدي في (الكامل) من طريق عبيد الله

ص: 292

ابن عمر به مختصرًا.

ورواه الدارقطني في (سننه) -ومن طريقه البيهقي في (الخلافيات) - من طريق الربيع بن سليمان الحضرمي، نا صالح بن عبد الجبار، ثنا ابن البيلماني بنحوه.

ومداره عندهم على محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه خمس علل:

الأولى: محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني؛ ضعيفٌ جدًّا، وقد سبقَ قول الحافظ عنه:"ضعيف، وقد اتَّهمه ابن عدي وابن حبان"(التقريب 6067).

الثانية: أبوه عبد الرحمن بن البيلماني؛ قال عنه الحافظ: "ضعيف"(التقريب 3819)، وقد تقدَّم ذكره.

الثالثة: الانقطاع؛ فإن عبد الرحمن بن البيلماني لم يثبتْ له سماع من أحد من الصحابة، كما مَرَّ ذكره.

الرابعة: محمد بن الحارث، وهو ابن زياد الحارثي؛ ضعيفٌ أيضًا، كما قال الحافظ في (التقريب 5797).

وقد ذَكَرَ له ابنُ عديٍّ هذا الحديث وغيره ثم قال: "عامة ما يرويه غير محفوظ".

قلنا: ولكنه متابع.

فقد أخرجه الدارقطني -ومن طريقه (البيهقي في (الخلافيات) - من طريق صالح بن عبد الجبار، حدثنا ابن البيلمانى عن أبيه عن عثمان به.

ص: 293

وصالح هذا مجهول، ويَروي عن ابن البيلماني مناكير، وقد تقدَّم الكلامُ عليه في الحديث السابق.

وعلى كلٍّ، فتعليق الجناية بابن البيلماني أولى كما قال الألباني في (الضعيفة 14/ 708).

الخامسة: اضطرابُ محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني في سنده:

فمرةً رواه عن أبيه عنِ ابنِ عمرَ، كما في الحديثِ السابقِ.

ومرةً أُخرى رواه عن أبيه عن عثمان رضي الله عنه كما في هذا الحديث.

قال الألباني: ((ويمكنُ أن يكونَ هذا الاختلاف في الإسنادِ منه أو ممن دونه)) (الضعيفة 14/ 708).

والحديثُ ضَعَّفَهُ ابنُ الملقنِ في (البدر المنير 2/ 177).

وابنُ حَجرٍ في (نتائج الأفكار 1/ 248)، والبوصيريُّ في (إتحاف الخيرة 1/ 334). والهيثميُّ في (مجمع الزوائد 1/ 239).

وقال الغسانيُّ: ((لا يثبتُ؛ ابنُ البيلماني ضعيفٌ)) (تخريج الأحاديث الضعاف 1/ 23).

ولقد تساهلَ المنذريُّ -كما قال الألباني-؛ حيثُ اكتفى بإشارتِهِ فقط إلى ضَعْفِهِ، وذلك بقوله: ((وروي عن عثمان رضي الله عنه

))، فذكره، انظر (الترغيب والترهيب 352).

وكذلك السيوطي -كما قال الألباني أيضًا-؛ حيثُ اكتفى بقوله: "وضُعِّفَ"(الجامع 21884).

وأحسنَ الحافظُ، حيثُ قال: "وابنُ البيلماني ضعيفٌ جدًّا، وأبوه ضعيفٌ

ص: 294

أيضًا" (التلخيص 1/ 84).

وقال الألباني: "موضوعٌ بجملة التكلم"، وقال:"وهذا إسنادٌ وَاهٍ بمرة؛ آفته محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني"(الضعيفة: ح/ 6811).

وسيأتي الحديثُ عن عثمانَ رضي الله عنه في الباب التالي من طرقٍ صحاح بلفظ آخر دون ذكر التشهد عقب الوضوء، وليس فيه تثليث مسح الرأس، ولا قصة سلام الرجل على عثمان وعدم رده عليه.

كما ثبتَ فضل التشهد عقب الوضوء، دون قوله:"ثم لم يتكلم" من حديث عمر، وقد سبق.

ص: 295

1403 -

حَدِيثُ ثَوْبَانَ

◼ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا بِوَضُوئِهِ فَسَاعَةَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ [اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ] فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون قوله: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ» ، وإسنادٌ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[طب 1441 (مختصرًا دون الزيادة) / طس 4895 (واللفظ له، والزيادة له ولغيره) / خط (3/ 177) / سني 33/ شجر (1/ 10) / تد (2/ 342)، (3/ 174) / يخ (18/ 64) / مستغفع (البدر المنير 2/ 188)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 296

• وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون قوله: «رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» فلا تصحُّ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[سنن البزار (الإمام 2/ 66)، (البدر المنير 2/ 287) / الجزء الثاني من انتقاء الدارقطني (البدر المنير 2/ 287)].

[التحقيق]:

لهذا الحديث طريقان:

الأول:

رواه الطبراني في (الأوسط) قال: حدثنا عيسى بن محمد السمسار قال: حدثنا أحمد بن سهل الوراق قال: ثنا مِسْوَر بنُ مُوَرِّع العنبري قال: حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه خمسُ علل:

الأُولى: الانقطاع؛ سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان رضي الله عنه؛ قال محمد بن يحيى الذهلي: "سمعتُ الإمامَ أحمدَ -وذكرَ أحاديثَ سالم بن أبي الجعد عن ثوبانَ- فقال: "لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه، وبينهما معدان بن أبي طلحة، وليست هذه الأحاديث بصحاح" (تهذيب التهذيب 3/ 432)، وانظر (جامع التحصيل 218)

ص: 297

الثانيةُ: مسور بن مورع العنبري؛ لم نجد من ترجمه، وقد تفرَّدَ بهذا عن الأعمش - كما قال الطبراني-، ومثل هذا لا يُقبل تفرده.

وقال الهيثميُّ: ((رواه الطبرانيُّ في (الأوسط، والكبير) باختصار، وقال في (الأوسط):"تفرَّد به مسور بن مورع"، ولم أجد مَن ترجمه)) (مجمع الزوائد 1/ 239).

قلنا: قد أوردَ الطبرانيُّ هذا الحديث في ترجمة عيسى بن محمد السمسار من مشايخه ممن اسمه عيسى، وروى له ثلاثة أحاديث عن أحمد بن سهيل الوراق، اثنان منهما عن نعيم بن مورع العنبري عن هشام بن عروة، والثالث وهو حديثنا هذا، فالذي يغلبُ على الظَنِّ أن مسورًا هذا تصحيف من نعيم، والأمرُ محتمل لذلك؛ فإن نعيم بن مورع العنبري تَرَجَمَ له الذهبيُّ في (الميزان 4/ 271) وقال:"عن الأعمش"، وساقَ له أحاديث عن هشام بن عروة، مما يدلُّ على أن نُعيمًا يروي عن الأعمش وهشام، ويرجِّح ما ذهبنا إليه من التصحيف"

(1)

.

