الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
218 - بَابُ ذَهَابِ الذُّنُوبِ بِمَاءِ الوُضُوءِ
1384 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ -أَوِ: المُؤْمِنُ- فَغَسَل وَجْهَهُ، خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينيْهِ مَعَ المَاءِ -أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ -أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ-، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ المَاءِ -أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ-، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ» .
[الحكم]:
صحيح (م).
[الفوائد]:
قال ابنُ عبدِ البرِّ: وأما قوله: ((«العَبْدُ المُسْلِمُ -أَوِ: المُؤْمِنُ-» فهو شَكٌّ منَ المُحَدِّثِ من مالكٍ أو غيره. وأما قوله: «مَعَ المَاءِ -أَوْ: مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ-» فهو شَكٌّ من المُحَدِّثِ أيضًا. ولا يجوزُ أن يكونَ ذلك منَ النبيِّ عليه السلام وإنما حملَ المُحَدِّثَ على ذلك التحري لألفاظِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والله أعلم)) (الاستذكار 1/ 203).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيَئةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينيْهِ» . قال ابنُ العربي: ((يعني غُفرت؛ لأن الخَطايا هي أفعالٌ وأعراضٌ لا تبقى، فكيفَ
توصفُ بدخولٍ أو بخروجٍ ولكن الباري لما أوقف المغفرة على الطهارةِ الكاملةِ في العضوِ، ضرب لذلك مثلًا بالخروجِ؟ ولأن الطهارةَ حكمٌ ثابتٌ استقرَّ له الدخول)) (عارضة الأحوذي 1/ 10).
قال السيوطيُّ معقبًا: ((وأقولُ: بل الظاهر حمله على الحقيقةِ، وذلك أن الخطايا تؤثرُ في الباطنِ والظاهرِ، والطهارةُ تزيله، وشاهدُ ذلك ما أخرجه المصنِّفُ والنسائيُّ وابنُ ماجه وابنُ حِبَّانَ والحاكمُ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِل قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُو قَلْبَهُ، وَذَلِكَ الرَّانُ، الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي القُرْآنِ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» . وأخرج أحمدُ، وابنُ خزيمةَ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنَ الجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَإِنَّمَا سَوَدَتْهُ خَطَايَا المُشْرِكِينَ» فإذا أثرتِ الخطايا في الحجرِ، ففي جسدِ فاعلِها أَوْلَى.
فإما أن يُقدَّرَ: خَرَجَ من وجهِهِ أثرُ كل خطيئةٍ، أي: السَّوادُ الذي أحدثته. وإما أن يقالَ: إن الخطيئةَ نفسها تتعلقُ بالبدن، على أنها جسمٌ لا عَرَضٌ، بناءً على إثباتِ عالم المثال؛ ولهذا صحَّ عَرْضُ الأعراضِ على آدم عليه السلام ثم على الملائكة {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} وإلا فكيفَ يُتصورُ عَرْضُ الأعراض لو لم يكن لها صورةٌ تتشخص بها؟ ! وقد حققتُ ذلك في تأليفٍ مستقلٍ، وأشرتُ إليه في الحاشيةِ التي علَّقتُهَا على تفسيرِ البيضاويِّ. ومن شواهدِهِ في الخطايا ما أخرجه البيهقيُّ في سننه عنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَعَاتِقَيْهِ، كُلَّمَا رَكَعَ وَسَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» . وأخرج البزارُ والطبرانيُّ عن سلمانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ يُصَلِّي وَخَطَايَاهُ مَرْفُوعَةٌ عَلَى
رَأْسِهِ، كُلَّمَا سَجَدَ تَحَاتَّتْ عَنْهُ»)) (قوت المغتذي على جامع الترمذي 1/ 31).
[التخريج]:
[م 244 (واللفظ له) / ت 2/ طا 67/ حم 8020/ مي 745/ خز 4/ حب 1040/ عه 669، 670/ طح 174، 175 (مختصرًا) / طحق 48/ بغ 150/ هق 382/ هقغ 102/ هقع 735/ مسن 575/ طبر (8/ 218) / شعب 2477، 2476/ غيب 2065/ مطغ 426، 427/ بشن 1250/ وسيط 274].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد عن مالك بن أنس (ح)، وحدثنا أبو الطاهر -واللفظ له- أخبرنا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به.
رِوَايَةُ حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ:
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ساقطٌ.
[التخريج]:
[عب 155].
[السند]:
أخرجه عبد الرزاق: عن إبراهيم بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ إبراهيم بن محمد هو ابنُ أبي يحيى الأسلميُّ، وهو "متروكٌ" كما في (التقريب 241). بل، وكذَّبَهُ غيرُ واحدٍ من الأئمة واتَّهموه بوضعِ الحديثِ، انظر (تهذيب التهذيب 1/ 159).
ولكن قد صحَّ مَتْنُهُ بما قبله وما سيأتي.
وأما زيادة: «فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى المَسْجِدِ
…
» فقد صَحَّتْ من أحاديث أُخر، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَطَهَّرَ في
بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلى بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللَّهِ لِيَقضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ، كانَتْ خُطْوَتاهُ: إحدَاهُما تَحُطُّ خَطيئةً، وَالأُخرَى تَرفَعُ دَرَجَةً».
أخرجه مسلمٌ (666)، وهو مخرجٌ برواياتِهِ وشواهدِهِ في هذه الموسوعة المباركة (كتاب الصلاة/ باب "فضل كثرة الخطا إلى المساجد").
رِوَايَةُ حَتَّى يَأْتِيَ مَقَامَهُ
[الحكم]:
بعضُه صحيحٌ بما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[بز 9116/ طهور 12 (واللفظ له) / طح 175/ تعظ 102 (مقتصرًا على آخره) / عد (7/ 279) مقتصرًا على فقرة (خرج مع قطر الماء كل سيئة وُجد ريحها بأنفه) / عق (2/ 632) مقتصرًا على فقرة (خرج مع قطر الماء كل سيئة تكلم بها لسانه)].
[السند]:
رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في (الطهور) قال: ثنا سعيد بن أبي مريم عن موسى بن يعقوب الزمعي قال: حدثني عباد بن أبي صالح السمان -مولى جويرية بنت الأخفش الغطفاني- أنه سَمِعَ أباه يقولُ: سمعتُ أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
ورواه البزارُ عن محمد بن مسكين حدثنا ابن أبي مريم
…
به.
وأخرجه المروزيُّ في (تعظيم قدر الصلاة)، وابنُ عدي في (الكامل)، والعقيليُّ في (الضعفاء) من طريق سعيد بن أبي مريم به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: موسى بن يعقوب الزمعي؛ قال عنه الحافظ: "صدوق سيئ الحفظ"(التقريب 7026).
الثانية: عباد -ويقال له: عبد الله- بن أبي صالح؛ مختلفٌ فيه؛ فوَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ، وضَعَّفَهُ ابنُ المديني، وقال البخاريُّ:"منكرُ الحديثِ"(تهذيب التهذيب 5/ 264).
وقال عنه ابن حبان: "يتفردُ عن أبيه بما لا أصلَ له من حديثِ أبيه، لا يجوزُ الاحتجاجُ به إذا انفردَ"(المجروحين 784).
وقال الساجى -وتبعه الأزدي-: "ثقةٌ إلا أنه رَوى عن أبيه ما لم يتابع عليه"(تهذيب التهذيب 5/ 264).
ولخَّصَ حالَهُ الحافظُ فقال: "لينُ الحديثِ"(التقريب 3390).
وقد سبقَ الحديثُ من رواية أخيه سهيل بغير هذا السياق، ليس فيه قوله:«وَلَا يَسْتَنْشِقُ إِلَّا خَرَجَ مَعَ قَطْرِ المَاءِ كُلُّ سَيِّئَةٍ وُجِدَ رِيحُهَا بِأَنْفِهِ، وَلَا تَمَضْمَضَ إِلَّا خَرَجَ مَعَ قَطْرِ المَاءِ كُلُّ سَيِّئَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا بِلِسَانِهِ» ، وبقية متنه صحيحٌ بما سبقَ.
وقال العقيليُّ بعد أن خرَّجه: "وهذا يروى بغيرِ هذا الإسنادِ بإسنادٍ صالحٍ"، يعني به رواية سهيل المتقدمة.
وذكر الألبانيُّ الفقرةَ الأخيرةَ منه -وهي قوله: «فَإِذَا خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ
…
» إلخ- في (الصحيحة 1063)، من رواية ابن نصر المروزي، وقال:"هذا إسنادٌ حسنٌ"، ولعلَّه أرادَ حسن في المتابعات؛ فإنه ذَكَرَ أن الزمعيَّ فيه ضعف، وسكتَ عن عباد، ثم أتبعه بطرقٍ أُخرى عن أبي هريرةَ، والله أعلم.
1385 -
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ:
◼ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: كُنْتُ وَأَنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ» ، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي اللهُ» ، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ:
…
الحديث، وَفِيهِ: قَالَ: فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَالوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ. قَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ؛ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
[الحكم]:
صحيح (م).
[التخريج]:
[م 832 ((واللفظ له)) / عه 71، 1190، 10812، 11106، 11107 مختصرًا/ ك 459/ طب (نخب 1/ 331) / طس 6306/ طش 1320، 1847/ هق 383، 4442/ هقخ 280/ تمهيد (4/ 53 - 54) /
كر (46/ 259 - 261)].
[السند]:
قال مسلم: حدثني أحمد بن جعفر المعقري، حدثنا النضر بن محمد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا شداد بن عبد الله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة -قال عكرمة: ولقي شداد أبا أمامة وواثلة، وصَحِبَ أنسًا إلى الشامِ
…
وأثنى عليه فضلًا وخيرًا- عن أبي أمامة قال: قال عمرو بن عبسة السلمي:
…
فذكره، وفي آخره: فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟ ! فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ وَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا -حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ-، مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وعكرمةُ وإن تُكلمَ في حديثِهِ عن يحيى، فقد قَرَن مع يحيى هنا شدادًا القرشي.
رِوَايَةُ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ عز وجل:
• وَفِي رِوَايَةٍ:
…
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ. قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقْرَبُ وَضُوءَهُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ [وَيَمُجُّ] وَيَسْتَنْشِقُ وَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ فَمِهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ المَاءِ حِينَ يَنْتَثِرُ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ معَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعَرِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ عز وجل، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللهَ عز وجل وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
…
».
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، والجورقانيُّ، وأبو سعدٍ النيسابوريُّ، وابنُ كَثيرٍ.
[التخريج]:
[حم 17019 (واللفظ له) / خز 277/ قط 378، 379/ عه 737/ سعد (4/ 201 - 203) (والزيادة له) / سرج 2279/ سراج 1518/ طط 11/ مسن 1877/ غيب 2066/ طيل 147/ هقغ 105/ هقخ 280/ بغ 777/ صحا 4977/ غافل 355/ كر (46/ 257 - 259) / كما (22/ 122) / حداد 263، 3674/ تحقيق 152/ عشرين 13].
[السند]:
رواه أحمد -ومن طريقه المزيُّ في (التهذيب) - قال: حدثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا عكرمة -يعني ابن عمار-، حدثنا
شداد بن عبد الله الدمشقي وكان قد أدركَ نفرًا مِنْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: قال أبو أمامةَ: يا عمرو بن عبسة
…
به.
ورواه ابنُ خزيمةَ، والدارقطنيُّ (378) من طريقِ أبي الوليد الطيالسيِّ عن عكرمةَ بنِ عمارٍ به.
ورواه الدارقطنيُّ (379)، والطبرانيُّ في (الأحاديث الطوال 11)، من طريقِ يزيدَ بنِ عبدِ اللهِ بن يزيد بن ميمون عن عكرمةَ به.
ومداره عندهم على عكرمة بن عمار به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ، وعكرمةُ بنُ عمَّارٍ قال عنه الذهبيُّ:"ثقةٌ، إلا في يحيى بن أبي كثير فمضطربٌ"(الكاشف 3866). وانظر (تهذيب التهذيب 7/ 263).
قلنا: وروايته هنا عن شداد بن عبد الله أبي عمار.
وقد صَحَّحَ حديثَه هذا جماعةٌ منَ العلماءِ:
فصَحَّحَهُ ابنُ خزيمةَ؛ بإخراجه له في (صحيحه).
وقال الدارقطنيُّ: "هذا إسنادٌ ثابتٌ صحيحٌ"(السنن 1/ 191).
وقال البيهقيُّ: ((وروينا في الحديثِ الصحيحِ عن عمرِو بنِ عبسةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الوضوءِ: «ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى» وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى أمر بغسلهما)) (السنن الكبرى 1/ 216).
وصَحَّحَهُ أيضًا: الجورقانيُّ في (الأباطيل 1/ 298)، والبغويُّ في (شرح السنة 3/ 325)، وأبو سعدٍ النيسابوريُّ في (الأربعون من مسانيد المشايخ
العشرين)، وابنُ كثيرٍ في (التفسير 3/ 51).
قلنا: غير أن الحديثَ في مسلمٍ كما تقدَّم، ليس فيه هذه الزيادة:((كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى)) بعد قوله: ((ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ)).
رِوَايَةُ كَيْفَ الوُضُوءُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((
…
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الوُضُوءُ؟ قَالَ:«أَمَّا الوُضُوءُ فَإِنَّكَ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ كَفَّيْكَ فَأَنْقَيْتُهُمَا خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ بَيْنَ أَظْفَارِكَ وَأَنَامِلِكَ، فَإِذَا مَضْمَضْتَ وَاسْتَنْشَقْتَ مِنْخَرَيْكَ وَغَسَلْتَ وَجْهَكَ وَيَدَيْكَ إِلَى المِرْفَقَيْنِ وَمَسَحْتَ رَأْسَكَ وَغَسَلْتَ رِجْلَيْكَ إِلَى الكَعْبَيْنِ اغْتَسَلْتَ مِنْ عَامَّةِ خَطَايَاكَ، فَإِنْ أَنْتَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ لِلَّهِ عز وجل خَرَجْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» )).
قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقُلْتُ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، أَكُلُّ هَذَا يُعْطَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟! فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَدَنَا أَجَلِي وَمَا بِي مِنْ فَقْرٍ فَأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[الحكم]:
إسنادُهُ جيدٌ، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ. وصَحَّحَهُ أيضًا: ابنُ خُزَيمةَ والحاكمُ، غير أنهما اختصرا متنه.
[التخريج]:
[ن 152 (واللفظ له) / كن 182، 222/ طش 1969 مطولًا/ طح (1/ 37) / غيب 1950 مطولًا/ طهور 23 مختصرًا/ كر (46/
261، 262) مطولًا].
[السند]:
قال النسائيُّ في (الصغرى والكبرى): أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا الليث -هو ابن سعد- قال: حدثنا معاوية بن صالح قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وأبو طلحة نعيم بن زياد قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت عمرو بن عبسة يقول
…
فذكره.
وعمرو بن منصور ثقةٌ ثبتٌ، وآدم ثقةٌ من شيوخِ البخاريِّ، وقد توبعا:
فأخرجه الطحاويُّ من طريقِ ابنِ وهبٍ.
ورواه أبو عبيد في الطهور، والطبراني في مسنده -ومن طريقه ابن عساكر-، وقوام السنة، من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح، كلاهما عن معاوية بن صالح به، طوله الطبراني وقوام السنة.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ جيدٌ، رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ، وفي معاوية بن صالح كلام لا يضرُّ، وقد وَثَّقَهُ الجمهورُ.
والحديثُ أصله في صحيح ابن خزيمة (1216)، ومستدرك الحاكم (1162) وغيرهما، من طريق ابن وهب، غير أنهما اختصرا متنه، فلم يذكرا فيه قصة الوضوء، وذكرا سواها مما ذكره الطبراني وغيره، وقد أشارَ ابنُ خزيمةَ إلى اختصارِهِ له، وصَحَّحَهُ الحاكمُ على شرطِ مسلمٍ.
والحديثُ صَحَّحَهُ الألبانيُّ كما في التعليق الرغيب (صحيح سنن النسائي 1/ 56).
رِوَايَةُ كَانَ ذَلِكَ حَظَّكَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: «
…
وَإِذَا تَوَضَّأْتَ فَاغْسِلْ يَدَيْكَ فَإِنَّكَ إِذَا غَسَلْتَ يَدَيْكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِكَ، ثُمَّ إِذَا غَسَلْتَ وَجْهَكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ وَجْهِكَ، ثُمَّ إِذَا مَضْمَضْتَ وَاسْتَنْثَرَتْ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ مَنَاخِرِكَ، ثُمَّ إِذَا غَسَلْتَ يَدَيْكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ ذِرَاعَيْكَ، ثُمَّ إِذَا مَسَحْتَ بِرَأْسِكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِكَ، ثُمَّ إِذَا غَسَلْتَ رِجْلَيْكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، فَإِنْ ثَبَتَّ فِي مَجْلِسِكَ كَانَ ذَلِكَ حَظَّكَ مِنْ وُضُوئِكَ، وَإِنْ قُمْتَ فَذَكَرْتَ رَبَّكَ وَحَمِدْتَ وَرَكَعَتْ رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِكَ كُنْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ
…
».
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ. وصَحَّحَهُ ابنُ خزيمةَ، والحاكمُ، والبيهقيُّ.
[التخريج]:
[د 1277 واختصره/ خز 277 (واللفظ له) / ك 594/ طس 6306/ طب (جامع 8387) / هق 4443/ هقغ 959/ شعب 2479، 2480/ تمهيد (4/ 55 - 56)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الطريق الأول:
رواه أبو داود (1277) -ومن طريقه ابن عبد البر في (التمهيد)، والبيهقي في (الكبير) - قال: حدثنا الربيع بن نافع، حدثنا محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة السلمي، به.
ورواه ابن خزيمة قال: نا يعقوب بن سفيان الفارسي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، به.
وأخرجه الحاكم -وعنه البيهقي في (الصغرى) - قال: أنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي، نا يعقوب بن سفيان الفارسي به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ سوى العباس بن سالم، فمن رجالِ السننِ، وهو ثقةٌ، وأبو سلام هو ممطور الأسود الحبشي.
وقد صَحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ بإيرادِهِ له في الصحيح، وقال الحاكمُ عقبه: "قد خرَّج مسلمٌ بعضَ هذه الألفاظِ من حديث النضر بن محمد الجرشي، عن عكرمة بن عمار
…
وحديث العباس بن سالم هذا أشفى وأتم من حديث عكرمة بن عمار".
وقال البيهقي: "وهذا أيضًا حديثٌ صحيحٌ"(السنن الصغرى 961).
الطريق الثاني:
رواه الطبراني في (الأوسط) قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا محرز بن سلمة، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، عن أبي عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك، عن عمرو بن عبسة بنحوه.
قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن أيوب بن موسى إلا الضحاك بن عثمان، تفرَّدَ به عبد العزيز بن أبي حازم".
قلنا: لم ينفرد به عبد العزيز، فقد رواه البيهقيُّ في (الشعب 2479) من طريق سليمان بن بلال عن الضحاك به.
ورجالُهُ ثقاتٌ، أبو عبيد حاجب سليمان هو حُوَيّ المَذْحِجي، ثقةٌ (التقريب 8227)، وقال الحاكم:"تابعيٌّ قديم، لا يُنْكَر سماعه من عمرو بن عبسة"(المستدرك 1/ 459).
قلنا: كلام الحاكم فيه نظر، فإن أبا عبيد هذا جُل روايته عن التابعين؛ ولذا ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين (الثقات 6/ 236)، وذكره ابن حجر في (التقريب 8227) فقال:"من الخامسة، مات بعد المائة" وقد ذكر في المقدمة في أصحاب هذه الطبقة: "أنهم الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبتْ لبعضهم السماع منهم"(التقريب 1/ 75).
فالراجحُ عدم سماع أبي عبيد هذا من عمرو بن عبسة، وقد وقفت على ما يرجح ذلك:
فقد أخرجَ أحمدُ في (المسند 17024) فقال: "حدَّثنا محمد بن بكر، حدثنا عبد الحميد -يعني ابنَ جعفر-، قال: حدَّثني الأسود بن العلاء، عن حُويّ، مولى سليمان بن عبد الملك، عن رجلٍ -أرسلَ إليه عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وهو أميرُ المؤمنينِ، قال: كيفَ الحديث الذي حدَّثتني عن الصنابحي؟ -، قال: أخبرني الصنابحي، أنه لقي عمرو بن عبسة، فقال: هل من حَديثٍ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ؟ قال: نعم، سمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَلَغَ أَوْ قَصَّرَ كَانَ عِدْلَ رَقَبَةٍ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيَامَةِ» .
فأدخل أبو عبيد بينه وبين عمرو بن عبسة واسطة، وهذا يرجح كونه لم يسمع منه، والله أعلم.
قلنا: والحديثُ في مسلمٍ من رواية أبي أمامة ليس فيه: «فَإِنْ ثَبَتَّ فِي مَجْلِسِكَ كَانَ ذَلِكَ حَظَّكَ مِنْ وُضُوئِكَ» .
رِوَايَةُ كَانَ ذَلِكَ لَكَ طَهُورًا
• وَفِي رِوَايَةٍ: «
…
ثُمَّ ذَكَرَ الوُضُوءَ فَقالَ: إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ يَدَيْكَ ووَجْهَكَ ورِجْلَيْكَ، فَإِنْ جَلَسْتَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ طَهُوَرًا، وَإِنْ قُمْتَ فَصَلَّيتَ وَذَكَرْتَ رَبَّكَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاتِكَ كَهَيئَتِكَ يَومَ ولَدَتْكَ أُمُّكَ مِنَ الخَطَايَا».
[الحكم]:
صحيحُ المعنى، فقوله:«كَانَ ذَلِكَ لَكَ طَهُوَرًا» أي: من الذنوبِ، وقد سبقَ مصرّحًا به في الصحيحِ، وهذا السياقُ إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[سعد (4/ 203 - 205) / كر (46/ 264 - 265)].
[السند]:
رواه ابن سعد -ومن طريقه ابن عساكر- قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني الحجاج بن صفوان، عن ابن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة السلمي، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأُولى: محمد بن عمر شيخ ابن سعد، هو الواقديُّ كذَّابٌ وضَّاعٌ. وتقدَّم
مرارًا.
