المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌255 - باب جامع في صفة الوضوء - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ١٣

[عدنان العرعور]

الفصل: ‌255 - باب جامع في صفة الوضوء

‌255 - بَابٌ جَامِعٌ فِي صِفَةِ الوُضُوءِ

1589 -

حَدِيثُ عُثْمَانَ:

◼ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه دَعَا بِإِنَاءٍ (بِوَضُوءٍ) 1 فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ [مِنْ إِنَائِهِ] 1 ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ [وَاسْتَنْثَرَ] 2، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ (غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى المِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى إِلَى المِرْفَقِ ثَلَاثًا) 2، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ (كُلَّ رِجْلٍ) 3 ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ (غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ اليُسْرَى ثَلَاثًا) 4، ثُمَّ قَالَ:[رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ] 3 قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ [بِشَيْءٍ، إِلَّا] 4 غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م).

[الفوائد]:

قال ابنُ شِهابٍ الزُّهْريُّ: "وكان علماؤُنا يقولونَ: هذا الوُضوءُ أَسبَغُ ما يَتَوَضَّأُ به أحدٌ للصلاة"(صحيح مسلم).

[التخريج]:

[خ 159 "واللفظ له"، 164 "والزيادة الأولى والثانية والرواية الأولى

ص: 5

والثالثة له ولغيره"، 1934 "والزيادة الثالثة والرابعة والرواية الثانية والرابعة له ولغيره"/ م 226/ د 105، 106/ ن 87، 88، 121/ جه 286/ .......... ].

* تقدَّمَ الحديثُ بتخريجه كاملًا مع ذِكر كثيرٍ مِن رواياته في باب: "فضْل الوُضوءِ والصلاةِ عَقِبَه".

وممَّا لم نَذْكُرْه هناك الرواياتُ التاليةُ:

رِوَايَاتُ التَّثْلِيثِ فِي المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ 1: «فَأَهْرَاقَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ اسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا» .

• وَفِي رِوَايَةٍ 2: «فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا» ، الحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ:«هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ» .

• وَفِي رِوَايَةٍ 3: «فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ.

[الحكم]:

صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ البَيْهَقيُّ، وأحمدُ شاكر.

[التخريج]:

تخريج السِّياقة الأولى: [حم 428 "واللفظ له"/ عب 140/ منذ 417].

تخريج السِّياقة الثانية: [حم 429، 8578/ ش 80/ بز 377، 409، 442 "واللفظ له"/ منذ 372].

ص: 6

تخريج السِّياقة الثالثة: [هق 226، 320/ هقغ 94].

[التحقيق]:

لهذه الرواياتِ عِدَّةُ طُرُقٍ:

الطريق الأول:

رواه عبدُ الرَّزاقِ (140) -ومِن طريقه ابنُ المُنْذِر (417) - عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: حَدَّثَه ابنُ شِهابٍ، عن عطاءِ بنِ يَزيدَ الجُنْدَعيِّ، أنَّه سمِعَ حُمْرانَ مولى عُثْمَانَ، أن عُثْمَانَ تَوَضَّأَ

الحديثَ بلفظِ السِّياقةِ الأولى، إلَّا أنَّه وقعَ عندَ ابنِ المُنْذِرِ بلفظِ:"وَاسْتَنْشَقَ" بدلَ: "واسْتَنْثَرَ".

ورواه أحمدُ (428) عن محمدِ بنِ بكرٍ البُرْسانيِّ، أخبرنا ابنُ جُرَيجٍ، حدَّثني ابنُ شِهابٍ، به نحوَ روايةِ المصنَّفِ.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، ولذا صَحَّحَهُ الشيخُ أحمد شاكر في (تعليقه على المسند 1/ 347).

الطريق الثاني:

رواه ابنُ المُنْذِرِ (372): عن محمد بن (عَبدِ)

(1)

الله (وهو ابنُ عبدِ الحَكَمِ)، أنا ابنُ وَهْبٍ، أخبرني يونسُ بنُ يَزيدَ، عن ابنِ شِهاب، عن عطاءِ بنِ يَزيدَ اللَّيْثيِّ، أَخبَره أن حُمْرانَ مولى عُثْمَانَ أَخبَره أن عُثْمَانَ دَعَا بوَضُوءٍ فتَوَضَّأَ، فغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاستَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إلى المِرفَقينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نحوَ وُضُوئِي هَذَا.

(1)

تحرَّف في طبعة الفلاح إلى: "عُبَيد" والصوابُ المُثبَتُ كما في طبعة طيبة.

ص: 7

وسندُهُ صحيحٌ أيضًا، رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، سوى ابنِ عبد الحَكَم، وهو ثقةٌ.

وقد رواه البَيْهَقيُّ في (الكبرى 226) و (الصغرى 94) من طريق أبي العبَّاسِ الأَصَمِّ، عن ابنِ عبد الحَكَمِ وبَحْرِ بن نصْرٍ، كلاهما عنِ ابنِ وَهْبٍ، به، بلفظِ السِّياقةِ الثالثةِ، ثُمَّ قال البَيْهَقيُّ:"رواه مسلم بن الحَجَّاج في الصحيح، عن أبي الطاهرِ، وحَرْمَلةَ، عنِ ابنِ وَهْبٍ، إلا أنهما لم يَذْكُرا التَّكرارَ في المَضمَضةِ والاستنشاقِ. وقد رُوِيَ في حديثِ ابنِ عبد الحَكَم، وبَحْرِ بنِ نصْرٍ هكذا، وهُمَا ثِقتان. والله أعلم". اهـ. وهذا تصحيحٌ منه لروايتهِما.

ثُمَّ قال البَيْهَقيُّ: "وقد رُويَ التَّكرارُ فيهما عن عُثْمَانَ مِن وجْهٍ آخَرَ".

ثُمَّ ساقه مِن طريقِ ابنِ أبي مُلَيكةَ الآتي قريبًا، وأشارَ إلى روايةِ أبي عَلْقَمةَ الآتيةِ أيضًا.

الطريق الثالث:

رواه أحمدُ (8577) عن عَفَّانَ، عن هَمَّامٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن عَطاءٍ، عن عُثْمَانَ، بنحو السِّياقة الثانية.

وهذا سندٌ منقطِعٌ؛ لم يَسْمَعْهُ عَطاءٌ مِن عُثْمَانَ، كما بيَّنه عبدُ الرَّزَّاقِ في (المصنَّف 124).

الطريق الرابع:

رواه ابنُ أبي شَيْبةَ (80)، وأحمدُ (429)، عن يَزيدَ بنِ هارونَ، عنِ الجُرَيريِّ، عن عُرْوةَ بنِ قَبِيصةَ، عن رجُلٍ مِنَ الأنصارِ، عن أبيه، أن عُثْمَانَ، قال: ألَا أُرِيكُمْ كَيْفَ كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: بَلَى، «فَدَعَا بِمَاءٍ، فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا

» الحديثَ، قال عُثْمَانُ:

ص: 8

«وَاعْلَمُوا أَنَّ الأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ» ، ثُمَّ قال:«تَحَرَّيْتُ -أَوْ: تَوَخَّيْتُ- لَكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .

وهذا سندٌ ضعيفٌ، وفيه خِلافٌ سيأتي بيانُهُ في التعليقِ على بعضِ رواياتِ الحديثِ.

الطريق الخامس:

رواه البَزَّارُ (377) قال: حدثنا عبد الله بن شَبِيب، قال: نا الوليدُ بنُ عطاءٍ الأَغَرُّ، قال: نا عبد الله بن عبد العزيز، قال: حدثني رَبيعةُ بنُ أبي عبد الرحمنِ، عن سعيد بن المُسَيِّب، قال: تَوَضَّأَ عُثْمَانُ فمَضْمَضَ ثَلَاثًا، واستَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَيَدَهُ اليُسْرَى ثَلَاثًا، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ هَكَذَا» .

قال البَزَّارُ: "وهذا الحديثُ لا نَعلَمُ أحدًا رواه عن ربيعةَ، عن سعيدٍ، عن عُثْمَانَ، إلا عبدُ اللهِ بنُ عبدِ العزيزِ، ولا رواه عن عبد الله بن عبد العزيزِ إلا الوليدُ بنُ عَطاءٍ، ولم نَسمَعْه إلَّا مِن عبد الله بن شَبِيب".

قلنا: وعبدُ الله بنُ عبد العزيز هو اللَّيْثيُّ؛ ضعيفٌ، منكَرُ الحديثِ، وقد اختَلَطَ بأَخَرةٍ (تهذيب التهذيب 5/ 302).

الطريق السادس:

رواه البَزَّارُ (409) من طريق محمدِ بن عبد الله بن أبي مريمَ، قال: دخلتُ على ابنِ دارَةَ في بيتِه، فسَمِعَني وأنا أُمَضْمِضُ، فقال: يا محمدُ، فقلتُ: لبَّيكَ، قال: ألَا أُخبِرُكَ عن وُضوءِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: بَلَى، قال: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ وَهُوَ بِالمَقَاعِدِ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا،

ص: 9

وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَنْظُرْ إِلَى وُضُوئِي هَذَا» .

قال البَزَّارُ: "وهذا الحديثُ لا نَعلَمُ رواه عنِ ابنِ دارَةَ، إلَّا محمدُ بنُ عبد الله بنِ أبي مريمَ".

قلنا: وقد خرَّجَ أحمدُ وغيرُه روايةَ ابنِ دارَةَ هذه، وفيها تثليثُ مسْحِ الرَّأسِ، وسيأتي الكلامُ عليها قريبًا.

وجاءَ الحديثُ بلفظِ التَّثليثِ في المَضمَضةِ والاستِنشاقِ مِن طُرُقٍ أخرى، انظرها ضِمْنَ رواياتِ الحديثِ التَّاليةِ.

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، زَادَ فِي مَتْنِهِ مَسْحَ الأُذُنِ، وَلَفْظُهُ: ((

وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنِهِ [ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا مَرَّةً وَاحِدَةً]

)).

[الحكم]:

صحيحُ المتْنِ بطُرقِه وشواهِدِه، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ، وفي أسانيدِهِ كلِّها عن عُثْمَانَ مَقالٌ.

[التخريج]:

[عم 554/ عه 671 (واللفظ له) / بز 434 (والزيادة له)، 442/ موهب (مُغْلَطاي 1/ 444) / عثم (مُغْلَطاي 1/ 444) / تجر (صـ 94)].

ص: 10

[التحقيق]:

جاءَ مسْحُ الأُذُنِ في حديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه مِن طُرُقٍ كثيرةٍ، منها:

الطريق الأول:

رواه أبو عَوَانةَ في (مستخرَجه 671) قال: حدثنا يَزيدُ بنُ سِنَانٍ والصَّغَانيُّ ويعقوبُ بنُ سُفيانَ ومحمدُ بنُ حَيَّوَيْه، قالوا: حدثنا ابنُ أبي مريمَ قال: أنبا أبو غَسَّانَ، قال: حدثنا زيدُ بنُ أَسْلَمَ، عن حُمرانَ مولى عُثْمَانَ، قال: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بِوَضُوءٍ وَهُوَ عَلَى المَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ

"، وساقَ الحديثَ في فضلِ الوُضوءِ، قال أبو عَوَانةَ: زادَ يعقوبُ والصَّغَانيُّ: قال حُمْرَانُ: ((رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)).

ورواه السَّهْميُّ في (تاريخ جُرْجان صـ 94) من طريق أحمدَ بنِ يوسفَ الجُرْجانيِّ، عن عبد الله بن عبد الوهاب (وهو الخُوارِزْميُّ)، حدثنا سعيد بن أبي مريمَ، به مختصرًا.

فمَدارُه على ابنِ أبي مريمَ، عن أبي غَسَّانَ -وهو محمدُ بنُ مُطَرِّف-، عن زيدٍ، عن حُمْرانَ، به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، إلا أن زيدَ بنَ أَسْلَمَ، وإنْ أَخرَجَ مسلمٌ روايتَه عن حُمْرانَ، فلم يُعْرَفْ له سماعٌ مِن حُمْرانَ، وبيْن وفاتَيْهِما أَكثَرُ مِن ستِّين عامًا، وقد غَمَزَ البُخاريُّ في سماعِه مِن حُمْرانَ؛ فذَكَره فيمَن روَى عن حُمْرانَ فلم يَذْكُر سماعًا. (التاريخ الكبير 3/ 80).

وهو أيضًا غيرُ مشهورٍ بالرِّوايةِ عن حُمْرانَ، فلم يَروِ عنه إلا هذا الحديث، وقد أَخرجَ أصْلَ الحديثِ مسلمٌ في (صحيحه 229)، من طريق زيدِ بنِ

ص: 11

أَسْلَمَ، وليس فيه صفةُ الوُضوءِ.

نعم، ورَدَ تصريحُ زيدِ بنِ أَسْلَمَ بالتحديثِ مِن حُمْرانَ، عند السَّهْميِّ في (تاريخ جُرْجان صـ 94) من طريق أحمدَ بنِ يوسفَ الجُرْجانيِّ، عن عبد الله بنِ عبد الوهاب (وهو الخُوَارِزْميُّ)، حدثنا سعيد بنُ أبي مريمَ به مقتصرًا على ذِكْرِ مسْحِ الرَّأسِ والأُذُنينِ.

ولكن هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: أبو الحسنِ أحمدُ بنُ يوسفَ الجُرْجانيُّ الصَّابونيُّ، لم نجدْ له ترجمةً سوى عند السَّهميِّ في (تاريخ جُرْجان 56) بروايةِ الإسماعيليِّ وابنِ عَدِيٍّ عنه، وذَكَر له هذا الحديث. وذَكَر عن الإسماعيليِّ قولَه فيه:"فقيهٌ، قاضي جُرْجانَ". وقال الإسماعيليُّ أيضًا: "كان مُسْرِفًا على نفْسِه".

فكلمةُ الإسماعيليِّ الأخيرةُ إنْ لم تكن جَرْحًا فيه، فهو مجهولُ الحالِ؛ فلا يُحتَجُّ به أيضًا.

الثانية: عبدُ الله بن عبد الوهاب وهو الخُوَارِزْميُّ، ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 8/ 367)، وقال:"ربما أَغرَبَ". وقال أبو نُعَيمٍ الأَصبَهانيُّ: "في حديثِه نَكارةٌ"(تاريخ أصبهان 950). وقال الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ: "قد سَكتوا عنه"(تاريخ الإسلام 6/ 352)، ولذا قال المُعَلِّميُّ:"تالِفٌ"(تحقيق الفوائد المجموعة صـ 217).

وقد خالَفَهُ جماعةٌ منَ الثِّقاتِ الأَثباتِ، فروَوْهُ عنِ ابنِ أبي مريمَ به بالعنعنةِ، ليس فيه تصريحٌ بالسماعِ. كما تقدَّمَ عند أبي عَوَانةَ.

وقال الألبانيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ على شرطهما، وأصْلُه في مسلمٍ"(صحيح أبي داود 1/ 183).

ص: 12

قلنا: لم يُخَرِّجِ البُخاريُّ لزيدِ بنِ أَسْلَمَ عن حُمْرانَ شيئًا.

وقد أخرجه مسلمٌ (229)، من طريق عبدِ العزيزِ الدَّراوَرْديِّ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، ولكن ليس فيه صفةُ الوُضوءِ.

ورواه عَطاءُ بنُ يَزيدَ اللَّيْثيُّ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ، وليس فيه مَسْحُ الأُذُنينِ. أخرجه البُخاريُّ (164)، ومسلمٌ (226)، كما سبقَ.

الطريق الثاني:

رواه البَزَّارُ (442) عن المُنْذِرِ بنِ الوليدِ الجارُوديِّ، قال: نا أَبي، قال: نا شَدَّادُ بنُ سعيدٍ، عن الجُرَيريِّ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ، به دُونَ الزيادةِ.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: الجُرَيريُّ كان قدِ اختَلَطَ، ولا يُعرَفُ هل سمِع منه شَدَّادٌ قبْلَ الاختلاطِ أمْ بعده.

الثانية: الجُرَيريُّ لا يُعرَفُ هل سمِع مِن حُمْرانَ أمْ لا، والأقربُ أنه لم يَسمَعْ منه؛ إذ بيْن وفاتيْهِما ما يَقْرُب من سبعين عامًا.

وشَدَّادُ بنُ سعيدٍ؛ روَى له مسلمٌ في الشواهدِ، ووثَّقَهُ جماعةٌ، وتَكَلَّمَ فيه آخرون (تهذيب التهذيب 4/ 316)، وقال الحافظُ:"صدوقٌ يُخطِئُ"(التقريب 2755).

وقد سَلَك الجادَّةَ في هذا الحديثِ، وخالَفَه خالدُ بنُ عبد الله الواسِطيُّ في سنده، كما في:

الطريق الثالث:

رواه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند 554) من طريق خالد،

ص: 13

عن الجُرَيريِّ، عن عُرْوةَ بنِ قَبِيصةَ، عن رجلٍ منَ الأنصارِ، عن أبيه قال: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فقال: ألَا أُنَبِّئُكُم كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟

فذَكَر الحديثَ، وقال فيه:"ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ".

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ الرَّجُلِ الأنصاريِّ وأبيه، وأمَّا خالدٌ فثِقةٌ ثَبْتٌ، وقد تُوبِع:

فرواه أحمدُ في (المسند 429)، وابنُ أبي شَيْبةَ في (المصنَّف 80)، عن يَزيدَ بنِ هارونَ، أنبأنا الجُرَيريُّ، به، إلا أنه لم يَذْكُرْ فيه مَسْحَ الأُذُنيْنِ، وإنما ذَكَرَ أنَّ عُثْمَانَ قال:((واعْلَمُوا أَنَّ الأُذُنيْنِ مِنَ الرَّأسِ))! ! .

ولمَّا ذَكَره الهيثَمِيُّ من هذا الطريقِ قال: "وفيه رَجُلانِ مجهولان"(مجمع الزوائد 1195).

الطريق الرابع:

رواه ابنُ وَهْبٍ في (مسنده) -كما في (شرح ابنِ ماجَهْ لمُغْلَطاي 1/ 444) -: عن أسامةَ بنِ زيدٍ اللَّيْثيِّ، عن عَطاءٍ بنِ أبي رَباحٍ: أنَّ عُثْمَانَ مَسَحَ على باطِنِ أُذُنيْهِ وظاهِرِهما، وقال: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ.

قال مُغْلَطايُ -عَقِبَه-: "وذَكَرَه أيضًا القاضي أحمدُ بنُ عليٍّ في (مسنده)، وهو قِطْعةٌ مِن حديثٍ تقدَّمَ الكلامُ عليه قَبْلُ مِن هذه الطَّريقِ المنقطِعةِ".

قلنا: وهو منقطِعٌ؛ عَطاءٌ لم يَسمَعْ من عُثْمَانَ، كما قال أبو زُرْعةَ وأبو حاتمٍ الرَّازيانِ (المراسيل لابن أبي حاتم 568 - 571).

الطريق الخامس:

رواه البَزَّارُ (434)، عن محمد بنِ المُثَنَّى، قال: نا أبو عامِرٍ، قال: نا

ص: 14

أيُّوبُ بنُ سَيَّارٍ، عنِ ابنِ المُنْكَدِرِ، عن حُمْرانَ، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: أيُّوبُ بنُ سَيَّارٍ الزُّهْريُّ؛ قال ابنُ مَعِينٍ: "ليس بشيء"، وقال ابنُ المَدِينيِّ:"غيرُ ثقةٍ، لا يُكتَبُ حديثُه"، وَضَعَّفَهُ أبو حاتم، وأبو زُرْعةَ، وقال أبو داودَ:"كان مِنَ الكذَّابين"، وقال النَّسائيُّ:"متروكٌ"(اللسان 1356).

وقد رواه عُثْمَانُ بنُ حَكِيم، عنِ ابنِ المُنْكَدِرِ، به، بلفظ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» . خرَّجه مسلمٌ وغيرُه، وقد سَبَق.

ووَرَدَ مَسْحُ الأُذُنِ في هذا الحديثِ من طُرُقٍ أخرى كما سيأتي، منها:

طريقُ عامِرِ بنِ شَقِيقٍ، عن أبي وائل، عن عُثْمَانَ، به. وهو طريقٌ مُختلَفٌ فيه؛ بِناءً على اختِلافِهم في عامرٍ، فَحَسَّنَهُ البُخاريُّ وغيرُه، وَضَعَّفَهُ أحمدُ وغيرُه كما سيأتي عند ذِكْرِ روايتِه.

وطريقُ ابنِ أبي مُلَيكةَ، عن عُثْمَانَ، به، وفي سندِهِ مجهولٌ كما سيأتي أيضًا.

وهذه الطُّرُقُ كلُّها وإنْ لم تَخْلُ مِن مقالٍ، فلا شك أنَّها تَتعاضَدُ، لا سيَّما وقد ثَبَتَ مَسْحُ الأُذُنِ في أحاديثَ أخرى كما سيأتي في الباب، فإنْ لم يَصِحَّ بطُرُقِه، فهو صحيحٌ بشواهِدِه، والله أعلم.

ص: 15

رِوَايَة: وَأَمَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ حُمْرَانَ بنِ أَبانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ وَهُوَ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، [حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ العَضُدَيْنِ]، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأَمَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمَا عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّأْتُ لَكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، ثُمَّ رَكَعْتُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا رَأَيْتُهُ رَكَعَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ-: ((مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَلَاتِهِ بِالأَمْسِ)).

[الحكم]:

منكَرٌ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[حم 489 (واللفظ له) / قط 274 (مختصرًا والزيادة له)].

[السند]:

قال أحمدُ: حدثنا يعقوبُ، حدثنا أَبي، عنِ ابنِ إسحاقَ، حدَّثني محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ الحارثِ التَّيْميُّ، عن مُعاذِ بنِ عبدِ الرحمنِ التَّيْميِّ، عن حُمْرانَ بنِ أَبانَ، به.

وأخرجه الدَّارَقُطنيُّ من طريقِ يعقوبَ (وهو ابنُ إبراهيمَ بنِ سعدٍ)، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ظاهِرُه الحُسن؛ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، غيرَ محمدِ بنِ

ص: 16

إسحاقَ، وهو "صدوقٌ يُدَلِّسُ"(التقريب 5725)، وقد صَرَّحَ بالتَّحديثِ كما هو ظاهِرٌ عند أحمدَ.

ولذا حَسَّنَ إسنادَهُ ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري 1/ 292)، والألبانيُّ في (صحيح أبي داودَ 1/ 183).

وقال أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيق المسند 489).

وقال الهيثَمِيُّ: "رجالُه مُوَثَّقون"(مجمع الزوائد 1163).

إلا أن هذا المَتْنَ بهذا السياقِ غيرُ محفوظٍ؛

فقد أخرجه البُخاريُّ (6433)، من طريق يحيى بنِ أبي كَثِير، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ الحارثِ التَّيْميِّ، عن مُعاذٍ، أنَّ حُمْرَانَ بنَ أَبَانَ، أَخْبَرَهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ، بِطَهُورٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَهُوَ فِي هَذَا المَجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .

كذا، ليس فيه صِفَةُ الوُضوءِ كما ذَكَرها ابنُ إسحاقَ، ولا قولُه:(وبَيْنَ صَلَاتِهِ بِالأَمْسِ).

ويحيى ثقةٌ ثَبْتٌ؛ فرِوايتُه مُقدَّمةٌ على روايةِ ابنِ إسحاقَ، وممَّا يَشهَدُ لذلك:

أن مسلمًا رواه (232)، من طريق نافعِ بنِ جُبَيْرٍ، وعبدِ الله بنِ أبي سَلَمةَ: أنَّ مُعاذَ بنَ عبد الرحمن، حدَّثَهما عن حُمْرانَ مولى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، عن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ أَوْ مَعَ الجَمَاعَةِ أَوْ فِي

ص: 17

المَسْجِدِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ».

وقد تَكلَّم أهْلُ العِلمِ فيما يَنفَردُ به ابنُ إسحاقَ، ولذا قال الذَّهَبيُّ:"ما انفَرَدَ به ففيه نَكارةٌ"(الميزان 3/ 475).

وقال أيضًا: "وأمَّا في أحاديثِ الأحكامِ، فيَنحَطُّ حديثُه فيها عن رُتبة الصِّحَّةِ إلى رُتبةِ الحسنِ، إلا فيما شَذَّ فيه، فإنَّه يُعَدُّ مُنكَرًا"(سير أعلام النبلاء 7/ 41).

قلنا: وهذا مِن أحاديثِ الأحكامِ، ومما شَذَّ فيه.

ص: 18

رِوَايَةُ أَبِي عَلْقَمةَ، عَنْ عُثْمَانَ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ عُثْمَانَ [بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه] 1: أَنَّهُ دَعَا [يَوْمًا] 2 بِوَضُوءٍ وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَفْرَغَ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى [يَدِهِ] 3 اليُسْرَى وَغَسَلَهُمَا [إِلَى الكُوعَيْنِ] 4 ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا [ثَلَاثًا] 5، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَأَنْقَاهُمَا، ثُمَّ قَالَ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ [الَّذِي رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأْتُهُ،] 6 وَقَالَ: «تَوَضَّئُوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأْتُ»، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». [ثُمَّ قَالَ: أَكَذَلِكَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: أَكَذَلِكَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ. حَتَّى اسْتَشْهَدَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَافَقْتُمُونِي عَلَى هَذَا))] 7.

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ لَيِّنٌ. وَلَيَّنَهُ المُنْذِريُّ، وابنُ حَجَرٍ، والعَيْنيُّ. وحسَّنَه الألبانيُّ.

[التخريج]:

[د 108 (مختصرًا والزيادة الرابعة له) / بز 443 (واللفظ له) / قط 283 (وبقية الزيادات له) / مشكل 3931، 3932/ هق 223].

[السند]:

أخرجه أبو داودَ -ومِن طريقه البَيْهَقيُّ-، قال: حدثنا إبراهيمُ بنُ موسَى، أخبرنا عيسى، ثنا عُبيدُ الله -يعني: ابنَ أبي زيادٍ-، عن عبد الله بنِ عُبيدِ بنِ عُمَير، عن أَبي عَلْقَمةَ: أنَّ عُثْمَانَ دَعَا بماءٍ فتَوَضَّأَ

الحديثَ،

ص: 19

إلى قولِ عُثْمَانَ: ((مِثْلَ مَا رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأْتُ)). قال أبو داودَ: ((ثُمَّ ساقَ نحوَ حديثِ الزُّهْريِّ وأَتَمَّ)).

وروايةُ الزُّهْريِّ سبَقَتْ تحتَ (باب فَضْل الوُضوءِ والصلاةِ عَقِبَه)، وفيها:«غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .

وعيسى هو ابنُ يونسَ بنِ أبي إسحاقَ السَّبِيعيُّ، ثقةٌ مأمونٌ، وقد تُوبِع:

فرواه البَزَّارُ (443)، والدَّارَقُطنيُّ (283)، مِن طريق محمد بن بكر البُرْسانيِّ، عن عُبيد الله بنِ أبي زيادٍ القَدَّاحِ، قال: أخبَرَني عبدُ الله بنُ عُبَيد بنِ عُمَير، به.

ورواه الطَّحاويُّ في (المُشْكِل 3931) من طريق يحيى القَطَّانِ، ثُمَّ (3932) مِن طريق مَكِّيِّ بنِ إبراهيمَ، كِلاهما عن عُبَيد الله القَدَّاحِ، به.

فمَدارُه عندَهم على: عُبَيد الله بنِ أبي زيادٍ، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ لَيِّنٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ عدا عُبَيدَ اللهِ بنَ أبي زيادٍ القَدَّاحَ، وهو مختلَفٌ فيه؛ قال عنه يحيى القَطَّانُ:" كان وسَطًا، لم يَكُنْ بذاك"، وقال أحمدُ:"صالِحٌ"، وقال في رواية:"ليس به بأسٌ"، وكذا قال ابنُ مَعِينٍ والنَّسائيُّ في رواية عنهما. وَضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ في رواية أخرى، وكذلك النَّسائيُّ، وقال أبو حاتم:"ليس بالقويِّ ولا المَتِينِ، هو صالِحُ الحديثِ، يُكتَبُ حديثُه"، وقال الآجُرِّيُّ عن أبي داودَ:"أحاديثُه مَناكِيرُ"، وقال الحاكمُ أبو أحمدَ:"ليس بالقويِّ عندَهم"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"قد حَدَّثَ عنه الثِّقاتُ، ولم أَرَ في حديثِه شيئًا مُنكَرًا". ووثَّقَهُ العِجْليُّ، والحاكمُ، انظر (تهذيب التهذيب 7/ 15).

ص: 20

ولخَّصَ حالَه الحافظُ، فقال:"ليس بالقويِّ"(التقريب 4292).

ولذا قال المُنْذِريُّ عن الحديثِ: "في إسنادِهِ: عُبَيدُ اللهِ بنُ أبي زيادٍ المَكِّيُّ، وفيه مَقالٌ"(مختصر سنن أبي داودَ 96).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "فيه ضَعْفٌ"(التلخيص 1/ 145)، وبمِثْلِهِ قال العَيْنيُّ في (البناية 1/ 242). ولكنْ لا بأسَ به في المتابَعاتِ؛ ولذا قال الألبانيُّ:"هذا إسنادٌ حَسَنٌ، رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ رجالُ مسلمٍ؛ غيرَ عُبَيدِ اللهِ بنِ أبي زيادٍ، وهو القَدَّاحُ، أبو الحُصَينِ المَكِّيُّ؛ وهو حَسَنُ الحديثِ إذا لم يُخالِف، وقد وافَقَ في هذا الحديثِ غيرَه منَ الثِّقاتِ"(صحيح أبي داودَ 1/ 184).

وصِفَةُ الوُضوءِ سَبَقَتْ عن عُثْمَانَ رضي الله عنه مِن طُرُقٍ صحيحةٍ، وقولُه:«كَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، له طريقٌ حَسَنٌ عندَ أحمدَ (430) وغيرِه، خرَّجْناه تحتَ (باب فَضْل الوُضوءِ والصَّلاةِ عَقِبَه)، وله هناك شواهِدُ صحيحةٌ.

* * *

ص: 21

رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُثْمَانَ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عنِ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الوُضُوءِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه سُئِلَ عَنِ الوُضُوءِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ فَأَصْغَاهَا عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي المَاءِ، فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ مَاءً فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنِ الوُضُوءِ؟ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ.

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بطُرُقه وشواهِدِه. وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[اللغة]:

1 -

قوله: "فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ" بكسر الميم، وهي المِطْهَرةُ يُتَوَضَّأُ بها، مِفْعلةٌ مِنَ الوُضُوءِ.

2 -

قوله: "فَأَصْغَاهَا" أي: أمالَها، مِنَ الإصغاءِ، والمعنى: أمالَها حتى سَكَبَ على يدِه الماءَ.

3 -

قوله: "فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا" والمرادُ: بَطْناهُما وظَهْراهُما، ويُطْلَقُ الجَمْعُ على التثنيةِ مجازًا، كما في قوله تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]} أي: قَلْباكُما، وأُطْلِق الغَسلُ على المَسح مجازًا؛ لأن الأُذُنين لا يُغسلان بالإجماع. (شرح سنن أبي داود 1/ 290).

[الفوائد]:

قال العَيْنيُّ: قولُهُ: "ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ" أي: في المِيضأةِ "فَأَخَذَ مَاءً، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ

ص: 22

وَأُذُنَيْهِ"، وهو حُجَّةٌ لأبي حنيفةَ على أن الأُذُنين يُمْسحان بماءِ الرأسِ. (شرح سنن أبي داود 1/ 290).

[التخريج]:

[د 107 (واللفظ له) / هق 227، 303].

[السند]:

أخرجه أبو داود -ومِن طريقه البَيْهَقيُّ- قال: حدثنا محمد بن داود الإسكندرانيُّ، ثنا زيادُ بنُ يونسَ، حدثني سعيدُ بنُ زيادٍ المُؤَذِّنُ، عن عُثْمَانَ بنِ عبدِ الرحمن التَّيْميِّ، قال: سُئِلَ ابنُ أبي مُلَيكةَ عنِ الوُضُوءِ، فقال:

الحديثَ.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: سعيدُ بنُ زيادٍ المُؤَذِّنُ؛ مجهولُ الحالِ، تَرجَمَ له البُخاريُّ في (التاريخ 3/ 473)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 22)، وسَكتَا عنه، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 13343)، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 2311).

الثانية: الانقطاعُ بين ابنِ أبي مُلَيكةَ، وعُثْمَانَ؛ فقد قال أبو زُرْعةَ في حديثِ ابنِ أبي مُلَيكةَ عن عُثْمَانَ رضي الله عنه:"هو مرسَلٌ"(جامع التحصيل 380)، وانظر (المراسيل لابن أبي حاتم 413). وكذا قال الذَّهَبيُّ في (السِّيَر 5/ 89).

فهذا يعني أن روايتَه عنه مُنقطِعةٌ، فكيف يقول هنا:"رَأَيتُ عُثْمَانَ"؟ ! .

فإمَّا أن يكون ذلك محفوظًا، وبه يُتعقَّبُ على أبي زُرْعةَ، وإمَّا أن يكون

ص: 23

ذلك وهَمًا مِن سعيدٍ المُؤَذِّنِ هذا، وهو الأقربُ؛ إذ إن بيْن وفاةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه ووفاةِ ابنِ أبي مُلَيكةَ أَكثَرُ مِن ثمانين عامًا، وقد قال الذَّهَبيُّ:"كان مِن أبناءِ الثمانين"(سير أعلام النبلاء 5/ 90). وهذا يعني أنه وُلِدَ في خلافةِ عليٍّ، أو قَبْلَها، كما قال الذَّهَبيُّ أيضًا في (السِّيَر 5/ 89).

ومما يُؤَيِّدُ ذلك أيضًا أن التِّرْمِذيَّ قال عنِ ابنِ أبي مُلَيكةَ: "لم يُدْرِكْ طلحةَ بنَ عُبيدِ اللهِ"(جامع التحصيل 380).

وطلحةُ رضي الله عنه قد استُشهدَ بعد وفاةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه؛ فمِن بابِ أَوْلى أن لا يكونَ ابنُ أبي مُلَيكةَ أَدرَكَ عُثْمَانَ أيضًا.

ومع ذلك قال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ حسَنٌ، رجالُه ثقاتٌ مشهورونَ؛ غيرَ سعيدِ بنِ زيادٍ المُؤَذِّنِ؛ فَوَثَّقَهُ ابنُ حِبَّانَ وحدَه، لكنْ روَى عنه جَمْعٌ منَ الثِّقاتِ؛ وقد تُوبِع عليه"(صحيح أبي داود 1/ 181).

قلنا: نعم، يَشهَدُ لحديثِه الرِّواياتُ السابقةُ والآتيةُ.

ص: 24

رِوَايَةُ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ [ثَلَاثًا] 1، وَاسْتَنْشَقَ [ثَلَاثًا] 2، وَاسْتَنْثَرَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، قَالَ: وَحَسِبْتُهُ قَالَ: وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُ [ثَلَاثًا] 3، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ حِينَ غَسَلَ وَجْهَهُ، قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:(([هَكَذَا] 4 رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ كَالَّذِي رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ)).

[الحكم]:

مختلَفٌ فيه؛ فَحَسَّنَهُ: البُخاريُّ، والبَيْهَقيُّ، وابنُ المُلَقِّنِ، والشَّوْكانيُّ، والألبانيُّ. وَصَحَّحَهُ: التِّرْمِذيُّ، وابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والدَّارَقُطنيُّ، والحاكمُ، والنَّوَويُّ، وابنُ القَيِّم. وَصَحَّحَهُ بشواهِدِهِ: ابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، والسُّيوطيُّ، والسَّخاويُّ، والمُناويُّ، والمُباركفوريُّ.

بيْنما ضَعَّفَهُ: أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وأبو حاتم الرَّازيُّ، وابنُ حزم، والمُنْذِريُّ، والزَّيْلَعيُّ، والصَّنعانيُّ.

[التخريج]:

[حم 403 (مختصرًا جدًّا) / عب 125 (واللفظ له) / ش 63 (مختصرًا جدًّا) / خز 162/ عل (خيرة 575، مط 93) (مختصرًا) / مع (تعليقة صـ 44) (والزيادات له ولغيرِهِ) / جا 71، 72/ ضيا (1/ 469 - 471/ 343 - 345) / تخث (السفر الثالث 4415، 4416) / قط 287/ هق 248/ هقغ 95/ طوسي 28].

ص: 25

[التحقيق]:

انظره عَقِبَ الروايةِ الثالثة.

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ، فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ [ثَلَاثًا]، وَقَالَ:«هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهِدِهِ، وسندُهُ مختلَفٌ فيه كما سبقَ.

[التخريج]:

[ت 30 (مختصرًا) / جه 434/ مي 722 (واللفظ له) / حب 1076 (والزيادة له) / طس 6253/ طش 2402/ ش 113، 37613/ علت 19 (مختصرًا) / علحا 180/ حل (5/ 206) / منذ 369/ ضيا (1/ 471/ 346) / تد (2/ 53)].

[التحقيق]:

انظره عَقِبَ الروايةِ التالية.

ص: 26

رواية بذكر: «المسح على الأذنين» :

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، أَنَّهُ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِـ[رَأْسِهِ وَ] أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَقَالَ:«[هَكَذَا] رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ (يَتَوَضَّأُ)» .

[الحكم]:

مَتْنُه صحيحٌ بطُرُقه وشواهِدِهِ، وسندُهُ مختلَفٌ فيه كما سبقَ.

[التخريج]:

[عب 34

(1)

(واللفظ له) / مي 726/ طح (1/ 32/ 136)(والزيادتان والرواية له)].

[السند]:

أخرجه عبد الرَّزَّاقِ (43، 125) -ومِن طريقه البَيْهَقيُّ (248)، والضِّياءُ (345) - عن إسرائيلَ، عن عامرِ بنِ شَقِيقٍ، عن شَقِيقِ بنِ سَلَمةَ، به.

(1)

كذا جاء هذا الحديث في طبعة التأصيل وغيرها (عن عُثْمَانَ)، ولكن وقع في النسخة الخطية للمصنف (عن عُمرَ)، وكذا عزاه السُّيوطيُّ في (جمع الجوامع 14/ 417) لعبد الرزَّاق، من حديث عُمرَ. والصواب أنه (عن عُثْمَانَ)؛ فإن الحديثَ مشهورٌ بهذا الإسنادِ (عن عُثْمَانَ)، وكذا رواه عبد الرزَّاق على الصوابِ بالإسنادِ نفْسِه برقم (125) مُطَوَّلًا. ولذا قال محقِّق طبعة المكتب الإسلامي:((في الأصل (عن عامر بن شَقِيق، عن سلَمة، عن عمر)، وفيه تصحيفٌ في موضعين، والصواب عندي ما أثبته)) (المصنَّف 1/ 13/ حاشية 4)، يعني:(عن عامر، عن شَقِيق بن سَلَمةَ، عن عُثْمَانَ). وقال محقِّق طبعة دار الكتب العلمية: ((وقع في الأصل: عن عامر بن شَقِيق، عن سلمة، عن عمر)، والصواب ما أثبتناه، كما في مستدرك الحاكم، والسنن الكبرى للبيهقي، ونفس الحديث فقد تكرر تحت رقم (125) مُطَوَّلًا)) (المصنَّف 1/ 10/ حاشية 1).

ص: 27

ورواه التِّرْمِذيُّ وابنُ مَاجَهْ، مِن طريقِ عبدِ الرَّزَّاقِ، به مقتصرًا على تخليل اللحية.

ورواه أحمدُ بنُ مَنِيعٍ في (مسنده) -كما في (تعليقة على عِلَل ابن أبي حاتم لابن عبد الهادي صـ 44) -: عن أبي أحمدَ الزُّبَيريِّ، عن إسرائيلَ، عن عامرِ بنِ شَقِيقٍ، عن أبي وائل، به بالزياداتِ المذكورةِ.

ورواه ابنُ الجارُودِ، والدَّارَقُطنيُّ (287)، والضِّياءُ (344)، من طريق عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ، عن إسرائيلَ، به.

ورواه الباقون -عدا الطَّبَرانيَّ وأبا نُعَيمٍ- مِن طُرُقٍ عن إسرائيلَ به، ومنهم مَن طوَّلَه، ومنهم مَنِ اختَصره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ سوى عامرِ بنِ شَقِيقٍ؛ فمِن رواةِ أصحابِ السُّننِ سوى النَّسائيِّ، وقد اختَلَفَ أهلُ العلمِ في حالِهِ؛

فقال ابنُ مَعِينٍ: "ضعيفُ الحديثِ"، وقال أبو حاتم:"شيخٌ ليسَ بقويٍّ، وليس من أبي وائل بسبيل"(الجرح والتعديل 6/ 322)، وتَكَلَّمَ أحمدُ فيه بشيءٍ (العلل رواية المروذي 92)، وقال أيضًا:"ليس بثقةٍ"(إكمال تهذيب الكمال 7/ 137)، وقال الدَّارَقُطنيُّ:"عامِرٌ هذا ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ"(مَن تَكَلَّمَ فيه الدَّارَقُطنيُّ في كتاب السنن 182)، وذَكَره ابنُ شاهينَ في (الضُّعفاء 496)، وقال ابنُ حزمٍ:"ضعيفٌ"(المحلى 5/ 125)، وقال مَرَّةً:"ليس مشهورًا بقُوةِ النَّقلِ"(المحلى 2/ 36)، وقال الذَّهَبيّ:"لَيِّنٌ"(المجرد في رجال ابن ماجَهْ 921)، وقال أيضًا:"صدوقٌ ضُعِّفَ"(الكاشف 2532)، وذَكَرَه في (المُغْني 3006)، وقال:"ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ، وقَوَّاهُ غيرُهُ".

ص: 28

بيْنما قال ابنُ البَرقيِّ: "ليسَ به بأسٌ"(تمييز ثقات المحَدِّثين وضعفائهم 255)، وكذا قال النَّسائيُّ (تهذيب التهذيب 5/ 69)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 249)، وقال الحاكمُ:"ولا أَعلَمُ في عامرِ بنِ شَقِيقٍ طعنًا بوجْهٍ من الوجوهِ"(المستدرك 1/ 149)، وتَعقَّبَه الذَّهَبيُّ، فقال:"ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ"(التلخيص مع المستدرك 1/ 149)، وبمِثْلِه تَعقَّبَه أيضًا ابنُ حَجَرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 148). وقال ابنُ المُلَقِّنِ:"صدوقٌ"(البدر المنير 2/ 173).

ولَخَّصَ ابنُ حَجَرٍ حالَه قائلًا: "لَيِّنُ الحديثِ"(التقريب 3093).

بيْنما قال الألبانيُّ: "وَثَّقَه مَن سَبَقَ ذِكْرُهم، ومَن ضَعَّفَهُ لم يُبَيِّنْ سبَبَه، وكفَى بالبُخاريِّ حُجَّةً في توثيقه وتحسينِ حديثِهِ"(صحيح أبي داود 1/ 187).

قلنا: وقد اختَلَفَ أهلُ العلمِ في حديثِهِ هذا، فاعتَمَدَهُ جماعةٌ، مِنهم مَن حَسَّنَهُ، ومِنهم مَن صَحَّحَهُ، وهُم:

1 -

البُخاريُّ؛ نَقَل التِّرْمِذيُّ عنه أنه قال: "أَصَحُّ شيءٍ عندي في التخليل حديثُ عُثْمَانَ"، قال التِّرْمِذيُّ:"إنهم يَتكلَّمون في هذا الحديثِ"؟ فقال: "هو حَسَنٌ"(العلل الكبير 19).

2 -

التِّرْمِذيُّ؛ قال -بعد أن خرَّجَه مختصرًا-: "هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ"(السنن).

3 -

ابنُ خُزَيْمةَ؛ خرَّجه في صحيحه.

4 -

ابنُ حِبَّانَ؛ خرَّجه في صحيحه مختصرًا.

5 -

الحاكمُ؛ خرَّجه في (المستدرك) بنحوه، وقال: "قد اتَّفَقَ الشيخان على إخراج طُرُقٍ لحديث عُثْمَانَ، ولم يَذْكُرَا في رواياتِهما تخليلَ اللِّحيةِ

ص: 29

ثَلَاثًا، وهذا إسنادٌ صحيحٌ قد احتَجَّا بجميعِ رُواتِه غيرِ عامرِ بنِ شَقِيقٍ، ولا أَعلَمُ في عامرِ بنِ شَقِيقٍ طعنًا بوجْهٍ من الوجوهِ. وله في تخليلِ اللِّحيةِ شاهِدٌ صحيحٌ عن عَمَّارِ بنِ ياسرٍ، وأنسِ بنِ مالكٍ، وعائشةَ رضي الله عنهم"اهـ.

قلنا: وقد سَبَقَ تعَقُّبُ الذَّهَبيِّ وابنِ حَجَرٍ لقوله في عامرٍ.

6 -

البَيْهَقيُّ؛ حَسَّنَ إسنادَهُ في (الخلافيات 1/ 309).

7 -

النَّوَويُّ؛ صَحَّحَهُ في (الخلاصة 164)، وفي (المجموع 1/ 374)، وجَوَّدَ إسنادَهُ في موضعٍ آخَرَ (المجموع 1/ 424).

8 -

ابنُ القَيِّمِ؛ ذَكَر تصحيحَ التِّرْمِذيِّ وغيرِه مُقِرًّا لهم، ورَدَّ على ابنِ حَزْمٍ تضعيفَه له كما سيأتي.

9 -

ابنُ المُلَقِّنِ؛ حَسَّنَهُ في (البدر المنير 2/ 185)، وجَوَّدَ إسنادَهُ في موضعٍ آخَرَ (البدر المنير 2/ 229).

10 -

ابنُ حَجَرٍ؛ حيثُ قال: "تَفرَّدَ به عامرُ بنُ شَقِيقٍ، وقد قَوَّاهُ: البُخاريُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ حِبَّانَ. وَليَّنَهُ: ابنُ مَعِينٍ، وأبو حاتمٍ. وحَكَم البُخاريُّ -فيما حكاه التِّرْمِذيُّ في (العِلَلِ) - بأن حديثَه هذا حَسَنٌ، وكذا قال أحمدُ فيما حكاه عنه أبو داودَ: "أَحْسَنُ شيءٍ في هذا البابِ حديثُ عُثْمَانَ رضي الله تعالى عنه". وَصَحَّحَهُ مُطْلقًا: التِّرْمِذيُّ، والدَّارَقُطنيُّ

(1)

، وابنُ خُزَيْمةَ، والحاكمُ، وغيرُهم. وذلك لِمَا عَضَّدَه من الشواهدِ

وبمجموعِ ذلك حَكَموا على أصلِ الحديثِ بالصحةِ، وكلُّ طريقٍ منها بمفردها لا يَبلُغُ درجةَ الصحيحِ، والله أعلم" (النكت 1/ 421 - 422). وانظر أيضًا: (التلخيص

(1)

لم نَقِف على كلام الدَّارَقُطنيِّ في شيءٍ من مَظانِّه.

ص: 30

الحبير 1/ 148).

11 -

السَّخاويُّ؛ ذَكَره في (فتح المُغيث 1/ 74) كمثالٍ للصحيحِ لغيرِهِ.

12 -

السُّيوطيُّ؛ رَمَز له بالصحةِ في (الجامع الصغير 6624).

13 -

المُناويُّ؛ صَحَّحَهُ في (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 243).

13 -

الشَّوْكانيُّ؛ حَسَّنَهُ في (السيل الجَرَّار صـ 53).

15 -

المُباركفوريُّ؛ صَحَّحَهُ في (تحفة الأحوذي 1/ 107).

14 -

أحمدُ شاكر؛ صَحَّحَ إسنادَهُ في (تحقيق المسند 403).

15 -

الألبانيُّ، وله فيه قولان مُختلِفان، فقد حَسَّنَ إسنادَهُ في (صحيح أبي داود 1/ 185)، وقال:"أَقَلُّ أحوالِ حديثِهِ أن يكونَ حَسَنًا إذا لم يَظهَرْ فيه عِلَّةٌ قادحةٌ، ولم يَروِ في هذا الحديثِ شيئًا مُستنكَرًا؛ فكان حُجَّةً"(صحيح أبي داود 1/ 186).

بيْنما نَقَل في (إرواء الغليل 8/ 229) قولَ ابنِ حَجَرٍ في عامرٍ بأنه: "لَيِّنُ الحديثِ"، وأَقَرَّهُ ولم يَتعَقَّبْه، وضَعَّفَ إسنادَ هذا الحديثِ في (تعليقه على صحيح ابن خُزَيْمةَ 151)؛ مِن أجْلِ عامرِ بنِ شَقِيقٍ! ! .

هذا، وقد ضَعَّفَهُ جماعةٌ من العلماءِ، منهم:

1 -

الإمامُ أحمدُ؛ قال: "تخليلُ اللِّحيةِ قد رُوِيَ فيه أحاديثُ ليس يَثبُتُ منها حديثٌ، وأَحْسَنُ شيءٍ فيه حديثُ شَقِيقٍ عن عُثْمَانَ"(مسائل أحمد رواية أبي داود 1965)، (تعليقة على العِلَلِ لابن عبد الهادي صـ 44).

2 -

يحيى بنُ مَعِينٍ؛ قال ابنُ أبي خَيْثَمَةَ: سُئِل يحيى بنُ مَعِينٍ: عن حديثِ إسرائيلَ، عن عامرِ بنِ شَقِيق، عن أبي وائل، عن عُثْمَانَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

ص: 31

تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا))؟ قال: "ضعيفٌ"(التاريخ الكبير- السِّفْر الثالث 4418). وهذه رواية مُختصَرَةٌ من حديثنا.

3 -

أبو حاتم الرَّازيُّ؛ قال: "لا يَثبُتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تخليلِ اللِّحيةِ حديثٌ"(العلل لابن أبي حاتم 101).

4 -

ابنُ المُنْذِرِ؛ قال: "والأخبارُ التي رُوِيَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه خَلَّلَ لِحيتَه قد تُكُلِّمَ في أسانيدِهِا، وأَحْسَنُها حديثُ عُثْمَانَ"(الأوسط 2/ 29).

وقال أيضًا: "ولو ثَبَتَ هذا لم يَدُلَّ على وُجوبِ تخليلِ اللِّحيةِ، بل يكونُ نَدْبًا كسائرِ السُّنَنِ في الوُضوءِ"(الأوسط 2/ 30).

5 -

ابنُ حَزْمٍ؛ قال: "أمَّا حديثُ عُثْمَانَ فمِن طريقِ إسرائيلَ وليس بالقويِّ، عن عامرِ بنِ شَقِيقٍ وليس مشهورًا بقُوَّةِ النَّقلِ"(المحلى 2/ 36).

وتَعقَّبَه ابنُ القَيِّمِ قائلًا: "وهذا تعليلٌ باطلٌ؛ فإن إسرائيلَ هو ابنُ يونسَ بنِ أبي إسحاقَ، احتَجَّ به الشيخان وبَقِيَّةُ السِّتَّةِ، وَوَثَّقَهُ الأئمةُ الكبارُ، وقال فيه أبو حاتم: ثقةٌ مُتقِنٌ، مِن أَتقَنِ أصحابِ أبي إسحاقَ. وَوَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، وأحمدُ وكان يَتعجَّبُ مِن حِفْظِهِ، والذي غَرَّ أبا محمدِ بنَ حَزْمٍ قولُ أحمدَ في رواية ابنِه صالحٍ: إسرائيلُ عن أبي إسحاقَ فيه لِينٌ، سَمِع منه بأَخَرَةٍ.

وهذا الحديثُ ليس مِن روايته عن أبي إسحاقَ؛ فلا يحتاجُ إلى جوابٍ.

وأمَّا عامرُ بنُ شَقِيقٍ، فقال النَّسائيُّ: ليسَ به بأسٌ. ورُوِيَ عنِ ابنِ مَعِينٍ تضعيفُه. رَوَى له أهلُ السُّننِ الأربعة" (حاشية ابن القَيِّم على سنن أبي داود 1/ 168).

وبنحوه تَعقَّبَه كذلك مُغْلَطايُ في (شرح ابن ماجَهْ 1/ 415)، وانظر أيضًا (البدر المنير 2/ 193).

ص: 32

6 -

المُنْذِريُّ؛ قال: "في إسنادِهِ: عامرُ بنُ شَقِيقِ بنِ جَمْرةَ، وهو ضعيفٌ"(مختصر سنن أبي داودَ 97).

7 -

الزَّيْلَعيُّ؛ قال: "رَوَى تخليلَ اللِّحيةِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من الصحابةِ

وكلُّها مَدْخولةٌ، وأَمْثَلُها حديثُ عُثْمَانَ" (نصب الراية 1/ 23).

8 -

الصَّنعانيُّ؛ قال: "والأحاديثُ ورَدَتْ بالأمرِ بالتخليلِ، إلا أنها أحاديثُ ما سَلِمَتْ عن الإعلالِ والتضعيفِ"(سبل السلام 1/ 67).

ولعلَّ ممَّا يَشهَدُ لقولِ المُضَعِّفينَ، أن عامرَ بنَ شَقِيقٍ قد تَفَرَّد بهذا الحديثِ عن أبي وائل شَقِيقِ بنِ سَلَمةَ، وأبو وائل له أصحابٌ ثقاتٌ حُفَّاظٌ أثباتٌ، كالأعمش، ومنصورِ بن المُعْتَمِر، وعَمرِو بنِ مُرَّةَ، وغيرِهم، فأين كانوا عن هذا الحديثِ، لِيَنفَرِدَ به عامرُ بنُ شَقِيقٍ وهو مُتكلَّمٌ فيه؟ ! .

كيف وقد خُولِف في سندِهِ ومَتْنِه؟

فقد رواه أحمدُ (478)، والنَّسائيُّ في (الكبرى 221)، وابنُ ماجَهْ (286)، وغيرُهم، مِن طُرُقٍ عن الأَوْزَاعيِّ، عن يحيى بنِ أبي كَثيرٍ، عن محمد بن إبراهيمَ التَّيميِّ، حدَّثَني شَقِيقُ بنُ سلمةَ، عن حُمْرانَ، قال: كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه قَاعِدًا فِي المَقَاعِدِ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فِي مَقْعَدِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَغْتَرُّوا» .

وليس في هذه الروايةِ ذِكْرٌ لتخليلِ اللحيةِ ولا غير ذلك من الزياداتِ التي في روايةِ عامرٍ.

وفيها أيضًا: أن شَقِيقًا لم يَسمَعْه مِن عُثْمَانَ، إنما أَخَذَه مِن حُمْرانَ.

ومحمدُ بنُ إبراهيمَ التَّيميُّ ثقةٌ من رجالِ الشيخينِ، فروايتُه لا شَكَّ مقدَّمةٌ

ص: 33

على روايةِ عامرٍ، وأمَّا قولُ شَقِيقٍ في روايةِ عامرٍ:(رَأَيتُ عُثْمَانَ) فمِن أوهامِ عامرٍ، إلا أن يكونَ فِعْلُ عُثْمَانَ هذا تَكَرَّر، فسَمِعَه شَقِيقٌ أولًا مِن حُمْرانَ، ثُمَّ رَآهُ بنفْسِه، فحَدَّثَ به تارةً هكذا وتارةً هكذا، والله أعلم.

ولكنْ قد يُرجِّحُ قولَ المُحَسِّنينَ والمُصَحِّحينَ أن حديثَهُ هذا ليس فيه ما يُنكَرُ، فما زاده فيه عن رواية الصحيحين له طُرُقٌ وشواهِدُ يَصِحُّ بها، فانظر (باب صفة مسْحِ الأُذُن)، و (باب تخليل اللحية)، و (باب تخليل الأصابع)، وفي مسْحِ الأُذُنِ طُرُقٌ أخرى تَقَدَّمَتْ.

ولذا لَمَّا ذَكَر ابنُ المُلَقِّنِ شواهِدَه قال: "فهذا اثنا عشَرَ شاهدًا لحديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فكيفَ لا يكونُ صحيحًا؟ والأئمَّةُ قد صَحَّحَوه: التِّرْمِذيُّ في (جامعه)، وإمامُ الأئمَّةِ محمدُ بنُ إسحاقَ بنِ خُزَيْمةَ، وأبو حاتم بنُ حِبَّانَ في (صحيحيهما)، والدَّارَقُطنيُّ كما تَقَدَّمَ عنه، والحاكمُ أبو عبد الله في (مستدرَكه)، والشيخ تقيُّ الدِّينِ بنُ الصَّلاحِ. وشَهِدَ له إمامُ هذا الفنِّ أبو عبد اللهِ البُخاريُّ بأنه حديثٌ حَسَنٌ، وبأنه أَصَحُّ حديثٍ في البابِ، فلعلَّ ما نَقَلَه ابنُ أبي حاتم عن أبيه من قوله: ((إنه لا يَثبُتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تخليلِ اللِّحيةِ حديثٌ)، ومن قول الإمامِ أحمدَ حيثُ سأله ابنُه: (لا يَصِحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تخليلِ اللِّحيةِ شيْءٌ)، أن يكون المرادُ بذلك غيرَ حديثِ عُثْمَانَ"(البدر 2/ 192).

هذا، وقد وَرَدَ تخليلُ اللِّحيةِ في حديثِ عُثْمَانَ مِن طُرُقٍ أخرى غيرِ طريقِ عامرِ بنِ شَقِيقٍ:

* فرواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 6253)، و (مسند الشاميين 2402) عن محمدِ بنِ عليٍّ الصائِغِ، قال: نا محمدُ بنُ معاويةَ النَّيسابوريُّ، قال: نا شُعَيبُ بنُ رُزَيْقٍ، عن عَطاءٍ الخُراسانيِّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، قال: ((رَأَيْتُ

ص: 34

عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ)).

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن عَطاءٍ الخُراسانيِّ إلا شُعَيبُ بنُ رُزَيْقٍ".

ورواه أبو نُعَيمٍ في (الحلية 5/ 206) من طريقِ أحمدَ بنِ يحيى الحُلْوانيِّ، عن محمدِ بنِ معاويةَ، به. وقال:"غريبٌ مِن حديثِ عَطاءٍ، تفرَّدَ به شُعَيبٌ".

قلنا: وهذا إسنادٌ تالِفٌ؛ فيه: محمدُ بنُ معاويةَ النَّيسابوريُّ؛ كذَّبَه ابنُ مَعِينٍ، وأحمدُ، والدَّارَقُطنيُّ، وقال مسلمٌ والنَّسائيُّ:"متروكُ الحديثِ". انظر: (الضُّعفاء للعُقَيليّ 4/ 144)، و (تهذيب التهذيب 9/ 464).

* ورواه بَقِيَّةُ، عن أبي سُفيانَ الأَنْماريِّ، عن يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن عُثْمَانَ، به (العلل لابن أبي حاتم 180).

قال أبو حاتم الرَّازيُّ: "هذا حديثٌ موضوعٌ، وأبو سُفيانَ الأَنْماريُّ مجهولٌ"(علل الحديث 1/ 68).

وذَكَر ابنُ حِبَّانَ الأَنْماريَّ هذا في (المجروحين)، وقال:"شيخٌ يَروي الطاماتِ، لا يجوزُ الاحتِجاجُ به إذا انفرد"(المجروحين 3/ 148).

* * *

ص: 35

رِوَايَةُ تَقْدِيمِ غَسْلِ القَدَمَيْنِ عَلَى الوَجْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ:((رَأَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَغَسَلَ أَنَامِلَهُ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ كَالَّذِي رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ)).

[الحكم]:

منكَرٌ بتقديمِ غَسْلِ القدمينِ على غَسْلِ الوجهِ، ويحتمل أن تكونَ الرِّوايةُ وهَمًا من النساخِ، وسندُهُ مختلَفٌ فيه كما سبقَ.

[التخريج]:

[خز 178].

[السند]:

قال ابنُ خُزَيْمةَ: حدثنا محمد بن الوليد، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا إسرائيلُ، عن عامر -وهو ابنُ شَقِيقِ بنِ جَمْرَةَ الأَسَديُّ-، عن شَقِيقٍ -وهو ابنُ سَلَمةَ أبو وائل-، قال: رأيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ

فذَكَره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، عدا عامرَ بنَ شَقِيقٍ، وقد سَبَقَ بيانُ اختلافِ النُّقَّادِ فيه وفي حديثِه.

ولكنَّ المحفوظَ في هذا الحديثِ من روايةِ ابنِ مَهْدِيٍّ وعبدِ الرَّزَّاقِ وغيرِهما عن إسرائيلَ بتقديمِ غَسْلِ الوجهِ وتخليلِ اللِّحيةِ على غَسْلِ القدمين. وعليه؛ فهذه الروايةُ منكَرةٌ، أو لعلَّها وهَمٌ من الناسخِ أو الطابعِ؛ فقد جاءَ المتنُ في (المصنَّف 125) من روايةِ عبدِ الرَّزَّاقِ، عن إسرائيلَ،

ص: 36

وفي (صحيح ابن خُزَيْمةَ 152) من روايةِ ابنِ مَهْديٍّ، عن إسرائيلَ بلفظ:"وخَلَّلَ لحيتَه حينَ غَسَلَ وَجْهَهُ".

وهكذا جاءتْ العِبارةُ في غيرِ ما مصدر، فمِن المحتمل أن تكون كلمةُ "حين" سقطتْ، أو تحرَّفَتْ وأُبدِلَتِ الواوُ مكانَها.

أو يقالُ: إن الواوَ لا تقتَضي ترتيبًا. والله أعلم.

* * *

رِوَايَةٌ بِتَقْدِيمِ غَسْلِ الوَجْهِ عَلَى المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُثْمَانَ: ((أَنَّهُ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا

)) الحَدِيثَ، فَقَدَّمَ غَسْلَ الوَجْهِ عَلَى المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.

[الحكم]:

شَاذٌّ بتقديمِ غَسْلِ الوجهِ. وحَكَمَ عليه الحافظُ موسى بنُ هارونَ الحَمَّالُ والدَّارَقُطنيُّ بالوَهَمِ. والمحفوظُ في مَتْنِه البَدءُ بالمضمضةِ والاستنشاقِ قبلَ غَسلِ الوجهِ.

[التخريج]:

[خز 161 (واللفظ له) / ك 534/ بز 393/ حميد 62/ قط 286].

[السند]:

رواه ابنُ خُزَيْمةَ قال: نا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ الدَّوْرَقيُّ، حدثنا خلَفُ بنُ الوليدِ، حدثنا إسرائيلُ، عن عامرِ بنِ شَقِيقٍ، عن شَقِيقِ بنِ سَلَمةَ، عن عُثْمَانَ، به.

ص: 37

ورواه البَزَّارُ من طريقِ وَكِيعٍ، عن إسرائيلَ، به.

ورواه عَبْدُ بنُ حُمَيدٍ عنِ ابنِ أبي شَيْبةَ، قال: ثنا عبدُ الله بنُ نُمَيرٍ، قال: ثنا إسرائيلُ، به.

ورواه الدَّارَقُطنيُّ من طريقِ ابنِ أبي شَيْبةَ، حدثنا عبدُ الله بنُ نُمَير، عن إسرائيلَ، به.

ورواه الدَّارَقُطنيُّ -أيضًا- من طريقِ مُصْعبِ بنِ المِقْدَامِ، عن إسرائيلَ، به.

ورواه الحاكمُ من طريقِ عُبيدِ اللهِ بنِ موسى، وعبدِ الرَّزَّاقِ، قالا: أنبأ إسرائيلُ به.

فالروايةُ عندَهم مدارُها على إسرائيلَ، وهو ابنُ يونسَ.

قال البَزَّارُ: "وهذا الحديثُ لا نَعْلُمه يُروَى عن عُثْمَانَ إلا من هذا الوجهِ بهذا الإسنادِ".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ عدا عامرَ بن شَقِيقٍ، وقد سَبَقَ بيانُ اختلافِهم فيه وفي حديثِه.