قلنا: ومع القول بأنه نعيم بن مروع العنبري فيكون إسنادُهُ ضعيفًا جدًّا، فإن نعيمًا هذا "منكر الحديث" كما قال البخاريُّ، وقال النسائيُّ:"ليس بثقة"، وقال ابن حبان:"يروي عن الثقات العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال فقد قال البخاري: حديثُه غيرُ محفوظٍ إلا عن أبي معشر"، وذكره العقيليُّ في (الضعفاء)، وذكره ابنُ عديٍّ وقال: "يسرق الحديث

ثم قال: "عامةُ

(1)

قال محقق المعجم الأوسط: "إما أن يكون تصحيفًا قديمًا، أو خطأ في الرواية، والله أعلم، وثَمَّ احتمال آخر صحة الرواية هكذا وهذا ما أستبعده

ثم ذكر نحوًا مما سبق وذكرناه وذهبنا إليه، والله أعلم" (المعجم الأوسط، حاشية 2 (5/ 401).

ص: 298

ما يرويه غيرُ محفوظٍ"، وقال الحاكمُ وأبو سعيدٍ النقاشُ: "روى عن هشام أحاديث موضوعة، وقال أبو نعيم: روى عن هشامٍ مناكير" (لسان الميزان 8/ 290).

الثالثةُ: الإعلالُ بالوقفِ؛ فمع جهالة المسور بن مورع وتفرُّده بهذا الإسناد على القول بأنه المسور، أو القول بأنه نعيم بن مورع قد خولف فيه أيضًا؛ خالفه عبد الله بن نمير وعبد الله بن داود وهما ثقتان كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف 20)، ويحيى بن العلاء عن عبد الرزاق في (مصنفه 731) فرووه عن الأعمش عن إبراهيم بن المهاجر عن سالم بن أبي الجعد قال: كان علي

فذكره موقوفًا، وهو أشبه بالصواب.

الرابعةُ: أحمد بن سهيل الوراق، ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 51)، بينما قال أبو أحمد الحاكم:"في حديثِهِ بعض المناكير"(لسان الميزان 1/ 481).

والراوي عنه عيسى بن محمد السمسار، لم نجدْ له ترجمةً.

الخامسةُ: فيه الأعمشُ، وهو مدلسٌ، وقد عنعن، وقد تبيَّن من رواية ابن نمير وعبد الله بن داود الموقوفة أنه أخذه من إبراهيم بن مهاجر ودَلَّسَهُ، وابن مهاجر هذا "لين الحفظ" كما في (التقريب 254).

الطريق الثاني:

أخرجه البزارُ في (سننه) كما في (الإمام) عن محمد بن المثنى، عن شجاع بن الوليد، حدثنا أبو سعد، عن أبي سلمة، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ

ص: 299

أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».

ورواه الطبرانيُّ في (الكبير) -ومن طريقه الشجري في (أماليه)، وابن السني في (عمل اليوم والليلة)، والخطيبُ في (تاريخ بغداد)، وابنُ النجارِ في (الذيل على التاريخ) من طرقٍ عن أبي سعد البقال بسنده بلفظ الرواية الأُولى.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان، وهما: ضَعْفُ وعنعنةُ أبي سعد البقال، واسمه سعيد بن المرزبان؛ قال ابن حجر:"ضعيفٌ مدلسٌ"(التقريب 2389). وقال الهيثمي: ((وفي إسناد (الكبير) أبو سعد البقال، والأكثر على تضعيفه، ووَثَّقَهُ بعضُهم)) (مجمع الزوائد 1/ 239).

ومع ضَعْفِهِ هذا فقد تفرَّدَ به عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.

قال الدرقطني: "هذا حديثٌ غريبٌ من حديث (أبي) سلمة بن عبد الرحمن، تفرَّدَ به أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان"(البدر المنير 2/ 287).

ص: 300

1404 -

حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ

◼ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ -تَعَالَى- فَإِنَّهُ يَطْهُرُ جَسَدُهُ كُلُّهُ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى طَهُورِهِ لَمْ يَطْهُرْ إِلَّا مَا مَرَّ عَلَيْهِ المَاءُ، وَإِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ طُهُورِهِ فَلْيَشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ [ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَيْهِ]، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ (أَبْوَابُ السَّمَاءِ) 1 (أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ) 2» .

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا، أنكره ابنُ عَديٍّ، وضَعَّفه الدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، وأقرَّه ابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ الملقنِ، والزيلعيُّ، وابنُ حَجرٍ، والسخاويُّ، وقال الألبانيُّ:"موضوعٌ بهذا التمام".

[التخريج]:

[قط 231 (والرواية الأُولى له) / معص (1/ 291 - 292) (واللفظ له مع الزيادة) / هق 200 (والرواية الثانية له ولغيره) / أصبهان (1/ 239) / فضش 100/ غيل 483 مختصرًا/ ثواب (إمام 2/ 69، فكر 1/ 252، جلاء الأفهام 1/ 426) / غيب 1676/ مخلدي (مخطوط ق 246 أ) / عد (10/ 650) مختصرًا جدًّا/ أعمش (إمام 2/ 68، فكر 1/ 252) / فكر (1/ 251) / أبو موسى المديني (إمام 2/ 69، والقول البديع صـ 176)].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ مدارُ إسنادِهِ على الأعمشِ، ورُوي عنه من ثلاثةِ طرق:

الأول:

رواه الصيداويُّ في (معجمه) قال: حدثنا طلحة بن عبيد الله بن

ص: 301

موسى بن إسحاق أبو محمد الأنصاري بالبصرة قال: حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا يحيى بن (هاشم)

(1)

حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود به.

وأخرجه الدارقطنيُّ في (سننه)، والبيهقي في (الكبرى)، وأبو نعيم في (تاريخ أصبهان)، وابن شاهين في (الترغيب في فضائل الأعمال)، وأبو بكر الشافعي في (الغيلانيات)، وقوام السنة في (الترغيب والترهيب) من طرقٍ عن يحيى بن هاشم السمسار عن الأعمشِ به.

وهذا إسنادٌ تالفٌ؛ علته: يحيى بن هاشم السمسار؛ قال عنه أبو حاتم الرازيُّ: "كان يكذبُ، وكان لا يَصْدُقُ؛ تُرِكَ حديثُهُ"(الجرح والتعديل 9/ 195)، وكَذَّبَهُ ابنُ معين أيضًا، وَرَمَاهُ ابنُ عَديٍّ وابنُ حِبَّانَ وغيرُهُما بوضعِ الحديثِ. انظر (اللسان 6/ 279).

وبه أعلَّه غيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ العلمِ:

قال ابنُ عَديٍّ: "وحديثُ الأعمشِ قبل هذا عن شقيق عن عبد الله، منكران جميعًا، يرويهما يحيى بن هاشم .... إلى أن قال: "وهو في عِدادِ مَن يضعُ الحديثِ" (الكامل 7/ 252).