الثانية: شهر بن حوشب، قال الحافظ:"صدوقٌ كثيرُ الإرسالِ والأوهامِ"(التقريب 2830)، وقد اختُلف على شهرٍ فيه اختلافًا كبيرًا، وسيأتي بيانُهُ قريبًا.
رِوَايَةُ وَأُذُنَيْهِ:
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: «وَأُذُنَيْهِ» فمنكرٌ.
[التخريج]:
[طش 863/ طبر (8/ 217) (واللفظ له) / تمهيد (4/ 51 - 53) / كر (46/ 262 - 264)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الأول: رواه الطبريُّ في (تفسيره) قال: حدثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا
عثمان بن سعيد، قال: ثنا حاتم، عن محمد بن عجلان، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن عمرو بن عبسة به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: أبو عبيد لم يسمع عمرو بن عبسة كما تَقَدَّمَ.
الثانيةُ: محمد بن عجلان لم يكن بالثبت، وقد خالفه أيوب بن موسى، فرواه عن أبي عبيد عن عمرو رضي الله عنه، ولم يذكرْ فيه مسح الأذنين، وتَقَدَّمتْ روايته قريبًا.
الطريق الثاني:
رواه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه) - فقال: حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق، حدثني إبراهيم بن العلاء، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي سلام الدمشقي، وعمرو بن عبد الله الشيباني، أنهما سمعا أبا أمامة الباهلي يحدِّثُ عن عمرو بن عبسة السلمي بنحوه مطولًا.
ورواه ابنُ عبد البر في (التمهيد) فقال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا إبراهيم بن مروان الدمشقي قال: حدثنا ابن عياش -هو إسماعيل- به.
ومداره على إسماعيل بن عياش، قال ابنُ عبدِ البرِّ:"أجمعوا على أنه ليس بحجة فيما ينفرد به"(التمهيد 4/ 51).
وقد رَوى الحديثَ العباسُ بنُ سالمٍ عن أبي سلام عن أبي أمامة، كما عند ابن خزيمة (277)، وغيره، ولم يذكرْ فيه مسح الأذنين، والظاهرُ أنها
من تخاليطِ ابنِ عيَّاشٍ، والله أعلم.
كما أن الحديثَ في مسلمٍ من طريقِ شداد أبي عمار ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة، وليس فيه هذه الزيادة.
رِوَايَةُ وَكَانَ هُوَ وَقَلْبُهُ وَوَجْهُهُ:
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: أأنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مَرْةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ عَشْرًا أَوْ عِشْرِينَ، مَا حَدَّثْتُ بِهِ]».
[الحكم]:
مرفوعه صحيحٌ بما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وضَعَّفه مغلطاي.
[التخريج]:
[جه 284 (واللفظ له) / حم 17026 (مطولًا، والزيادة له ولغيره) / ش 43/ مش 755 مطولًا/ طهور 13/ كما (17/ 10 - 11)]
(1)
.
(1)
والحديثُ عند النسائيِّ في (الصغرى 594)، و (الكبرى 1668)، وابن ماجه في (سننه 1224، 1342)، وأحمد في (مسنده 17059)، ولكنهم اختصروا متنه فلم يذكروا فيه الوضوء، وسيأتي تخريج هذه الرواية في موضعها من الموسوعة إن شاء الله.
[السند]:
قال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر محمد بن جعفر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طَلْق عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمرو بن عَبَسَة به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (مسنده، وفي مصنفه)، وأحمد في (مسنده) -ومن طريقه المزي في (التهذيب) - عن غندر عن شعبة به.
وأخرجه أبو عبيد في (الطهور) عن حجاج عن شعبة وحماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء به.
فمداره عندهم على يعلى بن عطاء به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
الأُولى: عبد الرحمن بن البيلماني؛ قال عنه الحافظ: "ضعيف"(تقريب 3819).
الثانيةُ: الانقطاعُ؛ فرواية البيلماني عن الصحابة منقطعة؛ فقد قال صالح جزرة: "حديثه منكر، ولا يُعرفُ أنه سمعَ من أحدٍ من الصحابة إلا من سُرَّق". قال الحافظُ: "قلتُ: فعلى مطلق هذا يكون حديثه عن الصحابة المسمين أولًا مرسلًا عند صالح"(تهذيب التهذيب 6/ 150).
وبه ضَعَّفَهُ مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 102).
الثالثةُ: يزيد بن طلق؛ ذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 543)، وقال الدارقطني:"يُعتبرُ به"(سؤالات البرقاني 561)، وقال الذهبيُّ:"لا يُعرفُ"
(ميزان الاعتدال 4/ 429)، وقال في (الكاشف 6322):"لين"، وقال عنه الحافظُ:"مجهولٌ"(التقريب 7734).
ولكن يشهدُ لمتنه ما تقدَّمه من روايات.
ولذلك صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح ابن ماجه).
رِوَايَةُ خَرَجَ مِنْ خَطَايَاهُ كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: قُلْنَا لِعَمْرِو بنِ عَبَسَةَ: حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ وَهْمٌ وَلَا نِسْيَانٌ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا وَهِمْتُ وَلَا نَسِيتُ-[وَهُوَ] يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدَيْهِ -وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ- ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ خَرَجَ مِنْ خَطَايَاهُ كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بما سبقَ، وسندُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[كك (ق 288/ ب - 289/ أ) ((واللفظ له)) / كر (11/ 288) ((والزيادة له))].
[السند]:
رواه أبو أحمد الحاكم في (الكنى) قال: أخبرنا أبو عَروبة، حدثنا محمد بن مَعْدان، حدثنا العلاء بن هلال، حدثنا عبيد الله -وهو ابنُ عمرو- عن زيد -يعني ابنَ أبي أُنيسة- عن جُنادة -وهو ابن أبي خالد- عن
أبي شيبة به.
ورواه ابن عساكر من طريق أبي خيثمة، نبأنا (هلال بن العلاء)
(1)
نبأنا أَبِي بنحوه، وفيه سقط وزيادة بها سقط أيضًا كما سيأتي التنبيه عليه.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
الأُولى: العلاء بن هلال؛ قال عنه أبو حاتم: "منكرُ الحديثِ، ضعيفُ الحديثِ، عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة"(الجرح 6/ 361)، وقال ابن حبان:"كان ممن يقلب الأسانيد ويغير الأسماء، لا يجوز الاحتجاج به بحال"(المجروحين 2/ 176)، وقال النسائي:"هلال بن العلاء بن هلال روى عن أبيه غير حديث منكر، فلا أدري منه أتى أو من أبيه". وقال أبو بكر الخطيب: "في بعض حديثه نكرة"(تهذيب الكمال 22/ 545).
وقال الحافظ: "فيه لين"(التقريب 5259).
الثانيةُ: جنادةُ بنُ أبي خالدٍ؛ ترجم له البخاري في (التاريخ 2/ 234)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 515)، وابن حبان في (الثقات 7115)، وقال الذهبي:"لا يُعرفُ"(اللسان 2/ 494).
الثالثةُ: أبو شيبةَ المَهْرِيُّ، سُئِلَ أبو زرعةَ عنه، فقال:"هو من التابعين، ولا يُعرفُ اسمه"(الجرح والتعديل 9/ 390)، وذكره ابن حبان في (الثقات
(1)
وقع في المطبوع: "أبو هلال بن العلاء"، وكلمة (أبو) هذه مقحمة، وهو هلال بن العلاء أبو عمر الرقي، يروي عن أبيه، كما وقع عنده تسمية التابعي بـ:"يزيد بن أبي شيبة"! وهو خطأ، يخالف ما ذكر ابن عساكر في الترجمة.
6432).
والمتنُ صحيحٌ بما سبقَ، وهو مختصرٌ، ووقعَ فيه سقطٌ عند ابن عساكر، حيثُ جاءَ عنده بلفظ:«مَنْ تَوَضَّأَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ» ، وهذا فيه سقطٌ ظاهرٌ، وقد سبقَ بتمامه.
وزادَ ابنُ عساكر فيه زيادة بها سقط أيضًا، حيثُ جاءَ فيه:«وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ كَانَتْ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ نُورًا، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى بَاعَدَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» .
ولإدراك هذا السقط يُنظرُ ما خرَّجه ابنُ أبي عاصم في (الجهاد 166) من طريقِ زيد بن أبي أنيسة، عن جنادة بن أبي خالد، عن أبي شيبة قال: قلتُ لعمرِو بنِ عبسةَ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ وَهْمٌ وَلَا نِسْيَانٌ، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ خَرَجَتْ لَهُ شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ كَانَتْ لَهُ عِتْقَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» .
وقد ذكره البخاريُّ في (التاريخ 2/ 234) من طريق العلاء بن هلال، سمع عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة به، مقتصرًا على قوله:«مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَهُ اللهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» .
وهو عند أحمد من طريقٍ آخر بلفظ: «أَيُّمَا رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل، فَبَلَغَ مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا، فَلَهُ مِنَ الأَجْرِ كَرَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهِيَ لَهُ نُورٌ» (المسند 19439).
رِوَايَةٌ مُطَوَّلَةٌ
• وَفِي رِوَايَةٍ عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: مَنْ تَبِعَكَ فِي هَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ
…
قَالَ: قُلْنَا: يَا عَمْرُو بْنَ عَبَسَةَ، وَإِنَّكَ لَتُحَدِّثُ حَدِيثًا مَا سَمِعْنَاهُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِكَ! قَالَ: بِئْسَ مَالِي إِنْ كُنْتُ قَدْ كَبِرْتُ شَيْخًا، وَرَقَّ عَظْمِي، وَصَغُرَ أَجَلِي، وَأَفْتَرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَا بِي خَلَّةٌ -أَيْ: حَاجَةٌ- أَنْ أَفْتَرِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَسَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَوْدًا وَبَدْءًا".
[الحكم]:
صحيحٌ بما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طش 1847].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا عمرو بن إسحاق، ثنا أبي، ثنا عمرو بن الحارث،
ثنا عبد الله بن سالم، عن الزُّبيدي، ثنا لقمان بن عامر، عن سويد بن جبلة، عن عمرو بن عبسة السلمي، به.
والزبيدي هو محمد بن الوليد، وقد علَّقه عنه البخاري في (التاريخ الكبير 4/ 146) مقتصرًا على أوله.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه أربعُ عللٍ:
الأُولى: عمرو شيخ الطبراني مجهولُ الحالِ كما في (إرشاد القاصي والداني 718).
الثانيةُ: أبوه إسحاق بن زِبْرِيق، يهم كثيرًا، وكَذَّبه محمد بن عوف كما في (التقريب 330).
الثالثةُ: عمرُو بنُ الحارثِ هو الحمصيُّ الزبيديُّ؛ قال عنه الذهبي: تفرَّدَ بالروايةِ عنه إسحاق بن إبراهيم زِبْرِيق، ومولاة له اسمها علوة، فهو غير معروف العدالة. وابن زِبْرِيق ضعيف" (ميزان الاعتدال 3/ 251). وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 5001).
ولكن ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 480) وقال: "روى عنه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زِبْرِيق وأهل بلده، مستقيم الحديث".
ولين توثيقه الذهبي بقوله: "وُثق"(الكاشف 4136).
الرابعةُ: سويدُ بنُ جبلةَ، ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ 4/ 146)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 236)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 325) على قاعدتِهِ في توثيقِ المجاهيلِ. وذكره أبو زرعةَ الدمشقيُّ وغيرُهُ في الصحابةِ، وأنكر ذلك عليه
أبو حاتم الرازي وقال: "ليستْ له صحبةٌ"(الجرح والتعديل 4/ 236)، وقال الدارقطني، وابن منده:"لا يصحُّ له صحبة، وحديثُه مرسلٌ"(الإصابة 5/ 54). وكذا قال غير واحد.
وبقية رجاله ثقات. والحديثُ معناه صحيحٌ بما سبقَ في الروايةِ الأُولى.
رِوَايَةُ وَكَانَتْ صَلاتُهُ نَافِلَةً
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ غُزَاةً، فَلَمَّا صَارُوا بِحِمْصَ دَخَلُوا إِلَى مَسْجِدِهَا وَعَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ فِي جَانِبٍ مِنْهُ يَتَفَلَّى فَأَتَوْهُ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا نِسْيَانَ فِيهِ وَلا زِيَادَةَ. فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدَيْهِ، فَإِذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَامَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ نَافِلَةً
…
».
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ، وثبتَ من حديثِ عثمان رضي الله عنه، مرفوعًا:«مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، وَكَانتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ نَافِلَةً» .
[التخريج]:
[نسخة (هشام ق 103/ ب)].
[السند]:
قال أبو العباس طاهر بن محمد بن الحكم التميمي في (نسخته): نا هشام بن عمار، قال: نا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن أبي إدريس الخولاني به. وفي آخره: "فَقَالوا لَهُ: انْظُرْ مَا تَقُولُ يَا عَمْرُو بْنَ عَبْسَةَ، أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: وَاللَّهِ قَدْ كَبُرَ سِنِّي، وَأَشْرَفْتُ عَلَى قَبْرِي
…
لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ إِلا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ما حَدَّثْتُ عنه، وَلَكِنِّي لَسْتُ أُحْصِرُ مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه خالد بن يزيد هو ابن عبد الرحمن بن أبي مالك أبو هاشم الدمشقي؛ قال ابن حجر: "ضعيفٌ مع كونِهِ كان فقيهًا، وقد اتَّهمه ابن معين"(التقريب 1688).
وقولُهُ في الحديثِ: «فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَقَامَ إِلَى الصَّلاةِ، قَامَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَكَانَتْ صَلاتُهُ نَافِلَةً» غير محفوظ في حديث ابن عبسة، والمحفوظُ عنه ما سبقَ عند مسلمٍ وغيره:«أَنَّ العَبْدَ إِذَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
وإنما صحَّ من حديثِ عثمان رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، وَكَانتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ نَافِلَةً» . أخرجه مسلم (229) وغيره، وسيأتي تخريجه تحت باب (فضل الوضوء والصلاة عقبه).
[تنبيه]:
الحديثُ بهذه السياقةِ التي رواها أبو العباس -عزاه السيوطي في
(الجامع الكبير 7/ 181/ 21738) إلى الطبراني في الكبير والمروزي في الصلاة-، ولم نجدْهُ في المطبوع منهما.
رِوَايَةُ أَيُّ اللَّيْلِ خَيْرُ الدُّعَاءِ؟
• وَفِي رِوَايَةٍ عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ اللَّيْلِ خَيْرُ الدُّعَاءِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ
…
» الحَدِيثَ، وَفَيهِ: "قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الطُّهُورِ، فَقَالَ:«إِذَا مَضْمَضْتَ فَاكَ فَإِنَّكَ تَمُجُّ خَطِيئَتَهُ، وَإِذَا غَسَلْتَ يَدَيْكَ غَسَلْتَ خَطِيئَةَ يَدَيْكَ وأَظْفَارِكَ وَأَنَامِلِكَ، وَإِذَا غَسَلْتَ رِجْلَيْكَ غَسَلْتَ خَطِيئَتَكَ مِنْ بَطْنِ قَدَمَيْكَ، وَإِذَا صَلَّيْتَ فَأَقْبَلْتَ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِكَ كَانَتْ كَفَّارَةً، وَإنْ جَلَسْتَ وَجَبَ أَجْرُكَ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ لينٌ بهذه السياقة.
[التخريج]:
[طس 6964].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي، ثنا خلف بن عبد العزيز بن عثمان بن جبلة، حدثني أبي، عن جدي، ثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير
…
فذكر حديثًا، ثم قال: وبالإسناد: عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو قلابة، أن أبا إدريس الخولاني أخبره أن عمرو بن عبسة أخبره، به.
ثم قال: "لم يَرْوِ هذين الحديثين عن يحيى بن أبي كثير إلا علي بن المبارك، تفرَّدَ بهما عثمان بن جبلة بن أبي رَوَّاد".
[التحقيق]:
إسنادُهُ لينٌ؛ فعبد العزيز بن عثمان مقبول كما في (التقريب 4112).
وابنه خلف قال فيه الخليلي: "يروي عن أبيه وعمه، عن أبيهما عثمان، عن شعبةَ أحاديث غرائب عزيزة عند الحفاظ، حدثنا بعض أصحاب أبي علي الطوسي عن أبي علي، عن خلف بتلك النسخة، وروى نصر الحافظ البغدادي نزيل بخارى عن خلف تلك الأحاديث، ويزيد في الرواية على ما رواه أبو علي، وجملته: أنهم علماء بهذا الشأن"(الإرشاد 3/ 892).
رِوَايَةُ: سَأَلَهُ شُرَحْبِيلُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَأَلَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، هَلْ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ وَلَا تَزَيُّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَنَامِلِهِ، فَإِذَا هُوَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ مَسَامِعِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ، فَإِذَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَنَامِلِهِ، فَإِنْ قَعَدَ عَلَى وُضُوئِهِ فَلَهُ أَجْرُهُ، وَإِنْ قَامَ مُتَفَرِّغًا لصلَاتِهِ انْصَرَفَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الخَطَايَا» .
فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ: يَا عَمْرُو، انْظُرْ مَا تَقُولُ! قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ أَكُنْ لِأُحَدِّثَكُمُوهُ،
…
الحديث.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
[حميد 298].
[السند]:
قال عبد بن حميد: أنا يزيد بن هارون أنا بشر بن نُمير عن القاسم عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه بشر بن نمير القشيريُّ، قال الحافظ:"متروكٌ متهمٌ"(التقريب 706).
ومن مناكيرِهِ في المتنِ قوله: «فَإِذَا هُوَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ
مِنْ مَسَامِعِهِ»!
ومن أخطائِهِ في السندِ، زَعْمُهُ أن السائلَ هو شرحبيلُ بنُ حسنةَ، وهو وهمٌ، وإنما السائلُ شرحبيلُ بنُ السِّمْط كما رواه أبو قلابةَ وغيرُهُ.
رِوَايَةُ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهِ رُوحُهُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَالشَّيْبِ، وَالعِتْقِ، وَفِيهِ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ، وَمَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَا سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ، وَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ تَنَاثَرَتْ مِنْهُ الخَطَايَا وَأَتَاهُ اللهُ خَيْرًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهِ رُوحُهُ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
[عل (جامع 6/ 585)].
[السند]:
رواه أبو يعلى عن أبى خيثمة، عن] جرير [
(1)
،
(1)
تصحف في المطبوع من جامع المسانيد إلى (جبير)، والصوابُ ما أثبتناه، كما عند الطبراني في فضل الرمي وتعليمه (20)، وغيره حيث رواه من طريق ابن راهويه، حدثنا جرير، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن شرحبيل بن السمط، صاحب جلولا: أنه دعا عمرو بن عبسة بين السماطين فقال له: حَدِّثنا بشيءٍ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَلَغَهُ لِلْعَدُوِّ، أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ، كَانَ لَهُ عَدْلُ مُحَرَّرٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ» .
عن ليث، عن [شهر [
(1)
، عن شرحبيل بن السمط، عن عمرو، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
الأُولى: الليثُ بنُ أبي سُليمٍ، ضعيفٌ كما سبقَ مرارًا.
الثانيةُ: شهرٌ، مُتَكَلَّمٌ فيه، وقدِ اضطربَ في هذا الحديثِ:
فمرَّةً يرويه عن عمرِو بنِ عَبَسَةَ بلا واسطة،
ومَرَّةً يرويه عن أبي ظبية عن عمرو،
وثالثة يرويه عن أبي ظبية عن شرحبيل عن عمرو،
ورابعة يرويه عن أبي أمامة من حديثه،
انظر بقيةَ رواياته لهذا الحديث، وروايته لحديث أبي أمامة المخرج في الباب.
الثالثةُ: الانقطاعُ، فشهرٌ لم يسمعْ شرحبيلَ بنَ السمط، فقد ماتَ شرحبيل سنة (40 هـ)، وشَهْرٌ تُوفي سنة (112 هـ) على ما رجَّحَهُ ابنُ حَجرٍ، فيكون بينه وبين شرحبيل (72 هـ) سنة، وقد ذكروا أن روايةَ شهر عن تميم الداري وعبد الله بن سلام مرسلة، وقد ماتَ تميم سنة (40 هـ) والثاني بعد الأربعين، وقد سبقَ أنه رواه مَرَّةً عن أبي ظبيةَ عن شرحبيل، وهذا دليلٌ على أنه لم يسمعه منه.
(1)
تصحف في المطبوع إلى (بهز)، والصوابُ ما أثبتناه، والليثُ لا يَروي عن بهزٍ، وانظر التعليقَ السابقَ.
رِوَايَةُ: كَانَتَا كَفَّارَةً:
[قَالَ أَيُّوبُ: قُلْتُ لأبِي قِلَابَةَ: رَكْعَتَيْنِ؟! قَالَ: أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: فَيُخْلِصُ فِيهِمَا قَلْبُهُ لِلَّهِ عز وجل"؟]. وفي أوله قصة.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
[عب 154 (واللفظ له) / حميد 302/ طهور 4 (مختصرًا) / أيوب 50 (والزيادات والروايتان له)].
[التحقيق]:
انظره عقب السياقة بعد التالية:
رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
[طح (1/ 37) (واللفظ له) / طحق 47/ ص (كبير 1/ 377)].
[التحقيق]:
انظره عقب السياقة التالية:
رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقة.
[التخريج]:
[ك 460].
[التحقيق]:
مداره على أبي قلابةَ، وقد اختُلف عليه فيه على وجوهٍ:
الوجهُ الأولُ:
أخرجه عبدُ الرزاقِ -وعنه ابن حميد-: عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن عبسة، قال - (يعني: أبا قلابة) -: "كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ، إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنْ يُحَدِّثُنَا حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا. قَالَ: هِيْ، لِلَّهِ أَبُوكَ وَاحْذَرْ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيَامَةِ» قَالَ: هِيْ، لِلَّهِ أَبُوكَ وَاحْذَرْ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ رَمَى سَهْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ» قَالَ: هِيَ، لِلَّهِ أَبُوكَ وَاحْذَرْ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَتَيْنِ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوَيْنِ مِنْهُمَا عُضْوَيْنِ مِنْهُ مِنَ النَّارِ» قَالَ: هِيَ، لِلَّهِ أَبُوكَ وَاحْذَرْ. قَالَ: وَحَدِيثًا لَوْ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا لَمْ
أُحَدِّثْكُمُوهُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ
…
» الحديث بلفظ السياقة الأُولى دون الزيادات، وفي آخره: قَالَ: هِيْ، لِلَّهِ أَبُوكَ وَاحْذَرْ، حَدِّثْ وَلَا تُخْطِئْ.