هذا، والمحفوظُ عن عامَّةِ أصحاب إسرائيلَ بخلاف ما سبق:

* فأمَّا روايةُ خلَفِ بنِ الوليدِ فرواها ابنُ أبي خَيْثَمَةَ في (التاريخ/ السِّفْر الثالث/ 4416) بتقديمِ المضمضةِ والاستنشاقِ على الوجهِ.

* وأمَّا روايةُ وَكِيعٍ، فأخرجها أحمدُ في (المسند 403)، وابنُ أبي شَيْبةَ كما في (المصنَّف 63)، كلاهما عن وَكِيعٍ، مختصرًا بلفظ: ((أنَّ رَسُولَ اللهِ

ص: 38

صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)).

وجَزَم الدَّارَقُطنيُّ في (العلل) -كما سيأتي- بأنَّ وَكِيعًا رواه على الجادَّةِ بتقديمِ المضمضةِ والاستنشاقِ على غسلِ الوجهِ.

وكذا رواه عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ، ويحيى بنُ آدمَ، ومالكُ بنُ إسماعيلَ وأبو أحمدَ الزُّبَيريُّ، وأبو عامرٍ العَقَديُّ، وعبدُ الرزاقِ، كلُّهم عن إسرائيلَ كما سبقَ، وهو الموافقُ لروايةِ الصحيحينِ وغيرِهما مِن طُرُقٍ أخرى عن عُثْمَانَ رضي الله عنه.

ولذا قال الحافظُ موسى بنُ هارونَ عن هذه الروايةِ الشاذَّةِ: "وفي هذا الحديثِ موضعٌ فيه عندنا وهَمٌ؛ لأن فيه الابتداءَ بغَسلِ الوجهِ قَبْلَ المضمضةِ والاستنشاقِ، وقد رواه عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ عن إسرائيلَ بهذا الإسنادِ فبدأ فيه بالمضمضةِ والاستنشاقِ قَبْلَ غَسلِ الوجهِ، وتابَعه أبو غَسَّانَ مالكُ بنُ إسماعيلَ عن إسرائيلَ، فبدأ فيه بالمضمضةِ والاستنشاقِ قَبْلَ الوجهِ، وهو الصوابُ"(سنن الدَّارَقُطنيِّ 286).

وهذا ما رَجَّحَهُ الدَّارَقُطنيُّ أيضًا، ولكنه قَصَرَ الوهَمَ فيه على ابنِ نُمَيرٍ، فقال:"وفي هذا الموضعِ وهَمٌ من ابنِ نُمَيرٍ على إسرائيلَ؛ لأن عبدَ الرحمنِ بنَ مَهْديٍّ، وأبا غَسَّانَ، ويحيى بنَ آدمَ، ووَكِيعًا، روَوْهُ عن إسرائيلَ، فذَكَروا فيه المضمضةَ والاستنشاقَ قَبْلَ غَسلِ الوجهِ، وهو الصوابُ، وتقديمُ ابنِ نُمَيرٍ لغَسلِ الوجهِ على المضمضةِ والاستنشاقِ فيه وهَمٌ منه على إسرائيلَ؛ لمخالفةِ الأثباتِ عن إسرائيلَ قولَه"(العلل 3/ 35).

قلنا: لم يَنفَرِدْ به ابنُ نُمَيرٍ؛ فقد تابَعَه جماعةٌ كما رأيتَ، والذين رَوَوُا الحديثَ بذِكْرِ روايةِ تقديمِ الوجه رُوِيَ عنهم أيضًا على الوجهِ الصحيحِ؛

ص: 39

فالراجحُ شذوذُ تلك الروايةِ، والله أعلم.

وقد ذَكَر عبدُ الحقِّ إعلالَ موسى بنِ هارونَ، وأقَرَّه عليه (الأحكام الوسطى 1/ 169).

فتَعقَّبَه ابنُ القَطَّان بأن روايةَ الحديثِ عند الفريقين إنما هي بالواو، قال:"وهي لا تُرَتِّب، ولا يَخرُجُ من هذا تقديمُ مضمضةٍ على غَسلِ وجْهٍ"(بيان الوهم 2/ 194، 195).

قلنا: وهذا أَمْرٌ لا يَغيبُ على مثلِ هؤلاء الحُفَّاظِ، ولكن في مثل هذه الحالةِ وهي وَصْفُ الوُضوءِ، وبيانُ هيئتِهِ وكيفيَّتِهِ، فالأصلُ ذِكْرُه مُرتَّبًا، والله أعلم.

ولعلَّ ما ذَكَره ابنُ القَطَّان هو السببُ في تصحيحِ ابنِ خُزَيْمةَ له، حيثُ أخرجه في (صحيحه)، وصَحَّحَ إسنادَهُ الحاكمُ في (المستدرك)، وَجَوَّدَ إسنادَهُ ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 174).

هذا، وقد جاءَ ذِكْرُ الابتداءِ بالوجهِ قبل المضمضةِ في رواية أخرى مِن طريقٍ آخَرَ، كما يلي:

ص: 40

رِوَايَةٌ أُخْرَى بِتَقْدِيمِ الوَجْهِ قَبْلَ المَضْمَضَةِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ: ((دَعَا عُثْمَانُ رضي الله عنه بِمَاءٍ وَهُوَ عَلَى المَقَاعِدِ، فَسَكَبَ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ

)) الحَدِيثَ، بِنَحْوِ مَا سَبَقَ عَنْ حُمْرَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

[الحكم]:

شاذٌّ بتقديمِ الوجهِ على المضمضة، والمحفوظُ في الصحيحين وغيرِهما ذِكْرُ المضمضةِ والاستنثارِ أوَّلًا.

[اللغة]:

(المَقَاعِدُ): دَكاكِينُ ومَواضعُ كانوا يَقْعُدون عليها، وكانت بقُرْبِ المسجدِ. (المفهم 3/ 107).

[التخريج]:

[حم 418، 419].

[السند]:

رواه أحمدُ (418)، قال: حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيمُ -يعني: ابنَ سعدٍ-، حدثنا ابنُ شِهابٍ، عن عَطاءِ بنِ يَزيدَ، عن حُمْرانَ، به.

ثُمَّ قال أحمدُ (419): حدثنا إبراهيمُ بن نصرٍ التِّرْمِذيُّ، حدثنا إبراهيمُ بنُ سعدٍ، عنِ ابنِ شِهاب، عن عَطاءِ بنِ يَزيدَ، عن حُمْرانَ مولى عُثْمَانَ، أنه رأى عُثْمَانَ دَعَا بإِنَاءٍ

فذَكَرَ نحوَه.

ص: 41

[التحقيق]:

الطريقُ الأولُ رجالُه كلُّهم ثقاتٌ من رجالِ الشيخينِ، سوى أبي كامل: المُظَفَّرِ بنِ مُدْرِكٍ، وهو ثقةٌ متقِنٌ.

ولكن الحديث قد أخرجه البُخاريُّ (159) عن عبد العزيز بن عبد الله الأُوَيْسيِّ.

ومسلمٌ (226/ 4) من طريقِ يعقوبَ بنِ إبراهيمَ بنِ سعدٍ.

وأبو عَوَانةَ (722، 2150) من طريقِ سُلَيمانَ بنِ داودَ الهاشميِّ.

والبَيْهَقيُّ (246) من طريقِ محمدِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خالد.

أربعتُهم عن إبراهيمَ بنِ سعدٍ، به بلفظ:((فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ .. ))، الحديثَ.

فبدأَ بذِكْرِ المضمضةِ قَبْلَ غَسلِ الوجهِ، وهو المحفوظُ، وكذا رواه مَعْمَرٌ، وشُعَيبٌ، ويونسُ، وابنُ جُرَيجٍ عنِ الزُّهْريِّ به كما سبقَ.

فدَلَّ ذلكَ على أن روايةَ أبي كامل شاذَّةٌ.

فأمَّا متابعةُ إبراهيمَ بنِ نَصْرٍ التِّرْمِذيِّ -كما في السندِ الآخَرِ- فلا يُعتَدُّ بها؛ فإبراهيمُ هذا يُعْرَفُ بابنِ أبي اللَّيْثِ، وهو متروكٌ مُتَّهَمٌ، كذَّبَه ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ، انظر (اللسان 249).

ص: 42

رِوَايَة: مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: ((

وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا

)).

[الحكم]:

اختَلَفَ أهلُ العلمِ في هذه الروايةِ على قولين:

الأول: أنها روايةٌ شاذَّةٌ، أشار إلى ذلك الإمامُ أبو داودَ السِّجِسْتانيُّ، وابنُ المُنْذِرِ، ونَصَّ على ذلك البَيْهَقيُّ -في أحد قوليه-، وابنُ قُدَامةَ، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ، وابنُ سيِّدِ الناسِ، وابنُ عبدِ الهادِي، والذَّهَبيُّ، وابنُ القَيِّم، وابنُ حَجَرٍ -في أحد قوليه-، والشَّوْكانيُّ.

الثاني: أنها زيادةٌ من ثقةٍ يَجِبُ قَبولُها، وذهبَ إلى ذلك: البَيْهَقيُّ -في قولِهِ الآخَرِ-، وابنُ الصَّلاحِ، والنَّوَويُّ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ -في قوله الآخَرِ-، والعَيْنيُّ، والألبانيُّ.

والراجح: أنها روايةٌ شاذَّةٌ، والله أعلم.

[فائدة]:

قال شيخُ الإسلامِ: ((وتَنازَعوا في مَسْحِه ثَلَاثًا: هل يُستحَبُّ؟ فمَذهبُ الجمهورِ أنه لا يُستحَبُّ، كمالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأحمدَ في المشهورِ عنه.

وقال الشافعيُّ وأحمدُ -في روايةٍ عنه-: يُستحَبُّ؛ لِمَا في (الصحيحِ) أَنَّه تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وهذا عامٌّ. وفي (سنن أبي داودَ) أنه مَسَحَ برَأْسِهِ ثَلَاثًا؛ ولأنه عُضوٌ من أعضاءِ الوُضوءِ، فسُنَّ فيه الثلاثُ كسائرِ الأعضاءِ.

والأولُ أَصَحُّ؛ فإن الأحاديثَ الصحيحةَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُبَيِّنُ أنه كان يَمسَحُ رَأْسَهُ مرةً واحدةً؛ ولهذا قال أبو داودَ السِّجِسْتانيُّ: ((أحاديثُ عُثْمَانَ الصِّحاحُ تَدُلُّ على أنه مَسَح مرةً واحدةً)).

ص: 43

وبهذا يَبْطُلُ ما رواه مِن مَسْحِه ثَلَاثًا؛ فإنه يُبيِّنُ أن الصحيحَ أنه مَسَح رأسَه مرةً، وهذا المُفصَّلُ يَقضي على المُجْمَلِ وهو قولُه:((تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا))، كما أنه لَمَّا قال:((إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ))، كان هذا مُجْمَلًا وفَسَّرَه حديثُ ابنِ عُمرَ أنه يقولُ عند الحَيْعَلةِ:((لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ))؛ فإن الخاصَّ المُفَسَّرَ يَقضي على العامِّ المُجْمَلِ.

وأيضًا فإن هذا مَسْحٌ، والمسحُ لا يُسَنُّ فيه التَّكرارُ، كمَسْحِ الخُفِّ، والمسحِ في التَّيَمُّمِ، ومَسْحِ الجَبِيرةِ. وإلحاقُ المسحِ بالمسحِ أَوْلَى مِن إلحاقه بالغَسلِ؛ لأن المسحَ إذا كُرِّرَ كانَ كالغَسلِ)) (مجموع الفتاوى 21/ 125 - 126).

وقال الحافظُ ابنُ حَجَر: "ومِن أَقوَى الأدلةِ على عدمِ العددِ: الحديثُ المشهورُ الذي صَحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ وغيرُهُ من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ في صفةِ الوُضوءِ، حيثُ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد أن فَرَغَ: «مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ»، فإنَّ في روايةِ سعيدِ بنِ منصورٍ فيه التصريح بأنه مَسَحَ رأسَه مرةً واحدةً؛ فدَلَّ على أن الزيادةَ في مَسْحِ الرأسِ على المَرَّةِ غيرُ مستحَبَّةٍ، ويُحْمَلُ ما ورد من الأحاديثِ في تثليثِ المسحِ إنْ صَحَّتْ على إرادةِ الاستيعابِ بالمسحِ، لا أنها مَسَحاتٌ مُستقِلَّةٌ لجميعِ الرأسِ؛ جَمْعًا بين هذه الأدلةِ"(الفتح 1/ 298).

[التخريج]:

[د 106، 109 (واللفظ له) / حم 436/ بز 418/ قط 301 - 305/ هق 295 - 298/ هقع 711/ هقغ 95/ هقخ 117 - 119، 125، 128، 131/ بغ 221/ ضيا (1/ 454/ 328)، (1/ 492/ 364) / تحقيق 136/ صحا 4104/ تخ (3/ 393)(مختصرًا) / حرب (طهارة

ص: 44

180)].

[التحقيق]:

لهذه الروايةِ ثمانيةُ طُرُقٍ:

الطريق الأول: عن أبي سَلَمةَ، عن حُمْرانَ -مولى عُثْمَانَ-، عن عُثْمَانَ:

أخرجه أبو داودَ (106) -ومِن طريقه البَيْهَقيُّ في (الكبرى 295) -، عن محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ وَرْدَانَ، حدثني أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، حدثني حُمْرَانُ، قال: رَأَيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ

فذكره.

ورواه الضِّياءُ في (المختارة 328)، من طريق أبي يَعْلَى، عن محمدِ بنِ المُثَنَّى، به.

ورواه البَزَّارُ، عن محمدِ بنِ المُثَنَّى، به

(1)

.

وقال: "ولا نَعلَمُ روَى أبو سَلَمةَ عن حُمْرانَ إلا هذا الحديث".

ورواه الدَّارَقُطنيُّ (303)، من طريقِ يوسفَ بنِ موسى، عن الضَّحَّاكِ بنِ مَخْلَدٍ، به.

قلنا: وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ عبدِ الرحمنِ بنِ وَرْدانَ؛ فمختلَفٌ فيه، قال عنه يحيى بنُ مَعِينٍ:"صالح"، وقال أبو حاتم:"ما بحديثه بأسٌ"(الجرح والتعديل 5/ 295)، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 5/ 114)، وكذا ذَكَره ابنُ شاهينَ في (الثِّقات 814)، وابنُ خَلْفونَ في

(1)

وقع في رواية البَزَّار: (أبو عامر) وهو تصحيفٌ، والصوابُ:"أبو عاصم"، وهو الضَّحَّاكُ.

ص: 45

(الثِّقات)، كما في (إكمال تهذيب الكمال لمُغْلَطاي 8/ 249).

وقال الدَّارَقُطنيُّ: "يُعتبَرُ به"(سؤالات البَرْقانيّ 272)، وقال مَرَّةً "صالح"(سؤالات البَرْقانيِّ 581)، ونَقَل الذَّهَبيُّ في (الميزان 4997)، وكذا ابنُ حَجَرٍ في (التهذيب 6/ 293) عنه أنه قال:"ليس بالقويِّ". ولَخَّص حالَه الحافظُ، فقال:"مقبولٌ"(التقريب 4038)، يعني: إذا تُوبِع، وإلا فلَيِّنٌ.

ولَخَّص حالَه الذَّهَبيُّ، فقال:"صدوقٌ"(الكاشف 3338)، وكذلك قالَ ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 172)، وهذا يعني أنه حَسَنُ الحديثِ عندَهما.

وقال العَيْنيُّ: "فيه مقالٌ"(البناية شرح الهداية 1/ 242).

قلنا: وعلى أيَّةِ حالٍ فهو ممن لا يُحتمَلُ تفرُّدُه بهذا اللفظِ عن أبي سَلَمةَ.

وقد أخرجَ البُخاريُّ (164)، ومسلمٌ (226)، الحديثَ من طريقِ عَطاءِ بنِ يَزيدَ، عن حُمْرانَ، به دون ذِكْرِ العددِ في مَسْحِ الرأس، وكذا رواه غيرُه عن حُمْرانَ كما سبقَ.

* ولذا فقد أشارَ أبو داودَ إلى شُذوذِ روايةِ التثليثِ في مَسْحِ الرأسِ؛ لمُخالفتِها لِمَا صَحَّ من رواياتِ الثِّقاتِ عن عُثْمَانَ، فقال:((أحاديثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه الصِّحاحُ كلُّها تَدُلُّ على مَسْحِ الرأسِ أنه مَرَّةً؛ فإنهم ذَكَروا الوُضوءَ ثَلَاثًا وقالوا فيها: وَمَسَحَ رَأْسَهُ، ولم يَذْكُروا عددًا كما ذَكَروا في غيره)) (السنن عَقِبَ رقم 107).

* وقال ابنُ سيِّدِ الناسِ: ((وعبدُ الرحمنِ قال فيه يحيى: "صالح"، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ:"ما به بأسٌ"، وغيرُه مِن رُواتِه مشهورٌ، فلولا مخالفةُ

ص: 46

عبدِ الرحمنَ الثِّقاتِ في انفرادِهِ بالتَّثليثِ لكانَ صحيحًا أو حَسنًا))، ثُمَّ قالَ:((والتثليثُ محمولٌ على بيانِ الجوازِ إنْ ثَبَتَ)) (النفح الشذي 1/ 341).

وقد تَعقَّبَه ابنُ المُلَقِّنِ؛ فقال: "لم يَنفَرِدْ بها عبدُ الرحمنِ؛ فقد رواها جماعاتٌ كروايته

"، ثُمَّ ذَكَر الطرقَ التاليةَ (البدر المنير 2/ 173).

قلنا: وهذا تَعَقُّبٌ فيه نظرٌ؛ فإن ابنَ سيِّدِ الناسِ إنما قَصَدَ تفرُّدَه عن أبي سَلَمةَ عن حُمْرانَ، مخالِفًا في مَتْنِه ما رواه الثِّقاتُ مِن أصحابِ حُمْرانَ كما سبقَ بيانُه، وأمَّا الطرقُ التي أشارَ إليها ابنُ المُلَقِّنِ فسيأتي بيانُ ما فيها.

وقد قوَّى هذا الطريقَ بعضُ أهل العلمِ؛ جَرْيًا منهم على ظاهرِ إسنادِهِ:

* فقال ابنُ الصلاح: "حديثٌ حَسَنٌ، وربما ارتَفَعَ مِنَ الحُسنِ إلى الصحةِ بشواهِدِهِ وكثرةِ طُرُقِه"(المجموع شرح المهذب 1/ 434).

* وحَسَّنَ إسنادَهُ النَّوَويُّ في (المجموع 1/ 434).

* وَجَوَّدَ إسنادَهُ ابنُ المُلَقِّنِ في (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 1/ 345)، وقال في (البدر المنير 2/ 172):((ورُواتُه عن آخِرِهِم ثقاتٌ))، ثُمَّ قال:((إسنادُ هذا الحديثِ على شرطِ (الصحيحين)، وباقي (الكتب الستة)، إلا ابنَ وَرْدَانَ، فلم يُخَرِّجْ له إلا أبو داودَ وحدَه، وقد وَثَّقَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ، والإمامُ أبو حاتم الرَّازيُّ كما تَقَدَّمَ، وهُمَا إمامَا هذا الفنِّ، وسَكَتَ عنه أبو داودَ؛ فهو حَسَنٌ عندَه أو صحيحٌ، وأقَرَّه على ذلك الحافظُ أبو محمدٍ المُنْذِريُّ في (اختصاره للسنن)، ولم يُعَقِبَه بشيءٍ)).

قلنا: وفي هذا نظرٌ؛ مِن حيث إن أبا داودَ إنما أشارَ إلى شُذوذِهِ، كما سبقَ.

* وصَحَّحَ إسنادَهُ العَيْنيُّ في (عمدة القاري 3/ 9)، وقال في (شرح سنن

ص: 47

أبي داودَ 1/ 288 - 289): "قد قلنا: إن الرواةَ إذا اختَلَفوا عنِ الصحابيِّ في قضيةٍ واحدةٍ يُعمَلُ بروايةِ مَن زادَ إذا كان ثقةً، وقد عَمِلنا بالزيادتينِ، الزيادة الواحدة في الرواية التي مَضَت، والزيادة الأخرى في هذه الرواية، وهي قوله: ((وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا))، وبهذه الزيادةِ تمسَّكَتِ الشافعيةُ أن السُّنَّةَ في مَسْحِ الرأسِ: أنْ يُمسَحَ ثَلَاثًا. ولكنْ عندنا هذا محمولٌ على المسح ثَلَاثًا بماءٍ واحدٍ، وهو مشروعٌ عندنا على ما رُوِيَ عن أبي حنيفةَ، صَرَّح بذلك صاحبُ (الهداية) ".

* وحَسَّنَ الألبانيُّ إسنادَهُ في (صحيح أبي داود 1/ 180)، وَصَحَّحَهُ بطُرُقه التي سيأتي بيانُها قريبًا.

الطريق الثاني: عن شَقِيق بنِ سَلَمةَ، عن عُثْمَانَ:

أخرجه أبو داودَ (110) -ومِن طريقه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 117) -، عن هارونَ بنِ عبدِ اللهِ، قال: حدثنا يحيى بنُ آدمَ، حدثنا إسرائيلُ، عن عامرِ بنِ شَقِيقِ بنِ جَمْرةَ، عن شَقِيقِ بنِ سَلَمةَ، قال: رَأَيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِراعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا

الحديثَ.

وأخرجه الدَّارَقُطنيُّ (302)، من طريقِ هارونَ بنِ عبدِ اللهِ، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقات رجالُ الصحيحِ عدا عامرَ بنَ شَقِيقٍ، وقد سَبَقَ بيانُ حاله قريبًا.

وتُوبِع عليه يحيى بنُ آدمَ:

فرواه البَيْهَقيُّ في (السنن الكبرى 297)، و (الصغرى 95)، و (المعرفة 711)، و (الخلافيات 118)، من طريق أبي غَسَّانَ مالِكِ بنِ إسماعيلَ، أنا إسرائيلُ، عن عامرٍ، به.

ص: 48

وأبو غَسَّانَ ثقةٌ متقِنٌ مِن رجالِ الصحيحِ، وكذلك يحيى بنُ آدمَ، ولكنْ خالَفَهما جماعةٌ منَ الثِّقاتِ الأثباتِ:

فرواه ابنُ خُزَيْمةَ (الصحيح 162)، وابنُ الجارُودِ في (المنتقى 71)، من طريقِ عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ، وهو إمامٌ كبيرُ الشأنِ.

ورواه ابنُ أبي شَيْبةَ في (المصنَّف 63)، والبَزَّارُ في (المسند 393)، من طريق وَكِيعِ بنِ الجَرَّاحِ، وهو ثقةٌ حافظٌ.

ورواه عبدُ الرَّزَّاقِ -في (المصنَّف 125) -، وهو إمامٌ كبيرٌ.

ورواه الضِّياءُ في (المختارة 1/ 469/ 343)، مِن طريقِ أبي أحمدَ الزُّبَيريِّ، وهو ثقةٌ ثَبْتٌ.

ورواه الطَّحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 32)، مِن طريقِ أَسَدِ بنِ موسى (أَسَد السُّنَّةِ).

كلُّ هؤلاءِ روَوْهُ عن إسرائيلَ عن عامرٍ به دُونَ ذِكْرِ التثليثِ للرأسِ كما سبقَ.

فروايةُ هؤلاءِ تُعِلُّ روايةَ يحيى وأبي غَسَّانَ.

وقد أشارَ أبو داودَ إلى هذه العلةِ، فقال -عَقِبَ إخراجِه روايةَ يحيى بنِ آدمَ-:"رواه وَكِيعٌ عن إسرائيلَ، قال: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا فقط".

وبهذا أَعَلَّ البَيْهَقيُّ وابنُ عبدِ الهادِي روايةَ التثليثِ الواردةَ عن إسرائيلَ:

فقال البَيْهَقيُّ: "وقد رُوِيَ من أَوجُهٍ غريبةٍ عن عُثْمَانَ رضي الله عنه ذِكْرُ التَّكرارِ في مَسْحِ الرَّأْسِ، إلا أنها مع خِلافِ الحُفَّاظِ الثِّقاتِ ليستْ بحُجَّةٍ عند أهلِ المعرفةِ، وإن كانَ بعضُ أصحابنا يَحتَجُّ بها، منها

"، وذَكَرَ روايةَ

ص: 49

ابنِ وَرْدانَ عن أبي سَلَمةَ، وروايةَ أبي غَسَّانَ عن إسرائيلَ، وغيرِهما مما سيأتي ذِكْرُه (السنن الكبرى عَقِبَ رقم 294).

وقال أيضًا: "والرواياتُ الثابتةُ المُفَسَّرةُ عن حُمْرانَ تَدُلُّ على أن التَّكرارَ وقَعَ فيما عدا الرَّأسَ من الأعضاءِ، وأنه مَسَحَ برأسِهِ مَرَّةً واحدةً"(السنن الكبرى 1/ 190)، وانظر أيضًا:(معرفة السنن والآثار 1/ 299).

وكلامُ البَيْهَقيِّ هذا أَدَقُّ وأَوْلى مما ذَهَبَ إليه في (الخلافيات 1/ 309) مِن تحسينِه لروايةِ التثليثِ هذه.

وقال ابنُ عبدِ الهادِي: "وقد رواه ابنُ مَهْديٍّ، وعبدُ الرَّزَّاقِ، وأبو أحمدَ الزُّبَيريُّ، وغيرُهم، عن إسرائيلَ، ولم يَذْكُروا التَّكرارَ في مَسْحِ الرَّأسِ، وهو الصوابُ"(تنقيح أحاديث التحقيق 217).

وذَهَب ابنُ حَجَرٍ إلى تقويةِ روايةِ الجماعةِ بدون ذِكْرِ العددِ في مَسْحِ الرأسِ؛ مستدِلًّا بحديث عبدِ الله بنِ عَمرِو بنِ العاصِ في صفة الوُضوءِ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أنْ فَرَغ:((مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ))، وقد وردَ التصريحُ في مَتْنِه بمَسْحِ الرأسِ واحدةً، ثُمَّ قال الحافظُ:"ويُحمَلُ ما ورد من الأحاديثِ في تثليثِ المسحِ -إنْ صَحَّتْ- على إرادةِ الاستيعابِ بالمسحِ، لا أنها مَسَحاتٌ مستقِلَّةٌ لجميعِ الرأسِ؛ جَمْعًا بيْن هذه الأدلةِ"(الفتح 1/ 298).

* هذا وقد ذَهَبَ ابنُ حَجَرٍ -في موطنٍ آخَرَ- إلى تصحيحِ هذه الروايةِ على اعتبارِ أنها زيادةٌ مِن ثقةٍ، فقال:"قد رَوَى أبو داودَ مِن وجهين -صَحَّحَ أحدَهما ابنُ خُزَيْمةَ وغيرُه- في حديثِ عُثْمَانَ تثليثَ مَسْحِ الرأسِ، والزيادةُ مِن الثقةِ مقبولةٌ"(الفتح 1/ 260).

ص: 50

وهذا ما اعتَمَده الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 181، 185).

وقد سَبَقَتِ الإشارةُ إلى أن في هذا التحسينِ نظرًا.

وقد أَعَلَّ المُنْذِريُّ هذه الروايةَ بعامرٍ نفْسِهِ، فقال:"في إسنادِهِ عامرُ بنُ شَقِيقٍ، وهو ضعيفٌ"(مختصر سنن أبي داود 1/ 91). وقد تَقَدَّمَ الكلامُ عليه آنِفًا.

الطريق الثالث: عنِ ابنِ دَارَةَ، عن عُثْمَانَ:

أخرجه أحمد (436) -ومِن طريقه أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة 4104)، والضِّياءُ في (المختارة 1/ 492/ 364)، وابنُ الجَوزيِّ في (التحقيق 136) -، عن صفوانَ بنِ عيسى، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريمَ، عنِ ابنِ دَارَةَ -مولى عُثْمَانَ-، عن عُثْمَانَ، به.

وأخرجه البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 3/ 393) مختصرًا، والدَّارَقُطنيُّ في (السنن 304)، والبَيْهَقيُّ في (السنن الكبرى 296)، و (الخلافيات 128)، مِن طريقِ صفوانَ بنِ عيسى، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: ابنُ دَارَةَ مولى عُثْمَانَ، تَرجَمَ له البُخاريُّ في (التاريخ 3/ 393)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 563)، ولم يَذْكُرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقالا في اسمه:"زيدُ بنُ دَارَةَ". وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 4/ 247) على عادته.

وذَكَره ابنُ مَنْدَهْ وغيرُه في (الصحابةِ)، وسمَّاه عبدَ اللهِ، ولا تَثبُتُ له صُحبةٌ، انظر (الإصابة 6344)، و (التعجيل 1450).

وقال البُوصيريُّ: "لا يُعرَفُ حالُهُ"(إتحاف الخيرة 8/ 195).

ص: 51

وقد أَعَلَّه ابنُ حَجَرٍ بابنِ دَارَةَ، فقال:"وابنُ دَارَةَ مجهولُ الحالِ"(التلخيص 1/ 146).

هذا، وقد نَقَلَ ابنُ حَجَرٍ عن الدَّارَقُطنيِّ أنه لَمَّا أَخرَجَ هذا الحديثَ قال عَقِبَه:"إسنادُهُ صالحٌ"(التعجيل 1450).

وقولُ الدَّارَقُطنيِّ هذا لم نَعثُرْ عليه فيما بيْن أيدينا من النسخِ المطبوعةِ.

وصفوانُ بنُ عيسى ثقةٌ مِن رجالِ مسلمٍ، ومحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي مريمَ؛ قال عنه يحيى القَطَّانُ:"لم يكن به بأسٌ"، وقال أبو حاتم:"شيخٌ مَدَنيٌّ صالحُ الحديثِ"، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات)، انظر (التعجيل 948).

فانحَصَرَتْ عِلَّةُ الإسنادِ في ابنِ دَارَةَ، وبه أَعَلَّه الحافظُ كما سبقَ.

وقد اختُلِفَ فيه على ابنِ دَارَةَ أيضًا:

فرواه أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة 4103)، من طريق ابن المبارك، عن أبي مَعْشَرٍ المَدَنيِّ، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن دَارَةَ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ، به.

فعادَ الحديثُ إلى حُمْرانَ، ولكنْ أبو مَعْشَرٍ "ضعيف" كما في (التقريب 7100)؛ ولذا ضَعَّفَ ابنُ حَجَرٍ سندَهُ في (التعجيل 1/ 533).

الطريق الرابع: عن عبد الله بن جعفر، عن عُثْمَانَ:

أخرجه الدَّارَقُطنيُّ في (السنن 301)، والبَيْهَقيُّ في (الكبرى 298)، وفي (الخلافيات 119)، من طريق سُلَيمانَ بنِ بلالٍ، عن إسحاقَ بنِ يحيى، عن معاويةَ بنِ عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن عُثْمَانَ، به.

ص: 52

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: إسحاقُ بنُ يحيى بنِ طلحة؛ "ضعيفٌ" كما في (التقريب 390).

وقد رواه أبو عامرٍ العَقَديُّ عن إسحاقَ بلفظٍ آخَرَ:

فرواه البَزَّارُ في (المسند 349)، من طريق أبي عامر، عن إسحاقَ، به:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)).

وهذا السياقُ ليسَ فيه مخالفةٌ لِمَا رواه الثِّقاتُ في حديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.

وهذا الطريقُ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطنيُّ مِن أجْلِ إسحاقَ، فقال -عَقِبَ تخريجِه-: " [هذا إسنادٌ لم يُختَلَف فيه، إلا أن]

(1)

إسحاقَ بنَ يحيى ضعيفٌ

(2)

".

وكذلك ابنُ دقيق في (الإمام 1/ 544)، وابنُ حَجَرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 146).

الطريق الخامس: عن عبدِ الرحمنِ بنِ البَيْلَمانيِّ، عن عُثْمَانَ:

أخرجه الدَّارَقُطنيُّ في (السنن 305) -ومِن طريقِه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 125) - عن الحسينِ بنِ إسماعيلَ، نا شُعَيبُ بنُ محمدٍ الحَضْرميُّ بمكَّةَ، ثنا الربيعُ بنُ سُلَيمانَ الحَضْرميُّ، نا صالحُ بنُ عبدِ الجبارِ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ البَيْلَمانيِّ، عن أبيه، عن عُثْمَانَ، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ:

(1)

ما بين المعقوفتين زيادة من (البدر المنير 2/ 176)، ولم نقفْ عليه في (سنن الدَّارَقُطنيّ).

(2)

جاء في (البدر المنير 2/ 176) نقلًا عن الدَّارَقُطنيّ: "إسحاق بن يحيى ليس بالقوي".

ص: 53

الأولى: محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ البَيْلَمانيِّ؛ قال عنه أبو حاتم، والبُخاريُّ، والنَّسائيُّ:"منكَرُ الحديثِ"(التهذيب 9/ 293)، وقال الذَّهَبيُّ:"وَاهٍ"(الكاشف 4987)، وقال الحافظُ:"ضعيفٌ، وقد اتَّهمه ابنُ عَدِيٍّ وابنُ حِبَّانَ"(التقريب 6067).

الثانية: أبوه عبدُ الرحمنِ بنُ البَيْلَمانيِّ؛ "ضعيفٌ" كما في (التقريب 3819).

الثالثة: صالحُ بنُ عبدِ الجبارِ؛ قال العُقَيليُّ: "يُحَدِّثُ عنِ ابنِ البَيْلَمانيِّ نسخة فيها مناكيرُ"(الضعفاء الكبير 4/ 101). وقال ابنُ القَطَّان: "مجهولُ الحالِ"(بيان الوهم والإيهام 3/ 93). وذكره الذَّهَبيُّ في (الميزان 3809)، وقال:"أَتَى بخبرٍ منكَرٍ جدًّا" وانظر (لسان الميزان 3873).

وقد تُوبِع عليه صالحٌ:

فرواه الطَّبَرانيُّ في (الدعاء 387) من طريق محمدِ بنِ الحارثِ الحارِثيِّ، عنِ ابنِ البَيْلَمانيِّ، به مختصرًا، ليس فيه صفةُ الوُضوءِ.

والحارِثيُّ هذا ضعيفٌ أيضًا كما في (التقريب 5797).

وهذا الطريقُ ضَعَّفَهُ ابنُ المُلَقِّنِ بابنِ البَيْلَمانيِّ في (البدر المنير 2/ 177).

وكذلك ابنُ حَجَرٍ، فقال:"وابنُ البَيْلَمانيِّ ضعيفٌ جدًّا، وأبوه ضعيفٌ أيضًا"(التلخيص 1/ 146).

وقال الغَسَّانيُّ: "لا يَثبُتُ؛ ابنُ البَيْلَمانيِّ ضعيفٌ"(تخريج الأحاديث الضعاف صـ 24).

وعبدُ الرحمنِ بنُ البَيْلَمانيِّ لم يَثبُتْ له سماعٌ مِن أحدٍ مِن الصحابةِ فيما

ص: 54

ذَهَبَ إليه صالح جَزَرة، انظر (تهذيب التهذيب 6/ 150).

الطريق السادس: عن عَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، عن عُثْمَانَ:

أخرجه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 131)، عن أبي الحسنِ عليِّ بنِ أحمدَ بنِ عَبْدانَ، أنبأ أحمدُ بنُ عُبَيدٍ الصَّفَّارُ، ثنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ مِلْحانَ، ثنا يحيى بنُ بُكَيرٍ، ثنا اللَّيْثُ، عن خالدٍ، عن سعيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عن عَطاءِ بنِ أبي رَباح، أن عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه أُتِيَ بِوَضُوءٍ

فذَكَر الحديثَ، وفيه: ((ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَفَاهُ

)).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لانقطاعه؛

قال أبو زُرْعةَ: "عَطاءُ بنُ أبي رباحٍ عن عُثْمَانَ: مُرسَلٌ"، وقال أبو حاتم:"عَطاءٌ لم يَسمَعْ مِن أسامةَ ولا مِن عُثْمَانَ شيئًا"(المراسيل لابن أبي حاتم 568 - 571).

وأشارَ البَيْهَقيُّ إلى هذا الطريقِ، فقال:"ورُوِيَ في ذلك عن عَطاءِ بنِ أبي رباحٍ عن عُثْمَانَ، وهو مُرسَلٌ"(السنن الكبرى 1/ 194).

وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "وهو مُنقطِعٌ فيما بيْن عَطاءِ بنِ أبي رباحٍ وعُثْمَانَ رضي الله عنه"(الإمام 1/ 544).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "وفيه انقطاعٌ"(التلخيص 1/ 146).

قلنا: ومما يُؤَكِّدُ ذلك، أن عبدَ الرَّزَّاقِ رواه في (المصنَّف 124): عنِ ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبرني عَطاءٌ، أنه بلَغَه عن عُثْمَانَ

فذَكَرَه، وليس فيه مَسْحُ الرأسِ مطْلقًا، وسيأتي قريبًا.

ص: 55

الطريق السابع: عن عَطاءِ بنِ يَزيدَ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ:

أخرجه البَغَويُّ في (شرحِ السُّنَّةِ 221) من طريقِ البُخاريِّ وغيرِه، عن عَبْدانَ، نا عبدُ اللهِ، أنا مَعْمَرٌ، حدثني الزُّهْريُّ، عن عَطاءِ بنِ يَزيدَ، عن حُمْرانَ: رَأَيتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ

الحديثَ، وفيه:((ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا)).

وهذا المَتْنُ بذِكْرِ التثليثِ في مَسْحِ الرأسِ وهَمٌ بلا أدنى شَكٍّ؛ وهو وهَمٌ مِن أحدِ النُّسَّاخِ، أو مِنَ الطابعِ؛ لأن الحديثَ جاءَ على الصوابِ بدُونِ ذِكْرِ التثليثِ في النسخةِ الأزهريةِ لكتابِ (شرحِ السُّنَّةِ)(ق 73/ أ- ب).

وقد أخرجَ البُخاريُّ هذا الحديثَ في (صحيحه 1934) عن عَبْدانَ بالإسنادِ نفْسِه، وفيه: ((ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا

))، ليس فيه ذِكْرُ التثليثِ في مَسْحِ الرأسِ.

وهكذا أخرجه البُخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما من طُرُقٍ عنِ الزُّهْريِّ به.

وكلُّ مَن تَكَلَّمَ على طُرُقِ روايةِ التثليثِ في مَسْحِ الرأسِ لم يَذْكُر هذا الطريقَ، كابنِ حَجَرٍ، والزَّيْلَعيِّ، وابنِ المُلَقِّنِ، وغيرِهم.

الطريق الثامن: عن عُرْوةَ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ:

رواه البَزَّارُ في (مسنده) كما في (البدر المنير 2/ 177)، عن عُبَيدِ بنِ إسماعيلَ الهَبَّاريِّ، نا أبو أُسامةَ، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيه، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ: ((أَنَّهُ أُتِيَ بِمَاءٍ

)) فَذَكَر الحديثَ، وفيه:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا)).

وهذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُه ثقاتٌ، رجالُ الصحيحِ، إلا أن الحديثَ جاءَ في (مسندِ البَزَّارِ 423)، بسندِهِ ومَتْنِهِ سواء، وليسَ فيه تثليثُ مَسْحِ الرأسِ؛ فالذي يَظهَرُ -واللهُ أعلمُ- أنَّ ذِكْرَ تثليثِ مَسْحِ الرأسِ في هذا الحديثِ

ص: 56

وهَمٌ مِن أحدِ النُّسَّاخِ.

* وبعد، فهذه هي طُرُقُ حديثِ عُثْمَانَ التي وَرَدَ فيها مَسْحُ الرأسِ ثَلَاثًا، وكلُّها غيرُ محفوظةٍ، ولا تُقاوِمُ رواياتِ الثِّقات الذين رَوَوْا حديثَ عُثْمَانَ واتَّفَقوا على ذِكْرِ التَّكرارِ في غيرِ مَسْحِ الرأسِ؛ ولذا قال ابنُ المُنْذِرِ:"والثابتُ أنه مَسَحَ برأسِهِ، لم يذْكرْ أَكثَر مِن مَرَّةٍ واحدةٍ"(الأوسط 2/ 41).

وقال ابنُ القَيِّم: "والصحيحُ أنه لم يُكَرِّرْ مَسْحَ رَأْسِهِ، بل كان إذا كَرَّرَ غَسْلَ الأعضاءِ أَفرَد مَسْحَ الرأسِ، هكذا جاءَ عنه صريحًا، ولم يَصِحَّ عنه صلى الله عليه وسلم خِلافُه الْبَتَّةَ"(زاد المعاد 1/ 186).

وقال الشَّوْكانيُّ: "والإنصافُ أن أحاديثَ الثلاثِ لم تَبْلُغْ إلى درجةِ الاعتِبارِ حتى يَلْزَمَ التَّمَسُّكُ بها لِمَا فيها من الزيادةِ، فالوقوفُ على ما صَحَّ من الأحاديثِ الثابتةِ في الصحيحين وغيرِهما من حديثِ عُثْمَانَ وعبدِ الله بنِ زيدٍ وغيرِهما هو المُتَعيَّنُ، لا سيَّما بعد تقيِيدِه في تلك الرواياتِ السابقةِ بالمَرَّةِ الواحدةِ. وحديثُ:«مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» الذي صَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمةَ وغيرُه قاضٍ بالمنعِ منَ الزيادةِ على الوُضوءِ الذي قالَ بعدَه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هذه المقالةَ، كيفَ وقد وَرَدَ في روايةِ سعيدِ بنِ منصورٍ في هذا الحديثِ التصريحُ بأنه مَسَحَ رَأسَهُ مَرَّةً واحدةً، ثُمَّ قال:«مَنْ زَادَ» ؟ (نيل الأوطار 1/ 196).

وقد أشارَ إلى شُذوذِ تلك الروايةِ: ابنُ قُدَامةَ في (المُغْني 1/ 179 - 180)، وابنُ تيميَّةَ في (مجموع الفتاوى 21/ 126)، وابنُ القَيِّم في (زاد المعاد 1/ 186).

ص: 57

وذَكَرَ الذَّهَبيُّ طُرُقَ الحديثِ عن عُثْمَانَ بتثليثِ المسحِ على الرأسِ، ثُمَّ قال:"الكلُّ لا يَصِحُّ"(تنقيح التحقيق 1/ 49).

وقال ابنُ كَثِير: "غريبٌ، وقد عَلَّلَهُ أبو داودَ "(إرشاد الفقيه 1/ 38).

الطريق الثامن: عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، عن عُثْمَانَ:

أخرجه أحمدُ (487)، قال: حدَّثَنا ابنُ الأَشْجَعيِّ، حدثنا أَبي، عن سفيانَ، عن سالمٍ أبي النَّضْرِ، عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، قال:«أَتَى عُثْمَانُ المَقَاعِدَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا يَتَوَضَّأُ، يَا هَؤُلاءِ أَكَذَاكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ» .

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ ابنُ الأَشْجَعيِّ، هو أبو عُبَيدةَ بنُ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ الرحمنِ الأَشْجَعيُّ، رَوَى عنه جَمْعٌ، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 8/ 434)، وسَمَّاهُ عَبَّادًا، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 8232). يعني: عند المتابعةِ، وإلا فلَيِّنٌ. ولم يُتابَعْ، بل خُولِفَ؛ فقد رواه جماعةٌ عن سفيانَ بإسنادِهِ عن عُثْمَانَ:((أَنَّه تَوَضَأَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا))، دون تفصيلٍ.

كذا رواه الفِرْيابيُّ وعبدُ اللهِ بنُ الوليدِ العَدَنيُّ، والحُسينُ بنُ حَفْصٍ، وأبو أحمدَ، وأبو حُذَيفةَ، وغيرُهم، عن سفيانَ به.

وسيأتي تخريجُ رواياتِهم في (باب الوُضوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا)، حديث رقْم (

).

وهناك عِلَّةٌ أخرى في سماعِ بُسْرٍ مِن عُثْمَانَ؛ فقد قال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: "وبُسْرُ بنُ سعيدٍ، عن عُثْمَانَ: مُرسَلٌ"(علل ابن أبي حاتم 143). أي: مُنقطِعٌ.

قلنا: وذلك أن بيْن وفاتَيْ بُسْرٍ وعُثْمَانَ (65 سنةً)؛ فقد ماتَ بُسْرٌ (سنة

ص: 58

100)، وماتَ عُثْمَانُ (سنة 35)؛ فسماعُ بُسْرٍ منه مُستبعَدٌ جدًّا.

نعم ذَكَرَ الواقِديُّ -وتَبِعَه ابنُ حِبَّانَ-: أن بُسْرًا ماتَ وله من العُمُرِ (78 سنةً)

(1)

، وعلى هذا يكون عُمُرُه يوم ماتَ عُثْمَانُ:(13 سنةً)، وهذا كافٍ في الإدراكِ والسماعِ، ولكنَّ الواقِديَّ ليس بثقةٍ ولا مُعتمَدٍ، فلا يُعتمَدُ على مِثْلِه في ردِّ كلامِ الأئمَّةِ الأعلام. والله أعلم.

[تنبيهان]:

الأول: قد ورد التَّكرارُ في مَسْحِ الرأسِ في غيرِ حديثِ عُثْمَانَ، وسيأتي ذِكْرُ هذه الأحاديثِ وبيانُ ما فيها.

الثاني: قال ابنُ حَجَرٍ -بعد أن ذَكَرَ روايةَ ابنِ وَرْدانَ-: "وتابَعَه هشامُ بنُ عُرْوةَ عن أبيه عن حُمْرانَ، أخرجه البَزَّارُ، وأخرجه أيضًا مِن طريق عبدِ الكريم عن حُمْرانَ وإسنادُهُ ضعيفٌ، ورواه أيضًا من حديث أبي عَلْقَمةَ مولى ابنِ عبَّاس عن عُثْمَانَ وفيه ضَعْفٌ"(التلخيص 1/ 84).

قلنا: وعَدُّ هذه الطرقِ من المتابعاتِ لروايةِ ابنِ وَرْدانَ وهَمٌ غريبٌ:

* فأمَّا روايةُ هشامٍ، فقد أخرجها البَزَّارُ في (المسند 423) من طريقِ أبي أُسامةَ، عن هشامٍ، به، وفيه: ((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ حَتَّى أَتَى عَلَى الوُضُوءِ

))، ولم يَذْكُرِ التثليثَ في مَسْحِ الرأسِ! ! .

وأصْلُ روايةِ هشامٍ عند مسلمٍ من روايةِ أبي أُسامةَ وسُفيانَ ووَكِيعٍ وجَرِيرٍ، عن هشامٍ به مختصرًا.

والذي يَظهَرُ أن ابنَ حَجَرٍ تَبِعَ ابنَ المُلَقِّنِ في ذلك الوهَمِ، وقد سَبَقَ التنبيهُ

(1)

انظر (الطبقات لابن سعد 7/ 227)، و (مشاهير علماء الأمصار لابنِ حِبَّانَ 545).

ص: 59

عليه.

* وأمَّا روايةُ عبدِ الكريم -وهو ابنُ أبي المُخارِقِ-، فقد أخرجها البَزَّارُ في (المسند 441) من طريقِ عبدِ العزيزِ الماجِشُونِ، عن عبدِ الكريمِ، به، وفيه: ((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا

))، ولم يَذْكُرِ التثليثَ في مَسْحِ الرأسِ أيضًا! ! .

* وأمَّا روايةُ أبي عَلْقَمةَ مولى ابنِ عبَّاس، فقد أخرجها البَزَّارُ في (المسند 443) من طريقِ عبدِ الله بنِ عُبَيدِ بنِ عُمَير، عن أبي عَلْقَمةَ، به، وفيه: ((ثُمَّ مَسَحَ بَرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ

))، ولم يَذْكُرِ التثليثَ في مَسْحِ الرأسِ أيضًا! ! .

وكذلك رواه أبو داود (السنن 109)، وغيرُه، من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ عُبَيدٍ، به.

* * *

ص: 60

رواية تأخير مسح الرأس على غسل القدمين:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ، قَالَ:((أَتَى عُثْمَانُ رضي الله عنه المَقَاعِدَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا يَتَوَضَّأُ، يَا هَؤُلَاءِ أَكَذَلِكَ؟ قَالُوا: ((نَعَمْ))، لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ إلا تأخيرَ مَسْحِ الرأسِ بعد غَسْلِ الرجلينِ؛ فإنه غيرُ محفوظٍ؛ كما قال الدَّارَقُطنيُّ.

[الفوائد]:

قال القُرْطُبيُّ: ((قولُه: (ثَلَاثًا ثَلَاثًا)؛ تَمسَّكَ به الشافعيُّ في استحبابِهِ تَكرارَ مَسْحِ الرَّأْسِ بمياهٍ متعدِّدةٍ كالأعضاء المغسولة.

وخالَفَه في ذلك مالكٌ وأبو حنيفةَ، ورَأَيَا: أن هذا اللفظَ مُخصَّصٌ، أو مُبيَّنٌ بما وَرَدَ من حديثِ عُثْمَانَ نفْسِه، حيثُ ذَكَرَ أعضاءَ الوُضوءِ مُفصَّلةً، وقال فيها:(ثَلَاثًا ثَلَاثًا)، ولم يَذْكُرْ لمَسْحِ الرأسِ عددًا، وليس في شيءٍ مِن أحاديثِ عُثْمَانَ الصِّحاحِ ذِكْرُ أنه صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا)) (المُفْهِم 3/ 107).

[التخريج]:

[قط 284]

[السند]:

قال الدَّارَقُطنيُّ: حدثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ زيادٍ، نا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، حدثني أَبي، نا ابنُ الأَشْجَعيِّ، نا أَبي، عن سفيانَ، عن سالمٍ

ص: 61

أبي النَّضْرِ، عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ عدا ابنَ الأَشْجَعيِّ، وهو أبو عُبيدةَ بنُ عُبَيدِ اللهِ بنِ عبد الرحمنِ الأَشْجَعيُّ، رَوَى عنه جَمْعٌ، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 8/ 434)، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 8232).

يعني: عندَ المتابعةِ، وإلا فلَيِّنٌ، وهو لم يُتابَعْ، بل تَفَرَّدَ، وخالَفَ، حيثُ قَدَّمَ غَسْلَ الرجلينِ على مَسْحِ الرأسِ، وهو خطأٌ؛ لمخالفتِهِ لرواياتِ الثِّقاتِ الذين رَوَوْا هذا الحديثَ؛ ولذا قال الدَّارَقُطنيُّ -عَقِبَ الحديثِ-:"صحيحٌ إلا التأخيرَ في مَسْحِ الرأسِ؛ فإنه غيرُ محفوظٍ، تَفرَّدَ به ابنُ الأَشْجَعيِّ عن أبيه عن سفيانَ بهذا الإسنادِ وهذا اللفظِ، ورواه العَدَنِيَّانِ عبدُ اللهِ بنُ الوليدِ ويَزيدُ بنُ أبي حَكِيم، والفِرْيابيُّ، وأبو أحمدَ، وأبو حُذَيفةَ، عن الثَّوْريِّ بهذا الإسنادِ، وقالوا كلُّهم: إن عُثْمَانَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وقال: ((هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ))، ولم يَزيدوا على هذا".

قلنا: ولكن رواية ابنِ الأَشْجَعيِّ لهذا الحديثِ في (مسند أحمدَ 487) جاءتْ على الصوابِ، بلفظ: ((أَتَى عُثْمَانُ رضي الله عنه المَقَاعِدَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا

))، وَسَاقَ الحديثَ.

ومعنى ذلك أن الوهَمَ الواردَ في روايةِ الدَّارَقُطنيِّ ليس من ابنِ الأَشْجَعيِّ، وإنما ممن دُونَه، وليس هناك سوى شيخِ الدَّارَقُطنيِّ، وهو أحمدُ بنُ محمدِ بنِ زيادٍ أبو سَهْلٍ القَطَّانُ، وهو ثقةٌ لكنه يَهِمُ، انظر (الدليل المُغْني لشيوخِ الدَّارَقُطنيِّ 97).

ص: 62

وعلى أيَّةِ حالٍ فالمحفوظُ في حديثِ عُثْمَانَ من غيرِ ما طريقٍ أنه بَدَأ بمَسْحِ الرأسِ قَبْلَ غَسْلِ الرجلينِ، وهكذا خرَّجه الشيخان وأصحابُ السُّننِ.

وظاهرُ روايةِ أحمدَ الأخيرةِ: (أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)، وهذا مُنكَرٌ؛ إذِ الثابتُ مَسْحُ الرأسِ مَرَّةً واحدةً، وغَسْلُ القدمينِ لا مَسْحُهُما، كما تَقَدَّمَ الكلامُ عليه في الروايةِ السابقةِ.

[تنبيه]:

رَوَى وَكِيعٌ هذا الحديث، وخالَفَ عُبيدَ اللهِ الأَشْجَعيَّ ومَن تابَعَه في روايته عن سفيانَ:

فرواه عن سفيانَ، عن أبي النَّضْرِ، عن أبي أنسٍ، عن عُثْمَانَ، به مختصَرًا.

ورَجَّحَ أحمدُ والدَّارَقُطنيُّ روايةَ الأَشْجَعيِّ ومَن تابَعَه، ووهَّمَا وَكِيعًا في روايته هذه، انظر (العلل ومعرفة الرجال لأحمد: 2260)، و (سنن الدَّارَقُطنيِّ 284)، و (الإلزامات والتَّتبُّع 195).

ورَجَّحَ أبو زُرْعةَ وأبو حاتمٍ روايةَ وَكِيعٍ، انظر (علل ابن أبي حاتم 143).

وزاد أبو حاتم فقال: "وبُسْرُ بنُ سعيدٍ، عن عُثْمَانَ: مُرسَلٌ"(علل ابن أبي حاتم 143).

وعلى هذا فتكونُ روايةُ بُسْرٍ هذه مُنقطِعةً، والله أعلم.

وسيأتي مزيدُ بيانٍ لذلكَ في "باب الوُضوء ثَلَاثًا"، حديث رقْم (؟؟؟؟).

* * *

ص: 63

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ فِيهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ:((رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً (مَسْحَةً))).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ. وَضَعَّفَهُ: أبو زُرْعةَ الرَّازيُّ -وأقَرَّه ابنُ عبدِ الهادِي-، ومُغْلَطايُ، وأحمدُ شاكر، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[جه 439 (واللفظ له) / ش 133 (والرواية له) / علحا 164].

[التحقيق]:

انظر الكلامَ عليه فيما يلي.

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَةً:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عن عَطاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ غَسْلًا، ثُمَّ قَالَ:((هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ مَن سَبَق ذِكْرُهم.

[التخريج]:

[ش 65].

ص: 64

[التحقيق]:

انظر الكلامَ عليه عَقِبَ الروايةِ الآتية.

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، بِدُونِ تَقْيِيدٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ:((رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، [وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ غَسْلًا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ مَن سَبَق ذِكْرُهم.

[التخريج]:

[عم 472 (واللفظ له)، 527 (والزيادة له)].

[السند]:

رواه ابنُ أبي شَيْبةَ (133) -ومِن طريقه ابنُ ماجَهْ-، قال: حدثنا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عن حَجَّاجٍ، عن عَطاءٍ، عن عُثْمَانَ، به.

ورواه أيضًا (65) قال: حدثنا أبو معاويةَ، عن حَجَّاجٍ، به.

وأخرجه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند) من طريق حمَّادِ بنِ زيدٍ، عن الحَجَّاجِ، به.

فمدارُه عندَ الجميعِ -عدا ابنَ أبي حاتم في (العلل 164) - على حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، عن عَطاءِ بنِ أبي رَباح، عن عُثْمَانَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ:

ص: 65

الأولى والثانية: ضَعْفُ الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ وعنعنَتُه؛ فهو: "صدوقٌ كثيرُ الخطأِ والتدليسِ" كما في (التقريب 1119).

الثالثة: الانقطاع؛ فإن عَطاءً -وهو ابنُ أبي رباحٍ- لم يَسمَعْ من عُثْمَانَ، كما قال أبو زُرْعةَ وأبو حاتمٍ الرَّازيان (المراسيل لابن أبي حاتم 568 - 571)، وانظر (جامع التحصيل 520).

ومما يُؤَكِّدُ ذلك، أن عبدَ الرَّزَّاقِ رواه في (المصنَّف 124): عنِ ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبَرَني عطاءٌ، أنه بَلَغَه عن عُثْمَانَ

فذَكَرَه، وليس فيه مَسْحُ الرأسِ مطْلقًا، وسيأتي قريبًا.

وأَعَلَّه مُغْلَطايُ بالانقطاعِ وضَعْفِ الحَجَّاجِ (شرح ابن ماجَهْ 1/ 430).

وقال الألبانيُّ: "إسنادُهُ ضعيفٌ"(صحيح أبي داود 1/ 182).

وَضَعَّفَهُ العلامةُ أحمدُ شاكر في (تحقيقه للمسند 472).

وقد وصَلَه بعضُهم بذِكْرِ حُمْرانَ مولى عُثْمَانَ:

قال ابنُ أبي حاتم في (العلل 164): سُئِلَ أبو زُرْعةَ: عن حديثِ سَهْلِ بنِ عُثْمَانَ العَسْكَريِّ، عن حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عن الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، عن عَطاءٍ، عن حُمْرانَ بن أَبانَ -أو أَبانَ بنِ حُمْرانَ-، عن عُثْمَانَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، إِلَّا مَسْحَ رَأْسِهِ مَرَّةً)).

قال أبو زُرْعةَ: "رَوَى هذا الحديثَ حمَّادُ بنُ زيدٍ، وحمَّادُ بنُ سَلَمةَ، وهُشَيمٌ، وعَبَّادُ بنُ عَوَّامٍ، وابنُ أبي زائِدةَ، عن حَجَّاجٍ، عن عَطاءٍ، عن عُثْمَانَ

مُرسَلًا.

ورواه يَزيدُ بنُ أبي حَبيبٍ، وأُسامةُ بنُ زيدٍ، واللَّيْثُ، وابنُ لَهِيعةَ، عن

ص: 66

عَطاءٍ، عن عُثْمَانَ

مُرسَلًا.

ورواه ابنُ جُرَيجٍ، عن عَطاءٍ، أنه بَلَغَه عن عُثْمَانَ

مُرسَلًا، وهو الصحيحُ عندَنا" (عِلَل ابن أبي حاتم 1/ 640). وأقَرَّه ابنُ عبدِ الهادِي في (تعليقة على عِلَل ابن أبي حاتم صـ 241).

وروايةُ ابنِ جُرَيجٍ هذه عندَ عبدِ الرَّزَّاقِ في (المصنَّف 124).

وسُئِلَ الدَّارَقُطنيُّ عن الحديثِ، فذَكَرَ الخِلافَ، وقال:"فإنْ كان حَفِظَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ هذا عنِ الحَجَّاجِ، فقد زادَ فيه حُمْرانَ، وهذه زيادةٌ حسَنةٌ، وحَفْصٌ منَ الثِّقاتِ"(العلل 263).

قلنا: حَفْصٌ وإنْ كان منَ الثِّقاتِ، فإنه كان يَهِمُ إذا حَدَّثَ مِن حِفْظِه، وقد خالَفَه جماعةٌ مِنَ الحُفَّاظِ؛ وروايةُ الجماعةِ أَوْلَى بالصوابِ مِن روايةِ الواحدِ.

وَهَبْ أنه حَفِظَه عن حَجَّاجٍ، فهي زيادةٌ مُنكَرةٌ أيضًا؛ لأن حَجَّاجًا ضعيفٌ، وقد خالَفَه جماعةٌ من الأثباتِ، فروَوْهُ عن عَطاءٍ عن عُثْمَانَ، بدون ذِكْرِ (حُمْرانَ)، بل ورواه أَثبَتُ الناسِ في عَطاءٍ -وهو ابنُ جُرَيجٍ- عن عَطاءٍ، أنه بلَغَه عن عُثْمَانَ، ولم يَذْكُر (حُمْرانَ) أيضًا.

قلنا: ولكنَّ مَتْنَ الحديثِ صحيحٌ على أيَّةِ حالٍ. فأمَّا روايةُ أحمدَ فلا إشكالَ فيها، وقد سَبَقَ الحديثُ بنحوها مِن طُرُقٍ.

وأمَّا روايةُ ابنِ ماجَهْ وابنِ أبي شَيْبةَ بتقييدِ مَسْحِ الرأسِ بمَسحةٍ واحدةٍ، فقد صَحَّ أنَّ مَسْحَ الرأسِ مَرَّةٌ واحدةٌ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ عندَ البُخاريِّ (186)، وصَحَّ كذلك عن عليٍّ رضي الله عنه، وعن غيرِهِ منَ الصحابةِ. وظاهرُ رواياتِ حديثِ عُثْمَانَ يَدُلُّ على أن مَسْحَ الرأسِ إنما هو واحدةٌ فقط؛ ولذا صَحَّحَ الألبانيُّ روايةَ ابنِ ماجَهْ في (صحيح ابن ماجَهْ 354) رغْمَ أنه

ص: 67

ضَعَّفَ سندَها كما سبقَ. وقد ورد تقييدُ مَسْحِ الرأسِ بواحدةٍ في حديثِ عُثْمَانَ مِن طُرُقٍ أخرى كما ستراه فيما يأتي.

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ: مَسَحَ مَرَّةً:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، عَنْ عُثْمَانَ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ مَرَّةً)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[ش 134].

[السند]:

قال ابنُ أبي شَيْبةَ: حدثنا حسينُ بنُ عليٍّ، عن جعفرِ بنِ بُرْقانَ، عنِ الزُّهْريِّ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ رجالُه ثقاتٌ عدا جعفرَ بنَ بُرْقان، وقد وثَّقَه أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وابنُ نُمَيرٍ، وغيرُهُم، إلَّا في روايتِهِ عنِ الزُّهْريِّ، فَضَعَّفُوه فيها (تهذيب التهذيب 2/ 86)، ولذا قال الحافظُ:"صدوقٌ يَهِمُ في حديثِ الزُّهْريِّ"(التقريب 932).

وهذا مِن حديثِهِ عنِ الزُّهْريِّ، وقد وَهِمَ فيه سندًا ومَتْنًا:

* فأمَّا وَهَمُه في سندِهِ؛ ففي قوله: "عنِ الزُّهْريِّ، عن حُمْرانَ".

ص: 68

وقد رَوَى أصحابُ الزُّهْريِّ الحديثَ عنه، عن عَطاءِ بنِ يَزيدَ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ.

رواه هكذا:

1.

إبراهيمُ بنُ سعدٍ، كما عند البُخاريِّ (159)، ومسلمٍ (226).

2.

شُعَيبُ بنُ أبي حَمزةَ، كما عند البُخاريِّ (164).

3.

مَعْمَرُ بنُ راشِدٍ، كما عند البُخاريِّ (1934).

4.

يونسُ بنُ يَزيدَ الأَيْليُّ، كما عند مسلمٍ (226).

* وأمَّا وَهَمُه في المتنِ؛ ففي تقييدِه المسحَ -أي: مسْحَ الرأسِ- بمَرَّةٍ، ولم يَرِدْ هذا القيدُ في روايةِ الثِّقاتِ المذكورين آنفًا.

نعم ثَبَتَ هذا القيدُ في صفةِ وُضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنْ مِن غيْرِ هذا الوجهِ.

ولتقييدِ مَسْحِ الرأسِ بواحدةٍ في حديثِ عُثْمَانَ طُرُقٌ أخرى تَجِدُها في الروايةِ الآتيةِ.

ص: 69

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُطَوَّلَةٍ، عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: أَنَّهُ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى المَقَاعِدِ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، كُنْتُ عَلَى وُضُوءٍ وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وهذه الروايةُ لها طريقان ضعيفان.

[التخريج]:

[قط 308 (واللفظ له) / طص 515/ كر (45/ 60)].