وقال الدارقطنيُّ -بعد أن خرَّجَهُ-: "يحيى بن (هاشم)

(2)

ضعيفٌ"

(1)

وقع في (المطبوع): "هشام"، وهو خطأٌ، والصوابُ المثبتُ. انظر (الجرح والتعديل 9/ 195)، و (الكامل 10/ 650)، و (المجروحين لابن حبان 2/ 477)، و (اللسان 6/ 279) وغيرها.

(2)

وقع في (المطبوع): "هشام"، وكذا نقله الغساني في (تخريج الأحاديث الضعاف 1/ 15)، وقد جاء ذكره على الصواب في سياق الإسناد، ولم تُذكر هذه العبارة في نسخة الأرنؤوط.

ص: 302

(السنن 1/ 124).

وقال البيهقيُّ: "وهذا ضعيفٌ، لا أعلمه رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم. ويحيى بن هاشم متروكُ الحديثِ"(سنن البيهقي الكبرى 1/ 136).

فتَعَقَّبَهُ الذهبيُّ بقوله: "بل كَذَّابٌ"(المهذب في اختصار السنن الكبرى 1/ 47).

وقال ابنُ دقيق العيد: "ويحيى بن هاشم السمسار أبو زكريا، قال النسائيُّ: متروكُ الحديثِ"(الإمام 2/ 69).

وقال ابنُ الملقنِ: "يحيى بن هاشم هذا هو ابن كثير بن قيس أبو زكريا السمسار الغساني البغدادي، وهو ضعيفٌ بمرة، قال يحيى: هو دجالُ هذه الأُمةِ. ونَسَبَهُ ابنُ عَديٍّ وابنُ حِبَّانَ إلى وضعِ الحديثِ"(البدر المنير 2/ 93 - 94).

وضَعَّفَهُ الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 7).

وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "تفرَّدَ به يحيى بن هاشم الكوفيُّ عنِ الأعمشِ، وهو متروكُ الحديثِ، متفقٌ على ضَعْفِهِ"(نتائج الأفكار 1/ 234). وضَعَّفه الحافظُ أيضًا في (الدراية 1/ 15).

وقال الألبانيُّ: "موضوعٌ بهذا التمامِ"(الضعيفة 5691).

قلنا: قد توبع عليه يحيى بن هاشم؛ تابعه محمد بن جابر اليماميُّ كما ستراه في:

الطريق الثاني:

أخرجه أبو الشيخ في الثواب كما في (الإمام 2/ 69)، و (القول البديع

ص: 303

صـ 176) -ومن طريقه أبو موسى المديني كما في (الإمام لابن دقيق لعيد 2/ 69)، و (القول البديع للسخاوي صـ 176) - عن محمد بن عبد الرحيم بن شبيب حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا محمد بن جابر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف محمد بن جابر، وهو اليماميُّ؛ قال الحافظ:"صدوق، ذهبتْ كتبه فساءَ حفظه، وخلَّط كثيرًا وعمي فصَارَ يلقن"(التقريب 5777).

وبه أعلَّه السخاوي فقال: "وفي سَنَدَهُ محمد بنُ جابر، وقد ضَعَّفه غيرُ واحدٍ، وقال البخاريُّ ليس بالقوي، يتكلمون فيه، روى مناكير"(القول البديع صـ 176).

ومع ضَعْفِهِ فقد تفرَّدَ بذكرِ الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولم تأتِ إلا من عنده أو من يشابهه منَ الضعفاءِ؛ لذلك قال أبو موسى المدينيُّ الأصبهانيُّ رحمه الله تعالى: "هذا حديثٌ مشهورٌ، له طرق عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه وعقبةَ بنِ عامرٍ وثوبانَ وأنسٍ رضي الله عنه، ليسَ في شيءٍ منها ذكر الصلاة إلا في هذه الروايةِ"(الإمام 2/ 69).

فعلَّقَ عليه ابنُ دقيق العيد قائلًا: "محمد بنُ جابر اليماميُّ روى عنه جمعٌ منَ الأكابر، وقد تُكلِّمَ فيه"(الإمام 2/ 69).

الطريق الثالث:

رواه الإسماعيليُّ في (حديث الأعمش كما في الإمام لابن دقيق العيد، ونتائج الأفكار لابن حجر) من حديث سعيد بن عثمان، قال: حدثني عمرو -وهو ابن شمر- عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله بنحوه.

ص: 304

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه عمرو بن شمر، منكرُ الحديثِ جدًّا كما قال أبو حاتم والبخاري وانظر (لسان الميزان 6/ 210).

وبه أعلَّه ابنُ دقيق العيد، فقال:"عمرو بن شمر متروكٌ عندهم"(الإمام 2/ 69).

وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "وعمرٌو متروكٌ، متهمٌ بالوضعِ"(نتائج الأفكار 2/ 252).

وجملةُ التشهدِ بعد الوضوءِ وثوابها ثابتةٌ من حديثِ عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كما تقدَّم.

أما زيادةُ الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلا ذكر لها إلا في هذا الحديث، والله تعالى أعلم.

وأما أولُ الحديثِ في التسميةِ على الوضوءِ وفضلها، فلها شواهدُ ضعيفةٌ سيأتي ذكرُها في موضعها من هذا الكتاب.

ص: 305

1405 -

حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ

◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ فِي رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ [ثُمَّ وُضِعَتْ تَحْتَ العَرْشِ] فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» .

[الحكم]:

معلٌّ بالوقفِ، أعلَّه: النسائيُّ، والطبرانيُّ، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، والحازميُّ، وابنُ الصلاحِ، والصنعانيُّ، والمباركفوريُّ، والهيثميُّ، وابنُ حَجرٍ والألبانيُّ.

ولكن الموقوف له حكم الرفع؛ لأنه لا يقالُ من قبيلِ الرأي والاجتهاد. قاله ابنُ حَجرٍ، وأقرَّهُ المباركفوريُّ، والألبانيُّ. وصَحَّحَهُ مرفوعًا الحاكمُ. وضَعَّفه النوويُّ مرفوعًا وموقوفًا.

[اللغة]:

قال العلامةُ ابنُ الملقنِ: «الطَابِع» المذكور في الحديث: بفتح الباء وكسرها، لغتان فصيحتان، وهو الخَاتمُ، ومعنى طبع: ختم. و «الرق» المذكور فيه مفتوح الراء.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» معناه: لا يتطرقُ إليه إبطال وإحباط. (البدر المنير 2/ 293).

[التخريج]:

[كن 10019 (واللفظ له) / ك 2100/ طس 1455/ طع 388 - 390 (والزيادة له ولغيره) / سي 81/ سني 31/ شعب 2499/ خط (8/ 544) / هقت 59/ مسد (خيرة 582/ 1) / مزكى 55/ ضياء

ص: 306

(مرو 393) / غيب 2069/ مقدص 117/ مكرم 47/ الوضوء لابن منده (مغلطاي 1/ 339) / مستغفع (إمام 2/ 67، والبدر المنير 2/ 289) / فكر (1/ 244) / قوارع 65/ الفوائد لأبي بكر الشافعي (السلسلة الصحيحة للألباني 5/ 439) / اليوم والليلة لأبي نعيم (النكت الظراف 3/ 447) / المعمري (النكت الظراف 3/ 447)].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ قدِ اختُلفَ في رفعه ووقفه، والمرفوعُ وَرَدَ مِن عدةِ طُرُقٍ:

الأول: رواه النسائيُّ في (الكبرى، وعمل اليوم والليلة) قال: أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن قال: حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو هاشم عن أبي مِجْلَز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد به.