ورواه أبو عبيد في (الطهور) قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن عبسة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في فضل الوضوء وصلاة الركعتين نحو ذلك. قال: قال أيوبُ: فقلتُ لأبي قلابةَ: ركعتين؟ قال: ومن يطيق ركعتين؟ !
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ، غير أنه منقطعٌ بين أبي قلابةَ وعمرِو بنِ عبسةَ؛ فأبو قلابة -عبد الله بن زيد الجرمي- لم يدرك عمرَو بنَ عبسةَ؛ ولذا قال ابن عساكر والمزيُّ في ترجمة عمرو بن عبسة:"روى عنه أبو قلابة الجرميُّ مرسلًا"(تاريخ دمشق 46/ 249)، و (التهذيب 22/ 120).
ويؤيدُ ذلك الوجه التالي:
الوجه الثاني:
رواه الطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 37)، و (أحكام القرآن 47) من طريق عبيد الله بن عمرو الرَّقي عن أيوب، عن أبي قلابة، عن شرحبيل بن السِّمط، أنه قال: مَنْ يُحَدِّثُنَا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمرُو بنُ عبسةَ: سَمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
…
الحديث بلفظ السياقة الثانية.
فأَدخلَ بينَ أبي قلابةَ وعمرِو بنِ عبسةَ شرحبيلَ بنَ السمط. ورجال إسناده ثقات، غير أنه منقطعٌ أيضًا، فأبو قلابةَ لم يسمعْ من شرحبيل، فقد ذكروا أنه لم يسمعْ من عليٍّ ومعاويةَ وابنِ عمرَ وغيرِهِم رضي الله عنهم، بل قال أبو حاتم:"لم يدركْ زيد بن ثابت"(المراسيل 173).
وزيد بن ثابت أقل ما قيل في سنة وفاته أنها كانت سنة (45 هـ) (تهذيب
التهذيب 5/ 226)، فكذلك من باب أولى ألا يدرك شرحبيل بن السمط، فقد توفي سنة (40 هـ)(التقريب 2766).
وقد روى ابن عساكر في (تاريخ دمشق 22/ 461) من طريقِ أبي نعيم ثنا عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة: "أن شرحبيل بن السمط قَدِم الكوفةَ فاستعلاه بها رجلٌ من قومِهِ فانتقلَ إلى حمص فقال: لا أكونُ بأرضٍ أنتَ بها".
هكذا أرسله، وهو جزءٌ من الروايةِ كما تراه في:
الوجه الثالث:
رواه إسماعيلُ القاضي في (حديث أيوب السختياني 50) من طريقِ حمادِ بنِ زيدٍ عن أيوبَ، عن أبي قلابةَ: أن رجلًا من أهلِ اليمنِ يقالُ له: شرحبيلُ، الذي يقالُ له: ابن السِّمط، كان بالكوفةِ، فاعتلاه رجلٌ من قومِهِ فحلف لا يساكنه بأرضٍ هو بها، فأتى الشامَ فكانَ فيها، فكانَ يومًا جَالسًا وعنده ناسٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ يُحَدِّثُنِي حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: أَنَا. قَالَ: إِيهًا لِلَّهِ أَبُوكَ وَاحْذَرْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
…
فَذَكَرَ الحديثَ بنحو رواية مَعْمَرٍ مع الزياداتِ والروايتينِ، وجَاءَ فيه بعد قَولِهِ:«مَنْ أَعْتَقَ [رَقَبَةً] مُسْلِمَةً فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ» ، قال: أحسبه قال: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ فَهُمَا فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ بِكُلِّ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمٌ مِنْهُ» ، قَالَ أَيُّوبُ:"كَأَنَّهُ يعني: امرأتين".
فَتَبَيَّنَ بروايةِ أبي نُعَيمٍ عن الرقي عن أيوبَ، وبروايةِ حمادِ بنِ زيدٍ عن أيوبَ - أن أبا قلابةَ أرسلَ الحديثَ عن شرحبيلَ بنِ السِّمط، ولم يذكرْ عمَّن تحمله، وقد
وافقهما على هذا الإرسالِ حمادُ بنُ سلمةَ إلا أنه وَهِمَ في تسميةِ صاحب القصة:
فرواه الحاكمُ (1/ 460)، والطحاويُّ في (المشكل 732)، والأصبهانيُّ في (الترغيب 2221) من طريقِ حمادِ بنِ سلمةَ عن أيوبَ، عن أبي قلابةَ، قال: قال شُرَحْبِيلُ بنُ حَسَنَةَ: مَن رجل يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ . فقال عمرو بن عبسة: "أنا"
…
فذكر الحديث، إلا أن الطحاويَّ والأصبهانيَّ اقتصرا على مسألة العتق، واقتصر الحاكم على مسألة الوضوء بلفظ السياقة الثالثة.
وأبو قلابة لم يدرك شرحبيل بن حسنة أيضًا، ولكن ذِكره هنا وهم من حماد بن سلمة، والمحفوظُ أن السائلَ هو ابن السمط كما رواه الرقي وحماد بن زيد وقد قال ابن معين:"حماد بن زيد، ثقة عن أيوب، أعلمُ الناس بأيوبَ، مَن خالفه في أيوبَ فليس يَسْوَى فلسًا"(التاريخ برواية ابن محرز 368 ط. الفاروق).
وقال أيضًا: "مَن خالفه مِن الناسِ جميعًا في أيوبَ، فالقولُ قولُهُ"(التاريخ برواية الدوري 4021).
وعليه، فالمحفوظُ عن أيوبَ ما رواه عنه حمادُ بنُ زيدٍ، عن أبي قلابةَ: أن شرحبيل بن السمط سأل عمرو بن عبسة. وهو ضعيفٌ لانقطاعه بين أبي قلابة وبين شرحبيل وعمرو معًا.
والشطر الأول من الحديث في الرمي بالسهم، والشيب، والعتق ثابت عن عمرو بن عبسة دون قوله:«مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَتَيْنِ -أو: رَقَبَتَيْنِ-» ، فقد رواه أحمد (17022، 19428)، وأبو داود (3965) من طريق قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن أبي نَجيحٍ السُّلميِّ (وهو
عمرو بن عبسة) قال: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِصْنَ الطَّائِفِ أَوْ قَصْرَ الطَّائِفِ، فقال:«مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل، فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الجَنَّةِ» ، فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا. «وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل فَهُوَ لَهُ عِدْلُ مُحَرَّرٍ. وَمَنْ أَصَابَهُ شَيْبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل فَهُوَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا، جَعَلَ اللَّهُ عز وجل وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهِ مِنَ النَّارِ. وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل جَاعِلٌ وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهَا مِنَ النَّارِ» .
ورواه الترمذيُّ (1734) مقتصرًا على الرمي بالسهم، ثم قال:"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، وانظر حديثَ كعب بن مُرَّة الآتي تخريجه في الباب قريبًا.
والشطر الثاني من الحديثِ في الوضوءِ ثابتٌ دون قوله: «مِنْ بَاطِنِهِمَا، -أو: مِنْ بُطُونِ قَدَمَيْهِ-» ، وقوله:«فَإِنْ أَتَى مَسْجدًا فَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فِيهِ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ [يُخْلِصُ فِيهِمَا لِلَّهِ عز وجل] كَانَتَا كَفَّارَةً» .
فقد سبقَ من طُرُقٍ صِحاحٍ بلفظ: «خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ. فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
رِوَايَةُ: وَإِنْ قَعَدَ سَالِمًا
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي طَيْبَةَ قَالَ: إِنَّ شُرَحْبِيلَ بنَ السِّمْطِ دَعَا عَمْرَو بنَ عَبَسَةَ السُّلَمِيَّ فَقَالَ: يَا ابنَ عَبَسَةَ، هَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهِ تَزَيُّدٌ وَلَا كَذِبٌ وَلَا تُحَدِّثْنِيهِ عَنْ آخَرَ سَمِعَهُ مِنْهُ غَيْرُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
…
الحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالعِتْقِ، وَالشَّيْبِ، وَالرَّجُلِ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، وَفِيهِ:«وَأَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وَضُوءٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَأَحْصَى الوَضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ، سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَوْ خَطِيئَةٍ لَهُ. فَإِنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَهُ اللَّهُ عز وجل بِهَا دَرَجَةً، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا» .
فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بنُ السِّمْطِ: "أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا ابْنَ عَبَسَةَ؟. قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَوْ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ -فَانْتَهَى عِنْدَ سَبْعٍ- مَا حَلَفْتُ -يَعْنِى مَا بَالَيْتُ- أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِهِ أحدًا مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي عَدَدَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[حم 19439/ حميد 304].
[السند]:
قال أحمد: ثنا هاشم حدَّثني عبد الحميد حدَّثني شهر حدَّثني أبو طيبة به، وفي أولِهِ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَلَغَ - مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا -
فَلَهُ مِنَ الأَجْرِ كَرَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ فَهِيَ لَهُ نُورٌ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَكُلُّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقِ فِدَاءٌ لَهُ مِنَ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَكُلُّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقَةِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقَةِ فِدَاءٌ لَهَا مِنَ النَّارِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَدَّمَ لِلَّهِ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَلَاثًا لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ أَوِ امْرَأَةٍ فَهُمْ لَهُ سُتْرَةٌ مِنَ النَّارِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وَضُوءٍ
…
» الحديث.
ورواه عَبدُ بنُ حُميدٍ عن أحمد بن يونس ثنا عبد الحميد بن بهرام ثنا شَهْرٌ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه شهر بن حوشب، وهو مختلفٌ فيه، وقال ابن حجر ملخصًا حاله:"صدوقٌ، كثيرُ الإرسالِ والأوهامِ"(التقريب 2830).
وقدِ اضطربَ في هذا الحديثِ: فمرَّةً يرويه عن عمرو بن عبسة بلا واسطة، ومَرَّةً يرويه عن أبي ظبية عن عمرو، وثالثة يرويه عن أبي ظبية عن شرحبيل عن عمرو، ورابعة يرويه عن أبي أمامة من حديثه، وهذا الوجه يرويه عنه ابنُ بَهْرَامَ أيضًا! انظر حديثَ أبي أمامة المخرج في الباب.
* فأما أبو طيبة الكَلاعي -ويقال: "أبو ظبية"، وهو الصحيح- فمن كبار التابعين، وقد وَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وقال الدارقطنيُّ:"ليس به بأس"، (الجرح والتعديل 9/ 399)، و (تهذيب التهذيب 12/ 140)، وقيل: له إدراك، (الإصابة 10210)، ومع كلِّ ذلك قال عنه الحافظ:"مقبولٌ"(التقريب 8192)، وهذا منه غير مقبول.
والحديثُ ثابتٌ عن عمرٍو من طُرقٍ أُخرى كما سبقَ دونَ قولِهِ: «مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ»، وقوله:«وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَدَّمَ لِلَّهِ عز وجل مِنْ صُلْبِهِ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، أَوِ امْرَأَةٍ، فَهُمْ لَهُ سُتْرَةٌ مِنَ النَّارِ» ، ودونَ قولِهِ:«فَإِنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَهُ اللَّهُ عز وجل بِهَا دَرَجَةً، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا» .
وقد ذكره الألبانيُّ بطولِهِ في (الصحيحة 1756) من طَريقِ شَهْرٍ، ثم قال:"هذا إسنادٌ لا بأسَ به في الشواهدِ، رجالُهُ ثقاتٌ غير شهر بن حَوشب فإنه سيئُ الحفظِ، لاسيما وقد قال الإمامُ أحمدُ: "لا بأسَ بحديثِ عبد الحميد بن بَهْرَامَ عن شَهْرٍ"، وقد وجدت الحديث مُفَرَّقًا من غير طريقه إلا الجملة الأخيرة منه، فإني لم أجدْ له فيها مُتَابِعًا من حديثِ عمرِو بنِ عَبَسَةَ، وإنما من حديثِ أبي أمامةَ"(الصحيحة 4/ 350).
قلنا: وشاهدُ أبي أمامةَ المشار إليه اختلفَ في وقفه ورفعه؛ فوقفه أبو غالب، ورفعه شهر بن حوشب، إذن فالشاهدُ المرفوعُ من روايةِ شَهْرٍ أيضًا! فكيف يُستشهدُ لشهرٍ بشهرٍ نفسه؟ ! فهذا لا يصحُّ، لاسيما وهو نفسُ الحديثِ، اضطربَ فيه شهرٌ، وقد رواه غيرُهُ منَ الضعفاءِ كما سيأتي بيانُهُ تحتَ حديثِ أبي أمامةَ قريبًا.
وأما الفقرةُ الخاصةُ بمن قَدَّمَ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، فقد صححها الشيخُ بما رواه أحمدُ (19437) من طريقِ الفرج بن فَضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة بنحوه، وحَسَّنَهُ، وليس بحسن، فالفرجُ بنُ فَضالةَ ضعيفٌ.
نعم، هي صحيحةٌ من غيرِ حديثِ عمرٍو، فقد أخرج البخاري (1251)، ومسلم (2632)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ، إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ» قَالَ البخاريُّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71].
وأخرج البخاري (101)، ومسلم (2633)، عن أبي سعيد الخدري: قَالتِ النِّسَاءُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكِ! فَوَعَدَهُنَّ يَومًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ:«مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فقال: «وَاثْنَتَيْنِ» .
رِوَايَةُ ذَهَبَ الإِثْمُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ:
• عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: أَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يَتَفَلَّى فِي جَوْفِ المَسْجِدِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَضَّأَ المُسْلِمُ [فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ] ذَهَبَ الإِثْمُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» . قَالَ: فَجَاءَ أَبُو ظَبْيَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُنَا، فَقَالَ: ما حَدَّثَكُمْ؟ فَذَكَرْنَا لَهُ الَّذِي حَدَّثَنَا. قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ ذَكَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَزَادَ فِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَبِيتُ عَلَى طُهْرٍ ثُمَّ يَتَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَذْكُرُ وَيَسْأَلُ اللهَ عز وجل خَيْرًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلَّا آتَاهُ اللهُ عز وجل إِيَّاهُ» .
[الحكم]:
الشطرُ الأولُ في ذَهابِ الإثمِ بالوضوءِ صحيحٌ بما سبقَ، والشطرُ الثاني في المبيتِ على طهارةٍ إنما ثبتَ عن مُعَاذٍ رضي الله عنه، وهذا السياقُ إسنادُهُ ضعيفٌ، وقد حَسَّنَهُ الهيثميُّ والعراقيُّ.
[التخريج]:
[كن 10753، 10754 (والزيادة له ولغيره) / حم 17021 (واللفظ
له) / طب 7564/ طس 1505، 4439/ تخ (9/ 47) / ني 1249/ زهر 170/ كك (ق 259 أ) / كر (66/ 354، 355)].
وبعضُ المصنفين اقتصر على الشطر الثاني، وهم:[كن 10755، 10756/ طع 126، 127/ طح (1/ 87) / طهور 66/ خط (8/ 605) / متفق 191/ حل (9/ 319) / فكر (3/ 84)].
[السند]:
أخرجه أحمد في (مسنده) قال: حدَّثنا أسود بن عامر، قال: حدَّثنا أبو بكر -يعني ابنَ عياشٍ-، عن عاصم، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة بشطره الأول، ثم رواه شهر عن أبي ظبية عن عمرو بالشطرين معًا.
ورواه أحمد وغيرُهُ من طرقٍ أُخرى عن عاصمٍ مقتصرًا على حديث أبي أمامة، وسيأتي تخريجُهُ قريبًا.
وعاصمٌ هو ابنُ أبي النَّجَودِ، وقد توبعَ:
فرواه الروياني في (مسنده)، والطبراني في (الكبير والأوسط)، والبخاري في (الكبير/ معلقًا)، وأبو أحمد الحاكم في (الكنى)، وأبو الفضل الزهري، وابن عساكر، من طُرقٍ عن شِمْر بن عطية عن شَهْرٍ به.
ورواه النسائيُّ وغيرُهُ من طُرقٍ أُخرى عن شمر به في المبيت طاهرًا فقط.
وقد جعله بعضهم من رواية عاصم عن شمر، ليس متابعًا له.
أخرجه النسائيُّ في (الكبرى 10753) عن هلال بن العلاء عن أبيه -وهو العلاء بن هلال الرقي- عن عبيد الله -وهو ابنُ عمرٍو الرقيُّ- عن زيد -وهو ابنُ أبي أُنيسةَ- عن عاصم عن شمر عن شهر به.
وهذا وهمٌ بلا شك، وَهِم فيه العلاءُ بنُ هِلالٍ الرقيُّ، ففيه لِينٌ (التقريب 5259).
وقد خولف فيه أيضًا:
فرواه أبو عبيد في (الطهور 20، 66) عن علي بن مَعْبَد المصريِّ عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن عاصم، عن شهر بن حوشب به، مقتصرًا في الموضع الأول على حديث أبي أمامة، وفي الموضع الثاني على حديث عمرو.
وابنُ مَعْبَد هذا هو الرقي الكبير، وهو ثقة كما في (التقريب 4801)، ولم يذكر فيه شمر، موافقًا لما رواه أصحاب عاصم عنه عن شهر بلا واسطة.
إذن، فالحديثُ مدارُهُ عندهم على شَهْرٍ، رواه عنه شمر وعاصم.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه شهرُ بنُ حَوشَبٍ، وهو مختلفٌ فيه، وقال ابن حجر ملخصًا حاله:"صدوقٌ، كثيرُ الإرسالِ والأوهامِ"(التقريب 2830).
قلنا: ومع ذلك، فقدِ اضطربَ شهرٌ في هذا الحديثِ، وخُولِفَ فيه ممن هو أوثقُ منه:
فأما اضطرابُهُ فيه فقد سبقَ بيانُ بعضه، ومن ذلك أيضًا: أنه فَرَّقَ هنا بين الشطر الأول في ذهاب الإثم بالوضوء فجعله من حديث أبي أمامة، بينما جعله مع الشطر الثاني في المبيت على طهارة من حديثه عن أبي ظبية عن عمرو بن عبسة.
هكذا رواه عاصم وشمر بن عطية عن شهر.
بينما رواه العوام بن حوشب -وهو ثقةٌ ثبتٌ من رجال الشيخين-، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة قَالَ:«إِذَا آوَى الرَّجُلُ إِلَى فِرَاشِهِ عَلَى طُهْرٍ فَذَكَرَ اللَّهَ حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ، وَكَانَ أَوَّلُ مَا يَقُولُ حِينَ يَسْتَيْقِظُ: سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ اغْفِرْ لِي؛ انْسَلَخَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا تَنْسَلِخُ الحَيَّةُ مِنْ جِلْدِهَا» . خرَّجه ابنُ أبي شيبةَ (1276) عن يزيد بن هارون عن العوام به.
فأَسقطَ منه أبا ظبية! -فصارَ مُنقطعًا- وأَوقفه على عمرٍو بلفظٍ آخر!
وروى بعضُهم حديثَ المبيتِ طاهرًا عن شَهْرٍ فجعله من حديثِ أبي أمامة أيضًا، وسنخرجه قريبًا.
فأما ما رواه الطبرانيُّ في (الدعاء 127) من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، وأبي أمامة رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ بَاتَ عَلَى طَهَارَةٍ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ عز وجل يَتَعَارُّ مِنَ اللَّيْلِ يَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل شيئًا مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» .
فهذا من أوهام حفص، فالحديثُ محفوظٌ عن الأعمش من رواية جرير وأبي الأحوص وغيرهما عنه، عن شمر عن شهر عن أبي ظبية، عن عمرو بن عبسة في المبيتِ على طهارةٍ، وبَيَّن جريرٌ وغيرُهُ أن روايتَهُ عن أبي أمامة في ذهاب الذنوب فقط.
وأما بيانُ مخالفة شهر فيه لمن هو أوثق منه: ففي حديثه عن أبي ظبية قد خالفه ثابتٌ البُنانيُّ، فرواه عن أبي ظبية عن معاذٍ مرفوعًا.
وكذا رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النَّجُود عن شهر، فجعله من حديث معاذ أيضًا.
وهذا وهمٌ من حمادٍ أوِ اضطرابٌ من عاصمٍ، وفي حفظِ كلّ منهما مقالٌ،
والمشهورُ عن عاصمٍ أنه جعله من حديث عمرو بن عبسة، كذا رواه عنه زائدةُ وزيد بن أبي أُنيسة وأبو بكر بن عياش وغيرُهُم.
والشاهدُ هنا أن ثابتًا البنانيَّ خالفَ شَهْرًا، وجعله من حديث معاذ، وهو الصحيحُ، وقد خرجناهما تحت باب "الوضوء عند النوم"، وذكرنا هناك قولَ ابنِ حَجرٍ:((لعلَّ أبا ظبية حمله عن معاذٍ وعن عمرو بنِ عبسة، فإنه تابعيٌّ كبيرٌ شَهِدَ خطبةَ عمرَ بالجابيةِ، وسكن حِمْصَ، ولا يُعرفُ اسمه، واتفقوا على توثيقه)) (نتائج الأفكار 3/ 84).
قلنا: ليس الشأنُ في أبي ظبية، وإنما في شَهْرٍ، فلو كانتْ حالُهُ تحتملُ هذا الاختلاف لكان الجمع حسنًا، وقد أشارَ ابنُ حجر نفسُهُ قبل هذا بقليل إلى أن حالَهُ لا تحتملُ، فقال:"وشهرٌ فيه مقالٌ، واختُلِفَ عليه في سندِهِ"(النتائج 3/ 82).
هذا وقد حَسَّنَ حديثَ شهرٍ هذا، كلُّ من العراقيِّ، وتلميذِه الهيثميّ.
فقال العراقيُّ: ((وعند الطبراني في (الأوسط) عن أبي أمامة، والخطيب في (المتفق والمفترق) عن عمرو بن عبسة بسندٍ حسنٍ: «مَنْ بَاتَ طَاهِرًا
…
» إلخ))، (تخريج أحاديث الإحياء ط. دار العاصمة 321).