[التحقيق]:

لهذه الروايةِ طريقان:

الأول:

أخرجه الدَّارَقُطنيُّ في (السنن 308): عن الحُسينِ بنِ إسماعيلَ، نا أحمدُ بنُ محمد بنِ يحيى بنِ سعيد، نا زيدُ بنُ الحُبَابِ، عن عُمَرَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ سعيدٍ المَخْزُوميِّ، عن جدِّه، أن عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ

وذَكَر الحديثَ.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عُمَرُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ سعيدٍ المَخْزُوميُّ، وهو عُمرُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عبدِ الرحمنِ -نُسِبَ إلى جدِّه-، ويقال له:"عَمرٌو"؛ ذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 179)، وذَكَرَه البُخاريُّ في (التاريخ 6/ 144)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 6/ 122)، ولم يَذْكُرا فيه

ص: 70

جرحًا ولا تعديلًا. وقال عنه الحافظ: "مقبولٌ"(التقريب 5076، 8478)، يعني: عندَ المتابعةِ، وإلا فلَيِّنٌ.

ولعلَّه لذلك عَلَّق عليه العظيمُ آبادي قائلًا: "هذا إسنادٌ صالحٌ، ليس فيه مجروحٌ"(التعليق المُغْني على الدَّارَقُطني بحاشية السنن ط. الرسالة 1/ 161)، -أي: صالحٌ للاعتبارِ-.

وظَنَّ الألبانيُّ عُمَرَ هذا راويًا آخَرَ -بسببِ نِسْبَتِه لجدِّه-، فقال عنه:"مجهولٌ"(صحيح أبي داودَ 1/ 182)، وبذلك تَعَقَّبَ على شمسِ الحَقِّ العظيمِ آبادِي في تعليقه السابق.

وبَقِيَّةُ رجالِ إسنادِهِ ثقاتٌ غيرَ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ يحيى بنِ سعيدٍ، وهو صدوقٌ (التقريب 106).

الطريق الثاني:

رواه الطَّبَرانيُّ في (الصغير) -ومِن طريقه ابنُ عساكرَ في (تاريخه) - عن عُمرَ بنِ سِنانٍ المَنْبِجيِّ بمَنْبِج، أنبأنا أبو مُصعبٍ أحمدُ بنُ أبي بكرٍ الزُّهْريُّ، حدثنا عَطَّافُ بنُ خالدٍ المَخْزوميُّ، عن طلحةَ مولى آلِ سُراقةَ، عن معاويةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ، عن أبيه رضي الله عنه، قال: ((رَأَيتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ

)) وذَكَر الحديثَ.

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِهِ عن عبدِ اللهِ إلا ابنُه، ولا عنه إلا طلحةُ، تَفرَّدَ به عَطَّافٌ".

قلنا: وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه طلحةُ مولى آلِ سُراقةَ؛ ذَكَرَه البُخاريُّ في (التاريخ 4/ 350)، وابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 488)، ولم يَذْكُرَا عنه راويًا عَدَا عَطَّافَ بنَ خالدٍ؛ فهو مجهولُ العينِ.

ص: 71

وأمَّا عَطَّافُ بنُ خالدٍ؛ فمُختلَفٌ فيه: فَوَثَّقَهُ وأَثنَى عليه: أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وأبو زُرْعةَ، وأبو داودَ، والعِجْليُّ، والبَزَّارُ، والنَّسائيُّ في روايةٍ، وقال ابنُ المَدِينيِّ:"كان عندَنا وعندَ أصحابِنا ثقةً". بيْنما قال أبو حاتم: "صالحٌ ليس بذاكَ"، وقال النَّسائيُّ في روايةٍ:"ليس بالقويِّ"، ولم يَرْضَهْ مالِكٌ وابنُ مَهْديٍّ، وَضَعَّفَهُ ابنُ حِبَّانَ والدَّارَقُطنيُّ. انظر (تهذيب التهذيب 7/ 222).

وقال الحافظُ: "صدوقٌ يَهِمُ"(التقريب 4612).

والحديثُ قد أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 8499)، وأبو الفَضْلِ الزُّهْريُّ (631)، من طريقين عن أبي مُصعبٍ به، دُونَ تقييدِ مَسْحِ الرأسِ بواحدةٍ.

وعلَّقَه البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 350)، مختصرًا جدًّا.

ومَتْنُ الحديثِ ثابتٌ عن غيرِ واحدٍ منَ الصحابةِ كما سبقَ، وطُرُقُ حديثِ عُثْمَانَ الصحيحةُ ليس فيها تقييدُ مَسْحِ الرأسِ بواحدةٍ، ولكنَّ ظاهِرَها يَدُلُّ على ذلك كما قاله أبو داودَ فيما سَبَق نَقْلُه عنه عَقِبَ روايةِ التثليثِ في مَسْحِ الرأسِ.

ص: 72

رِوَايَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَسْحُ الرَّأْسِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عن عَطاءٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه: ((أَنَّهُ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثًا، وَعَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» . قَالَ -وَلَمْ أَسْتَيْقِنْهَا عَنْ عُثْمَانَ-: لَمْ أَزِدْ عَلَيْهِ وَلَمْ أَنْقُصْ.

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ مُنقطِعٌ.

[التخريج]:

[عب 124].

[السند]:

رواه عبدُ الرَّزَّاقِ: عنِ ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبَرَني عَطاءٌ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ رجالُه ثقاتٌ إلا أنه مُنقطِعٌ بيْن عَطاءٍ وعُثْمَانَ كما هو ظاهِرٌ من قوله: "بَلَغَه عن عُثْمَانَ".

والحديثُ صحيحٌ بما سَبَق.

* * *

ص: 73

رِوَايَة: وَاسْتَنْثَرَ بِيَسَارِهِ

وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ:

• عَنْ أَبِي مَالِكٍ الدِّمَشْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه اخْتُلِفَ فِي خِلَافَتِهِ فِي الوُضُوءِ، فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَرَفَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ، وَاسْتَنْثَرَ بِيَسَارِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَرَفَ بِيَدِهِ اليُمْنَى فَجَمَعَ إِلَيْهَا يَسَارَهُ، فَرَفَعَهَا إِلَى وَجْهِهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ غَرَفَ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُمْنَى، فَغَسَلَهَا إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَرَفَ بِيَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ بِيَدِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ لَهُ مَاءً جَدِيدًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى إِلَى الكَعْبَيْنِ، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُسْرَى إِلَى الكَعْبَيْنِ، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ:((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لَنَا كَمَا أَذِنْتُ لَكُمْ، وَتَوَضَّأَ لَنَا كَمَا تَوَضَّأْتُ لَكُمْ، فَمَنْ كَانَ سَائِلًا عَنْ مَوْضُوعِ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا وُضُوؤُهُ)).

[الحكم]:

منكَرٌ بهذا السياقِ، والمحفوظُ في حديثِ عُثْمَانَ في الصحيحين وغيرِهما أنه:((مَسَحَ بِرَأْسِهِ)) مطْلقًا.

[التخريج]:

[ص (مغني 1/ 169، 176)، (الفتح 1/ 293) مقتصرًا على مَسْحِ مُقدَّمِ الرأسِ، (كبير 17/ 44) (واللفظ له)].

[السند]:

أخرجه سعيد بن منصور في (سننه) -كما في (المُغْني لابن قُدَامة)،

ص: 74

و (الفتح لابن حَجَر)، و (جمع الجوامع للسُّيوطيِّ) -، ذَكَرَ السُّيوطيُّ أنه (عن أبي مالكٍ الدِّمَشْقيِّ، عن أبيه، عن عُثْمَانَ)، وذَكَر الحافظُ أنَّ في إسنادِهِ (خالدَ بنَ يَزيدَ بنِ أبي مالكٍ).

فيكونُ إسنادُهُ عند سعيدٍ: من طريقِ خالدِ بنِ يَزيدَ بنِ أبي مالكٍ، عن أبي مالكٍ -أو بواسطة عنه-، عن أبيه، عن عُثْمَانَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: خالدُ بنُ يَزيدَ بنِ أبي مَالكٍ؛ وقد ضعَّفَه جمهورُ النُّقَّادِ، بل قال أحمدُ وابنُ مَعِينٍ:"ليس بشيءٍ"، وقال النَّسائيُّ:"ليس بثقةٍ"، وقال أبو داودَ:"متروكُ الحديثِ"، وقال ابنُ مَعِينٍ وأبو داودَ في رواية عنهما:"ضعيفٌ"، وَضَعَّفَهُ كذلك: ابنُ المَدِينيِّ (سؤالات ابنِ أبي شَيْبةَ له 227)، ويعقوبُ بنُ سفيانَ، والدَّارَقُطنيُّ، وابنُ الجارُودِ، والسَّاجيُّ، وغيرُهُم، وقال أبو حاتم:"يَروِي أحاديثَ مناكيرَ". واتَّهَمه ابنُ مَعِينٍ بالكذبِ كما في (تاريخ دمشق 16/ 297).

بيْنما قال أبو زُرْعةَ الرَّازيُّ: "لا بأسَ به"، وقال أحمدُ بنُ صالحٍ المِصريُّ، وأبو زُرْعةَ الدِّمَشْقيُّ، والعِجْليُّ:"ثقة".

انظر ترجمته في (الجرح والتعديل 3/ 359)، و (الكامل 4/ 253)، و (تاريخ دمشق 1931)، و (إكمال تهذيب الكمال 1352).

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "ولم أَرَ في أحاديثِ خالدٍ هذا إلا كلَّ ما يُحتمَلُ في الروايةِ، أو يَروِيه ضعيفٌ عنه، فيكونُ البَلاءُ من الضعيفِ لا منه"(الكامل 4/ 359).

وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين)، وقال: "كان صدوقًا في الروايةِ،

ص: 75

ولكنه كان يخطئُ كثيرًا، وفي حديثِه مناكيرُ، لا يُعجِبُني الاحتِجاجُ بخبره إذا انفردَ عن أبيه. وما أَقْرَبَه في نفْسِه من التعديلِ، وهو ممن أَستَخِيرُ اللهَ عز وجل فيه" (المجروحين 1/ 345).

والذي يَترجَّحُ لدينا قولُ المُضَعِّفينَ؛ لكثرتِهم وهُمُ الأئمةُ الأعلامُ في هذا الشأنِ، لا سيَّما وقولُ أحمدَ بنِ صالحٍ في السندِ إليه ضَعْفٌ، وتوثيقُ أبي زُرْعةَ الدِّمَشْقيِّ إنما ذَكَرَه ضِمْنَ نَفَرٍ ثِقاتٍ، وهذا النوعُ منَ التوثيقِ يَدْخُلُه الخَللُ في كثيرٍ منَ الأحيانِ.

ولهذا اعتَمَدَ الذَّهَبيُّ وابنُ حَجَرٍ التضعيفَ؛ فقال الذَّهَبيُّ: "ضَعَّفُوه"(الكاشف 1364). وقال الحافظُ: "ضعيفٌ مع كونِه كان فقيهًا، وقد اتَّهَمه ابنُ مَعِينٍ"(التقريب 1688).

ومع هذا قال الحافظُ مُعلِّقًا على هذه الروايةِ -وقد ذَكَرَها عندَ الكلامِ على حُكْمِ الاقتصارِ على مَسْحِ الناصيةِ أو بعضِ الرأسِ-: "وفي الباب أيضًا عن عُثْمَانَ في صفةِ الوُضوءِ، قال: ((وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ)). أخرجه سعيدُ بنُ منصورٍ، وفيه: خالدُ بنُ يَزيدَ بنِ أبي مالِكٍ مُختلَفٌ فيه"(فتح الباري 1/ 293).

كذا قال! كأنَّ الخلافَ فيه قويٌّ مُعتبَرٌ، وليس الأمرُ كذلك، كما تَقَدَّمَ بيانُه.

ص: 76

رِوَايَة أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنه دَعَا بِمَاءٍ لِلْوُضُوءِ، وَعِنْدَهُ الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَلِيٌّ وَسَعْدٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، [فَتَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا]، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ شِمَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ [إِلَى قَفَاهُ]، وَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ غَسَلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ لِلَّذِينَ حَضَرُوا [مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ كَمَا تَوَضَّأْتُ الآنَ؟ قَالُوا:[اللَّهُمَّ] نَعَمْ، وَذَلِكَ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْ وُضُوءِ قَوْمٍ.

[الحكم]:

صفةُ الوُضوءِ صحيحةٌ بِما تَقَدَّمَ، وأمَّا بهذا السياقِ بِذْكِرِ عليٍّ وطلحةَ وغيرِهما فإسنادُهُ ضعيفٌ. وَضَعَّفَهُ: الدَّارَقُطنيُّ، والعَيْنيُّ، والبُوصيريُّ.

[التخريج]:

[عل 633 (واللفظ له) / حث 74/ طهور (زوائد المروزي 76) (والزيادات له)].

[السند]:

رواه محمد بنُ يحيى المَروزيُّ في (زوائده على كتاب الطهور لأبي عُبَيد)، قال: حدثنا عاصمُ بنُ عليٍّ، حدثنا لَيْثُ بنُ سعدٍ، عن يَزيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، عن رجلٍ، أن عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ دَعَا بوَضوءٍ

فذَكَرَه.

كذا رواه عاصمٌ عن اللَّيْثِ بإبهامِ راويه عن عُثْمَانَ، وقد رواه غيرُ واحدٍ عن اللَّيْثِ وسمَّاهُ:

ص: 77

فرواه أبو يَعْلَى المَوْصِليُّ في (مسنده): عن غَسَّانَ بنِ الرَّبيعِ، عن لَيْثِ بنِ سعدٍ، عن يَزيدَ بنِ أبي حبيبٍ، عن أبي النَّضْرِ: أن عُثْمَانَ

فذَكَرَه.

ورواه الحارثُ بنُ أبي أُسامةَ في (مسنده): عن يونسَ بنِ محمدٍ، عن اللَّيْثِ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لانقطاعه؛ أبو النَّضْرِ -وهو سالمُ بنُ أبي أُمَيَّةَ القُرَشيُّ- لم يُدْرِكْ عُثْمَانَ.

ولذا قال الدَّارَقُطنيُّ: "وقد رواه اللَّيْثُ، عن يَزيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، عن أبي النَّضْرِ، عن عُثْمَانَ مرسَلًا، لم يَذْكُرْ بيْنهما أحدًا"(التتبع صـ 313 - 314).

وقال العَيْنيُّ عَقِبَه: "أبو النَّضْرِ لم يَسمَعْ مِن أحدٍ مِنَ العشرةِ"(نخب الأفكار 1/ 244).

وقال البُوصيريُّ في (مختصر الإتحاف)

(1)

: "رواه أحمدُ بنُ مَنِيع

(2)

والحارثُ وأبو يَعْلَى، ورجالُ الإسنادِ ثقاتٌ، إلَّا أنه مُنقَطِعٌ؛ أبو النَّضْرِ -اسمُه سالمٌ- لم يَسمَعْ مِن عُثْمَانَ".اهـ.

قلنا: ومما يُؤَكِّدُ انقطاعَه، أن الثَّوْريَّ -في روايةِ الجماعةِ عنه- رواه عن

(1)

(1/ 226/رقم 609 مكرر) نقلًا من (حاشية الإتحاف 1/ 333)، إلا أنه وقع عندهم (أبو النَّضْر بن سالم)، والتصويب من (حاشية المطالب العالية 2/ 206)، وقد عزوه للنسخة الخطية (1/ 38/ ب).

(2)

روايةُ ابنِ مَنِيعٍ مقتصرةٌ على ذِكْرِ الوُضوء ثلاثًا؛ ولذا لم نُخَرِّجْها هنا، وإنما سيأتي تخريجُها والكلامُ عليها في "باب الوُضوء ثلاثًا".

ص: 78

أبي النَّضْرِ، عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، عن عُثْمَانَ -مختصَرًا-:((أَنَّه تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَعِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، كذا دُونَ تسميةٍ.

ورواه وَكِيعٌ -وحدَه-، عنِ الثَّوْريِّ، عن أبي النَّضْرِ، عن أبي أنسٍ، عن عُثْمَانَ، به مختصَرًا مِثْلَ روايةِ بُسْرٍ.

قال الدَّارَقُطنيُّ: "والصحيحُ قولُ مَن قال: عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، والله أعلم"(العِلَلِ 259).

وسيأتي مَزِيدُ بيانٍ لهذه الروايةِ في "باب الوُضوء ثَلَاثًا"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).

قلنا: وأصْلُ الحديثِ في صفةِ الوُضوءِ صحيحٌ كما تَقَدَّمَ، ولكنْ بدُونِ ذِكْرِ حضورِ الصحابةِ المذكورين.

ولذا قال البُوصيريُّ عَقِبَه: "حديثُ عُثْمَانَ في الصحيحِ وغيرِه، وإنما أَوْرَدْتُه لانضمامِ مَن ذُكِرَ معه منَ الصحابةِ"(إتحاف الخيرة 1/ 333).

* * *

ص: 79

1590 -

حَدِيثُ عبدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ:

◼ عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ [وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم] 1؛ فَكَفَأَ (أَفْرَغَ) عَلَى يَدَيْهِ [مِنَ التَّوْرِ] 2 فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا (مَرَّتَيْنِ)، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا [مَرَّةً وَاحِدَةً][بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ] 4 ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ [إِلَى الكَعْبَيْنِ] 5، [وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ] 6.

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م).

[اللغة]:

1 -

التَّوْرُ: بمُثَنَّاةٍ مفتوحةٍ؛ قال الدَّاوُديُّ: قَدَحٌ. وقال الجَوْهريُّ: إناءٌ يُشرَبُ منه. وقيل: هو الطَّسْتُ. وقيل: يُشْبِهُ الطَّسْتَ. وقيل: هو مِثْلُ القِدْرِ يَكُونُ مِن صُفْرٍ أو حجارةٍ. (الفتح 1/ 293).

2 -

الكَعْبُ: هو العظمُ الناشِزُ عند مُلْتقَى الساقِ والقَدَمِ. (الفتح 1/ 293).

[الفوائد]:

1 -

قال الحافظُ ابنُ كَثيرٍ: "في هذا الأحاديثِ دلالةٌ لمَن ذَهَب إلى وجوبِ

ص: 80

تكميلِ مَسْحِ جميعِ الرأسِ، كما هو مذهبُ الإمامِ مالكٍ وأحمدَ بنِ حَنبَلٍ، لا سيَّما على قولِ مَن زَعَم أنها خرَجَتْ مخرَجَ البيانِ لِمَا أُجمِل في القرآنِ" (التفسير 3/ 50).

وفيه من الأحكامِ: غَسْلُ اليدِ قَبْلَ إدخالِها الإناءَ ولو كان مِن غيرِ نومٍ.

واستُدِلَّ به: على استحبابِ الجمعِ بيْن المضمضةِ والاستِنشاقِ من كلِّ غَرْفةٍ.

قولُه: ((بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ)) الظاهرُ أنه من الحديثِ وليس مُدْرَجًا من كلامِ مالكٍ؛ ففيه حُجَّةٌ على مَن قالَ: السُّنَّةُ أنْ يَبدأَ بمُؤَخَّرِ الرأسِ إلى أن ينتهي إلى مُقَدَّمِه؛ لظاهِر قولِه: ((أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ)).

ويَرِدُ عليه أن الواوَ لا تقتَضي الترتيبَ، وقد ورد من رواية سُلَيمانَ بنِ بلالٍ:((فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ))، فلم يكن في ظاهِرِهِ حُجَّةٌ؛ لأن الإقبالَ والادبارَ من الأمورِ الإضافيةِ، ولم يُعيّنْ ما أَقْبَل إليه ولا ما أَدْبَرَ عنه، ومَخرَجُ الطريقين مُتَّحِدٌ، فهُمَا بمعنًى واحدٍ، وعيَّنَتْ روايةُ مالكٍ البُداءةَ بالمُقَدَّمِ، فيُحمَلُ قولُه:((أَقْبَلَ)) على أنه مِن تسميةِ الفعلِ بابتدائِه، أي: بدأ بقُبُلِ الرأسِ.

وفيه: الإفراغُ على اليدينِ معًا في ابتِداءِ الوُضوءِ.

وفيه: أنَّ الوضوءَ الواحدَ يكون بعضُه بمَرَّةٍ، وبعضُه بمَرَّتين، وبعضُه بثلاثٍ.

وفيه: جوازُ الاستعانةِ في إحضارِ الماءِ مِن غيرِ كراهةٍ.

وفيه: التعليمُ بالفعلِ.

ص: 81

وفيه: أنَّ الاغتِرافَ مِنَ الماءِ القليلِ للتَّطَهُّرِ لا يُصَيِّرُ الماءَ مستعمَلًا. (الفتح 1/ 291 - 293).

[التخريج]:

[خ 185 (والروايتان، والزيادة الرابعة له)، 186 (والزيادة الأولى والثانية والثالثة والخامسة له)، 192 (واللفظ له) / م 235/ د 117/ ت 31، 47/ ن 100/ كن 126/ جه 438/ طا 32/ حم 16431، 16438، 16443 (والزيادة السادسة له) / مي 712، 713/ خز 165، 166، 183/ حب 1072/ عه 727 - 729، 732، 748، 749/ عب 5، 138/ حمد 421/ قط 270، 269/ هق 232، 272، 379/ هقع 656، 1686، 1687/ شف 45، 46/ أم 79/ خشف 31/ سا (صـ 162) / جا 73/ مدونة (1/ 113) / طهور 339/ ني 1006/ حرب (طهارة 174) / منذ 349، 381/ شا 1087/ طح (1/ 30، 36/ 128، 171) / مسن 557، 558/ مشب 830/ مخلص 1448/ تحقيق 131/ إدريس (صـ 69)].

[السند]:

أخرجه البُخاريُّ (192) قال: حدثنا سُلَيمانُ بنُ حَرْبٍ، قال: حدثنا وُهَيْبٌ، قال: حدثنا عَمرُو بنُ يحيى، عن أبيه، قال: ((شَهِدْتُ عَمرَو بنَ أبي حَسنٍ، سَأَلَ عبدَ اللهِ بنَ زيدٍ عن وُضُوء النبيِّ صلى الله عليه وسلم

)) فذَكَره.

وأخرجه البُخاريُّ (186) عن موسى بنِ إسماعيلَ التَّبُوذَكيِّ، عن وُهَيْبِ بنِ خالدٍ، عن عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ

به نحوَه.

وأخرجه البُخاريُّ (185) قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ، قال: أخبرنا

ص: 82

مالكٌ، عن عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ، عن أبيه، أن رجلًا قال لعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ -وهو جَدُّ عَمرِو بنِ يحيى-: ((أتستَطيعُ أنْ تُرِيَني كيفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟

)) فذَكَره، وفيه صفةُ مَسْحِ الرأسِ.

تحقيق زيادة: [هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ]:

أخرجه بها أحمدُ (16443): عن عُثْمَانَ بنِ عُمَرَ، عن مالكٍ، عن عَمرٍو، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

وهي زيادةٌ صحيحةٌ: أخرجه بها البُخاريُّ (191)، ومسلمٌ (235/ 18)، من طريقِ خالدِ بنِ عبدِ اللهِ، عن عَمرِو بنِ يحيى بنِ عُمارةَ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، بلفظ:((هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).

وأخرجه البُخاريُّ أيضًا (199)، من طريقِ سُلَيمانَ بنِ بلالٍ، عن عَمرِو بنِ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، بلفظِ:((هَكَذَا رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ)).

[تنبيهان]:

التنبيه الأول: قال البُخاريُّ (185): حدثنا عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ، قال: أخبَرَنا مالكٌ، عن عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ، عن أبيه، أن رجلًا قال لعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ -وهو جَدُّ عَمرِو بنِ يحيى-: ((أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟

)) الحديثَ.

فقد اختَلَفَتِ الرواياتُ في تعيينِ الرَّجُلِ الذي سَأَلَ عبدَ اللهِ بنَ زيدٍ رضي الله عنه، وقد أجابَ ابنُ حَجَرٍ عن ذلكَ، فقال: "قولُه هنا: وهو جَدُّ عَمرِو بنِ يحيى فيه تَجَوُّزٌ؛ لأنه عَمُّ أبيه، وسَمَّاهُ جَدًّا لكونِه في منزلتِهِ

والذي يَجمَعُ هذا الاختِلافَ أن يقالَ: اجتَمَعَ عند عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ: أبو حَسَنٍ الأنصاريُّ،

ص: 83

وابنُه عَمرٌو، وابنُ ابنِه يحيى بنُ عُمارةَ بنِ أبي حَسَن، فسألوه عن صفةِ وُضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتَوَلَّى السؤالَ منهم له عَمرُو بنُ أبي حَسَن، فحيثُ نُسِب إليه السؤالُ كان على الحقيقةِ، ويُؤَيِّدُه روايةُ سُلَيمانَ بنِ بلالٍ عند المصنِّفِ في (باب الوُضوءِ مِنَ التَّور)، قال: حدثني عَمرُو بنُ يحيى، عن أبيه، قال: كان عَمِّي -يعني: عَمرَو بنَ أبي حَسَن- يُكْثِرُ الوُضوءَ، فَقَالَ لعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ: أَخبِرْني

فذَكَرَه. وحيثُ نُسِبَ السؤالُ إلى أبي حَسَنٍ فعلى المَجازِ؛ لكونِه كان الأكبرَ وكان حاضرًا، وحيث نُسِب السؤالُ ليحيى بنِ عُمارةَ فعلى المَجازِ أيضًا؛ لكونِه ناقِلَ الحديثِ وقد حَضَر السؤالَ" (الفتح 1/ 290).

التنبيه الثاني: جاءَ الحديثُ في (جامع التِّرْمِذيِّ بتحقيق أحمد شاكر) بزيادة: "مَرَّتين" بيْن معقوفين بعد قولِه: "وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ".

قال أحمدُ شاكر في (الحاشية): "الزيادةُ نقَلَها الشارحُ مِن نسخةٍ قَلَميَّةٍ عَتِيقةٍ صحيحةٍ كما وصَفَها بذلك".

قلنا: وهذه الزيادةُ لا أصْلَ لها في النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ ولا الشروحِ، كما قال الدكتور بشَّار عوَّاد في (حاشية تحقيقه لجامع التِّرْمِذيِّ 1/ 94).

وقال محقِّقو (جامع التِّرْمِذيِّ طبعة الرسالة 1/ 63): "جاء بعد هذا في المطبوع لفظةُ: "مَرَّتين"، ولم تَرِدْ في شيءٍ من النُّسَخِ التي بيْن أيدينا، ولا في نُسخةِ ابنِ سيِّدِ الناسِ، إلا أنه ضُبِّبَ على موضعِها في نسخة (أ)، وكُتِب بهامشها: سقط: "مَرَّتين"، وذكرَ المبارَكفوريُّ في شرحه 1/ 134: أنها نسخةٌ قَلَميَّةٌ عتيقةٌ صحيحةٌ".

وجاءَ في حاشية (جامع التِّرْمِذيِّ طبعة التأصيل 1/ 307): "ضُبِّبَ على

ص: 84

آخِرِه في الأصلِ وعلى ما بَعْدَه مِن بَياضٍ، وكُتِبَ في الحاشيةِ بخطِّ الناسخِ:"سقط: مَرَّتين".

التنبيه الثالث:

قال الحافظُ أبو عبدِ اللهِ ابنُ مَنْدَهْ -بعدما أخرجه مِن حديثِ مالكٍ-: "وهذا إسنادٌ مُجْمَعٌ على صحتِهِ، رواه جماعةٌ عن عَمرِو بنِ يحيى، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُهم، ولم يَذْكُر واحدٌ منهم في صفةِ مَسْحِ الرأسِ أنه مَسَحَ جميعَ الرأسِ، إلا مالكَ بنَ أنسٍ"(الإمام لابن دقيق 1/ 530).

قلنا: وفي روايةِ غيرِ مالكٍ: ((فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ))، دُونَ تفصيلٍ.

ولكنْ رواه ابنُ الجارُودِ في (المُنتقَى 73)، والطَّحاويُّ (شرح معاني الآثار 1/ 30/ 128)، وأبو عَوَانةَ في (مستخرجه 728): من طريقِ ابنِ وَهْبٍ، عن يحيى بنِ عبدِ اللهِ بنِ سالمٍ ومالكِ بنِ أنسٍ، عن عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عاصمٍ المازِنيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّهُ أَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِنَاءِ فَغَسَلَهُمَا، وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ أَخَذَ بِيَدَيْهِ مَاءً فَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ)). واللفظُ لابنِ الجارُودِ.

وبهذا تَعَقَّبَ ابنُ دقيقِ العيدِ كلامَ ابنِ مَنْدَهْ؛ وقال: "وهذا يقتَضي متابعةَ يحيى بنِ عبدِ اللهِ بنِ سالم بن عبد الله بن عُمرَ لمالكٍ في هذه الصفة، وهو ممن أخرجَ له مسلمٌ وغيرُهُ"(الإمام 1/ 531).

قلنا: والأمرُ كما قال لو صَحَّ أن لفظَ يحيى بنِ عبد الله موافقٌ لروايةِ مالكٍ، ولكنْ نخشَى أن يكونَ ابنُ وَهْبٍ حَمَل روايةَ يحيى على لفظِ روايةِ

ص: 85

مالكٍ، ولم يُميِّزْ بيْنهما. ولم نَقِفْ على روايةِ يحيى هذه مفصولةً في مكانٍ آخَرَ، سوى ما ذَكَره ابنُ دَقيقٍ أن ابنَ مَنْدَهْ ذَكَرَه مِن طريقه ولم يَسُقْ لفظَه، ثُمَّ قالَ كلامَه السابقَ في تفرُّدِ مالكٍ، وهذا يُشيرُ إلى أن روايةَ يحيى بنِ عبدِ اللهِ عند ابنِ مَنْدَهْ ليس فيها هذا التفصيلُ. والله أعلم.

* * *

رِوَايَة: مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، «فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» .

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م).

[الفوائد]:

قال النَّوَويُّ: ((وفي الرواية التي بعدَها: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ»، في هذا الحديثِ دلالةٌ ظاهرةٌ للمذهبِ الصحيحِ المختارِ أن السُّنَّةَ في المضمضةِ والاستِنشاقِ أن يكونَ بثلاثِ غَرَفاتٍ، يتَمضمضُ ويَستنِشقُ من كلِّ واحدةٍ منها)) (شرح مسلم 3/ 122).

[التخريج]:

[خ 191/ م (235/ 18)(واللفظ له) / د 118/ حم 16445،

ص: 86

16472/ عه 730/ قا (2/ 110) / هق 231/ شا 1091/ مسن 556/ استذ (2/ 46)].

[السند]:

قال البُخاريُّ: حدثنا مُسَدَّد قال: حدثنا خالد بن عبد الله، قال: حدثنا عَمرُو بنُ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ: أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ -أَوْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ- مِنْ كَفَّةٍ

(1)

وَاحِدَةٍ

فذَكَرَه باختِصار.

ورواه مسلمٌ -بتمامه-، فقال: حدثني محمدُ بنُ الصَّبَّاحِ، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عَمرو بن يحيى بن عُمارةَ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ بن عاصمٍ الأنصاريِّ -وكانت له صُحبةٌ-، قال: قيل له: ((تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَدَعَا بِإِنَاءٍ

)) فذَكَرَه.

(1)

((ضُبطتْ في نسخةِ الصحيحِ بفتحِ الكافِ وضمها معًا، وثمةُ تعليقٌ على وجودِ لفظِ (كَفٍّ واحدةٍ)، وقال الأصيليُّ: الصوابُ (كفٍّ واحدٍ).

ص: 87

رِوَايَة: رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:«رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا» .

[الحكم]:

صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ: الحاكمُ، والبَغَويُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ت 27 (واللفظ له) / ك 659/ بغ 224].

[السند]:

قال التِّرْمِذيُّ: حدثنا يحيى بنُ موسى، قال: حدثنا إبراهيمُ بنُ موسى، قال: حدثنا خالد بن عبد الله، عن عَمرِو بن يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

وأخرجه الحاكمُ من طريقِ إبراهيمَ بنِ موسى، به.

وأخرجه البَغَويُّ من طريقِ موسى بنِ داودَ، عن خالدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ، وأصْلُ الحديثِ في الصحيحِ بغيرِ هذا اللفظِ كما تَقَدَّمَ، ولهذا قال الحاكمُ:"هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ ولم يُخَرِّجاهُ بهذا اللفظِ".

وكذلك صَحَّحَهُ البَغَويُّ، والألبانيُّ في (صحيح التِّرْمِذيِّ 28).

أمَّا التِّرْمِذيُّ فقال -بعد أنْ أَخرَجَ الحديثَ-: ((وحديثُ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ حَسَنٌ غريبٌ. وقد روَى مالكٌ وابنُ عُيَيْنةَ وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ، عن عَمرِو بنِ يحيى، ولم يَذْكُروا هذا الحرفَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ

ص: 88

مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وإنما ذَكَرَه خالدُ بنُ عبدِ اللهِ، وخالدٌ ثقةٌ حافظٌ عندَ أهلِ الحديثِ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ: المضمضةُ والاستِنشاقُ مِن كفٍّ واحدٍ يُجْزِئ. وقال بعضُهم: يُفَرِّقُهما أَحَبُّ إلينا. وقال الشافعيُّ: إنْ جَمَعَهما في كفٍّ واحدٍ فهو جائزٌ، وإنْ فَرَّقَهما فهو أَحَبُّ إلينا)).

قلنا: لم يَنفَرِدْ خالدُ بنُ عبدِ اللهِ الواسِطيُّ؛ فقد تابَعَه أيضًا سُلَيمانُ بنُ بلالٍ، كما عند البُخاريِّ (199)، بلفظ:((فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ))، وسيأتي تخريجُه.

وقد تَعَقَّبَ مُغْلَطايُ التِّرْمِذيَّ، فقال: ((وفيه نظرٌ في موضعين:

الأول: قولُهُ عن مالكٍ وغيرِه: لم يَذْكُروا مِن كفٍّ واحدٍ: إنْ أرادَ اللفظَ فكذلك هو، وإن أرادَ المعنى فليس كذلك؛ لأن لفظَ حديثِ مالكٍ وغيرِه:((فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ))، وفي لفظ:((ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ ثَلَاثِ غُرَفٍ))، وفي رواية:((مِنْ ثَلَاثِ حَفَنَاتٍ))، وفي رواية:((فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ مِنْ مَاءٍ)). فهذا كما ترى مالكٌ وغيرُه ذَكَروا معنَى ما ذَكَرَه خالد، والله أعلم.

الثاني: تحسينُه الحديثَ مع شهادتِهِ للمنفردِ به بالحفظِ، والحافظُ إذا تَفرَّدَ بحديثٍ عنده كان صحيحًا، لا سيَّما إذا عَضَّدَه متابِعٌ وشاهِدٌ كهذا، مع قطْعِ النظرِ عمَّن صَحَّحَهُ قبلُ، وذَكَر أبو عُبَيْدٍ في كتاب (الطهور): وجَدْنا الآثارَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُثبَتةً، فبعضُها معناه أنهما كانا بغَرْفةٍ واحدةٍ، وفي بعضها جَدَّد لكلِّ واحدٍ منها غَرْفةً، ففي هذا شاهدٌ أن الأمرين جميعًا واسِعان، وأنهما مِن سُنَّتِه، وقد عَمِلَتِ العلماءُ بالرُّخصة فيهما)) (شرح ابن ماجَهْ لمُغْلَطاي 1/ 355)، وكلام أبي عبيد في كتابه (الطهور صـ 339).

* * *

ص: 89

رِوَايَة: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:«أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَنَا وَضُوءًا، فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ» .

[الحكم]:

إسنادُهُ حسَنٌ.

[التخريج]:

[جه 409].

[السند]:

قال ابنُ ماجَهْ: حدثنا عليُّ بنُ محمدٍ، قال: حدثنا أبو الحُسينِ العُكْليُّ، عن خالدِ بنِ عبدِ اللهِ، عن عَمرِو بنِ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسَنٌ؛ مِن أجْلِ أبي الحُسينِ العُكْليِّ، وهو زيدُ بنُ الحُبابِ بنِ الرَّيَّان، صدوقٌ من رجال الصحيح.

وأصْلُ الحديثِ في الصحيحين كما سبقَ بيانُه.

والحديثُ صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح ابن ماجَهْ 331).

ص: 90

رِوَايَة: مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: «

فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ

».

[الحكم]:

صحيح (خ).

[الفوائد]:

قولُه: ((مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ)) قال البَيْهَقيُّ: ((يعني -واللهُ أعلمُ-: تَمضمَضَ واستَنثرَ كلَّ مَرَّةٍ مِن غَرفةٍ واحدةٍ، ثُمَّ فَعَلَ ذلك ثَلَاثًا بثلاثِ غَرَفاتٍ)) (السنن الكبرى 1/ 154).

وقال الحافظُ: ((والمعنى: أنه جَمَع بيْنهما ثلاثَ مَرَّاتٍ كلَّ مَرَّةٍ مِن غَرفةٍ. ويحتملُ أن يَتعلَّقَ بقوله: ثلاثَ مَرَّاتٍ، والمعنى أنه جَمَع بيْنهما ثلاثَ مَرَّاتٍ من غَرفةٍ واحدةٍ. والأوَّل موافِقٌ لباقي الروايات؛ فهو أَوْلى)) (الفتح 1/ 303).

[التخريج]:

[خ 199 (واللفظ له) / عه 731/ طي 1198/ حداد 271].

[السند]:

قال البُخاريُّ: حدثنا خالدُ بنُ مَخْلَدٍ، قال حدثنا سُلَيمانُ، قال حدثني عَمرُو بنُ يحيى، عن أبيه، قال: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ، قَالَ لعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ:

فذَكَرَه.

ص: 91

رِوَايَة: فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:«أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ [إِلَى المِرْفَقَيْنِ]، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» .

[الحكم]:

صحيح (خ).

[اللغة]:

قال الحافظُ: (وَالصُّفْرُ) بضم المهملة واسكان الفاء وقد تُكْسَرُ: صِنْفٌ مِن حديدِ النُّحاسِ. قيل: إنه سُمِّيَ بذلك لكونِه يُشْبِهُ الذَّهَبَ، ويُسمَّى أيضًا: الشَّبَهَ، بفتح المعجمة والموحَّدة. (الفتح 1/ 291).

[التخريج]:

[خ 197 (واللفظ له) / د 100/ جه 474/ حب 1093/ ك 610/ طس 5934/ ش 402/ هق 120/ طهور 92 والزيادة له، 126/ قا (2/ 111) / معر 870/ نبغ 1031/ حداد 274].

[السند]:

قال البُخاريُّ: حدثنا أحمدُ بنُ يونسَ، قال: حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ أبي سَلَمةَ، قال: حدثنا عَمرُو بنُ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

والزيادةُ أخرجها القاسمُ بنُ سَلَّامٍ، قال: ثنا أبو النَّضْرِ، عن عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي سَلَمةَ

به.

وأبو النَّضْر: هو هاشمُ بنُ القاسمِ: ثقةٌ ثَبْتٌ مِن رجالِ الشيخينِ.

ص: 92

[تنبيه]:

أخرجَ الحديثَ الحاكمُ في (المستدرك)، من طريقِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي سَلَمةَ، عن عَمرِو بنِ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، قال:«جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فَتَوَضَّأَ» .

ثُمَّ قال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ ولم يُخَرِّجاه".

قلنا: وهذا مِن أوهامه؛ فقد أخرجه البُخاريُّ في (صحيحه)، من طريق عبد العزيز، كما سبقَ بيانُه.

ولذا تَعَقَّبَه ابنُ حَجَرٍ في (إتحاف المَهَرة 7141)، فقال:" قد أخرجه البُخاريُّ".

رِوَايَة: بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ، ثُمَّ اسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا وَالأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا)).

[الحكم]:

صحيح (م).

[الفوائد]:

قال النَّوَويُّ: "قوله: ((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ)) وفي بعض النسخ: يَدَيْهِ، معناه: أنه مَسَحَ الرأسِ بماءٍ جديد لا ببقيَّةِ ماءِ يديه. ولا يُستَدلُّ بهذا على أن الماءَ المُستعمَلَ لا تَصِحُّ الطهارةُ به؛ لأن هذا إخبارٌ عن الإتيانِ بماءٍ

ص: 93

جديدٍ للرأسِ، ولا يَلزَمُ من ذلك اشتراطُه، والله أعلم" (شرح مسلم 3/ 125).

[التخريج]:

[م 236 (واللفظ له) / د 119/ ت 35 (مختصرًا) / حم 16440، 16457، 16459، 16467/ مي 727/ خز 164/ حب 1080/ عه 750/ تخ (3/ 112) / حرب (طهارة 185) / مسن 559/ هق 1139/ هقع 720، 1688/ قا (2/ 110) / حداد 273/ كما (5/ 331)].

[السند]:

قال مسلمٌ: حدثنا هارونُ بنُ مَعْروفٍ ح وحدثني هارونُ بنُ سعيدٍ الأَيْليُّ وأبو الطاهرِ، قالوا: حدثنا ابنُ وَهْبٍ، أخبرني عَمرُو بنُ الحارثِ، أن حَبَّانَ بنَ واسِعٍ حدَّثَه، أن أباه حدَّثَه، أنه سَمِع عبدَ اللهِ بنَ زيدِ بنِ عاصمٍ المَازنيَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْثَرَ

فذَكَرَ الحديثَ.

[تنبيه]:

وقَع الحديثُ في بعضِ نُسَخِ الدَّارِميِّ، وقد أُثبِتَ في (طبعة التأصيل 727)، من طريقِ ابنِ لَهِيعةَ، حدَّثَنا حَبَّانُ بنُ واسِعٍ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ المازِنيِّ:"عن عمِّه عاصمٍ المازِنيِّ".

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: "هكذا رَأَيتُه في نسختينِ، وما عرَفْتُ جهةَ الوهَمِ فيه، وقد أخرجه أحمدُ على الصوابِ، قال: حدَّثَنا موسى بنُ داودَ، حدَّثَنا ابنُ لَهِيعةَ بهذا السندِ إلى عبد الله بن زيد بن عاصم، فقال: عبد الله بن زيد بن عاصمٍ المازِنيّ، قال: رَأَيتُ

وهكذا أخرجه مسلمٌ وأبو داودَ والنَّسائيُّ مِن طريق حَبَّانَ بنِ واسِعٍ، وليس لعبدِ اللهِ بنِ زيدٍ عمٌّ اسمُه عاصمٌ، بل عاصمٌ اسمُ جدِّه، وليست له صُحبةٌ" (الإصابة 8/ 247).

ص: 94

وقال في (الإتحاف): "كذا رَأَيتُ في نسختين مِن (مسندِ الدَّارِميِّ). وقولُه: (عن عمِّه) زيادةٌ لا حاجةَ إليها؛ فقد رواه الإمامُ أحمدُ في (مسنده): عن موسى بنِ داودَ الضَّبِّيِّ، وغيرِه، عنِ ابنِ لَهِيعةَ، فلم يَذْكُرْها. ورواه مسلمٌ، وغيرُه، مِن حديثِ عَمرِو بنِ الحارثِ، عن حَبَّانَ بنِ واسِعٍ، ولم يَذْكُرْها. والحديثُ مشهورٌ مِن روايةِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولا يُعرَفُ في الصحابةِ أحدٌ يُسمَّى عاصِمًا المازِنيَّ. وعبدُ اللهِ بنُ زيد هو: عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عاصمٍ، فعاصِمٌ جدُّه لا عمُّه، وليستْ له صُحبةٌ، والله أعلم"(إتحاف المهرة 6/ 387).

قلنا: والحديثُ عند أحمدَ في مواضعَ متعدِّدةٍ (16440، 16457، 16459، 16469) مِن طُرُقٍ عنِ ابنِ لَهِيعةَ به على الصوابِ في سندِهِ كما ذَكَرَ ابنُ حَجَرٍ، إلا أنه وقعَ في الموضعِ (رقم 16459):"عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ بن عاصم عمِّه المازِنيِّ".

وكلمة "عمّه" هذه مُقْحَمةٌ لا وجْهَ لها.

ويجدُرُ التنبيهُ أيضًا على أن روايةَ الدَّارِميِّ تلك جاء فيها: « .. ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ» .

فكَرَّر ذِكْرَ مَسْحِ الرأسِ، وأَخَّرَ الثانيةَ بعد غَسْلِ الرجلينِ، ولذا قال الدَّارِميُّ عَقِبَه:«يُريدُ به تفسيرَ مَسْحِ الأوَّلِ» .

أي: أن المسحَ المذكورَ عَقِبَ غَسْلِ الرجلينِ هو تفسيرٌ للمسحِ المذكورِ قَبْلَه.

وهذا كلُّه إنْ لم يكن منَ النُّسَّاخِ، فهو مِن أوهامِ ابنِ لَهِيعةَ، فهو سيئُ الحفظِ، لا سيَّما في غيرِ روايةِ العبادلةِ عنه، كما هنا. والله أعلم.

* * *

ص: 95

رِوَايَة: بِمَاءٍ غَبَرَ مِنْ فَضْلِ يَدِهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالجُحْفَةِ

وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَبَرَ مِنْ فَضْلِ يَدِهِ)).

[الحكم]:

مُنكَرٌ بهذا اللفظِ، وأنكره: التِّرْمِذيُّ، والتُوْرِبِشْتيُّ. والمحفوظُ في الحديثِ:(وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ).

[اللغة]:

(غَبَرَ) أي: (بَقِيَ). انظر: (النهاية في غريب الحديث 3/ 337 - 338).

[التخريج]:

[حم 16469].

[السند]:

قال أحمدُ: حدثنا عليُّ بنُ إسحاقَ، قال: أخبَرَنا عبدُ اللهِ.

وعَتَّابٌ قال: حدثنا عبدُ اللهِ -يعني: ابنَ المبارَكِ-، قال: أخبَرَنا ابنُ لَهِيعةَ، قال: حدثنا حَبَّانُ بنُ واسِع، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ابنُ لَهِيعةَ؛ وهو: ضعيفٌ سيئُ الحفظِ، كما تَقَدَّمَ مِرارًا.

وقد خُولِف في مَتْنِ الحديثِ؛ خالَفَه عَمرُو بنُ الحارثِ (الثِّقةُ الثَّبْتُ)، فرواه عن حَبَّانَ بنِ واسِعٍ، به بلفظِ:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ))، أي: أَخَذ ماءً جديدًا لِرَأْسِهِ.

وخالفه ابنُ لَهِيعةَ، فقال فيه:((وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَبَرَ مِنْ فَضْلِ يَدِهِ))، أي: لم

ص: 96

يأخذْ ماءً جديدًا لِرَأْسِهِ.

فصَحَّفَهُ ابنُ لَهِيعةَ وقلَبَ معناه، كما انفردَ أيضًا بذِكْرِ مكانِ الوُضوءِ أنه الجُحْفَة

(1)

! .

فلا ريْبَ أن هذه الروايةَ مُنكَرةٌ.

وقد أَعَلَّ روايةَ ابنِ لَهِيعةَ الإمامُ التِّرْمِذيُّ؛ فقال: "ورَوَى ابنُ لَهِيعةَ هذا الحديث، عن حَبَّانَ بنِ واسِع، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، وَأَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا غَبَرَ مِنْ فَضْلِ يَدَيْهِ)). وروايةُ عَمرِو بنِ الحارثِ، عن حَبَّانَ أَصَحُّ؛ لأنه قد رُوِيَ من غير وجْهٍ هذا الحديث، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، وغيرِه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا. والعملُ على هذا عند أَكثَرِ أهْلِ العلمِ: رأَوْا أنْ يأخُذَ لِرَأْسِهِ ماءً جديدًا"(جامع التِّرْمِذيِّ 1/ 302).

وقال التُّورِبِشْتيُّ -مُعلِّقًا على روايةِ ابنِ لَهِيعةَ-: "ولا عِبرةَ بهذه الروايةِ؛ فقد رُوِيَ عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ وغيرِه بطُرُقٍ شَتَّى وأسانيدَ مَرْضِيَّةٍ: (أَنَّهُ أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا) ولم يَقتصِر على البَلَل الذي بيديه، ومَن تَرَك مِثْلَ هذا الحديث واتَّبَع الروايةَ الشاذَّةَ الواهيةَ فهو غيرُ مُوَفَّقٍ ولا صاحبُ نظرٍ في الدِّينِ"(الميسر في شرح مصابيح السنة 1/ 147).

قلنا: وقد رواه جماعةٌ عنِ ابنِ لَهِيعةَ على الصوابِ:

فأخرجه أحمدُ في (مسنده 16459)، عن الحسن بن موسى. وبرقم (16440) عن موسى بنِ داودَ. والدَّارِميُّ (727) عن يحيى بنِ حسَّان

(2)

.

(1)

الجُحْفة: كانت قريةً كبيرةً ذات مِنبر على طريق المدينة مِن مكَّة. انظر: (معجم البلدان 2/ 111).

(2)

ولكن وقع في عِدَّة نُسُخٍ للدَّارميِّ: "عن عبد الله بن زيد عن عمِّه عاصم المازِنيِّ"، وزيادة (عن عمِّه عاصم المازِنيِّ) خطأٌ، إن لم تكن من بعض النُّسَّاخ فهي مِن أوهام ابنِ لَهِيعةَ. والله أعلم، وانظر تعليقَ الحافظِ عليها فيما تَقدَّمَ.

ص: 97

ثلاثتُهم: عنِ ابنِ لَهِيعةَ، عن حَبَّانَ بنِ واسِعٍ، به بلفظ: «

، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ

».

هكذا على الصوابِ، ولكن الصوابُ عنِ ابنِ لَهِيعةَ روايةُ عبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ التي أخرجها أحمدُ؛ فإن ابنَ لَهِيعةَ كان يتلقَّنُ، لا سيما بعدما احترقَتْ كُتُبُه، وكان ابنُ المبارَكِ يَتتبَّعُ أصولَ ابنِ لَهِيعةَ وينقلُ منها، بخلافِ الثلاثة المذكورين، فلعلَّه لُقِّنَ الصوابَ.

* * *

رِوَايَة: مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: «مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فِي وُضُوئِهِ مِنْ نَاصِيَتِهِ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ» .

[الحكم]:

صحيحٌ دُونَ قولِه: «وَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ» ؛ فشاذَّةٌ أو مُدْرَجةٌ مِن كلامِ مالكٍ.

[التخريج]:

[طهور 333 (واللفظ له) / خز 167/ غلق (2/ 126)].

[السند]:

أخرجه أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سَلَّام، قال: حدثنا إسحاقُ بنُ عيسى، عن مالكِ بنِ أنسٍ، عن عَمرو بنِ يحيى المازِنيِّ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ،

ص: 98

به.

وأخرجه ابن خُزَيْمةَ -ومِن طريقه ابنُ حَجَرٍ-، عن محمدِ بنِ رافِعٍ، عن إسحاقَ بنِ عيسى، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ إسحاقَ بنِ عيسى الطَّبَّاعِ؛ فمِن رجالِ مسلمٍ، وهو "صدوقٌ" كما في (التقريب 375).

إلا أنه تفرَّدَ عن سائرِ أصحابِ مالكٍ؛ فزادَ في الحديثِ جملة: «وَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ» .

وقد رَوَى الحديثَ عن مالكٍ جَمْعٌ منَ الثِّقاتِ، ولم يَذْكُروا تلك الزيادةَ، منهم:

1.

عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ، كما عند البُخاريِّ في (صحيحه 185).

2.

مَعْنٌ القَزَّازُ، كما عند مسلم في (صحيحه 235).

3.

يحيى بنُ يحيى اللَّيْثيُّ، كما في روايتِهِ للموطأ (32).

4.

الشافعيُّ، كما في (مسند الشافعي -ترتيب سنجر- 45).

5.

عبدُ الرَّزَّاقِ، كما في (المصنَّف -ط. التأصيل- 138).

6.

عبدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، كما عند ابنِ خُزَيْمةَ في (صحيحه 183).

7.

عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ، كما عند أحمدَ في (المسند 16431).

8.

عثمانُ بنُ عُمَرَ، كما عند أحمدَ في (المسند 16443).

9.

عبدُ اللهِ بنُ مَسْلَمةَ القَعْنَبيُّ، كما عند أبي داودَ في (السنن 117).

ص: 99

10.

عبدُ الرحمنِ بنُ القاسم، كما عند النَّسائيِّ في (السنن 100).

11.

عُتْبةُ بنُ عبدِ الله المَرْوَزيُّ، كما عند النَّسائيِّ في (السنن 101).

12.

أبو مُصعبٍ، كما في روايتِهِ للموطأ (43).

فمما لا شَكَّ فيه أن اتفاقَ هؤلاءِ الجَمْعِ على عَدَمِ ذِكْرِ تلك الجملةِ يَدُلُّ على أن روايةَ إسحاقَ بنِ عيسى شاذَّةٌ.

ويبدو أنها زيادةٌ مُدْرَجةٌ مِن كلامِ مالكٍ؛ ففي روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ: عن إسحاقَ بنِ عيسى، قال:((سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الرَّجُلِ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ فِي الوُضُوءِ، أَيُجْزِيهِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ المَازِنِيِّ، قَالَ: ((مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فِي وُضُوئِهِ، مِنْ نَاصِيَتِهِ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ))، وَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ.

فمالكٌ يقولُ لإسحاقَ جوابًا على سؤالِهِ: إن الحديثَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسياقه هكذا يَقتَضي أنه مَسَحَ رَأْسَهُ كلَّه، فلا يُجزِئُه مَسْحُ مُقَدَّمِ الرأسِ فقط. والله أعلم.

* * *

ص: 100

رِوَايَة: أَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى

• وَفِي رِوَايَةٍ: «

فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى

».

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.

[التخريج]:

[ن 101 (واللفظ له) / كن 127/ طا (رواية أبي مصعب 41) / حب 1079/ طوسي 29/ طحق 23/ مطغ 600/ نبغ 482/ بغ 223].

[السند]:

أخرجه مالكٌ في (الموطأ- رواية أبي مصعب): عن عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

وأخرجه النَّسائيُّ عن عُتبةَ بنِ عبدِ اللهِ، عن مالكٍ، به.

وأخرجه الطَّحاويُّ مِن طريقِ ابنِ وَهْبٍ، عن مالكٍ، به.

وأخرجه ابن حِبَّانَ عن أبي خليفةَ، قال: حدثنا القَعْنَبيُّ، عن مالكٍ، به.

ومَدارُه عندَهم عن مالكٍ به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيح، رجالُهُ ثقاتٌ، رجالُ الصحيحِ، وقد سَبَقَ تخريجُ الحديثِ في (الصحيحين)، وغيرِهما بلفظ:((فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ)).

وقد صَحَّحَ ابنُ حِبَّانَ هذه الروايةَ؛ حيثُ أخرجها في (صحيحه).

ص: 101

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، زَادَ: «

وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ

».

[الحكم]:

صحيحٌ بشواهدِهِ.

[التخريج]:

[حم 16456].

[السند]:

أخرجه أحمد: عن هاشم بن القاسم، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمةَ الماجِشُون، عن عمرِو بنِ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ظاهرُه الصحةِ؛ فرجالُه ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ، إلا أن مَسْحَ الأذنينِ فيه شاذٌّ من هذا الوجه؛ فقد أخرجَ هذا الحديثَ أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سَلَّامٍ في (الطهور 92): عن هاشم بن القاسم بإسناده وليس فيه زيادةُ: (مَسْحِ الأُذُنَيْنِ).

وكذلك رواه عن عبدِ العزيزِ الماجِشُونِ جماعةٌ منَ الثِّقاتِ ولم يَذْكُروا هذه الزيادةَ، وهُم:

1.

أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يونسَ، كما في (صحيح البخاري 197) وغيرِه.

2.

أبو الوليدِ الطَّيالِسيُّ، كما في (سنن أبي داودَ 99) وغيرِه.

3.

صالحُ بنُ مالكٍ الخُوارِزْميُّ، كما في (صحيح ابن حِبَّانَ 1088).

ورواه جماعةٌ آخَرون عن الماجِشُونِ واختَصروا متْنَه، انظر (سنن أبي داودَ

ص: 102

99)، و (سنن ابن ماجَهْ 474) و (سنن الدَّارِميِّ 713).

وكذلك رواه عن عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ جماعةٌ منَ الثِّقاتِ، ولم يَذْكُروا هذه الزيادةَ؛

منهم:

1.

مالكُ بنُ أنسٍ، كما في (صحيح البخاري 185)، و (صحيح مسلم 235).

2.

وُهَيْبُ بنُ خالدٍ، كما في (صحيح البخاري 186).

3.

سُلَيمانُ بنُ بلالٍ، كما في (صحيح البخاري 199)، و (صحيح مسلم 235).

4.

خالدُ بنُ عبدِ اللهِ الواسِطيُّ، كما في (صحيح البخاري 191)، و (صحيح مسلم 235).

5.

سفيانُ بنُ عُيَيْنةَ، كما في (مسند الحُمَيدي 421).

وعليه؛ فهذه الزيادةُ شاذَّةٌ في هذا الحديثِ بهذا الإسنادِ، ولعلها وهَمٌ من أحدِ رواةِ المسندِ، والله أعلم بالصوابِ.

ولكنَّ مَسْحَ الأُذُنينِ في الوُضوءِ له شواهدُ يَصِحُّ بها كما سبقَ ذِكْرُه، ومنها عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ نفْسِه، ولكن مِن طريقٍ آخَرَ، وبلفظٍ آخَرَ؛ ولذا اعتَبَرْناه حديثًا آخَرَ غيرَ هذا الحديثِ، وذَكرْناه في (باب صفة مسح الأذن) وغيرِه.

ص: 103

رِوَايَة: فَأَخَذَ مَاءً لِأُذُنَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: ((رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، فَأَخَذَ مَاءً لِأُذُنَيْهِ خِلَافَ المَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ)).

[الحكم]:

مختلَفٌ فيه؛ فصَحَّحَ سندَه: الحاكمُ، والبَيْهَقيُّ، والنَّوَويُّ، ومُغْلَطايُ، وابنُ المُلَقِّنِ، والمُناويُّ. وَحَسَّنَهُ ابنُ الصلاحِ.

بيْنما أشارَ ابنُ المُنْذِرِ، والمباركفوريُّ إلى عدِمِ ثُبوتِه. وأشارَ البَيْهَقيُّ إلى شُذوذِه -مع أنه صَحَّحَ إسنادَهُ-، وجَزَم بذلك ابنُ حَجَرٍ، والألبانيُّ، وابنُ عُثيمين. وهو الراجحُ.

[التخريج]:

[ك 546 (واللفظ له)، 547/ حاكم (معرفة صـ 97) / الأمالي القديمة للحاكم (هقخ 1/ 343) / هق 310/ هقغ 99/ هقخ 132 - 134/ مُغْلَطاي (1/ 454)].

[التحقيق]:

مدارُ إسنادِه على: عبدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، ورُوِيَ عنه مِن ثلاثةِ طُرُقٍ:

الأول:

أخرجه الحاكمُ (546) -ومن طريقه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 132) -: عن أبي بكر بن إسحاقَ، ثنا الحسين بن عليٍّ. ثُمَّ حدثنا أبو عليٍّ الحافظُ، أنبأ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ أبي عُبَيدِ اللهِ بمِصرَ، ثنا عبدُ العزيز بنُ عِمْرانَ بنِ مِقْلاصٍ وحَرْمَلةُ بنُ يحيى، قالا: أنبأ ابنُ وَهْبٍ، أخبرني عَمرُو بنُ الحارثِ، عن حَبَّانَ بنِ واسِعٍ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ الأنصاريِّ، به.

ص: 104

ورواه في (المعرفة صـ 98) من طريقِ ابنِ أبي عُبَيدِ اللهِ، عن حَرْمَلةَ وحدَهُ، ثُمَّ قال:"هذه سُنَّةٌ غريبةٌ، تَفرَّدَ بها أهلُ مِصرَ، ولم يَشْرَكْهُم فيها أحدٌ".

وقال عَقِبَه في (المستدرك): "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ إذا سَلِمَ من ابنِ أبي عُبَيدِ اللهِ هذا، فقد احتَجَّا جميعًا بجميعِ رواتِهِ".

قلنا: لم يَسْلَمْ منه، فهو محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عُثْمَانَ، المعروفُ بابنِ أبي عُبَيدِ اللهِ؛ وهو: ضعيفٌ كما في (لسان الميزان 6365).

لكنه متابَعٌ في حَرْمَلةَ وحدَه، كما في:

الطريق الثاني:

أخرجه الحاكمُ (547) -ومن طريقه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 134) -، عن أبي الوليدِ الفقيهِ، عن الحَسنِ بنِ سُفيانَ، عن حَرْمَلةَ بنِ يحيى، عنِ ابنِ وَهْبٍ، به بلفظ:«مَسَحَ أُذُنَيْهِ بِغَيْرِ المَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ» .

قال الحاكمُ: ((وهذا يُصرِّحُ بمعنَى الأوَّلِ، وهو صحيحٌ مِثْلُه)).

قلنا: إسنادُهُ رجالُهُ ثقاتٌ، إلا أنه معلولٌ؛ فقد رواه أبو عَمرِو بنُ حَمْدانَ -وهو ثقةٌ مُحَدِّثٌ، كما في (السِّيَر 16/ 356) - عن الحَسنِ بنِ سُفيانَ، عن حَرْمَلةَ بنِ يحيى، عنِ ابنِ وَهْبٍ، به بلفظ:((وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ)).

أخرجه أبو نُعَيمٍ في (المستخرَج 559)، وهو اللفظُ الذي اعتَمَده مسلمٌ كما سيأتي.

وكذلك رواه بهذا اللفظِ: عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ سَلْمٍ -وهو مُحَدِّثٌ ثقةٌ

ص: 105

- كما في (صحيح ابن حِبَّانَ 1080).

ومحمدُ بنُ الحَسنِ بنِ قُتَيْبةَ -وهو ثقةٌ حافظٌ- كما في (مستخرَج أبي نُعَيمٍ 559).

كلاهما (ابن سَلْمٍ، وابن قُتَيْبةَ) عن حَرْمَلةَ بنِ يحيى، عنِ ابنِ وَهْبٍ، به.

وهذا مما يُرجِّحُ روايةَ ابنِ حَمْدانَ على روايةِ أبي الوليدِ.

الطريق الثالث:

أخرجه البَيْهَقيُّ في (الكبرى 310)، قال: أخبرنا أبو عبدِ الله محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحافظُ، أخبرنا أبو الحسنِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ عَبْدُوسٍ العَنزيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بنُ سعيدٍ الدَّارِميُّ، حدثنا الهيثمُ بنُ خارِجةَ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقات؛ ولذا صَحَّحَهُ البَيْهَقيُّ، لكنه أشار إلى شُذوذِه كما سيأتي.

والحديثُ حَسَّنَهُ ابنُ الصَّلاحِ، كما قال ابنُ كَثيرٍ في (إرشاد الفقيه 1/ 38).

وَصَحَّحَهُ النَّوَويُّ في (المجموع 1/ 414)، وفي (الخلاصة 188)، ومُغْلَطايُ في (شرح ابن ماجَهْ 1/ 454)، وابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 212)، والمُناويُّ في (فيض القدير 3/ 173).

قلنا: ولكنه معلولٌ بهذا اللفظِ؛ فقد رواه عنِ ابنِ وَهْبٍ جماعةٌ منَ الثِّقاتِ بلفظٍ مُغايِرٍ للفظِ المذكورِ، منهم:

1.

هارونُ بنُ مَعروفٍ، كما في (صحيح مسلم 236).

2.

هارونُ بنُ سعيدٍ الأَيْليُّ، كما في (صحيح مسلم 236).

ص: 106

3.

أبو الطاهرِ أحمدُ بنُ عَمرِو بنِ السَّرْحِ، كما في (صحيح مسلم 236).

4.

عليُّ بنُ خَشْرَمٍ، كما في (جامع التِّرْمِذي 35).

5 -

أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ وَهْبٍ، كما في (صحيح ابن خُزَيْمةَ 164).

6.

حَجَّاجُ بنُ إبراهيمَ الأزرقُ، كما في (مستخرج أبي عَوَانةَ 750)

(1)

.

7.

أَصْبَغُ بنُ الفرَجِ، كما في (التاريخ الكبير 3/ 112).

8.

سُرَيْجُ بنُ النُّعمانِ، كما في (مسند أحمد 16467).