وأخرجه الحاكمُ في (المستدرك)، والطبرانيُّ في (الأوسط) وفي (الدعاء 390) كلُّهم من طريقِ يحيى بن كثير أبي غسان به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ؛ ولذا قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شَرطِ مُسلمٍ ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبيُّ.

وقال الألبانيُّ: "بل هو على شرطِ الشيخينِ، فإنَّ رجالَهُ كلَّهم ثقاتٌ من رجالهما"(الصحيحة 2333).

بينما ضَعَّفه النوويُّ فقال: ((حديثُ أبي سعيد الذى ذكره المصنفُ رواه النسائيُّ في كتابه (عمل اليوم والليلة) بإسنادٍ غَريبٍ ضعيفٍ، ورواه مرفوعًا وموقوفًا على أبي سعيد. وكلاهما ضعيفُ الإسنادِ" (المجموع 1/ 457).

وسبقه ابنُ الصلاحِ بقوله: «رواه النسائيُّ بإسنادٍ ليسَ بالقويِّ» (البدر المنير

ص: 307

2/ 290).

وقال الحازميُّ: "إسنادُهُ حسنٌ ثابتٌ -أي: الموقوف- وقد رُوِيَ مرفوعًا، ورَفْعُهُ ضعيفٌ"(البدر المنير 2/ 290)

فتَعَقَّبَهُم ابنُ الملقنِ فَقَالَ: ((حكمه على روايةِ الرفعِ -أي: الحازمي- بالضعفِ خطأٌ، وكذلك قول ابن الصلاح فيه: "رواه النسائيُّ بإسنادٍ ليسَ بالقويِّ" ليسَ بجيدٍ منه، وكذلك حُكْمُ النوويِّ في (الأذكار) و (الخلاصة) عليه بالضعفِ لا يُقبلُ، وأغربَ من ذلك قولُهُ في (شرح المهذب):"رواه النسائيُّ في (عمل اليوم والليلة) بإسنادٍ غريبٍ ضعيفٍ، رواه مرفوعًا وموقوفًا (على) أبي سعيد، وكلاهما ضعيف الإسناد". هذا لفظه، وواعجباه! كيف يكون إسنادُهُ غريبًا أو ضعيفًا؟ ! فرجالُهُ أئمةٌ أعلامٌ ثقاتٌ، وهاكَ سبر أحوالهم لنقضي العجب من هذه المقالات، ونثلج إلى قلبك اليقين

)) (البدر المنير 2/ 290 - 292)، ثم تكلَّمَ على رجالِ إسنادِهِ المرفوع منه والموقوف.

وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: ((فأما المرفوعُ فيمكنُ أن يُضَعَّفَ بالاختلافِ والشذوذِ، وأما الموقوفُ فلا شَكَّ ولا ريبَ في صحتِهِ فإن النسائيَّ قال فيه: حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن كثير ثنا شعبة ثنا أبو هاشم. وقال ابنُ أبي شيبةَ: ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي هاشم الواسطي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عنه. وهؤلاء من رواة الصحيحين فلا معنى لحكمه عليه بالضعف، والله أعلم)) (التلخيص 1/ 301).

والموقوفُ هو الذي رجَّحَهُ النسائيُّ، فقال -بعد أن خرَّجه-:"هذا خطأٌ، والصوابُ موقوفٌ، خالفه -يعني: يحيى بنَ كثير- محمدُ بنُ جعفرٍ فوقفه"(السنن الكبرى 10019).

ص: 308

ثم رواه في (الكبرى 10020) من طريقِ محمد بن جعفر عن شعبةَ به موقوفًا.

وإسنادُهُ صحيحٌ موقوفًا، وقد توبع محمد بن جعفر على روايته بالوقف:

فرواه الطبرانيُّ في (الدعاء 391) من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبةَ به موقوفًا.

قال الطبرانيُّ رحمه الله: "رَفَعه -يعني يحيى بنَ كثير عن شعبةَ- ووقفه الناسُ"(الدعاء 2/ 975)

وقال البيهقيُّ في (شعب الإيمان 4/ 268): "ورواه معاذ بن معاذ، عن شعبة موقوفًا ".

وقال في (الدعوات الكبير 1/ 118): "ورُوي أيضًا عن شعبةَ، عن أبي هاشم هكذا مرفوعًا، والمشهورُ موقوفٌ".

ولذا قال الدارقطنيُّ: "وقيل: عن ربيع بنِ يحيى، عن شعبةَ مرفوعًا. ولم يثبتْ، ورواه غندرٌ، وأصحابُ شعبةَ، عن شعبةَ موقوفًا"(العلل 5/ 464).

وأقرَّ وقفه الصنعانيُّ في (سبل السلام 1/ 80).

وقد توبع شعبة أيضًا على روايته بالوقف، تابعه الثوري:

فقال النسائيُّ بعد أن خرَّجه عن محمد بن جعفر موقوفًا: "وكذلك رواه سفيانُ بنُ سعيدِ بنِ مسروقٍ الثوريُّ".

ثم أخرجه في (الكبرى 10021) من طريقِ ابنِ المباركِ عنِ الثوريِّ عن أبي هاشم به موقوفًا.

وكذلك رواه عبدُ الرزاقِ في (المصنَّفِ) -ومن طريقه الطبراني في

ص: 309

(الدعاء 391) - عن الثوريِّ به موقوفًا.

ورواه ابنُ أبي شيبةَ عن وكيعٍ.

والحاكمُ في (المستدرك 2100) من طريقِ عبد الرحمن بنِ مهدي.

كلاهما عنِ الثوريِّ عن أبي هاشم به موقوفًا.

وإسنادُهُ صحيحٌ مَوْقُوفٌ، رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ.

لذلك قال الحاكمُ بعدَ ذِكْرِ الروايةِ المرفوعةِ: "ورواه سفيانُ الثوريِّ، عن أبي هاشم فأوقفه"(المستدرك 2100)

وقال البيهقيُّ: "وكذلك رواه سفيانُ الثوريُّ، عن أبي هاشم موقوفًا"(شعب الإيمان 4/ 269)

وقد تابعهما أيضًا هشيمُ بنُ بَشيرٍ.

فأخرجه أحمدُ في (العلل ومعرفة الرجال 2153) عن هُشيمٍ عن أبي هاشم به موقوفًا.

ورواه حَرْبٌ الكرمَانِيُّ في (مسائله) فقال: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم به موقوفًا.

لكن قال أحمد -بعد أن خرَّجه-: "لم يسمعه هشيم من أبي هاشم"(العلل ومعرفة الرجال 2153).

فيتضح من عرض أسانيد رواية الوقف أنها أصحُّ سندًا وأكثرُ عددًا من روايةِ الرفعِ.