وقال الهيثميُّ: ((رواه أحمدُ والطبرانيُّ في (الكبير والأوسط) بنحوه، وقال فيه: «مَنْ بَاتَ طَاهِرًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ
…
» وإسنادُهُ حسنٌ)) (مجمع الزوائد 1130).
وانظر (باب الوضوء للنوم).
1386 -
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ:
◼عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَضْمَضَ أَحَدُكُمْ فَاهُ، حُطَّ مَا أَصَابَ بِفِيهِ، وَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ حُطَّ مَا أَصَابَ [بـ] وَجْهَهُ، وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ حُطَّ مَا أَصَابَ بِيَدِ [يـ]ـهِ، [وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ]، وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ حُطَّ مَا أَصَابَ بِرِجْلَيْهِ» .
فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ ذَلِكَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا أَبَا أُمَامَةَ، صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ مَا تَقُولُ! ! فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ:«لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ من حديثِ عمرِو بنِ عَبَسَةَ، فأما من حديث أبي أمامة فإسنادُهُ ضعيفٌ، ولا يثبتُ من حديثِهِ، وإنما سمعه أبو أمامة من عمرٍو.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأُولى: [طب 7983 (واللفظ له) / طس (مجمع البحرين 386) (والزيادات له) / زيد (ق 23/ أ - ب)].
تخريج السياقة الثانية: [طب 7984 (واللفظ له) / طس 4440 (والزيادة له ولغيره) / زهر 171].
[التحقيق]:
الحديثُ بالسياقتين مداره عندهم على سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة، وفيه علتان:
الأُولى: الانقطاعُ؛ فسالم بن أبي الجعد وإن أدركَ أبا أمامة كما قاله أبو حاتم في (المراسيل 290)، فلا يثبتُ سماعه منه، وقد سأل الترمذيُّ البخاريَّ فقال له: سالم بن أبي الجعد سمع من أبي أمامة؟ فقال: "ما أرى"(العلل الكبير صـ 386).
وقد وقعَ التصريحُ بالتحديثِ منه في روايةٍ عند الحاكمِ في (المستدرك 1915) -وعنه البيهقيُّ في (الدعوات الكبير 152) - قال: حدَّثنا محمد بن صالح بن هانئ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا أبو عَوانة، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، قال: حدَّثنا أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ اللهُ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ اللهُ. .. » الحديث.
والتصريحُ بالتحديثِ هنا وهمٌ؛ فقد رواه أحمد في (المسند 22144) عن أبي الوليد الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن سالم، أن أبا أمامة حَدَّثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
…
الحديث.
وأحمدُ أثبتُ مِن كلِّ مَن خالفه. والله أعلم.
ومما يؤكِّدُ عدم سماعه من أبي أمامة أنه يقول في بعضِها: "ذُكر لي عن أبي أمامة" كما عند أحمد في (المسند 22173)، من رواية شعبة عن منصور عن سالم.
العلةُ الثانيةُ: عدمُ ثُبوتِهِ عن سالم بن أبي الجعد؛ فقد رُوي عنه من طريقين:
الطريق الأول: مداره على عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مُرَّة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة، به بلفظِ السياقةِ الأُولى.
وفي ثبوتِ هذا الطريقِ عن عبيد الله بن عمرو الرقيِّ نظرٌ، فقد رُوي عنه من ثلاثةِ وُجوهٍ:
الوجه الأول:
رواه الطبرانيُّ في (الكبير 7983) قال: حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا علي بن يزيد، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن عمرو بن مُرَّة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة الباهلي به.
كذا وقعَ فيه: "علي بن يزيد"، ولم نعرفه، والأقرب أنه تحريف، وصوابه "علي بن معبد"
(1)
، وهو الرقيُّ الكبيرُ، ثقةٌ كما في (التقريب 4801)، فهذا هو المذكورُ في شيوخِ القراطيسيِّ، وتلاميذ عبيد الله الرقي، فإن صحَّ ذلك، فقد خولف فيه القراطيسي، وإلا كان الخلافُ من ابن يزيد ذاك؛ فقد رواه أبو عبيد في (الطهور 20) عن علي بن معبد المصري -وهو الرقي الكبير- عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن عاصم، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، به مختصرًا.
وهذا أَوْلى بالصوابِ من روايةِ الطبرانيِّ، فعادَ الحديثُ من هذا الوجهِ إلى شهرٍ، وهو مختلفٌ فيه، وقد اضطربَ في الحديثِ وخُولِفَ فيه كما بَيَّنَّاهُ عقب روايته للحديث.
(1)
ويؤيده ما في المعجم الكبير: (11020)، (17/ 207/ 559)، (20/ 405/ 967)، وغير ذلك من المواضع كثير جدًّا.
الوجه الثاني:
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) -كما في (مجمع البحرين 386) - عن أحمد بن إسحاق الخشاب الرقي ثنا عبد الله بن جعفر ثنا عبيد الله بن عمرو
…
به بمثل رواية القراطيسي.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ سوى الخشابِ، وقد قال فيه الخطيبُ:"كان حسن الحديث"(تاريخ بغداد 5/ 47).
ولذا قال الهيثميُّ: "رواه الطبراني في (الأوسط) ورجاله رجال الصحيح"(مجمع الزوائد 1123).
وقال السيوطي: "أخرجه الطبراني في (الأوسط)، بسندٍ صحيحٍ"(الدر المنثور 3/ 32).
قلنا: فَاتَهُم أنه منقطعٌ كما سبقَ، ثم إن عبد الله بن جعفر وإن كان ثقةً فقد تغيَّرَ بأخرة؛ ولذا قال النسائي:"ليس به بأس قبل أن يتغيَّرَ".
وقد رواه أبو عبيد كما سبقَ عن علي بن معبد الرقي عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عاصم، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، به مختصرًا.
وليست رواية الخشاب عن ابن جعفر عن الرقي بأَولى من رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن الرقي.
الوجه الثالث:
رواه أبو القاسم الأسدي -المعروفُ بابنِ البُنِّ- في (الخامس من حديث زيد بن أبي أنيسة ق 23/ أ- ب): عن أبي القاسم علي المصيصي،
عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، عن خيثمة بن سليمان، عن هلال بن العلاء الرقي قال: نا أبي، وعبد الله بن جعفر، قالا: نا عبيد الله، عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة الباهلي به.
وأبو القاسم ابن البُنِّ هذا قال فيه السمعاني: "كان شيخًا مستورًا، ولم يكن بذاك؛ لأن صاحبنا أبا القاسم علي بن الحسن الدمشقي كان سيئَ الرأي فيه"(المنتخب من معجم شيوخ السمعاني 1/ 699).
قلنا: وقد خولف في سندِهِ:
فرواه الصابوني في (الأربعون المنتقاة 20) من طريقِ أبي القاسم الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي، عن أبي القاسم المصيصي، بإسناده إلى هلال بن العلاء الرقي، ثنا أبي، ثنا عبيد الله، عن زيد، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة به، وعن أبي ظبية عن عمرو بن عبسة به مختصرًا أيضًا، بنحو رواية ابن سلام عن الرقي.
والخضر هذا قال فيه السمعاني: "شيخٌ صالحٌ صدوقٌ، حسن السيرة، كتبتُ عنه أجزاءَ بدمشقَ، منها جزء من حديث زيد بن أبي أنيسة من جمع هلال بن العلاء الرقي"(المنتخب من معجم شيوخ السمعاني 1/ 769).
وروايته هي الصواب، فقد رواه النسائي عن هلال عن أبيه به مثله، وسندُهُ ضعيفٌ لضعفِ العلاءِ، وقد أخطأَ فيه أيضًا كما بَيَّنَّاهُ تحتَ حديث عمرو بن عبسة.
وعليه فقد عادَ الحديثُ من هذا الوجه أيضًا إلى روايةِ شَهرٍ!
ويحتملُ أن يكون هو الواسطة في الوجهِ المنقطعِ المرويِّ عن سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة. هذا إن ثبتت الروايةُ عن الرقي عن زيد عن عمرو عن سالم كما سبق.
وقد رُوي عن سالمٍ في هذا البابِ وجوه كثيرة، منها:
منها ما رواه أحمد (18059) وغيرُهُ من طريق منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مُرَّةَ بنِ كعبٍ -أو: كعب بن مُرَّة- السُّلمي، رفعه مطولًا في الوضوء وغيره، وسيأتي تخريجه.
ورواه أحمد (18061) وغيره من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، قال: قال رجلٌ لكعب بن مُرَّة -أو: مُرَّة بن كعب- وذكر الحديث دون الوضوء. وهذا أعلَّه أبو داود بأن سالمًا لم يسمع من شرحبيل، ورواية شرحبيل هذه عند شهر، لكنه جعلها من حديث عمرو بن عبسة كما سبق.
وكذا رواه قتادة عن سالم عن معدان، عن عمرو بن عبسة، وهذا الوجه هو الذي رجَّحَهُ الألباني في (الصحيحة 6/ 218).
وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا هو نفسُ الحديثِ الذي يرويه أهلُ الكوفةِ من حديث كعب بن مرة، ويرويه الشاميون من حديث شرحبيل عن عمرو.
والحديثُ عن عمرو بن عبسة ثابتٌ، وقد رواه عنه أبو أمامة، وأخذه عنه ستةٌ من الثقات (شداد بن عبد الله، ويحيى بن أبي كثير، وسليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، ونعيم بن زياد، وأبو سلام الحبشي) رووه جميعًا عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة كما سبقَ، وذكروا فيه جميعًا أن أبا أمامة
استغربَ هذا الحديثَ، واستكثرَ هذا الفضلَ الكبيرَ على هذا العملِ القليلِ؛ ولذا راجعَ فيه عمرَو بنَ عبسةَ، ليتثبت مما يقولُ.
وهذا دليلٌ كَافٍ على أن أبا أمامةَ لم يسمعْ هذا الحديث من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإن كانتِ الروايةُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم محفوظة، فهو من مراسيلِ الصحابةِ، والله أعلم.
الطريق الثاني:
رواه الطبراني في (الكبير 7984)، وفي (الأوسط 4440)، وأبو الفضل الزهري في (حديثه 171) من طريق أبي فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدَّثني أبي عن أبيه عن زيد بن أبي أنيسة وعبد الله بن علي، عن عدي بن ثابت عن سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة به، بلفظ السياقة الثانية، وزادَ أبو الفضل في آخره: قال سالمٌ: فقلتُ: يا أبا أُمامةَ، انظرْ ما تقولُ، فإنَّا قَدْ أَدْرَكْنَا رِجَالًا، فما سَمِعْنَاهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ أبو أُمَامةَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ.
وهذا وجهٌ ثالثٌ عنِ ابنِ أَبي أُنيسةَ! تفرَّدَ به أبو فروةَ، قال الطبراني عقبه:((لم يَرْوِ هذه الأحاديث عن عبد الله بن علي -وهو أبو أيوب الإفريقي- إلا أبو فروة يزيد بن سنان، تفرَّدَ به أبو فروة يزيد بن محمد بن سنان)).
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فهو مع انقطاعِهِ فيه أبو فروة يزيد بن سنان، ضَعَّفَهُ جمهورُ النقادِ، بل قال فيه النسائيُّ والدارقطنيُّ:"متروك"(سؤالات البرقاني 560)، و (تهذيب التهذيب 11/ 336).
وابنُه محمد بن يزيد لَيَّنه الجمهورُ؛ ولذا قال فيه ابنُ حجر: "ليس بالقوي"(التقريب 6399).
ومع ذلك كلِّه قال الدارقطني: "وهو إسنادٌ حسنٌ غريبٌ"! ! (العلل 6/ 265).
ولعلَّه يعني بالحسن معنى غير المعنى الاصطلاحي، والله أعلم.
وقد رواه أبو فروة يزيد بن محمد الرهاويُّ على وجه آخر:
فرواه الطبراني في (الأوسط 4439)، وأبو الفضل الزهري (70) من طريق أبي فروة قال: حدثني أبي، عن أبيه قال: نا زيد بن أبي أنيسة وعبد الله بن علي، عن عمرو بن مرة، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة الباهليِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ مَسَامِعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» .
فعادَ الحديثُ من هذا الطريقِ إلى شَهْرٍ أيضًا.
وانظرِ الكلامَ على رواياتِ شَهرٍ فيما يلي.
رِوَايَةُ: وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وَضُوئِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِنْ كَفَّيْهِ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ. فَإِذَا مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِنْ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ. فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ. فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ هُوَ لَهُ، وَمِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . قَالَ: «فَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَتَهُ، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا اللفظِ، والمحفوظُ عن أبي أُمامةَ أنه أَخذَهُ عن عمرو بن عبسة بلفظ آخر.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 22267].
تخريج السياقة الثانية: [طش 2943].
[السند]:
رواه أحمد قال: ثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، حدثني أبو أمامة به، بلفظ السياقة الأُولى.
ورواه الطبراني في (مسند الشاميين) من طريق أبي اليمان عن شعيب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي، حدثني شهر بن حوشب به مختصرًا، بلفظ السياقة الثانية.
فمداره عندهما على شَهْرٍ.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، فيه شهرُ بنُ حَوشَبٍ، وهو مختلفٌ فيه، وقال ابنُ حَجرٍ ملخصًا حاله:"صدوقٌ، كثيرُ الإرسالِ والأوهامِ"(التقريب 2830).
قلنا: ومع ذلك فقدِ اضطربَ شهرٌ فيه:
فقد رواه أحمدُ (19439) بالإسنادِ السابقِ أيضًا عن شَهْرٍ عن أبي (ظبية) قال: إن شرحبيل بن السمط دَعَا عَمْرَو بنَ عَبَسَةَ السُّلَمِيَّ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَسَةَ، هَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
؟ قال: " نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
…
فَذَكرَ الحديثَ بطولِهِ في الرميِّ بالسهمِ في سَبيلِ اللهِ، والعتق، والشيب، والرجل يَمُوتُ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، وفيه:«وَأَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وَضُوءٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَأَحْصَى الوَضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ، سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَوْ خَطِيئَةٍ لَهُ. فَإِنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَهُ اللَّهُ عز وجل بِهَا دَرَجَةً، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا» ، وقد سبقَ تخريجُهُ، وهو من روايةِ ابنِ بَهْرَامَ أيضًا!
ولشهر فيه وجوه أخرى بسياقاتٍ كثيرةٍ كما سبقَ تحت حديث عمرو، وكما سيأتي هنا.
ومع اضطرابِهِ فيه، فقد خُولِفَ أيضًا في سندِهِ ومتنِهِ ممن هم أوثق منه وأكثر عددًا:
فقد رواه شداد بن عبد الله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة عن
فقال له أبو أُمَامةَ: يَا عَمْرَو بنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، في مَقامٍ واحدٍ يُعطى هذا الرَّجُلُ؟ ! فقال عمرٌو: يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ وَلَا عَلَى رَسُولِ اللهِ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلا مَرَّةً أو مَرَّتينِ أو ثَلاثًا -حتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ- مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
خرَّجه مسلمٌ وغيرُهُ، وقد سبقَ تخريجُهُ.
وكذلك رواه أبو يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد قالوا: سَمِعْنَا أبا أمامة الباهليَّ يقول: سمعتُ عَمرَو بنَ عَبَسَةَ، فذكرَ الحديثَ، وفيه:«فَإِنْ أَنْتَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ لِلَّهِ عز وجل خَرَجْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» .
قَالَ أَبو أُمَامَةَ: فَقُلْتُ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ؛ انْظُرْ مَا تَقُولُ، أَكُلُّ هَذَا يُعْطَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ فقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَنَا أَجَلِي، وَمَا بِي مِنْ فَقْرٍ فَأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
خرَّجه النسائيُّ وغيرُهُ، وقد سبقَ تخريجُهُ.
ورواه أبو داود (1277)، وابن خزيمة (277) وغيرُهُما من طريقِ أبي سلام الحَبَشِيِّ، عن أبي أُمامةَ، عن عمرِو بنِ عَبَسَةَ السلميِّ، به، وفيه:«ثُمَّ إِذَا غَسَلْتَ رِجْلَيْكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، فَإِنْ ثَبَتَّ فِي مَجْلِسِكَ كَانَ ذَلِكَ حَظَّكَ مِنْ وُضُوئِكَ، وَإِنْ قُمْتَ فَذَكَرْتَ رَبَّكَ وَحَمِدْتَ وَرَكَعَتْ رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِكَ كُنْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» .
قَالَ أَبو أُمَامَةَ: قُلْتُ: يَا عَمْرُو، اعْلَمْ مَا تَقُولُ؛ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَمْرًا عَظِيمًا! قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَدَنَا أَجَلِي، وَإِنِّي لِغَنِيٍّ عَنِ الْكَذِبِ، وَلَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ مَا حَدَّثْتُهُ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
فهؤلاء ستةٌ منَ الثقاتِ (شداد بن عبد الله، ويحيى بن أبي كثير، وسليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، ونعيم بن زياد، وأبو سلام الحبشي) رووه جميعًا عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، وذكروا فيه أن تطهيرَ كل عضو من أعضاءِ الوضوءِ مكفر لذنوبِ هذا العضوِ، فإذا ما صَلَّى مقبلًا على ربِّهِ، خَرجَ من خطاياه كيومِ ولدته أُمُّه.
وذكروا جميعًا أن أبا أمامةَ استغربَ هذا الحديثَ، واستكثرَ هذا الفضلَ الكبيرَ على هذا العملِ القليلِ؛ ولذا راجعَ فيه عمرو بن عبسة ليتثبت مما يقولُ.
فكيف يُقبلُ بعد ذلك رواية من مثل شهر بن حوشب، يزعمُ فيها أن أبا أمامةَ سمعه منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ ! وبهذا اللفظِ الذي فيه أنه: «إِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، وَرِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ هُوَ لَهُ وَمِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ
وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَتَهُ، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا»؟ !
فَجَعَلَ (خروجه من خطاياه كيوم ولدته أمه) بمجردِ الانتهاءِ منَ الوضوءِ! وهذا أعظمُ مما استكثره أبو أمامةَ في حديثِ عَمرٍو! فلو كان الحديثُ عنده بهذا اللفظِ أو حتَّى بمثلِ لفظِ عَمرٍو، لما استغربه من عمرٍو، واستثبته فيه! !
وكلُّ واحدٍ من الستةِ الذين خالفوه مُقَدَّمٌ بمفردِهِ على شَهْرٍ، فكيفَ وقد اجتمعوا؟ ! وكيف وقد اضطربَ فيه شهرٌ كما سبقَ؟ !
ورغم ذلك قال المنذريُّ: "رواه أحمدُ وغيرُهُ .. ، وهو إسنادٌ حسنٌ في المتابعاتِ، لا بأسَ به"(الترغيب والترهيب 1/ 94/ 295). وأقرَّهُ المُناويُّ في (التيسير 1/ 415)، والألبانيُّ في (الصحيحة 4/ 352).
وهذا مع ما فيه أفضل من قولِ الهيثميِّ: ((رواه أحمدُ والطبرانيُّ في (الكبير والأوسط)، وفي إسنادِ أحمدَ: عبد الحميد بن بهرام عن شهر، واختلف في الاحتجاج بهما، والصحيحُ أنهما ثقتان، ولا يقدحُ الكلامُ فيهما))! ! (المجمع 1124).
ومن قول السيوطي: "إسنادُهُ حسنٌ"(الدر المنثور 5/ 214)، ورمزَ لَهُ بالحسنِ في (جامعه الصغير 2998).
وقولُ الألبانيِّ في موضعٍ آخر: "صحيحٌ لغيرِهِ"(صحيح الترغيب والترهيب 187).
قلنا: وقولُ المنذريِّ: "وهو إسنادٌ حسنٌ في المتابعاتِ"، يقضي بأنه لا يُحَسَّن إذا لم يتابعْ، فكيفَ وقد خُولِفَ كما سبقَ؟ ! !
فأما المتابعاتُ التي أشارَ إليها، فعامتُهَا طرقٌ معلولةٌ، مَرَدها إلى طريقِ شَهْرٍ، وأفضلها سندًا طريق الرقي السابق، ومع ما فيه فليسَ موافقًا لسياقةِ
حديثِ شَهرٍ، بل لسياقةِ حديث عمرو بن عبسة، وعلى فَرضِ ثُبوتِهِ عن أَبي أُمامةَ مرفوعًا فيكونُ قد أَرْسَله ويُعَدُّ من مراسيلِ الصحابةِ، والله أعلم.
وانظر تحقيقَ بقية هذه الطرق فيما يلي.
رِوَايَةُ ذَهَبَ الإِثْمُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا سَبْعَ مِرَارٍ مَا حَدَّثْتُ بِهِ، قَالَ:«إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ [المُسْلِمُ] 1 [فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ] 2 - [أَوْ قَالَ: وَضَعَ الوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ] 3 - كَمَا أُمِرَ، ذَهَبَ الإِثْمُ (خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ) مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ [فَإِنْ [صَلَّى كَانَتْ فَضْلًا -قَالُوا لَهُ: أَوْ نَافِلَةً؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ] 4 قَعَدَ قَعَدَ مَغْفُورًا لَهُ] 5» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ، وخروج الإثم من أعضاء الوضوء صَحَّ من حديثِ عمرو بن عبسة.
[التخريج]:
[كن 10753 (والزيادة الثانية له ولغيره) / حم 17021، 22171 (والزيادة الأُولى والخامسة والرواية له ولغيره)، 22206، 22275، 22281 (واللفظ له) / ش 39/ طب (8/ 123 - 124/ 7560، 7562 - 7567) / طس 4439، 1505/ مسد (خيرة 518/ 2)(والزيادة الثالثة والرابعة له) / تخ (9/ 47) / قيام (صـ 33) / ني 1249/ لي (رواية البيع 59) / طهور 20، 21/ عدن (خيرة 518/ 3) / زهر 150/ كر (66/
355 -
356) / تد (4/ 199) / طبر (8/ 216) / خطت 91/ نجاد (حمامي ق 99 ب) / كك (ق 259 أ)].
[التحقيق]:
أخرجه أحمد (22281) قال: ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة.
ورواه أيضًا (22275) قال: ثنا يحيى بن أبي بُكير وأبو سعيد قالا: ثنا زائدة ثنا عاصم بن أبي النَّجُود عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة به.