روَوْهُ كلُّهم عنِ ابنِ وَهْبٍ، عن عَمرِو بنِ الحارثِ، عن حَبَّانَ بنِ واسِعٍ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه مرفوعًا، بلفظ:((رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ يَوْمًا فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ)).

فلم يَذْكُروا أنه أَخَذَ ماءً جديدًا لأُذُنيه، بل لِرَأْسِهِ.

وروايةُ هذا الجَمْعِ أَوْلى بالصوابِ؛ ولذا قال البَيْهَقيُّ: "وهذا أَصَحُّ مِن الذي قَبْلَه".

(1)

جاء في (المستخرَج 680 ط. دار المعرفة): "حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمرو بن الحَارِثِ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاج بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْرَقُ ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابن وَهْب، عَنِ ابن وَهْب قَالَا: ثَنَا عَمْرٌو

"، وهذا ظاهره أن حَجَّاجا متابِعٌ لابن وَهْبٍ! وهو خطأ من الناسخ، أو الطابع، وإنما حَجَّاج الأزرقُ يَروِي الحديثَ عن ابن وَهْب متابِعًا لابن أخي ابن وَهْب. وقد جاء الإسنادُ على الصواب في (طبعة الجامعة الإسلامية لمستخرَج أبي عَوَانةَ 750).

ص: 107

وقال في موضعٍ آخَرَ: "وفي رواية أبي الطاهرِ، وهارونَ بنِ معروفٍ، وهارونَ بنِ سعيدٍ الأَيْليِّ، عنِ ابنِ وَهْبٍ، بهذا الإسنادِ قال: «وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ»، ولم يَذْكُرِ الأُذُنين. وعلى هذا اعتَمَد مسلمُ بنُ الحَجَّاجِ دُونَ الأوَّلِ"(معرفة السنن 1/ 303)

وأشارَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ إلى شُذوذِ هذا اللفظِ، بقوله:"الحاكمُ بإسنادٍ ظاهرُه الصحةُ"(التلخيص الحبير 1/ 157).

وقال ابنُ حَجَرٍ -أيضًا- بعدَ أن نَقَلَ تصحيحَ البَيْهَقيِّ السابقَ: ((لكنْ ذَكَرَ الشيخُ تقيُّ الدِّينِ ابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام) أنه رأى في رواية ابن المقري عنِ ابنِ قُتَيْبةَ عن حَرْمَلةَ بهذا الإسنادِ، ولفظُه:((وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ)) لم يَذْكُرِ الأُذُنين.

قلتُ -القائل الحافظ-: وكذا هو في صحيحِ ابنِ حِبَّانَ عنِ ابنِ سَلْمٍ، عن حَرْمَلةَ، وكذا رواه التِّرْمِذيُّ عن عليِّ بنِ خَشْرَمٍ عنِ ابنِ وَهْبٍ)) (التلخيص 1/ 158).

وقال الحافظُ -أيضًا- بعدما أَوردَ هذه الروايةَ: "أخرجه البَيْهَقيُّ، وهو عند مسلمٍ مِن هذا الوجه بلفظِ:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ))، وهو المحفوظُ)) (بلوغ المرام 42).

قال الألبانيُّ: "هو حديثٌ شاذٌّ لا يَصِحُّ، والمحفوظُ -كما قال الحافظُ- بلفظ: ((مَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ))، رواه مسلم وغيرُهُ"(الصحيحة 1/ 905).

وقال -مُعلِّقًا على قولِ ابنِ حَجَر: "وهو المحفوظُ"-: "أي: وخِلافُهُ شاذٌّ؛ وهو الصوابُ"(صحيح أبي داودَ 1/ 206).

ص: 108

وقال أيضًا: "قد اختُلِفَ في هذا الحديثِ على ابنِ وَهْبٍ، فالهيثمُ بنُ خارِجةَ وابنُ مِقْلَاصٍ وحَرْمَلةُ بنُ يحيى -والعُهدةُ في ذلك على البَيْهَقيِّ- روَوْهُ عنه باللفظِ الأولِ الذي فيه: أَخَذَ الماءَ الجديدَ لأُذُنيه.

وخالَفَهمُ ابنُ معروفٍ وابنُ سعيدٍ الأَيْليُّ وأبو الطاهرِ، فروَوْهُ عنه باللفظِ الآخَرِ الذي فيه: أَخَذَ الماءَ لِرَأْسِهِ لم يَذْكُرِ الأُذُنين، وقد صَرَّحَ البَيْهَقيُّ بأنه أَصَحُّ كما سبقَ، ومعنَى ذلك أن اللفظَ الأوَّلَ شاذٌّ، وقد صَرَّحَ بشُذوذِهِ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (بلوغ المَرام)، ولا شَكَّ في ذلك عندي؛ لأن أبا الطاهرِ وسائرَ الثلاثةِ قد تابَعَهم ثلاثةٌ آخَرون، وهُمْ: حَجَّاجُ بنُ إبراهيمَ الأزرقُ، وابنُ أخي ابن وَهْبٍ -واسمه أحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ وَهْبٍ، أخرجه عنهما أبو عَوَانةَ في (صحيحه)، وسُرَيْجُ بنُ النُّعمانِ عند أحمدَ، ولا ريبَ أن اتِّفاقَ السِّتَّةِ على الروايةِ أَوْلى بالترجيحِ مِن روايةِ الثلاثةِ عندَ المخالفةِ" (الضعيفة 995). وانظر أيضًا:(الضعيفة 3/ 152 - 154)، و (صحيح أبي داود 111).

وقد أشارَ ابنُ المُنْذِرِ إلى تضعيفِ الحديثِ، فقال:"وغيرُ موجودٍ في الأخبارِ الثابتةِ التي فيها صفةُ وُضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخْذُه لأُذُنيه ماءً جديدًا"(الأوسط 2/ 50).

وقال المُباركفوريُّ: "لم أَقِفْ على حديثٍ مرفوعٍ صحيحٍ خالٍ عنِ الكلامِ يَدُلُّ على مَسْحِ الأُذُنين بماءٍ جديدٍ"(تحفة الأحوذي 1/ 122).

وقال الشيخُ ابنُ عُثيمين: "هذا الحديثُ شاذٌّ؛ لأنه مخالِفٌ لِما رواه مسلمٌ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ))؛ ولأنَّ جميعَ مَن وَصَفَ وُضوءَهُ صلى الله عليه وسلم لم يَذْكُروا أنه أَخَذَ ماءً جديدًا للأُذُنينِ"(الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/ 178).

* * *

ص: 109

رِوَايَة الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ

• وَفِي رِوَايَةٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ -الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ-، قَالَ:

الحَدِيثَ، وَفِيهِ:((وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ)).

[الحكم]:

شاذٌّ بهذا اللفظِ؛ وأشارَ إلى شُذوذِهِ: البَيْهَقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ دَقيقٍ، والزَّيْلَعيُّ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، وجَزَم به الألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 102 (واللفظ له) / كن 101، 216/ حم 16452/ هق 301/ قط 267/ لف 229/ معكر 978/ محلى (2/ 73)].

[السند]:

قال النَّسائيُّ: أخبَرَنا محمدُ بنُ منصورٍ، قال: حدثنا سفيانُ، عن عَمرِو بنِ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ -الَّذي أُرِيَ النِّداءَ-، قال:

فذَكَرَه.

ومدارُه -عندَهم- على سفيانَ بنِ عُيَيْنةَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، غيرَ أن الحديثَ شاذٌّ بهذا اللفظِ؛ لأن سفيانَ وهِمَ في سندِهِ، ومتْنِهِ.

أمَّا في السندِ، فقال:"عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ الذي أُرِيَ النِّداءَ"، وهو: خطأٌ، والصوابُ أنه:"عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عاصمٍ المازِنيُّ"، وأمَّا الذي أُرِيَ الأذانَ فهو:"عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عبدِ ربِّهِ الخَزْرَجيُّ".

قال البُخاريُّ: "كان ابنُ عُيَيْنةَ يقول: هو صاحبُ الأذانِ، ولكنه وهَمٌ؛ لأن

ص: 110

هذا عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ بنِ عاصمٍ المَازِنيُّ مازِنُ الأنصارِ" (صحيح البخاري 1012).

وقال الدَّارَقُطنيُّ: "كذا قال ابنُ عُيَيْنةَ، وإنما هو عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عاصمٍ المازِنيُّ، وليس هو الذي أُرِيَ النِّداءَ"(السنن 266).

وذكر النَّوَويُّ في (شرح مسلم 3/ 121): أن الحُفَّاظَ مِنَ المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ غَلَّطوا سفيانَ بنَ عُيَيْنةَ في قولِهِ هذا.

وقال ابنُ المُلَقِّنِ: "وقد وهِمَ ابنُ عُيَيْنةَ فزَعَمَ أنه الذي أُرِيَ الأذانَ"(الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 1/ 369).

وأمَّا وهَمُه في المتنِ: فجَعْلُه مَسْحَ الرأسِ مَرَّتين، وغَسْلَ الرجلين مَرَّتين.

وقد رَوَى الحديثَ عن عَمرِو بنِ يحيى الأنصاريِّ عددٌ منَ الثِّقاتِ، منهم:

1.

مالكُ بنُ أنسٍ، كما في (صحيح البخاري 185)، و (صحيح مسلم 235).

2.

وُهَيب بنُ خالدٍ، كما في (صحيح البخاري 186).

3.

عبدُ العزيز بنُ أبي سَلَمةَ الماجِشُونُ، كما في (صحيح البخاري 197).

4.

سُلَيمانُ بنُ بلالٍ، كما في (صحيح البخاري 199)، و (صحيح مسلم 235).

5.

خالدُ بنُ عبدِ اللهِ الواسِطيُّ، كما في (صحيح البخاري 191)، و (صحيح مسلم 235).

روَوْهُ كلُّهم بلفظِ: ((مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ

ثُمَّ غَسَلَ

ص: 111

رِجْلَيْهِ))، أو بنحوه.

وبلا رَيبٍ أنَّ روايةَ الجماعةِ أَوْلَى مِن روايةِ ابنِ عُيَيْنةَ وحدَه، خاصَّةً أن ابنَ عُيَيْنةَ اضطَرَبَ في متنِ الحديثِ؛ لأنه كان يَروي الحديثَ أحيانًا بلفظٍ موافِقٍ للفظِ الجماعةِ، كما أخرجه الحُمَيديُّ (421)، وابنُ خُزَيْمةَ (166).

وقد دَلَّ على اضطرابِ سفيانَ في الحديثِ: قولُ أحمدَ في (مسنده 16452): "سمِعْتُه من سفيانَ ثلاثَ مَرَّاتٍ يقول: «غَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ»، وقال مَرَّة: «مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً» وقال مَرَّتين: «مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ» ".

وقد أشارَ البَيْهَقيُّ إلى وهَمِ سفيانَ في الحديثِ، فقال:"أخرجه أبو عبدِ الرحمنِ النَّسائيُّ في كتاب السُّنن من حديثِ سفيانَ بنِ عُيَيْنةَ هكذا في مَسْحِ الرأسِ مرَّتين، وقد خالَفَه مالكٌ، ووُهَيْبٌ، وسُلَيمانُ بنُ بلالٍ، وخالدٌ الواسِطيُّ، وغيرُهم، فروَوْهُ عن عَمرِو بنِ يحيى في مَسْحِ الرأسِ مَرَّةً، إلا أنه قال: أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ"(السنن الكبرى 301).

وقال ابنُ عبد البرِّ: "ورواه ابنُ عُيَيْنةَ عن عَمرِو بنِ يحيى، فأخطأ فيه في موضعين:

أحدهما: أنه قال فيه: عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ بن عبدِ ربِّه، وهذا خطأٌ، وإنما هو عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عاصمٍ، وقد نَسَبْناهُمَا في كتابِ الصحابةِ وأَوْضَحْنا أَمْرَهما. وأمَّا عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عبدِ ربِّه فهو الذي أُرِيَ الأذانَ في النَّومِ، وليس هو الذي يَروِي عنه يحيى بنُ عُمارةَ هذا الحديث في الوُضوءِ وغيره. وعبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عاصمٍ هو عَمُّ عَبَّادِ بنِ تَميمٍ، وهو أَكثَرُ روايةً عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ ربِّه. وقد كان أحمدُ بنُ زُهَيرٍ يَزعُمُ أن إسماعيلَ بنَ إسحاقَ وهِمَ فيهما فجعَلَهما واحدًا فيما حكَى قاسمُ بنُ أَصْبَغَ

ص: 112

عنه، والغلطُ لا يَسْلَمُ منه أحدٌ، إذا كانَ ابنُ عُيَيْنةَ مع جلالتِهِ يَغْلَطُ في ذلك فإسماعيلُ بنُ إسحاقَ أين يَقَعُ من ابنِ عُيَيْنةَ؟ ! إلا أن المتأخرينَ أَوسَعُ عِلْمًا، وأَقَلُّ عُذرًا.

أمَّا الموضعُ الثاني الذي وهِمَ ابنُ عُيَيْنةَ فيه في هذا الحديثِ: فإنه ذَكَرَ فيه مَسْحَ الرأسِ مَرَّتين، ولم يَذْكُرْ فيه أحدٌ مَرَّتين غيرُ ابنِ عُيَيْنةَ، وأظنُّه -والله أعلم- تأوَّلَ الحديثَ؛ قوله:((فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ)).

وما ذَكَرْناه عنِ ابنِ عُيَيْنةَ فمِن رواية مُسَدَّدٍ، ومحمدِ بنِ منصورٍ، وأبي بكرِ بنِ أبي شَيْبةَ، كلُّهُم ذَكَرَ فيه عنِ ابنِ عُيَيْنةَ ما حَكَيْنا عنه، وأمَّا الحُمَيديُّ فإنه مَيَّزَ ذلك فلم يَذْكُرْه أو حَفِظَ عنِ ابنِ عُيَيْنةَ أنه رَجَعَ عنه فذَكَرَ فيه عنِ ابنِ عُيَيْنةَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فلم يَصِفِ المسحَ، ولا قال: مَرَّتين. وقال في الإسنادِ: عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، لم يَزِدْ، لم يَقُل: ابن عاصم، ولا: ابن عبدِ ربِّه، فتخَلَّصَ" (التمهيد 20/ 115 - 116).

وأقَرَّه ابنُ دَقيقٍ في (الإمام 1/ 430 - 431)، والزَّيْلَعيُّ في (نَصْب الراية 1/ 33).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "وأَغرَبَ ابنُ عُيَيْنةَ فقال في روايةٍ عن عَمرِو بنِ يحيى: ((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ)) "(الدراية 1/ 26). وقال في (الفتح 1/ 259) عنها: "في الروايةِ المذكورةِ نظرٌ".

وقال الألبانيُّ: "هذه الزيادةُ شاذَّةٌ؛ لمخالفةِ ابنِ عُيَيْنةَ لروايةِ مالِكٍ ومَن وافَقَه مِن أصحابِ عَمرِو بنِ يحيى المازِنيِّ

وأيضًا؛ فابنُ عُيَيْنةَ كان يَضطَرِبُ فيها:

فمَرَّةً يَذْكُرها؛ كما في روايةِ التِّرْمِذيِّ

وتارةً لا يَذْكُرُها

وتارةً

ص: 113

كان يَذْكُرُها في المسحِ فيقولُ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ

وهذا اضطرابٌ شديدٌ مِن سفيانَ؛ يَدُلُّ على أنه لم يَحفَظْ هذا الحرفَ من الحديثِ، ولم يَضْبِطْهُ" (صحيح أبي داودَ 1/ 203).

وأشارَ ابنُ دَقيقٍ أيضًا إلى وهَمِ سفيانَ في الحديثِ (الإمام 1/ 547 - 548).

وذَكَرَ ابنُ المُلَقِّنِ الحديثَ في (البدر المنير 3/ 344)، من طريقِ النَّسائيِّ، ثُمَّ قال:"وقيل: إنه مِن أوهامِ سفيانَ".

ومع ما ذَكَرْناه مِن إعلالِ مَتْنِ الحديثِ بهذا اللفظِ، فإن ابنَ عساكرَ قال:"هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ"(معجم ابن عساكر 978). وهذا بالنظرِ إلى ظاهِرِ إسنادِهِ.

* * *

ص: 114

رِوَايَة: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه، قَالَ:((رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَرِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَضْمَضَ وَانْتَثَرَ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دُونَ قولِه في الرجلين: ((مَرَّتَيْنِ)) فشَاذٌّ؛ وحَكَمَ بشُذوذِهِ الألبانيُّ.

[التخريج]:

[خز 182/ ش 57/ قط 266، 268/ جا 69/ طوسي 38 (واللفظ له)].

[السند]:

قال ابنُ أبي شَيْبةَ: حدثنا ابنُ عُيَيْنةَ، عن عَمرِو بنِ يحيى، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، به.

ومدارُ إسنادِه -عندَهم- على ابنِ عُيَيْنةَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ؛ إلا أن ابنَ عُيَيْنةَ خالَفَ الجماعةَ، وشَذَّ فيه كما سبقَ بيانُه آنِفًا.

ولذا قال الألبانيُّ: ((صحيحُ الإسنادِ، وقولُه في الرجلين: (مَرَّتَيْنِ) شاذٌّ)) (صحيح التِّرْمِذي ح 47).

[تنبيه]:

جاءَ الحديثُ في (جامع التِّرْمِذيِّ بتحقيق أحمد شاكر 47) بزيادة: ((مَرَّتَيْنِ)) بيْن معقوفين بعد قولِه: ((وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ))، وهو خطأٌ كما تَقَدَّمَ التنويهُ عليه.

ص: 115

1591 -

حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:

◼ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ (وَاسْتَنْثَرَ)، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدَهِ الأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي: اليُسْرَى-، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأَ» .

[الحكم]:

صحيح (خ).

[الفوائد]:

قال ابنُ حَجَرٍ: ((قولُه: ((فَغَسَلَ وَجْهَهُ)) الفاء تفصيليَّةٌ؛ لأنها داخِلةٌ بيْن المُجمَلِ والمُفصَّلِ. قولُه: ((أَخَذَ غَرْفَةً))، وهو بيانُ الغَسلِ، وظاهرُه أن المضمضةَ والاستِنشاقَ مِن جُملةِ غَسلِ الوجهِ، لكن المراد بالوجهِ أوَّلًا: ما هو أَعَمُّ من المفروضِ والمَسنونِ؛ بدليلِ أنه أعادَ ذِكْرَهُ ثانيًا بعد ذِكْرِ المضمضةِ والاستِنشاقِ بغَرْفةٍ مُستقِلَّةٍ. وفيه دليلُ الجمعِ بيْن المضمضةِ والاستِنشاقِ بغَرفةٍ واحدة، وغَسْلِ الوجهِ باليدين جميعًا إذا كان بغَرْفةٍ واحدةٍ؛ لأن اليدَ الواحدةَ قد لا تَستَوْعِبُه)) (الفتح 1/ 241).

قلنا: ووقعَ عند أحمدَ بلفظِ: ((فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً))، وقد رواه البَيْهَقيُّ (243) من طريق أحمدَ بمِثْلِ لفظ البُخاريِّ:((فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً)).

ص: 116

[التخريج]:

[خ 140 (واللفظ له) / حم 2416، 2417 (والرواية له) / ش 409 (مختصرًا) / منذ 357 (مختصرًا) / هق 245، 346/ ميمي 491/ حداد 277].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الرَّحيمِ، قال: أخبرنا أبو سَلَمةَ الخُزاعيُّ منصورُ بنُ سَلَمةَ، قال: أخبَرَنا ابنُ بلال -يعني: سُلَيمانَ-، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

[تنبيه]:

قال ابنُ حَجَرٍ: "قولُه: فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي اليُسْرَى-: قائِلُ (يعني) هو زيدُ بنُ أَسْلَمَ أو مَن دُونَه"(فتح الباري 1/ 241)، وانظر:(الكواكب الدَّراري 2/ 182)، و (عمدة القاري 2/ 264).

* * *

ص: 117

رِوَايَة: مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ (مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ).

[الحكم]:

صحيحٌ، وجَوَّدَه أحمدُ، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ.

[التخريج]:

[كن 110 (والرواية له) / جه 407 (واللفظ له) / عل 2672/ ش 409/ ميمي 145/ مخلص 1128/ إمام (2/ 38 - 39)].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ مَدارُه على زيدِ بنِ أَسْلَمَ، ورُوِيَ عنه مِن طريقين:

الأول:

أخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ، قال: حدثنا ابنُ إدريسَ، عن محمدِ بنِ عَجْلانَ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

وهذا إسنادٌ حَسَنٌ؛ رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ محمدِ بنِ عَجْلانَ، وهو حَسَنُ الحديثِ.

وقد تُوبِع عليه ابنُ عَجْلانَ، كما في:

الطريق الثاني:

أخرجه النَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ وغيرُهما: من طريقِ عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ الدَّراوَرْديِّ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

وهذا إسنادٌ حسَنٌ؛ رجالُه كلُّهم ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، غيرَ الدَّراوَرْديِّ، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ عليه.

ص: 118

والحديثُ يرتقي للصحةِ بمجموعِ طريقيه.

ولذا جَوَّدَهُ الإمامُ أحمدُ فيما حكاه الخَلَّالُ (شرح ابن ماجَهْ لمُغْلَطاي 1/ 352).

وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح ابن ماجَهْ 329).

رِوَايَة: تَوَضَّأَ غَرْفَةً غَرْفَةً

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ بِلَفْظ: ((رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ غَرْفَةً غَرْفَةً)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ الحاكمُ.

[التخريج]:

[جه 415 (واللفظ له) / ك 543/ ش 74/ بز 5279/ قند (صـ 209)].

[السند]:

قال ابنُ ماجَهْ: حدثنا أبو بكرِ بنُ خَلَّادٍ الباهِليُّ، قال: حدثنا يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، عن سفيانَ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ.

قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، ولم يُخَرِّجاه بهذا اللفظِ".

ص: 119

رِوَايَة: وَجَمَعَ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً، وَجَمَعَ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ حسَنٌ. وَصَحَّحَهُ: ابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، والنَّوَويُّ. وَحَسَّنَ إسنادَهُ المُباركفوريُّ.

[التخريج]:

[مي 715/ حب 1071 (واللفظ له) / ك 542/ هق 233].

[السند]:

قال الدَّارِميُّ: أخبرنا أبو الوليدِ، حدثني عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ الدَّراوَرْديُّ، ثنا زيدُ بنُ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

ورواه ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ -وعنه البَيْهَقيُّ-: من طريقِ أبي خليفةَ الفضلِ بنِ الحُبابِ، عن أبي الوليدِ هشامِ بنِ عبد المَلِكِ الطَّيالِسيِّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، إلا أن الدَّراوَرْديَّ في حِفْظِه مقالٌ، وحديثُه يُحَسَّنُ في الجملةِ، إلا ما استُنكِر عليه.

ولذا صَحَّحَ ابنُ حِبَّانَ الحديثَ؛ حيثُ أخرجه في (صحيحه).

وقال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطهما، ولم يُخَرِّجا الجمعَ بيْن المضمضةِ والاستِنشاقِ".

وصَحَّحَ إسنادَهُ النَّوَويُّ في (المجموع 1/ 360)، وفي (الخلاصة 152).

وحسَّنَ إسنادَهُ المُباركفوريُّ في (تحفة الأحوذي 1/ 101).

ص: 120

رِوَايَة: بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ

• وَفِي رِوَايَةٍ، زَادَ: «

بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ».

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[بز 5283 (واللفظ له) / فقط (أطراف 2770) مختصرًا].

[السند]:

قال البَزَّارُ: حدثنا الحُسينُ بنُ مَهْديٍّ، قال: أنا الحَجَّاجُ بنُ نُصَيرٍ، قال: نا وَرْقاءُ، عن عَمرِو بنِ دينارٍ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: الحَجَّاجُ بنُ نُصَيرٍ، قال ابنُ حَجَرٍ:"ضعيفٌ، كان يَقْبَلُ التَّلقينَ"(التقريب 1139).

وقال البَزَّارُ: "وأمَّا حديثُ وَرْقاءَ فلا نَعلَمُ أحدًا حَدَّثَ به كما حَدَّثَ به حَجَّاجٌ، لأن غيرَ الحَجَّاجِ بلَغَني أنه يُحَدِّثُ به، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، وقال حَجَّاجٌ: عن وَرْقاءَ، عن عَمرِو بنِ دينارٍ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ. ولا نَعلَمُ أن عَمرَو بنَ دينارٍ رَوَى عن عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ حديثًا"(المسند 11/ 426).

وذَكَرَه ابنُ القَيْسَرانيِّ في الأطراف مختصرًا، بلفظ:"الوُضُوءُ مَرَّةً مَرَّةً"، ثُمَّ نَقَل عنِ الدَّارَقُطنيِّ أنه قال:"تَفرَّدَ به الحُسينُ بنُ مَهْديٍّ، عن حَجَّاجِ بنِ نُصَيرٍ، عن وَرْقاءَ، عن عَمرِو بنِ دينارٍ، عنه، والمحفوظُ: عن وَرْقاءَ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ عنه"(أطراف الغرائب 1/ 492).

وسيأتي بهذا اللفظِ الذي ذَكَرَه ابنُ القَيْسَرانيِّ من طريقٍ آخَرَ ضعيفٍ، فأمَّا

ص: 121

حديثُ وَرْقاءَ فباللفظِ السابقِ، وقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تَوَضَّأَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ كما سبقَ.

رِوَايَة: لِكُلِّ عُضْوٍ

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: «فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ غَرْفَةً غَرْفَةً لِكُلِّ عُضْوٍ» .

[الحكم]:

صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابنُ المُنْذِرِ.

[التخريج]:

[هق 378/ عبص 115].

[السند]:

رواه عبدُ الرَّزَّاقِ -ومن طريقِه البَيْهَقيُّ- قال: أنا مَعْمَرٌ، وسفيانُ، وداودُ بنُ قَيْسٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الصحيحِ.

قال ابنُ المُنْذِرِ: " ثَبَتَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً يَغْرِفُ غَرْفَةً لِكُلِّ عُضْوٍ"(الأوسط 2/ 28).

ص: 122

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ: غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ غَسْلَةً

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ بِلَفْظ: ((أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ غَسْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ.

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ أحمد شاكر.

[التخريج]:

[حم 3113 (واللفظ له) / عب 126].

[السند]:

أخرجه عبدُ الرزاقِ -وعنه أحمدُ-، عن مَعْمَرٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ.

ولذا قال أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيق المسند 3113).

ص: 123

رِوَايَة: مَسَحَ أُذُنَيْهِ

فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا

• وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أُذُنَيْهِ دَاخِلَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ، وَخَالَفَ إِبْهَامَيْهِ إِلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا» .

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، وَصَحَّحَهُ: التِّرْمِذيُّ، والطَّبَريُّ، وابنُ حِبَّانَ، وابنُ مَنْدَهْ، وابنُ عبدِ البَرِّ، والضِّياءُ، وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، والنَّوَويُّ، وابنُ دقيقِ العيدِ -وأقَرَّه الزَّيْلَعيُّ-، وابنُ المُلَقِّنِ، والصَّالِحيُّ، والشَّوْكانيُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ت 36 مختصرًا/ جه 443 (واللفظ له) / حب 1081/ عل 2486/ ش 64، 172، 208/ بز 5278/ طهور 86/ منذ 367، 397، 398/ هق 255، 318، 347/ منده (طهارة- إمام 1/ 574) / ضيا (11/ 259 - 260/ 263)].

[السند]:

أخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ: عن عبدِ اللهِ بنِ إدريسَ، عن محمدِ بنِ عَجْلانَ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

ومَدارُه عندَهم على: عبد الله بنِ إدريسَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حَسَنٌ؛ رجالُه كلُّهم ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ محمدِ بنِ عَجْلانَ؛ فمِن رجالِ مسلمٍ، وهو حسَنُ الحديثِ، وقال عنه الحافظُ:"صدوقٌ إلا أنه اختلَطَتْ عليه أحاديثُ أبي هُريرةَ"(التقريب 6136). وهذا ليس مِن حديثِ أبي هُريرةَ. وقد تُوبِع ابنُ عَجْلانَ كما تَقَدَّمَ.

ص: 124

ولذا قال التِّرْمِذيُّ عَقِبَه: "حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عند أَكثَرِ أهلِ العلم: يَرَوْنَ مَسْحَ الأُذُنين ظُهُورِهِما وبُطُونِهِما".

والحديثُ صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ؛ حيثُ أخرجه في (صحيحه).

وَصَحَّحَهُ الطَّبَريّ في (تهذيب الآثار)، كما في (شرح ابنِ ماجَهْ لمُغْلَطاي 1/ 440).

وقال ابنُ مَنْدَهْ: "ولا يُعْرَفُ مَسْحُ الأُذُنين مِن وجهٍ يَثْبُتُ، إلا ما رواه زيدُ بنُ أَسْلَمَ، عن عَطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما: أَنَّهُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ"، ثُمَّ ساقه من طريقِ ابنِ إدريسَ، عنِ ابنِ عَجْلانَ، به (الإمام لابن دقيق 1/ 565).

وعَدَّه ابنُ عبدِ البرِّ في الآثارِ الثابتةِ عنِ النبيِّ عليه السلام أنه كان يَمْسَحُ ظُهُورَ أُذُنَيْهِ وَبُطُونَهُمَا (التمهيد 4/ 40).

وأخرجه الضِّياءُ في (المختارة)؛ فهو صحيحٌ على شرطه.

وذَكَرَه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 169) وسَكَتَ عنه؛ فهو صحيحٌ على شرْطِه، وكذا ذَكَرَه في (الأحكام الصغرى 1/ 119) وقد اشتَرَطَ فيه الصحةَ.

وَصَحَّحَهُ النَّوَويُّ في (الخلاصة 184)، وابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 221).

وقال ابنُ دقيق: "أخرجه ابنُ ماجَهْ، عن أبي بكرِ بنِ أبي شَيْبةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ إدريسَ، عنِ ابنِ عَجْلانَ. وابنُ عَجْلانَ أخرجَ لَهُ مسلمٌ، وباقي الإسنادِ لا يُسألُ عنه"(الإمام 1/ 569).

ونَقَل الزَّيْلَعيُّ عنه أنه قال: "هذا إسنادٌ صحيحٌ"(نصب الراية 1/ 23)،

ص: 125

وأقَرَّه.

وقال ابنُ حَجَرٍ: "صَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ مَنْدَهْ"(التلخيص الحبير 1/ 158).

قلنا: الحديثُ الذي صَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمةَ إنما هو بلفظ: ((

وَغَرَفَ غَرْفَةً فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَبَاطِنَ أُذُنَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا، وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِيهِمَا

)). وقد سَبَقَ تخريجُه آنِفًا.

وصَحَّحَ إسنادَهُ الصَّالِحيُّ في (سُبُل الهدى والرشاد 8/ 41).

وَصَحَّحَهُ الشَّوْكانيُّ في (السيل الجرار صـ 55). والألبانيُّ في (الإرواء 90).

وقال أبو العبَّاسِ القُرْطُبيُّ: "قد جاءتْ أحاديثُ صحيحةٌ في كتابِ النَّسائيِّ وأبي داودَ وغيرِهما: «أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخَيْهِ» "(المُفْهِم 1/ 489).

قلنا: وقد تابَعَ ابنَ عَجْلانَ على مَسْحِ الأُذُن: هشامُ بنُ سعدٍ، وعبدُ العزيزِ الدَّراوَرْديُّ، وحَفْصُ بنُ مَيْسَرةَ، وزيادُ بنُ سعدٍ؛ خمستُهم: عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

وسيأتي تخريجُ روايتَيْ هشامِ بنِ سعدٍ وعبدِ العزيزِ الدَّراوَرْديِّ في الرواياتِ التاليةِ.

وأمَّا روايةُ حَفْصِ بنِ مَيْسَرةَ؛ فأخرجها ابن مَنْدَهْ في كتاب (الطهارة) -كما في (الإمام لابن دقيق 1/ 574) - من طريقِ سُوَيْدِ بنِ سعيدٍ، عنه. وسُوَيدٌ فيه كلامٌ معروفٌ.

ص: 126

وأمَّا روايةُ زيادِ بنِ سعدٍ؛ فأخرجها الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 9188) من طريقِ زَمْعَةَ بنِ صالحٍ، عنه. وزَمْعَةُ ضعيفٌ. ولكنَّ روايتَهما صالحةٌ للاعتِبارِ بلا ريبٍ مع روايةِ ابنِ عَجْلانَ وهشامٍ والدَّراوَرْديِّ.

ولكنْ ليس في روايةِ أحدِهِمُ التفصيلُ في مَسْحِ الأُذُنين ظاهرِهما وباطنِهما كما في روايةِ ابنِ إدريسَ، ولهذا قال البَزَّارُ:"فأمَّا حديثُ ابنِ إدريسَ؛ فزاد: «مَسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا»، ولا نَعلَمُ أحدًا قال في هذا عنِ ابنِ عبَّاس غيرَه"! (مسند البَزَّارِ 11/ 426).

قلنا: عبدُ اللهِ بنُ إدريسَ ثقةٌ ثَبْتٌ إمامٌ، ولم يخالفْ، إنما رواه أبو خالدٍ الأحمرُ وحمَّادُ بنُ مَسْعدَةَ عنِ ابنِ عَجْلانَ، مقتصرين على الوُضوءِ مَرَّةً مَرَّةً، ولم يُفَصِّلوا في صفةِ الوُضوءِ.

فلا يَضُرُّ تفرُّدُه بذلك عنِ ابنِ عَجْلانَ، كما لا يَضُرُّ ابنَ عَجْلانَ تفرُّدُه بذلك؛ فإن الحديثَ مَرْوِيٌّ عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ في جُلِّ فقراتِه مَرَّةً مُجْمَلًا ومَرَّةً بالتفصيلِ، فلا ضَيْرَ.

وقد ثَبَتَ مَسْحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أُذُنَيْه في الوُضوءِ باطنِهما وظاهرِهما من حديثِ المِقْدَام بنِ مَعْدِي كَرِب، وغيرِه، كما سيأتي. والله أعلم.

* * *

ص: 127

رِوَايَة: بِالسَّبَّاحَتَيْنِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَرَفَ غَرْفَةً فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ [غَرَفَ غَرْفَةً فَـ]ـمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ بَاطِنِهِمَا بِالسَّبَّاحَتَيْنِ وَظَاهِرِهِمَا بَإِبْهَامَيْهِ (فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَبَاطِنَ أُذُنَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِيهِمَا)، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ رِجْلَهُ اليُسْرَى» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ حسَنٌ. وَصَحَّحَهُ: ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 106 (واللفظ له) / كن 130/ خز 158 (والرواية والزيادة له ولغيرِهِ) / حب 1073].

[السند]:

قال النَّسائيُّ: أخبرنا مجاهدُ بنُ موسى، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ إدريسَ، قال: حدثنا ابنُ عَجْلانَ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

وقال ابنُ خُزَيْمةَ: نا عبدُ اللهِ بنُ سعيدٍ الأَشَجُّ، حدثنا ابنُ إدريسَ، به.

وأخرجه ابنُ حِبَّانَ: عن الحُسينِ بنِ محمدِ بنِ مُصْعَب، عن عبدِ اللهِ بنِ سعيدٍ الأَشَجِّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حَسَنٌ؛ رجالُه كلُّهم ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ محمدِ بنِ

ص: 128

عَجْلانَ؛ فمِن رجال مسلم، وهو حَسَنُ الحديثِ، كما تَقَدَّمَ.

ولذا خرَّجَه ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ في صحيحيهما، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 235 - 236).

* * *

رِوَايَة: بِالوُسْطَيَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: ((

ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ [وأُذُنَيْهِ]؛ وَقَالَ بِالوُسْطَيَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ فِي بَاطِنِ أُذُنَيْهِ وَالإِبْهَامَيْنِ مِنْ وَرَاءِ أُذُنَيْهِ

)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ حسَنٌ.

[التخريج]:

[هق 317، 1138 (واللفظ له) / منده (طهارة- إمام 1/ 565) (والزيادة له)].

[السند]:

قال البَيْهَقيُّ: أخبرنا أبو الحَسنِ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ عَبْدانَ الأَهْوازيُّ، أخبرنا أحمدُ بنُ عُبَيدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إسحاقَ، حدثنا عليُّ بنُ المَدِينيِّ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ إدريسَ، حدثنا محمدُ بن عَجْلانَ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

ورواه ابنُ مَنْدَهْ من طريقِ ابنِ إدريسَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حَسَنٌ؛ رجالُه ثقاتٌ غيرَ محمدِ بنِ عَجْلانَ، وتَقَدَّمَ الكلامُ عليه.

ص: 129

رِوَايَة: وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَاسْتَنْشَقَ وَمَضْمَضَ مَرَّةً وَاحِدَةً (مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ)، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، وَصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسَنٌ. وَصَحَّحَهُ: عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 104/ كن 109، 129، 215 مختصرًا/ شف 47 (واللفظ له) / أم 77/ عل 2670/ طح (1/ 32/ 137) مختصرًا/ هقع 685].

[السند]:

رواه الشافعيُّ في (الأم) و (المسند) -ومن طريقِه البَيْهَقيُّ-، قال: أخبرنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

ورواه النَّسائيُّ عن الهيثمِ بنِ أَيُّوبَ الطَّالْقانيِّ، عن عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ، به.

ورواه أبو يَعْلَى والطَّحاويُّ من طريقِ عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ الدَّراوَرْديِّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حَسَنٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ الدَّراوَرْديِّ؛ وهو حسَنُ الحديثِ، كما سبقَ بيانُه.

ص: 130

وقد تابَعَه على مَسْحِ الأُذُنِ محمدُ بنُ عَجْلانَ كما تَقَدَّمَ عند أبي داودَ وغيرِه، وكذا تابَعَهما على ذلك هشامُ بنُ سعدٍ، كما سيأتي قريبًا.

فيرتقي الحديثُ بهذه المتابعاتِ إلى درجةِ الصحيحِ لغيرِهِ.

ولذا ذَكَرَه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 169) وسَكَتَ عنه؛ فهو صحيحٌ على شرطِهِ.

وقال الألبانيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ"(صحيح أبي داود 1/ 236).

وكذا صَحَّحَ حديثَ ابنِ عبَّاس هذا في مَسْحِ الأُذُنِ غيرُ واحدٍ منَ العلماءِ، كما ستراه في الرواياتِ التاليةِ.

* * *

رِوَايَة: فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ وَفِيهَا النَّعْلُ

• وَفِي رِوَايَةٍ:

((ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَى مِنَ المَاءِ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفِيهَا النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ: يَدٌ فَوْقَ القَدَمِ وَيَدٌ تَحْتَ النَّعْلِ، ثُمَّ صَنَعَ بِاليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ الحاكمُ، وحَسَّنَ إسنادَهُ الألبانيُّ، إلا أنَّ ذِكْرَ المسحِ تحتَ النعلِ إنْ حُمِل على ظاهرِهِ فشَاذٌّ غيرُ محفوظٍ، وحَكَمَ عليه الألبانيُّ بالشُّذوذِ.

[التخريج]:

[د 136 (واللفظ له) / طوسي 80/ هق 350/ منده (طهارة - إمام 1/

ص: 131

574) (مقتصرًا على مسح الأذن)].

[السند]:

قال أبو داودَ: حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي شَيْبةَ، حدثنا محمدُ بنُ بِشْرٍ، حدثنا هشامُ بنُ سعدٍ، حدثنا زيدٌ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: قال لنَا ابنُ عبَّاسٍ:

فذَكَرَه.

ورواه الطُّوسيُّ وابنُ مَنْدَهْ والبَيْهَقيُّ: من طريقِ هشامِ بنِ سعدٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ عدا هشامَ بنَ سعدٍ؛ فقد أخرجَ لَهُ مسلمٌ في المتابَعاتِ، وقد تُكُلِّمَ فيه مِن قِبَلِ حِفْظِهِ؛ ولذا قال فيه الذَّهَبيُّ:"حسَنُ الحديثِ"(الكاشف 5964). وقال الحافظُ: "صدوقٌ له أوهامٌ"(التقريب 7294).

قلنا: ولكنه مِن أَثبَتِ الناسِ في زيدِ بنِ أَسْلَمَ خاصَّةً، كما قال أبو داودَ (تهذيب الكمال 30/ 208).

وعليه؛ فالإسنادُ صحيحٌ.

ولذا قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ ولم يخرجاه".

وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 236).

ولم يَتَنبَّهْ عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ ومُغْلَطايُ لقولِ أبي داودَ في روايةِ هشامِ بنِ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ؛ فقال عبدُ الحقِّ:"هذا في إسنادِهِ هشامُ بنُ سعدٍ، وهو ضعيفٌ عندَهم، ضَعَّفَه يحيى بنُ مَعِينٍ، ويحيى بنُ سعيدٍ، والنَّسائيُّ، وابنُ حَنبَلٍ، وأبو حَاتمٍ، وأبو زُرْعةَ، كلُّهم ضَعَّفَهُ، أو قال فيه كلام معنى التضعيف، ذكر ذلك ابنُ أبي حاتم، وابنُ عَدِيٍّ" (الأحكام الوسطى

ص: 132

1/ 176).

وقال مُغْلَطايُ: "وفي إسنادِهِ: هشامُ بنُ سعدٍ، وهو ضعيفٌ عند ابنِ مَعِينٍ، وابنِ سعدٍ، وغيرِهما"(شرح ابن ماجَهْ 1/ 479).

وذِكْرُ المسحِ تحتَ النعلِ إنْ حُمِل على ظاهرِه فشاذٌّ؛ ولذا قال الألبانيُّ: ((ذِكْرُ مَسْحِ النعلين مِن فوقِهما ومِن تحتِهما شاذٌّ في هذه الروايةِ

وهذا إسنادٌ حَسَنٌ، رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ؛ غيرَ هشامِ بنِ سعدٍ؛ فمِن رجالِ مسلمٍ وحدَه؛ لكنْ قال الذَّهَبيُّ في (الميزان):

"قال الحاكمُ: أخرجَ لَهُ مسلمٌ في الشواهدِ". وهو ثقةٌ؛ لا سيما في روايتِهِ عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ؛ فقد قال الآجُرِّيُّ عن المؤلفِ: "هشامُ بنُ سعدٍ أَثبَتُ الناسِ في زيدِ بنِ أَسْلَمَ"، لكنْ قد تَكَلَّموا فيه مِن قِبَلِ حِفْظِه؛ ولذلك فهو حُجَّةٌ إذا لم يخالفْ، وهو كما قال العِجْليُّ:"حسَنُ الحديثِ". وقال الحافظُ في (التقريب): إنه "صدوقٌ له أوهامٌ".

ثُمَّ إنني أَرَى أنَّ ذِكْرَ المسحِ على النَّعْلَيْنِ -مِن فوقِهما ومِن تحتِهما- لا معنَى له

مع رشِّ الرجلين الذي هو كِنايةٌ عن غَسْلِهِما، بل ذلك مِن أوهامِ هشامِ بنِ سعدٍ؛

فقد تابَعَه على هذا الحديثِ جَمْعٌ منَ الثِّقاتِ، فلم يَذْكُر أحدٌ منهم المسحَ على

النَّعْلَيْنِ

)) (صحيح أبي داود 1/ 232 - 236).

قلنا: وقد جَزَم البَيْهَقيُّ بمخالفته -هو والدَّراوَرْديُّ- لجماعةٍ منَ الثِّقاتِ روَوْهُ عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، وذَكَروا فيه أنه غَسَلَ قدميه، ولم يَذْكُروا أنه مسَحَهما أو مسَحَ نعليه، فقال البَيْهَقيُّ -بعد أنْ أَتبَع روايتَه بروايةِ الدَّراوَرْديِّ الآتيةِ-: ((وقد خالَفَهما سُلَيمانُ بنُ بلالٍ، ومحمدُ بنُ عَجْلانَ،

ص: 133

ووَرْقاءُ بنُ عُمرَ، ومحمدُ بنُ جعفرِ بنِ أبي كثيرٍ

))، ثُمَّ أَسنَدَ البَيْهَقيُّ رواياتِهمُ التي فيها غَسْلُ القدمينِ، ثُمَّ قال: ((فهذه الرواياتُ اتَّفَقَتْ على أنه غَسَلَهما

وهشامُ بنُ سعدٍ ليسَ بالحافظِ جدًّا؛ فلا يُقْبَلُ منه ما يُخالِفُ فيه الثِّقاتِ الأثباتَ، كيف وهُم عددٌ وهو واحدٌ؟ ! )).

قلنا: أمَّا مَسْحُ النعلينِ مِن فوقِهما فلم يَرِد في الروايةِ ما يَدُلُّ عليه.

وأمَّا مَسْحُهُما مِن أسفلَ، فقد وردَ عن هشامِ بنِ سعدٍ ما يَدُلُّ على أن في هذا اللفظِ تجوُّزًا، وأنه محمولٌ على غيرِ ظاهره:

فروَى البَيْهَقيُّ في (الكبرى 350) من طريقِ جعفرِ بنِ عَوْنٍ، ثنا هشامُ بنُ سعدٍ

الحديثَ بإسنادِهِ، وقال فيه:((ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفِيهَا النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ مِنْ فَوْقِ القَدَمِ وَمِنْ تَحْتِ القَدَمِ، ثُمَّ فَعَلَ بِاليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ)).

قال البَيْهَقيُّ: ((هذا أَصَحُّ حديثٍ رُوِيَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا إلى ما يوافق روايةَ الجماعةِ)).

ثُمَّ أَسنَدَ البَيْهَقيُّ -أيضًا- في (الكبرى) من طريقِ القاسمِ بنِ يَزيدَ الجَرْميِّ، ثنا سفيانُ الثَّوْريُّ وهشامُ بنُ سعدٍ، كِلاهما عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: قال لي ابنُ عبَّاس: ((أَلَا أُرِيكَ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَعَلَيْهِ نَعْلُهُ)).

قال البَيْهَقيُّ: "فهذا يَدُلُّ على أنه غَسَلَ رجليه في النَّعلين، والله أعلم".

وقال في (المعرفة): "يحتملُ أنه رَشَّ الماءَ عليهما في النَّعلين وَغَسَلَهما فيهما"، واستَدَلَّ له برواية القاسمِ الجَرْميِّ المذكورةِ، انظر (معرفة السنن والآثار 1/ 171).

ص: 134

وقد بيَّن الحافظُ أن هذه الروايةَ المُشكِلةَ محمولةٌ على غير ظاهرها، فقال:((وأمَّا ما وقع عند أبي داودَ والحاكمِ: فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفِيهَا النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ يَدٌ فَوْقَ القَدَمِ وَيَدٌ تَحْتَ النَّعْلِ، فالمرادُ بالمسحِ تسييلُ الماءِ حتى يَستوعِبَ العُضوَ، وقد صَحَّ أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأُ في النَّعلِ كما سيأتي عند المصنِّفِ من حديثِ ابنِ عُمرَ. وأمَّا قولُه: تَحْتَ النَّعْلِ، فإنْ لم يُحمَلْ على التَّجَوُّزِ عن القدم، وإلا فهي روايةٌ شاذَّةٌ، وراويها هشامُ بنُ سعدٍ لا يُحتَجُّ بما تَفرَّدَ به، فكيفَ إذا خالَف؟ ! )) (الفتح 1/ 241).

وبمِثْلِه قال العَيْنيُّ في (عمدة القاري 2/ 264).

وهذا الكلامُ توجيهٌ سديدٌ من الحافظِ، إلا أن قولَهُ:"وراويها هشامُ بنُ سعدٍ لا يُحتَجُّ بما تَفرَّدَ به، فكيفَ إذا خالَف"، فيه نظرٌ؛ ولذا تَعَقَّبَه الألبانيُّ بقوله:"وفي كلامِه في ابنِ سعدٍ مبالغةٌ لا تخفَى، ثُمَّ هي لا تتَّفِقُ مع ما نقلْناه آنِفًا عن كتابه (التقريب)؛ فتأمَّلْ"(صحيح أبي داود 1/ 235).

ص: 135

رِوَايَة: صَبَّةً صَبَّةً

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فَجَعَلَ يَغْرِفُ بِيَدِهِ اليُمْنَى ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى اليُسْرَى [صَبَّةً صَبَّةً]» .

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ أحمد شاكر.

[التخريج]:

[حم 3450 (واللفظ له) / عب 128 (والزيادة له) / حل (7/ 327)].

[السند]:

أخرجه عبدُ الرزاقِ -وعنه أحمدُ-: عن الثَّوْريِّ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ.

ولذا قال الهيثَمِيُّ: "رواه أحمدُ ورجالُه رجالُ الصحيحِ"(مجمع الزوائد 1160).

وقال أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيق المسند 3/ 448).

ورواه أبو نُعَيمٍ في (الحلية) من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ صالح، حدثني اللَّيْثُ بنُ سعدٍ، حدثني هشامُ بنُ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاس، قال:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَخَذَ مِنَ المَاءِ بِيَدِهِ اليُمْنَى، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ» . قال أبو نُعَيمٍ: "مشهورٌ مِن حديثِ زيدٍ، غريبٌ مِن حديثِ اللَّيْثِ عن هِشامٍ".

ص: 136

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:((أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَضْمَضَ مَرَّةً، وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً، وَغَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً، وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ حسَنٌ، وَصَحَّحَهُ البَيْهَقيُّ.

[التخريج]:

[غيل 378/ هق 319 (واللفظ له)، 348].

[السند]:

قال البَيْهَقيُّ: أخبرنا أبو عبدِ اللهِ الحافظُ، وأبو أحمدَ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ الحسنِ العَدْلُ، قالا: حدثنا أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ يعقوبَ، حدثنا إبراهيمُ بنُ عبدِ اللهِ، أخبرنا يَزيدُ بنُ هارونَ، أخبَرَنا وَرْقاءُ، حدثنا زيدُ بنُ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: قال ابنُ عبَّاسٍ:

فذَكَرَه.

ومَدارُه على: وَرْقاءَ بنِ عُمرَ اليَشْكُريِّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسَنٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ وَرْقاءَ؛ قال عنه الذَّهَبيُّ: "صدوقٌ صالحٌ"(الكاشف 6046)، وقال الحافظُ:"صدوقٌ، في حديثِه عن منصورٍ لِينٌ"(التقريب 7403).

وهذا ليس مِن حديثِهِ عن منصورٍ، ثُمَّ إنه قد تُوبِع على روايته لهذا الحديثِ بهذا المعنى كما تَقَدَّمَ.

ص: 137

ولذا قال البَيْهَقيُّ: "هذا إسنادٌ صحيحٌ"(السنن الكبرى 319).

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِأَسْفَلِ النَّعْلَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:((ثُمَّ اغْتَرَفَ غَرْفَةً أُخْرَى فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ وَفِيهَا النَّعْلُ، وَاليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَسَحَ بِأَسْفَلِ النَّعْلَيْنِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، وقولُه:((وَمَسَحَ بِأَسْفَلِ النَّعْلَيْنِ)) شاذٌّ إنْ حُمِلَ على ظاهرِهِ.

[التخريج]:

[ك 528/ طب (10/ 379/ 10759) / هق 344 (واللفظ له)

(1)

/ هقع 679].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا بِشْرُ بنُ موسى، ثنا خَلَّادُ بنُ يحيى، ثنا هشامُ بنُ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: قال ابنُ عبَّاس: ((أَلَا أُرِيكُمُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟

)) وذَكَرَ الحديثَ.

ورواه الحاكمُ والبَيْهَقيُّ من طريقِ خَلَّادِ بنِ يحيى السُّلَميِّ، ثنا هشامُ بنُ سعدٍ، به.

(1)

ووقع عند الطَّبَرانيِّ في (الكبير)، والحاكمِ في (المستدرَك 528 طبعة التأصيل) بلفظ:((فَرَشَّ عَلَى رِجْلَيْهِ وِفِيهِمَا النَّعْلُ، وَاليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ))، وفيه خَلَلٌ ظاهر، لعلَّه من النُّسَّاخِ، وقد رواه البَيْهَقيُّ عن الحاكمِ على الصوابِ.

ص: 138

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُه ثقات، غير أن في هشامِ بنِ سعدٍ كلامًا مِن جهةِ حِفْظِه، ولكنه أَثبَتُ الناسِ في زيدِ بنِ أَسْلَمَ كما تَقَدَّمَ ذِكْرُه.

إلا أن قولَهُ في متنِ هذا الحديثِ: ((وَمَسَحَ بِأَسْفَلِ النَّعْلَيْنِ)) إنْ حُمِلَ على ظاهرِهِ فهو شاذٌّ غيرُ محفوظٍ، كما تَقَدَّمَ ذِكْرُه.

وإنْ حُمِلَ على التَّجَوُّزِ، وأنه أرادَ: مَسَحَ أَسفَلَ قَدَمَيهِ وهُمَا في النَّعْلينِ، كما دَلَّتْ عليه الرواياتُ الأخرى، فلا إشكالَ حينئذٍ.

والحديثُ صَحَّحَهُ الحاكمُ، فقال:"هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، ولم يخرجاه بهذا اللفظِ، إنما اتَّفَقا على حديثِ زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً))، وهو مُجْمَلٌ، وحديثُ هشامِ بنِ سعدٍ هذا مُفَسَّرٌ".

وفي كلامِ الحاكمِ نظرٌ مِن ثلاثةِ وجوهٍ:

الأول: في قوله: "صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ"، فهذا خِلافُ قولِ الحاكمِ نفْسِه في هشامِ بنِ سعدٍ، حيثُ قال:"أخرجَ لَهُ مسلمٌ في الشواهدِ"(تهذيب التهذيب 11/ 4).

وبهذا تَعَقَّبَ الألبانيُّ الحاكمَ في (صحيح أبي داود 1/ 234).

الثاني: في قوله: "اتَّفَقا على حديثِ زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)) "، فهذا وهَمٌ منه؛ إذِ انفرَدَ البُخاريُّ وحدَه بهذا الحديثِ.

الثالث: في قوله: "إنما اتَّفَقا على حديثِ زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وهو مُجْمَلٌ، وحديثُ هشامِ بنِ

ص: 139

سعدٍ هذا مُفَسَّرٌ"؛ فإنه يُوهِمُ أن الحديثَ في الصحيحِ بهذا اللفظِ المُجْمَلِ فحَسْبُ، وليس الأمرُ كذلك؛ فقد أخرجه البُخاريُّ في (صحيحه) مُفَصَّلًا مِن رواية سُلَيمانَ بنِ بلالٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، به كما تَقَدَّمَ.

قال البَيْهَقيُّ: ((وهذا حديثٌ رواه هشامُ بنُ سعدٍ، وعبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ الدَّراوَرْديُّ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، هكذا. ورواه سُلَيمانُ بنُ بِلالٍ، ومحمدُ بنُ عَجْلانَ، ووَرْقاءُ بنُ عُمرَ، ومحمدُ بنُ جعفرِ بنِ أبي كَثيرٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، بهذا الإسنادِ والمتنِ، وذَكَرَ كلُّ واحدٍ منهم في حديثِهِ أنه أَخَذَ غَرْفَةً مِن ماءٍ فغَسَلَ رجلَه اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أخرى فغَسَلَ رجلَه اليُسْرَى، أو ما في معنَى هذا. وأخرجه البُخاريُّ في الصحيح من حديثِ سُلَيمانَ بنِ بلالٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ.

وهشامُ بنُ سعدٍ وعبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ ليسا مِن الحفظِ بحيثُ يُقْبَلُ منهما ما يَنفَرِدان به. كيف وقد خالَفَهما عددٌ ثقاتٌ؟ ! مع أنه يَحتمِلُ حديثُهما أنه رَشَّ الماءَ عليهما في النَّعلينِ وَغَسَلَهما فيهما)) (معرفة السنن والآثار 1/ 292).

ص: 140

رِوَايَة: وَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا

• وَفِي رِوَايَةٍ:

((وَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ وَفِيهِمَا نَعْلَانِ، وَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا)).

[الحكم]:

إسنادُهُ حسَنٌ، وقوله:((وَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا)) غيرُ محفوظٍ.

[التخريج]:

[بز 5281].

[السند]:

قال البَزَّارُ: حدثنا عَمرُو بنُ عليٍّ، قال: حدثنا حُسينُ بنُ حَفْصٍ، قال: حدثنا هشامُ بنُ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسَنٌ، إلا أن قولَهُ:((وَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا)) غيرُ محفوظٍ.

قال البَزَّارُ: ((وأمَّا حديثُ هشامِ بنِ سعدٍ؛ فلا نَعلَمُ أحدًا تابَعَه على لفظه، وهشامٌ ثقة، وهذا عندي -واللهُ أعلمُ- إنما كان أَراهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الوُضوءَ، أو كان مُتوضِّئً

(1)

فمَسَحَ، يقول:((هَكَذَا فاغْسِلُوا))؛ لأن الأخبارَ قد ثَبَتَتْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه غَسَلَ قَدَمَيْهِ)) (مسند البَزَّارِ 11/ 426 - 427).

والحديثُ ذَكَرَه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الكبرى 1/ 474)، من طريقِ البَزَّارِ، ثُمَّ قال: "هشامُ بنُ سعدٍ وثَّقَه أبو بكرٍ البَزَّارُ، وقال: لا نَعلَمُ له عِلَّةً توجبُ التوقُّفَ عن حديثِهِ، وَضَعَّفَهُ أحمدُ بنُ حَنبَلٍ ويحيى بنُ مَعِينٍ.

(1)

كذا بالأصلِ، والصواب: مُتَوَضِّئًا -كما نَبَّهَ على ذلك المحققُ-، وقد يقالُ: إنه صوابٌ على لُغةِ مَن يكتبُ التنوينَ بلا ألف.

ص: 141

وقال أبو زُرْعةَ: هشامُ بنُ سعدٍ شيخٌ محلُّه الصدقُ".

وانظر: تحقيق الروايتين السابقتين.

رِوَايَة: وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:

((ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَهُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا قَدَمَيْهِ، وَعَلَيْهِ النَّعْلَانِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ. والتعبيرُ بالمسحِ هنا فيه تَجَوُّزٌ، والمرادُ أنه غَسَلَهما في النَّعْلِ بهذا المَاءِ الذي نَضَحَهُ على قدميه.

[التخريج]:

[طس 714].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا أحمدُ -يعني: ابنَ عليٍّ الأَبَّارَ-، قال: حدثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ، قال: حدثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عن رَوْحِ بنِ القاسمِ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُه ثقات. وانظر ما سَبَقَ.

ص: 142

رِوَايَة: وَعَلَيْهِمَا النَّعْلَانِ، فَمَسحَهُمَا بِيَدِهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:

((ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً، فَنَضَحَهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَعَلَيْهِمَا النَّعْلَانِ، فَمَسَحَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ ظَهْرِ القَدَمِ إِلَى العَقِبَ، ثُمَّ إِلَى أَطْرَافِ الأَصَابِعِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا بهذا اللفظِ.

[التخريج]:

[رفا 67].

[السند]:

قال أبو عليٍّ الرَّفَّاءُ: حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ العبَّاسِ السَّاميُّ، حدثنا خالدُ بنُ هَيَّاجٍ، عن أبيه، عن رَوْحِ بنِ القاسمِ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسَارٍ، قال: قال ابنُ عبَّاسٍ:

فذَكَرَه.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: هَيَّاجُ بنُ بِسْطَامٍ، والدُ خالدِ بنِ هَيَّاجٍ، قال عنه أحمدُ بنُ حَنبَلٍ:"متروكُ الحديثِ"، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ضعيفُ الحديثِ، ليس بشيءٍ"، وقال أبو داودَ:"ترَكوا حديثَه، ليس بشيءٍ"، وقال أبو حاتم:"يُكتَبُ حديثُه، ولا يُحتجُّ به"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كان مُرْجِئًا، يَروي الموضوعاتِ عن الثِّقاتِ"، وقال صالحُ بنُ محمدٍ:"منكَرُ الحديثِ، لا يُكتَبُ مِن حديثِهِ إلا حديثين أو ثلاثةً للاعتِبارِ، ولم أَعْلَمْ بكلِّ ذلك حتى قَدِمْتُ هَراةَ، فرَأَيتُ عندَهم أحاديثَ مناكيرَ كثيرةً له". انظر (تهذيب التهذيب 11/ 88)، وقال الحافظُ:"ضعيفٌ، روَى عنه ابنُه خالدٌ مُنكَراتٍ شديدةً"(التقريب 7355).

وقيل: الحَمْلُ فيها على ابنِه خالدٍ؛ فإنه مُتكَلَّمٌ فيه أيضًا؛ قال السُلَيمانيُّ:

ص: 143

"ليس بشيءٍ"، وقال يحيى بنُ أحمدَ بنِ زيادٍ الهَرَويُّ:"كلُّ ما أُنكِرَ على الهَيَّاجِ فهو من جهةِ ابنِه خالد؛ فإن الهَيَّاجَ في نفْسِه ثقةٌ". وقال الحاكمُ: "والأحاديثُ التي رواها صالحٌ بهَرَاةَ مِن حديثِ الهَيَّاجِ الذَّنْبُ فيها لابنه خالد، والحَمْلُ فيها عليه". وفي المقابِل: ذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات)، وقال الذَّهَبيُّ:"مُتماسِكٌ". انظر (لسان الميزان 2906).

وقال ابنُ أبي حاتم في ترجمة (الحسين بن إدريسَ الأنصاري): "كَتَبَ إليَّ بجزءٍ من حديثِهِ، عن خالدِ بنِ الهَيَّاجِ بنِ بِسْطامٍ، فأوَّلُ حديثٍ منه باطلٌ، وحديث الثاني باطل، وحديث الثالث ذَكَرْتُه لعليِّ بنِ الحُسين بنِ الجُنَيْدِ، فقال لي: أَحلِفُ بالطلاقِ أنه حديثٌ ليسَ له أصلٌ. وكذا هو عندي، فلا أدري منه أو مِن خالدِ بنِ هَيَّاجِ بنِ بِسْطَام! "(الجرح والتعديل 3/ 47).

قال الذَّهَبيُّ مُعَقِّبًا: "قلتُ: خالدٌ له مناكيرُ عن أبيه، والحُسينُ فثقةٌ حافظٌ"(تاريخ الإسلام 7/ 34).

قلنا: فالمتَّهَمُ بها خالد؛ ولذا ذَكَرَه سِبْطُ ابنِ العَجَميِّ في (الكشف الحثيث عمَّن رُمِيَ بوضعِ الحديث 270).

ص: 144

رِوَايَة: وَهُوَ مُنْتَعِلٌ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظِ:((تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَاسْتَنْشَقَ وَمَضْمَضَ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ مَرَّةً، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً، ثُمَّ أَخَذَ مِلْءَ كَفَّيْهِ مَاءً، فَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ حسَنٌ.

[الفوائد]:

قولُه: ((فَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ)) يعني: فغَسَلَهما كما جاءَ مصرَّحًا به في رواياتٍ أُخرى، فرَشُّ القدمينِ كنايةٌ عن غَسْلِهِما كما قال الألبانيُّ، انظر (صحيح سنن أبي داود 1/ 234).

[التخريج]:

[طهور 105 (واللفظ له)، 294، 351 (مختصرًا) / طح (1/ 35/ 158) / هقع 678].

[السند]:

أخرجه القاسمُ بنُ سَلَّامٍ، قال: ثنا ابنُ أبي مريمَ، ونُعَيمُ بنُ حمَّادٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

ورواه الطَّحاويُّ من طريقِ يحيى بنِ يحيى.

ورواه البَيْهَقيُّ من طريقِ إبراهيمَ بنِ حمزةَ.

كلُّهم عن عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ، به.

ص: 145

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسَنٌ؛ رجالُه ثقاتٌ غيرَ عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ الدَّراوَرْديِّ، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ عليه.