ولذا صَحَّحَ النسائيُّ وَقْفَهُ كما تقدَّمَ، وكذلك صَوَّبَ الدارقطنيُّ وَقْفَهُ كما في (العلل 5/ 464).

ص: 310

وقال الهيثميُّ: ((رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) ورجالُهُ رجالُ الصحيحِ، إلا أنَّ النسائيَّ قال بعد تخريجه في (اليوم والليلة):"هذا خطأٌ والصوابُ موقوفًا". ثم رواه من روايةِ الثوريِّ وغندر عن شعبةَ موقوفًا)) (مجمع الزوائد 1231).

قلنا: أما ما ذكره ابنُ الملقنِ في ترجيحه للمرفوعِ بقولِهِ: ((ولك أن تقولَ: أيُّ دليلٍ على صَوابِ روايةِ الوقفِ وخطأ روايةِ الرفعِ، ورواةُ هذه هم رواة هذه؟ ! والحقُّ -إن شاء الله- الذي لا يتضحُ غيره أن روايةَ الرفعِ (صريحةٌ) صحيحةٌ كما قررناه" (البدر المنير 2/ 292 - 293) - فغيرُ مقبولٍ منه وقد علمتَ أن المرفوعَ وإن كان رجاله ثقات غير أن رَاويه -وهو يحيى بن كثير أبو غسان- قد خولف في رفعه من الثقاتِ أصحابِ شعبةَ، بيدَ أنه قدِ اختُلفَ عليه، فقد رواه مسددٌ عنه كما في (إتحاف الخيرة المهرة) فرواه عن شعبةَ به موقوفًا، فيكون بذلك موافقًا لرواية الجماعة على شعبةَ، وتكونُ رواية الوقف أَرْجَحُ؛ وذلك لموافقتها لرواية الجماعة. وثانيًا: لجلالةِ مسدد عمن رواه عن يحيى مرفوعًا.

وقد جاءتْ روايةُ مسددٍ عن شعبةَ كذلك موافقة لما رواه الثوريُّ وهشيمٌ على الوقفِ، فكيف تكون رواية الرفع صحيحة.

نعم، قد توبع يحيى بن كثير على الرفعِ على شعبةَ ولكنها متابعةٌ لا تصحُّ، أخرجها البيهقيُّ في (شعب الإيمان) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو علي الحافظ، حدثنا قاسم بن زكريا، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي البَخْتَرِي، حدثنا عبد الصمد، حدثنا شعبة به.

وعبد الصمد بن عبد الوارث وإن كان ثبتًا في شعبةَ -كما قال علي بن المديني- غير أن الراوي عنه، وهو عبد الرحمن بن أبي البختري هو

ص: 311

عبد الرحمن بن زبان، أبو علي بن أبي البختري الطائي، ترجمَ له الخطيبُ في (تاريخه 11/ 551)، والذهبيُّ في (تاريخه 5/ 1167) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، فالظاهرُ جهالة حاله، مع مخالفته لمن رواه عن شعبةَ موقوفًا، وأين كان أصحابُ عبد الصمد الثقات كابنه عبد الوارث حتى يأتي هذا الرجلُ غير المعروف فيُحَدِّثُ عن عبد الصمد عن شعبةَ بذلك؟ !

الطريق الثاني: أخرجه ابنُ السنيِّ في (عمل اليوم والليلة 31)، والبيهقيُّ في (الدعوات الكبير 59) كلاهما من طريقين عن المسيب بن واضح ثنا يوسف بن أسباط عن سفيان عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري به مرفوعًا.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه المسيبُ بنُ وَاضحٍ، قال عنه أبو حاتم:"صدوقٌ، كان يخطئُ كثيرًا، فإذا قيلَ له لم يَقْبَلْ"(الجرح والتعديل 8/ 294).

وفيه أيضًا: يوسفُ بنُ أَسْباطٍ؛ قال عنه البخاريُّ: "قال صدقةُ: دفنَ يوسفُ كُتُبَهُ فكان بعد يقلب عليه فلا يجيء به كما ينبغي"(التاريخ الكبير 8/ 385).

وقد خولف؛ خالفه ابنُ المباركِ ووكيعٌ وابنُ مَهديٍّ، فرووه عن سفيانَ به موقوفًا كما تَقَدَّمَ.

ولا شَكَّ أن قولَ هؤلاءِ هو الصوابُ.

الطريق الثالث: رواه قيسُ بنُ الربيعِ، واختُلِفَ عليه على ثلاثةِ أوجهٍ:

الوجه الأول: أخرجه الطبرانيُّ في (الدعاء 388) عن الحضرمي-يعني محمدَ بنَ عبدِ اللهِ- ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

ص: 312

مرفوعًا به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه:

يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال عنه الحافظُ:"حافظٌ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث"(التقريب 7591).

وقد خولف، وهو الوجه الثاني: فرواه مكرم البزاز في (فوائده) قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب: أخبرنا يزيد -يعني ابنَ هارونَ- أخبرنا قيس، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن أبي سعيد الخدري به.

فأَسْقَطَ من سندِهِ قيسُ بنُ عَبَّادٍ، فيكونُ منقطعًا، فإن أبا مجلز لاحق بن حميد يرويه عن قيس بن عباد عن أبي سعيد، إلا أن يكون ثم سقط، فمعظم مَن رَوى الحديثَ يرويه بإثباتِ قيس بن عباد، أو يكون من تخاليطِ قيسِ بنِ الربيعِ فقد كان سيئَ الحفظِ، وقد قال عنه الحافظُ:"صدوقٌ تَغَيَّرَ لما كبر، وأدخلَ عليه ابنُهُ ما ليسَ من حديثِهِ فحَدَّثَ به"(تقريب 5573).

وقد رواه على وجهٍ ثالثٍ وهو:

الطريق الرابع: أخرجه الخطيبُ في (تاريخه) عن الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم البزاز، حدثنا أبو علي الحسين بن بشار الخياط، حدثنا أبو بلال، حدثنا قيس بن أبي سعيد الجزري عن الربيع عن أبي هاشم الرماني عن أبي مِجْلَز السَّدوسي عن قيس بن أبي حازم البجلي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا به.

وهذا الإسنادُ فيه بعضُ الأخطاءِ كما هو واضحٌ، وهذه الأخطاءُ إما أنها أخطاء مطبعية كما ذَكرَ الشيخُ الألبانيُّ؛ فقال:"وقعَ في سندِهِ بعضُ الأخطاءِ المطبعيةِ"(السلسلة الصحيحة 2651)، أو أنه تصحيفٌ أو وهمٌ من الرواةِ

ص: 313

أو النَّاسخِ، والله أعلم.

قلنا: ومن هذه الأخطاء: ذِكرُ قيس بن أبي سعيد الجزري، بدل قيس بن الربيع. وهذا خطأٌ أو تصحيفٌ، ومما يُقوي كونه قيس بن الربيع: أن منَ الرواةِ عنه أبو بلال الأشعري، ومن شيوخه أبو هاشم الرماني.

فإن كان هو قيس بن الربيع فهو ضعيفٌ كما سبقَ، وخالف الجميع في ذكر قيس بن أبي حازم.