ورواه أحمد (17021)، والطبراني في (الكبير 7566) و (الأوسط 1505)، وأبو عبيد في (الطهور 20) من طُرقٍ أُخرى عن عاصمٍ به.
وعاصمٌ صدوقٌ له أوهام، وقد توبع:
فرواه أحمدُ (22171، 22206)، وابنُ أبي شيبةَ (39)، عن وكيعٍ حدثنا الأعمشُ عن شِمْرٍ عن شهرِ بنِ حَوشبٍ عن أبي أمامةَ به.
ووهم بعضُهم فيه على وكيعٍ:
فرواه ابنُ أبي عمرَ العدنيُّ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة 518/ 3) قال: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أبي أمامة به.
فأَسقطَ منه شهرًا، وهذا خطأٌ من العدنيِّ، وهو حافظٌ صدوقٌ، لكن كانتْ فيه غفلةٌ كما قال أبو حاتم، وكلٌّ من أحمدَ وابنِ أبي شيبةَ مُقَدَّمٌ عليه بمفردِهِ، فكيفَ وقد اجتمعا على خلافه؟ !
وقد تابعهما حافظٌ ثالثٌ:
فرواه ابنُ نصرٍ المروزيُّ في (قيام الليل صـ 33) عن أبي هاشم زياد بن أيوب الطوسي، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر بن
حوشب، عن أبي أمامة به، وفي آخره: قال أبو أمامة: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم". قال وكيعٌ: يعني: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} .
ووهم بعضُهم فيه على الأعمشِ أيضًا:
فرواه مسددٌ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة 518/ 2) قال: حدثنا عبد الواحد، ثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أبي أمامة قال: حَدِيثٌ لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا حتَّى عَدَّ سَبْعًا مَا حدَّثتُ به، سَمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ -أَوْ قَالَ: وَضَعَ الوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ- تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، فَإِنْ صَلَّى كَانَتْ فَضْلًا» . قَالُوا لَهُ: أَوْ نَافِلَةً؟ الحديث.
فأَسقطَ منه شهرًا أيضًا، وهذا خطأٌ من عبد الواحد، وهو ابنُ زيادٍ العبديُّ، ثقةٌ من رجالِ الشيخين، إلا أنه مُتَكلَّمٌ في حديثِهِ عن الأعمشِ، وقد خالفه وكيعٌ كما سبقَ، وتوبع عليه وكيع:
فرواه الرويانيُّ وغيرُهُ من طريقِ جريرٍ، عنِ الأعمشِ عن شِمْرٍ عن شَهْرٍ به.
وكذا رواه الطبرانيُّ في (الكبير 7563، 7566) و (الأوسط 4439) من طَرقٍ أُخرى عن شمر به، وشمر هو ابنُ عطيةَ الأسديُّ، وَثَّقَهُ النسائيُّ وغيرُهُ.
وقد وهم بعضُهم فجعله من رواية عاصم عن شمر، ليس مُتابعًا له:
أخرجه النسائي في (الكبرى 10753) عن هلال بن العلاء عن أبيه -وهو العلاء بن هلال الرقي- عن عبيد الله -وهو ابن عمرو الرقي- عن زيد -وهو ابنُ أبي أُنيسةَ- عن عاصمٍ عن شِمْرٍ عن شهرٍ به.
وهذا وهمٌ منَ العلاءِ بنِ هلالٍ الرقيِّ، فهو لينٌ، وقد خُولِفَ فيه:
فرواه أبو عبيد في (الطهور 20، 66) عن علي بن معبد المصري عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن عاصمٍ، عن شهر بن حوشب به، مقتصرًا في الموضع الأول على حديث أبي أمامة، وفي الموضع الثاني على حديث عمرو.
وابنُ مَعْبد هذا هو الرقيُّ الكبيرُ، وهو ثقةٌ، ولم يذكرْ فيه شِمْرًا، مُوافقًا لما رواه أصحابُ عاصمٍ عنه عن شهرٍ بلا واسطة.
وذكرَ الدارقطنيُّ في (العلل 2696) أن يزيد بن سنان رواه أيضًا عن زيد بن أبي أنيسة عن عاصم عن شمر، ثم قال:((وخالفه عبيد الله بن عمرو، فرواه عن زيد، عن عاصم، عن شهر، ولم يذكر بينهما: شمرًا. وكذلك رواه أبو بكر بن عياش، وزائدة، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث، عن عاصم، عن شهر)) (العلل 6/ 264).
قلنا: وابنُ سنان هو الرهاويُّ، ضعيفٌ كما تَقَدَّمَ قريبًا.
إذن، فالحديثُ مدارُهُ عندهم على شَهْرٍ، رواه عنه شمرٌ وعاصمٌ.
وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ لأجلِ شَهْرٍ، وقدِ اضطربَ فيه، وخُولِفَ كما سبقَ، والمحفوظُ عن أبي أمامةَ أنه سمعه من عمرو بن عبسة.
وقد حَسَّنَهُ المنذريُّ في (الترغيب والترهيب 300).
وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ والطبرانيُّ في الكبير بنحوه، وإسنادُهُ حسنٌ"(المجمع 1128).
والحديثُ صَحَّحَهُ الألبانيُّ لغيرِهِ؛ لأجلِ شَهْرٍ، (صحيح الترغيب والترهيب 187).
[تنبيه]:
قول أبي أمامة: «إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» . خرَّجه أحمدُ (22210)، وابنُ أبي شيبةَ -ومن طريقه الطبراني (7561) - عن وكيعٍ عن الأعمشِ به مقتصرًا عليه دون بقية الحديث.
ورواه عبد الرزاق (4893) -وعنه أحمد (22230) - والطبراني في (الكبير 8060) و (الأوسط 4499) من طريقِ أبي غالب عن أبي أُمامة به، وسيأتي عنه تامًّا.
واعترضَ عليه ابنُ نصرٍ المروزيُّ، فقال:"وقد روينا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه سَمَّى مشيه إلى المسجد وصلاته بعد وضوئه نافلة".
ثم استدلَّ له بحديثِ الصُّنابحي المخرج قريبًا في البابِ، وأَوْلى منه حديث عثمان رضي الله عنه، وهو في الصحيحِ بلفظِ:«مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. وَكَانتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ نَافِلَةً» . وسيأتي قريبًا.
رِوَايَةُ: يُكَفِّرُ مَا قَبْلَهُ ثُمَّ تَصِيرُ الصَّلَاةُ نَافِلَةً:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الوُضُوءُ (الطُّهُورُ) يُكَفِّرُ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ تَصِيرُ الصَّلَاةُ نَافِلَةً)). فَقِيلَ لَهُ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ وَلَا أَرْبَعٍ وَلَا خَمْسٍ.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وصَحَّحَهُ المنذريُّ والهيثميُّ، وأقرَّهما المُناوي، وحَسَّنَهُ السيوطيُّ، وقال الألبانيُّ: صحيحٌ لغيرِهِ.
[التخريج]:
[حم 22162 (واللفظ له)، 22253/ طي 1225/ طب (8/ 125/ 7569 - 7572) / طهور 22 (والرواية له) / طبر (8/ 216) / قيام (صـ 34) / شج 86/ نجاد (حمامي ق 98 ب) / يحيى (1/ 155)].
[السند]:
قال الطيالسي في (مسنده): حدثنا هشام، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة به.
ورواه أحمد في (المسند 22162) قال: حدثنا محمد بن بشر حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب (ح) وعبد الوهاب عن هشام (ح)، وأزهر بن القاسم حدثنا هشام عن قتادة به. وأخرجه أيضًا (22253) من طريق محمد بن جعفر عن سعيد بن أبي عروبة به.
ومداره عند الجميع على قتادة بن دعامة به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: سوءُ حفظِ شَهْرٍ، وقد تَقَدَّمَ أنه مُختلفٌ فيه.
الثانيةُ: اضطرابُ شَهْرٍ فيه سندًا ومتنًا، ومخالفته لمن هو أوثقُ منه، وقد سبقَ بيانُ ذلك.
ومما لم نذكره هناك: أن قتادةَ رُوِي عنه هنا أن أبا أمامةَ ذكره بلفظ: ((ثُمَّ تَصِيرُ الصَّلَاةُ نَافِلَةً)).
بينما روى شمر بن عطية عنه أن أبا أمامة ذكره بلفظ: ((فَإِنْ صَلَّى كَانَتْ فَضْلًا))، فَقَالُوا لأَبي أُمامةَ: أَوْ نَافِلَةً؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ [خاصة] لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
خرَّجَهُ مسددٌ كما في (إتحاف الخيرة 518/ 2)، وهو عند أحمد (22210) مختصرًا.
فهذا من اضطرابِ شَهْرٍ أيضًا، وإلا فكيفَ يَرْوي أبو أمامةَ شيئًا ثم يُنكره؟ !
ورغم كل ذلك قال المنذريُّ في (الترغيب والترهيب 301)، والهيثميُّ في (المجمع 1127):"رواه أحمدُ من طَريقٍ صحيحةٍ". ورمز السيوطيُّ لحسنه في (الصغير 9678)، فتعقبه المُناويُّ قائلًا:"رمز لحسنه، وهو أَعلى من ذلك؛ فقد قال المنذريُّ والهيثميُّ: سَندُهُ صحيحٌ"(الفيض 6/ 375).
وقال الألبانيُّ: "صحيحٌ لغيرِهِ"(صحيح الترغيب والترهيب 1/ 193).
قلنا: ويشهدُ لمتْنِهِ حديث عثمان رضي الله عنه عند مسلمٍ (232) بلفظِ: «مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، وَكَانتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ نَافِلَةً» .
وسيأتي تخريجُهُ تحت "باب فضل الوضوء والصلاة عقبه". وانظر الروايتين التاليتين.
رِوَايَةُ صَارَتْ صَلَاتُهُ لَهُ نَافِلَةً
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ غُفِرَ لَهُ ثُمَّ صَارَتْ صَلَاتُهُ لَهُ نَافِلَةً» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كسابقه، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طش 2762].
[السند]:
قال الطبراني في (مسند الشاميين): حدثنا أحمد بن مسعود ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن شهر بن حوشب عن صُدَي بن عجلان أبي أمامة به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ كسابقه.
وفيه هنا أيضًا: سعيدُ بنُ بَشيرٍ، وهو "ضعيفٌ" كما في (التقريب 2276).
وحديثُهُ عن قتادةَ خاصة منكر، انظر (تهذيب التهذيب 4/ 10).
ولكنه متابعٌ كما سبقَ.
رِوَايَةُ غُفِرَ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ وَقَامَ إِلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ نَافِلَةٌ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عن أبي غَالِبٍ الرَّاسِبِي أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا أُمَامَةَ بِحِمْصَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَسْمَعُ أَذَانَ صَلَاةٍ فَقَامَ إِلَى وَضُوئِهِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تُصِيبُ كَفَّهُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، فَبِعَدَدِ
(1)
ذَلِكَ القَطْرِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ وُضُوئِهِ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَقَامَ إِلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ نَافِلَةٌ».
قَالَ أَبُو غَالِبٍ: قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ وَلَا أَرْبَعٍ وَلَا خَمْسٍ وَلَا سِتٍّ وَلَا سَبْعٍ وَلَا ثَمَانٍ وَلَا تِسْعٍ وَلَا عَشْرٍ وَعَشْرٍ
(2)
!! وَصَفَّقَ
(3)
بِيَدَيْهِ [مَرَّتَيْنِ].
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
[حم 22188 (واللفظ له) / طب (8/ 276/ 8061) / بشن 826 (والزيادة له)].
[السند]:
أخرجه أحمد في (مسنده) قال: حدثنا نوح بن ميمون -قال أبو عبد الرحمن: هو أبو محمد بن نوح، وهو المضروب- حدثنا أبو خُرَيْم
(1)
عند الطبراني: «فَبَعْدَ ذَلِكَ القَطْرِ يَغْفِرُ اللهُ لَهُ» .
(2)
زاد في المطبوع هنا كلمة: "وعشر"، ونبَّه محققو المسند إلى أنها زيادة ليست في الأصول.
(3)
عند الطبراني، وابن بشران:"وَطَبَّق"!
عقبة بن أبي الصهباء حدَّثني أبو غالب الراسبي به.
وتوبع عليه نوح:
فرواه الطبراني (8061)، وابن بشران في (الأمالي 826) من طريق الحافظ سعدويه: سعيد بن سليمان، عن عقبة بن
(1)
أبي الصهباء، ثنا أبو غالب، قال: سمعتُ أبا أمامة يقولُ
…
فذكره.
فمدارُهُ عندهم على عقبةَ بنِ أبي الصهباءِ.
[التحقيق]:
إسنادُهُ رجالُهُ ثقاتٌ عدا أبا غالب البصري صاحب أبي أمامة؛ فمختلفٌ فيه، وقال عنه الحافظُ:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 8298).
وقدِ اضطربَ فيه؛ فرواه مَرَّةً مرفوعًا، ومَرَّةً موقوفًا.
فأما الموقوفُ فرواه أحمد (22196)، والطبراني في (الكبير 8062)، والبيهقي في (الشعب 2525) من طريق سليم
(2)
بن حيان -وهو ثقة-.
ورواه الطيالسي (1231)، والبيهقي في (الشعب 2524) من طريق حماد بن سلمة، كلاهما (سليمان، وحماد) عن أبي غالب عن أبي أمامة موقوفًا مع اختلاف في اللفظ كما سيأتي.
وأما المرفوعُ، فرواه أبو خريم عقبة بن أبي الصهباء كما سبق.
وتوبع على رفعه دون لفظه:
تابعه الحسين بن واقد عند أبي يعلى في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة
(1)
تحرَّفتْ عند الطبراني إلى: "عن"! !
(2)
تحرَّف عند الطبراني إلى: "سليمان".
6385/ 2).
والحسين الخراساني عند الطبراني في (الكبير 8063)، وقيل: هو الحسين بن واقد، انظر (تهذيب الكمال 34/ 170 و 6/ 480).
وزكريا بن ميسرة عند الروياني (1181)، وغيره، وروايتُهُ مخرَّجةٌ هنا.
واتفقوا جميعًا مَن وقفه ومَن رفعه -دون عقبة- على أن أبا أمامة قال فيه: «فَإِنْ قَامَ يُصَلِّي كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةً [وَأَجْرًا]» . وأنه قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَ فَصَلَّى أَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً؟ قَالَ: «لَا؛ إِنَّمَا النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ [كَيْفَ تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَهُوَ يَسْعَى فِي الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا؟ تَكُونُ لَهُ فَضِيلَةً وَأَجْرًا]» والزيادتان لسليمانَ بنِ حَيَّان.
بينما قال فيه عقبة وحده: "فإنْ قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ فَهِي لَهُ نَافِلَةٌ"، وهذا خلافُ رواية الجماعة.
وعقبة ثقةٌ، وَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ، وأبو داودَ، والدارقطنيُّ، وقال فيه أحمد:"صالحٌ"(تاريخ بغداد 6661).
فإما أن يكون أبو غالب اضطربَ في متنه أيضًا كما اضطربَ في سندِهِ، وإما أن يكون عقبةُ وهم فيه مع ثقتِهِ، وروايةُ الجماعةِ أَوْلَى، فقد رواه معمرٌ وغيرُهُ عن أبي غالب قال: سَأَلْتُ أَبَا أُمَامَةَ عَنِ النَّافِلَةِ، فَقَالَ:«كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَافِلَةٌ، وَلَكُمْ فَضِيلَةٌ» . رواه عبد الرزاق وغيره.
ومثل هذا يبعد فيه الوهم، والله أعلم.
وقد ثبتَ خروجُ الذُّنُوبِ مع القطراتِ المتساقطةِ من أعضاءِ الوضوءِ من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه عند مسلمٍ، وقد تَقَدَّمَ، وهو بمعنى حديث عمرو بن عبسة السابق أيضًا.
وقوله: "وقَامَ إِلَى صَلَاتِهِ وهِي لَهُ نَافِلَةٌ"، يشهدُ له حديث عثمان رضي الله عنه عند مسلمٍ، وسيأتي تخريجُهُ تحت "باب فضل الوضوء والصلاة عقبه".
رِوَايَةُ: ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهِيَ فَضِيلَةٌ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا تَوَضَّأَ المُسْلِمُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ كُفِّرَ بِهِ مَا عَمِلَتْه يَدَاهُ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كُفِّرَ عَنْهُ مَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنَاهُ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ كُفِّرَ عَنْهُ مَا سَمِعَتْ أُذُنَاهُ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ كُفِّرَ عَنْهُ مَا مَشَتْ إِلَيْهِ قَدَمَاهُ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهِيَ فَضِيلَةٌ» . [فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: نَافِلَةً؟ فَقَالَ: النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام]».
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَنْ وَضَعَ الوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، فَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ مغفورًا لَهُ، وإن قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَامَ إِلَى فَضِيلَةٍ» . قَالَ رَجُلٌ: إِلَى نَافِلَةٍ؟ قَالَ: لَا، النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً.
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيَضَعُ وَضُوءَهُ مَوَاضِعَهُ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ويديه
(1)
وَرِجْلَيْهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ لَهُ فَضْلًا».
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأُولى: [طص 1099 (واللفظ له) / ني 1181 (والزيادة
(1)
تحرَّفت في المطبوع من المعجم إلى: "وَبَدَنِهِ"!
له)].
تخريج السياقة الثانية: [عل (خيرة 518/ 6، 1650/ 2، 6385/ 2)].
تخريج السياقة الثالثة: [طب 8063].
[التحقيق]:
رواه الروياني في (مسنده) عن الحسن بن إبراهيم البياضي، نا يونس بن محمد، نا زكريا عن أبي غالب عن أبي أمامة الباهلي به، بلفظ السياقة الأُولى.
والبياضي صدوق، وقد توبع: فرواه الطبراني في (الصغير) من طريق العباس الدوري، حدثنا يونس بن محمد المؤدب، حدثنا زكريا بن ميسرة، عن أبي غالب، به.
قال الطبراني: "لم يَرْوِه عن زكريا بن ميسرة إلا يونس بن محمد".
وزكريا بن ميسرة مجهولٌ، وقال فيه ابنُ حَجَرٍ:"مستورٌ"(التقريب 2027).
ومع ذلك حَسَّنَهُ المنذريُّ في (الترغيب 303)، وقال الهيثميُّ:"أبو غالب مختلفٌ في الاحتجاج به، وبقية رجاله ثقات! وقد حَسَّنَ الترمذيُّ لأبي غالب وصَحَّحَ له أيضًا"(مجمع الزوائد 1127).
نعم، توبع عليه زكريا:
فرواه أبو يعلى الموصليُّ كما في (إتحاف الخيرة 6385/ 2) قال: ثنا محمد بن علي، سمعتُ أبي يقول: أبنا الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة به، بلفظ السياقة الثانية.
ومحمد هو ابن علي بن الحسن بن شقيق، ثقةٌ، وأبوه ثقةٌ حافظٌ، والحسينُ هو المرْوَزِيُّ.
وقد رواه الطبرانيُّ (8063) من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن حسين الخراساني، عن أبي غالب، به، بلفظ السياقة الثالثة.
وإبراهيم لم نجدْ مَن ترجمَ له، وحسين الخراساني، قيل: هو ابنُ وَاقدٍ المروزيُّ، وهو ثقةٌ من رجال مسلم.
فعلةُ إسنادِهِ، هي أبو غالب صاحب أبي أمامة، وقد سبقَ بيانُ حالِهِ، واضطرابه فيه.
رِوَايَةُ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ فِي الوُضُوءِ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَنْزِلُ عَنْ بَغْلَتِي هَذِهِ حَتَّى آتِيَ حِمْصَ فَأَسْأَلَ أَبَا أُمَامَةَ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَأَتَيْتُ حِمْصَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَدَلُّونِي عَلَيْهِ فِي مَزْرَعَةٍ، فَأَتَيْتُ مَزْرَعَتَهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ: هُوَ ذَاكَ فِي رَحْبَةِ المَسْجِدِ، شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ قَبَاءُ فَرْوٍ، فَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ المَسْجِدَ فَإِذَا فِي رَحْبَةِ المَسْجِدِ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَعَلَيْهِ قَبَاءُ فَرْوٍ قَدْ أَلقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ يَتَفَلَّى فِي الشَّمْسِ. فَقَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي، فَمَا تَشَاءُ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنَا أَنَّهُ يُحَدَّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي الوُضُوءِ. قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا أَذْهَبَ اللَّهُ كُلَّ خَطِيئَةٍ أَخْطَأَهَا بِهِمَا، وَمَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ أَذْهَبَ اللَّهُ كُلَّ خَطِيئَةٍ أَخْطَأَهَا بِلِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ فَأَبْلَغَ الوَضُوءَ أَمَاكِنَهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مُقْبِلًا عَلَيْهَا قَعَدَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ مَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا لَمْ أُبَالِ أَلَّا أَذْكُرَهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا أَدْرِي كَمْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[الحكم]:
المرفوعُ منه صحيحٌ بشواهدِهِ دون ذكر اللسان، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وأعلَّه الدارقطنيُّ.
[التخريج]:
[متفق 117/ كر (6/ 367)].
[السند]:
أخرجه ابن عساكر: قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة نا عبد العزيز بن أحمد أنا أبو محمد بن أبي نصر [عن]
(1)
الحسن بن حبيب نا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي نا أبو الأصبغ
(2)
إبراهيم بن بكر أخو بشر بن بكر قال نا أبو زرعة بن إبراهيم القرشي عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن أبي أمامة.
وأخرجه الخطيبُ في (المتفق والمفترق) من طريق إبراهيم بن بكر
…
به.
وقد وقعَ في سندِ الخطيبِ سقطٌ فيما فوق إبراهيم بن بكر وهو التنيسيُّ إلى أبي أمامة رضي الله عنه، ولذا قَدَّمْنَا سندَ ابن عساكر لعدم السقط فيه.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: أبو زرعة بن إبراهيم القرشي، لم نجدْ له ترجمةً.
وأبو الأصبغ إبراهيم بن بكر ترجمَ له ابن عساكر (6/ 366)، والذهبيُّ في (تاريخ الإسلام 5/ 22) ولم يذكرا فيه جَرحًا ولا تَعْديلًا.