وقد فَهِمَ البَيْهَقيُّ من هذه الروايةِ أنه لم يَغْسِلِ القدمين، حيثُ ذَكَرَها عَقِبَ روايةِ هشامِ بنِ سعدٍ التي فيها أنه مَسَحَ أَسفلَ النَّعلينِ، ثُمَّ قال البَيْهَقيُّ -بعد أنْ خرَّجه بهذا اللفظِ-: "هكذا رواه هشامُ بنُ سعدٍ، وعبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ الدَّراوَرْديُّ. وقد خالَفَهما سُلَيمانُ بنُ بلالٍ، ومحمدُ بنُ عَجْلانَ، ووَرْقاءُ بنُ عُمرَ، ومحمدُ بنُ جعفرِ بنِ أبي كَثيرٍ

".

ثُمَّ ذَكَرَ رِواياتِهم، ثُمَّ قال:"فهذه الرواياتُ اتَّفَقَتْ على أنه غَسَلَهما، وحديثُ الدَّراوَرْديِّ يَحتمِلُ أن يكونَ موافِقًا بأن يكونَ غَسَلَهما في النَّعلِ".

رِوَايَة: وَعَلَيْهِ نَعْلُهُ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظِ:((فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَعَلَيْهِ نَعْلَيْهِ)).

[الحكم]:

صحيحٌ.

[التخريج]:

[هق 350/ مخلص 36 (واللفظ له)].

[السند]:

قال البَيْهَقيُّ: أخبرنا الفقيهُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ بكرٍ الطُّوسيُّ، أخبرنا أبو بِشْرٍ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ حَاضرٍ، حدثنا أبو العبَّاسِ السَّرَّاجُ، حدثنا محمدُ

ص: 146

ابنُ إسماعيلَ بنِ أبي سَمِينةَ، حدثنا القاسمُ بنُ محمدِ بنِ يَزيدَ الجَرْميُّ، حدثنا سفيانُ الثَّوْريُّ وهشامُ بنُ سعدٍ، كلاهما عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: قال لي ابنُ عبَّاسٍ:

فذَكَرَه.

ورواه المُخَلِّصُ عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ العزيزِ البَغَويِّ، عنِ ابنِ أبي سَمِينةَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقات.

رِوَايَة: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ عَلَيْهِمَا نَعْلَانِ مَرَّةً مَرَّةً

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:((أَلَا أَتَوَضَّأُ لَكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْنَا: بَلَى. فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، فَمَضْمَضَ مَرَّةً، وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً، وَغَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّةً، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ عَلَيْهِمَا نَعْلَانِ مَرَّةً مَرَّةً)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[طي 2782].

[السند]:

قال الطَّيالِسيُّ: حدَّثَنا خارِجةُ بنُ مُصْعَب، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: قال ابنُ عبَّاسٍ:

فذَكَرَه.

ص: 147

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: خارِجةُ بنُ مُصْعَبٍ أبو الحَجَّاجِ السَّرَخْسيُّ؛ قال عنه الحافظُ: "متروكٌ، وكان يُدَلِّسُ عن الكذابين. ويقالُ: إن ابنَ مَعِينٍ كذَّبَه"(التقريب 1612).

ولكن متن الحديثِ صحيحٌ بما سَبَق.

رِوَايَة: صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: ((

وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ

)).

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، ولفظةُ:((مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)) شاذَّةٌ هنا، والمحفوظُ في هذا الحديثِ أنه:((غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً))، وأمَّا غَسْلُ اليدِ مَرَّتين مَرَّتين فقد ثَبَتَ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، وقد تَقَدَّمَ.

[التخريج]:

[هق 345].

[السند]:

قال البَيْهَقيُّ: أخبرناه أبو الحسنِ بنُ عَبْدانَ، أخبرنا أحمدُ بنُ عُبَيدٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إسحاقَ، حدثنا إبراهيمُ بنُ حمزةَ، حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، أنه قال:

فذَكَرَه.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسَنٌ؛ رجالُه ثقاتٌ غيرَ إبراهيمَ بنِ حمزةَ بنِ محمدِ بنِ حمزةَ؛

ص: 148

قال عنه الحافظ: "صدوقٌ"(التقريب 168).

وعبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ الدَّراوَرْديُّ تَقَدَّمَ الكلامُ عليه.

وقولُه في هذا الحديثِ: ((وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)) غيرُ محفوظٍ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، والصوابُ: أَنَّهُ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً، كما تَقَدَّمَ.

وقد ثَبَتَ غَسْلُ اليدينِ مَرَّتين مَرَّتين مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ كما تَقَدَّمَ قريبًا.

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ: تَوَضَّأَ وُضُوءَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، بِلَفْظ:((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وُضُوءَيْنِ مَرَّةً وَثَلَاثًا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[عب 129].

[السند]:

أخرجه عبدُ الرزاقِ، عن أبي بكرِ بنِ محمدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، رجالُه ثقاتٌ غيرَ أبي بكرٍ، وهو أبو بكرِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ أبي سَبْرَةَ؛ قال ابنُ حَجَرٍ: "رَمَوْهُ بالوضعِ، وقال مُصْعَبٌ

ص: 149

الزُّبَيريُّ: كان عالِمًا" (التقريب 7973).

ولكن المتن صحيحٌ؛ فقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، كما في هذا الحديثِ، وثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، كما سبقَ وكما سيأتي.

رِوَايَة: قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ فَنَضَحَ بِهِمَا فِي الأَرْضِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ فَنَضَحَ بِهِمَا فِي الأَرْضِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ

)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا اللفظِ.

[التخريج]:

[معر 1599].

[السند]:

قال ابنُ الأعرابيِّ: نا داودُ، نا أَبي، نا بكرُ بنُ صَدَقةَ، عن هشامِ بنِ سعدٍ، عن زيدٍ، عن عَطاءٍ، قال: قَالَ لنَا ابنُ عبَّاسٍ:

فذَكَرَه.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ:

الأولى: بكرُ بنُ صَدَقةَ؛ لم يُوَثِّقْهُ إلا ابنُ حِبَّانَ، حيثُ ذَكَرَه في (الثِّقات 8/ 148).

الثانية: داود، هو: داودُ بنُ أيُّوبَ بنِ سُلَيمانَ بنِ أبي حَجَرٍ، ترجَم له ابنُ عساكرَ في (تاريخ دمشق 17/ 111)؛ ولم يَذْكُرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا.

ص: 150

الثالثة: أبوه: أيُّوبُ بنُ سُلَيمانَ بنِ أبي حَجَرٍ؛ قال ابنُ أبي حاتم: "سألتُ أبي، وأبا زُرْعةَ عنه، فقالا: لا نَعْرِفُه. وقال أَبي: هذه الأحاديثُ التي رواها صِحاحٌ"(الجرح والتعديل 2/ 249). وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 8/ 276)، وقال:"ربما أَغرَبَ". وقال الأَزْديُّ: "منكَرُ الحديثِ"(لسان الميزان 1343).

رِوَايَة: مَسَحَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ فَوْقَ النَّعْلِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

ثُمَّ مَسَحَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ فَوْقَ النَّعْلِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى)).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا اللفظِ، والصحيحُ أنه غَسَلَ قَدَمَيْهِ وهُمَا في النَّعْلِ كما سبقَ.

[التخريج]:

[طس 9188].

[السند]:

رواه الطَّبَرانيُّ: عن مُفَضَّل، ثنا عليٌّ، ثنا أبو قُرَّةَ، قال: ذَكَرَ زَمْعَةُ بنُ صالحٍ، عن زيادِ بنِ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن زيادِ بنِ سعدٍ إلا زَمْعَةُ، تَفرَّدَ به أبو قُرَّةَ".

ص: 151

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ زَمْعَةَ بنِ صالحٍ؛ قال عنه الحافظ: "ضعيفٌ"(التقريب 2035).

ومع ضعْفِ زَمْعَةَ، فقد خالَفَ روايةَ الجماعةِ؛ إذْ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ فَوْقَ النَّعْلِ، والمشهورُ كما تقدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَسَلَ قَدَمَيْهِ وهُمَا في النَّعْلِ.

رِوَايَة: وَنَضَحَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم [دَعَا بِمَاءٍ، فَـ]ـتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَنَضَحَ (وَانْتَضَحَ))).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وزيادةُ النَّضْحِ مُنكَرةٌ، وأَعَلَّها البَزَّارُ، وأشارَ البَيْهَقيُّ وابنُ عبدِ الهادِي إلى إعلالها، واستَغرَبَها ابنُ دَقيقٍ.

[التخريج]:

[مي 729 (واللفظ له) / بز 5280 (والرواية له) / هق 772/ منذ 154 (والزيادة له) / بغا 25/ حداد 276].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ له طريقان:

[السند]:

رواه الدَّارِميُّ، قال: أخبرنا قَبِيصةُ، أنبأ سفيانُ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن

ص: 152

عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

ورواه البَزَّارُ، وابنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقيُّ، والباغَنْديُّ، والحَدَّادُ، من طريقِ قَبِيصةَ، عن سفيانَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، لكنه ضعيفٌ؛ لأن قَبِيصةَ وإن كان ثقةً مِن رجالِ الشيخينِ فإنه ضعيفٌ في روايتِهِ عن سفيانَ الثَّوْريِّ خاصَّةً؛ قال ابنُ مَعِينٍ:"قَبِيصةُ ثقةٌ في كلِّ شيءٍ إلا في حديثِ سفيانَ ليس بذاكَ القويِّ؛ فإنه سَمِع منه وهو صغيرٌ"، وقال صالحُ بنُ محمدٍ الحافظُ:"كان رجلًا صالحًا، إلا أنهم تَكَلَّموا في سماعه من سفيانَ"، انظر (تهذيب التهذيب 8/ 347 - 349).

وقد تَفرَّدَ قَبِيصةُ في روايتِهِ عن سفيانَ بزيادةِ نَضْحِ الفرْجِ في متنه دُونَ مَن رواه مِن أصحابِ سفيانَ الثِّقاتِ.

ولذا قال البَزَّارُ: "وأمَّا حديثُ قَبِيصةَ: ((أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَانْتَضَحَ))، فأخطأَ فيه، إنما كان نَضَحَ قَدَمَيْهِ، فحَمَلَهُ على نَضْحِ الفرْجِ إذِ اختَصَرَهُ"(مسند البَزَّارِ 11/ 426).

وقال البَيْهَقيُّ: "قولُه: (وَنَضَحَ) تَفرَّدَ به قَبِيصةُ عن سفيانَ، ورواه جماعةٌ عن سفيانَ دُونَ هذه الزيادةِ"(السنن الكبرى 772)

(1)

.

(1)

وجاء كلامُ البَيْهَقيِّ -كما هي عادةُ نُسَّاخِ كُتُبِه- مُصَدَّرًا بقولهم: ((قال الإمامُ أحمدُ))، وهم يَعْنون: أحمدَ بنَ الحُسينِ البَيْهَقيَّ، وَظَنَّهُ مُغْلَطايُ في (شرح ابن ماجَهْ 1/ 497)، الإمامَ أحمدَ بنَ حَنبَلٍ، فلم يُصِبْ. والبَيْهَقيُّ إذا نَقَل عن أحمدَ بنِ حَنبَل، بل إذا نَقَل عنِ الشافعيِّ -وهو إمامُ مَذهَبِه- لا يقولُ:(قال الإمام)، إنما يقول: قال الشافعيُّ، قال أحمدُ بنُ حَنبَل، وهكذا

والله تعالى أعلم.

ص: 153

وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "قولُه: ((تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)) من هذا الطريقِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ صحيحٌ مُخَرَّجٌ. و ((نَضَحَ)) زيادةٌ مُستَفادةٌ من هذا الكتابِ غريبةٌ"(الإمام 2/ 86).

إلا أنه قال في (الإلمام 62): "رجالُ إسنادِه رجالُ الصحيحِ"، وبنحوه في (الإمام 2/ 86).

وأشارَ ابنُ عبدِ الهادِي إلى إعلالها، فقال:"وهؤلاء رجالُ الصحيحِ، ورواه -أي: الدَّارِميُّ- عن أبي عاصمٍ، عن سفيانَ، ولم يَقُلْ: وَنَضَحَ"(المحرر في الحديثِ 65).

وقال أيضًا: "وقد رواه البُخاريُّ في (صحيحه)، عن الفِرْيابيِّ، عن الثَّوْريِّ، ولم يَذْكُرِ النَّضْحَ"(تعليقة على العلل لابن أبي حاتم صـ 63).

قلنا: وممن رواه عن سفيانَ دُونَ هذه الزيادةِ: القَطَّانُ، ووَكِيعٌ، وهُمَا الطبقةُ الأُولى من أصحابِهِ. وكذا رواه أبو عاصمٍ عند الدَّارِميِّ، والفِرْيابيُّ عند البُخاريِّ، دُونَ ذِكْرِ النَّضْحِ.

وقَبِيصةُ لا يُحتمَلُ منه هذا التَّفَرُّدُ؛ لِمَا أَسلَفْناه مِن ضعْفِه في سفيانَ خاصَّةً.

وعليه؛ فهذه الزيادةُ مُنكَرةٌ في هذا الحديثِ.

وأمَّا مُغْلَطايُ فقد صَحَّحَ إسنادَهُ، وأشارَ إلى شُذوذِ هذه الزيادةِ، بقوله:"وهو في صحيحِ البُخاريِّ بغيرِ هذه الزيادةِ"(شرحه على ابن ماجَهْ 1/ 497).

وكذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ، وزاد:"على شرطِ الشيخينِ"(صحيح أبي داود 1/ 296)، ولم يَتعرَّضَا لكَوْنِ قَبِيصةَ قد ضُعِّفَ في سفيانَ خاصَّةً! .

ص: 154

وأمَّا تفرُّدُهُ بهذه الزيادةِ دُونَ أصحابِ سفيانَ، فقد أجابَ عنه الألبانيُّ، فقال:"ولكنها زيادةٌ مِن ثقةٍ، غيرُ منافيةٍ لروايةِ الجماعةِ؛ فيَجِبُ قَبولُها"(صحيح أبي داود 1/ 296).

قلنا: كذا قال، وفيه نظرٌ؛ فإن قَبِيصةَ في هذه الحالةِ ليس بثقةٍ؛ لأنه ضعيفٌ في سفيانَ خاصَّةً كما قدَّمْناه. ولو سَلَّمْنا جدَلًا بكونه ثقةً هنا، لكانت روايتُه هذه أَوْلَى بالشُّذوذِ مِنَ القَبولِ؛ لتفرُّدِه دُونَ أصحابِ الثَّوْريِّ المُقَدَّمينَ فيه، والله أعلم.

وقد رُوِيَتْ هذه الزيادةُ من طريقٍ آخَرَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، ولكنه واهٍ جدًّا، كما سنُبَيِّنُه في الروايةِ التاليةِ.

رِوَايَة: وَنَضَحَ فَرْجَهُ مَرَّةً

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَنَضَحَ فَرْجَهُ مَرَّةً)).

[الحكم]:

مُنكَرٌ، قاله أبو حاتمٍ الرَّازيُّ.

[التخريج]:

[فوائد الأَصبَهانيِّين لأبي الشيخ (مُغْلَطاي 1/ 498) / متفق 824 (واللفظ له) / مستمر صـ 200].

[التحقيق]:

انظره عَقِبَ الروايةِ الآتية.

ص: 155

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مُطَوَّلَةٍ، بِلَفْظ: ((بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ خَالَتِي، وَكَانَتْ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَغْفَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنِمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَإِلَيْكَ فَوَّضْتُ أَمْرِي، آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلْتَ وَبِمَا جاءتْ بِهِ الرُّسُلُ، صَدَقَ اللهُ وَبَلَّغَ المُرْسَلُونَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَغْفَى هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَنَضَحَ فَرْجَهُ بِالمَاءِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقَرَأَ سُورَةَ المَائِدةِ، وَالنَّحْلِ، وَإِنَّا فَتَحْنَا، ثُمَّ رَقَدَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ دُونَ ذَلِكَ الوُضُوءِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا

)) وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ.

[الحكم]:

مُنكَرٌ، قاله أبو حاتمٍ الرَّازيُّ.

[التخريج]:

[علحا 459].

[السند]:

رواه أبو الشيخِ في (فوائد الأَصبَهانيِّين) -كما في (الإمام لابن دقيق 2/ 79)، و (شرح ابن ماجَهْ لمُغْلَطاي 1/ 498) -: عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ زكريا، عن محمدِ بنِ بُكَيرٍ، عن مَحْبوبِ بنِ محرزٍ، عن إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ فَرُّوخَ، عن أبيه، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

ورواه الخطيبُ في (المتفق)، وابنُ ماكُولا في (تهذيب مستمر الأوهام): من طريقِ محمدِ بنِ بُكَيرٍ الحَضْرَميِّ، عن مَحْبوبِ بنِ مُحْرِزٍ، عن إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ فَرُّوخَ

(1)

القُرَشيِّ، عن أبيه، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

(1)

تصحَّف في (تهذيب مستمر الأوهام) إلى: (فروج (.

ص: 156

قال أبو الشيخِ: "هذا حديثٌ لم يَروِه إلا مَحْبوبُ بنُ مُحْرِزٍ، تفرَّدَ به".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: مَحْبوبُ بنُ مُحْرِزٍ؛ وهو: " لَيِّنُ الحديثِ" كما في (التقريب 6494).

وفَرُّوخُ مولى عُمَرَ مجهولُ الحالِ، لم يُوَثِّقْهُ مُعتبَر، إنما ذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 5/ 299) على قاعدته.

وابنُه إبراهيمُ بنُ فَرُّوخَ: مجهولٌ، كما قال قال أبو حاتم في (العلل 459).

ولكنه لم ينفردْ به كما قال أبو الشيخِ، بل تابَعَه عليُّ بنُ يَزيدَ الصُّدَائيُّ، و"فيه لِينٌ" أيضًا (التقريب 4816).

فقد قال ابنُ أبي حاتم: "سألتُ أَبي عن حديثٍ رواه الحُسينُ بنُ عليِّ بنِ يَزيدَ الصُّدَائيُّ، عن أبيه، عن إبراهيمَ بنِ فَرُّوخَ مولى عُمَرَ بنِ الخطَّاب، عن أبيه، عنِ ابنِ عبَّاسٍ

فذَكَرَه مُطَوَّلًا، ثُمَّ قال:"قال أَبي: هذا حديثٌ مُنكَرٌ، وإبراهيمُ هذا هو مجهولٌ"(العلل 459).

فهذه هي عِلَّةُ الحديثِ: جهالةُ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ فَرُّوخَ.

والمحفوظُ في هذا البابِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ موقوفًا عليه من قولِهِ؛ أخرجه مُسَدَّدٌ في (مسنده) -كما في (المطالب 12)، و (الإتحاف 578) - قال: حدثنا سَلَّامُ بنُ أَبي مُطِيعٍ، عن منصورِ بنِ المُعتَمِرِ، عن المِنْهالِ بنِ عَمرٍو، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، قال: قال ابنُ عبَّاسٍ: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْخُذْ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَلْيَنْضَحْ بِهَا فَرْجَهُ، فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ فَلْيَقُلْ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ)).

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه رجالُ الشيخينِ إلا المِنْهالَ بنَ عَمرٍو؛ فإنه من

ص: 157

رجالِ البُخاريِّ فقط.

ولذا صَحَّحَهُ الحافظُ في (المطالب العالية 36/ 1). وقال البُوصيريُّ: "رجالُهُ ثقاتٌ"(إتحاف الخِيَرة 578).

* * *

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ

)) -فَذَكَرَ الحَدِيثَ- كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ. وَضَعَّفَهُ: ابنُ الجَوزيِّ، والألبانيُّ. والمحفوظُ في حديثِ ابن عبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وأمَّا الوُضوءُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا -عدا مَسْحَ الرَّأسِ-، فقد ثَبَتَ في غيرِ هذا الحديثِ، كحديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.

[التخريج]:

[د 132 (واللفظ له) / حم 3490 (مُطَوَّلًا) / طب (12/ 70/ 12504) / هقخ 250/ طهور 83، 292، 336، 352/ تهجد 387 (مُطَوَّلًا) / تمهيد (4/ 38 - 39)].

[السند]:

أخرجه أحمدُ (3490)، عن يَزيد بنِ هارونَ، أخبرنا عَبَّادُ بنُ منصورٍ، عن عِكْرِمةَ بنِ خالدٍ المَخْزوميِّ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به مُطَوَّلًا جدًّا بقصةِ بَيَاتِ ابنِ عبَّاسٍ عند خالتِهِ ميمونةَ.

ص: 158

ورواه أبو داودَ -ومن طريقِه البَيْهَقيُّ-: عن الحسنِ بنِ عليٍّ، عن يَزيدَ بنِ هارونَ، به.

ومدارُه -عندَهم- على عَبَّادِ بنِ منصورٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عَبَّادُ بنُ منصورٍ؛ ضعَّفَه غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ، منهم: ابنُ مَعِينٍ، وأحمدُ، وأبو حاتم، والنَّسائيُّ، وغيرُهم، ورمَاه أحمدُ وغيرُه بالتدليسِ، انظر (تهذيب التهذيب 5/ 103 - 105).

وقال ابنُ حِبَّانَ: "وكلُّ ما رَوَى عن عِكْرِمةَ سمِعَه مِن إبراهيمَ بنِ أبي يحيى عن داودَ بنِ الحُصَينِ، فدَلَّسَها عن عِكْرِمةَ"(المجروحين 2/ 156).

وقال أبو حاتم: "كان ضعيفَ الحديثِ، يُكتَبُ حديثُهُ، ونرَى أنه أَخَذَ هذه الأحاديثَ عنِ ابنِ أبي يحيى عن داودَ بنِ حُصَينٍ عن عِكْرِمةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ"(الجرح والتعديل 6/ 86).

قال ابنُ الجَوزيِّ: "حديثٌ يرويه عَبَّادُ بنُ منصورٍ، وقد ضعَّفَه يحيى والنَّسائيُّ"(التحقيق 1/ 150).

والحديثُ ذَكَرَه ابنُ دَقيقٍ، ثُمَّ قال:"وعَبَّادُ بنُ منصورٍ تَكَلَّم فيه غيرُ واحدٍ، منهم النَّسائيُّ، وقال: "ضعيفٌ، وقد كان تَغَيَّرَ". وفي روايةٍ عن يحيى بنِ سعيدٍ أنه قال:"ثقةٌ، لا ينبغي أن يُترَكَ حديثُه لرأيٍ أَخطأَ فيه"(الإمام 1/ 574).

وكذلك ذَكَرَه الزَّيْلَعيُّ في (نَصْب الراية 1/ 21)، ثُمَّ قال:"عَبَّادُ بنُ منصورٍ فيه شيءٌ".

وذَكَرَه في موضعٍ آخَرَ، ثُمَّ قال:"وعَبَّادُ بنُ منصورٍ فيه مقالٌ" (نَصْب الراية

ص: 159

1/ 31).

وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ رجالُ البُخاريِّ؛ غيرَ عَبَّادِ بنِ منصورٍ؛ وهو عِلَّةُ الحديثِ، قال المصنِّف: وَلِيَ قَضَاءَ البَصرةِ خمسَ مرَّاتٍ، وليسَ بذاكَ؛ وعندَه أحاديثُ فيها نكارةٌ، وقالوا: تَغَيَّرَ. وقال ابنُ حِبَّانَ: وكلُّ ما رَوَى عن عِكْرِمةَ سمِعَه مِن إبراهيمَ بنِ محمد بنِ أبي يحيى عن داودَ بنِ الحُصَينِ عنه، فدَلَّسها عن عِكْرِمةَ. وذَكَرَ نحوَه أبو حاتم، وقال: كان ضعيفَ الحديثِ، يُكتَبُ حديثُه. فإذا كانتْ أحاديثُه عن عِكْرِمةَ مدارُها كلّها -بشهادة هذين الإمامين- على إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ أبي يحيى؛ فهي أحاديثُ ضعيفةٌ جدًّا؛ لأن ابنَ أبي يحيى متروكٌ، اتَّهَمَه غيرُ واحدٍ بالكذبِ. نعم، الحديثُ صحيحٌ مِن غيرِ هذه الروايةِ

ثُمَّ إن مما يَدُلُّ على ضعْفِ هذا الحديثِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أن الثابتَ عنه في صفةِ وُضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، كما أخرجه البُخاريُّ وغيرُهُ" (ضعيف أبي داود 1/ 42).

قلنا: نعم، ولكن الظاهر مِن إطلاقِ أبي حاتم وابنِ حِبَّانَ أنهما أَرادَا حديثَهُ عن عِكْرِمةَ القُرَشيِّ مولى ابنِ عبَّاسٍ، وليس عِكْرِمة بن خالدٍ المَخْزُومي، وقد صَرَّحَ عَبَّادُ بالسماعِ من عِكْرِمةَ بنِ خالدٍ كما عند أحمدَ في الحديثِ رقم (3502)، وسيأتي في باب:"لا وُضوءَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في النومِ خاصَّة".

والحديثُ أشارَ إلى تضعيفِه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 1/ 442).

ص: 160

رِوَايَة: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ خَالَتِي

وَفِيهِ نَضْحُ الفَرْجِ.

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: ((بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ خَالَتِي

)) فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَفِيهِ: ((

فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَنَضَحَ فَرْجَهُ بِالمَاءِ

)).

[الحكم]:

منكَرٌ، وحَكَمَ عليه أبو حَاتمٍ بالنكارةِ.

[التخريج]:

[علحا 459].

[السند]:

ذَكَرَه ابنُ أبي حاتم في (العِلَلِ): من طريقِ الحُسينِ بنِ عليِّ بنِ يَزيدَ الصُّدَائيِّ، عن أبيه، عن إبراهيمَ بنِ فَرُّوخَ مولى عُمَرَ بنِ الخطابِ، عن أبيه، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عليُّ بنُ يَزيدَ الصُّدَائيُّ؛ وفيه لِينٌ، كما في (التقريب 4816).

وإبراهيمُ بنُ فَرُّوخَ؛ مجهولٌ.

قال أبو حاتم: "هذا حديثٌ مُنكَرٌ، وإبراهيمُ هذا هو مجهولٌ"(علل ابن أبي حاتم 459).

وأبوه فَرُّوخُ مولى عُمرَ مجهولُ الحالِ، لم يُوَثِّقْه مُعتبَر، إنما ذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 5/ 299) على قاعدته.

ص: 161

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ بِلَفْظ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ. والمحفوظُ في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ((تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً))، كما سبقَ بيانُهُ.

[التخريج]:

[معر 137].

[السند]:

رواه ابنُ الأعرابيِّ في (معجمه): عن محمدِ بنِ سُلَيمانَ الباغَنْديِّ، قال: سألتُ أبا عاصمٍ، فحدَّثَني عن مالكٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: محمدُ بنُ سُلَيمانَ الباغَنْديُّ؛ وهو مُتكلَّمٌ فيه. انظر: (لسان الميزان 6863).

وقد أشارَ ابنُ عَدِيٍّ إلى ضعْفِ الحديثِ، فقال:"وهذا الحديثُ يُروَى عن أبي عاصمٍ النَّبيلِ أيضًا عن مالكٍ، وليس في (الموطأ) "(الكامل 4/ 257).

والمحفوظُ في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ((تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً))، كما سبقَ بيانُه.

ص: 162

1592 -

حَدِيثٌ آخَرُ لِابْنِ عبَّاسٍ:

◼ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَطَهَّرُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ إِنَاءٌ قَدْرَ المُدِّ، وَإِنْ زَادَ فَقَلَّ مَا يَزِيدُ، وَإِنْ نَقَصَ فَقَلَّ مَا يَنْقُصُ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَكَذَا التَّطَهُّرُ؟ قَالَ:«هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وأشارَ إلى ضَعْفِه: الطَّبَرانيُّ، والهيثَمِيُّ.

[التخريج]:

[طس 2277].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا أحمدُ بنُ إسماعيلَ الوَسَاوِسيُّ البَصريُّ، قال: نا شَيْبانُ بنُ فَرُّوخَ، قال: نا نافِعٌ أبو هُرْمُزَ، عن عَطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: نافِعٌ أبو هُرْمُزَ؛ متروكٌ. انظر: (لسان الميزان 8093).

ولذا قال الهيثَمِيُّ: "رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط)، وفيه: نافِعٌ أبو هُرْمُزَ؛ وهو ضعيفٌ جدًّا"(مجمع الزوائد 1177).

الثانية: أحمدُ بنُ إسماعيلَ الوَسَاوِسيُّ، شيخُ الطَّبَرانيِّ؛ مجهولُ الحالِ. انظر:(تراجم شيوخ الطَّبَرانيّ 73).

ص: 163

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذه اللفظةَ عن عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في تخليل اللِّحيةِ في الوُضوءِ، إلا نافعٌ أبو هُرْمُزَ. تفرَّدَ به شَيْبانُ".

وقال الهيثَمِيُّ: "في الصحيحِ وغيرِه أحاديثُ بغيرِ هذا السياقِ"(مجمع البحرين 413).

ص: 164

1593 -

حَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ:

◼ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: جَلَسَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بَعْدَمَا صَلَّى الفَجْرَ فِي الرَّحَبَةِ، ثُمَّ قَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنِي بِطَهُورٍ. [فَقُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى؟ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَنَا، ] 1 فَأَتَاهُ الغُلَامُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ -قَالَ عَبْدُ خَيْرٍ: وَنَحْنُ جُلُوسٌ نَنْظُرُ إِلَيْهِ-، فَأَخَذَ بِيَمِينِهِ الإِنَاءَ فَأَكْفَأَهُ عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ اليُمْنَى الإِنَاءَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، فَعَلَهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ -قَالَ عَبْدُ خَيْرٍ: كُلُّ ذَلِكَ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ [جَمَعَ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ] 2 [بِكَفٍّ وَاحِدٍ] 3 وَنَثَرَ بِيَدِهِ اليُسْرَى، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [فمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ فِيهِ

(1)

]

4 [المَاءَ] 5، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى المِرْفَقِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى المِرْفَقِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ حَتَّى غَمَرَهَا المَاءُ، ثُمَّ رَفَعَهَا بِمَا حَمَلَتْ مِنَ المَاءِ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدِهِ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ [مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ] 6 بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا مَرَّةً، ثُمَّ صَبَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى قَدَمِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ غَسَلَهَا بِيَدِهِ اليُسْرَى، ثُمَّ صَبَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى قَدَمِهِ اليُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَهَا بِيَدِهِ اليُسْرَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فَغَرَفَ

(1)

المراد بالاستِنثارِ هنا الاستِنشاقُ، قال صاحب (عون المعبود 1/ 131): "أي: استَنشقَ مِن الكفِّ اليُمنى، وأمَّا الاستِنثارُ فمِنَ اليدِ اليُسْرَى كما في رواية النَّسائيِّ والدَّارِميِّ مِن طريقِ زائدةَ

وفيه: ((فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِهِ اليُسْرَى)) ". فلا مخالفةَ بيْن هذه الروايةِ وروايةِ زائدةَ. والله أعلم ..

ص: 165

بِكَفِّهِ فَشَرِبَ، ثُمَّ قَالَ:«هَذَا طُهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى طُهُورِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَذَا طُهُورُهُ» .

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ. وقال ابنُ المَدِينيِّ: "إسنادُهُ صالحٌ". وَصَحَّحَهُ: التِّرْمِذيُّ، وابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ، وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ -وأقَرَّه ابنُ القَطَّانِ-، ومُغْلَطايُ، وابنُ المُلَقِّنِ، وأحمدُ شاكر، والألبانيُّ. وأَثنَى الإمامُ أحمدُ على روايةِ زائِدةَ هذه.

[التخريج]:

[د 110 (مختصرًا، والزيادة الأولى والرابعة له)، 111 (والزيادة السادسة له)، 112/ ت 49 مختصرًا/ ن 94 مختصرًا، 95 (والزيادة الخامسة له)، 96 (والزيادة الثالثة له)، 97/ كن 77، 83، 94، 99، 161، 163، 164، 169/ جه 408 مختصرًا/ حم 876، 989، 1133 (واللفظ له)، 1324/ عم 910، 998، 1008، 1027/ مي 719، 720/ خز 157/ حب 1051، 1074/ طي 149/ ش 55، 60، 176، 401، 408/ عل 286، 500، 535/ بز 791 - 793/ جا 67/ أسلم 4 (والزيادة الثانية له) / قط 299، 369، 425/ علقط 472/ علحا 145/ هق 213، 221، 232، 233، 264، 271، 319، 74351/ طح (1/ 34/ 156) / طحق 18/ ضيا (2/ 280، 281/ 659 - 661)، (2/ 284، 285/ 664 - 667) / بغ 222/ ضح 169/ منذ 352، 360، 378، 389/ طهور 75، 127، 132، 276، 290، 335، 341، 347/ نو 15، 16/ عين 15/ خطل (1/ 567 - 571) / كما (8/ 135) / أثرم 36، 37/ طيل 326/ شافي (مغني 1/ 169)].

ص: 166

[السند]:

أخرجه أبو داودَ (111)، قال: حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أبو عَوَانةَ.

وأخرجه أحمدُ (1133)، وأبو داودَ (112)، من طريقِ زائدةَ بنِ قُدَامةَ.

كلاهما عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عَبْدِ خَيْرٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ رجالُ البُخاريِّ غيرَ خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، وعَبْدِ خَيْرٍ، وهُمَا ثقتان.

فأمَّا عَبْدُ خَيْرٍ، فَوَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، والعِجْليُّ، وابنُ حِبَّانَ. وسُئِل أحمدُ عن الثَّبْتِ في عليٍّ؟ فذَكَرَ عَبْدَ خَيْرٍ فيهم. (تهذيب التهذيب 6/ 124). وقال الحافظُ:"مُخَضرمٌ ثقةٌ، من الثانيةِ، لم يَصِحَّ له صُحبةٌ"(التقريب 3781).

وأمَّا خالدُ بنُ عَلْقَمةَ؛ فَوَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، والنَّسائيُّ. وقال أبو حاتم:"شيخٌ"(تهذيب التهذيب 3/ 108)، وذَكَرَه ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 260). وقد رَوَى عنه جماعةٌ منَ الأئمةِ، كشُعبةَ، وسفيانَ، وأبي عَوَانةَ، وزائدةَ بنِ قُدَامةَ، وأبي الأَحْوَصِ، وغيرِهم. فلا ندري لِمَ لَيَّنَ توثيقَه الذَّهَبيُّ في (الكاشف 1342) بقوله:"وُثِّقَ"، وكذا لم يُصِبِ الحافظُ في (التقريب 1659) في قوله:"صدوقٌ".

وقد تُوبِع، تابَعَه الحسنُ بنُ عُقْبةَ عند الدَّارِميِّ (720) وغيرِه، كما سيأتي قريبًا.

ولذا صَحَّحَ هذا الحديثَ جماعةٌ منَ العلماءِ:

فقال ابنُ المَدِينيِّ: "وأمَّا حديثُ عَبْدِ خَيْرٍ عن عليٍّ في الوضوءِ: فهذا

ص: 167

حديثٌ كوفيٌّ، وإسنادُهُ صالحٌ" (موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 78).

وقال التِّرْمِذيُّ: "هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ".

وَصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ؛ فأخرجاه في صحيحيهما.

وَصَحَّحَهُ عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ؛ حيث ذَكَرَه في (الأحكام الصغرى 1/ 117)، وقد اشتَرطَ فيه الصحةَ، وكذا ذَكَرَه في (الأحكام الوسطي 1/ 167) وسكتَ عنه؛ فهو صحيحٌ على شرطه أيضًا. وأقَرَّه ابنُ القَطَّان في (بيان الوهم والإيهام 5/ 593).

وَصَحَّحَهُ أيضًا: النَّوَويُّ في (المجموع 1/ 358) و (خلاصة الأحكام 1/ 98)، ومُغْلَطايُ في (شرح سنن ابن ماجَهْ 1/ 247)، وابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 117 - 118)، وأحمد شاكر في (تحقيقه للمسند 876).

وقال الألبانيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ، رجالُه رجالُ البُخاريِّ غيرَ خالدِ بن عَلْقَمةَ وعَبْدِ خَيْرٍ؛ وهما ثقتان اتفاقًا"(صحيح أبي داودَ 100).

وقال البَغَويُّ: "هذا حديثٌ حسَنٌ"(شرح السنة 222).

وأثنَى الإمام أحمدُ على روايةِ زائِدةَ لهذا الحديثِ، فقال له الأَثْرَمُ: ((يَتمَضْمَضُ الرجلُ ويَستَنشِقُ مِن غَرْفةٍ واحدةٍ؟ قال: نعم، فعاوَدْتُه، قال: نعم؛ لحديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

وذَكَرَ حديثَ عبدِ اللهِ بنِ زيد مِن حديثِ خالدٍ الواسطيِّ. قلت: وفي حديثِ عليٍّ شريكٌ يقولُه؟ قال: زائدةُ جَوَّدَهُ)) (سنن الأثرم 40).

قلنا: وقد رواه شُعبةُ، فقال:((عن مالكِ بنِ عُرْفُطةَ، عن عَبْدِ خَيْرٍ)). أخرجه النَّسائيُّ وغيرُه.

ص: 168

وقد أخطأَ فيه شُعبةُ، وتابَعَه أبو عَوَانةَ -أوَّلَ الأمرِ-، قال ابنُ المَدِينيِّ:"وأمَّا حديثُ عَبْدِ خَيْرٍ عن عليٍّ في الوُضوءِ: فهذا حديثٌ كوفيٌّ، وإسنادُهُ صالحٌ، رواه مَشيَخةٌ عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، لم يَبْلُغْنا عنهم إلا خيرٌ، منهم: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ، فرواه عنه زائدةُ وشَرِيكٌ وشُعبةُ، وكان -أي: شُعبةُ- يُخالِفُهم في الاسمِ؛ يقول: مالكُ بنُ عُرْفُطةَ. ورواه أبو عَوَانةَ، وكان زمانًا -فيما بلَغَني عنه- يرويه عن هذا الشيخِ، ويقول: مالكُ بنُ عُرْفُطةَ -كما قال شُعبةُ-، ثُمَّ رَجَعَ أبو عَوَانةَ إلى كتابِهِ فوجَدَهُ: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ"(الموضح 2/ 78 - 79).

وقال التِّرْمِذيُّ: "ورَوَى شُعبةُ هذا الحديثَ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، فأخطأَ في اسمه، واسمِ أبيه، فقال: مالكُ بنُ عُرْفُطَةَ. ورُوِيَ عن أبي عَوَانةَ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عَبْدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ. ورُوِيَ عنه، عن مالكِ بنِ عُرْفُطةَ، مِثْلَ روايةِ شُعبةَ. والصحيحُ: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ"(السنن 49).

وقال أبو داودَ في السنن -رواية ابنِ العَبْدِ-: "قال أبو عَوَانةَ يومًا: حدثنا مالكُ بنُ عُرْفُطةَ، عن عَبْدِ خَيْرٍ. فقال له عَمرٌو الأَعْصَفُ: رحِمك اللهُ يا أبا عَوَانةَ، هذا خالدُ بنُ عَلْقَمةَ، ولكن شُعبة مُخطِئٌ فيه! فقال أبو عَوَانةَ: هو في كتابي: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ، ولكنْ قال شُعبةُ: هو مالكُ بنُ عُرْفُطةَ. قال أبو داودَ: حدثنا عَمرُو بنُ عَوْنٍ؛ قال: حدثنا أبو عَوَانةَ، عن مالكِ بنِ عُرْفُطةَ. قال أبو داودَ: وسَماعُهُ قديمٌ. قال أبو داودَ: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا أبو عَوَانةَ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، وسَماعُه متأخِّرٌ، كان بعد ذلك رجَعَ إلى الصوابِ"(تحفة الأشراف 7/ 417)، وأثبَتَه محقِّقو طبعةِ التأصيلِ في الحاشية (2/ 102) من عِدَّةِ نُسَخٍ.

قال الخطيبُ: "فيُشْبِهُ أن يكون أبو عَوَانةَ كان يتابِعُ شُعبةَ على روايته عن

ص: 169

مالكِ بنِ عُرْفُطةَ، ثُمَّ تَبيَّنَ له أن الصوابَ: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ، فرجَعَ إليه في آخِرِ أمْرِه، والله أعلم" (الموضح 2/ 78 - 79).

وقال أحمدُ ويحيى: "كان أبو عَوَانةَ مع ثقته وإتقانِه، يَفْزَعُ مِن شُعبةَ، فأخطأَ شُعبةُ في حديثِ الوُضوءِ، فرَوَى عن الحَكَمِ، عن خالدِ بنِ عُرْفُطةَ! وإنما هو خالدُ بنُ عَلْقَمةَ، فتابَعَه أبو عَوَانةَ على (خطئِه)، فرواه كذلك"(الكامل لابن عَدِيٍّ 5/ 376 - 377).

وقال أحمدُ أيضًا: "كان شُعبةُ حَدَّثَ به عن خالدِ بنِ عُرْفُطةَ، فلمَّا أُخبِرَ أبو عَوَانةَ تابَع شُعبةَ، فقال: خالدُ بنُ عُرْفُطةَ. وقال: لعلَّ شُعبةَ أحفظُ له مني. فلما قيلَ له: إن شُعبةَ أخطأَ فيه، رجَعَ إلى قولِهِ الأوَّلِ، فقال: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ"(مسائل أحمدَ - رواية ابن هانئ 2366).

وقال مُغْلَطايُ: "ورواه شُعبةُ فقال: عن مالكِ بنِ عُرْفُطةَ، ووهَّمَه في ذلك أبو داودَ، والنَّسائيُّ، والإمامُ أحمدُ، ومسلمٌ في كتاب (شرْح شُعبة) مِن تأليفه، والبَزَّارُ، وقال: قد رواه غيرُ واحدٍ عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ"(شرح ابن ماجَهْ 1/ 353).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "قال البُخاريُّ، وأحمدُ، وأبو حاتم، وابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات)، وجماعةٌ: وهِمَ شُعبةُ في تسميته، حيثُ قَالَ: مالكُ بنُ عُرْفُطةَ. وعابَ بعضُهم على أبي عَوَانةَ كوْنَه كان يقول: خالدُ بنُ عَلْقَمةَ مِثْلَ الجماعة، ثُمَّ رجَعَ عن ذلك حيث قيل له: إن شُعبةَ يقولُ: مالكُ بنُ عُرْفُطةَ، واتَّبَعَه، وقال: شُعبةُ أَعلَمُ مِنِّي"(التهذيب 3/ 108، 109).

[تنبيهان]:

الأول:

ذَكَرَ الخطيبُ أن غَسْلَ اليدِ ثَلَاثًا قَبْلَ المضمضةِ في روايةِ شُعبةَ لهذا

ص: 170

الحديثِ مُدْرَجٌ، أدرَجَهُ بعضُ مَن رَواه عن شُعبةَ، قال:"وليس هو عند شُعبةَ عن مالكٍ، وإنما هو عنده عن سفيانَ الثَّوْريِّ، بيَّنَ ذلك محمدُ بنُ أبي عَدِيٍّ في روايتِهِ هذا الحديث عن شُعبةَ"(الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 568 - 570).

الثاني:

قال مُغْلَطايُ: "ورواه النَّسائيُّ في (مسند عليٍّ) مُطَوَّلًا: ((فَمَلَأَ فَمَهُ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَنَثَرَ بِيَدِهِ اليُسْرَى، يَفْعَلُ هَذَا مِرَارًا))، في الحديثِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، وكذا ذَكَرَه أحمدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ في (مسنده) "(شرح ابن ماجَهْ 1/ 353).

قلنا: ولم نَقِفْ على (مسندِ أحمدَ بنِ سِنان)، ولا (مسندِ عليٍّ) للنَّسائيِّ، والذي في (سننِ النَّسائيِّ) مُقَيَّد بثلاثِ مَرَّاتٍ، وكذا في مصادرِ الحديثِ كلِّها.

* * *

ص: 171

رِوَايَةُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: دَعَانِي أَبِي عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ، فَقَرَّبْتُهُ لَهُ؛ فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وَضُوئِهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى المِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ اليُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ اليُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَقَالَ: نَاوِلْنِي، فَنَاوَلْتُهُ الإِنَاءَ الَّذِي فِيهِ فَضْلُ وَضُوئِهِ، فَشَرِبَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ قَائِمًا، فَعَجِبْتُ، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ:((لَا تَعْجَبْ؛ فَإِنِّي رَأَيتُ أَبَاكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ مِثْلَ مَا رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ))، يَقُولُ لِوَضُوئِهِ هَذَا، وَشَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ قَائِمًا.

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ: ابنُ الجَزَريِّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 98 (واللفظ له) / كن 122/ عب 123/ بز 510/ تخ (4/ 242) / مشكل 2103/ طح (4/ 273/ 6839) / صالح 1596/ لي (رواية ابن يحيى البيع 203) / مقرئ (الأربعون 21) / ضيا (2/ 51/ 431) / مناقب 73].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ يرويه ابنُ جُرَيجٍ، واختُلفَ عليه فيه؛

فرواه النَّسائيُّ في (الصغرى والكبرى) -ومن طريقِه الضِّياءُ، وابنُ الجَزَري-، قال: أخبرنا إبراهيمُ بنُ الحسنِ المِصِّيصيُّ، قال: حدثنا حَجَّاجٌ، قال: قال ابنُ جُرَيجٍ: حدثني شَيْبةُ، أن محمدَ بنَ عليٍّ أخبره، قال: أخبرني أبي عليٌّ، أن

ص: 172

حسينَ بنَ عليٍّ: قال:

فذكره.

وعلَّقه أبو داودَ عن حَجَّاجٍ (السنن 1/ 29).

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غيرَ إبراهيمَ بنِ الحسنِ وشَيْبةَ، فأما إبراهيمُ فمِن رجالِ أبي داودَ والنَّسائيِّ، وهو ثقةٌ؛ وثَّقَه النَّسائيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وقال أبو حاتم:"صدوقٌ"(تهذيب التهذيب 1/ 114).

وأما شَيْبةُ فمن رجالِ النَّسائيِّ وحدَه، قال المِزِّيُّ:"هو شَيْبةُ بنُ نِصَاحٍ"(التحفة 7/ 366).

وابنُ نِصَاحٍ هذا ثقةٌ؛ وَثَّقَهُ: ابنُ مَعِينٍ، وابنُ نُمَيْرٍ، والنَّسائيُّ، وابنُ حِبَّانَ، كما في (تهذيب التهذيب 4/ 378). وَوَثَّقَهُ أيضًا ابنُ سعدٍ في (الطبقات 7/ 508)، وكذا الحافظُ في (التقريب 2839).

ولذا قال ابنُ الجَزَريِّ عَقِبَه: "هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ".

وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داودَ 1/ 200).

ولكن فرَّقَ البُخاريُّ في (التاريخ 4/ 241، 242) وابنُ أبي حاتم في (الجرح 4/ 335، 336) بين ابنِ نِصاحٍ وبيْن شيخِ ابنِ جُرَيجٍ هذا، فلم يَذْكُرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 445) بعدما ذكر ابنُ نِصاحٍ (4/ 368، 6/ 444)، فقال:"شَيْبة، شيخ يروي عن أبي جعفر محمد بن عليِّ بن الحسين. روَى عنه ابنُ جُرَيجٍ، إن لم يكن ابنَ نِصاح فلا أدري مَن هو".

قال المِزِّيُّ: "ذكره البُخاريُّ وأبو حاتم منفردًا عن شَيْبةَ بنِ نِصَاحٍ، والصحيحُ أنهما واحد؛

فإن أبا قُرَّةَ موسى بنَ طارق رواه عنِ ابنِ جُرَيجٍ، فقال: حدثني شَيْبةُ بنُ نِصاحٍ" (التهذيب 12/ 609).

ص: 173

قلنا: روايةُ أبي قُرَّةَ في (الأربعين) لابنِ المقرئ بالإهمالِ كما سيأتي، ولذا قال مُغْلَطايُ:"وينبغي أن (يُتثبَّت) في قولِ المِزِّيِّ: "رواه -يعني: وُضوءَ النبي صلى الله عليه وسلم أبو قُرَّةَ موسى بنُ طارق، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، فقال: حدثني شَيْبةُ بن نِصاح"؛ فإني اعتبرْتُ كتاب (السنن) لأبي قُرَّةَ فلم أجِدْهُ في النسخةِ التي هي بخطِ ابنِ العَصَّارِ، فيُنظَر أَلأبي قُرَّةَ غيرُ كتاب (السنن)؟ فإني لا أعرفُ له غيرَه، والله تعالى أعلم"(6/ 313).

وقد وقع في رواية أبي عاصم عند البَزَّارُ (510) - كما سيأتي -: "شَيْبة هو ابن محمد"! .

ولم نجدْ في هذه الطبقةِ مَن يسمَّى شَيْبةَ بن محمدٍ! .

ولما ذكر الدَّارَقُطنيُّ حديثَه في (العلل 1/ 316) قال: "يقال: هو شَيْبةُ بنُ أبي راشدٍ".

قلنا: قال ابنُ المَدِينيِّ: "أبو شَيْبة بن أبي راشد -وأبو راشد روَى عن عُبَيد بن عُمَير، روى عنه الأعمش

-، روَى عنه ابنُ جُرَيجٍ، إلا أن ابنَ جُرَيجٍ يقول: حدثني شَيْبة" (العلل صـ 332).

وهذا ترجمَ له البُخاريُّ فقال: "أبو شَيْبة بن أبي راشد مولى عُبيد بن عمير اللَّيْثي، صَحِب محمد بن عليٍّ"(الكنى 9/ 7).

ورواه ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ في (تهذيبه): عن عليِّ بنِ مسلمٍ، عن أبي عاصمٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن شَيْبةَ، ولم ينسبه أيضًا، وقال:"شَيْبةُ مجهولٌ" ذكره ابنُ حَجَرٍ في (التهذيب 4/ 377).

قلنا: أخرجه البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 242)، والبَزَّارُ (510)، والمَحَامِليُّ (203)، من طرقٍ عن أبي عاصمٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، أخبرني

ص: 174

شَيْبةُ، أن محمدَ بنَ عليٍّ أخبره، أن حسينَ بنَ عليٍّ أخبره، عن عليٍّ به مختصرًا.

فأسقطَ منه عليًّا والدَ محمد بن عليٍّ، فصارَ منقطعًا؛ لأن محمدًا لم يسمعْ من جده الحسين بن عليٍّ، ومع ذلك وقعَ في الإسنادِ:"أن حسينَ بنَ عليٍّ أخبره"! .

وأبو عاصمٍ ضعَّفَه أحمدُ في ابنِ جُرَيجٍ، وسُئِل ابنُ مَعِينٍ عن حَجَّاجِ بنِ محمدٍ وأبي عاصمٍ، أيُّهما أَحَبُّ إليك في ابنِ جُرَيجٍ؟ قال:"حَجَّاجٌ"(شرح العلل صـ 682، 683).

وقد تُوبِع أبو عاصمٍ:

فرواه أبو قُرَّةَ كما في (الأربعين لابن المقرئ 21)، قال: ذَكَرَ ابنُ جُرَيجٍ، حدثني شَيْبةُ، أن محمدَ بنَ عليٍّ أخبره، أن حسينَ بنَ عليٍّ أخبره، قال: دَعَا عليُّ بنُ أبي طالبٍ بوَضوءٍ، فقرَّبْته إليه، الحديثَ بنحو رواية النَّسائيّ.

فأَسقطَ منه عليًّا أيضًا، وذكر أن الحسينَ أخبر به محمدًا، وهذا لا يستقيمُ؛ لأنه يرسلُ عنه كما تقدَّمَ.

وقد رواه البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 242) والطَّحاويُّ في (المشكل 2103)(والمعاني 4/ 273)، من طريقِ ابنِ وَهْبٍ قال: أخبرني ابنُ جُرَيجٍ، عن محمدِ بنِ عليِّ بنِ حُسينٍ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليٍّ به مختصرًا، ليس فيه صفةُ الوُضوء.

فأَثبتَ فيه والدَ محمد، لكنه أسقطَ منه شَيْبةَ! .

ورواه بعضُهم عنِ ابنِ وَهْبٍ فجَعَلَ مسْحَ الرأسِ فيه ثَلَاثًا! علَّقه أبو داود (2/ 107)، ووصله البَيْهَقيّ، وهو منكَرٌ كما سيأتي بيانُه في موضعه قريبًا.

ص: 175

وابنُ وَهْبٍ ليس بذاك في ابنِ جُرَيجٍ، كان يُستصغَرُ -يعني: سمِع منه وهو صغيرٌ-، قاله ابنُ مَعِينٍ (شرح العلل صـ 683).

وقد رواه عبدُ الرَّزَّاقِ (123)، عنِ ابنِ جُرَيجٍ قال: أخبرني مَن أُصَدِّقُ، أن محمدَ بنَ عليِّ بنِ حُسينٍ، أخبره قال: أخبرني أبي، عن أبيه قال: دَعَا عليٌّ بوَضُوءٍ

الحديثَ بنحو رواية حَجَّاجٍ.

فأبهمه وعدَّلَهُ، والمبهمُ هو شَيْبةُ كما بيَّنَه حَجَّاجٌ وأبو عاصمٍ وأبو قُرَّةَ، وقد ذَكَرَ الدَّارَقُطنيُّ اختلافَهم على ابنِ جُرَيجٍ في سندِهِ، ثُمَّ قال عَقِبَ روايةِ حَجَّاجٍ:"فجَوَّدَ إسنادَهُ، ووصله وضبَطه"(العلل 1/ 316).

قلنا: وقد ذكرَ ابنُ مَعِينٍ أن حَجَّاجَ أَثْبَتُ أصحابِ ابنِ جُرَيجٍ فيه، (شرح العلل صـ 682).

فالحديثُ من طريقِ حَجَّاجٍ صحيحٌ رجاله كلهم ثقات، وقد صَحَّحَهُ ابنُ الجَزَريِّ، والألبانيُّ، والله أعلم.

* * *

ص: 176

رِوَايَةُ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ عَلِيٍّ

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَيَّةَ، قَالَ:((رَأَيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ فَضْلَ طَهُورِهِ فَشَرِبَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ. وَصَحَّحَهُ: التِّرْمِذيُّ، وابنُ السَّكَنِ، والضِّياءُ المقدسيُّ، وابنُ سيِّدِ الناسِ، والألبانيُّ بطُرُقه. وحَسَّنَهُ: البَغَويُّ، وابنُ القَطَّانِ.

[التخريج]:

[د 115/ ت 48 (واللفظ له)، 49/ ن 99، 120/ كن 123، 125/ جه 459 مختصرًا/ حم 1050، 1345، 1352/ عم 1046، 1350، 1380/ عل 499/ بز 736، 795/ عب 121/ ش 54، 192 مختصرًا، 1069/ هق 353/ بغ 228/ ضيا (2/ 409، 410/ 795، 796) / تحقيق 134/ كما (33/ 270) ترجمة رقم 7334/ طوسي 40/ لي 167/ علقط 501/ علحا 144/ بشن (الجزء الثاني) 1314/ أحاديث السري بن يحيى 29/ طيل 327].

[التحقيق]:

رواه التِّرْمِذيُّ (48) قال: حدثنا هَنَّادٌ، وقُتَيْبةُ، قالا: حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي حَيَّةَ، به.

وأخرجه أبو داودَ وغيرُهُ من طريقِ أبي الأَحْوَصِ به، وقد تُوبِع أبو الأَحْوَصِ:

فأخرجه النَّسائيُّ (120) من طريقِ زكريا بنِ أبي زائِدةَ،

ص: 177

وأخرجه النَّسائيُّ أيضًا (136) من طريقِ شُعبةَ،

وأخرجه أحمدُ (1050) من طريقِ إسرائيلَ بنِ يونسَ، كلُّهم عن أبي إسحاقَ به.

وهذا إسنادٌ حسَنٌ في المتابعاتِ؛ رجاله ثقات رجال الشيخينِ؛ غيرَ أبي حَيَّةَ الوادعيِّ، فمختَلفٌ فيه؛ فقال ابنُ المَدِينيِّ وأبو الوليدِ الفَرَضيُّ:"مجهولٌ"(التهذيب 12/ 81)، وقال أحمدُ:"شيخ"(العلل ومعرفة الرجال 2/ 482)، وقال ابنُ القَطَّانِ الفاسيُّ:"ومعنى ذلك عندهم أنه ليس من أهل العلم، وإنما وقعتْ له روايةٌ لحديثٍ أو أحاديثَ، فأُخِذَتْ عنه، وهُم يقولون: لا تُقبَلُ روايةُ الشيوخِ في الأحكامِ"(بيان الوهم والإيهام 4/ 108).

قال الذَّهَبيُّ: "لا يُعرَفُ، تفرَّدَ عنه أبو إسحاقَ"(الميزان 4/ 519).

وفي المقابل: وَثَّقَهُ ابنُ نُمَيرٍ، كما في (الكنى لابن الجارُود)، نقلًا من (تهذيب التهذيب 12/ 81)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 5/ 180). وقال ابنُ القَطَّانِ:"وَثَّقَهُ بعضُهم"(بيان الوهم والإيهام 4/ 108).

وقال ابنُ سيِّدِ الناسِ: "وأما الكلامُ في أبي حَيَّةَ: فقد وَثَّقَهُ أبو حاتم ابنُ حِبَّانَ. وليس في الجهالةِ التي حكاها عنِ ابنِ الفَرَضي، ولا في قولِ الإمامِ أحمدَ عنه: (شيخ)، ما يعارِضُ التوثيقَ المذكورَ"(النفح الشذي 1/ 411).

وصحَّحَ حديثَه: التِّرْمِذيُّ، وابنُ السَّكَنِ، والضِّياءُ، وابنُ سيِّدِ الناسِ. وحَسَّنَهُ: البَغَويُّ، وابنُ القَطَّانِ الفاسيُّ.

قلنا: ولم يطعنْ فيه أحدٌ بوجهٍ من الوجوهِ، أمَّا قولُ الإمامِ أحمدَ:

ص: 178

"شيخ"، فحمله ابنُ القَطَّانِ على قِلَّةِ حديثِهِ، والذي وَثَّقَهُ حُجَّةٌ على مَن لم يُوَثِّقْهُ، وقد وافقتْ روايتُه روايةَ الثِّقاتِ من الرواةِ عن عليٍّ رضي الله عنه، فحديثُه في الجملةِ لاينزلُ عن مرتبةِ الحسنِ والله أعلم. وقال عنه الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 8070).

يعني إذا تُوبِعَ، وقد حصَلَ؛ تابَعه عبدُ خَيْرٍ -كما سبقَ مُطَوَّلًا-، وزِرُّ بنُ حُبَيْش -كما سيأتي مختصرًا-، وغيرُهما.

وقد رواه أبو إسحاقَ نفْسُه عن عبدِ خَيْرٍ، بنحو روايته عن أبي حَيَّةَ:

فرواه التِّرْمِذيُّ عَقِبَه (49) قال: حدثنا قُتَيْبةُ، وهَنَّادٌ، قالا: حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيْرٍ، ذكر عن عليٍّ مِثْلَ حديثِ أبي حَيَّةَ، إلا أنَّ عبدَ خَيْرٍ قال:«كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طُهُورِهِ أَخَذَ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ بِكَفِّهِ فَشَرِبَهُ» .

وهكذا أخرجه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند 1047)، وأبو يَعْلَى (500)، عن خلَفِ بنِ هشامٍ [البَزَّارِ]، حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، به.

ولذا قال التِّرْمِذيُّ: "حديثُ عليٍّ، رواه أبو إسحاقَ الهَمْدانيُّ، عن أبي حَيَّةَ وعبدِ خَيْرٍ، والحارث، عن عليٍّ، وقد رواه زائِدةُ بنُ قُدَامةَ وغيرُ وَاحدٍ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، حديثَ الوُضوءِ بطولِهِ"(السنن 49).

قلنا: ومتابعةُ الحارثِ خرَّجها الخُلْديُّ في (الأول من فوائده 74) قال: أخبرنا القاسمُ: حدثنا إبراهيمُ: حدثنا شُعَيبٌ، عن أبي إسحاقَ، عن الحارثِ قال: ((دَعَا عليٌّ بماءٍ في الرَّحَبَةِ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا،

ص: 179

ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فضْلَ وَضُوئِهِ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ هَذَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعَلِّمَكُمُوهُ)).

والقاسمُ هو ابنُ محمدٍ الدَّلَّالُ، وإبراهيمُ هو ابنُ الحسنِ الثَّعلبيُّ، وشُعَيبٌ هو ابنُ رَاشدٍ الكوفيُّ، ثلاثتُهم مُتكَلَّمٌ فيهم، والحارثُ هو الأعورُ، ضعيفٌ رُمِيَ بالرفضِ.

ورواه ابنُ ماجَهْ من وَجهٍ آخَرَ عن الحارثِ بلفظٍ مختصرٍ، خرَّجناه في بابِ (غسل اليدين عند الشروع في الوُضوء)، فانظرْ كلامَنَا عليه هناك.

وذكرَ الدَّارَقُطنيُّ في كتابِ (العلل) وجوهًا عديدةً منَ الاختلافِ على أبي إسحاقَ في روايةِ هذا الحديثِ، ثُمَّ قال:"وأصحُّها كلِّها قولُ مَن قَالَ: عن أبي حَيَّةَ، عن عليٍّ: ((أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)) "(البدر المنير 2/ 114 - 115).

قلنا: وقد روَى هذا الحديثَ أيضًا شُعبةُ عن أبي إسحاقَ، فأَمِنَّا من تدليسِهِ واختلاطِهِ أيضًا.

والحديثُ صَحَّحَهُ التِّرْمِذيُّ، فقال:"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"(السن 49).

وَصَحَّحَهُ أيضًا: ابنُ السَّكَنِ كما في (بيان الوهم والإيهام 4/ 108).

وَحَسَّنَهُ البَغَويُّ (شرح السنة 228).

وَصَحَّحَهُ الضِّياءُ بإخراجه في (المختارة 2/ 409/ 795).

وذكره عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 167) فسكتَ عنه

ص: 180

مُصحِّحًا له

(1)

.

وتَعقَّبَه ابنُ القَطَّانِ، بالكلامِ في أبي حَيَّةَ، واختِلاطِ أبي إسحاقَ، ثُمَّ حَسَّنَهُ، قائلًا:"وهو باعتبارِ حالِ أبي حَيَّةَ وباعتبارِ حالِ أبي إسحاقَ واختلاطِه حسَنٌ؛ فإن أبا الأَحْوَصِ، وزُهَيرَ بنَ معاويةَ، سمِعَا منه بعدَ الاختلاطِ"(بيان الوهم والإيهام 4/ 108).

وتَعقَّبَ ابنَ القَطَّانِ ابنُ سيِّدِ الناسِ، فقال:"ولا تخلو هذه الشُّبَهُ كلُّها منَ الاعتراضاتِ. فأما تحسينُهُ له فليسَ بمستقيمٍ؛ لتصحيحِ مَن صَحَّحَهُ ممن ذكره"(النفح الشذي 1/ 410)، وانظر أيضًا (البدر المنير 2/ 114 - 115).

قلنا: وإعلالُ ابنِ القَطَّانِ له بأنَّ روايةَ زُهَيرٍ وأبي الأَحْوَص عن أبي إسحاقَ قبل الاختلاطِ، فقد رواه شُعبةُ والثَّوْريُّ أيضًا عن أبي إسحاقَ، وهُمَا مِن أَثْبَتِ الناسِ فيه، وقد سمِعا منه قبلَ الاختلاطِ.

وقال الألبانيُّ: "هذا إسنادٌ رجاله كلُّهم ثقات رجال الشيخينِ؛ غيرَ أبي حَيَّةَ هذا -وهو ابنُ قَيْسٍ الوادعيُّ-

وفي (التقريب) أنه مقبولٌ؛ أي: إذا تُوبِعَ. وقد تابَعه جَمْعٌ منَ الثِّقاتِ، كما سبقَ؛ فحديثُهُ صحيحٌ" (صحيح أبي داود 1/ 195).

* * *

(1)

وكذا حكى عن الإشبيليِّ: ابنُ سيِّد الناسِ في (النفح الشذي 1/ 410).