وأما أبو بلال الأشعريُّ فضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ انظر (اللسان 8/ 27 و 9/ 32).

الطريق الخامس: أخرجه الطبرانيُّ في (الدعاء 389) عن محمد بن صالح بن الوليد النَّرْسي، ثنا الحسن بن يحيى الأَرُزِّيُّ، ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، ثنا الوليد بن مروان عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: الوليدُ بنُ مروان، قال عنه أبو حاتم:"مجهولٌ"(الجرح والتعديل 9/ 18).

وقد خالفه الثوريُّ وشعبةُ في وقفِ الحديثِ كما سبقَ.

الطريق السادس: أخرجه أبو إسحاقَ المزكي في (المزكيات) أخبرنا ابن الأزهر، ثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، ثنا عيسى بن شعيب، أخبرنا روح بن القاسم عن أبي هاشم به مرفوعًا.

قال الدارقطنيُّ: "غريبٌ عن روح بن القاسم، تفرَّدَ به عيسى بن شعيب"(المزكيات 1/ 128).

ص: 314

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ غير ابن الأزهر، وهو أحمد بن محمد بن الأزهر؛

قال ابنُ حِبَّانَ: "كان ممن يتعاطى حفظ الحديث ويجري مع أهل الصناعة فيه، ولا يكادُ يُذْكَرُ له بابٌ إلا وأغربَ فيه عنِ الثقاتِ، ويأتي عنِ الأثباتِ بما لا يتابَعُ عليه، ذاكرتُهُ بأشياءَ كثيرة فأغربَ عليَّ فيها فطالبتُهُ على الانبساط فأخرجَ إليَّ أصول أحاديث".

وقال ابنُ عديٍّ: "حَدَّثَ بمناكيرَ".

وقال الدارقطنيُّ في (غرائب مالك): "الأزهريُّ ضعيفُ الحديثِ"(لسان الميزان 1/ 588).

وعيسى بن شعيب بن إبراهيم النحوي قال عنه الحافظ: "صدوقٌ له أوهام"(التقريب 5298).

فهو حسن الحديث ما لم يخالف.

وقد خالفه الثوريُّ -وكفى به- وشعبةُ وهشيمٌ، فرووه عن أبي هاشم به موقوفًا، وهو الصوابُ.

ومما سبقَ يتضحُ لنا أن الراجحَ في الحديثِ وَقْفُهُ، ولكن له حكمُ الرفعِ؛ لأنه لا يُقالُ بالرأيِّ، فمثله له حكمُ الرفعِ.

قال الحافظُ: "إسنادُهُ صحيحٌ وهو موقوفٌ، لكن له حُكمُ المرفوعِ لأن مِثْلَهُ لا يُقالُ بالرأيِّ"(النكت على ابن الصلاح 2/ 738)، وانظر له أيضًا:(نتائج الأفكار 1/ 246)، و (النكت الظراف 3/ 447).

وقال المباركفوريُّ: "واختُلِفَ في رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، والمرفوعُ ضعيفٌ، وأما

ص: 315

الموقوفُ فهو صحيحٌ كما حَقق ذلك الحافظُ في (التلخيص) " (تحفة الأحوذي 1/ 151).

وقال الألبانيُّ: "وخلاصةُ القولِ: أن الحديثَ صحيحٌ؛ لأنه وإن كان الأرجحُ سندًا الوقف، فلا يخفى أنَّ مِثْلَهُ لا يُقالُ بالرأيِّ، فله حكمُ الرفعِ، والله أعلم"(الصحيحة 6/ 150).

وقال رحمه الله بعد أن صَحَّحَ الحديثَ بمجموعِ طرقه: "والموقوفُ لا يخالفه -أي: المرفوع- لأنه لا يُقالُ بمجردِ الرأيِّ كما تَقَدَّمَ عنِ الحافظِ"(الصحيحة 5/ 440).

وللحديثِ شاهد من حديث عائشةَ رضي الله عنها كما سيأتي، ولكنه ضعيفٌ معلولٌ.

ص: 316

1406 -

حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَوْقُوفًا:

◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قال: «مَنْ تَوَضَّأَ فَفَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ؛ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِطَابَعٍ (خُتِمَتْ بِخَاتَمٍ) ثُمَّ رُفِعَتْ (وُضِعَتْ) تَحْتَ العَرْشِ فَلَمْ تُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» .

[الحكم]:

صحيحٌ موقوفٌ، وله حكمُ الرفعِ. وصَحَّحَهُ موقوفًا: النسائيُّ، والدارقطنيُّ، والحاكمُ، والذهبيُّ، وابنُ حَجرٍ، وابنُ الملقنِ، والألبانيُّ

وغيرُهُم.

[التخريج]:

[كن 10020، 10021 (واللفظ له) / ك 2100/ عب 738 (والرواية الثانية له ولغيره)، 6103/ ش 19 (والرواية الأُولى له)، 30513/ علحم 2153/ سي 82، 83/ طع 391/ شعب 2499/ حرب (طهارة 202) / فكر (1/ 246، 1/ 254) / فضائل القرآن لأبي ذر (لمحات الأنوار للغافقي 1019)].

[التحقيق]:

انظر الرواية السابقة، فقد ذكرنا فيها أسانيد هذه الرواية الموقوفة.

ص: 317

1407 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ

◼عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُسْبِغُ الوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ؛ إِلَا رُفِعَتْ وَخُتِمَتْ وَجُعِلَتْ تَحْتَ العَرْشِ فَلَا تُفْتَحُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بما سبقَ، وهذا الشاهدُ إسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ.

[التخريج]:

[بشن 736].

[السند]:

قال ابن بشران في (أماليه): أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن طاهر العلوي بالمدينة، ثنا محمد بن الحسن بن نصر البغدادي المعروف بالمقدسي، ثنا محمد بن حسان الأزرق، ثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عبد الله بن محمد بن طاهر العلويُّ، ومحمد بن الحسن بن نصر البغدادي، لم نجدْ لهما ترجمة.

لذلك قال الألبانيُّ: "والمقدسيُّ لم أعرفه، ولم أَرَهُ في "تاريخ بغداد"، وهو من شرطه. والعلويُّ لم أعرفه أيضًا"(الصحيحة 5/ 440)

ومع جهالتِهِ هذه فقد انفردَ به عن محمد بن حسان الأزرق وهو ثقةٌ عن وكيع عن هشام بن عروة به، فأين كان أصحابُ وكيعٍ؛ كأبي بكر بن

ص: 318

أبي شيبة وغيره من المعروفين بالرواية عن وكيع؟ ! وأين كان أصحابُ هشام المعروفون كالزهريِّ وغيرِهِ، حتى يأتيَ هؤلاءُ المجاهيل بسند غاية في الصحة على شرط الشيخين من فوق الأزرق إلى عائشة ولا يُروى إلا مِن جهتهم؟ ! فمثل هذا لا يَتوقفُ الناقدُ في تخطئة سندِهِ وتوهيمِهِ.