(1)
((سقطتْ منَ المطبوعِ، والصواب إثباتها، انظر (التاريخ 1/ 80، 194، 205) وغيرها من المواضع كثير.
(2)
تحرَّفت في مطبوعة التاريخ إلى: "الأصبع" بالمهملة، والصوابُ المثبت كما في (مختصر ابن منظور 4/ 39)، وكذا في (المتفق)، و (تاريخ الإسلام).
وقد ذَكَرَ ابنُ الجَوزيِّ في ترجمة "إبراهيم بن بكر الشيباني الأعور" أن هناكَ ستة كل منهم يُسَمَّى إبراهيم بن بكر، وقال:"لا نعلمُ فيهم ضعفًا سِوى هذا" يعني الأعور الشيباني (اللسان 1/ 40).
ولكن عدم العلم بالضعف لا يعني التوثيق، والله أعلم.
والمحفوظُ عن شَهْرٍ في هذا الحديثِ أنه يرويه عن أبي أمامةَ رضي الله عنه بلا واسطة، كما رواه ابنُ بهرام، وشمر بن عطية، وغيرهما ممن سبقتْ رواياتهم.
وبهذا أعلَّه الدارقطنيُّ؛ فقد سُئِلَ عنه في (العلل) فقال: "يرويه قتادةُ، وشمرُ بنُ عطيةَ، وعاصمُ بنُ بهدلةَ، وعبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي حسين، وعبد الحميد بنُ بهرام، والعلاءُ بنُ هلالٍ الباهليُّ، عن شَهْرٍ، عن أبي أُمامةَ. واتفقوا كلُّهم على قولٍ واحدٍ: أن شَهْرًا رواه عن أبي أمامة
…
ورواه زرعةُ بنُ إبراهيمَ القرشيُّ، عن شَهْرٍ، فأدخلَ بينه وبين أبي أمامة عبد الرحمن بن غنم، ولم يصنعْ شيئًا. والصوابُ حديث شهر، عن أبي أمامة؛ سمعه منه" (العلل 6/ 264/ 2696).
كذا وقعَ فيه: "زرعة" وإنما هو "أبو زرعة" كما في مصادر التخريج والترجمة، فلعلَّ كلمة "أبو" سقطتْ من النَّاسخِ أو الطابعِ، والله أعلم.
ومتنُ الحديثِ المرفوعِ سبقَ من حديث عمرو بن عبسة دون ذكر اللسان، وللحديثِ شواهد أخرى ستأتي.
رِوَايَةُ وَمَنْ نَامَ طَاهِرًا عَلَى ذِكْرِ اللهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«إِنَّ العَبْدَ إِذَا غَسَلَ كَفَّيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَا يَدَيْهِ، وَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَمَضْمَضَ وَتَشَوَّصَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ خَطَايَا سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ، وَإِذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَقَدَمَيْهِ كَانَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمَنْ نَامَ طَاهِرًا عَلَى ذِكْرِ اللهِ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ شيئًا حَتَّى يَرُدَّ إِلَيْهِ رُوحَهُ مِنَ أُمُورِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا بهذا السياق.
[التخريج]:
[طس 4397 (واللفظ له) / طش 2482 (مطولًا)].
[السند]:
قال الطبراني في (الأوسط): حدثنا عبد الله بن محمد بن الأشعث أبو الدرداء الأنطرطوسي قال: نا إبراهيم بن محمد بن عبيدة قال: حدثني أبي قال: نا الجراح بن مليح قال: نا إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، عن غيلان بن جامع المحاربي عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة به.
ورواه الطبراني في "الشاميين": عن موسى بن عيسى بن المنذر، ثنا أبو يوسف المددي محمد بن عبيدة
…
به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عللٍ:
الأُولى: سوءُ حفظِ شَهْرٍ، وقدِ اضطربَ فيه وخُولِفَ كما سبقَ بيانُهُ.
الثانية: ليثُ بنُ أبي سُليمٍ؛ فهو "ضعيفٌ"؛ قال ابنُ حَجرٍ: "صدوقٌ اختلطَ جدًّا ولم يتميزْ حديثُه فتُركَ"(التقريب 5685).
وقد زادَ فيه ألفاظًا لا تصحُّ مثل: «وَتَشَوَّصَ» ولم يذكرْهَا أحدٌ ممن رَوى هذا الحديثَ على شهرٍ؛ كشمر بن عطية وغيره كما سبقَ في الرواياتِ السابقهِ، وعليه فزيادتُهُ هذه منكرة.
وكذلك قوله: «حَتَّى يَرُدَّ إِلَيْهِ رُوحَهُ مِنَ أُمُورِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» .
الثالثة: الجراح بن مليح؛ مختلفٌ فيه، ضَعَّفَهُ جماعةٌ وَوَثَّقَهُ آخرون (تهذيب التهذيب 2/ 67).
الرابعة: محمد بن عبيدة أبو يوسف المددي الشامي، ترجمَ له الخطيبُ في (التلخيص 1/ 103). وذكره عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ الأزديُّ في (المؤتلف والمختلف 1432). وابنُ ماكولا في (الإكمال 6/ 54) وابنُ ناصر في (توضيح المشتبه 6/ 135) ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
والطريقُ إليه فيها ضعف أيضًا.
فراويه عنه في سند (الأوسط): ابنه إبراهيم بن محمد بن عبيدة المددي، ترجمَ له ابنُ ماكولا في (الإكمال 6/ 57)، وابنُ حَجرٍ في (تبصير المنتبه 3/ 917). ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وعنه: عبد الله بن محمد بن الأشعث أبو الدرداء الأنطرطوسي؛ ذكره ابن منده (فتح الباب 2655) وابن عساكر في (تاريخ دمشق 3481)، والذهبيُّ في (تاريخ الإسلام 312). ولم يذكروا فيه جرحًا ولاتعديلًا.
وراويه عنه في السند الآخر: موسى بن عيسى، وهو وَاهٍ جدًّا؛ قال النسائيُّ:"ليس بثقة"، وهذا جرحٌ شديدٌ عنده؛ ولذا امتنعَ منَ الروايةِ عنه،
وقال فيه أيضًا: "ليس هو شيئًا"، (تاريخ الإسلام 6/ 839)، (لسان الميزان 8028).
رِوَايَةُ وَمَنْ قَامَ إِلَى الوُضُوءِ يَرَاهُ حَقًّا.
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ حِينَ حَدَّثَ شُرَحْبِيلَ بنَ السِّمْطِ، وَأَصْحَابَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((
…
وَمَنْ قَامَ إِلَى الوُضُوءِ يَرَاهُ حَقًّا عَلَيْهِ وَاجِبًا فَمَضْمَضَ فَاهُ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ طَهُورِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ جَلَسَ جَلَسَ سَالِمًا، وَإِنْ صَلَّى تُقُبِّلَ مِنْهُ)).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: فَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بِهَذَا الحَدِيثِ كَمَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذه السياقةِ.
[التخريج]:
[عين 21 "واللفظ له"/ بشن 19/ تمهيد (4/ 50)].
[السند]:
رواه الآجري في (الأربعين) -ومن طريقه ابن بشران في (أماليه)، وابن عبد البر في (التمهيد) - قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا أبو أيوب
سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين
(1)
، عن شهر بن حوشب، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: شَهْرٌ، وقد سبقَ الكلامُ عنه، وبيانُ اضطرابِهِ فيه ومخالفته لغيره.
الثانيةُ: إسماعيلُ بنُ عياشٍ الشاميُّ، فهو صدوقٌ في روايتِهِ عن أهلِ بلدِهِ، مخلطٌ في غيرِهِم، وروايتُهُ عن الحجازيين كما هنا منكرةٌ، فشيخُهُ عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين حِجازيٌّ مكيٌّ.
وقد رواه الطبراني في (مسند الشاميين 2943) من طريقِ شعيب، حدَّثني عبد الله بن عبد الرحمن، حدَّثني شهر بن حوشب، بنحوه دون قوله:"يراه حقًّا عليه واجبًا"، وفيه:«وَمَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَبَلَغَ الوُضُوءُ أَمَاكِنَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَمَا وَلَدَتْهُ أَمُّهُ، فَإِنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَهُ اللهُ بَهَا دَرَجَةً» .
فقوله فيه: «يَرَاهُ حَقًّا عَلَيْهِ وَاجِبًا» ، انفردَ به ابنُ عياشٍ.
وقد رواه ابنُ عيَّاشٍ مَرَّةً أخرى، عن ابن أبي حسين، عن شهرٍ به بلفظ:((مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا فَذَكَرَ اللهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلَاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)).
قال ابن حجر: "أخرجه ابنُ السنيِّ من روايةِ إبراهيم بن العلاء عن إسماعيل بن عياش، وروايتُهُ عن الحجازيين ضعيفةٌ، وهذا منها، واسم شيخه عبد الله بن عبد الرحمن، وهو مكيٌّ، وشهر فيه مقال"(النتائج 3/ 82).
(1)
تحرَّف في أمالي ابن بشران إلى: "جبير"! !
رِوَايَةُ حَتَّى إِنَّ الخَطَايَا تَحَادَرُ مِنْ أَطْرَافِهِ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ (يُحْسِنُ الوُضُوءَ) فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ [وَفَرْجَهُ]، وَيُمَضْمِضُ فَاهُ، وَيَتَوَضَّأُ كَمَا أُمِرَ إِلَّا حَطَّ اللهُ عَنْهُ مَا أَصَابَ يَوْمَئِذٍ مَا نَطَقَ بِهِ فَمُهُ، وَمَا مَسَّ [بِ]ـيَدِهِ، وَمَا مَشَى إِلَيْهِ حَتَّى إِنَّ الخَطَايَا تَحَادَرُ مِنْ أَطْرَافِهِ، ثُمَّ هُوَ إِذَا مَشَى إِلَى المَسْجِدِ، فَرِجْلٌ تَكْتُبُ حَسَنَةً، وَأُخْرَى تُمْحِي سَيِّئَةً، [ثُمَّ تَكُونُ صَلَاتُهُ لَهُ نَافِلَةً» ، ثُمَّ قَالَ:«إِذَا هُوَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذَ مَضْجَعَهُ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ]» .
[الحكم]:
إسنادٌ ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[طب 7995 (واللفظ له) / معر 1535 (والزيادات والرواية له) / سني 163/ لا 92، 1779].
[السند]:
رواه ابنُ الأعرابي في (معجمه 1535) قال: نا حفص بن عمر، نا محمد بن عبد الله، نا قرة بن خالد قال: حدَّثني لقيط بن المثنى قال: حدَّثني صدي بن عجلان أبو أمامة، رفع
(1)
الحديث فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكره بالزيادات.
وأخرجه الدولابي في (الأسماء والكنى)، وابن السني من طريق عمرو بن علي قال: ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى به.
ورواه الطبراني في (الكبير 7995) قال: حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا
(1)
في المطبوع: "رجع".
بشر بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري بنحوه.
فمداره عندهم على محمد بن عبد الله بن المثنى.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه لقيط بن المثنى (أو ابن المشاء أو أبو المشاء)؛ ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 8/ 446). وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 7/ 177). ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 344) وقال:"يُخطئُ ويُخالفُ"، وقال الحسينيُّ:"أبو المثنى لَقِيطُ بنُ المَشَّاءِ عن أبي أمامةَ وعنه الجريريُّ غيرُ مشهورٍ"(الإكمال 8949).
قال ابن حجر -متعقبًا الحسيني-: ((قلتُ: بل هو معروفٌ، ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه فقال: روى عنه الجريري وقرة بن خالد، وكذا قال أبو أحمد الحاكم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين لكنه قال: يُخطئُ ويخالفُ)) (تعجيل المنفعة 1396).
وقال الهيثميُّ: ((رواه الطبراني في (الكبير) وفيه: لقيط أبو المشاور
(1)
روى عن أبي أمامة، وروى عنه الجريري وقرة بن خالد، وقد ذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال: يُخطئُ ويخالفُ)) (مجمع الزوائد 1129).
(1)
كذا في المطبوع، ولعلَّ الصواب: أبو المشاء.
رِوَايَةُ كَانَ كَعُمْرَةٍ مَبْرُورَةٍ
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ، وسيأتي بنحوه في باب آخر بسند محتمل للتحسين.
[التخريج]:
[عب 152 (واللفظ له) / طب (8/ 248/ 7975)].
[السند]:
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) -ومن طريقه الطبراني في (الكبير) - عن المثنى بن الصباح عن القاسم الشامي، أن مولاةً له يُقالُ لها: أم هاشم أجلستْهُ في السترِ بدواةٍ وقلمٍ وأرسلتْ إلى أبي أمامة فسألتْهُ عن حديثٍ حدَّثَهُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الوضوءِ فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: المثنى بن الصباح؛ قال عنه الحافظ: "ضعيفٌ اختلطَ بأَخَرَةٍ"(تقريب 6471).
الثانيةُ: جهالةُ الرسولِ الذي أرسلته أم هاشم مولاة القاسم إلى أبي أمامة،
كما أن أمَّ هاشم هذه لا يُعرفُ عنها سوى أنها امرأةُ يزيدَ بنِ معاويةَ أم ولده خالد، وكانت تكنى به. انظر (تاريخ دمشق 69/ 111).
ولكن شطره الأول في خروج الخطايا مع الوضوء قد صَحَّ من حديث عمرو بن عبسة وغيره كما سبق وكما سيأتي من حديث عثمان رضي الله عنه وغيره.
وشطره الثاني سيأتي عن أبي أمامة من طريقٍ آخر محتمل للتحسين، فانظره في باب (فضل الوضوء مع الصلوات الخمس).
وانظر بقيةَ روايات حديث أبي أمامة مفرَّقة تحت الأبواب المذكورة في المجلد.
1387 -
حَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (وَقِيلَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) الصُّنَابِحِيِّ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ» .
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: «حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» ، فالصحيحُ ما في مسلمٍ من حديثِ عمرِو بنِ عبَسةَ:«إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ المَاءِ» .
وهذا إسنادٌ مختلفٌ فيه:
فرَجَّحَ إرساله: البخاريُّ، والترمذيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والقابسيُّ، وأبو عمرٍو الدانيُّ، وابنُ العربي، وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، والزيلعيُّ، والقاضي أبو طالب، والقرطبيُّ، والذهبيُّ.
وصَحَّحَهُ: الحاكمُ، والمنذريُّ، وابنُ القطانِ الفاسيُّ، والبُلقينيُّ، ومالَ إليه العراقيُّ، وابنُ حجرٍ. وصَحَّحَهُ لغيرِهِ: الألبانيُّ.
[الفوائد]:
قال ابنُ عبد البرِّ: ((وقد استدلَّ بعضُ أهلِ العلمِ على أنَّ الأذنين من الرأسِ
وأنهما يُمسحان بماءٍ واحدٍ مع الرأسِ- بحديثِ الصنابحيِّ هذا لقولِهِ فيه: «فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ أُذُنَيْهِ» )) (التمهيد 4/ 32).
وقال أيضًا: ((واستدلَّ بعضُ مَن لم يُجزِ الوضوءَ بالماءِ المستعملِ بحديثِ الصنابحيِّ هذا وقال: الماءُ إذا تُوضئَ به مَرَّةً خرجتِ الخطايا معه فوجبَ التنزهُ عنه لأنه ماءُ الذنوبِ. وهذا عندي لا وجهَ له لأن الذنوبَ لا تُنَجِّسُ الماء لأنها لا أشخاصَ لها ولا أجسامَ تمازج الماء فتفسده. وإنما معنى قوله: «خَرَجَتِ الخَطَايَا مَعَ المَاءِ» إعلام منه بأن الوضوءَ للصلاةِ عملٌ يُكَفِّرُ اللَّهُ به السيئات عن عبادِهِ المؤمنينَ رحمةً منه بهم وتفضلًا عليهم، أُعلموا بذلك لِيَرْغَبُوا في العملِ بهِ» (التمهيد 4/ 42).
[التخريج]:
[ن 107 (واللفظ له) / كن 131/ جه 283/ طا 66/ حم 19064، 19065، 19068/ ك 451/ طس 2794/ هق 384/ شعب 2478/ تخأ 691 - 693/ تخث (السفرالثاني/ 1156) / محد 120/ تجر (صـ 94) / صبغ 2366 (مختصرًا جدًّا) / نو 19/ مطغ 343/ بكع 24/ محد 120/ فضش 32/ عيبة (1/ 45، 44) / ملك (عيبة 1/ 56) / حلب (9/ 4258) / وسيط (2/ 161 - 162) / شذا (الأول 159) / كر (35/ 124) / قيام (صـ 34) / مخلق 381/ داني (علوم 34) / تد (2/ 196)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ رواه زيدُ بنُ أسلمَ، واختُلِفَ عليه في تحديدِ اسمِ راويه على النحوِ التالي:
فرواه مالكُ بنُ أنسٍ عنه، واختُلِفَ عليه:
فرواه جمهورُ الرُّوَاةِ: (يحيى بن يحيى، والقعنبي، وأبو مصعب، وابن أبي أويس، وابن وهب، وغيرُهُم) عن مالكِ بنِ أنسٍ عن زيدِ بنِ أسلمَ بسندِهِ فقالوا: عبد الله الصنابحي.
واختُلِفَ على قتيبةَ بنِ سعيدٍ، فقال في رواية النسائي (الصغري 107):"الصنابحي"، ولم يسمه.
بينما قال الحسنُ بنُ سفيانَ النسويُّ في (الأربعين) عن قتيبةَ: عبدُ اللهِ الصنابحيُّ.
ورواه إسحاقُ الطَّبَّاعُ واختُلِفَ عليه كذلك:
فرواه أحمدُ بنُ حَنبلٍ عنه كما في (المسند 19068) مُوافقًا للجماعةِ ولكنه أوقفه، وهو غريبٌ، فلم يذكرْ أحدٌ ممن خرَّجَ الحديثَ أن ثَمَّ اختلافًا في رفعه أو وقفه على مالكٍ، بَيْدَ أن عبد الرحمن بن مهدي قد تابعَ الطباع على وقفِهِ كما عند أحمدَ في نفسِ الموضعِ.
وعلى كلٍّ فروايةُ الجماعةِ على الرفعِ أصح.
ورواه يوسفُ بنُ راشدٍ عنِ الطَّبَّاعِ عن مالكٍ بهذا عن أبي عبد الله الصنابحيِّ، زادَ فيه أداة الكنية، أخرجه البخاريُّ في (تاريخه الأوسط 692)، وقال:"وهذا عندي أصح"(الإعلام 1/ 99)، ونحوه في (التاريخ الأوسط 697).
وتابع الطباع على الوجه الثاني مطرف ابن أخت مالك كما في (رغائب الوضوء والغسل من الواضحة لعبد الملك بن حبيب مخطوط 1/ أ).
غير أن عبد الملك بن حبيب متكلمٌ فيه لسوءِ حفظِهِ وغلطه، وكان صحفيًّا يُخطئُ في الأسانيدِ. انظر (تهذيب التهذيب 6/ 390)
وروايةُ الجماعةِ عن مالكٍ أصحُّ وأثبتُ؛ لذلك حكمَ ابنُ حَجرٍ على روايةِ مطرف وإسحاقَ بنِ الطَّبَّاعِ بالشذوذِ فقال: "وقعَ عندهم عن مالكٍ بهذا عن أبي عبد الله الصنابحي، زادوا أداة الكنية، وشَذَّا بذلك"(الإصابة 6/ 430).
ويؤيدُ ذلك ما ذكره أبو الفضل السليمانيُّ في (الحَثِّ على اقتباسِ الحديثِ)، عن إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى قال: ((قلتُ لمالكٍ: إن الناسَ يقولونَ: إنك تُخطئُ في أسامي الرجال؛ تقول: عبد الله الصنابحي، وإنما هو أبو عبد الله الصنابحي
…
، فقال مالكٌ: هكذا حفظنا، وهكذا وقعَ في كتابي، ونحن نُخطئُ، ومَن يَسْلمُ من الخطأ؟ ! )) (الإعلام لمغلطاي 1/ 98).
وقد توبعَ مالك على تسميته بـ"عبد الله الصنابحي"، تابعه:
1 -
زهير بن محمد العنبري، عند ابن أبي خيثمة في (التاريخ - السفر الثاني 2/ 1156).
وزهير إنما تُكلِّمَ في روايةِ الشاميينَ عنه، وهذا من رواية [أبي] عامر العقدي وهو بصري.
2 -
حفص بن ميسرة، عند ابن ماجه (283) وغيره، ولكنها من طريق سويد بن سعيد، وكان يتلقن، وقد جرَّحه ابن معين.
3 -
محمد بن جعفر بن أبي كثير، عند ابن شاهين في (فضائل الأعمال 32)، وقد جاءَ فيها التصريحُ بسماعِ الصنابحيِّ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنها من طريقِ ابنِ عقدةَ، وهو متكلَّمٌ فيه، عن خالدِ بنِ مَخْلَد القَطَواني، وقد ذكرَ أحمدُ وغيرُهُ أن في أحاديثِهِ مناكيرَ.
ورواه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيدٍ، واختلفَ عليه:
فرواه ابنُ منده من طريقِ أبي غسان بسندِهِ عن عبد الله الصنابحي مثل رواية مالك، ذكره ابنُ حَجرٍ في (الإصابة 6/ 430) غير أنه لم يبرزْ لنا الراوي عن أبي غسان.
وكيفما كان، فقد خالفه أبو سعيد مولى أبي هاشم، وحسين بن محمد فرَويَاهُ عن أبي غسان محمد بن مطرف بسنده، وقال فيه:"أبو عبد الله الصنابحي"(المسند 19064، 19065).
ورواه ابنُ أبي مريمَ عنه عن زيدٍ مرسلًا! رواه البخاريُّ في (التاريخ الأوسط 691).
ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، واختُلف عليه:
فرواه الحسين بن حفص -وكان صدوقًا- عنه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
(1)
عبد الرحمن الصنابحي به، أخرجه أبو الشيخ في (طبقات المحدثين 2/ 57).
بينما رواه البغويُّ في (المعجم 2366) من طريقِ شعيبِ بنِ حَربٍ -وكان ثقةً- قال: نا هشام بن سعد بسندِهِ عن عبد الله الصنابحي موافقًا، لروايةِ مالكٍ ومن تابعه.