ص: 181

رِوَايَةُ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ عَلِيٍّ، مُخْتَصَرًا:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَيَّةَ، مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ:((تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا)).

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ.

[التخريج]:

[ن 141/ حم 971، 1205، 1273، 1345 (واللفظ له)، 1354/ بز 735/ عب 120/ تخ (9/ 24) / طح (1/ 29/ 118، 1/ 35/ 164) / لي (رواية ابن يحيى البيع 167) / علقط 501/ خط (4/ 448) / تحقيق 133/ حلب (4/ 1669)].

[السند]:

قال عبدُ الرزاقِ: أنا الثَّوْريُّ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي حَيَّةَ بنِ قيسٍ، عن عليٍّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجاله ثقات رجال الشيخينِ غيرَ أبي حَيَّةَ الوادعيِّ، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه.

* * *

ص: 182

رِوَايَة: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ بِلَفْظ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ: التِّرْمِذيُّ، وابنُ السَّكَنِ، والضِّياءُ المقدسيُّ، وأحمدُ شاكر، والألبانيُّ. وحَسَّنَهُ: البَغَويُّ، وابنُ القَطَّانِ.

[التخريج]:

[ت 44 (واللفظ له) / حم 1007، 1025، 1351/ عل 283، 571/ بز 734/ ش 60/ طس 3600، 7030/ طص 939/ تخ (9/ 24) / عم 919، 1016/ طح (1/ 29/ 120) / طحق 18، 19/ ضيا (2/ 411/ 797)، (2/ 285/ 665 - 667) / بغ 228/ طوسي 39/ علقط (4/ 193) / خط (2/ 166)، (3/ 35)].

[التحقيق]:

جاءَ الحديثُ مختصرًا هكذا من طرقٍ:

الأول:

رواه أحمدُ (1025): حدثنا عبدُ الرحمنِ، حدثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي حَيَّةَ، عن عليٍّ، به.

ورواه التِّرْمِذيُّ عن محمدِ بنِ بَشَّارٍ. وأبو يَعْلَى: عن زُهَيرٍ. كلاهما: عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ، عن سفيانَ الثَّوْريِّ، به.

ورواه الطَّحاويُّ والدَّارَقُطنيُّ في (العلل) وغيرُهُم من طُرُقٍ عن أبي إسحاقَ، به.

وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجاله ثقات رجال الشيخينِ غيرَ أبي حَيَّةَ الوادعيِّ، وقد

ص: 183

تقدَّمَ الكلامُ عليه آنفًا.

قال التِّرْمِذيُّ: "حديثُ عليٍّ أَحْسَنُ شيءٍ في هذا البابِ وأَصَحُّ".

وصَرَّحَ بصحته في موضعٍ آخَرَ، حيثُ رواه مُطَوَّلًا كما سبقَ، وذكرنا هناك ممن صَحَّحَهُ: ابنُ السَّكَنِ وابنُ سيِّدِ الناسِ، وممن حَسَّنَهُ: البَغَويُّ وابنُ القَطَّانِ.

الطريق الثاني:

أخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ (60)، وأحمد (1007): عن وكيعٍ، عن حسنِ بنِ عُقْبةَ المُراديِّ أبي كِبْران، قال: سمِعتُ عبدَ خَيْرٍ الهَمْدانيَّ يقول: قال عليٌّ: «أَلا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، واللفظُ لأحمدَ.

وأخرجه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند) من طريقِ وَكِيعٍ به نحوَه.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجاله ثقات، فحَسَنٌ وَثَّقَهُ أحمدُ وابنُ مَعِينٍ وغيرُهُما.

وقال أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيق المسند).

الطريق الثالث:

أخرجه الطَّحاويُّ (1/ 29) قال: حدثنا حسينُ بنُ نصرٍ، قال: ثنا الفِرْيابيُّ، قال: ثنا زائِدَةُ بنُ قُدَامة، قال: ثنا عَلْقَمةُ بنُ خالدٍ أو خالدُ بنُ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«هَذَا طُهُورُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» .

وهو خالدُ بنُ عَلْقَمة، وقد تقدَّمَ مُطَوَّلًا من هذا الطريقِ.

ص: 184

الطريق الرابع:

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 7030) و (الصغير 939) قال: حدثنا محمدُ بنُ جمعةَ بنِ خلَفٍ أبو قُرَيشٍ القُهُسْتانيُّ، ثنا الحسينُ بنُ إدريسَ الهَرَويُّ، ثنا خالدُ بنُ الهَيَّاجِ بنِ بِسْطَامٍ، عن أبيه، عن سفيانَ الثَّوْريِّ، عن شَرِيكِ بنِ عبدِ اللهِ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .

وقال في (الأوسط): "لم يَروِ هذا الحديث عن سفيانَ إلا هَيَّاجٌ، تفرَّدَ به: ابنُه".

وفي (الصغير 939): "لم يَروِه عن سفيانَ عن شَرِيكٍ إلا هَيَّاجُ بنُ بِسْطَامٍ، تفرَّدَ به خالدٌ، ورواه غيرُهُ عن سفيانَ عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ نفْسِه".

وهَيَّاجٌ ضعيفٌ، روى عنه ابنُه خالدٌ منكَراتٍ شديدةً.

الطريق الخامس:

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 3600) قال: حدثنا زكريا بنُ يحيى بنِ سُلَيمانَ الأهوازيُّ العَدْلُ، قال: نا أبو كُرَيبٍ، قال: نا معاويةُ بنُ هشامٍ، عن مختارٍ التَّمَّارِ، عن أبي حَيَّانَ التَّيْميِّ، عن أبيه، قال: رَأَيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه «تَوَضَّأَ مِنْ مِطْهَرَةِ التَّيْمِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، وَقَالَ:«هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» .

وقال: "لم يَروِ هذا الحديث عن أبي حَيَّانَ التَّيْميِّ إلا مختارٌ التَّمَّارُ، وهو: مختارُ بنُ نافعٍ".

قلنا: ومختارٌ ضَعَّفُوه.

ص: 185

رِوَايَةُ زِرِّ بْنِ حُبَيْش عَنْ عَلِيٍّ، وَفِيهَا أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَمَّا يَقْطُرْ

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رضي الله عنه وَسُئِلَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:[فَأَهَرَاقَ المَاءَ فِي الرَّحَبَةِ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَوَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَمَّا يَقْطُرْ (حَتَّى كَادَ أَنْ يَقْطُرَ)، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادٌ جيِّدٌ. وَصَحَّحَهُ: النَّوَويُّ، وابنُ المُلَقِّنِ، وأحمد شاكر، والألبانيُّ. وهو ظاهرُ كلامِ ابنِ القَطَّانِ، وابنِ القَيِّمِ.

[فائدة]:

قولُهُ: ((وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَمَّا يَقْطُرْ))، قال ابنُ القَطَّانِ: ((هذا اللفظُ يُفهمُ منه تثقيلُ المسحِ، ولكن ليس ذلك بنصِّه؛ فقد يحتملُ أن يُتأوَّلَ، وهذه روايةُ أبي نُعَيمٍ، عن ربيعةَ بنِ عُبَيدٍ الكِنانيِّ، عن المِنْهالِ بنِ عَمرٍو، عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ.

وتَرَك -أي: عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ- عند [عبد] الرزاق

(1)

: روايةَ عبدِ اللهِ بنِ رجاءٍ، عن ربيعةَ بنِ عُبَيدٍ المذكورِ لهذا الحديثِ، قال فيه:((ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَقْطُرَ)).

فهذا أقوى في الدلالةِ على تثقيلِ المسحِ" (بيان الوهم والإيهام 5/ 595).

(1)

لم نقفْ عليه في النسخِ المطبوعةِ من (مصنف عبد الرزَّاق)، ولعلَّه في الجزءِ الساقطِ من أولِهِ، ورواية ابن رجاء عند البَزَّارِ وغيرِه.

ص: 186

[التخريج]:

[د 114 (واللفظُ له) / حم 873/ بز 561 (والرواية والزيادة له ولغيرِهِ) / طس 3736/ هق 265، 352/ تحقيق 136/ ضيا (2/ 77/ 455) / أصبهان (1/ 267) / تخ (3/ 291) / علحا (1/ 437 - 439/ 28) / كما (9/ 131، 132) / سمويه (كبير 17/ 254)].

[السند]:

رواه أحمدُ (873) عن معاويةَ الفَزَاريِّ.

ورواه أبو داودَ (114): عن عُثْمَانَ بنِ أبي شَيْبةَ. والطَّبَرانيُّ في (الأوسط) عن عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ. كلاهما: عن أبي نُعَيمٍ الفضلِ.

ورواه البَزَّارُ (561): من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ رَجاءٍ.

ثلاثتُهم (معاويةُ، وأبو نُعَيمٍ، وابنُ رَجاء): عن ربيعةَ الكِنانيِّ، عن المِنْهالِ بنِ عَمرٍو، عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، به.

ومداره عندَ الجميعِ على ربيعةَ الكِنانيِّ، به.

وقال البَزَّارُ عَقِبَه: "ولا نَعلَمُ روَى المِنْهالُ، عن زِرٍّ، عن عليٍّ رضي الله عنه، حديثًا مُسنَدًا إلا هذا الحديث".

وقال الطَّبَرانيّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن المِنْهالِ بنِ عَمرٍو، إلا ربيعةُ الكِنَانيُّ، وهو: ربيعةُ بنُ عُبَيدٍ، كُوفيٌّ"(الأوسط).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ جيِّدٌ؛ رجاله رجال البُخاريِّ غيرَ ربيعةَ بنِ عُبَيد -وقيل: ابن عُتْبةَ- الكِنانيِّ؛ وقد وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ (الجرح والتعديل 3/ 478)، والعِجْليُّ في

ص: 187

(معرفة الثِّقات وغيرهم 467)، وقال أبو حاتم:"شيخ"(الجرح والتعديل 3/ 478)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 8/ 240)، وقال الذَّهَبيُّ:"ثقة"(الكاشف 1551)، وقال ابنُ حَجَرٍ:"صدوقٌ"(التقريب 1912).

والمِنْهالُ بنُ عَمرٍو: وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، والنَّسائيُّ، والعِجْليُّ، وابنُ حِبَّانَ. وقال الدَّارَقُطنيُّ:"صدوقٌ". وقال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ: سمِعتُ أَبي يقولُ: "أبو بِشْرٍ أَحَبُّ إليَّ من المِنْهالِ بنِ عَمرٍو"، قلتُ له: أَحَبُّ إليك من المِنْهالِ بنِ عمرٍو؟ قال: "نعم، شديدًا، أبو بِشْرٍ أَوْثَقُ، إلا أن المِنْهالَ أَسَنُّ". وغمَزَه شُعبةُ ويحيى القَطَّانُ، وَضَعَّفَهُ ابنُ حَزْمٍ. انظر (تهذيب التهذيب 10/ 319). وقال ابنُ حَجَرٍ:"صدوقٌ ربما وَهِمَ"(التقريب 6918).

قلنا: فحديثُه لا ينزلُ عن رتبةِ الحسنِ؛ فقد وَثَّقَهُ أئمةُ الجرحِ والتعديلِ، ولم يُضَعِّفْهُ إلا ابنُ حَزمٍ، وهو معروفٌ بتسرُّعه في تضعيفِ الثِّقاتِ وتجهيلِهم، وأمَّا غمْزُ شُعبةَ والقَطَّانِ له، فلغيرِ الحديثِ، كما سيأتي.

ولذا رمزَ له الذَّهَبيُّ في (الميزان 8806)، والحافظُ في (اللسان 2766) بـ"صح"، وهو يعني عند الذَّهَبيِّ: أن العملَ على توثيقِهِ، وعندَ ابنِ حَجَرٍ: أنه ممن تُكُلِّم فيه بلا حُجَّةٍ

(1)

.

والحديثُ صَحَّحَهُ ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 185) وقال: "قال النَّوَويُّ في (كلامه على أبي داودَ) في الأول: هذا إسنادٌ صحيحٌ، كل رجاله في الصحيحِ مشهور، إلا ربيعةَ بنَ عُتْبةَ الكِنانيَّ، وقد وَثَّقَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ، ولم يجرحه غيرُهُ؛ فالحديثُ صحيحٌ"(البدر المنير 2/ 185).

(1)

كما نَصَّ الحافظُ على منهجِ الذَّهَبيِّ في ذلك في مقدمة (اللسان 1/ 200)، ونَصَّ الحافظُ على منهجه في (مقدمة اللسان صـ 9).

ص: 188

وقال أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيق المسند 873).

وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله رجالُ البُخاريِّ؛ غيرَ ربيعةَ الكِنانيِّ -وهو ابنُ عُتْبةَ؛ ويقال: ابنُ عُبَيدٍ-، وهو ثقةٌ اتفاقًا"(صحيح أبي داود 1/ 194/103).

وذكره عبدُ الحَقِّ في (الأحكام الوسطى 1/ 172) وقال عَقِبَه: "هذا يرويه ربيعةُ الكِنانيُّ

(1)

، عن المِنهالِ بنِ عَمرٍو، عن زِرٍّ".

قال ابنُ القَطَّانِ: "وليس لقائلٍ أن يقولَ: هو عنده صحيح، فإنه سكتَ عنه؛ لأنه قَلَّما يَذْكُر من الحديثِ إسنادَهُ أو قِطعةً من إسنادِهِ إلا ليُعَيِّنَ موضعَ النظر فيه، إلا أنه لم يبينْ في هذا موضعَ النظر.

وليس في الإسنادِ مَن يُسألُ عنه غيرُ المِنهالِ بنِ عَمرٍو، فمن أجْلِه -والله أعلم- جَعَلَ الحديثَ -أي: عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ- مما ينبغي أن يُنظر فيه، فإنَّ شيخَه ومعتمَدَه في التصحيحِ والتضعيفِ أبا محمدٍ بنَ حَزمٍ يُضَعِّفُ المِنهالَ بنَ عَمرٍو هذا، ويقول: إنه كان لا يُقبَل في باقة بَقْلٍ"، ثُمَّ قال: "والرجلُ قد وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ والكوفيُّ

(2)

، وليس عليه درَك فيما حكَى عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنبَل عن أبيه، مِن قوله: تَرَكَ شُعبةُ المِنهالَ على عمْدٍ. قال ابنُ أبي حاتم: لأنه سمِعَ مِن دَاره صوتَ قِرَاءةٍ بالتطريبِ؛ فإن هذا ليس بجَرحةٍ، إلا أن يُتجاوزَ إلى حدٍّ يحرم، ولم يُذكَرْ ذلك في الحكايةِ، ولا

(1)

وقع في مطبوع (الأحكام): "محمد بن ربيعة الكِناني"، وزيادة (محمد بن) مُقحَمة لا معنى لها. وقد نَقَل قولَ الإشبيليِّ على الصوابِ ابنُ القَطَّانِ في (بيان الوهم والإيهام 3/ 361).

(2)

يعني: العِجْليَّ، وهو أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن الكوفي.

ص: 189

أيضًا فيما بشّع من هذه الحكاية، وذلك ما ذَكَر العُقَيليُّ عن وَهْبٍ، قال: سمِعتُ شُعبةَ يقول: أتيتُ مِنْهالَ بنَ عَمرٍو، فسمِعتُ عنده صوتَ طُنْبُورٍ، فرَجَعتُ ولم أسأله، قيل: فهلَّا سألْتَه، فعسى كان لا يَعْلَمُ؟

فهذا -كما ترى- التَّعسُّفُ فيه ظاهر، ولا أعلمُ لهذا الحديثِ عِلَّةً غيرَ ما ذكرتُ، فاعْلَمْه" انظر (بيان الوهم والإيهام 3/ 361 - 363).

وقال في موضعٍ آخَرَ: "ولم يُبَيِّنْ عِلَّتَه عنده، وأراها المِنهالَ بنَ عَمرو، ولا عَيْبَ له عندي"(بيان الوهم والإيهام 5/ 664).

ودافعَ ابنُ القَيِّم أيضًا عن المِنهالِ، وعَقَّبَ على قصةِ شُعبةَ بقوله:"وليس في شيءٍ من هذا ما يَقدحُ فيه"، ثُمَّ قال:"وقال ابنُ القَطَّانِ: ولا أعلمُ لهذا الحديثِ عِلَّةً"، وأقَرَّه. (تهذيب سنن أبي داود 1/ 134).

قلنا: ولكنْ أَعَلَّه أبو حاتم الرَّازيُّ؛ فسُئِلَ عنه فقال: "إنما يُروَى هذا الحديثُ عن المِنهالِ، عن أبي حَيَّةَ الوادعيِّ، عن عليٍّ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وهو أَشْبَهُ"، ثُمَّ أَسنَدَهُ من طريقِ عَمرِو بنِ ثابتٍ، عن المِنهالِ بنِ عمرٍو، عن أبي حَيَّةَ بنِ قَيْسٍ، عن عليٍّ. (العلل 28).

وأقَرَّه الحافظُ في (النُّكت الظِّراف 7/ 373)، وكذا في (التلخيص الحبير 1/ 135)، إلا أنه عَزَاهُ في (التلخيص) لأبي زُرْعةَ، تَبعًا لأصله (البدر المنير 2/ 115)، والصوابُ أنه لأبي حاتم كما في (العلل).

قلنا: ولكن إعلاله بذلك فيه نظرٌ؛ فإن عَمرَو بنَ ثابتٍ هذا هو ابنُ هُرْمُزَ، وهو ضعيفٌ جدًّا، ترَكَه ابنُ المباركِ، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بشيءٍ"، وقال مرَّة:"ليس بثقةٍ ولا مأمون"، وقال النَّسائيّ:"متروكُ الحديثِ"، وقال البُخاريُّ:"ليس بالقويِّ عندهم"، وَضَعَّفَهُ أبو حاتم وأبو زُرْعةَ وغيرُ وَاحدٍ.

ص: 190

وقال ابنُ حِبَّانَ: "يروي الموضوعات"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"الضَّعفُ على رواياته بَيِّنٌ". راجع (تهذيب التهذيب 8/ 9 - 10)، و (الضعفاء الصغير للبخاري 26)، و (الجرح والتعديل 6/ 223).

فروايةُ عَمرِو بنِ ثابتٍ هذه أَوْلى بالاستنكارِ؛ ولذا أخرجها الدَّارَقُطنيُّ في (الأفراد) -كما في (الأطراف 442) -، وقال:"غريبٌ من حديثِ المِنهالِ بنِ عَمرٍو، عن أبي حَيَّةَ، تفرَّدَ به عَمرُو بنُ ثابتٍ" اهـ. إشارة منه إلى نكارتها.

وقال أبو أحمدَ الحاكمُ في ترجمة أبي حَيَّةَ: "رُوِيَ عن المِنهالِ بنِ عَمرٍو عنه إنْ كان محفوظًا"، ثُمَّ ساقَ بسندِهِ عن عَمرِو بنِ ثابتٍ، عن المِنهالِ، عن أبي حَيَّةَ، قال: رَأَيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه دَخَلَ الرَّحَبَةَ

فذَكَر حديثَ الوُضوء بطُولِهِ. (الكُنى 4/ 70 - 71).

* * *

ص: 191

رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: رَأَيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ. وَصَحَّحَهُ: ابنُ حَجَر، والألبانيُّ. وهو ظاهرُ كلامِ ابنِ عبدِ الهادِي، وابنِ المُلَقِّنِ.

[التخريج]:

[د 115].

[السند]:

قال (أبو داودَ): حدثنا زيادُ بنُ أيوبَ الطُّوسيُّ، حدثنا عُبيدُ اللهِ بنُ موسى، حدثنا فِطْرٌ، عن أبي فَرْوةَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح عدا فِطْرَ بنَ خليفةَ، روَى له البُخاريُّ مقرونًا، وَوَثَّقَهُ أحمدُ وابنُ مَعِينٍ والعِجْليُّ وابنُ سعدٍ، وقال أحمدُ:"كان فِطْرٌ عند يحيى بنِ سعيدٍ ثقةً"، وقال أبو حاتم:"صالحُ الحديثِ، كان يحيى بنُ سعيدٍ يرضاه، ويحسن القول فيه، ويحدِّثُ عنه"، وقال النَّسائيُّ:"ليس به بأسٌ"، وقال في موضعٍ آخَرَ:"ثقةٌ حافظٌ كَيِّسٌ". وقال الساجيُّ: "صدوقٌ، ثقةٌ، ليس بمُتْقِن"، وتَكَلَّمَ فيه بعضُهم لسُوءِ مذهبه. انظر (تهذيب التهذيب 8/ 301).

وقال الحافظُ ابنُ عبدِ الهادِي: "ورواته صادقون مُخَرَّجٌ لهم في (الصحيح)، وأبو فَرْوةَ: اسمه مسلم بن سالم الجُهَني"(المحرر 1/ 100).

ص: 192

ووثَّقَ ابنُ المُلَقِّنِ رجالَه، وكأنه يشيرُ إلى تصحيحه (البدر المنير 2/ 118 - 119).

وَصَحَّحَهُ الحافظُ في (التلخيص 1/ 136).

وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله رجال البُخاريِّ؛ غير أن فِطْرًا -وهو ابنُ خليفةَ- هو عنده مقرونٌ بآخَرَ"(صحيح أبي داودَ 1/ 195/ 104).

* * *

رِوَايَة: وَأَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[قط 300/ مديني (لطائف 760)].

[السند]:

أخرجه الدَّارَقُطنيُّ في (السنن) -ومن طريقِه أبو موسى المَدِينيُّ في (اللطائف 760) -، قال: حدثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدٍ، حدثنا محمدُ بنُ أحمدَ بنِ الحسنِ القَطَوانيُّ، حدثنا حسنُ بنُ سَيْفِ بنِ عَمِيرةَ، حدثني أخي عليُّ بنُ سَيْفٍ، عن أبيه، عن أَبانَ بنِ تَغْلِبَ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، به.

ص: 193

وقال أبو موسى المَدِينيُّ عَقِبَه: "لا أعرفُ هذا الحديث من هذا الطريقِ إلا من روايةِ أبي العبَّاسِ بنِ سعيدٍ".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه خمسُ عِلَلٍ:

الأولى: أحمد بن محمد بن سعيد، هو الحافظُ أبو العبَّاسِ ابنُ عُقْدةَ؛ وهو مُتكلَّمٌ فيه على سِعَةِ حفْظِهِ، تَكلَّمَ فيه الدَّارَقُطنيُّ والباغَنْديُّ ومُطَيَّنٌ وغيرُ وَاحدٍ، وقال الخَلِيليُّ:"في حديثِهِ نظرٌ؛ فإنه يَروي نُسَخًا عن شيوخٍ لا يُعرَفونَ، ولا يُتابَعُ عليها"(الإرشاد 2/ 579)، وقال الذَّهَبيُّ:"وكلُّ أَحدٍ يَخضَعُ لحِفْظِ ابنِ عُقْدةَ، ولكنه ضعيفٌ"(تاريخ الإسلام 7/ 655). وقال في (ديوان الضعفاء 87): "مشهورٌ، ضَعَّفُوه"، وانظر ترجمتَه في (لسان الميزان 1/ 603 - 606/ 752)، و (الكشف الحثيث عمَّن رُمِي بوضع الحديث 78).

الثانية: وشيخُه محمدُ بنُ أحمدَ بنِ الحَسنِ القَطَوانيُّ؛ لا يُعرَفُ حالُه، ذكره الذَّهَبيُّ في (المشتبه)، وقال:"شيخٌ لابنِ عُقْدةَ"، انظر (توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 7/ 235).

الثالثة: حسنُ بنُ سَيْفِ بنِ عَمِيرةَ، كذا وقعَ في (سنن الدارقطني) و (اللَّطائف) للمَدِينيِّ، و (إتحاف المَهَرة لابن حجر 14558):"حسن"، وكذا ذكره الدَّارَقُطنيُّ في (المؤتلف والمختلف 3/ 1705) في ترجمة أبيهما، فقال:"سَيْفُ بنُ عَمِيرةَ وابناه عليٌّ وحَسنٌ ابْنَا سَيْفٍ كوفيُّون". وتَبِعَه ابنُ ماكولا في (الإكمال 6/ 281).

وترجم له أبو موسى المَدِينيُّ في (اللطائف صـ 382)، فقال: "حَسنُ بنُ

ص: 194

سَيْفِ بنِ عَمِيرةَ، كوفيٌّ لا أعلمُ رَوَى عن أبيه شيئًا، يَروي عن أخيه عن أبيه"، ثُمَّ أَسنَدَ له هذا الحديثَ من طريقِ الدَّارَقُطْنيِّ، ثُمَّ قال: "لا أعرفُ هذا الحديثَ من هذا الطريقِ إلا من روايةِ أبي العبَّاسِ بنِ سعيدٍ، رواه أبو بكرِ بنُ مَرْدُويَهْ عن شيخٍ له، ووجدْتُ بخطِّه: حُسينُ بنُ سَيْفٍ، والصوابُ فيما أَظُنُّ: حَسن".

وترجم له الحافظ في (اللسان) باسم الحسين، فقال:"الحسينُ بنُ سَيْفِ بنِ عَمِيرةَ النَّخَعيُّ البَغداديُّ. ذكره الطُّوسيُّ في رجالِ الشيعةِ، قال: وهو أخو عليِّ بنِ سَيْفٍ، وكان أَبصَرَ مِن أخيه، وأَكثَرَ مَشايخَ، رحَل إلى البصرةِ والكوفةِ، وكان يَعرِفُ الفقهَ والحديثَ"(اللسان 2531).

قلنا: فيبدو أن الراجحَ (الحَسن)، وهو مجهولُ الحالِ كما ترى، لم يُوَثِّقْهُ أحدٌ.

الرابعة: أخوه عليُّ بنُ سَيْفٍ؛ لم نجدْ له ترجمةً.

الخامسة: أبوهما سَيْفُ بنُ عَمِيرة؛ ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 8/ 299) وقال: "يُغرِبُ". وقال أبو الفتحِ الأَزْديُّ: "يتكلمون فيه"(تهذيب الكمال 12/ 328). وترجم له الذَّهَبيُّ في (ميزان الاعتدال 3638)، ولم يَذْكُرْ فيه سوى كلامِ الأَزْديِّ، وكذا في (ديوان الضعفاء 1846). ومع هذا قال عنه الحافظُ:"صدوقٌ، له أوهامٌ"(التقريب 2725). وفيه نظرٌ؛ إذ لو قلنا: إن كلامَ الأَزْديِّ غيرُ معتبَر، فكذلك توثيقُ ابنِ حِبَّانَ غيرُ معتبَر، فالراوي إذا انفردَ بتوثيقه ابنُ حِبَّانَ، يقول فيه الحافظُ غالبًا:"مقبولٌ"، أي: مجهولٌ، فكيفَ يكون هنا مع كلامِ الأَزْديِّ صدوقًا؟ !

ولكن متن الحديث صحيح بما تقدم، فيشهدُ لقوله: ((وَأَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً

ص: 195

جَدِيدًا))، ما سَبَق في الروايةِ الأُولى، وهو قولُهُ:((ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ حَتَّى غَمَرَهَا المَاءُ، ثُمَّ رَفَعَهَا بِمَا حَمَلَتْ مِنَ المَاءِ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدِهِ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ)).

وتقدم عند مسلم من حديث عبد الله بن زيد أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ.

* * *

رِوَايَة: مَضْمَضَ مَرَّتَيْنِ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: ((

وَمَضْمَضَ مَرَّتَيْنِ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ

)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا اللفظِ، والمحفوظُ في هذا الحديثِ أنه تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ كما سبقَ، وقد ثبتَ الوُضوءُ مرتين في غيرِ هذا الحديثِ.

[التخريج]:

[عم 1198].

[السند]:

قال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند): حدثنا زكريا بنُ يحيى زَحْمُويَهْ، حدثنا شَرِيكٌ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، قال: ((صَلَّيْنَا الغَدَاةَ فَجَلَسْنَا إِلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَدَعَا بِوَضُوءٍ

)) فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ شَرِيكٌ النَّخَعيُّ سيِّئُ الحفظِ كما سبقَ مِرارًا.

ص: 196

وقد خالفه جمعٌ منَ الثِّقاتِ في هذا الحديثِ، كزائِدةَ وشُعبةَ وأبي عَوَانةَ وغيرِهم، فرَوَوْهُ عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، به وذكروا أنه تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا.

وذِكْرُ المرتين إنما تفرَّدَ به شَرِيكٌ عن سائرِ أصحابِ خالدِ بنِ عَلْقَمةَ الأثبات.

ولم ينتبه الشيخُ أحمدُ شاكر رحمه الله لهذه المخالفةِ في المتنِ فصَحَّحَ إسنادَهُ، على مذهبِهِ في توثيقِ شَرِيكٍ.

* * *

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا

)).

[الحكم]:

منكرٌ بهذا اللفظِ. وأنكره: الدَّارَقُطنيُّ، والبَيْهَقيُّ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، والذَّهَبيُّ، والألبانيُّ. والمحفوظُ في الحديثِ أنه مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً واحدةً كما تقدم.

[التخريج]:

[بز 736، 795/ عم 1360/ قط 298/ خلدف 73/ غيل 82/ هق 299، 300/ هقخ 120، 121/ خط (5/ 304) / حنف (رواية أبي نُعَيمٍ 1/ 98 - 99) / يوسف 4/ فوائد الأَصبَهانيين لأبي محمد بنِ حيان (إمام 1/ 545)].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ بهذا اللفظِ له طُرُقٌ:

ص: 197

الأول:

أخرجه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند 1360): عن عَمرِو بنِ محمدِ بنِ بُكَيرٍ النَّاقِدِ، حدثنا العلاءُ بنُ هِلالٍ الرَّقِّيُّ، حدثنا عُبيدُ اللهِ بنُ عَمرٍو، عن زيدِ بنِ أبي أُنَيْسةَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي حَيَّةَ، عن عليٍّ، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، ومتْنُه معلولٌ؛ رجاله ثقات رجال الشيخينِ غيرَ العلاءِ بنِ هلالٍ الرَّقِّيِّ وأبي حَيَّةَ، فأما أبو حَيَّةَ فقد تقدَّمَ الكلامُ عليه.

وأما العلاءُ بنُ هلالٍ الرَّقِّيُّ، فهو عِلَّةُ الإسنادِ؛ قال عنه أبو حاتم:"منكَرُ الحديثِ، ضعيفُ الحديثِ، عنده عن يَزيدَ بنِ زُرَيْعٍ أحاديثُ موضوعةٌ"(الجرح والتعديل 6/ 362 - 363). وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان ممن يقلبُ الأسانيدَ، ويُغيِّرُ الأسماءَ، لا يجوزُ الاحتجاجُ به بحالٍ"(المجروحين 2/ 176).

ولذا قال الألبانيُّ: "عِلَّتُه: العلاءُ بنُ هِلالٍ الرَّقِّيُّ؛ وهو ضعيفٌ جدًّا"(صحيح أبي داودَ 1/ 196).

قلنا: وهذه الروايةُ بذكرِ التثليثِ في مَسْحِ الرأسِ مِن مناكيرِهِ؛ فقد سبقَ الحديثُ من طريقِ الثَّوْريِّ وشُعبةَ وإسرائيلَ وغيرِهم عن أبي إسحاقَ دون ذِكْرِ التثليثِ في مسْحِ الرأسِ، بل ذَكَرَ أكثرُهم في متنِ الحديثِ أنه مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً واحدةً.

وقد رُوِيَ من طريقٍ آخَرَ عن أبي إسحاقَ:

الطريق الثاني:

أخرجه البَزَّارُ (736، 795) عن محمدِ بنِ مَعْمَرٍ، قال: نا أبو داودَ،

ص: 198

قال: نا أبو الأَحْوَصِ سَلَّامُ بنُ سُلَيمٍ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي حَيَّةَ بنِ قَيْسٍ، أنه رأى عليًّا رضي الله عنه في الرَّحَبَةِ تَوَضَّأَ فغَسَل كَفَّيْهِ

فذَكَره، ثُمَّ قال: قال أبو إسحاقَ: فحدَّثَني عبدُ خَيْرٍ، عن عليٍّ بمِثْلِ هذا الحديثِ.

وهذا معلولٌ من الوجهينِ:

فأما طريقُ أبي حَيَّةَ، فرجاله ثقات رجالُ الشيخينِ غيرَ أبي حَيَّةَ، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه.

ومحمدُ بنُ مَعْمَرٍ هو: القَيْسيُّ البَحْرانيُّ مِن رجالِ الشيخينِ، "صدوقٌ"(التقريب 6313).

وأبو داودَ هو: سُلَيمانُ بنُ داودَ الطَّيالِسيُّ، "ثقة حافظٌ، غَلِطَ في أحاديثَ"(التقريب 2550).

وقد وَهِمَ الطَّيالِسيُّ أو البَحْرانيُّ -إن لم يكن الوَهَمُ من البَزَّارِ نفْسِهِ- في هذا الحديثِ على أبي الأَحْوَصِ؛

فقد رواه جمْعٌ منَ الثِّقاتِ عن أبي الأَحْوَصِ ولم يذكروا فيه التَّكرارَ في مسحِ الرأسِ.

ومن هؤلاءِ الثِّقات: مُسَدَّدٌ، وهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وقُتَيْبةُ بنُ سعيدٍ، وأبو بكرِ بنُ أبي شَيْبةَ، وأبو تَوْبةَ الرَّبِيعُ بنُ نافِعٍ، وغيرُهُم.

وصَرَّح كلٌّ مِن هَنَّادٍ وقُتَيْبةَ في روايتِهِما عنه أنه مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً واحدةً (سنن الترمذي 48).

وهو الموافقُ لروايةِ الثِّقاتِ مِن أصحابِ أبي إسحاقَ، كشُعبةَ وسفيانَ وغيرِهما.

ص: 199

وأما طريقُ عبدِ خَيْرٍ، فقد رواه التِّرْمِذيُّ (49) عن قُتَيْبةَ وهَنَّادٍ، قالا: حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيْرٍ، ذَكَرَ عن عليٍّ مِثْلَ حديثِ أبي حَيَّةَ.

قلنا: وحديثُ أبي حَيَّةَ قَبْلَه (48)، بلفظ:«وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً» .

وهكذا أخرجه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند 1047)، وأبو يَعْلَى (500)، عن خلَفِ بنِ هِشامٍ [البَزَّارِ]، حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، قال: وذكرَ عبدُ خيرٍ، عن عليٍّ، مِثْلَ حديثِ أبي حَيَّةَ.

وهو عندهما قبل هذا بذِكْرِ التثليثِ في أعضاءِ الوُضوءِ دونَ مسْحِ الرأسِ، وهو الموافقُ لروايةِ مَن رواه عن أبي إسحاقَ غير أبي الأَحْوَص كما سيأتي قريبًا.

وقولُ أبي إسحاقَ في روايةِ خَلَفٍ: "وذَكَرَ عبدُ خَيْرٍ"، يوحي بأنه لم يسمعه منه، وهذا يُشَكِّكُ فيما عند البَزَّارِ، حيث قال:"فحدَّثَني عبدُ خَيْرٍ عن عليٍّ بمثل هذا"، فالظاهرُ أنه وهَمٌ أيضًا؛ فالذي يُخطِئُ في المتنِ يُخطِئُ في السندِ مِن بابِ أَوْلى، وقد رواه ثلاثةٌ منَ الثِّقاتِ عن أبي الأَحْوَصِ ولم يَذْكُروا سماعَ أبي إسحاقَ مِن عبدِ خَيْرٍ، بل روايةُ خَلَفٍ تَدُلُّ على الانقطاعِ كما رأيتَ، ويُؤَيِّدُه أن حديثَ أبي إسحاقَ هذا رواه عنه جماعةٌ آخرون بالعنعنةِ، انظر حديثَ عليٍّ رضي الله عنه في (باب ما رُوِيَ في مسح القدمين).

وقد رُوِيَ من وجهٍ آخَرَ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيْرٍ بالتثليثِ في مسحِ الرأسِ! .

رواه الخُلْديُّ في (الأول من فوائده 73)، قال: أخبرنا القاسمُ بنُ محمدٍ، حدثنا إبراهيمُ، حدثنا شُعَيبٌ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيْرٍ،

ص: 200

قال: ((رَأَيتُ عَلِيًّا رضي الله عنه تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ)).

والقاسمُ هو: ابنُ محمدٍ الدَّلَّالُ، وإبراهيمُ هو: ابنُ الحسنِ الثعلبيُّ، وشُعَيبٌ هو: ابنُ راشدٍ الكوفيُّ، وثلاثتُهم مُتكلَّمٌ فيهم، والمحفوظُ عن أبي إسحاقَ ما رواه الجماعةُ عن أبي الأَحْوَصِ عنه به دون ذِكْرِ التثليثِ في مسْحِ الرأسِ. وقد تُوبِع عليه أبو الأَحْوَصِ:

فرواه ابنُ شَاذانَ في (حديث ابن قانِع والدِّينَوَريِّ 32) بسندٍ صحيحٍ عن غَيْلانَ بنِ جامعٍ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيْرٍ، قال:((أَتَىَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ المِطْهَرَةَ، وَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ)).

وغَيلانُ قديمٌ، مِن شيوخِ الثَّوْريِّ وشُعبةَ؛ فلا شكَّ أنه تحمَّلَه من أبي إسحاقَ قبل اختلاطه.

وتابَعه عبدُ الرحمنِ بنُ حُمَيدٍ الرُّؤاسيُّ عندَ ابنِ بَشْرانَ في (الثاني من أماليه 1314)، من طريقِ أبي غَسَّانَ عنه.

فهذا كلُّه يؤكِّدُ أن روايةَ التثليثِ في مسْحِ الرأسِ شاذَّةٌ، بل منكَرةٌ، والله أعلم.

الطريق الثالث:

أخرجه البَيْهَقيُّ في (الكبرى 300)، و (الخلافيات 121)، من طريقِ عبَّاسِ بنِ الفضلِ، (ثنا)

(1)

إبراهيمُ بنُ المُنْذِرِ، ثنا ابنُ وَهْبٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن

(1)

مكانها في (الخلافيات): "وأبو مطيع"! ! ولا وجْهَ لها، وإبراهيمُ لا يُكْنى بأبي مُطِيعٍ، وعَبَّاسٌ يَروي عن إبراهيمَ، ولا يُدْرِكُ ابنَ وَهْبٍ.

ص: 201

محمدِ بنِ عليِّ بنِ حسينٍ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليٍّ، به.

وقد سبقَ من طرقٍ عنِ ابنِ وَهْبٍ مختصرًا ليس فيه صفةُ الوضوءِ، وابنُ وَهْبٍ في ابنِ جُرَيجٍ ليس بذاكَ كما سبقَ. وقد خُولِف في سندِهِ ومتنِهِ؛

فرواه حَجَّاجُ بنُ محمدٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن شَيْبةَ، عن محمدِ بنِ عليٍّ بسندِهِ، وذَكَرَ فيه التثليثَ في أعضاءِ الوُضوءِ إلَّا في مسْحِ الرأسِ، فقال فيه:"مَسْحَةً واحدةً".

وحَجَّاجٌ مِن أَثْبَتِهِم في ابنِ جُرَيجٍ؛ ولذا رجَّحَ الدَّارَقُطنيُّ رِوايتَه كما تقدم، وقد تابَعه على هذا اللفظِ عبدُ الرَّزَّاقِ -إلَّا أنه أَبهَمَ شيخَ ابنِ جُرَيجٍ-، وأبو قُرَّةَ -إلَّا أنه أسقطَ منه والدَ محمدِ بنِ عليٍّ-، وقد سبقَ بيانُ ذلك مُفَصَّلًا.

وعليه؛ فروايةُ ابنِ وَهْبٍ بذِكْرِ التثليثِ في مسْحِ الرأسِ ضعيفةُ السندِ، منكَرةُ المتنِ.

وقد أشارَ إلى إعلالِها البَيْهَقيُّ، فقال:"هكذا قال ابنُ وَهْبٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا. وقال فيه حَجَّاجٌ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً".

وعلَّقَه أبو داودَ في (السنن)، وأشارَ إلى هذا الاختلافِ، فقال عَقِبَ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ عن عليٍّ الآتي قريبًا:((وحديثُ ابنِ جُرَيجٍ عن شَيْبةَ يُشْبِهُ حديثَ عليٍّ، قال فيه حَجَّاجُ بنُ محمدٍ عنِ ابنِ جُرَيجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وقال ابنُ وَهْبٍ فيه عنِ ابنِ جُرَيجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا)) (السنن 1/ 29).

قال ابنُ حَجَرٍ: "وهذا يوهمُ أن إسنادَ ابنِ وَهْبٍ عنِ ابنِ جُرَيجٍ كإسنادِ

ص: 202

حَجَّاجٍ، وليس كذلك؛ فإن ابنَ جُرَيجٍ - (كذا فيه! وحقُّه أن يقولَ: فإن ابنَ وَهْبٍ) - لم يَذْكُرْ شَيْبةَ في السندِ، كذلك أخرجه البَيْهَقيُّ" (النُّكت الظِّراف 7/ 365).

وقد تُوبِع ابن وَهْبٍ على ذِكْرِ التثليثِ في مسحِ الرأسِ متابعةً لا يُفرحُ بها؛

فرواه أبو بكرِ في (الغَيلانيات 82) عن أحمدَ بنِ الحُسينِ الصُّوفيِّ، ثنا أحمدُ بنُ عُمرَ بنِ يونسَ اليَماميُّ، ثنا محمدُ بنُ شُرَحْبِيلَ الصَّنعانيُّ، ثنا ابنُ جُرَيجٍ، عن أبي جعفرِ محمدِ بنِ عليِّ عن أبيه، عن جده، عن عليٍّ:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)).

وهذا إسنادٌ تالفٌ؛ فيه: أحمدُ بنُ عُمرَ، نُسِبَ إلى جده، وهو أحمدُ بنُ محمدِ بنِ عُمرَ بنِ يونسَ؛ كذَّبَه أبو حاتم وغيرُهُ، وقال الدَّارَقُطنيُّ:"متروكٌ"(تاريخ بغداد 2708).

ومحمدُ بنُ شُرَحْبِيلَ الصَّنعانيُّ؛ ضعَّفَهُ الدَّارَقُطنيُّ، وذكره ابنُ حِبَّانَ في الثِّقاتِ وقال:"مستقيمُ الحديثِ"(اللسان 6902).

الطريق الرابع:

أخرجه أبو يوسفَ القاضي في (الآثار 4)، عن أبي حَنيفةَ، عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، به.

ورواه الدَّارَقُطنيُّ والباقون من طريقِ أبي حنيفةَ به.

وهذا إسنادٌ واهٍ؛ رجاله ثقات غيرَ أبي حنيفةَ، وهو إمامٌ فقيهٌ معروفٌ، لكنه ضعيفٌ عند أهلِ الحديثِ مِن قِبَلِ حِفْظِه؛ إذ كان اعتناؤُه بالفقهِ قد غَلَبَ عليه فشُغِلَ به عن إتقانِ الحديثِ وضبْطِهِ، وقد ضعَّفَه أحمدُ والبُخاريُّ ومسلمٌ والدَّارَقُطنيُّ وغيرُهُم، وتَكَلَّم فيه الثَّوْريُّ ومالكٌ واللَّيْثُ والأَوْزَاعيُّ وأيوبُ،

ص: 203

وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((وأبو حنيفةَ له أحاديثُ صالحة، وعامَّةُ ما يرويه غلَطٌ وتصاحيفُ، وزياداتٌ في أسانيدها ومتونها، وتصاحيفُ في الرجالِ، وعامَّة ما يرويه كذلك، ولم يَصِحَّ له في جميعِ ما يرويه إلا بضعةَ عشرَ حديثًا، وقد رَوَى مِن الحديثِ لعلَّه أَرْجَحُ مِن ثلاثمائةِ حديثٍ مِن مشاهيرَ وغرائبَ، وكلُّه على هذه الصورةِ؛ لأنه ليس هو مِن أهلِ الحديثِ، ولا يُحْمَلُ على مَن تكونُ هذه صورتَه في الحديثِ)) (الكامل 10/ 133).

وقال ابنُ حِبَّانَ: ((كان رجلًا جَدِلًا ظاهِرَ الوَرَعِ، لم يَكُنِ الحديثُ صناعتَه، حدَّثَ بمائةٍ وثلاثين حديثًا مسانيدَ ما له حديثٌ في الدنيا غيرُها، أخطأَ منها في مئةٍ وعشرينَ حديثًا، إمَّا أن يكونَ أقلب إسنادَه، أو غيَّرَ متْنَه من حيث لا يَعْلَمُ، فلمَّا غَلَبَ خَطَؤُه على صوابِهِ استحقَّ ترْكَ الاحتِجاجِ به في الأخبارِ.

ومن جهةٍ أخرى لا يجوزُ الاحتجاجُ به؛ لأنه كان داعيًا إلى الإرجاءِ، والداعيةُ إلى البِدَعِ لا يجوزُ أن يُحتَجَّ به عند أئمتنا قاطبةً، لا أعلمُ بينهم فيه خلافًا، على أن أئمةَ المسلمين وأهل الورعِ في الدِّينِ في جميعِ الأمصارِ وسائرِ الأقطارِ جَرَّحوه وأطلقوا عليه القدحَ إلا الواحد بعد الواحد)) (المجروحين 2/ 406).

ومع ضعْفِه، فقد خالفَ الحُفَّاظَ في روايتِهِ الحديثَ بالتثليثِ في مَسْحِ الرَّأْسِ:

قال الدَّارَقُطنيُّ: ((هكذا رواه أبو حنيفةَ عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، قال فيه: ((وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا))، وخالفه جماعةٌ منَ الحُفَّاظِ الثِّقاتِ، منهم: زائدةُ بنُ قُدَامة، وسفيانُ الثَّوْريُّ، وشُعبةُ، وأبو عَوَانةَ، وشَرِيكٌ، وأبو الأَشْهَبِ جعفرُ بنُ الحارثِ، وهارونُ بنُ سعدٍ، وجعفرُ بنُ محمدٍ، وحَجَّاجُ بنُ أَرْطاةَ، وأبانُ بنُ تَغْلِبَ، وعليُّ بنُ صالحِ بن حَيٍّ، وحازمُ بنُ إبراهيمَ،

ص: 204

وحسنُ بنُ صالحٍ، وجعفرٌ الأحمرُ؛ فروَوْهُ عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، فقالوا فيه:((وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً)))) (السنن 298).

وقال أيضًا: ((واتَّفَقُوا في الحديثِ على مسْحِ الرأسِ مرةً واحدةً، إلا أبا حنيفةَ، فإنه قال في روايتِهِ عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيرٍ أنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا.

ومع خِلافِ أبي حنيفةَ للجماعةِ، وروايتِه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، قد خالَفَ في هذا، فزَعَم أن السُّنَّةَ في مَسْحِ الرأس مرَّةً واحدةً! )) (العلل 2/ 28).

وهذا لا يعني أن الدَّارَقُطنيَّ يَنفي أن السُّنَّةَ في مسْحِ الرأسِ واحدة، بل يريدُ أن يقولَ: إن أبا حنيفةَ خالَفَ الحُفَّاظَ في روايةِ الحديثِ، فرواه بالتثليثِ في مسحِ الرأسِ، ثُمَّ خالفَ روايتَه ولم يَقُلْ بها! ! ، وقال بأن السُّنَّةَ في مسحِ الرأسِ واحدة، وهو مقتَضى رواية الثِّقات.

وقال البَيْهَقيُّ: ((رواه زائدةُ بنُ قُدَامةَ وأبو عَوانةَ وغيرُهُما عن خالدِ بنِ عَلْقَمةَ دون ذِكْرِ التَّكرار في مسْحِ الرأسِ، وكذلك رواه الجماعةُ عن عليٍّ إلا ما شَذَّ منها)) (الكبرى 301).

وقد ذكره الغَسَّانيُّ في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني صـ 22).

ونَقَل ابنُ المُلَقِّنِ كلامَ الدَّارَقُطنيِّ السابقَ في الإنكارِ على أبي حنيفةَ وأقَرَّه، انظر (البدر المنير 2/ 118).

ولذا ذَكَر عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ حديثَ خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، وفيه:((فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً))، ثُمَّ قال: ((ورواه عبدُ الملكِ بنُ سَلْعٍ، عن

ص: 205

عبدِ خَيْرٍ، قال: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ثَلَاثًا.

وخالدُ بنُ عَلْقَمةَ أَوْثَقُ وأشهَرُ مِن عبدِ الملكِ، كذا رواه الحُفَّاظُ الثِّقاتُ عن خالدٍ.

ورواه أبو حنيفةَ عن خالدٍ، فقال: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ولا يُحتَجُّ؛ به لضَعْفِه في الحديثِ)) (الأحكام الوسطى 1/ 172 - 173).

وأقَرَّه الألبانيُّ في (الضعيفة 458). وانظر الرواية التالية.

رِوَايَة: مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ثَلَاثًا

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: ((تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيكُمُوهُ.

[الحكم]:

منكَرٌ بذكرِ التثليثِ في مسْحِ الرأسِ والأُذُنينِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ: عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، والذَّهَبيُّ.

[التخريج]:

[قط 306/ هقخ 127].

[السند]:

رواه الدَّارَقُطنيُّ -ومن طريقِه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات) -، قال: حدثنا ابنُ القاسمِ بنُ زكريا، ثنا أبو كُرَيْبٍ، نا مُسْهِرُ بنُ عبدِ الملِكِ بنِ سَلْعٍ، عن أبيه، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، به.

ص: 206

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ واهٍ؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ:

الأولى: محمدُ بنُ القاسمِ بنِ زكريا المُحاربيُّ؛ قال الذَّهَبيُّ: "تُكُلِّمَ فيه"(الميزان 6/ 305)، وقال أيضًا:"مشهورٌ، ضُعِّفَ، يقال: كان (يُؤْمِنُ) بالرَّجعةِ، كذابٌ"(المغني في الضُّعفاء 5909)، وَضَعَّفَهُ ابنُ نُقْطةَ في (التكملة 3361)، وانظر (سؤالات حمزة 69)، و (توضيح المشتبه 5/ 207).

الثانية: مُسْهِرُ بنُ عبدِ الملكِ؛ لَيِّنُ الحديثِ كما في (التقريب 6667).

الثانية: عبدُ الملكِ بنُ سَلْعٍ، لم يُوَثِّقْهُ معتبَرٌ، وإنما ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 104) وقال:"كان ممن يُخطئُ".

والحديثُ مشهورٌ عن عبدِ خيرٍ دون ذِكْرِ التثليثِ في مسحِ الرأسِ.

ولذا ذكر عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ حديثَ خالدِ بنِ عَلْقَمةَ، عن عبدِ خَيْرٍ، عن عليٍّ، وفيه:((فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً))، ثُمَّ قال: "ورواه عبدُ الملِكِ بنُ سَلْعٍ، عن عبدِ خَيْرٍ، قال:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ثَلَاثًا)).

وخالدُ بنُ عَلْقَمةَ أَوْثَقُ وأشهَرُ مِن عبدِ الملكِ، كذا رواه الحُفَّاظُ الثِّقاتُ عن خالدٍ" (الأحكام الوسطى 1/ 172 - 173).

وقال الذَّهَبيُّ -بعد أن ذَكَر هذه الروايةَ وسابقتَها-: "الكلُّ لا يَصِحُّ"(تنقيح كتاب التحقيق 1/ 49).

ص: 207

رِوَايَة: أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ:((كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمًا صَلَاةَ الغَدَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ دَعَا الغُلَامَ بِالطَّسْتِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ. ومسْحُ الأُذُنِ ثابتٌ من وجوهٍ أخرى كما تقدم من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ.

[التخريج]:

[ش 401، 176].

[السند]:

أخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ (401) قال: حدثنا عبدُ الرحيمِ بنُ سُلَيمانَ، عن عبدِ الملِكِ بنِ سَلْعٍ، عن عبدِ خَيْرٍ، به.

وأخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ (176) قال: حدثنا ابنُ نُمَيْرٍ، عن عبدِ الملكِ بنِ سَلْعٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ عبدُ الملكِ بنُ سَلْعٍ لم يُوَثِّقْه معتبَرٌ، وإنما ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 104) وقال:"كان ممن يُخطئُ".

* * *

ص: 208

رِوَايَةُ أَبِي مَطَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَبِي مَطَرٍ، قَالَ:((بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فِي المَسْجِدِ عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ مَعَ المُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَرِنِي وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عِنْدَ الزَّوَالِ، فَدَعَا قَنْبَرًا، فَقَالَ: ائْتِنِي بِكُوزٍ مَنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ ثَلَاثًا، فَأَدْخَلَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فِي فِيهِ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ -يَعْنِي: الأُذُنَيْنِ، فَقَالَ: خَارِجُهُمَا مِنَ الرَّأْسِ وَبَاطِنُهُمَا مِنَ الوَجْهِ-، وَرِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، وَلِحْيَتُهُ تَهْطِلُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ حَسَا حَسْوَةً بَعْدَ الوُضُوءِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ: السُّيوطيُّ، وأحمدُ شاكر.

[التخريج]:

[حم 1355/ حميد 95 (واللفظُ لَهُ)].

[السند]:

أخرجه أحمدُ وعَبْدُ بنُ حُمَيدٍ، كلاهما: عن محمدِ بنِ عُبَيدٍ، حدثنا مختارٌ، عن أبي مطرٍ، قال: ((بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فِي المَسْجِدِ عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ

)) فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: أبو مطرٍ وهو الجُهَنيُّ؛ قال عنه أبو حاتم: "مجهولٌ لا يُعْرَفُ"، وقال عُمرُ بنُ حفصِ بنِ غِيَاثٍ:"تَرَكَ أبي حديثَ أبي مطرٍ" (الجرح

ص: 209

والتعديل 9/ 445).

وبه أَعَلَّ الحديثَ السُّيوطيُّ؛ فقال: "وأبو مطرٍ مجهولٌ"(جمع الجوامع 17/ 328).

الثانية: المختارُ، وهو: ابنُ نافعٍ التَّمَّارُ؛ قال عنه البُخاريُّ والنَّسائيُّ وأبو حاتم والسَّاجيُّ: "منكَرُ الحديثِ"، وقال النَّسائيُّ في موضعٍ آخَرَ:"ليسَ بثقةٍ"، وقال أبو زُرْعةَ:"واهي الحديثِ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كان يأتي بالمناكيرِ عن المشاهيرِ حتى يَسبِقَ إلى القلبِ أنه كان المتعمِّدَ لذلك". وشَذَّ العِجْليُّ فَوَثَّقَهُ. انظر (تهذيب التهذيب 10/ 70). وقال الحافظُ: "ضعيفٌ"(التقريب 6525).

ولذا قال أحمد شاكر: "إسنادُهُ ضعيفٌ"(تحقيق المسند 1355).

* * *

ص: 210

1594 -

حَدِيثُ ابنِ عبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ:

◼ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:((دَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي طَالِبٍ-[بَيْتِي، ] وَقَدْ أَهْرَاقَ المَاءَ (بَالَ)، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ [يَأْخُذُ المُدَّ أَوْ قَرِيبَهُ] حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عبَّاسٍ، أَلَا أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: بَلَى [فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي]، قَالَ: فَأَصْغَى الإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى الأُخْرَى ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ [وَاسْتَنْشَقَ] وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الإِنَاءِ جَمِيعًا فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ (فَصَكَّ بِهِمَا وَجْهَهُ)، ثُمَّ القَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ اليُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ فَتَرَكَهَا تَسْتَنُّ (تَسِيلُ) عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى المِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَدَهُ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ)، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ (فَصَكَّ) بِهَا عَلَى رِجْلِهِ وَفِيهَا النَّعْلُ فَفَتَلَهَا بِهَا

(1)

، ثُمَّ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ.

قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ)).

[الحكم]:

مختلَفٌ فيه، فأنكَره: البُخاريُّ -وتَبِعَه الخَطَّابيُّ، والبَيْهَقيُّ-، والبَزَّارُ. وَضَعَّفَهُ ابنُ الجَوزيِّ.

بيْنما خرَّجَهُ ابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبَّانَ في صحيحيهما، وأقَرَّهما ابنُ دَقيقِ

(1)

وقع في (المسند): ((قَلَبَهَا بِهَا))! ! ، ورواه البَيْهَقيُّ من طريقه بلفظ ((فبلها به)) (الكبرى 351).

ص: 211

العيدِ، وابنُ المُلَقِّنِ. وَصَحَّحَهُ أحمد شاكر. وحَسَّنَهُ الألبانيُّ. والحديثُ متْنُه مُشْكِل، وصَنِيع المُنكِرين له أَقْرَبُ.

[اللغة]:

قال العَيْنيُّ:

1 -

قوله: ((وَقْدَ أَهْرَاقَ)) أي: أراق، والهاء فيه زائدة.

2 -

قوله: ((أَلَا أُرِيكَ)) "أَلَا" كلمةُ تنبيهٍ تَدُلُّ على تحقُّقِ ما بعدها، وتجيء بمعنى التوبيخ، والإنكار، والتَّمنِّي، والاستفهام عن النفي، والعَرْض، والتحضيض.

3 -

قوله: ((فَأَصْغَى)) أي: أَمَالَ.

4 -

قوله: ((وَاسْتَنْثَرَ)) أي: استنشق، وفي بعض الرواية:"هكذا".

وقال الخَطَّابيُّ: معناه: استنشقَ الماءَ، ثُمَّ أخرجه من أنفِهِ.

5 -

قوله: ((حَفْنَة)) الحَفنةُ: مِلْءُ الكفِّ.

6 -

قوله: ((فَضَرَبَ بِهَا)) أي: بالحَفنةِ وَجْهَهُ. فيه دليلٌ على أن ضرْبَ الماءِ على وجهِهِ في الوُضوءِ لا يُكره، ردًّا على قولِ مَن يرى كراهةَ ذلك.

7 -

قوله: ((ثُمَّ القَمَ إِبْهَامَيْهِ)) أي: أدخلَ إبهاميه ما أَقْبَلَ مِن أُذُنيه، من الإلقامِ، كأنه جعلهما لُقمةً لأذنيه. وقوله:((مَا أَقْبَلَ)) مفعولُ ((القَمَ)).

8 -

قوله: ((ثُمَّ الثَّانِيَةَ)) أي: ثُمَّ فَعَلَ المرَّةَ الثانيةَ والثالثةَ مِثْلَ ما فعلَ في الأُولى.

9 -

قوله: ((يَسْتَنُّ عَلَى وَجْهِهِ)) أي: يَسِيلُ ويَنْصَبُّ، مِن سَننْتُ الماءَ، إذا صبَبْتُهُ صَبًّا سهلًا.

ص: 212

10 -

قوله: ((وَظُهُور أُذُنَيْهِ)) أي: مَسَحَ ظَهْرَيْ أُذُنيه، أطلقَ الجمعَ على التثنيةِ مجازًا، ومِن هذا أخذَ الشَّعبيُّ، وقال: إن ظاهرَ الأُذُنينِ مِنَ الرأسِ، وباطِنَها من الوجهِ.

11 -

قوله: ((وَفِيهَا النَّعْلُ)) جملةٌ وقعَتْ حالًا مِن رِجْلِه، النَّعْلُ مؤنَّثة، وهي التي تُلبَسُ في المشي، تُسمَّى الآن: تاسُومة.

12 -

قوله: ((فَفَتَلَهَا بِهَا)) أي: فَتَلَ النَّعلَ بتلك الحَفنةِ من الماءِ، ومعنى فَتَلَها: أدارَ بيدِه فَوْقَ القَدَمِ وتحتَ النَّعْلِ.

13 -

قوله: ((ثُمَّ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ)) أي: فَعَل في رِجْلِه الأخرى مِثْلَ ما فعلَ في الأُولى.

14 -

قوله: ((قَالَ: قُلْتُ)) الضميرُ فيهما راجِعٌ إلى عُبَيدِ اللهِ الخَوْلانيِّ، والضميرُ الذي في قوله:((قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ)) راجعٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. (شرح سنن أبي داود للعَيْنيِّ 1/ 295 - 296).

[الفوائد]:

قال الخَطَّابيُّ: ((وأما مَسْحُهُ على الرِّجْلينِ وهُمَا في النَّعلينِ فإن الروافضَ ومَن ذهبَ مذهبَهم في خلافِ جماعةِ المسلمينَ يحتجُّونَ به في إباحةِ المسْحِ على الرجلينِ في الطهارةِ من الحَدَثِ. واحتَجَّ بذلك أيضًا بعضُ أهلِ الكلامِ، وهو الجُبَّائيُّ، زَعَمَ أن المرءَ مُخيَّرٌ بيْنَ غَسْلِ الرِّجلِ ومَسْحِها!

وحُكِيَ ذلك أيضًا عن محمدِ بنِ جَريرٍ. محتجِّينَ بقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قالوا: والقراءة بالخفض في {أَرْجُلِكُمْ} مشهورةٌ، ومُوجَبها المسْحُ.

وهذا تأويلٌ فاسدٌ مخالِفٌ لقولِ جماعةِ الأُمَّةِ.

ص: 213

فأمَّا احتِجاجُهم بالقراءةِ في الآيةِ فلا درَكَ لهم فيها؛ لأن العطفَ قد يقعُ مرَّةً على اللفظِ المجاورِ ومَرَّةً على المعنى المجاوِرِ، فالأوَّلُ كقولِهم: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، والخَرِب مِن نَعْتِ الجُحْرِ، وهو مرفوعٌ.

وكقول الشاعر:

كأنَّ نَسْجَ العَنْكَبُوتِ المُرْمَلِ

وقولِ الآخَرِ:

مُعاوِيَ إنَّنا بَشَرٌ فأَسْجِحْ

فلسْنا بالجبالِ ولا الحَديدا

وإذا كان الأمرُ في ذلك على مذهبِ اللغةِ وحكم الإعرابِ سواءً في الوجهين، وَجَبَ الرجوعُ إلى بيانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد ثبتَ عنه أنه قال:((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)).

فثبتَ أن استيعابَ الرِّجْلينِ غَسلًا واجبٌ. قلتُ: وقد يكونُ المَسْحُ في كلامِ العربِ بمعنَى الغَسلِ. أخبرَني الأزهريُّ، حدثنا أبو بكرِ بنُ عُثْمَانَ، عن أبي حازمٍ، عن أبي زيدٍ الأنصاريِّ، قال: المسحُ في كلامِ العربِ يكونُ غَسْلًا ويكونُ مسحًا، ومنه يقالُ للرجلِ إذا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ أعضاءَهُ: قد تَمَسَّحَ، ويقال: مَسَحَ اللهُ ما بِكَ، أي: أَذهَبَه عنك وطَهَّرَكَ مِنَ الذُّنُوبِ. (معالم السنن 1/ 50، 51).

[التخريج]:

[د 116 (واللفظ له) / حم 625 (والروايات والزيادات له ولغيرِهِ) / خز 163/ حب 1075/ عل 600/ بز 463، 464/ هق 247، 351/ ضيا (2/ 229 - 230/ 609) / علج 578/ طح (1/ 32/ 135) / طحق 34 مختصرًا/ طبر (8/ 180، 181) مختصرًا/ كما (16/

ص: 214

230، 231) مختصرًا].

[السند]:

أخرجه أحمدُ قال: حدثنا إسماعيلُ، حدثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، حدثني محمدُ بنُ طَلْحةَ بنِ يَزيدَ بنِ رُكانةَ، عن عُبَيدِ اللهِ الخَوْلانيِّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

ومدارُ إسنادِهِ عندَ الجميعِ على محمدِ بنِ إسحاقَ به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات غيرَ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ يَسَارٍ؛ فهو صدوقٌ يدلِّسُ، وقد صرَّحَ بالتحديثِ عند أحمدَ؛ فانتفتْ شُبهةُ تدليسه.

ولذا خرَّجه ابنُ خُزَيْمةَ وابنُ حِبَّانَ في صحيحيهما، وأقَرَّهما ابنُ دَقيقٍ في (الإمام 1/ 507، 508)، وكذا ابنُ المُلَقِّنِ، وقال:"لا جَرَمَ أن ابنَ حِبَّانَ أخرجه في صحيحه"(البدر المنير 2/ 121)، وقال أحمد شاكر:"إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيق المسند).