وقد سبقَ الحديثُ عن وكيعٍ بغيرِ هذا السندِ، وهو ما رواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 19) عنه عن سفيان عن أبي هاشم الواسطي عن أبي مِجْلَز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد به موقوفًا كما سبقَ.

فلعلَّ ذلك السندُ هو المحفوظُ عن وكيعٍ، ويكون الخطأُ في روايتنا هذه من أحدِ هذين المجهولَين، والله أعلم.

ص: 319

1408 -

حَدِيثُ أَبِي مُوسَى

◼ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ. قَالَ:(فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو يَقُولُ): «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي» [قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُكَ تَدْعُو بِكَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «وَهَلْ تَرَكْنَ مِنْ شَيْءٍ؟ »].

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وضَعَّفه: ابنُ حَجرٍ -وأقرَّهُ السيوطيُّ- والألبانيُّ.

والدعاءُ المذكورُ له شواهدُ يُحَسَّنُ بها غيرَ مُقَيَّد بوضوءٍ أو صلاةٍ.

[التخريج]:

[كن 10018 (والزيادة والرواية له ولغيره) / عل 7273 (واللفظ له) / مش (خيرة 581/ 2، 6260/ 1) /

].

وسبقَ بتخريجُهُ كاملًا مع بقية رواياتِهِ وتحقيقها تحت باب "الذكر أثناء الوضوء ".

ص: 320

1409 -

حَدِيثُ عَلِيٍّ

◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَلِيُّ، إِذَا تَوَضَّأْتَ فَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ تَمَامَ الوُضُوءِ وَتَمَامَ الصَّلَاةِ وَتَمَامَ رِضْوَانِكَ وَتَمَامَ مَغْفِرَتِكَ؛ فَهَذَا زَكَاةُ الوُضُوءِ» .

[الحكم]:

باطلٌ موضوعٌ، حَكَمَ عليه بالوضعِ البيهقيُّ. وضَعَّفَهُ البوصيريُّ. وضَعَّفَهُ الحافظُ جدًّا، والسيوطيُّ.

[التخريج]:

[حث 78 (واللفظ له)، 469 مطولا جدًّا].

[السند]:

قال الحارث في (مسنده): حدثنا عبد الرحيم بن واقد، ثنا حماد بن عمرو، ثنا السري بن خالد بن شداد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ مسلسلٌ بالضعفاءِ والمجاهيلِ والوضاعينَ:

1 -

فيه عبد الرحيم بن واقد، قال عنه الخطيبُ:"في حديثِهِ غرائبُ ومناكيرُ لأنها عن الضعفاءِ والمجاهيلِ"(تاريخ بغداد 12/ 370).

2 -

وفيه أيضًا حماد بن عمرو النصيبي، وهو آفةُ الحديثِ، قال الجوزجانيُّ:"كان يكذبُ"، وقال البخاريُّ، وأبو حاتم، وابنُ الجارودِ:"منكرُ الحديثِ"، وقال النسائيُّ:"متروكُ الحديثِ"، وقال ابنُ مَعينٍ:"ليس بشيءٍ"، وقال أيضًا:"منَ المعروفينَ بالكذبِ ووَضْعِ الحديثِ"، وقال

ص: 321

أبو زرعةَ: "واهي الحديث"، وقال الحاكمُ:"يروي عن جماعةٍ منَ الثقاتِ أحاديث موضوعة، وهو ساقطٌ بمرة"، وقال أبو سعيدٍ النقاشُ:"يَروي الموضوعات عن الثقات"(لسان الميزان 3/ 274).

ولذا قال المتقي الهندي: "وفيه حماد بن عمرو النصيبي كان يضعُ الحديثَ"(كنز العمال 26993).

وقال الحافظُ: "هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا"(المطالب العالية 2/ 252).

3 -

وفيه السري بن خالد، قال عنه الذهبيُّ:"مدنيٌّ لا يُعرفُ. قال الأزديُّ: لا يُحتجُّ به"(ميزان الاعتدال 2/ 117).

والحديثُ ذَكَرَهُ السيوطيُّ في (اللآلئ) وقال: "أخرجَ البيهقيُّ أوله في (الدلائل) ثم قال: وهو حديثٌ طويلٌ في الرغائب والآداب. قال: وهو حديثٌ موضوعٌ"(اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2/ 312).

وتساهلَ البوصيريُّ فقال: "وهو حديثٌ ضعيفٌ؛ السريُّ وحمادٌ وعبدُ الرحيمِ ضعفاء"(إتحاف الخيرة 1/ 328).

وقال في موضع آخر: "هذا إسنادٌ مسلسلٌ بالضعفاءِ؛ السري وحماد وعبد الرحيم ضعفاء"(إتحاف الخيرة 3/ 413).

وقال الحوينيُّ: "حديثٌ باطلٌ موضوعٌ"(الفتاوى الحديثية 1/ 496).

ص: 322

1410 -

حَدِيثُ سَمْرَةَ:

◼ عَنِ الحَسَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَقَالَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ: «بِاسْمِ اللهِ {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي} إِلَّا هَدَاهُ اللهُ لِأَصْوَبِ الأَعْمَالِ، {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي} إِلَّا أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ طَعَامِ الجَنَّةِ وَسَقَاهُ مِنْ شَرَابِ الجَنَّةِ، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي} إِلَّا جَعَلَ اللهُ مَرَضَهُ ذَلِكَ كَفَارَةً لِذُنُوبِهِ، {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِي} إِلَّا أَمَاتَهُ اللهُ مَوْتَةَ الشُّهَدَاءِ وَأَحْيَاهُ حَيَاةَ السُّعَدَاءِ، {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ، {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} إِلَّا وَهَبَ اللهُ لَهُ حُكْمًا وَأَلْحَقَهُ بِصَالِحِ مَنْ مَضَى وَصَالِحِ مَنْ بَقِيَ، {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} إِلَّا كُتِبَ فِي وَرَقَةٍ بَيْضَاءَ: إِنَّ فُلَانَ بنَ فُلَانَةٍ مِنَ الصَّادِقِينَ (كَتَبَهُ اللهُ صِدِّيقًا)، فَلَا يُوَفَّقْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا بِصِدْقِهِ، {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ القُصُورَ وَالمَنَازِلَ فِي الجَنَّةِ» .

فَقَالَ الحَسَنُ: "يَا سَمُرَةَ، لَوْ كَانَ لِحَدِيثِكَ هَذَا قُرْآنًا نَاطِقًا، كَانَ أَفْضَلَ".

قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: «يَا حَسَنُ، إِنْ كُنْتَ لَا تُصَدِّقُ إِلَّا بِمَا فِي القُرْآنِ فَلَا تُصَدِّقَنَّ بِهِ أَبَدًا، وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ -حَتَّى ذَكَرَ عَشْرَ مَرَّاتٍ- وَلَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَذْكُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عَدَّ عَشَرَةً، وَلَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا اثْنَتَيْنِ حَتَّى عَدَّ عَشَرَةً، فَإِنْ شِئْتَ فَصَدِّقْ، وَإِنْ

ص: 323

شِئْتَ فَلَا تُصَدِّقْ بِهِ أَبَدًا»

(1)

.