ورواه روحُ بنُ القاسمِ، وقال فيه:"الصنابحيُّ" بدون كنية ولا تعيين،
(1)
أسقطَ محقق الطبقات الكنية مع أنه ذكر في الحاشية أنها ثابتةٌ في النسختين اللتين حقق عليهما الكتاب، اعتمادًا منه على أن الصحيحَ فيه عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي لا أبو عبد الرحمن.
أخرجه ابنُ شَاذان في (الأول من حديثه) -ومن طريقه ابن رشيد الفهري في (ملء العيبة 1/ 44) -، ولكن إسنادِهِ لين.
ونظرًا لهذا الاختلافِ على زيدِ بنِ أسلمَ في تعيينِ اسمِ الصحابيِّ اختلفتْ عباراتُ النُّقَّادِ في الحُكمِ على الحديثِ:
فمَن ترجَّحَ لديه أن عبدَ اللهِ الصنابحيَّ صحابيٌّ؛ صَحَّحَ الحديثَ. ومَن ترجَّحَ لديه أن عبد الله الصنابحي وهم، وليسَ له وجودٌ، وإنما هو عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحيُّ التابعيُّ حَكَمَ على الحديثِ بالارسالِ، ومن تساوتْ عنده الترجيحات تَوَقَّفَ ولم يبت فيه بشيءٍ.
فذهبَ الحاكمُ إلى تصحيحِ الحديثِ فقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، ولم يخرجاه، وليس له علةٌ، وإنما خرَّجا بعضَ هذا المتنِ من حديثِ حُمْرَانَ، عن عثمانَ وأبي صالح، عن أبي هريرةَ غير تمام، وعبدُ اللهِ الصنابحيُّ صحابيٌّ مشهورٌ، ومالكٌ الحَكَمُ في حديثِ المدنيينَ".
ووافقه على ذلك المنذريُّ في (الترغيب والترهيب 297)، والبُلقينيُّ في (الطريقة الواضحة في تمييز الصنابحة صـ 188) وعلَّق قائلًا بعد ذكر كلامِهِ:"وكأنه لم يعرج على كلامِ البخاريِّ المتقدم في القضاءِ بإرسالِ هذا الحديثِ".
وسيأتي كلامُ البخاريِّ بتمامه بعد قليل.
والقولُ بصحبةِ عبدِ اللهِ الصنابحيِّ يدخلُ فيه كل مَن ترجم له في الصحابة؛ مثل ابن السكن حيثُ ترجمَ له قائلًا: "عبدُ اللهِ الصنابحيُّ يقالُ: له صحبةٌ معدودٌ في المدنيين، روى عنه عطاءُ بنُ يَسار"(تهذيب التهذيب 6/ 91).
والبغويُّ في (معجم الصحابة 3/ 500) فقال: "عبد الله، ويقالُ: أبو عبد الله الصنابحي، سكن المدينةَ وروى عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثين"، وأبو نعيم في (معرفة الصحابة 3/ 1687) حيثُ قال:"عبد الله الصنابحي حديثُهُ عند عطاء بن يسار مختلفٌ فيه، قال ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: إن اسمه عبد الله، وقيل: أبو عبد الله، وخالفه غيره فقال: هذا غير أبي عبد الله، اسمه عبد الرحمن، وهذا اسمه عبد الله".
قلنا: وتَعَقَّبَ مقولةَ الحاكمِ السابقةِ إبراهيمُ الناجيُّ وذلك بعد أن ذكرَ أقوالَ العلماءِ بتوسعٍ رادًّا على المنذريِّ في نقله عن عبد الله الصنابحي أنه صحابيٌّ مشهورٌ، غير أنه قد لحقه الوهم حيثُ ظَنَّ أن الكلامَ السابقَ للمنذريِّ وليس كذلك، وإنما ساقه المنذريُّ عنِ الحاكمِ، وسيأتي ذِكْرُ أقوالِ أهلِ العلمِ بعد قليلٍ، فانظره، وانظر (عجالة الإملاء للناجي 1/ 292 - 312).
وكذا تَعَقَّبَهُ الذهبيُّ فقال: "لا" يعني أنه غيرُ صحيحٍ، وأن راويه ليس صحابيًّا، يوضحُ ذلك ما ذكره في ترجمة عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي من السير فقال:"وقال ابنُ سعدٍ: كان عبد الرحمن الصنابحي ثقةً، قليلَ الحديثِ، وقال غيرُهُ: له أحاديث يرسلها، وبعضُهم يهم فيه، فيقولُ: عبد الله الصنابحي، وبعضُهم يقول: أبو عبد الرحمن الصنابحي"(سير أعلام النبلاء 3/ 507).
وكأن الذهبيَّ أخذَ قولَهُ هذا منَ البخاريِّ وشيخه علي بن المديني ومن تبعهما في توهيم قول من قال: عبد الله الصنابحي.
أما قولُ عليِّ بنِ المدينيِّ، فذكره ابنُ عساكر في (تاريخه 35/ 122) بسندِهِ إلى أبي بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال: قال جدي
يعقوبُ: هؤلاء الصنابحيون الذين يروى عنهم في العدد ستة إنما هم اثنان فقط: الصنابحي الأحمسي وهو الصنابح الأحمسي هذان واحد فمن قال: "الصنابحي الأحمسي" فقد أخطأَ ومن قال: "الصنابح الأحمسي" فقد أصابَ، هو الصنابحُ بنُ الأعسرِ الأحمسيُّ، أدركَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو الذي يروي عنه الكوفيون، روى عنه قيس بن أبي حازم، قالوا: وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي كنيته أبو عبد الله، يروي عنه أهلُ الحجازِ وأهلُ الشامِ، لم يدركِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ المدينةَ بعد وفاته -بأبي هو وأمي- بثلاثِ ليالٍ أو أربع، روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعن بلالٍ وعن عُبادة بن الصامت وعن معاويةَ. وروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أيضًا أحاديث يرسلها عنه.
فمن قال: "عن عبد الرحمن الصنابحي" فقد أصابَ اسمه، ومن قال:"عن أبي عبد الله الصنابحي" فقد أصابَ كنيته، وهو رجلٌ واحدٌ "عبد الرحمن" أو "أبو عبد الله" ومن قال:"عن أبي عبد الرحمن الصنابحي" فقد أخطأَ، قلبَ اسمه فجعلَ اسمه كنيته. ومن قال:"عن عبد الله الصنابحي" فقد أخطأَ، قلبَ كنيته فجعلها اسمه.
هذا قولُ عليِّ بنِ المدينيِّ ومن تابعه على هذا، وهو الصوابُ عندي، هما اثنان، أحدهما أدركَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم والآخرُ لم يدركه، يدلُّ على ذلك الأحاديث".
فذَهَبَ عليُّ بنُ المدينيِّ ووافقه يعقوبُ بنُ شيبةَ إلى أن عبدَ اللهِ الصنابحيَّ وهمٌ، وإنما هو أبو عبد الله الصنابحيُّ عبد الرحمن بن عسيلة التابعيُّ.
لذلك وَهَّمَ البخاريُّ مالكًا في قولِهِ عبد الله الصنابحي، فقال فيما سأله عنه الترمذيُّ:
"سألتُ أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريَّ عن حديثِ مالكِ بنِ أنسٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يَسارٍ، عن عبد الله الصنابحيِّ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ فِيهِ
…
» الحديث، فقال: مالكُ بنُ أنسٍ وَهِمَ في هذا الحديثِ، فقال: عبد الله الصنابحي، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديثُ مرسلٌ" (العلل الكبير للترمذي صـ 21).
ووافقَ القاضي أبو طالب عقيل بن أبي عقيل القضاعي البخاري في توهيم مالك فقال: "في كتابِهِ الذي خرَّج فيه أحاديث الموطأ مفردةً مما سواها مع إبقاء ما هو عليه منَ الترتيبِ والتبويبِ: هكذا روى يحيى بنُ يحيى وجمهورُ الرُّواةِ هذا الحديثَ عن مالكٍ، قالوا فيه: "عن عبد الله الصنابحي" وهو وهمٌ، فإنه ليس في الصحابةِ عبد الله الصنابحي ولا في التابعين أيضًا، وإنما هو أبو عبد الله الصنابحيُّ، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، وهو من كبارِ التابعينَ، معدودٌ في الشاميينَ، وأحاديثُهُ مرسلةٌ لأنه لم يَلْقَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقد رُوِي عنه أنه خَرَجَ من اليمنِ مهاجرًا، فلما بلغَ الجحفةَ بلغه وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ملء العيبة صـ 47).
وكذلك القرطبيُّ حيثُ قال: "والصوابُ أبو عبد الله لا عبد الله، وهو مما وهم فيه مالك، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، تابعي"(المفهم لما أشكل من صحيح مسلم 6/ 107).
وقد وافقَ الترمذيُّ البخاريَّ على القولِ بالإرسالِ فقالَ بعد أنْ أَسندَ حديثَ أبي هريرةَ رضي الله عنه من جامعِهِ وهو حديثُ: «إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ -أَوِ المُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ
قَطْرِ المَاءِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا- وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ».
قال رحمه الله: ((وفي الباب عن عثمان، وثوبان، والصنابحي، وعمرو بن عبسة، وسلمان، وعبد الله بن عمرو" ثم قال: "والصنابحيُّ هذا الذي روى عن أبي بكر الصديق ليسَ له سماعٌ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ويكنى أبا عبد الله، رَحَلَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو في الطريقِ، وقد روى عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديثَ، والصنابحُ بنُ الأعسرِ الأحمسيُّ صاحبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يقالُ له: الصنابحيُّ أيضًا، وإنما حديثُهُ قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقولُ: «إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ فَلَا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِي»)) (جامع الترمذي 1/ 6 - 8).
وأقرَّهُ على ذلك البغويُّ في (شرح السنة 3/ 320).
ووافقهما كذلك ابنُ عبدِ البرِّ على ذلك، إلا أنه حَمَلَ الاختلافَ فيه على اضطرابِ زيدٍ؛ فقال عند الكلامِ على حديثِ:((إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ)) -وقد حَدَثَ فيه نحو الاختلاف المذكور في حديثنا-: "هكذا قال يحيى في هذا الحديثِ عن مالكٍ عن عبد الله الصنابحي، وتابعه القعنبيُّ وجمهورُ الرُّواةِ عن مالكٍ
…
وما أَظُنُّ هذا الاضطرابَ جاءَ إلا من زيدِ بنِ أسلمَ والله أعلم" ثم قال: "والصوابُ عندهم قولُ من قالَ فيه أبو عبد الله وهو عبد الرحمن بن عسيلة، تابعيٌّ ثقةٌ ليستْ له صحبةٌ، ثم ذكرَ قولَ ابنِ مَعينٍ أنه سُئِلَ عن أحاديثِ الصنابحيِّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مرسلةٌ، ليستْ له صحبةٌ" (التمهيد 4/ 2 - 3).
بينما قالَ الحافظُ معلقًا على كلامِ البخاريِّ: ((وظاهرُهُ أن عبدَ اللهِ الصنابحيَّ لا وجودَ لَهُ، وفيه نظرٌ؛ فقد روى سويدُ بنُ سعيدٍ عن حفصِ بنِ ميسرةَ عن
زيدِ بنِ أسلمَ حديثًا غير هذا، وهو عن عطاءِ بنِ يَسار أيضًا عن عبد الله الصنابحيِّ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ
…
» الحديث.
وروى زهيرُ بنُ محمدٍ، وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم بهذا السندِ حديثًا آخر عن عبد الله الصنباحي عن عبادة بن الصامت في الوتر، أخرجه أبو داود، فوروده عن الصنابحيِّ في هذين الحديثين من روايةِ هؤلاءِ الثلاثة عن شيخِ مالكٍ- يدفعُ الجزمَ بوهم مالكٍ فيه)) (الإصابة 6/ 431).
قلنا: في كلامِ الحافظِ هذا أمران:
الأول: تَعَقُّب الحافظ على البخاريِّ في نسبته الوهم الوارد في إسناد الحديث إلى مالك.
الثاني: رُدُّ الحافظِ لما استظهره من كلامِ البخاريِّ وهو أن عبد الله الصنابحي لا وجودَ له.
* فأما الأمرُ الأولُ -وهو نفيُ القولِ بتوهيم مالك- فقد سَبَقَهُ إليه كلّ من القاضي عياض، والمزي، وابن القطان الفاسي، والبُلقيني.
فقال القاضي رحمه الله: "قد رواه غيرُ مالكٍ عن زيد بن أسلم كما قال مالك، وهو قول أكثرهم، فمالك إنما روى عن زيد ما روى غيره فدلَّ أن الوهمَ ليس منه، وقد رواه معمرٌ والدراورديُّ وغيرُهُما عن زيدٍ عن أبي عبد الله الصنابحيِّ كما قال البخاريُّ، ورواه بعضُهم عنه عن الصنابحيِّ غير مسمَّى ولا مكني، وقد رواه الطَّبَّاعُ وبعضُ رواة مالك فقالوا: "عن أبي عبد الله" وقال ابنُ مَعينٍ: عبد الله الصنابحي يَروي عنه المدنيون، يشبه أن تكونَ له
صحبةٌ، ورُوي عنه أيضًا غير هذا أو أنَّ أحاديثَهُ مُرْسَلةٌ، قال أبو عمر: ليس في الصحابة عبد الله الصنابحي" (مشارق الأنوار 2/ 124).
وقال المزيُّ -بعد أن ذَكَرَ نحوًا مما ذكره الحافظُ-: "فنسبة الوهم في ذلك إلى مالك فيه نظر"(تهذيب الكمال 16/ 345).
وقال ابن القطان الفاسي: "ونسبةُ الوهمِ فيه إلى مالكٍ، وإلى من فوقه- كلُّ ذلك خطأ، ولا سبيلَ إليه إلا بحُجةٍ بَيِّنَةٍ"، ثم أكَّدَهُ بمتابعةٍ أبي غسان لمالكٍ" انظر (بيان الوهم والإيهام 2/ 614).
وقال البُلقيني: "واعلم أنَّي ظفرتُ بروايةٍ قاطعةٍ للنزاعِ، مُصرِّحة بالسماعِ، تظهرُ بها صحة المسالك، ودفع الوهم عن الإمام مالك. ثم أسندَ رحمه الله ما رواه الإمامُ أحمدُ رحمه الله من مسندِهِ فقال: "حدثنا روح، حدثنا مالك وزهير بن محمد قالا: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: سمعتُ عبد الله الصنابحيَّ يقولُ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بِقَرْنَيْ شَيْطَانٍ
…
» الحديث " وهي في (المسند 19070).
قال البلقينيُّ: إسنادُهَا صحيحٌ
…
إلى أن قال رحمه الله: "وقد ظَهرَ للمنصفِ بهذه الروايةِ أن الصحابيَّ الراوي في ذلك صحابي، فصرَّحَ بالسماعِ"(الطريقة الواضحة في تمييز الصنابحة صـ 166 - 167).
وكلامه هذا قد يُحتملُ لولا الكلام في زهير بن محمد، فقد قال ابنُ عبدِ البرِّ على روايتِهِ هذه التي صرَّح فيها بالسماعِ:"وزهيرُ بنُ محمدٍ لا يُحتجُّ به إذا خالفه غيره، وقد صَحَّفَ فَجَعَلَ كنيته اسمه، وكذلك فَعَلَ كلُّ من قالَ فيه: "عبد الله" لأنه أبو عبد الله"(التمهيد 4/ 3)
وأَوْلى مِن ذلك الاستدلالُ بمتابعةِ حفص بن ميسرة ومحمد بن جعفر
لمالكٍ على قولِهِ؛ لأن المحفوظَ عن أبي غسان خلافُ ما رواه مالك، كما سبقَ ذِكْرُهُ، ولكن في ثبوتِ روايةِ حفص وابن جعفر نظرٌ كما سبقَ.
* وأما الأمرُ الثاني ففيه نظر؛ إذ إن الحديثين اللذين ذكرهما الحافظُ إنما يُستدلُّ بهما على أن الوهم في اسم راوي الحديث ليس من مالك، بل من غيرِهِ، وهكذا استدلَّ بهما المزيُّ.
أما الاستدلالُ بهما على وجودِ رجلٍ يُسمَّى عبد الله الصنابحي، فغير مُسَلَّم؛ لأن حديثَ "طلوع الشمس بين قرني شيطان" قدِ اختُلفَ فيه على زيدِ بنِ أسلمَ أيضًا، وسيأتي توهيم الذهبيِّ لقولِ سويدٍ فيه:"سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم".
وأما حديثُ الوترِ، فقد رواه آدم بن أبي إياس عن أبي غسان به، وقال فيه:"عن أبي عبد الله الصنابحي"، قال الحافظُ:"وهو الصوابُ"(النكت الظراف/ مع التحفة 4/ 255).
بل أعلَّه أبو حاتم برواية هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن عبادة به، قال أبو حاتم:"الصحيحُ هذا، ومحمد بن مطرف لم يضبطْ هذا الحديث، وكان محمد بن مطرف ثقةً"(العلل 239).
وقد سبقَ ابنُ القطانِ الفاسي الحافظَ ابنَ حَجرٍ إلى رَدِّ هذا الظاهر من كلامِ البخاريِّ، والاستدلال بهذه الطرق التي ذكرها الحافظُ على تصويبِ ما جاءَ في إسنادِ مالكٍ، ومما قاله في ذلك: "والمتحصل من هذا أنهما رجلان، أحدهما أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، ليستْ له صحبةٌ، يروي عن أبي بكر وعبادة، والآخر عبد الله الصنابحي يروي أيضًا عن أبي بكر وعن عبادة، والظاهرُ منه أن له صحبة، ولا أبتُّ ذلك، ولا -أيضًا
- أجعله أبا عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة؛ فإن توهيم أربعة من الثقات في ذلك لا يصحُّ، فاعلمه، والله الموفق" (بيان الوهم والإيهام 2/ 616).
وتَعَقَّبَهُ في كلامِهِ هذا الحافظ الذهبي، فقال:"من أبعد الأشياء أن يكون رجلان صنابحيان كل منهما يروي عن أبي بكر وعبادة، أحدهما: أبو عبد الله، ما له صحبة؛ والآخر: عبد الله، له صحبة، مع جعلهما واحدًا عندَ البخاريِّ، والترمذيِّ، وأبي حاتم، وابنه، وابن عبد البر، وغيرهم. بل القوي: أنه واحد مشهور النسبة مختلف في اسمه، كاد أن يكون صاحبيًّا لقدومه المدينة بعد وفاة المصطفى بليالٍ، وما رأيناه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلا في حديثٍ واحدٍ، تفرَّدَ بلفظ (سمعتُ): سويد بن سعيد عن حفص؛ وسويد فيه مقال، وما هو بالحجة [أضرَّ] بأخرة، وشاخَ وربما يلقن"(الرد على ابن القطان للذهبي 31).
قلنا: وممن ذهبَ إلى القولِ بإرسالِ أحاديث عبد الله الصنابحي هذا- أبو حاتم رحمه الله كما في المراسيلِ لابنه، قال في ترجمة عبد الله الصنابحي:"قال أبي: الصنابحي هم ثلاثة، فالذي يروي عنه عطاء بن يسار هو عبد الله الصنابحي ولم تصح صحبته"(المراسيل 381) وفي (439) قال: "سمعتُ أبي يقولُ: الصنابحيُّ هم ثلاثة، الذي يروي عنه عطاءُ بنُ يَسارٍ فهو عبد الله الصنابحي لم تصحَّ صحبته. والذي روى عنه أبو الخير فهو عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، يروي عن أبي بكر الصديق وعن بلالٍ ويقولُ: قَدِمْتُ المدينةَ وقد قُبضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبلي بخمس ليالٍ ليستْ له صحبة، والصنابح بن الأعسر له صحبة، روى عنه قيس بن أبي حازم ومن قال في هذا: (الصنابحي) فقد وهم"،
وكذلك أبو زرعةَ الرازيُّ، قال ابنُ أبي حاتم في ترجمة عبد الرحمن بن
عسيلة منَ المراسيلِ:
"سمعتُ أبا زرعةَ يقولُ: الصنابحي الذي له صحبة هو الصنابح بن الأعسر الأحمسي، والذي ليستْ له صحبة هو الصنابحيُّ واسمه عبد الرحمن بن عسيلة؛ قَدِم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يلْحقه، تُوفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو بالجحفة"(المراسيل 438)،
وهو أصحُّ القولين عنِ ابنِ مَعينٍ، فقال ابنُ عبدِ البرِّ:"وأصحُّ من هذا عنِ ابنِ مَعينٍ أنه سُئِلَ عن أحاديث الصنابحي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: مرسلةٌ ليستْ له صحبة".
ومما يزيدُ ذلك وُضوحًا عنِ ابنِ مَعينٍ ما نقله عنه عباسٌ الدوريُّ قال: "سمعتُ يحيى يقولُ: وعطاء بن يسار يَروي عن عبد الله الصنابحي، قال يحيى بن معين: ويقولون: أبو عبد الله الصنابحي"(تاريخ ابن معين رواية الدوري 26) وفي (537) قال: "سألتُ يحيى قلتُ: الصنابحي رآه زيد بن أسلم فإنه يروى عنه. قال: لا، بينهما عطاء بن يسار، ثقة".
قلنا: فلو كانتْ ثبتتْ عنده صحبتُه ما قال: ثقة.
وقال أبو عمرو الدانيُّ في بيانِ المرسلِ والمتصلِ منَ الأحاديثِ:
"فأما من لا يُعرفُ أنه أدرك من يحدث عنه فذلك لا يتحمل اتصال حديثه بل يطلقُ عليه الإرسال.
ومثال ذلك ما:
…
إلى أن قال: وكذلك قوله «إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ
…
» وشبه ذلك إذا وَرَدَ عمن لا تُعرف له صحبة، فلا يصحُّ دروكه من يَروي عنه" (علوم الحديث لأبي عمرو الداني صـ 80).
وكأنه أخذَ مقولتَهُ هذه من القابسيِّ في مقدمته لتلخيص موطأ مالك حيثُ قال: "أما من لا يعرف أنه أدركَ من يحدث عنه فذاك لا يحتمل اتصاله، كقولِ عبد الله الصنابحي: إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ
…
»، وقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الشَمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . فلم يعرف حذاق المحدثين لعبد الله هذا صحبة، فوقف بعضُهم، وأطلقَ آخرون النكير، وصرفوه إلى من أيقنوا أنه ليس له صحبة، فإذا استيقنوا الصحبة عدوا الحديث موصولًا إذا جاءَ في الألفاظِ التي تقدَّمَ وصفها (موطأ مالك رواية عبد الرحمن بن قاسم مع تلخيص القابسي 1/ 39).