قلنا: ولكن في متنِ هذا الحديثِ ما يُنكَرُ، فضلًا عما يُشْكِلُ، وهو استنكارُ ابنِ عبَّاسٍ لغَسلِ القدمينِ في النعلينِ -إنْ قلنا بأن فَتْلَهما بالماءِ فيهما يقتَضي الغَسلَ-؛ فقد صَحَّ عنه أنه رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ قدميه في نعليه، فكيف يستغربُ رواية عليٍّ لذلك وقد رواه؟ ! .

وقد أَنكَرَ هذا الحديثَ غيرُ وَاحدٍ من النُّقَّادِ، وعلى رأسهم إمامُ الصنعةِ البُخاريُّ.

فقال التِّرْمِذيُّ: ((سألتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ البُخاريَّ عن هذا الحديثِ، فقال: لا أدري ما هذا الحديث؟ ! )) نقله البَيْهَقيُّ في (السنن الكبرى عَقِبَ

ص: 215

حديث رقم 351).

وقال الخَطَّابيُّ: "وأما هذا الحديثُ فقد تَكَلَّمَ الناسُ فيه، قال أبو عيسى: سألتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ عنه فضعَّفَه، وقال: ما أدري ما هذا"(معالم السنن 1/ 51)، وانظر (الإمام 1/ 507)، و (البدر المنير 2/ 121).

وقال البَيْهَقيُّ عَقِبَ كلام البُخاريِّ: " فكأنه رأى الحديثَ الأولَ أَصَحَّ، يعني: حديثَ عطاء بن يسار".

قلنا: وحديثُ عطاء يرويه عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صفةِ الوُضوءِ، وفيه عند البُخاريِّ: "ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي: اليُسْرَى-، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ» .

وفي رواياتٍ أُخرى لغيرِ البُخاريِّ أن ذلك الرَّشَّ والغَسْلَ كان ورِجلاه في النعلينِ، وقد خرَّجْناه في (باب جامع في صفة الوُضوء).

ثُمَّ قال البَيْهَقيُّ: "يحتمل -إنْ صحَّ- أن يكون غَسَلهما في النعلين، فقد رُوِّينا مِن أوجُهٍ كثيرةٍ عن أميرِ المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه غسلَ رجليه في الوُضوءِ"(السنن الكبرى عَقِبَ حديث رقم 351).

فكأن المشكلةَ عنده في ذكرِ الفَتْلِ فقط دون الغسل، وفاته استغرابُ ابنِ عبَّاسٍ لذكر النعلين، في حين قد روَى هو ذلك كما سبقَ، وأيضًا الفصل بين مسح باطن الأذن وظاهِرِها، حيث جعل الباطن مع الوجه، والظاهِرَ مع الرأسِ.

وحمَل فيه البَزَّارُ على عُبَيدِ اللهِ الخَوْلانيِّ، فقال: "وهذا الحديثُ بهذه الألفاظِ لا نعلمه يُروى عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسنادِ. وعُبيدُ الله الخَوْلانيُّ

ص: 216

لا نعلمُ أن أحدًا يروي عنه غير محمد بن طلحة" (مسند البَزَّارِ 2/ 111).

قلنا: كلا؛ بل روَى عنه بُسْرُ بنُ سعيدٍ، وعاصمُ بنُ عُمرَ بنِ قتادةَ، وروايتُهما عنه في صحيح البُخاريِّ.

وحمَلَ ابنُ الجَوزيِّ فيه على ابنِ إسحاقَ، فقال عَقِبَه:"محمدُ بنُ إسحاقَ مجروحٌ، قد كذَّبَه مالكٌ وهشام"(العلل المتناهية 1/ 351).

قلنا: وهذا إفراطٌ، وابنُ إسحاقَ صدوقٌ، إنما يُخافُ مِن تدليسِهِ، وقد صَرَّح بالسماعِ.

ولذا قال ابنُ دقيقِ العيدِ: "محمدُ بنُ طلحةَ بنِ يَزيدَ بن رُكانةَ قال فيه يحيى بنُ مَعِينٍ: "ثقة". وابنُ إسحاقَ قد صَرَّحَ بأنه حدَّثه في روايةِ يعقوبَ الدَّوْرَقيِّ عنِ ابنِ عُلَيَّةَ عنه؛ فسَلِمَ الحديثُ من احتمالِ التدليسِ. وعبيدُ اللهِ الخَوْلانيُّ محتَجٌّ به في الصحيح"(الإمام 1/ 507)، وانظر (البدر المنير 2/ 121).

نعم، ابنُ إسحاقَ له بعضُ ما يُنْكَرُ، فلعلَّ هذا مِن مناكيرِهِ، لا سيما وقد ذَكَرَ في المتنِ أنه مسحَ باطنَ الأذنينِ مع الوجهِ، وظاهِرَهما مع الرأسِ، وهذا غريبٌ جدًّا.

وقال الحافظُ: "رواه أبو داودَ مُطَوَّلًا، والبَزَّارُ وقال: لا نعلمُ أحدًا روَى هذا هكذا إلا من حديثِ عُبَيدِ اللهِ الخَوْلانيِّ، ولا نعلمُ أن أحدًا رواه عنه إلا محمدُ بنُ طلحةَ بنِ يَزيدَ بن رُكانةَ. وقد صَرَّحَ ابنُ إسحاقَ بالسماعِ فيه، وأخرجه ابنُ حِبَّانَ من طريقِه مختصرًا، وَضَعَّفَهُ البُخاريُّ فيما حكاه التِّرْمِذيُّ"(التلخيص 1/ 136).

وحَكَمَ على ظاهرِهِ الشَّوْكانيُّ، فقال: "وأخرجَ أبو داودَ والبَزَّارُ مِن حديثِ

ص: 217

تعليم عليِّ بنِ أبي طالبٍ وُضوءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه مسَحَ ظُهورَ أُذُنيه، وإسنادُهُ حسَنٌ" (السيل الجرار صـ 55).

وقال الألبانيُّ -تعقيبًا على كلامِ الحافظِ-: "وليس في هذه الحكايةِ ما يُبيِّنُ أن تضعيفَ البُخاريِّ للحديثِ إنما هو مِن قِبَل إسنادِهِ؛ كيف وابنُ إسحاقَ حسَنُ الحديثِ عندَه؟ وابنُ طلحةَ ثقة اتِّفاقًا؟ وعُبَيدِ اللهِ الخَوْلانيُّ مِن رجال صحيحه؟! بل فيها إشارةٌ إلى أن تضعيفَهُ إنما هو مِن قِبَلِ متْنِه؛ وهو قوله: ((فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ وَفِيهَا النَّعْلُ))!

فإنه يُشعِرُ أنه مسَحَ عليها ولم يَغْسِلْهَا، وليس ذلك بمرادٍ؛ لقوله بعد ذلك: ففَتَلها بها؛ يعني: ليسيلَ الماءُ فيَعُمَّ القَدَمَ.

وبالجملةِ؛ فليس في الحديثِ -في متنِهِ أو سندِهِ- ما يقتضي تضعيفَه، لا سيما وقد ثبتَ الرَّشُّ على الرِّجل في (صحيح البُخاريِّ) من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ" (صحيح أبي داود 1/ 199).

قلنا: الرَّشُّ عند البُخاريِّ مقرونٌ بالغَسلِ، وفي المتنِ مع ذلك جعلَ مسْحَ باطن الأذنين مع الوجهِ، وظاهرهما مع الرأسِ، وهذا غريبٌ. وأيضًا فيه استِغرابُ ابنِ عبَّاسٍ لِمَا صحَّ عنه أنه رآه، كما رواه عطاء بن يسار. فالأقربُ أن وجْهَ استِنكارِ البُخاريِّ ما ذكره البَيْهَقيُّ مِن ترجيحِ حديثِ عَطاءِ بنِ يَسارٍ، والله أعلم.

* * *

ص: 218

1595 -

حَدِيثُ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:

◼ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الوُضُوءِ؟ فَأَرَاهُ الوُضُوءَ (فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 1 ثَلَاثًا ثَلَاثًا (فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) 2، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» .

[الحكم]:

إسنادُهُ حسَنٌ. وَصَحَّحَهُ: النَّوَويُّ، وابنُ دَقيقٍ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 145 (واللفظ له) / كن 218، 104، 103/ جه 423/ حم 6684/ خز 184 (والرواية الأولى له ولغيرِهِ) / جا 75/ معر 78 (والرواية الثانية له ولغيرِهِ) / حق (غلق 2/ 96) / هق 374/ منذ 329/ غلق (2/ 96)].

[السند]:

رواه أحمدُ (6684) قال: حدثنا يَعْلَى، حدثنا سفيانُ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده به.

ويَعْلَى هو ابنُ عُبَيدٍ، وسفيانُ هو الثَّوْريُّ.

وأخرجه النَّسائيُّ في كتابيه، وابنُ ماجَهْ، وابنُ المُنْذِرِ، وإسحاقُ، والبَيْهَقيُّ، من طرقٍ عن يَعْلَى.

ويَعْلَى ثقةٌ إلا في سفيانَ؛ ففيه لِينٌ، ولكنْ تُوبِع عليه يَعْلَى:

ص: 219

فرواه ابنُ الجارُود وابنُ خُزَيْمةَ من طريقِ الأَشْجَعيِّ عن سفيانَ به، وله الرواية الأولى.

والأَشْجَعيُّ هو عُبيدُ اللهِ بنُ عُبَيدِ الرحمنِ "ثقةٌ مأمونٌ، أَثْبَتُ الناسِ كتابًا في الثَّوْريِّ"(التقريب 4318).

ورواه ابنُ حَجَرٍ في (التغليق) من طريقِ أبي بكر الحَنَفيِّ، عن الثَّوْريِّ به، وعنده الرواية الثانية.

وأبو بكر اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد، ثقة من رجال الشيخينِ.

وتُوبِع عليه الثَّوْريُّ أيضًا:

فرواه ابنُ الأعرابي (78) من طريقِ إسرائيلَ وهُرَيمِ بنِ سفيانَ، كلاهما عن موسى بن أبي عائشةَ به، وله الرواية الثانية.

وإسرائيلُ ثقةٌ ثبْتٌ، وهُرَيمٌ ثقةٌ صدوقٌ، ورواه غيرُهُم عن موسى كما سيأتي عَقِبَ بقية رواياته.

فالحديثُ مَدارُه عندَهم على موسى بنِ أبي عائشةَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ؛ فرجاله ثقاتٌ غيرَ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ وأبيه؛ فصدوقان كما في (التقريب 5050، 2806).

وفي الاحتجاجِ بهذه السلسلةِ خلافٌ بين النُّقَّادِ؛ ولذا قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "هذا الحديثُ صحيحٌ عند مَن يُصحِّحُ حديثَ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده؛ لصحةِ الإسنادِ إلى عمرٍو"(الإمام 2/ 46).

قلنا: العملُ على الاحتجاجِ بحديثِهِ عن أبيه عن جده إلا فيما استُنكرَ عليه،

ص: 220

فقد قال البُخاريُّ: "رأيتُ أحمدَ بنَ حَنبَلٍ، وعليَّ بنَ عبدِ اللهِ، والحُمَيديَّ، وإسحاقَ بنَ إبراهيمَ، يحتجُّون بحديثِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه"(التاريخ الكبير 6/ 342).

قال الذَّهَبيُّ: "لسنا نقولُ: إن حديثَهُ مِن أعلى أقسامِ الصحيحِ، بل هو من قَبِيلِ الحسنِ"(الميزان 3/ 268).

قلنا: وقد صَحَّحَ حديثَه هذا النَّوَويُّ في (المجموع 1/ 438)، وابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 144 - 145)، وابنُ حَجَرٍ في (التلخيص 1/ 836). وحسَّنَ إسنادَهُ الألبانيُّ في (الصحيحة 2980)، وَصَحَّحَهُ بشاهدٍ له.

وقد أشارَ ابن خُزَيْمةَ -فيما نقله ابنُ حَجَرٍ عنه- إلى اختلافٍ وقعَ فيه على سفيانَ، فقال:"لم يُسنِدْ هذا الخبرَ عن سفيانَ غيرُ الأَشْجَعيِّ ويَعْلَى".

قال ابنُ حَجَرٍ: "وروايتنا من طريقِ أبي بكرٍ الحَنَفيِّ تَرِدُ عليه"(التغليق 2/ 97).

قلنا: وسيأتي من طريقِ أبي أسامةَ عن سفيانَ مسنَدًا أيضًا.

وعبارةُ ابنِ خُزَيْمةَ في (الإتحاف 9/ 474): "لم يوصِلْ هذا الخبرَ غيرُ الأَشْجَعيِّ ويَعْلَى".

قال ابنُ حَجَرٍ: "يعني: أن أصحابَ سفيانَ رَوَوْهُ عنه، عن موسى، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن جده، لم يقولوا: عن أبيه.

وقد رواه التِّرْمِذيُّ في (العلل) من حديث: الفضلِ بنِ موسى، وعيسى بنِ يونسَ، كلاهما عن سفيانَ، كذلك. وكذا رواه عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ، عن سفيانَ" (الإتحاف 9/ 474).

ص: 221

ولعلَّ هذا هو السببُ في قولِ ابنِ العربيِّ -عَقِبَ ذِكْرِه لهذا الحديثِ-: "ولم يثبُتْ"(العارضة 1/ 62).

قلنا: ولم نجدْ روايةَ المذكورين في المطبوعِ من العللِ، ولا في غيرِهِ من المراجعِ!!. ولو ثبتَ عنهم، فروايةُ يَعْلَى ومَن تابعه على وصْلِه أَرْجَحُ؛ لأن سفيانَ تُوبِع على وصْلِه كما سبقَ.

وانظر بقيةَ الروايات التالية.

رِوَايَة: (أَوْ نَقَصَ))

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوُضُوءِ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:((هَكَذَا الطُّهُورُ، فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى، أَوْ ظَلَمَ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ مُطَوَّلًا: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» أَوْ: «ظَلَمَ وَأَسَاءَ» .

[الحكم]:

مختلَفٌ فيه لأجْلِ قوله: «أَوْ نَقَصَ» ، فبسببِ هذه اللفظةِ عَدَّه الإمامُ مسلمٌ مِن مناكيرِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ.

ص: 222

بيْنما صَحَّحَهُ النَّوَويُّ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، والألبانيُّ، غيرَ أنه حَكَمَ على لفظة:«أَوْ نَقَصَ» ، بالشُّذوذِ، وكذا أنكرها ابنُ الموَّاق، والسِّنديُّ. ومنَ العلماءِ مَن أوَّلها بما يَصرِفُها عن ظاهرها، كابنِ حَجَرٍ، والسُّيوطيِّ، وغيرِهم.

[التخريج]:

تخريج السِّياقة الأولى: [ش 58].

تخريج السِّياقة الثانية: [د 134 (واللفظ له) / طح (1/ 33/ 142، 1/ 36/ 176) مختصرًا/ كجي (إمام 1/ 440) / هق 374/ هقخ 281، 282/ بغ 229].

[التحقيق]:

الحديثُ مدارُه على موسى بنِ أبي عائشةَ كما سبقَ، وقد وردَ عنه بزيادةِ «أَوْ نَقَصَ» مِن عِدَّةِ طرقٍ:

الأول:

رواه ابنُ أبي شَيْبةَ (58) قال: حدثنا أبو أسامةَ، عن سفيانَ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده به بلفظِ السِّياقةِ الأولى مختصرًا.

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال الصحيح عدا عَمرٍو وأبيه، وهُمَا صدوقان كما سبقَ.

وأبو أسامةَ هو: حمَّادُ بنُ أسامةَ، ثقةٌ ثبْتٌ ربما دَلَّسَ، وقد عنعنَ، وزاد فيه:«أَوْ نَقَصَ» ، وتفرَّدَ بذلك مِن بيْن أصحاب الثَّوْريِّ.

وقال الألبانيُّ: "هذا إسنادٌ ظاهرُه الصحة، ولكن له علة، وهي عنعنة

ص: 223

أبي أسامة

؛ فإنه مع ثقته، قال الحافظُ فيه:"ربما دلَّسَ، وكان بأَخَرةٍ يُحدِّثُ مِن كُتُبِ غيرِهِ". وإذا كان الأمرُ كذلك، فلا تترجحُ روايته على رواية (يَعْلَى)

، وإن كان يَعْلَى

تَكَلَّمَ فيه بعضُهم في روايتِهِ عن سفيانَ خاصَّةً، إلا أنه قد تُوبِعَ مِن ثقةٍ لا خِلافَ فيه

وعلى هذا فروايةُ (يَعْلَى) أَرْجَحُ مِن روايةِ أبي أسامةَ كما هو ظاهر" (الصحيحة 2980) و (صحيح أبي داود 1/ 229).

ويقصدُ بالثقةِ الذي لا خِلافَ فيه الأَشْجَعيَّ، وقد تابَعه أيضًا أبو بكر الحنَفيُّ كما سبقَ.

الطريق الثاني:

أخرجه أبو داودَ -ومن طريقِهِ البَيْهَقيُّ، والبَغَويُّ-، قال: حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أبو عَوَانةَ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده، به بلفظِ السِّياقة الثانية.

ورواه الطَّحاويُّ، والبَيْهَقيُّ في (الخلافيات 281) من طريقِ مُسَدَّدٍ، إلا أنَّ الطَّحاويَّ اختَصَره.

ورواه الكَجِّيُّ في (سننه) -كما في (الإمام 1/ 440) - من طريقٍ آخَرَ عن أبي عَوَانةَ به مُطَوَّلًا، وفيه: ((فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا -أَوْ قَالَ: تَغْسِلُ كَفَّيْكَ ثَلَاثًا

)) الخ، وكذا في سائرِهِ شَكٌّ بيْن كونِه فِعلًا أو قولًا، والمحفوظُ أنه فِعْلٌ كما رواه مُسَدَّدٌ وغيرُهُ عن أبي عَوَانةَ، والثَّوْريُّ وغيرُهُ عن موسى.

وإسنادُهُ رجاله ثقات رجال الصحيح عدا عَمرٍو وأبيه، وهُمَا صدوقان، ولكن اختَلَفَ النُّقَّادُ في الاحتجاجِ بهذه السلسلةِ كما سبقَ؛ ولذا قال ابنُ دَقيقٍ: "إسنادُهُ صحيحٌ إلى عمرٍو، فمَن يحتَجُّ بنسخةِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن

ص: 224

جده، فهو عنده صحيحٌ" (الإلمام 1/ 67).

وبنحوه قال مُغْلَطايُ في (شرح ابن ماجَهْ 1/ 392)، ثُمَّ نقلَ اختِلافَهم في حالِ عَمرٍو، وفي الاحتجاجِ بحديثِهِ، ولم يُرَجِّحْ.

وتقدم أن العملَ على الاحتجاجِ بحديثِهِ عن أبيه عن جده إلا فيما استُنكرَ عليه، وقد عَدَّ مسلمٌ هذا الحديثَ في جملةِ ما أُنكِرَ على عَمرِو بنِ شُعَيبٍ؛ لأجلِ قوله فيه:«أَوْ نَقَصَ» ؛ فإن ظاهرَهُ ذمُّ النقصِ من الثلاثِ (فتح الباري 1/ 233)، (تغليق التعليق 2/ 97).

وقد عَلَّقَ بعضُ العلماءِ الوهَمَ في ذلك على أبي عَوَانةَ الوَضَّاحِ بنِ عبدِ اللهِ اليَشْكُريِّ رغم كوْنِه منَ الثِّقاتِ الأثباتِ:

فقال ابنُ الموَّاقِ: "والوهَمُ فيه من أبي عَوَانةَ، وهو وإن كان منَ الثِّقاتِ فإن الوهَمَ لا يَسْلَمُ منه بَشَرٌ إلا مَن عُصِمَ"(عون المعبود 1/ 157).

وقال الألبانيُّ: ((فقد اختَلَفَ فيها سفيانُ وأبو عَوَانةَ -واسمه الوَضَّاحُ-، فأَثبَتَها هذا، ولم يَذْكُرْها سفيانُ؛ والقولُ قولُه؛ لأمورٍ ثلاثةٍ:

الأول: أنه أحفظُ مِن أبي عَوَانةَ، قال الدُّوريُّ:"رأيتُ يحيى بنَ مَعِينٍ لا يُقَدِّمُ على سفيانَ في زمانِهِ أحدًا في الفقهِ والحديثِ والزُّهدِ وكلِّ شيءٍ". وقال المصنِّفُ -يعني: أبا داود-: "بلغني عنِ ابنِ مَعِينٍ قال: ما خالَفَ أحدٌ سفيانَ في شيءٍ؛ إلا كان القولُ قولَ سفيانَ". وأبو عَوَانةَ تُكُلِّمَ في حفْظِه؛ على ثقتِهِ وجلالتِهِ، فقال أحمدُ:"إذا حَدَّثَ مِن كتابِهِ فهو أثبتُ، وإذا حَدَّثَ مِن غيرِ كتابِهِ ربما وَهِمَ". وذكرَ نحوَه أبو حاتم؛ إلا أنه قال: "وإذَا حَدَّثَ مِن حفْظِهِ غَلِطَ كثيرًا)) (صحيح أبي داود 1/ 229).

ولكن قد يُعَكِّرُ على إلصاقِ الوهَمِ بأبي عَوَانةَ أن هذه الزيادةَ قد جاءتْ من

ص: 225

طريقِين آخرين كما سيأتي في بقيةِ رواياتِ الحديثِ، وهذا قد يُقوِّي ما ذهبَ إليه مسلمٌ، حيثُ عَدَّه فيما أُنكِرَ على عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، ولكن هذين الطريقين فيهما نظرٌ كما سيأتي، والله أعلم.

والحديثُ بالزيادةِ قد صَحَّحَهُ النَّوَويُّ في (الخلاصة 1/ 116) و (شرح مسلم 3/ 129)، وابن المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 144 - 145)، وابنُ حَجَرٍ في (التلخيص 1/ 142).

وقال الحافظُ ابنُ حَجَر أيضًا: "إسنادُهُ جيِّدٌ"(الفتح 1/ 233).

واستثنَى بعضُهمُ الزيادةَ، فأَنكَرها كما سبقَ، وقد قال ابنُ الموَّاق أيضًا:"إنْ لم يكنِ اللفظُ شكًّا من الراوي فهو من الأوهامِ البيِّنةِ التي لا خَفاءَ لها؛ إذ الوُضوءُ مرَّةً ومرَّتين، لا خلافَ في جوازِهِ، والآثارُ بذلك صحيحةٌ"(عون المعبود 1/ 157).

وقال السِّنديُّ: "وقد جاءَ في بعضِ رواياتِ هذا الحديثِ: (أَوْ نَقَصَ)، والمحقِّقون على أنه وهَمٌ؛ لجَوازِ الوُضوءِ مَرَّةً مرَّةً، ومَرَّتين مرَّتين"(حاشية السِّنديِّ على سننِ النَّسائيِّ 1/ 88).

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: "وأُجِيبَ بأنه أمْرٌ سيِّئٌ، والإساءةُ تتعلقُ بالنَّقصِ، والظُّلْمُ بالزيادةِ. وقيل: فيه حذْفٌ، تقديره: مَن نَقَصَ مِن واحدةٍ؛ ويُؤَيِّدُهُ ما رواه نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ، من طريقِ المُطَّلِبِ بنِ حَنْطَبٍ مرفوعًا:((الوُضُوءُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍ فَقَدْ أَخْطَأَ))، وهو مرسَلٌ رجاله ثقات.

وأُجِيبَ عن الحديثِ أيضًا بأن الرواةَ لم يتَّفِقُوا على ذِكْرِ النقصِ فيه، بل أكثرهم مقتصر على قولِه:«فَمَنْ زَادَ» ، فقط، كذا رواه ابنُ خُزَيْمةَ في

ص: 226

صحيحه وغيرُهُ" (الفتح 1/ 233)، و (التغليق 2/ 97).

وذكرَ العَيْنيُّ توجيهاتٍ عديدةً لهذه الزيادةِ؛ ختمها بقوله: "والصحيحُ أنه محمولٌ على الاعتقادِ دونَ نفْسِ العملِ، معناه: فمَن زادَ على الثلاثِ أو نَقَصَ ولم يرَ الثلاثَ سُنَّةً؛ لأن مَن لم يَرَ سُنَّةَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام فقد ابتَدعَ، فيَلْحَقُه الوعيدُ، حتى لو زادَ على الثلاثِ أو نَقَصَ ورأى الثَلَاثَ سُنَّةً لا يَلْحَقُه هذا الوعيدُ؛ لأن الزيادةَ على الثلاثِ مِن بابِ الوُضوءِ على الوُضوءِ إذا نوَى به، وأنه نور على نور على لسانِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام"(عمدة القاري 2/ 242).

وقال السُّيوطيُّ: "ويحتملُ أن يكون معناه: نَقَصَ بعضَ الأعضاءِ فلم يَغْسِلْها بالكليةِ، وزادَ أعضاءً أُخَرَ لم يُشْرَعْ غَسْلُها، وهذا عندي أَرْجَحُ؛ بدليلِ أنه لم يذكرْ في مسْحِ رَأْسِهِ وأُذُنيه تثليثًا"(عون المعبود 1/ 158).

ويُعَكِّرُ على هذا روايةُ الثَّوْريِّ بلفظ: فَأَرَاهُ الوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا؛ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» .

وروايةُ أبي عُبَيدٍ الآتيةُ بلفظ: «الوُضُوءُ ثَلَاثٌ، فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» .

فظاهِرُهما أن مرادَهُ العددُ، ويمكنُ أن يُجابَ عن روايةِ الثَّوْريِّ بأنها مختصَرةٌ؛ بدليلِ روايةِ أبي بكرٍ الحَنَفيِّ عنه، وكذلك متابعة إسرائيلَ وهُرَيم. بيْنما يُجابُ عن روايةِ أبي عُبَيدٍ بأنها شاذَّةٌ كما سيأتي، والله أعلم.

وقال الألبانيُّ: "حسَنٌ صحيحٌ دونَ قوله: «أَوْ نَقَصَ» فهي شاذَّةٌ، بل هو وهَمٌ من بعضِ الرواةِ، كما عليه المحقِّقون"(صحيح سنن أبي داود 1/ 222، 223).

وانظر الروايات التالية.

ص: 227

رِوَايَة: الوُضُوءُ ثَلَاثٌ

• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ:«الوُضُوءُ ثَلَاثٌ، فَمَنْ زَادَ أَو نَقَصَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» .

[الحكم]:

شَاذٌّ بهذا اللفظِ، والمحفوظُ أن تثليثَ الوضوءِ مِن فِعْلِه صلى الله عليه وسلم، وليس من قوله. وفي ثبوتِ قوله:«أَوْ نَقَصَ» خلافٌ كما مَرَّ.

[التخريج]:

[طهور 90].

[السند]:

رواه أبو عُبَيدٍ في (الطَّهور)، قال: ثنا الحَكَمُ بنُ (بَشِيرِ)

(1)

بنِ سَلْمانَ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده، به.

[التحقيق]:

سبقَ الكلامُ على رجالِهِ سوى الحَكَمِ بنِ بَشِيرٍ، وهو "صدوقٌ"(التقريب 1439).

وقد شَذَّ بجعْلِه تثليثَ الوُضوءِ من قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مِن فِعْلِه، وهذا دليلٌ على أنه لم يحفظه؛ ولذا لا يُطمئَنُّ إلى زيادته فيه:«أَوْ نَقَصَ» .

ولذا قال الألبانيُّ بعد أن رجَّحَ رواية يَعْلَى على روايةِ أبي أسامةَ كما سبقَ: "وقد يخدج على هذا الترجيح، ما رواه أبو عُبَيد في كتابه (الطهور) عن الحَكَمِ بنِ بَشِيرٍ

فأقولُ: لا، وإن سكتَ عنه ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 3/ 336)، وما ينبغي له؛ فإن الحَكَمَ هذا لا يقاوِمُ الثَّوْريَّ في الثقةِ

(1)

تصحَّفَ في مطبوعِ (الطهور) إلى: "بشر"، والصواب المثبَت، كما في مصادر ترجمته.

ص: 228

والحفظِ؛ فإنه لم يُوَثِّقْه غيرُ ابن حِبَّانَ، وقال أبو حاتم:"صدوقٌ". ثُمَّ هو إلى ذلك قد خالفه في موضعٍ آخَرَ كما خالفَ فيه أبا عَوَانةَ أيضًا، وهو جعْلُه وُضوءَه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا من قولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فدَلَّ على أنه لم يحفظْ، فروايتُهُ مرجوحةٌ أيضًا" (الصحيحة 6/ 1198).

رِوَايَة: أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ؟

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ [حَتَّى أَنْقَاهُمَا] ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ [وَأُذُنَيْهِ، بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَبَّلِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ]- قَالَ أَبُو بَدْرٍ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا-، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» أَوْ: «ظَلَمَ وَأَسَاءَ» .

[الحكم]:

غريبٌ بهذا السياقِ، واستغربَ إسنادَهُ الدَّارَقُطنيُّ، والصحيحُ أن مَسْحَ الرأسِ واحدة، يَبْدَأُ بمُقدَّمِ الرأسِ إلى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ يرجعُ بيديه إلى المكانِ الذي بدأَ منه.

[التخريج]:

[منيع (خيرة 557/ 1) (واللفظ له مع الزيادة الثانية) / هقخ 130 (والزيادة الأولى له)].

[التحقيق]:

قال أحمدُ بنُ مَنِيعٍ: حدثنا أبو بدرٍ، عن عَمرِو بنِ قَيْسٍ، عن رجلٍ، عن

ص: 229

عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإبهام الرجلِ الراوي عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ.

وقد رواه غيرُ ابن مَنِيع عن أبي بدرٍ، فصَرَّحَ بأنه موسى بنُ أبي عائشةَ:

فرواه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات)، من طريقِ العبَّاسِ بنِ يَزيدَ البَحْرانيِّ، ثنا أبو بدرٍ شُجاعُ بنُ الوليدِ، عن عَمرِو بنِ قيسٍ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، به.

والعبَّاسُ بنُ يَزيدَ هذا ثقةٌ حافظٌ (تذكرة الحفاظ 518).

وأبو بدرٍ قال عنه الحافظ: "صدوقٌ، وَرِعٌ، له أوهامٌ"(التقريب 2750).

وقد أَغرَبَ بهذا الحديثِ سندًا ومتنًا؛ ولذا قال الدَّارَقُطنيُّ: "غريبٌ من حديثِ عَمرِو بنِ قيسٍ المُلَائيِّ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، تفرَّد به أبو بدر شجاعُ بنُ الوليدِ"(الأطراف 3579).

وفي متنِ الحديثِ ما يَدُلُّ على أن أبا بدر لم يتقنِ الحديثَ؛ فإنه لما ذكرَ مسحَ الرأسِ والأذنينِ قال: ((لَا أَدْرِي أَذَكَرَ مَرَّةً، أَو مَرَّتَيْنِ، أَو ثَلَاثًا)).

فهذا الشَّكُّ منه دَلَّ على أنه لم يحفظِ الحديثَ كما ينبغي، وقد رواه أبو عَوَانةَ عن موسى بنِ أبي عائشةَ، ولم يذكرْ في مسحِ الرأسِ تَكرارًا، بل ذَكَرَ التَّكرارَ في سائرِ الأعضاءِ سِوَى مسْحِ الرأسِ، فلم يَزِدْ على أن قالَ:((ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ)).

وهذا ظاهره عدم التَّكرار في مسحِ الرأسِ، وهو الموافقُ للمحفوظِ في سائرِ الأحاديثِ الأخرى.

ومن أوهامه في المتنِ أيضًا قوله: ((بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَبَّلِهِ))، وقد سبقَ

ص: 230

عند البُخاريِّ من حديث عبد الله بن زيد: ((أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ))، وهذا هو الصحيحُ.

وأما قولُه: «أَوْ نَقَصَ» ، فقد تقدَّمَ الكلامُ عليه.

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بما سَبَق.

[التخريج]:

[طس 7830 (واللفظ له) / طش 1111/ عروبة (الحاكم 54)].

[التحقيق]:

للحديثِ بهذا اللفظِ المختصرِ طريقان:

الأول:

رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط) قال: حدثنا محمودٌ، ثنا عثمانُ بنُ أبي شَيْبةَ، ثنا عليُّ بنُ هاشمٍ، عن جابرِ بنِ الحُرِّ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده، به.

ثُمَّ قال: "لم يَروِ هذا الحديث عن جابرِ بنِ الحُرِّ إلا عليُّ بنُ هاشمٍ، تفرَّد به: عُثْمَانُ بنُ أبي شَيْبةَ".

قلنا: وعُثْمَانُ ثقةٌ حافظٌ، روَى عنه الشيخان، ومحمودٌ الراوي عنه هو:

ص: 231

محمودُ بنُ محمدِ بنِ مَنُّويَهْ الواسِطيُّ الحافظُ المفيدُ، (السير 14/ 242).

وعليُّ بنُ هاشمٍ صدوقٌ من رجالِ مسلمٍ.

فأما جابرُ بنُ الحُرِّ فلم نجدْ فيه سوى قولِ الأَزْديِّ: "يتكلَّمونَ فيه"(اللسان 1730).

وقد تُوبِع عليه جابرٌ، تابَعه الثَّوْريُّ وغيرُه كما سبقَ، لكنَّ جابرًا اختَصَر متْنَه.

الطريق الثاني:

رواه أبو عَرُوبةَ والطَّبَرانيُّ في (مسنده)، من طريقِ بَقيَّةَ بنِ الوليدِ، عن حبيبِ بنِ صالحٍ، عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جده، به إلا أن لفظَ الطَّبَرانيِّ:«كَانَ يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لأجْلِ عنعنةِ بَقيَّةَ بنِ الوليدِ؛ فهو كثيرُ التدليسِ عن الضُّعفاءِ.

فأما حبيبُ بنُ صالحٍ فهو الطَّائيُّ الحِمْصيُّ، ثقةٌ.

ص: 232

1596 -

حَدِيثُ ابنِ عبَّاسٍ:

◼ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الوُضُوءُ؟ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَظَاهِرِ أُذُنَيْهِ مَعَ رَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا الوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» .

[الحكم]:

حسَنٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طب (11/ 75/ 11091].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ المَعْمَريُّ، ثنا محمدُ بنُ هاشمٍ البَعْلَبَكِّيُّ، ثنا سُوَيدُ بنُ عبدِ العزيزِ، حدثني الحَجَّاجُ بنُ دينارٍ، عن منصورِ بنِ المُعتَمِرِ، عن مجاهدٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: سُوَيدُ بنُ عبدِ العزيزِ؛ وهو: "ضعيفٌ" كما في (التقريب 2692).

ولذا قال الهيثَمِيُّ: "رواه الطَّبَرانيُّ في الكبير، وله في الصحيحِ حديثٌ غيرُ هذا، وفيه: سُوَيدُ بنُ عبدِ العزيزِ؛ ضعَّفَه أحمدُ ويحيى وجماعةٌ، وَوَثَّقَهُ دُحَيم"(مجمع الزوائد 1176).

قلنا: وبقيَّةُ كلامِ دُحَيمٍ: "وكانت له أحاديثُ يَغلطُ فيها" (تهذيب الكمال

ص: 233

12/ 260).

والمَعْمَريُّ في حديثِهِ غرائبُ وأشياءُ ينفردُ بها، (تاريخ بغداد 3845).

ويشهدُ لمتنِ الحديثِ حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو المُخَرَّجُ آنفًا.

ص: 234

1597 -

حَدِيثُ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ:

◼ عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، قَالَ:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا [ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .

[الحكم]:

حسَنٌ. وحَسَّنَهُ: ابنُ الصَّلاحِ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، والعَيْنيُّ، والصَّنعانيُّ، والشَّوْكانيُّ. وَصَحَّحَهُ: الطَّبَريُّ، والنَّوَويُّ، والألبانيُّ. وجوَّدَهُ مُغْلَطايُ.

[الفوائد]:

وَرَدَ في هذا الحديثِ تأخيرُ المضمضةِ والاستنشاقِ بعد غَسْلِ الذِّراعينِ، كذا عندَ الجميعِ إلا أبا داودَ، فقد جاءَ في بعضِ نسخه على الترتيبِ المعروفِ، والصوابُ روايةُ الجماعةِ؛ وذلك لأمورٍ:

الأول: أن أبا داودَ إنما رواه عن أحمدَ، وأحمدُ قد رواه بتأخيرِ المضمضةِ والاستنشاقِ كما سبقَ، فروايتُه هي الأصلُ.

الثاني: أن النسخةَ التي شرَحَها العَيْنيُّ مِثْلُ روايةِ أحمدَ، وكذا النسخةُ التي عليها شرح عون المعبود.

وقد قال السُّيوطيُّ: "احتَجَّ به مَن قالَ: الترتيبُ في الوضوءِ غيرُ واجبٍ؛ لأنه أَخَّرَ المضمضةَ والاستنشاقَ عن غَسلِ الذراعينِ، وعَطَفَ عليه بثُمَّ. قلتُ (القائلُ هو السُّيوطيُّ): هذه روايةٌ شَاذَّةٌ، لا تُعارِضُ الروايةَ المحفوظةَ التي فيها تقديمُ المضمضةِ والاستنشاقِ على غَسْلِ الوجهِ"(عون المعبود 1/ 146).

ص: 235

وتَعقَّبَه الألبانيُّ قائلًا: "إن كان يعني بالروايةِ المحفوظةِ من هذا الحديثِ كما هو الظاهرُ؛ فإني لم أقفْ عليها فيما عندي من كتبِ السُّنَّةِ؛ غيرَ ما عَلِمْتَ مِن اختلافِ نُسَخِ (السنن)؛ فلعلَّ السُّيوطيَّ وقفَ على النسختينِ؛ فرجَّحَ النسخةَ الأُولى؛ لموافقتها لسائرِ الأحاديثِ. وقد رَأَيتُ الزَّيْلَعيَّ نقل الحديث (1/ 12) عن المصنِّفِ موافِقًا لها؛ فدَلَّ ذلك على أن النسخَ مختلفةٌ، لكن الراجح النسخة الأخرى؛ لِمَا ذكرنا من موافقتها للمسندِ"(صحيح أبي داود 1/ 207).

وقال ابنُ تيميَّةَ: "والروايةُ الثانيةُ -أي: عن أحمدَ- أنه يجوزُ تأخيرُهما عن جميعِ الأعضاءِ، وأنه لا يجبُ الترتيبُ والموالاةُ بيْنهما وبيْن غيرِهما؛ لِمَا روى المِقْدامُ بنُ مَعْدِي كَرِبَ، قال: ((أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا)). رواه أحمدُ، وأبو داودَ؛ ولأن وجوبهما لم يُعْلمْ بنصِّ القرآنِ، والترتيبُ إنما يجبُ بينَ الأعضاءِ المذكورةِ في القرآنِ؛ ليَبْدَأَ بما بدأَ اللهُ به، وإنما هُمَا منَ الوجهِ على سبيلِ التَّبَعِ، كما أن الأذنينِ من الرأسِ، فجازَ غَسْلُهما تبعًا"(شرح العمدة 1/ 180).

[التخريج]:

[د 120/ حم 17188 (واللفظ له) / طب (20/ 276/ 654 (والزيادة له)، 655) / طش 1076].

[السند]:

أخرجه أحمد -وعنه أبو داودَ-، قال: حدثنا أبو المُغيرة، قال: حدثنا حَرِيز، قال: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَيْسرَةَ الحَضْرَميُّ، قال: سمِعتُ المِقْدامَ بنَ مَعْدِي كَرِبَ الكِنْديَّ

به.

ص: 236

ومدارُ إسنادِه عندَ الجميعِ على حَرِيزِ بنِ عُثْمَانَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجاله ثقات رجالُ البُخاريِّ؛ غيرَ عبدِ الرحمنِ بنِ مَيْسَرةَ؛ وهو حسَنُ الحديثِ، فقد روَى عنه جماعةٌ منَ الثِّقاتِ منهم حَرِيز، وقال أبو داودَ:"شيوخُ حَرِيزٍ كلُّهم ثقات". وَوَثَّقَهُ العِجْليُّ (التهذيب 17/ 450)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 5/ 109)، وقال الذَّهَبيُّ:"ثقة"(الكاشف 3327).

بينما قال ابنُ المَدِينيِّ: "مجهولٌ؛ لم يَروِ عنه غيرُ حَرِيزِ بنِ عُثْمَانَ"(التهذيب 17/ 450)، وتَبِعَه ابنُ القَطَّانِ في (بيان الوهم والإيهام 2/ 195)، وأَعَلَّ به الحديثَ.

وتَعقَّبَه العِراقيُّ، فقال:"قال ابنُ القَطَّانِ: (مجهولُ الحالِ لا يُعرَفُ، لم يَروِ عنه إلا حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ)، قلت: ليس كذلك؛ بل رَوَى عنه أيضًا ثَوْرُ بنُ يَزيدَ وصَفْوانُ بنُ عَمرٍو، وَوَثَّقَهُ العِجْليُّ وابن حِبَّانَ"(ذيل الميزان صـ 147).

وتأثَّرَ الحافظُ بكلامِ ابنِ المَدِينيِّ وابنِ القَطَّانِ، فقال فيه:"مقبولٌ"(التقريب 4022).

وقد خالَفَ الحافظُ تقريرَه هذا، حيثُ حسَّنَ إسنادَهُ في (التلخيص 1/ 156).

وقال الطَّبَريُّ في (تهذيب الآثار): "إسنادُهُ صحيحٌ"(إكمال تهذيب الكمال لمُغْلَطاي 8/ 239).

وَصَحَّحَهُ أيضًا: النَّوَويُّ في (الخلاصة 1/ 110)، والألبانيُّ في (الصحيحة 261)، وفي (صحيح أبي داودَ 1/ 112).

ص: 237

وحَسَّنَهُ: ابنُ الصَّلاحِ -كما في (البدر المنير 2/ 209) -، وابنُ المُلَقِّنِ في (البدر 2/ 209)، والعَيْنيُّ في (العمدة 4/ 225)، والصَّنعانيُّ في (السُّبُل 1/ 46).

وقال مُغْلَطايُ في (التلويح): "سندٌ جيِّدٌ"(عمدة القاري للعيني 3/ 14).

وقال الشَّوْكانيُّ: "إسنادُهُ صالحٌ"(نيل الأوطار 1/ 183).

[تنبيه]:

الحديثُ عَزَاهُ الشَّوْكانيُّ والألبانيُّ للضِّياءِ في (المختارة)، ولم نجدْهُ في الأجزاء المطبوعة منها، والله أعلم.

* * *

رِوَايَةُ: حَتَّى بَلَغَ القَفَا:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، قَالَ:((رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ، وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُمَا، حَتَّى بَلَغَ القَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسْحِ رَأْسِهِ] 1 [مَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا] 2 [مَرَّةً وَاحِدَةً] 3 [وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ] 4)).

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسَنٌ. وحَسَّنَهُ: ابنُ الصَّلاحِ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ حَجَرٍ، والعَيْنيُّ، والصَّنعانيُّ، والشَّوْكانيُّ. وَصَحَّحَهُ: عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وأبو العبَّاسِ القُرْطُبيُّ، والنَّوَويُّ، والألبانيُّ.

ص: 238

[التخريج]:

[د 121 (واللفظ له)، 122 (والزيادة الثانية والرابعة له ولغيرِهِ) / جه 446 مختصرًا/ طب (19/ 378/ 887)، (20/ 277/ 656) / طش 1077 (والزيادة الأولى له) / جا 74 مختصرًا/ طح (1/ 32/ 139) (والزيادة الثالثة له ولغيرِهِ) / هق 272، 305/ طهور 334، 354 مختصرًا/ مخلص 862].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا محمودُ بنُ خالدٍ، ويعقوبُ بنُ كَعْبٍ الأَنْطاكيُّ -لفظُه-، قالا: ثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ، عن حَرِيزِ بنِ عُثْمَانَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَيْسَرةَ، عن المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ، به.

قال محمودٌ: "قال: أخبرني حَرِيزٌ".

ويعني بذلك أن الوليدَ صَرَّحَ في روايةِ محمودٍ بالسماعِ من حَرِيزِ بنِ عُثْمَانَ. وقد وَرَدَ ذلك في غيرِ روايةِ أبي داودَ أيضًا:

فرواه ابنُ ماجَهْ عن هشامِ بنِ عَمَّارٍ.

والطَّبَرانيُّ في (الكبير 887) من طريقِ محمدِ بنِ خالدٍ.

ورواه أيضًا في (مسند الشاميين 1077) من طريقِ صَفْوانَ بنِ صالحٍ.

ورواه الطَّحاويُّ عن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مَيْمونٍ البَغداديِّ.

قالوا: ثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ، ثنا حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ به. ولفظُ الطَّبَرانيِّ في (الكبير):"أخبرني حَرِيزٌ".

ومَدارُه عندَهم على: الوليد به.

ص: 239

[التحقيق]:

إسنادُهُ حسَنٌ؛ مِن أجْلِ عبدِ الرحمنِ بنِ مَيْسَرةَ، وقد سبقَ بيانُ حالِهِ.

والوليدُ بنُ مسلمٍ وإنْ كان يُدلِّسُ ويُسَوِّي، فقد ثبتَ هنا سماعُه من شيخِهِ، وثبتَ في الروايةِ السابقةِ سماعُ حَرِيزٍ من شيخِهِ؛ فانتفتْ شبهةُ التدليسِ والتسويةِ. وغَفَلَ عن ذلك ابنُ القَطَّانِ، فأَعَلَّ الحديثَ في (بيان الوهم والإيهام 4/ 109) بعنعنةِ الوليدِ، وتَعقَّبَه ابنُ دَقيقٍ في (الإمام 1/ 572، 573)، ومُغْلَطاي في (شرح ابن ماجَهْ 1/ 442 - 443) بنحو ما ذكرنا.

وهذه الروايةُ حَسَّنَهُا: ابنُ المُلَقِّنِ في (خلاصة البدر المنير 1/ 37)، والحافظُ في (التلخيص 1/ 156)، والبدرُ العَيْنيُّ في (العمدة 4/ 225)، والصَّنعانيُّ في (سبل السلام 1/ 46).

وَصَحَّحَهُا: النَّوَويُّ في (الخلاصة 1/ 110) والألبانيُّ في (صحيح أبي داود 114).

وذكرها عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 170) وسكتَ عنها مصحِّحًا لها.

وقال أبو العبَّاسِ القُرْطُبيُّ: "قد جاءتْ أحاديثُ صحيحةٌ في كتاب النَّسائيِّ وأبي داودَ وغيرِهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخَيْهِ» "(المُفْهِم 1/ 489).

وقال ابنُ المُلَقِّنِ: "هذا حديثٌ سكتَ عليه أبو داودَ وعبدُ الحَقِّ؛ فيكونُ محتَجًّا به عندهما، إما صحيحًا أو حسنًا عند أبي داودَ، وإما صحيحًا عند عبدِ الحَقِّ"(البدر المنير 2/ 207).

ص: 240

قلنا: فأما سكوتُ أبي داودَ، فلا يستلزمُ الصِّحَّةَ أو الحُسنَ؛ كما قرَّرَهُ المحقِّقون مِن أهلِ العلمِ، وينظر لهذا تفصيلُ ابنِ حَجَرٍ في (النكت 1/ 146).

وأما سكوتُ عبدِ الحَقِّ فيعني أنه صحيح عنده -بلا تردُّدٍ- كما ذكره في مقدمة كتابه.

هذا وقد قال مُغْلَطايُ مستدرِكًا على ابنُ القَطَّانِ -بعدما أجابَ عما ذكره مِن عِلَلٍ-: "سكوتُهُ عن علةٍ -إنْ صحَّتْ- كانت قادحةً، بخلافِ ما ذكره من العللِ؛ ذَكَرها العسكريُّ أبو أحمدَ، عن هشامِ بنِ محمدِ بنِ السائبِ الكَلْبيِّ: "أن المِقْدَامَ بنَ مَعْدِي كَرِبَ وَفَد على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأَقَامَ بالمدينةِ أربعينَ يومًا، ثُمَّ هَلَكَ"، فعلى هذا يكونُ حديثُ عبدِ الرحمنِ بنِ مَيْسَرةَ عنه منقطعًا؛ لأنه ليسَ صحابيًّا، وإما وفدت الوفود سنة تسع، والله أعلم"(شرح ابن ماجَهْ 1/ 444).

قلنا: وهذه علةٌ معلولةٌ، لا تَصِحُّ بحالٍ؛ وبيانُ ذلك من وجوهٍ:

الأول: أن قائلَ ذلك هشامُ بنُ محمدِ بنِ السَّائِبِ الكلبيُّ متروكٌ متَّهَمٌ، معروفٌ بالرفضِ، كما في (لسان الميزان 8268)؛ فلا عِبْرةَ بقولِهِ ولا كرامةَ.

الثاني: أن الصوابَ في وفاةِ المِقْدامِ ما ذكره محمدُ بنُ سعدٍ، ويحيى بنُ بُكَير، وعَمرُو بنُ عليٍّ الفَلَّاسُ، وأبو حسَّان الزِّياديُّ، وأبو عُبَيدٍ: أنه ماتَ بالشامِ سنةَ سبعٍ وثمانينَ. وقيل: ماتَ سنةَ ثمانٍ وثمانينَ، وقيل: مات سنة سِتٍّ وثمانين، وقيل: مات سنة ثلاثٍ وثمانين. انظر (تهذيب التهذيب 10/ 287).

ص: 241

الثالث: أن عبدَ الرحمنِ بنَ مَيْسَرةَ قد صَرَّحَ بالسماعِ مِن المِقْدام؛ فبَطَلَتْ هذه العِلَّةُ.

* * *

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .

[الحكم]:

صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسَنٌ. وَحَسَّنَهُ البُوصيريُّ، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ.

[التخريج]:

[جه 460].

[السند]:

قال ابنُ ماجَهْ: حدثنا هشامُ بنُ عمَّارٍ، حدثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ، حدثنا حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَيْسَرةَ، عن المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ حسَنٌ؛ من أجْلِ عبدِ الرحمنِ بنِ مَيْسَرةَ، وقد مَرَّ بيانُ حالِهِ.

والحديثُ حسَّنَ إسنادَهُ البُوصيريُّ في (الزوائد 1/ 66).

وقال الشيخُ الألبانيُّ: "صحيحٌ"(صحيح ابن ماجَهْ 457).

* * *

ص: 242

1598 -

حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

◼ عَنْ رَاشِدٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الحِمَّانِيِّ، قَالَ: رَأَيتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ رضي الله عنه بِالزَّاوِيَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ كُنْتَ تُوَضِّئُهُ. قَالَ: «نَعَمْ» ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وبِقَدَحٍ نُحِتَ -يَقُولُ: كَمَا نُحِتَ فِي أَرْضِهِ-، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ المَاءِ، فَأَنْعَمَ غَسْلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ اليُمْنَى فَغَسَلَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ اليُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَّهَا عَلَى أُذُنَيْهِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ كَفَّيْهِ جَمِيعًا فِي المَاءِ. قال: فَذَكَرَ الحَدِيثَ.

[الحكم]:

إسنادُهُ حسَنٌ، وَحَسَّنَهُ الهيثميُّ، وقال ابنُ حَجَرٍ:"إسنادُهُ صالحٌ". وأخرجه الضِّياءُ في (المختارة).

[التخريج]:

[طس 2905 (واللفظ له) / ضيا (6/ 122/ 2117)].

[السند]:

أخرجه الطَّبَرانيُّ -ومن طريقِه الضِّياءُ-، قال: حدثنا إبراهيمُ [بنُ هاشمٍ البَغَويُّ]، قال: حدثنا إبراهيمُ بنُ الحَجَّاجِ الساميُّ، قال: حدثنا بَكَّارُ بنُ سُقَيرٍ، قال: حدثني راشِدُ أبو محمدٍ الحِمَّانيُّ

فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ؛ فيه: راشِدُ بنُ نَجِيحٍ الحِمَّانيُّ؛ قال عنه أبو حاتم: "صالحُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 3/ 484)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 4/ 234)، وقال:"ربما أخطأَ"، وقال البَزَّارُ:"بصريٌّ، ليس به بأسٌ"

ص: 243

(المسند 10/ 82)، وقال الحاكمُ:"عزيزُ الحديثِ"(المعرفة صـ 249)، وذكره ابنُ خَلْفونَ في (الثِّقات)(الإكمال 4/ 308)، وقال الذَّهَبيُّ:"شيخٌ مُقِلٌّ من الروايةِ، ما علِمْتُ به بأسًا، بل قد قال بعضُهم: صدوقٌ"(تاريخ الإسلام 3/ 860)، وقال في (الديوان 1377):"صدوقٌ"، وقال ابنُ حَجَرٍ:"صدوقٌ، ربما أخطأ"(التقريب 1857).

وبكار بن سقير؛ وقد ترجمَ له البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 2/ 122)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 408) بروايةِ جمعٍ منَ الثِّقاتِ عنه منهم إمامُ العللِ عليُّ بنُ المَدِينيِّ، وقال البُخاريُّ:"أثنى عليه عبدُ الرحمنِ بنُ المباركِ خيرًا"، وقال ابنُ مَعِينٍ:"صالحُ الحديثِ"(المؤتلف والمختلف للدارقطني 3/ 1172)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 107) وقال:"كان من العُبَّادِ". وقال الذَّهَبيُّ: "ما علِمْتُ فيه جرحًا"(تاريخ الإسلام 12/ 86).

وبقية رجاله ثقات؛ إبراهيمُ بنُ الحَجَّاجِ الساميُّ: "ثقةٌ يَهِمُ قليلًا"(التقريب 162).

وإبراهيمُ بنُ هاشمٍ البَغَويُّ، قال فيه الدَّارَقُطنيّ:"ثقةٌ مأمونٌ"(سؤالات السُّلَمي 25)، و (تاريخ بغداد 7/ 159)، وكذا وَثَّقَهُ ابنُ الجَوزيِّ في (المنتظم 2036).

ولذا أخرجه الضِّياءُ في (المختارة).

وقال الهيثميُّ: "إسنادُهُ حسَنٌ"(مجمع الزوائد 1172).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "إسنادُهُ صالحٌ"(التلخيص الحبير 1/ 143).

بينما قال الزَّيْلَعيُّ عن حديثِ أنسٍ: "لم أَجِدْه في الطَّبَرانيِّ (الأوسط)، ويُضَعِّفُه ما رواه ابنُ أبي شَيْبةَ في (مصنَّفه)، حدثنا إسحاقُ الأزرقُ، عن

ص: 244

أبي العلاءِ، عن قَتادةَ عن أنسٍ:((كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثًا، يَأْخُذُ لِكُلِّ مَسْحَةٍ مَاءً جَدِيدًا)) (نَصْب الراية 1/ 30).

قلنا: الحديثُ في (الأوسط) كما تقدم، وقولُه: "يُضَعِّفُه ما رواه ابنُ أبي شَيْبةَ

"؛ ليس بجيِّدٍ؛ فحديثُ ابنِ أبي شَيْبةَ فيه: أيوبُ أبو العلاء القَصَّابُ؛ متكَّلَمٌ في حفْظِه، وفيه عنعنةُ قتادةَ، ثُمَّ إنْ ثَبَتَ فهو موقوفٌ، والعِبرةُ بما روَى، لا بما رأى.

* * *

ص: 245

رِوَايَةُ: وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ:

• وَفِي رِوَايَةٍ 1: عَنْ أَيُّوبَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ القُرَشِيِّ، قَالَ:((رَأَيتُ الحَسَنَ بنَ أَبِي الحَسَنِ قَدْ تَوَضَّأَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، وَخَرَجَ فَاسْتَقْبَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَقَالُوا لَهُ: اشْتَبَهَ عَلَيْنَا الوُضُوءُ، فَنُحِبُّ أَنْ تُرْشِدَنَا، فَقَالَ: قَدْ تَوَضَّأْتُ الظُّهْرَ وَلَكِنِّي سَأُعِيدُ وُضُوئِي، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَدَعَا جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: مَلِيحَةُ، فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، ائْتِينَا بِتِلْكَ القُلَّةِ، فَجِيءَ بِكُوزِ مَاءٍ صُبَّ فِي تَوْرٍ لَهُ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ [ثَلَاثَ مَرَّاتٍ]، وَتَمَضْمَضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً، وَمَسَحَ أُذُنَيْهِ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

• وَفِي رِوَايَةٍ 2: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، ((أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: صِفْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِطَسْتٍ، فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 3: عَنِ الحَسَنِ، ((وَسُئِلَ عَنِ الوُضُوءِ، فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَمَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ هَذَا وَضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

• وَفِي رِوَايَةٍ 4: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ» .

ص: 246

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وأشارَ إلى ضَعْفِهِ: البَزَّارُ، وابنُ عَدِيٍّ، وتَبِعَه ابنُ طَاهِرٍ.

[التخريج]:

تخريج السِّياقة الأولى: [لا 929 (واللفظ له) / قط 370/ ضيا (5/ 241، 242/ 1866، 1867)].

تخريج السِّياقة الثانية: [بز 6671].

تخريج السِّياقة الثالثة: [عد (2/ 215)].

تخريج السِّياقة الرابعة: [محد (4/ 214/ 623)].

[التحقيق]:

أخرجه الدُّولابيُّ، قال: حدثني عليُّ بنُ عبدِ العزيزِ، قال: حدثنا مُعَلَّى بنُ أَسدٍ، قال: حدثنا أيوبُ بنُ عبدِ اللهِ القرشيُّ أبو خالدٍ، قال: رأيتُ الحسنَ بنَ أبي الحسنِ

به.

ورواه البَزَّارُ وأبو الشيخِ والدَّارَقُطنيُّ والضِّياءُ من طرقٍ عن مُعَلَّى بنِ أسدٍ به، إلا أن البَزَّارَ اختَصَره بلفظِ السِّياقةِ الثانيةِ، واختَصَره أبو الشيخِ بلفظِ السِّياقةِ الرابعةِ، وعند الدَّارَقُطنيِّ بلفظ: ((رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ أَبِي الحَسَنِ دَعَا بِوُضُوءٍ بِكُوزٍ، فَجِيءَ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ فِي تَوْرٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

"، الحديثَ بنحو السِّياقةِ الأولى.

ورجاله ثقات رجال الصحيح سوى أيوبَ القرشيِّ، ترجمَ له ابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 251) ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولذا قال ابنُ دَقيقٍ:"لم يَزِدْ ابنُ أبي حاتم في تعريفِ أيوبَ هذا على ما في هذا الحديثِ"، وقال الذَّهَبيُّ:"لا يُعرَفُ"، وأقَرَّه الحافظُ (اللسان 1365).

ص: 247

بينما قال أبو الطيبِ آبادي: "ليس في إسنادِ هذا الحديثِ مجروحٌ"(التعليق المغني على الدارقطني/ بحاشة السنن ط. الرسالة 370).

قلنا: نعم، ولكن فيه مجهولٌ، وبه أَعَلَّه البَزَّارُ، فقال:"هذا الحديثُ لا نعلمُ رواه عن الحسنِ عن أنسٍ إلا أيوبُ بنُ عبدِ اللهِ، وهو رجلٌ من أهلِ البصرةِ لا نعلمُ حَدَّثَ عنه إلا مُعَلَّى بنُ أسد، ولا روَى عن الحسنِ عن أنسٍ إلا هذا الحديث".

قلنا: قد رواه عنه غيرُ مُعَلَّى، فقد قال الضِّياءُ: "ورواه أبو عَرُوبةَ الحَرَّانيُّ، عن إسحاقَ بنِ زيدٍ وسُلَيمانَ بنِ سَيْفٍ، كلاهما عن محمدِ بنِ سُلَيمانَ، عن أيُّوبَ بنِ عبدِ اللهِ البصريِّ، قال: ((شَهِدْتُ الحَسنَ وَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ خُرَاسَانَ

)) (المختارة 5/ 241، 242).

وأبو عَرُوبةَ وابنُ سَيْفٍ ثقتان حافظان، ومحمدُ بنُ سُلَيمانَ هو المعروفُ ببُومةَ، مختلَفٌ فيه.

وقد رواه ابنُ عَدِيٍّ في ترجمةِ أيوبَ من (الكامل 2/ 215) من طريقٍ آخَرَ مجهولٍ عن بُومةَ به بلفظِ السِّياقةِ الثالثةِ، ثُمَّ قال:"وأيوبُ بنُ عبدِ اللهِ هذا لم أَجِدْ له مِنَ الحديثِ غيرَ هذا الحديثِ الواحدِ، وهو من هذا الطريقِ، لا يُتابَعُ عليه".

وأقَرَّهُ ابنُ طَاهرٍ في (الذخيرة 3186).

قلنا: ولمتنهِ شواهدُ تَقَدَّمَ بعضُها، وستأتي بقيتُها، حتى المسحَ على العمامةِ الذي زِيدَ في روايةِ ابنِ عَدِيٍّ من طريقٍ مجهولٍ، قد رُوِيَ في أحاديثَ أخرى كما سيأتي في بابِهِ.

ص: 248

رِوَايَة: بِهَذَا أَمَرَني رَبِّي عز وجل

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ إِبرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: كَيْفَ تَتَوَضَّأُ

(1)

؟ فَقَالَ: تَسْأَلُنِي كَيْفَ أَتَوَضَّأُ، وَلَا تَسْأَلُنِي كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ [قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:] «رَأَيتُهُ يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، [وَقَالَ:«بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل» ].

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ. ووُضُوءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا، ثابتٌ مِن غيرِ ما وجهٍ كما سبقَ.

[التخريج]:

[طس 1571 (واللفظ له) / طص 76 (والزيادة الثانية له وللباقين) / طش 9/ معقر 1066 (والزياد الأولى له ولغيرِهِ) / كر (35/ 6) / حل (5/ 245) / ثحب (8/ 258)].

[السند]:

رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط) و (الصغير) قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن السُّكَين المَوْصِليُّ، قال: حدثنا الزُّبير بن محمد القرشيُّ الرُّهاويُّ، قال: حدثنا قتادة بن الفُضَيل بن قتادةَ الحَرَشيُّ، قال: حدثنا إبراهيمُ بن أبي عَبْلةَ، به.

ورواه الباقون من طرقٍ عن الزُّبير بن محمد به، فمَدارُه عندَهم عليه.

(1)

((كذا في (الأوسط) وغيرِه، وفي (الصغير) وغيرِه:((أَتَوَضَّأُ))! والمثبَتُ أَلْيَقُ بالسياقِ. ووقع في (مسند الشاميين) من الطريقِ نفْسِها: ((سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟))!! فالظاهرُ أن فيه سقطًا بسببِ انتقالِ النظرِ مِن كيفَ الأُولى إلى كيف الثانية.

ص: 249

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن إبراهيمَ إلا قتادةُ، تفرَّدَ به الزُّبيرُ".

[التحقيق]:

إسنادُهُ لَيِّنٌ؛ فيه: الزبيرُ بنُ محمدٍ الرُّهاويُّ؛ لم نجدْ مَن وَثَّقَهُ سوى ابن حِبَّانَ، ذكره في (الثِّقات 8/ 257)، ولذا قال الهيثميُّ:"رجاله ثقات"! (المجمع 1173).

وقد تفرَّدَ به، ولذا قال الدَّارَقُطنيُّ:"غريبٌ من حديثِ إبراهيمَ عن أنسٍ. تفرَّدَ به قتادةُ بنُ الفُضيلِ عنه، ولا نعلمُ حدَّثَ به غيرُ الزبيرِ بنِ محمدٍ القُرشيِّ الرُّهاويِّ"(الأطراف 631).

فأما قتادةُ بنُ الفُضَيلِ -وقيل: الفَضْل- أبو حُمَيدٍ الرُّهاويُّ؛ فذكره البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 7/ 187)، وقال أبو حاتم:"شيخٌ"(الجرح والتعديل 7/ 135)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 341، 9/ 22)، وقال ابنُ شاهين:"كان ثقةً"(تاريخ الثِّقات 1176)، وقال الذَّهَبيُّ:"وُثِّقَ"(الكاشف 4552)، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 5519).