قَالَ: "يَا سَمُرَةَ، بَلْ قَوْلُكَ حَقٌّ وَحَدِيثُكَ صِدْقٌ".

قَالَ: فَكَانَ الحَسَنُ يَقُولُهَا كُلَّمَا خَرَجَ، وَزَادَ فِيهِ الحَسَنُ:«وَاغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» .

[الحكم]:

منكرٌ، واستنكره ابنُ عَديٍّ، وقال الذهبيُّ:"موضوعٌ"، والحكم بوضعه هو مقتضى صنيع السيوطي والفتني وابن عراق والشوكاني.

[التخريج]:

[عد (2/ 455 - 456) "واللفظ له"/ الثواب لأبي الشيخ (ذيل اللآلئ 482) "والرواية له"/ سبكي (صـ 630، 631)].

[السند]:

رواه ابن عدي في (الكامل 2/ 455) عن محمد بن الحسن النخاس، ثنا رزق الله بن موسى، ثنا سلم بن سالم البلخي، ثنا أبو شيبة عن بُكَيْر بن شهاب عن الحسن بن أبي الحسن عن سمرة به.

وتوبع عليه رزق الله بن موسى:

فرواه أبو الشيخ في (الثواب) عن عبد الله بن أحمد التاجر، حدثنا محمد بن بسام، حدثنا مروان بن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثنا معاذ بن عبد الله النيسابوري عن سلم بن سالم به

(2)

.

(1)

هكذا جاء رفع الحديث عند ابن عدي بعد ذكر المتن، وعند أبي الشيخ نصَّ على الرفع في أوله وآخره، وعند السبكي ذكر الرفع في أوله فقط.

(2)

وسقط منه الحسن، والظاهر أنه سقط من الناسخ، يدل عليه قوله عقب الحديث:"وكان الحسن يَزيدُ فيه: واغفر لوالدي كما ربياني صغيرًا"، وأيضًا فالحديثُ عند السبكي من طريق أبي الشيخ وفيه ذكر الحسن.

ص: 324

هكذا نقله السيوطيُّ عن أبي الشيخ في (الذيل 482)، وقد رواه تاجُ الدينِ السبكيُّ في (معجم الشيوخ/ صـ 630) من طريق أبي الشيخ قال: حدثنا أبو العباس الوليد بن أبان قال: حدثنا عمران بن عبد الرحيم قال: حدثنا مروان بن جعفر به.

فإما أن يكون الحديثُ عند أبي الشيخ إلى مروان من الوجهين، فاقتصرَ السبكيُّ على ذكر أحد الوجهين، واقتصرَ السيوطيُّ على ذكر الوجه الآخر. وإما أن تكون روايةُ أبي الشيخ التي ذكرها السبكيُّ في موضع آخر، أو في كتابٍ آخر لأبي الشيخ غير كتاب الثواب، والله أعلم.

[التحقيق]:

إسنادُهُ وَاهٍ جدًّا، فيه ثلاثُ عللٍ:

الأُولى: بُكير بنُ شهابٍ، وهو الدامغانيُّ، قال فيه ابنُ عَديٍّ:"منكرُ الحديثِ"، وروى له هذا الحديث وغيره ثم قال: "وبُكيرُ بنُ شهابٍ هذا هو قليلُ الروايةِ، ولم أجدْ (للمتقدمين فيه كلامًا)

(1)

، ومقدار ما يرويه فيه نظر، وله غير ما ذكرت، ولم أجد له أنكر من الذي ذكرته

وبُكير هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق" (الكامل 2/ 457).

وفي ترجمتِهِ ذكرَ الذهبيُّ هذا الحديثَ ثم قال: "وهو موضوعٌ"(الميزان 1/ 350).

الثانيةُ: أبو شيبة شيخ سلم، لا يُعرفُ مَن هو، وأشارَ السبكيُّ إلى جهالتِهِ،

(1)

في المطبوع من (الكامل/ ط. دار الفكر): "ولم أجد في المتقدمين فيه كلامًا"! ، والتصويبُ من طبعة دار الكتب العلمية (2/ 206) مع (ذخيرة الحفاظ 5230).

ص: 325

فقال: "هذا الحديثُ لم يخرجه أحدٌ مِن أصحابِ الكتبِ الستةِ، وأبو شيبةَ لم يذكرْهُ الحاكمُ في كتابِهِ الأسامي والكنى"(معجم الشيوخ 631)؛ ولذا قال الذهبيُّ في تلاميذِ بُكيرِ بنِ شهابٍ: "وأبو شيبة، شيخٌ لسلم بن سالم البلخي"(تاريخ الإسلام 10/ 95 = 4/ 317).

الثالثة: سلْم بن سالم البلخي، ضَعَّفه ابنُ معين وعامةُ النقادِ؛ ولذا قال الخليليُّ:"أجمعوا على ضَعْفِهِ"، وقال ابنُ الجوزيِّ:"اتفقَ المحدثونَ على تضعيفِ رواياتِهِ"(اللسان 4/ 107).

قلنا: وقد تُكلِّم في صدقِهِ أيضًا، فقال ابنُ حبانَ:"كان ابنُ المباركِ يُكذبه"(المجروحين 1/ 437)، وقال أحمد بن سيار الحافظ:"كان يَروي أحاديثَ ليستْ لها خُطُم ولا أَزِمة، شبيهةٌ بالموضوعِ، ذُكر لنا أن ابن المبارك دفع إليه حديثًا، وقيل له: "روى عنك سلم بن سالم"، فرَمَاهُ بالكذبِ، فأرادوه على الكَفِّ، فقال: فإلى متى؟ "(تاريخ بغداد 4755 = 4708)، وقال أبو زرعةَ:"لا يُكتبُ حديثُهُ، كان مرجئًا وكان لا -وأومأ بيده إلى فيه-" قال ابنُ أبي حَاتمٍ: يعنى: لا يصدقُ. (الجرح والتعديل 4/ 266).

ولذا ذكرَ السيوطيُّ هذا الحديثَ في (الزيادات على الموضوعات 482) وقال: "سلم بن سالم البلخيُّ ليسَ بشيءٍ، وهو صاحبُ حديث العدس"، هكذا لم يعله إلا بسلم، وتبعه ابن طاهر الفتني في (تذكرة الموضوعات/ صـ 37)، وابن عراق في (تنزيه الشريعة 2/ 118)، والشوكاني في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة 42).

[تنبيه]:

قال السيوطيُّ في (الدر المنثور 11/ 270): "وأخرجَ ابن أبي الدنيا في

ص: 326

الذكر، وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا تَوَضَّأَ العَبدُ لِصَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ دَارِهِ يُريدُ المَسْجِدَ، فَقَالَ حِينَ يَخْرُجُ

)) الحديث.

ولم يذكرْ لنا سنَدَهُ عندهما لننظرَ فيه، والأقربُ أنه من نفسِ الطريقِ التي ذكرها ابنُ عديٍّ وأبو الشيخِ، والله أعلم.

ص: 327