وممن ذهبَ أيضًا إلى الإرسالِ ابنُ العربي رحمه الله فقال: "وقد رواه مالكٌ عن الصنابحيِّ مرسلًا "(عارضة الأحوذي (1/ 13)، وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ فقال:"وعبد الله الصنابحي لم يَلْقَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم"(الأحكام الوسطي 1/ 171)، ووافقه الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 21).
وقال مغلطاي: "هذا حديثٌ مختلفٌ في إرسالِهِ واتصالِهِ"(شرح ابن ماجه 1/ 96).
ولكن متنُ الحديثِ صحيحٌ؛ تقدمتْ له شواهد من حديث عثمان وأبي هريرة وعمرو بن عبسة وغيرهم.
وإلى ذلك أشارَ ابنُ عبدِ البرِّ، فقال -بعد أن رجَّحَ إرساله-:"ويستندُ هذا الحديث أيضًا من طرق حسان من حديث عمرو بن عبسة وغيره" اهـ. (التمهيد 4/ 31).
وقال العراقيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ، ولكن اختلف في (صحبته)، وعند مسلمٍ من حديث أبي هريرة وعمرو بن عبسة نحوه مختصرًا " (المغني عن حمل
الأسفار 1/ 84/ 320).
وقال الألبانيُّ: "صحيحٌ لغيرِهِ"(صحيح الترغيب والترهيب 185).
قلنا: وليس في حديثِ مَن تَقَدَّمَ قولُهُ في مسحِ الرأسِ: «حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» وإنما في حديثِ عمرِو بنِ عَبَسَةَ عند مسلمٍ: «خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ المَاءِ» .
1388 -
حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ
◼ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ -أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ: - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ» ثُمَّ قَالَ: «الصَّلَاةُ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ لَا صَلَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَكُونَ قِيدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَقْبُولَةٌ حَتَّى يَقُومَ الظِّلُّ قِيَامَ الرُّمْحِ، ثُمَّ لَا صَلَاةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ لَا صَلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَإِذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ رِجْلَيْهِ -قَالَ شُعْبَةُ: وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْحَ الرَّأْسِ- وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يُجْزَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يُجْزَى بِكُلِّ عُضْوَيْنِ مِنْ أَعْضَائِهِمَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنَ النَّارِ يُجْزَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا» .
[الحكم]:
صحيحٌ دونَ فقرةِ: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ
…
»، وإسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ، وقد صَحَّحَهُ ابنُ كثيرٍ، وابنُ حَجَرٍ، والألبانيُّ بشواهدِهِ.
[التخريج]:
[د 3967 (مختصرًا بذكر العتق) / كن 5072 - 5075/ جه 2530 (مختصرًا بذكر العتق) / حم 18059 (واللفظ له)، 18061، 18064، 18897، 18896/ ش 12774/ مش 614/ طي 1294 (مقتصرًا على
العتق) / مشكل 725، 726/ صبغ 2012/ طب (20/ 218 - 320/ 755 - 757) / هق 21348/ عب 3995 مختصرًا/ مث 1408، 1409/ منذ 2219/ مشكل 726، 728 - 731/ طبر (8/ 217) / مع (خيرة 525/ 1 - 3) / مسدد (خيرة 4964) / معر 723/ حث 76، 219/ صبغ 2852/ صحا 5827، 5829/ تمهيد (4/ 56) / بشن 656/ علقط (3398) / قا 2/ 378، 379/ غيل 377/ بشن 656/ تخث (السفر الثاني 2118، 2119، 2121/ غيب 2220/ لي (رواية ابن مهدي 341) / ثوري 127/ شجر 953/ عذر 1280/ حق (تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي 3/ 380) / وسيط (4/ 492)].
[السند]:
أخرجه أحمدُ في (المسند 18059)، ومن طريقه ابنُ بشران في (أماليه) قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن مُرة بن كعب -أو: كعب بن مُرة- السلمي -قال شعبةُ: قد حدَّثني به منصور، وذكر ثلاثة بينه وبين مرة بن كعب، ثم قال بعد: عن منصور عن سالم عن مرة أو عن كعب- به.
وأخرجه النسائيُّ في (الكبرى 5074): من طريقِ سفيان بن عيينة.
وأخرجه أيضًا في (الكبرى 5073) من طريقِ مفضل بن مهلهل.
وأخرجه ابنُ قانع في (معجم الصحابة) من طريقِ ورقاء.
وأخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني) من طريقِ شيبان، كلُّهم عن منصور عن سالم عن كعب بن مرة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ، إلا أنه منقطعٌ؛ سالم بن أبي الجعد لم يسمعْ من كعب بن مرة، فقد سُئِلَ ابن معين عن سالم بن أبي الجعد عن كعب بن مرة البهري فقال:"هو مرسلٌ؛ قد أدخلَ شعبةُ بينهما شُرَحْبيل بن السِّمْط"(جامع التحصيل 218).
ولم يتنبه لهذه العلةِ الحافظ ابن كثير، فصَحَّحَ إسنادَهُ كما في (تفسيره 3/ 60)، وكذا ابنُ حَجرٍ في (الإصابة 6/ 570).
ويؤيدُ القول بانقطاعه ما أخرجه [(النسائي في الكبرى 5072)، (والحارث في مسنده 76، 219)] من طريقِ زائدة بن قدامة عن سالم بن أبي الجعد قال: حُدِّثْتُ عن كعب بن مرة به.
وما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) -وعنه أحمدُ في (مسنده 18897) - عن سفيانَ الثوريِّ عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن رجلٍ عن كعبِ بنِ مُرَّةَ به.
قال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ من طريقين
…
ورجالُهُ رجالُ الصحيحِ، إلا أنَّ الإسنادَ الثاني فيه رجلٌ لم يُسَمَّ" (مجمع الزوائد 2/ 474).
قلنا: وهذا الوجهُ الذي أُبهم فيه شيخ سالم هو الذي رجَّحَهُ الدارقطنيُّ فقال: "وقولُ الثوريِّ ومن تابعه أصحُّ؛ لأن سالمًا لم يسمعْ من كعبِ بنِ مُرَّةَ، ولأن الأعمشَ روى عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة- حديث الاستسقاء"(العلل للدارقطني 3398).
قلنا: وعلى هذا فالواسطةُ بين سالم وكعب هو شرحبيل بن السمط كما قال
ابن معين.
وقد أخرجه أبو داود في (سننه 3967)، وابنُ أبي عاصمٍ (في الأحاد والمثاني 1408) من طريقِ شعبةَ، والنسائي في (الكبرى 5075)، وابن ماجه في (سننه 2530) من طريقِ الأعمشِ، كلاهما عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط قال: قُلْنَا لكعبِ بنِ مُرَّةَ: حَدِّثنا عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم واحذرْ.
قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
…
فذكره مختصرًا بذكرِ العتقِ.
وشرحبيل بن السمط ثقة، اختُلِفَ في صحبتِهِ، فلو كانتْ روايةُ سالمٍ عنه متصلةٌ لصحَّ الحديث؛ لكون الواسطة بين سالم وكعب ثقة، ولكن لم يسمعه سالم أيضًا من شرحبيل، وبهذا أعلَّه أبو داود، فقال:"لم يسمعْ سالم بن أبي الجعد من شرحبيل بن السمط؛ مات شرحبيل بصِفين"(د 3967).
ولم يتنبه لذلك الحافظ فقال: "إسنادُهُ صحيحٌ"(فتح الباري 5/ 147).
وتَعَقَّبَهُ في ذلك الألبانيُّ في (الصحيحة 6/ 217)، وأيدَّ القول بانقطاعِهِ بأدلة ذكرها، فانظرها إن شئت.
ومما يدلُّ على انقطاعه أيضًا ما رواه أحمد (18059) من طريقِ شعبةَ قال: قد حدَّثني به منصور، وذكر ثلاثة بينه وبين مرة بن كعب ثم قال بعد: عن منصور عن سالم عن مرة أو عن كعب.
ولكن لم نقفْ على هذه الرواية بذكر الثلاثة بين سالم وبين مرة بن كعب أو كعب بن مرة.
وعن سالم فيه وجوه أخرى:
فرواه الترمذيُّ (1630) من طريقِ عمران بن عيينة عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره مرفوعًا، في العتق فقط.
قال الترمذيُّ: ((حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ
…
وفي الحديثِ ما يدلُّ على أن عتقَ الذكورِ للرجالِ أفضل من عتقِ الإناثِ)).
قال الألبانيُّ: ((لكن مدار جل طرقه على سالم بن أبي الجعد، وقد اختلفَ عليه في إسنادِهِ على وجوهٍ: الأول: هذا، جعله من مسند أبي أمامة، وقد تفرَّدَ به عمران بن عيينة، وفيه كلامٌ من قبل حفظه، وقد أشارَ لذلك الحافظُ بقولِهِ: "صدوقٌ له أوهامٌ"، فتصحيحُ حديثه غير مقبول، وحَسْبه التحسين إذا لم يخالف)) (الصحيحة 6/ 216).
قلنا: وقد خُولِفَ؛ فرواه علي بن عاصم عن حصين عن سالم عن عمرو بن عبسة، خرَّجه البيهقيُّ في (الشعب 4031).
وسالم لم يسمعْ منِ ابنِ عَبَسَةَ، والمحفوظُ أنه رواه عنه بواسطةِ معدان كما في الوجهِ التالي:
فقد رواه أحمد (17022، 19428)، وأبو داود (3965) من طريقِ قتادةَ، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيح السلمي (وهو عمرو بن عبسة) قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن الطائف أو قصر الطائف، فقال: «مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل، فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الجَنَّةِ
…
» الحديث، وفيه: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا، جَعَلَ اللَّهُ عز وجل وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهِ مِنَ النَّارِ. وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل جَاعِلٌ وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهَا مِنَ
النَّارِ».
ورواه الترمذيُّ (1734) مقتصرًا على الرمي بالسهم، ثم قال:"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ متصلٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، وهذا الوجه هو الأصحُّ من كل الوجوهِ المتقدمةِ"(الصحيحة 6/ 218).
قلنا: وليس في هذا الوجه جملة: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ» .
وقد جاءتْ هذه الجملة في حديث ابن عبسة من طريقِ أبي قلابةَ، وعَدَّهُ الألباني من شواهد الفقرة المذكورة، وهو طريقٌ ضعيفٌ معلٌّ بالإرسالِ كما سبقَ بيانُهُ.
وقد رواه مسلمٌ وأحمدُ من طريقٍ آخرَ عن عمرِو بنِ عَبَسَةَ مطولًا دون ذكر العتق، وفيه:«صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ» .
قال: فقلتُ: يا نَبيَّ اللهِ فالوضوءُ حدِّثني عنه. قَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ
…
»، الحديث، وقد سبقَ تخريجُهُ.
ورواه ابنُ خزيمةَ (277) من طريقِ أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة مطولًا، وفيه:
قلتُ: يا رسولَ اللهِ، عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُ.
قال: «سَلْ عَمَّا شِئْتَ» .
قلتُ: أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟
قال: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ» ، الحديث، وهو عند أبي داود (1277) من هذا الطريقِ إلا أنه اختصره.
ورواه النسائيُّ (582) من طريق معاوية بن صالح قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد قالوا: سمعنا أبا أمامةَ الباهليَّ يقولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ يقولُ: قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ مِنَ الأُخْرَى- أو: هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا-؟ قال: «نَعَمْ، إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عز وجل مِنَ العَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ عز وجل فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ» الحديث.
وهو عندَ الترمذيِّ (3880) من طريقِ معاويةَ بنِ صَالحٍ، عن ضمرةَ بنِ حبيبٍ، قال: سمعتُ أبا أمامةَ يقولُ: حدَّثني عمرُو بنُ عَبَسَةَ أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» .
قال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ".
والحديثُ عن عمرِو بنِ عَبَسَةَ أَوْلى من أن يكون عن كعب بن مرة أو مرة بن كعب؛ قال ابنُ عبدِ البرِّ في ترجمة كعب بن مرة: "وله أحاديث مخرجها عن أهل الكوفة، يروونها عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة السلمي البهزي. وأهل الشام يروون تلك الأحاديث بأعيانها عن
شرحبيل بن السمط، عن عمرو بن عبسة، والله أعلم" (الاستيعاب 3/ 1326).
قلنا: قد توبع شرحبيل عن عمرٍو كما سبقَ، ولم يتابعْ عن كعبٍ.
1389 -
حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ المُنْذِرِ
◼ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بنِ عَبْدِ المُنْذِرِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطُّهُورِ فَقَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُمَضْمِضُ فَاهُ إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ كُلَّ خَطِيئَةٍ أَصَابَهَا بِلِسَانِهِ ذَلَكَ اليَوْمَ، وَلَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ذَلِكَ اليَوْمَ، وَلَا يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إِلَّا كَانَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طس 8314].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) عن موسى بن زكريا، نا خالد بن يوسف السمتي، نا أبي قال: سمعت موسى بن عقبة عن عبيد بن سلمان عن أبيه عن أبي لبابة بن عبد المنذر به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأُولى: يوسفُ بنُ خَالدٍ السمتيُّ؛ قال عنه الحافظُ: "تركوه، وكذَّبه ابنُ مَعينٍ"(التقريب 7862).
وقال الهيثميُّ: ((رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) وفيه: يوسفُ بنُ خالدٍ السمتيُّ، وقد أجمعوا على ضَعْفِهِ)) اهـ. (مجمع الزوائد 1144).
والثانيةُ: ابنُه خالد بن يوسف، فيه لين، كما قال الذهبيُّ في (ديوان الضعفاء 1258)، وقال في (الميزان 1/ 648):"ضعيف". وذكره ابن حبان
في الثقات، وقال: يُعتبرُ حديثه من غير روايته عن أبيه". انظر (لسان الميزان 3/ 350).
1390 -
حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ نَهْرٍ يُغْتَسَلُ مِنْهُ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا عَسَى أَنْ يُبْقينَ عَلَيْهِ مِنْ دَرَنِهِ؟ يَقُومُ إِلَى الوَضُوءِ فَيَغْسِلُ يَديْهِ فَيَتَنَاثَرُ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَسَّ بِهَا يَدَيْهِ، وَيُمَضْمِضُ فَيَتَنَاثَرُ كُلُّ خَطِيئَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا لِسَانُهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فَيَتَنَاثَرُ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَتْ بِهَا عَيْنَاهُ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَيَتَنَاثَرُ كُلُّ خَطِيئَةٍ سَمِعَتْ بِهَا أُذُنَاهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ فَيَتَنَاثَرُ كُلُّ خَطيئَةٍ مَشَتْ بِهَا قَدَمَاهُ» .
[الحكم]:
تناثُرُ الذنوب والخطايا من أعضاء الوضوء مع الماءِ ثابتٌ بالأحاديثِ السابقةِ، وهذا الحديثُ بهذا السياقِ إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ وضَعَّفَهُ الهيثميُّ.
[التخريج]:
[عل 3907 (واللفظ له) / مسد (خيرة 529/ 2)، (مط 80)].
[التحقيق]:
لهذا الحديث طريقان:
الأُول: رواه أبو يعلى في (مسنده) قال: حدثنا محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، حدثنا مبارك -مولى عبد العزيز بن صهيب- عن عبد العزيز بن صهيب عن أنسٍ به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه مبارك مولى عبد العزيز بن صهيب، وهو مبارك بن سحيم؛ قال عنه الحافظُ:"متروكٌ"(التقريب 6461).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "أجمعوا على أنه ضعيفٌ متروكٌ" انظر (تهذيب التهذيب 10/ 27).
وقال الهيثميُّ: "رواه أبو يعلى، وفيه مبارك بن سحيم، وقد أجمعوا على ضَعْفِهِ" اهـ. (مجمع الزوائد 1138).
الثاني: رواه مسددٌ في (مسنده) قال: حدثنا عطاف بن خالد عن إسماعيل بن رافع عن أنسٍ به مطولًا جدًّا.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأُولى: إسماعيلُ بنُ رافعٍ، وهو المدنيُّ؛ قال عنه الحافظُ:"ضعيفُ الحفظِ"(التقريب 442).
الثانيةُ: انقطاعه؛ فإن إسماعيلَ بنَ رافعٍ من أتباعِ التابعين، وغالبُ رواياتِهِ عنِ التابعين، ولا يُعرفُ له سماعٌ ولا روايةٌ عن أحدٍ منَ الصحابةِ، ويبعدُ إدراكه لأنسٍ رضي الله عنه؛ إذ ماتَ أنسٌ سنة (92، أو 93 هـ)، ووفاة إسماعيل سنة (150 هـ) تقريبًا، والله أعلم.
وقولُهُ أولُ الحديثِ: «مَثلُ أُمَّتِي مَثلُ نَهرٍ يُغتَسَلُ منهُ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فما عَسَى أَنْ يُبْقِينَ عليهِ مِن دَرَنِهِ؟ » إنما يُعرفُ هذا التشبيه في شأنِ الصلاةِ، أخرجه البخاري (528)، ومسلم (667) من حديث أبي هريرة، ومسلم (668) من حديثِ جابرٍ، وسيأتي تخريجُهُما كاملًا -إن شاء الله تعالى- في باب "فضل الصلوات الخمس".
فأما تناثرُ الذنوبِ والخطايا من أعضاءِ الوضوءِ مع الماءِ، فثابتٌ بالأحاديثِ السابقةِ، وسيأتي حديثُ أنسٍ مع مزيدِ تخريجٍ -إن شاء الله- في باب "فضل الصلوات الخمس".
رِوَايَةُ يَبِسَ وَرَقُهَا
• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَجَرَةٍ قَدْ يَبِسَ وَرَقُهَا، فَأَخَذَهَا فَجَمَعَهَا بِيَدِهِ فَهَزَّهَا حَتَّى تَنَاثَرَ وَرَقُهَا فَقَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ إِلَّا تَنَاثَرَ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» .
[الحكم]:
مَتْنُهُ حسنٌ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[بشن 260].
[السند]:
رواه ابن بشران في (أماليه) قال: أخبرنا أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج، ثنا ابنُ شيرويه، ثنا إسحاق، ثنا خالد بن يزيد الصنعاني عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا به.
وإسحاقُ هو ابن راهويه، وخالد شيخ ابن لهيعة هو الجمحيُّ المصريُّ.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: ابنُ لهيعةَ، فهو "ضعيفٌ، سيئُ الحفظِ" خاصة في غير رواية العبادلة عنه كما هو معروف، وهذه الرواية ليست من رواية العبادلة عنه. انظر (تهذيب الكمال 15/ 487).
الثانيةُ: الانقطاعُ؛ فالظاهرُ أن سعيد بن أبي هلال لم يسمعْ من أنس بن مالك رضي الله عنه؛ فقد ذَكَرَ المزيُّ أن أنسًا رضي الله عنه من شيوخِهِ ثم قال: "ويقال: مرسل"(تهذيب الكمال 11/ 94).
ولعلَّه يشيرُ إلى قولِ ابنِ يونسَ: "قد لقي أنس بن مالك وروى عنه، وما في روايتِهِ عنه: (سمعتُ أنسًا)، وما أراه سمعه"(الإكمال 5/ 365).
ومما يقوي الانقطاع قول أبي حاتم فيه: "لم يدرك أبا سلمة بن عبد الرحمن"، (المراسيل 267).
وأبو سلمة بن عبد الرحمن تُوفي سنة (94 أو 104 هـ) بالمدينة.
فكيف يدرك أنسًا الذي تُوفي سنة (92 وقيل 93 هـ)؟ !
وخالد بن يزيد الصنعاني ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 225)، وقال:"روى عن ابن لهيعة أشياء مستقيمة من حديث ابن لهيعة".
والحديثُ تَشْهَدُ لمعناه الأحاديثُ السابقةُ في الباب، وله شاهد بنحوه من حديث سلمان رضي الله عنه، إلا أنه قَيَّدَ مغفرةَ الذنوبِ بإحسان الصلوات الخمس بعد الوضوء، وسيأتي بتخريجه -إن شاء الله- في باب "فضل الوضوء مع الصلوات المكتوبة".
* * *
1391 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا تَوَضَّأَ المُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ حَطَّ اللهُ عَنْهُ مَا تَكَلَّمَ بِفِيهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ حَطَّ اللهُ عَنْهُ مَا أَبْصَرَتْهُ عَيْنَاهُ، فَإِذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَطَّ اللهُ عَنْهُ مَا بَطَشَتْ بِهِ يَدَاهُ، فَانْحَدَرَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ أَنَامِلِهِ، فَإِذَا مَسَحَ أُذُنَيْهِ، حَطَّ اللهُ عَنْهُ مَا سَمِعَتْ أُذُنَاهُ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَطَّ اللهُ عَنْهُ مَا مَشَتْ بِهِ رِجْلَاهُ، فَانْحَدَرَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[ضحة (طهارة ق 1/ ب)].
[السند]:
أخرجه عبد الملك بن حبيب في (الواضحة) قال: حدَّثني هارون الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ وقد
ضَعَّفه جدًّا: عليُّ بنُ المدينيِّ، والبخاريُّ، وأبو حاتمٍ، وابنُ سعدٍ، والطحاويُّ، وغيرُهُم. وضَعَّفَهُ: أحمدُ، وابنُ مَعينٍ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وابنُ خزيمةَ، وأبو زرعةَ، والجوزجانيُّ، وغيرهم.
وقال ابنُ حبان: " كان يقلبُ الأخبارَ وهو لا يعلمُ حتَّى كثُرَ ذلك في روايتِهِ
من رفعِ المراسيلِ وإسنادِ الموقوفِ؛ فاستحقَ التركَ"، وقال الساجي: "هو منكرُ الحديثِ"، وقال الحاكم، وأبو نعيم: "روى عن أبيه أحاديثَ موضوعةً"، وقال ابنُ الجوزيِّ: "أجمعوا على ضَعْفِهِ". انظر (تهذيب التهذيب 6/ 177، 178).
* * *