وإبراهيمُ بنُ أبي عَبْلةَ ثقةٌ من رجالِ الشيخينِ.

ووُضُوءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا ثابتٌ من غيرِ ما وجهٍ كما سبقَ، وقوله:«بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل» له طرقٌ أخرى كثيرة، انظرها في (بابِ تخليلِ اللحيةِ)، ووقعَ في رواية (الثِّقات) لابنِ حِبَّانَ:«أَمَرَنِي بِذَلِكَ جِبْرِيلُ عليه السلام» ، وهي روايةٌ بالمعنى، والله أعلم.

ص: 250

رِوَايَة: أَلَا أُخْبِرُكُمْ كَيْفَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ كَيْفَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ ثَوْبًا وَاحِدًا فَصَلَّى فِيهِ» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ: ابنُ عَدِيٍّ، وابن القَيْسَرانيِّ.

[التخريج]:

[عد (4/ 13)].

[السند]:

قال ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل): ثنا إسماعيلُ بنُ داودَ، ثنا هارونُ بنُ سعيدٍ، ثنا أنسُ بنُ عِياضٍ، حدثني حُسينُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ ضُمَيرةَ، عن أبيه، عن جده، عن أنسٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ آفتُه: حُسينُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ ضُمَيرةَ؛ فإنه كذَّابٌ، كما مَرَّ آنفًا.

وقد ذكره ابنُ عَدِيٍّ في مناكِيره، وختمَ ترجمتَه بقوله:"وللحسينِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ ضُمَيرةَ مِن الحديثِ غيرُ ما ذكرتُ، وهو ضعيفٌ منكَرُ الحديثِ، وضعْفُه بيِّنٌ على حديثِهِ"(الكامل 4/ 14).

وقال ابنُ القَيْسَرانيِّ: "رواه حُسينُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ ضُمَيرةَ، عن أبيه، عن جده. وحُسينٌ متروكُ الحديثِ"(ذخيرة الحفاظ 2206).

ص: 251

1599 -

حَدِيثُ البَراءِ بنِ عَازِبٍ:

◼ عَنْ يَزِيدَ بنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَكَانَ أَمِيرًا بِعُمَانَ، وَكَانَ كَخَيْرِ الأُمَرَاءِ، قَالَ: قَالَ أَبِي: ((اجْتَمِعُوا؛ فَلَأُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ صُحْبَتِي إِيَّاكُمْ. قَالَ: فَجَمَعَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ، وَدَعَا بِوَضُوءٍ: فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْثَرَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ اليَدَ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ هَذِهِ ثَلَاثًا -يَعْنِي: اليُسْرَى-، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ هَذِهِ الرِّجْلَ -يَعْنِي: اليُمْنَى- ثَلَاثًا، وَغَسَلَ هَذِهِ الرِّجْلَ ثَلَاثًا -يَعْنِي: اليُسْرَى-، قَالَ:«هَكَذَا مَا أَلَوْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ» .

ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَصَلَّى صَلَاةً لَا نَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ، فَأُقِيمَتْ، فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ، فَأَحْسِبُ أَنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ آيَاتٍ مِنْ يس، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا المَغْرِبَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا العِشَاءَ، وَقَالَ:«مَا أَلَوْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّي» .

[الحكم]:

إسنادُهُ لَيِّنٌ، والمتنُ المرفوعُ صحيحٌ بما تقدَّمَ.

[التخريج]:

[حم 18537 (واللفظ له) / ني 333/ حل (9/ 225) / منذ 391/ تخ (4/ 170) / مُغْلَطاي (1/ 383)].

[السند]:

رواه أحمدُ -ومن طريقِه أبو نُعَيمٍ، ومُغْلَطايُ-، قال: حدثنا إسماعيلُ

ص: 252

[بنُ إبراهيمَ ابنِ عُلَيَّةَ] حدثنا سعيدٌ الجُرَيْريُّ، عن أبي عائِذٍ سيفٍ السَّعديِّ -وأثنى عليه خيرًا-، عن يَزيدَ بنِ البراءِ بنِ عازبٍ، به.

ورواه الرُّويانيُّ، وابنُ المُنْذِرِ، من طريقِ إسماعيلَ ابنِ عُلَيَّةَ، به.

وتُوبِع عليه ابنُ عُلَيَّةَ، فعلَّقَه البُخاريُّ في (التاريخ الكبير) عن شيخِهِ أبي مَعْمَرٍ المُقْعَد، عن عبدِ الوارثِ بنِ سعيدٍ، [عن] الجُرَيْريِّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ لَيِّنٌ؛ لأجْلِ أبي عائذٍ سَيْفٍ السَّعديِّ، مشهورٌ بكنيته، ترجمَ له البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 170)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 4/ 275) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، غير أنَّ البُخاريَّ ذكرَ أن الجُرَيريَّ أثنَى عليه خيرًا كما جاءَ في سندِ هذا الحديثِ. وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 424)، على عادتِهِ في توثيقِ المجاهيلِ. وأما ثناءُ الجُرَيريِّ عليه، فلا يكفي لتوثيقِهِ وقَبولِ حديثِهِ.

وبقيةُ رجالِهِ ثقات رجال الصحيح عدا يزيدَ بنِ البراءِ بنِ عازبٍ، وهو "صدوقٌ"(التقريب 7695).

وسعيدُ بنُ إياسٍ الجُرَيريُّ وإن كان قدِ اختلطَ قبل موته بثلاثِ سنين، فإن سماعَ ابنِ عُلَيَّةَ منه قبلَ الاختلاطِ، وهو مِن أروَى الناسِ عنه، انظر (تهذيب التهذيب 4/ 6).

والحديثُ قال عنه مُغْلَطايُ في (التلويح): "سندٌ جيِّدٌ"(عمدة القاري للعيني 3/ 14). وذلك لاعتمادِهِ على توثيقِ ابن حِبَّانَ، وهو غيرُ معتمَد عندنا على ما بيَّنه المحقِّقون من أهلِ العلمِ كابنِ عبدِ الهادِي وابنِ حَجَرٍ وغيرِهما، وتقدَّمَ تقريرُ ذلك في غيرِ ما موضع.

ص: 253

ومِثْلُه الهيثميُّ؛ حيثُ قال: "رواه أحمدُ ورجاله مُوَثَّقون"(المجمع 1166). وقال في موضعٍ آخَرَ: "رواه أحمدُ، ورجالُهُ ثقاتٌ"(المجمع 2684).

ولذا صَحَّحَ إسنادَهُ الشيخُ أحمد شاكر في (تحقيقه على المسند 18446).

والصوابُ: ضعْفُه؛ لجهالةِ حالِ راويه.

* * *

رِوَايَة: ثُمَّ دَوَّرَ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّهُ جَمَعَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُفَارِقُكُمْ عَنْ قَرِيبٍ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ وُضُوءَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ. فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَوَضَعَهُ، فَغَسَلَ يَدَهُ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ دَوَّرَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ: مَا مَعْنَى دَوَّرَ؟ قَالَ: مِنْ وَرَاءِ الأُذُنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:«هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَتْرًا» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا بهذه السِّياقةِ.

[التخريج]:

[طهور 85].

[السند]:

رواه المَرْوزيُّ في (زياداته على الطهور)، قال: حدثنا خلَفُ بنُ هشامٍ، ثنا سعيدُ بنُ راشدٍ المازِنيُّ، عن أبي مسعودٍ الجُرَيريِّ، عنِ البراءِ بنِ عازبٍ، به.

ص: 254

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ رجاله ثقات عدا سعيدَ بنَ راشدٍ المازِنيَّ؛ قال البُخاريُّ: "منكَرُ الحديثِ"(التاريخ الكبير 3/ 471)، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بشيءٍ"، وقال النَّسائيُّ:"متروكٌ"(لسان الميزان 3/ 27).

وقد خالفَ في إسنادِ الحديثِ ومتْنِه:

* فأما الإسنادُ: فقد رواه عنِ الجُرَيريِّ، عنِ البراءِ، به.

أَسقَط مِن بينهما أبا عائِذٍ ويَزيدَ بنَ البراءِ، فصارَ بذلك الإسناد مُعضَلًا.

وقد رواه إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، عنِ الجُرَيريِّ، عن أبي عائذٍ، عن يَزيدَ بنِ البراءِ، عن أبيه، وهو الصوابُ.

* وأما المتنُ: فقد ذَكَرَ في متْنِه التدويرَ والوترَ، ولم يُذْكَرا في الروايةِ الأُولى.

والمرادُ بالتدويرِ كما فسَّرَه الجُرَيريُّ هو مسْحُ ظاهِرِ الأُذن، وهذا صحيحٌ، سبقَ مُصرَّحًا به مِن حديثِ ابن عبَّاسٍ وغيرِه.

ص: 255

1600 -

حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ:

◼ عنِ ابنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا [في مَنْزِلِنَا، فَآخُذُ مِيضَأَةً لَنَا تَكُونُ مُدًّا وَثُلُثَ مُدٍّ أَوْ رُبُعَ مُدٍّ] 1، فَحَدَّثَتْنَا أَنَّهُ قَالَ: «اسْكُبِى لِى وَضُوءًا» ، فَذَكَرَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً، وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (وَضَّأَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَوَضَّأَ يَدَهُ اليُسْرَى ثَلَاثًا) 1، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ [بِمَا بَقِيَ مِنْ وَضُوئِهِ فِي يَدَيْهِ] 2 مَرَّتَيْنِ، يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (وَضَّأَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَوَضَّأَ رِجْلَهُ اليُسْرَى ثَلَاثًا) 2».

[الحكم]:

ضعيفٌ، مضطربُ المتنِ؛ اضطربَ فيه ابنُ عَقِيل، وخالفَ في كثيرٍ من ألفاظِهِ المحفوظَ من أحاديثِ الثِّقاتِ في صفةِ وُضُوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا ضَعَّفَهُ البَيْهَقيُّ وابنُ حَجَرٍ -في أصحِّ قوليه-، وتَبِعَه الشَّوْكانيُّ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذيُّ ولكنه رجَّحَ عليه حديثَ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ الذي خرَّجه الشيخان، فقال -بعد أن حَسَّنَهُ-:"وحديثُ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ أَصَحُّ مِن هذا وأَجْوَدُ إسنادًا"، وقد تَقدَّمَ حديثُ عبدِ اللهِ، وفيه أنه مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ قبلَ غَسْلِ الوجهِ، وأنه مسحَ رأسه مَرَّةً واحدةً بماءٍ جديدٍ، وبدأَ بمُقَدَّمِ رَأْسِهِ.

[الفوائد]:

قولها: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ» قال صاحبُ عونِ المعبودِ: "بيان لمرتين فليستا مَسْحَتين؛ بدليل أنها لم تَقُلْ: ويبدأ بالواو، ثُمَّ بدؤُه بالمُؤَخَّرِ لبيان الجواز إنْ صَحَّتْ هذه الروايةُ. قال

ص: 256

السُّيوطيُّ: احتَجَّ به مَن يرَى أنه يبدأُ بمسحِ الرأسِ بمُؤَخَّرِه ثُمَّ بمُقَدَّمه. قال التِّرْمِذيُّ: ذَهَبَ أهلُ الكوفةِ إلى هذا الحديثِ، منهم وَكِيعُ بنُ الجَرَّاحِ. وأجابَ ابنُ العربيِّ عنه على مذهبِ الجمهورِ بأنه تحريفٌ منَ الراوي بسببِ فهْمِه، فإنه فَهِمَ مِن قولِهِ:((فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ)) أنه يقتضي الابتِداءَ بمُؤَخَّرِ الرأسِ، فصَرَّح بما فَهِم منه، وهو يُخطِئُ في فهْمِه. وأجابَ غيرُه بأنه عارَضَه ما هو أصَحُّ منه، وهو حديثُ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، أو بأنه فعلٌ لبيانِ الجوازِ" (عون المعبود 1/ 148).

وقال ابنُ سيِّدِ الناسِ: "ويمكنُ أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَلَ هذا لبيانِ الجوازِ مرَّةً، وكانت مواظبتُه على البُداءةِ بمُقَدَّمِ الرأسِ، وما كان أَكثَرَ مواظبةً عليه كان أفضلَ، والبُداءةُ بمُؤَخَّرِ الرأسِ مَحْكِيَّةٌ عن الحسنِ بنِ حَيٍّ، ووَكِيعِ بنِ الجَرَّاحِ"(نيل الأوطار 1/ 194).

وقال الصَّنعانيُّ: "يُحمل الاختلافُ في لفظِ الأحاديثِ على تعدُّد الحالاتِ"(سبل السلام 1/ 124).

وبهذا قال الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 212)، وبه تَعَقَّبَ على التِّرْمِذيِّ ترجيحَه حديثَ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ.

قلنا: هذا إنْ صحَّ الحديثُ، وليس كذلك كما ستراه في التحقيق.

[التخريج]:

[د 125 (واللفظ له) / ت 33 مختصرًا/ جه 418، 442 مختصرًا 445 مختصرًا/ حم 27016 (والزيادة الثانية له، وعنده بتقديمِ المضمضةِ والاستنشاقِ على غسلِ الوجهِ)، 27018 مختصرًا/ مي 681 (مختصرًا، والزيادة الأولى له ولغيرِهِ) / ك 540 مختصرًا/

ص: 257

طب (24/ 266/ 673، 674)، (24/ 269، 270 - 271/ 680، 681 وعنده بتقديمِ المضمضةِ والاستنشاقِ على غسلِ الوجهِ، 684، 686)، (24/ 271/ 687) / طس 939/ عب 11 مختصرًا، 35 مختصرًا، 119/ ش (59، 145، 153، 212) مختصرًا/ هق 300 (والرواية الأولى له ولغيرِهِ)، 302 مختصرًا/ هقع 701/ هقخ 124 (وعنده بتقديمِ المضمضةِ والاستنشاقِ على غسلِ الوجهِ) / حق 2263 مختصرًا/ طهور 116 (والرواية الثانية له) / منذ 347 مختصرًا/ أصبهان (2/ 332) / تحقيق 155/ عق (2/ 403)].

[السند]:

قال (أبو داود): حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْراءَ، به.

والحديثُ مَدارُه عندَهم على: عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ عدا ابنَ عَقِيلٍ؛ وهو مختلَفٌ فيه، فليَّنَهُ الجمهورُ، وهو ما لخَّصَهُ الحافظُ بقوله:"صدوقٌ، في حديثِه لِينٌ"(التقريب 3592).

ومنَ العلماءِ مَن يُحَسِّنُ حديثَهُ، وقد حَسَّنَ حديثَه هذا جماعةٌ منهم:

قال التِّرْمِذيُّ: "هذا حديثٌ حسَنٌ، وحديثُ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ أَصَحُّ مِن هذا وأَجْوَدُ إسنادًا. وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ الكوفةِ إلى هذا الحديثِ، منهم وَكِيعُ بنُ الجَرَّاحِ"(السنن 1/ 48).

قلنا: يعني: البَدْءَ مِن مُؤَخَّرِ الرأسِ إلى مُقَدَّمِه، فقد خالفَ فيه حديثَ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ الذي خرَّجه الشيخان، وفيه أنه بدأَ بمُقَدَّمِ رأسِه حتى ذهبَ

ص: 258

إلى قفاه، وقد سبقَ.

وقال الحاكمُ: "ولم يَحتجَّا بابنِ عَقِيلٍ، وهو مستقيمُ الحديثِ، مُقَدَّمٌ في الشرفِ"(المستدرك).

وحسَّن إسنادَهُ الحافظُ في (الدراية 1/ 55). ولكنه قال في (التلخيص 1/ 84): "وله طرقٌ وألفاظٌ مدارُها على: عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وفيه مقالٌ".

وأقَرَّه على ذلك الشَّوْكانيُّ في (النيل 1/ 156)، وزادَ بأن أَعَلَّه بعنعنةِ ابنِ عَقِيلٍ، وهي علةٌ مُهدَرَةٌ؛ فقد ذَكَرَ في أَكثَرِ الرواياتِ أنه دخلَ عليها فحدَّثَتْه بهذا الحديثِ.

وقال الألبانيُّ: "وهو مختلَفٌ فيه، والراجحُ أنه حسَنُ الحديثِ إذا لم يخالفْ"(إرواء الغليل 6/ 122).

قلنا: وقد حسَّنَ حديثَه هذا الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 118)، رغمَ أنه خالفَ في هذا الحديثِ المحفوظَ من أحاديثِ الثِّقاتِ في صفةِ وضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ولم يقتصرِ الأمرُ على هذه المخالفةِ، بل قد اختُلِفَ على ابنِ عَقِيلٍ في متنِ هذا الحديثِ اختلافًا شديدًا يصلُ إلى حَدِّ الاضطرابِ، وهذا الاضطرابُ من ابنِ عَقِيلٍ نفْسِه؛ لأن أكثرَ المختلفين عليه منَ الثِّقاتِ الحُفَّاظِ، مما يدلُّ على أنه لم يتقنِ الحديثَ، فاضطربَ فيه، وإليك البيان:

* ذَكَرَ بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ في روايتِهِ عنِ ابنِ عَقِيلٍ: ((أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً))، وقال أيضًا:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ)).

ص: 259

ففي روايتِهِ ذَكَرَ أنه مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وأخَّرَ المضمضةَ والاستنشاقَ بعد غَسلِ الوجهِ، وذَكَرَ أنه مسَحَ برأسِهِ مرتين

(1)

، وأنه بدأَ بمُؤَخَّرِ رأسِهِ.

وفي هذا السياقِ مخالفةٌ للمحفوظِ من الأحاديثِ الصحيحةِ في صفةِ وُضُوئِهِ صلى الله عليه وسلم، وأنه مسَحَ رأسَه واحدةً، وبدأَ بمُقَدَّمِ رأسِهِ، وأما تأخيرُه المضمضةَ والاستنشاقَ بعد غَسْلِ الوجهِ، فقد ثبتَ ذلك من حديثِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ كما تقدم.

والمرادُ هنا بيانُ اضطرابه:

* فقد رواه أبو داودَ (126)، وأحمدُ (27060)، والحُمَيديُّ (342) من طريقِ ابنِ عُيَيْنةَ عنِ ابنِ عَقِيلٍ به، وذَكَرَ فيه أنه مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، خِلافًا لروايةِ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ.

وحمل الألبانيُّ الاختلافَ في ذلك على ابنِ عُيَيْنةَ، وحَكَمَ على روايتِهِ بالشُّذوذِ كما في (صحيح أبي داود 1/ 214).

ولكنَّ سفيانَ قد تُوبِع على روايته كما سيأتي في موضعه قريبًا.

* وفي روايةِ الحُمَيديِّ -خِلافًا لروايةِ أحمدَ- قَدَّمَ المضمضةَ والاستنشاقَ (وفي رواية: الاستنثار) على غَسْلِ الوجهِ.

وكذلك رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 24/ 267/ 677) من طريقِ الحُمَيديِّ

(1)

ووجَّهَه بعضُهم بأنه أراد بالمرتين ما ذكره بعدُ مِن قوله: ((بَدَأَ بِمُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ))، ولكن هذا التفسير تَرُدُّه الرواياتُ الأخرى التي صَّرحَ فيها بتَكرار هذا الأمر مرتين كما ستراه في الأصل، وهي من رواية الثِّقات أيضًا.

ص: 260

وغيرِه عن سفيانَ.

* وكذلك رواه عبدُ الرَّزَّاقِ في (المصنَّف 119) عن مَعْمَرٍ عنِ ابنِ عَقِيلٍ بتقديمِ المضمضة والاستنثار على غَسْلِ الوجهِ، بل وعطف الفعل فيهما بـ"ثُمَّ" المقتضيةِ للترتيبِ.

فهذه مخالفةٌ أخرى لروايةِ بِشْرٍ.

وابنُ عُيَيْنةَ ومَعْمَرٌ وبِشْرٌ ثلاثتُهم ثقاتٌ أثبات، فالحَمْلُ فيه على ابنِ عَقِيلٍ.

* ورَوَى هذا الحديثَ عنِ ابنِ عَقِيلٍ سفيانُ الثَّوْريُّ، ووافق بِشرًا في ذكره أنه مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وخالَفه في تأخير ذلك بعد غَسْلِ الوجهِ، فذكره على الجادَّة بتقديمِ المضمضة والاستنشاق.

أخرجه أحمدُ (27061)، والطَّبَرانيُّ في (الكبير 24/ 296/ 681).

بل وفي روايةٍ عندَ البَيْهَقيِّ في (الخلافيات) -كما سيأتي- من طريقِ الثَّوْريِّ ذَكَرَ أنه تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا! ! .

* ورواه ابنُ أبي شَيْبةَ في (المصنَّف 145)، وابنُ ماجَهْ (438) من طريقِ الثَّوْريِّ واقتَصَر على قولِه:((مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ)).

وهذا إنْ أَمكن تأويلُه بأنه أرادَ بالمرتينِ ما ذكر في رواية أبي داودَ من قوله: ((بَدَأَ بِمُؤَخَّرِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ))، فلا يمكنُ تأويلُ ما رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 24/ 268)، وفي (الأوسط 2389) والدَّارَقُطنيّ في (السنن 289) -والسياقُ له-: من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ داودَ الخُرَيْبيِّ، عن الثَّوْريِّ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، به، قال: وَوَصَفَ ابنُ داودَ قَالَ: ((بِيَدَيْهِ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ)).

ص: 261

ولفظُ الطَّبَرانيِّ: ((فَبَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ جَرَّهُ إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ جَرَّهُ إِلَى مُؤَخَّرِهِ)).

والخُرَيْبيُّ هذا ثقةٌ عابدٌ، وهذا يدلُّ على أنه عنَى بقوله:((مَرَّتَيْنِ)) ظاهِرَ هذا اللفظِ، وهو تَكرارُ المسحِ، خلافًا للمحفوظِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن أحاديث الثِّقات، وهو مسْحُ الرأسِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

* ورواه رَوْحُ بنُ القاسمِ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، وذَكَر فيه أنه:((مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً))! ! .

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 24/ 267)، وفي (الأوسط 2388) عن أبي مسلمٍ (الكَجِّيِّ)، ثنا محمدُ بنُ المِنهالِ، ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، ثنا رَوْحٌ، به.

وأبو مسلمٍ ثقةٌ حافظٌ (تذكرة الحفاظ 647). ومحمدُ بنُ المِنهالِ هو الضريرُ، ثقةٌ حافظٌ (التقريب 6328).

وابن زُرَيْعٍ ثقةٌ ثبْتٌ (التقريب 7713). ورَوْحُ بنُ القاسمِ ثقةٌ حافظٌ (التقريب 1970).

فهذا اختلافٌ ثالثٌ على ابنِ عَقِيلٍ في متنِهِ، والحَمْلُ فيه على ابنِ عَقِيلٍ، مما يُؤَكِّدُ اضطرابَه فيه، ولا يصحُّ توهيمُ الثِّقات الحفاظ مِن أجْلِ راوٍ ليَّنَهُ الجمهورُ.

وقد وَرَدَ مسْحُ الرأسِ مَرَّةً وَاحِدَةً في هذا الحديثِ مِن روايةِ ابنِ عَجْلانَ عنِ ابنِ عَقِيلٍ أيضًا.

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 6100)، وفي (الصغير 1167).

ص: 262

* ورواه ابنُ عَجْلانَ عنِ ابنِ عَقِيلٍ، وقال فيه:((فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعَرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعَرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعَرَ عَنْ هَيْئَتِهِ)).

أخرجه أبو داود (127)، وأحمدُ (27024، 27028).

وهذه الروايةُ تخالفُ روايةَ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وكذلك روايةَ الثَّوْريِّ وغيرِهما ممن قال في متنِ الحديثِ:((فَبَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ)). وبيانُ هذه المخالفة من وجهين:

الأول: في قوله: ((مِنْ قَرْنِ الشَّعَرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعَرِ)).

والثاني: في قوله: ((لَا يُحَرِّكُ الشَّعَرَ عَنْ هَيْئَتِهِ)).

فهذه الهيئةُ تحتملُ معنيين، وكِلاهما لا يمكنُ معه أن يكونَ المسْحُ مِن مُؤَخَّرِ الرأسِ:

المعنى الأول: أنه أرادَ بالقَرْنِ أعلى الرأس؛ إذ لو مَسَحَ مِن أسفلَ لَزِمَ تغيُّر الهيئةِ (عون المعبود 1/ 149).

وعلى هذا؛ فالمسحُ مِن مُقَدَّمِ الرأسِ، وليسَ من مُؤَخَّره.

المعنى الثاني: وهو ما ذكره الإمامُ أحمدُ عندما سُئِل: كيفَ تمسحُ المرأةُ ومَن له شعرٌ طويلٌ كشعرها؟ فقال: "إنْ شاءَ مَسَحَ كما رُوِيَ عن الرُّبَيِّعِ، وذَكَر الحديثَ، ثُمَّ قال: "هكذا، ووضعَ يدَه على وسطِ رأسِه ثُمَّ جرَّها إلى مُقَدَّمه، ثُمَّ رفَعها فوضَعها حيثُ بدأَ منه ثُمَّ جَرَّها إلى مُؤَخَّره" (عون المعبود 1/ 150).

وهذا المعنى يُؤَيِّدُه ما رواه الحُمَيديُّ (342) عنِ ابنِ عُيَيْنةَ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، بلفظ:((ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا))، قال الحُمَيديُّ:

ص: 263

"ووصفَ لنا سفيانُ المسحَ، فوضَعَ يديه على قرْنيه، ثُمَّ مَسَحَ بهما إلى جبهتِهِ، ثُمَّ رفعهما ووضعهما على قرْنيه من وسطِ رأسِهِ، ثُمَّ مسحَ إلى قفاه".

وقريبٌ من هذا المعنى ما رواه بَقيَّةُ بنُ الوليدِ، عن محمدِ بنِ عَجْلانَ، بلفظ:((ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى وَسَطِ رَأْسِهِ فَمَسَحَ، وَأَخَذَ يَدَيْهِ إِلَى رَأْسِهِ فَمَسَحَ أُذُنَيْهِ)).

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 24/ 272).

ورواه إسحاقُ بنُ حازمٍ الزَّيَّاتُ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، بلفظ:((وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، وَمَسَحَ مُؤَخَّرَ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ وَسَطَهُ فِي كُلِّ مَسْحَةٍ)).

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 24/ 272)، و (الأوسط 8841).

ورجَّحَ صاحبُ (عون المعبود) المعنى الأول، وعلَّلَه بقولِهِ: ((إذ لو مَسَح مِن مُؤَخَّره إلى مُقَدَّمه أو مِن أعلاه وهو وسَطه إلى أيَّةِ جهةٍ كانت أو مِن يمينه إلى شماله أو بالعكسِ؛ لَزِمَ تحرُّكُ الشعرِ عن هيئتِهِ، وقد قال: لَا يُحَرِّكُ

إلخ، والله أعلم بالصوابِ".

والمرادُ هنا أن هذه الروايةَ مخالفةٌ لِما سبقَ، ولا يمكنُ الحمل فيها على ابنِ عَجْلانَ؛ لأنه أحسنُ حالًا مِن ابنِ عَقِيلٍ، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى أن إسحاقَ بنَ حازمٍ قد رواه بخِلافِ روايةِ بِشْرٍ ومَن تابَعَه أيضًا، بالإضافةِ إلى روايةِ ابنِ عُيَيْنةَ وتفسيرِه لها الذي هو بيقين مخالِفٌ لروايةِ بِشْرٍ والثَّوْريِّ ومَن تابَعَهما.

فتعيَّنَ الحمْلُ فيه على ابنِ عَقِيلٍ، وأن هذا من اضطرابِهِ فيه.

وقد قال سفيانُ -بعد الوصفِ السابقِ عنه-: "وكان ابنُ عَجْلانَ حدَّثَناه أولًا عنِ ابنِ عَقِيلٍ عنِ الرُّبَيِّعِ، فزادَ في المسحِ قال: ثُمَّ مَسَحَ مِنْ قَرْنَيْهِ عَلَى

ص: 264

عَارِضَيْهِ حَتَّى بَلَغَ طَرَفَ لِحْيَتِهِ"، فلما سألْنا ابنَ عَقِيلٍ عنه لم يَصِفْ لنا في المسحِ العارضين، وكان في حفْظِه شيءٌ، فكَرِهْتُ أن أُلَقِّنَه" اهـ.

فتبيَّنَ مِن هذا العَرْضِ لبعضِ رواياتِ الثِّقاتِ ممن روَى حديثَ ابن عَقِيلٍ هذا أن ابنَ عَقِيلٍ قد اضطربَ في الحديثِ اضطرابًا شديدًا، لا يَصِحُّ معه أن يُحسَّنَ حديثُه هذا، بل يُنظرُ في متنِهِ، فما وافَقَ فيه الأحاديثَ الثابتةَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَبِلْناه، وما خالَفَهم فيه ردَدْناه، وبهذا لا يكونُ بيْن الأحاديثِ تعارُضٌ.

* بَقِي أن نُشيرَ إلى أمرٍ هامٍ، وهو أن حديثَ الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ هذا قد رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط 7309) من غيرِ طريقِ ابنِ عَقِيلٍ، وهو إن كان ضعيفَ السندِ فإنه وافَقَ في ألفاظه كلِّها ما رُوِي مِن أحاديثِ الثِّقات عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صفةِ وُضُوئِهِ عليه الصلاة والسلام.

* ولابنِ عَقِيلٍ في هذا الحديثِ رواياتٌ أخرى سيأتي سرْدُها وتخريجها، وبيانُ ما وافَقَ فيه أحاديث الثِّقات، وما خالَفَهم فيه.

ص: 265

رِوَايَةُ: جِئْتُ أَسْأَلُكِ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْرَاءَ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عبدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: فَمَنْ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: رَيْطَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ أَوْ فُلَانَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي. قُلْتُ: جِئْتُ أَسْأَلُكِ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصِلُنَا وَيَزُورُنَا، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ فِي هَذَا الإِنَاءِ وَفِي مِثْلِ هَذَا الإِنَاءِ، وَهُوَ نَحْوٌ مِنْ مُدٍّ، قَالَتْ: فَكَانَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ [ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الإِنَاءَ] 1، ثُمَّ يُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْثِرُ (وَيَسْتَنْشِقُ)[ثَلَاثًا ثَلَاثًا] 2، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا [ثَلَاثًا] 3، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ (مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا) 1، وَيَمْسَحُ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا، وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.

ثُمَّ قَالَتْ: أَمَّا ابنُ عبَّاسٍ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ، فَسَأَلَنِي عن هذا الحديثِ، فأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَأْبَى النَّاسُ إِلَّا الغَسْلَ، وَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ المَسْحَ عَلَى القَدَمَيْنِ (مَا عَلِمْنَا فِي كِتَابِ اللهِ إِلَّا غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ) 2».

[الحكم]:

المرفوعُ صحيحُ المتنِ دُونَ قولِهِ: «يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ» ، والمحفوظُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَاحِدَةً، وهذا الحديثُ إسنادُهُ ضعيفٌ، اضطربَ فيه ابنُ عَقِيلٍ كما سبقَ. وقصَّةُ ابنِ عبَّاسٍ المذكورةُ في آخِرِه حَكَمَ عليها الألبانيُّ بالنكارةِ.

[التخريج]:

[جه 461 (مختصرًا مقتصرًا على قصةِ ابنِ عبَّاسٍ) / عب 119 (واللفظ

ص: 266

له) / ش 199 (مختصرًا مقتصرًا على قصةِ ابنِ عبَّاسٍ) / حمد 342 (والزيادات والرواية الثانية والثالثة له) / حق 2264/ طب (24/ 266/ 673 والرواية الأولى له، 674)، (24/ 267/ 677) / منذ 390/ قر 36 (مختصرًا مقتصرًا على قصةِ ابنِ عبَّاسٍ) / عق (2/ 403) / زمنين (تفسير 2/ 11) / كر (32/ 260)].

[السند]:

رواه (عبد الرزاق) قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ

به.

ورواه (الحُمَيديُّ): عن سفيانَ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، به.

ومدارُ الحديثِ عندهم على: عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بن عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حالِهِ في الروايةِ السابقةِ، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

ومع ذلك حسَّنَ إسنادَهُ البُوصيريُّ في (الزوائد 1/ 66).

وقال العُقَيليُّ: "وقد رُوِيَ الكلامُ الذي في حديثِ الرُّبَيِّعِ من غيرِ وجهٍ بأسانيدَ جِيادٍ يشتملُ على الألفاظِ كلِّها"(الضُّعفاء 2/ 404).

قلنا: وكلامُ العُقَيليِّ صحيحٌ بِناءً على روايتِهِ؛ حيثُ لم يذكرْ فيها مسْحَ الرأسِ مرتين، فَتَنَبَّهْ.

وقد أشارَ البَيْهَقيُّ إلى ضعْفِ القصةِ المنسوبةِ لابنِ عبَّاسٍ في آخره، فقال: "فهذا إنْ صَحَّ فيحتمل أنَّ ابنَ عبَّاسٍ كان يرى القراءةَ بالخفضِ، وأنها

ص: 267

تقتَضي المسحَ، ثُمَّ لَمَّا بلَغَه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم توعَّد على ترْكِ غَسْلِهما أو ترْكِ شيءٍ منهما ذَهَبَ إلى وجوبِ غَسْلِهما وقرأها نصْبًا، وقد رُوِّينا عنه أنه قرأها نصْبًا" (السنن الكبري عَقِبَ رقم 343).

وجَزَم الألبانيُّ بنَكارتها، رغم أنه حسَّنَ إسنادَهُ، فقال -معلِّقًا على قولِ الحاكمُ: ابنُ عَقِيلٍ مستقيمُ الحديثِ-: "لكنه قد جاءَ بزيادةٍ منكَرةٍ في آخرِ الحديثِ

" فذكرها، ثُمَّ قال: "وأشارَ البَيْهَقيُّ إلى عدمِ صحَّتِه بقوله: إنْ صَحَّ" (صحيح أبي داود 1/ 213).

قلنا: ولكن روَى عبدُ الرَّزَّاقِ في (المصنَّف 55) عنِ ابنِ جُرَيجٍ قال: أخبرني عَمرُو بنُ دينارٍ، أنه سمِعَ عِكْرِمةَ يقول: قال ابنُ عبَّاسٍ: ((الوُضُوءُ مَسْحَتَانِ وَغَسْلَتَانِ)).

وخالفَ ابنَ جُرَيجٍ ابنُ عُيَيْنةَ، فرواه عن عَمرِو بنِ دينارٍ، عن عِكْرِمةَ قال:((غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ)). أخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ في (المصنَّف 180). فجعله من قولِ عِكْرِمةَ، وابنُ عُيَيْنةَ أَثبَتُ الناسِ في عَمرِو بنِ دينارٍ.

ورواه الطَّبَرانيُّ في (مسند الشاميين 2633) من طريقِ سعيدِ بنِ بَشِيرٍ، عن قتادةَ، عن عِكْرِمةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ قال:((إِنَّ اللهَ عز وجل افْتَرَضَ غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ، الغَسْلَتَانِ لِلْوَجْهِ وَاليَدَيْنِ، وَالمَسْحَتَانِ لِلرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ)).

وسعيدُ بنُ بَشيرٍ ضعيفٌ لا سيَّما في قتادةَ؛ فإنه يَروي عنه المُنكَراتِ كما قال ابنُ نُمَيْرٍ وغيرُه.

ورواه عبدُ الرَّزَّاقِ في (المصنَّف 54) عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ، عن جابرِ بنِ يَزيدَ أو عِكْرِمةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قال:((افْتَرَضَ اللهُ غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ، فَجَعَلَ مَكَانَ الغَسْلَتَيْنِ مَسْحَتَيْنِ وَتَرَكَ المَسْحَتَيْنِ)).

ص: 268

ومَعْمَرٌ ضعيفٌ في قتادةَ كما تقدَّم مِرارًا.

وقد تقدَّمَ في (صحيح البخاري 140) حديثُ ابنِ عبَّاسٍ في صفةِ وُضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيه غَسْلُ الرجلينِ. انظر تخريجَه برواياته في (باب جامع في صفة الوُضوء).

وهذا كلُّه يُؤَكِّدُ نكارةَ روايةِ ابنِ عَقِيلٍ هذه، والله أعلم.

رِوَايَة: مَسْحَتَيْنِ وَغَسْلَتَيْنِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ بِنَحْوِ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّمَ غَسْلَ الوَجْهِ عَلَى المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَلَفْظُهَا: عن عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:«أَرْسَلَنِي عَلِيُّ بنُ حُسَيْنٍ إِلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْرَاءَ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجَتْ لَهُ، يَعْنِي: إِنَاءً يَكُونُ مُدًّا أَوْ نَحْوَ مُدٍّ وَرُبُعٍ. قَالَ سُفْيَانُ: كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى الهَاشِمِيِّ. قَالَتْ: كُنْتُ أُخرِجُ لَهُ المَاءَ فِي هَذَا، فَيَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا. وَقَالَ مَرَّةً: يَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيُمَضْمِضُ ثَلَاثًا، وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا، وَيَغْسِلُ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَاليُسْرَى ثَلَاثًا، وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ. وَقَالَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ: مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا. قد جاءَنِي ابنُ عَمٍّ لَكَ فَسَأَلَنِي -وَهُوَ ابْنُ عبَّاسٍ-، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَا أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا مَسْحَتَيْنِ وَغَسْلَتَيْنِ» .

[الحكم]:

المرفوعُ صحيحُ المتنِ دُونَ تأخيرِ المضمضةِ والاستنشاقِ، ودُونَ قولِه:«يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ» . والمحفوظُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَدَّمَ المضمضةَ

ص: 269

والاستنشاقَ على غَسْلِ الوجهِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ واحدة. وهذا الحديثُ إسنادُهُ ضعيفٌ، اضطربَ فيه ابنُ عَقِيلٍ كما سبقَ.

[التخريج]:

[د 126 مختصرًا/ حم 27015 (واللفظ له) / حمد 345 (ولم يقدم المضمضة والاستنشاق) / طب (24/ 267/ 677) (ولم يقدم المضمضة والاستنشاق) / قط 320/ هق 340/ منذ 333 (ولم يقدم)، 347 مختصرًا/ طوسي 30].

[السند]:

رواه أحمدُ والحُمَيديُّ عن سفيانَ بنِ عُيَيْنةَ، قال: حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ

به.

ومدارُ الحديثِ عندهم على: عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حاله في الروايةِ الأولى، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

ومع ذلك قال الألبانيُّ: "إسنادُهُ حسَنٌ، لكن قوله في المضمضةِ والاستنثارِ: «ثَلَاثًا» شاذٌّ".

ثُمَّ بيَّنَ سببَ الشُّذوذِ؛ وهو مخالفةُ سفيانَ بنِ عُيَيْنةَ لغيرِهِ، فقال:"قد خالَفَ فيه بِشْرَ بنَ المُفَضَّل -كما في الروايةِ السابقةِ-، وسفيانَ الثَّوْريَّ"(صحيح أبي داود 1/ 214).

قلنا: ولكنْ تُوبِع سفيانُ بنُ عُيَيْنةَ على روايةِ التثليثِ، تابَعه:

* عُبيدُ اللهِ بنُ عمرٍو الرَّقِّيُّ، أخرجه ابنُ المُنْذِرِ في (الأوسط 333).

ص: 270

* بل هي روايةٌ عنِ الثَّوْريِّ نفْسِه، رواها عنه عُبيدُ اللهِ بنُ عُبَيدِ الرحمنِ الأَشْجَعيُّ.

أخرجه البَيْهَقيُّ في (الخلافيات 123).

وعُبَيدُ اللهِ بنُ عُبيدِ الرحمنِ الأَشْجَعيُّ ثقةٌ مأمونٌ، أَثبَتُ الناسِ كتابًا في الثَّوريِّ كما في (التقريب 4318).

* وتابَعه أيضًا شَرِيكُ بنُ عبدِ اللهِ النَّخَعيُّ، أخرجه ابنُ الجَعْدِ في (مسنده 2416).

فالحمْلُ في هذا الاختِلافِ إنما هو على: عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ كما سبقَ.

وعلى كلٍّ، فقد ثبتَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وثبتَ عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وثبتَ عنه أنه تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وثبتَ عنه الجَمْعُ بينَ الأمرين، وكلُّ ذلك قد سبقَ، وكلٌّ سُنَّةٌ، والله أعلم.

ص: 271

رِوَايَة: بِإِنَاءٍ يَسَعُ مُدًّا وَثُلُثًا

• وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ يَسَعُ مُدًّا وَثُلُثًا، أَوْ مُدًّا وَنِصْفًا مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ [وَمَسَحَ صُدْغَيْهِ، وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ]، وَمَسَحَ مُؤَخَّرَ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ وَسَطَهُ فِي كُلِّ مَسْحَةٍ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» .

[الحكم]:

ضعيفٌ، مضطربُ المتنِ كما سبقَ تحريرُهُ.

[التخريج]:

[طب (24/ 272/ 691)، (24/ 273/ 692) / طس 8841 (والزيادة له)].

[السند]:

رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 691) قال: حدثنا النُّعمانُ بنُ أحمدَ الواسِطيُّ القاضي، ثنا عبدُ اللهِ بنُ حمزةَ الزُّبَيريُّ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ نافع، عن إسحاقَ بنِ حازمٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عنِ الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْراءَ

به.

ثُمَّ رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير 692)، و (الأوسط 8841) عن المِقْدامِ بنِ داودَ، حدثنا خالدُ بنُ (نِزَار)، حدثنا إسحاقُ بنُ حازمٍ الزَّيَّاتُ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، به.

وقال في (الأوسط): "لم يَروِ هذا الحديث عن إسحاقَ بنِ حازمٍ إلا خالدُ بنُ نِزَارٍ".

فمدارُ الحديثِ عنده على: إسحاقَ بنِ حازمٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ

ص: 272

عَقِيلٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقات عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حالِهِ، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

رِوَايَة: وَأَخَذَ مَاءً جَدِيدًا

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمِيضَأَةٍ، فَقَالَ:«اسْكُبِي» ، فَسَكَبْتُ، فَغَسَلَ [يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ] وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، وَأَخَذَ مَاءً جَدِيدًا فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ لشواهِدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، اضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُهُ.

[التخريج]:

[جه 394 (واللفظ له)، 442 مختصرًا/ جعد 2416 (والزيادة له) / طح 143/ طب (24/ 269/ 682)، (24/ 270/ 683) مختصرًا/ هق 1125].

[السند]:

رواه أبو القاسمِ البَغَويُّ في (الجَعْديات): عن عليِّ بنِ الجَعْدِ، قال: أنا شَرِيكٌ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ، به.

ص: 273

ورواه (ابنُ ماجَهْ 394) قال: حدثنا محمدُ بنُ يحيى، حدثنا الهيثمُ بنُ جميلٍ، حدثنا شَرِيكٌ، به.

ومدارُ الحديث -عندَهم- على شَرِيكٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه شَرِيكُ بنُ عبدِ اللهِ النَّخَعيُّ، وهو صدوقٌ يخطئُ كثيرًا كما في (التقريب 2787).

وابنُ عَقِيلٍ سبقَ الكلامُ عليه، وبيَّنَّا أنه قدِ اضطربَ في هذا الحديثِ.

قال البَيْهَقيُّ: "هكذا رواه شَرِيكُ بنُ عبدِ اللهِ، وهو موافِقٌ للروايةِ الصحيحةِ عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، ورُوِيَ عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ ما يُشْبِهُ خِلافَه ويُشْبِهُ موافقتَه، أخبَرَناه

"، فذَكَر روايةَ الثَّوْريِّ الآتيةَ التي قال فيها: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ))، وفي رواية: (بِبَلَلِ يَدَيْهِ)، ثُمَّ قال البَيْهَقيُّ: "وكأنه أرادَ: أَخَذَ ماءً جَديدًا فصَبَّ بَعْضَهُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ ببَلَلِ يديه. وعبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقِيلٍ لم يكن بالحافظِ، وأهلُ العلمِ بالحديثِ مختلِفون في جوازِ الاحتجاجِ برواياتِهِ" (السنن 1125).

فعلى هذا التأويلِ الذي ذكره البَيْهَقيُّ لا يكون بيْن الروايتين اختلافٌ، ويُؤَيِّدُه ما رواه أبو عُبَيدٍ في (الطَّهور 330) من طريقِ ابنِ عَجْلانَ، عنِ ابنِ عَقيلٍ، بلفظ:((ثُمَّ أَخَذَ مِنَ المَاءِ بِيَدِهِ، فَأَفْرَغَهُ عَلَى يَدِهِ الأُخْرَى، فَمَسَحَ بِيَدَيْهِ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرَهُ)).

واعتَبَرَ الألبانيُّ هذه الروايةَ مخالَفةً مِن شَرِيكٍ للثَّوريِّ، فقال:"حسَنٌ دُونَ الماءِ الجديد"(صحيح ابن ماجَهْ 390).

ص: 274

قلنا: ولكن هذا الاختلاف إنما هو مِن قِبَلِ ابنِ عَقِيلٍ كما حرَّرْناه فيما سبقَ، ويُؤَيِّدُه هنا أن شَرِيكًا لم ينفردْ بذِكْرِ الماءِ الجديدِ، بل تابَعه عليه قَيْسُ بنُ الرَّبيعِ كما في الروايةِ الآتيةِ.

وكذلك روايةُ ابنِ عَجْلانَ المذكورةُ آنِفًا تشهدُ لقولهما.

وهذه الروايةُ موافِقةٌ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ في الصحيحين؛ فهي لذلك صحيحةُ المتنِ، وإنْ كان راويها قدِ اضطربَ في الحديثِ.

رِوَايَة: أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَتْ:«رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَأَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا، أَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ بِهِمَا» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ لشواهدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وقدِ اضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه.

[التخريج]:

[طب (24/ 273/ 693)].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا محمدُ بنُ محمدِ بنِ عُتْبةَ الشَيْبانيُّ، ثنا الحسنُ بنُ عليٍّ الحُلْوانيُّ، ثنا شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، ثنا قَيْسُ بنُ الرَّبيعِ، ثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، قال: سمِعتُ الرُّبَيِّعَ بنتَ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْراءَ، به.

ص: 275

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه قَيْسُ بنُ الرَّبيعِ، قال عنه الحافظُ:"صدوقٌ، تغيَّرَ لَمَّا كَبِرَ، وأَدخَلَ عليه ابنُه ما ليس مِن حديثِهِ فحَدَّثَ به"(التقريب 5573).

وابنُ عَقِيلٍ تقدَّمَ الكلامُ عليه.

وهذه الروايةُ يشهدُ لها حديثُ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، وحديثُ عليٍّ رضي الله عنهما، وقد تَقَدَّمَا.

رِوَايَة: مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ (بِبَلَلِ يَدَيْهِ) [فَبَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ جَرَّهُ إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ جَرَّهُ إِلَى مُؤَخَّرِهِ]» .

[الحكم]:

ضعيفٌ، واضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه، والمحفوظُ من أحاديث الثِّقات أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جديدًا، وَبَدأَ بمُقَدَّمِ رَأْسِهِ إلى مُؤَخَّرِه، ثُمَّ رَدَّ يديه إلى مُقَدَّمِه.

[التخريج]:

[د 129 (واللفظ له) / طب (24/ 268/ 679) (والزيادة له ولغيرِهِ) / طس 2389/ قط 288 (والرواية له ولغيرِهِ) / هق 1141/ هقع 1689/ بغ 225/ منذ 200/ محلى (1/ 184)].

[السند]:

قال (أبو داودَ): حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ داودَ، عن سفيانَ بنِ

ص: 276

سعيدٍ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّع، به.

ومدارُ الحديث -عندَهم- على ابنِ عَقِيلٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حاله، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

ومع ذلك حَسَّنَ إسنادَهُ الحافظُ في (الدراية 1/ 55). وخالَفَ ذلك في (التلخيص 1/ 144)، فقال:"مدارُه على ابنِ عَقِيلٍ، وفيه مقالٌ".

وَحَسَّنَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 216).

رِوَايَة: وَمَسَحَ صُدْغَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، [قَالَتْ:] 1 فَرَأَيتُهُ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ مَجَارِيَ الشَّعَرِ، مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَمَسَحَ صُدْغَيْهِ، وَ [أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فَمَسَحَ] 2 أُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا [وَمَنْبَتَهُمَا] 3 [مَرَّةً وَاحِدَةً] 4» .

[الحكم]:

ضعيفٌ، واضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه.

[الفوائد]:

قال صاحبُ عونِ المعبودِ: " (مَرَّةً وَاحِدَةً) متعلِّقٌ بمسَحَ، فيكون قيْدًا في الإقبالِ والإدبارِ، وما بعده فباعتبارِ الإقبال يكون مَرَّةً وباعتبارِ الإدبارِ مرَّةَ أخرى، وهو مسْحٌ واحدٌ، وبه يُجمعُ بينه وبيْن ما سبقَ من حديثها أنه مسَحَ

ص: 277

برأسِهِ مرَّتين" (عون المعبود 1/ 150).

قلنا: بل هذا مِن اضطرابِ ابنِ عَقِيلٍ راويه كما حرَّرْناه فيما سبقَ.

[التخريج]:

[د 128 (والزيادة الأولى والرابعة له) / ت 33/ حم 27022 (واللفظ له) / طب (24/ 272/ 689) / طس 6100 مختصرًا/ طص 1167 مختصرًا/ طح 139 - 142/ قط 371 (والزيادة الثانية له) / هق 276 (والزيادة الثالثة له) / بغ 225/ طهور 330/ منذ 382/ تحقيق 144/ طوسي 31/ ذهبي (2/ 384)].

[السند]:

رواه أحمدُ (27022) قال: حدثنا حسنٌ، قال: حدثنا ابنُ لَهِيعةَ، قال: حدثنا محمدُ بنُ عَجْلانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ، عن رُبَيِّعَ بنتِ مُعَوِّذٍ، به.

وتُوبِع عليه ابنُ لَهِيعةَ:

فرواه أبو داودَ، عن قُتَيْبةَ بنِ سعيدٍ، حدثنا بكر -يعني: ابنَ مُضَرَ-، عنِ ابنِ عَجْلانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ

به بلفظ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» .

ورواه البَيْهَقيُّ من طريقِ سعيدِ بنِ أبي أيُّوبَ، عنِ ابنِ عَجْلانَ به مع الزيادة الثالثة.

وتُوبِع ابنُ عَجْلانَ:

فرواه الدَّارَقُطنيُّ (371) من طريقِ مسلمِ بنِ خالدٍ، عنِ ابنِ عَقِيلٍ، به بلفظ: ((رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرَهُ، وَصُدْغَيْهِ،

ص: 278

ثُمَّ أَدْخَلَ

)) الخ.

فمدارُه -عندَ الجميعِ- على عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حالِهِ، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

وهو ظاهرٌ في هذه الروايةِ بالمقارنةِ بالرواياتِ السابقةِ والتاليةِ.

وابنُ عَجْلانَ وَثَّقَهُ جماعةٌ، وفيه كلامٌ يسيرٌ، وهو حسَنُ الحديثِ، والحَمْلُ في اختلافِ رواياتِ الحديثِ على ابنِ عَقِيلٍ كما قرَّرْناه فيما سبقَ.

ومع هذا حَسَّنَهُ التِّرْمِذيُّ في (السنن 34)، والألبانيُّ في (المشكاة 414).

[تنبيه]:

ذكر المِزِّيُّ في (التحفة) أنه وُجِدَ في نسخة من طريقِ اللُّؤْلُؤيِّ: "عنِ ابنِ عَقِيلٍ، عن أبيه، عن الرُّبَيِّعِ"، ثُمَّ قال:"وهو وهَمٌ"(تحفة الأشراف 11/ 304).

وانظر (البدر المنير 2/ 167)، و (صحيح أبي داود 1/ 216).

ص: 279

رِوَايَة: فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعَرِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَتْ:«إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعَرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعَرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعَرَ عَنْ هَيْئَتِهِ» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ.

[اللغة]:

القَرْنُ: يُطْلَقُ على الخُصلةِ مِن الشعرِ، وعلى جانبِ الرأسِ من أي جهةٍ كان، وعلى أعلى الرأس. قاله الشيخُ ولِيُّ الدِّينِ العِراقيُّ (عون المعبود 1/ 149).

وقوله: ((مُنْصَبّ الشَّعَرِ)) أى: أصْلُ الشعرِ.

وقوله: ((عَنْ هَيْئَتِهِ)) أي: عن صفته التي كان عليها من كوْنِه مضْفورًا، أو غيرَ مضفورٍ.

والهيئةُ: الشَّارَة، كذا في "الصِّحاحِ"(شرح العَيْنيِّ 1/ 309)، عون المعبود (1/ 149).

[الفوائد]:

قال العِراقيُّ: "والمعنى: أنه كان يبتدِئُ المسْح بأعلى الرأسِ إلى أن ينتهي بأسفَلِه، يفعلُ ذلك في كلِّ ناحيةٍ على حِدَتِها." انتهى

وقال الشَّوْكانيُّ: "إنه مسَحَ مُقَدَّمَ رأسِه مسحًا مستقِلًّا، ومُؤَخَّرَه كذلك؛ لأن المسحَ مرَّةً واحدةً لا بدَّ فيه من تحريكِ شعَرِ أحدِ الجانبين"(عون المعبود 1/ 149).

قال صاحبُ عون المعبود: "ابتدأَ المسحَ مِن مُقَدَّمِ رأسِه مستوعِبًا جميعَ

ص: 280

جوانبِهِ إلى مُنْصَبِّ شعَرِه، وهو مُؤَخَّرِ رأسِهِ؛ إذْ لو مسَحَ مِن مُؤَخَّرِه إلى مُقَدَّمِه أو من أعلاهُ وهو وسَطُه إلى أيَّةِ جهةٍ كانت أو مِن يمينه إلى شمالِه أو بالعكسِ، لَزِمَ تحرُّكُ الشَّعَرِ عن هيئتِهِ، وقد قال: لا يُحَرِّكُ

إلخ، والله أعلمُ بالصوابِ" (عون المعبود 1/ 150).

[التخريج]:

[د 127 (واللفظ له) / حم 27024، 27022/ طب (24/ 271/ 688) / هق 275/ طهور 332/ منذ 384].

[السند]:

قال (أبو داود): حدثنا قُتَيْبةُ بنُ سعيدٍ ويزيدُ بنُ خالدٍ الهَمْدانيُّ، قالا: حدثنا اللَّيْثُ، عنِ ابنِ عَجْلانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْراءَ

به.

ومدارُه على: محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَقِيلٍ، به.

واللَّيْث هو ابنُ سعدٍ المِصريُّ.

[التحقيق]:

إسناده رجاله ثقات عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حاله، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

بينما قال الشيخُ الألبانيُّ: "إسنادُهُ حسَنٌ"(صحيح أبي داود 119).

ص: 281

رِوَايَة: فَمَسَحَ بِيَدَيْهِ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرَهُ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَتْ:«صَبَبْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاءً، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ مِنَ المَاءِ بِيَدِهِ، فَأَفْرَغَهُ عَلَى يَدِهِ الأُخْرَى، فَمَسَحَ بِيَدَيْهِ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرَهُ وَصُدْغَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ أُذُنَيْهِ» .

[الحكم]:

ضعيفٌ، واضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه.

[التخريج]:

[طهور 330 (واللفظ له)، 350 مختصرًا].

[السند]:

قال أبو عُبَيدٍ -في الموضعين-: حدثنا إسماعيلُ بنُ جعفرٍ، عن محمدِ بنِ عَجْلانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْراءَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنَ عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ حاله، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

ص: 282

رِوَايَة: وَأَخَذَ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَتْ:«رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَلَأَ يَدَيْهِ مِنَ المَاءِ، ثُمَّ أَكْفَأَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى وَسَطِ رَأْسِهِ فَمَسَحَ، وَأَخَذَ يَدَيْهِ إِلَى رَأْسِهِ فَمَسَحَ أُذُنَيْهِ دَاخِلَهُمَا وَخَارِجَهُمَا، وَأَخَذَ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وقدِ اضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه.

[التخريج]:

[طب (24/ 272/ 690)].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا أحمدُ بنُ عبدِ الوهابِ بنِ نَجْدةَ الحَوْطيُّ، ثنا أَبي، ثنا بَقيَّةُ بنُ الوليدِ، عن محمدِ بنِ عَجْلانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه بَقيَّةُ بنُ الوليدِ، وهو وإن كان صدوقًا فإنه كثيرُ التدليسِ عن الضُّعفاءِ كما في (التقريب 734)، وقد عنعنه.

وابنُ عَقِيلٍ قدِ اضطربَ في متنِ هذا الحديثِ كما سبقَ بيانُه.

ص: 283

رِوَايَة: وَيُطَهِّرُ قَدَمَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَتْ:«كَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا، فَنَأْتِيهِ بِمِيضَأَةٍ لَنَا فِيهَا مَاءٌ، يَأْخُذُ بِمُدِّ المَدِينَةِ مُدًّا وَنِصْفًا أَوْ ثُلُثًا، فَأَصُبُّ عَلَيْهِ، فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَيُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيَمْسَحُ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا، وَيُطَهِّرُ قَدَمَيْهِ» .

[الحكم]:

صفةُ الوُضُوءِ صحيحةٌ بالشواهِدِ، وهذا الحديثُ قدِ اضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُهُ.

[التخريج]:

[طب (24/ 267/ 676) (واللفظ له) / طس 2388/ طح (1/ 33/ 144) مختصرًا دون قوله ((ويُطَهِّرُ قَدَمَيْهِ))].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا أبو مسلمٍ الكَشِّيُّ، ثنا محمدُ بنُ المِنهالِ، ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، ثنا رَوْحُ بنُ القاسمِ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْراءَ، به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن رَوْحٍ إلا يزيدُ بن زُرَيْعٍ"(الأوسط 2388).

ومدارُ الحديثِ عندهما على: محمدِ بنِ المِنهالِ، عن يَزيدَ بنِ زُرَيْعٍ

به.

[التحقيق]:

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا عبد الله بن محمد بن عَقِيلٍ، وقد سبقَ بيانُ

ص: 284

حالِهِ، وأنه اضطربَ في متنِ الحديثِ اضطرابًا شديدًا.

وقال ابنُ دقيقِ العيدِ: "وليس فيه من أبي مسلمٍ إلى آخره مَن يُنظَر فيه، إلا عبدَ اللهِ بن محمدِ بنِ عَقِيلٍ، وقد احتُجَّ به وضُعِّفَ"(الإمام 1/ 438).

رِوَايَة: وَمَسَحَ أُذُنَيْهِ مع مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ:((دَخَلْنَا عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ فِي نَفَرٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَحْوِ هَذَا الإِنَاءِ، وَهِيَ تُشِيرُ بِيَدِهَا إِلَى رَكْوَةٍ تَأْخُذُ مُدًّا وَثُلُثًا بِالْأَوَّلِ فِيمَا أَرَى، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرَهُ، وَمَسَحَ أُذُنَيْهِ مَعَ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وقدِ اضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه.

[التخريج]:

[طب (24/ 270/ 685)].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا محمدُ بنُ العبَّاسِ المؤدِّبُ، ثنا سُرَيْجُ بنُ النُّعمانِ الجَوْهريُّ، ثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيمانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه فُلَيحُ بنُ سُلَيمانَ؛ ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ، والنَّسائيُّ.

ص: 285

وقال أبو داودَ: "ليس بشيءٍ"(التهذيب 8/ 272).

وقال الحافظُ: "صدوقٌ يخطئُ كثيرًا"(التقريب 5443).

وابنُ عَقِيلٍ فيه لِينٌ، وقدِ اضطربَ في متنِ هذا الحديثِ كما سبقَ بيانُه.

رِوَايَة: جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها، قَالَتْ:«تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ» .

[الحكم]:

حسَنٌ بشواهدِهِ، فقد ثبَتَ إدخالُ الأصبع في الأذن عند المسحِ من حديثِ ابن عبَّاسٍ، وحديث الرُّبَيِّعِ مضطربٌ، وحَسَّنَهُ الألبانيُّ لذاته.

[التخريج]:

[د 130 (واللفظ له) / جه 445/ هق 308، 309/ بغ 225].

[السند]:

قال أبو داودَ: حدثنا إبراهيمُ بنُ سعيدٍ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا الحسنُ بنُ صالحٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذ ابنِ عَفْراءَ

به.

ومدارُه -عندَهم- على ابنِ عَقِيلٍ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا ابن عَقِيلٍ؛ فقد ضَعَّفَه أكثرُ أهلِ العلمِ، وقدِ اضطربَ في متنِ هذا الحديثِ كما سبقَ بيانُه.

ص: 286

ومع هذا فقد حسَّنَ الألبانيُّ إسنادَه (صحيح أبي داود- الأم 122).

نعم، متْنُ هذه الروايةِ حسَنٌ؛ بما أخرجه ابنُ خُزَيْمةَ (158) من حديثِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ

وَغَرَفَ غَرْفَةً فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَبَاطِنَ أُذُنَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِيهِمَا». وقد سبقَ تخريجُه.

رِوَايَة: إِلَى أَنْ بَلَغَ رَأْسَهُ:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: «أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إِلَى أَنْ بَلَغَ رَأْسَهُ» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، واهي الإسنادِ جدًّا.

[التخريج]:

[خط (5/ 376) (واللفظ له) / عطار (منتقى ق 85/ أ)].

[السند]:

أخرجه محمدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ في (جزء من حديث - انتقاء أبي بكر الجِعابيِّ) -ومن طريقِهِ الخطيبُ-، قال: حدثنا أحمدُ بنُ مَخْلدٍ أبو جعفرٍ الدَّقَّاقُ، حدثنا أبو بدرٍ، حدثنا عَبَّادُ بنُ كَثيرٍ، حدثني عبدُ اللهِ بنُ محمد بنِ عَقِيلٍ، قال: حدَّثتني الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عَبَّادُ بنُ كثيرٍ الثَّقَفيُّ؛ قال البُخاريُّ: "ترَكُوه"(التاريخ الكبير 6/ 43)، وقال ابنُ حَجَرٍ: "متروكٌ، قال أحمدُ: روَى

ص: 287

أحاديثَ كَذِبٍ" (التقريب 3139).

وابنُ عَقِيلٍ فيه لينٌ، وقدِ اضطربَ في متنِ هذا الحديثِ كما سبقَ بيانُه.

رِوَايَة: وَضَعْنَا لَهُ إِنَاءً حَزَرْنَاهُ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا وَيَغْشَانَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَضَعْنَا لَهُ إِنَاءً حَزَرْنَاهُ يَأْخُذُ مُدًّا أَوْ مُدًّا وَنِصْفًا، فَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَيَتَمَضْمَضُ ثَلَاثًا، وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً، وَيَغْسِلُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا وَغُضُونَهُمَا

(1)

[مَعَ الوَجْهِ]، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَيُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ».

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهِدِهِ دُونَ قولِه: «وَغُضُونَهُمَا مَعَ الوَجْهِ» ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ ابنُ حَجَرٍ. وصفةُ وُضُوئِهِ صلى الله عليه وسلم ثابتةٌ من غيرِ ما وجهٍ كما سبقَ.

[اللغة]:

قولُه: (وَغُضُونَهُمَا) قال أبو زيدٍ: غُضُونَ الأُذُنِ واحِدُها: غَضْنٌ، وهي مَثانِيها" (تهذيب اللغة 8/ 52).

[التخريج]:

[طس 7309/ سط (صـ 74، والزيادة له)].

(1)

في تاريخ واسط: "وعظومهما".

ص: 288

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا محمدُ بنُ العبَّاسِ، ثنا عُبيدُ اللهِ بنُ الحَجَّاجِ بنِ المِنهالِ الأَنْماطيُّ، ثنا أبي، ثنا يزيدُ بنُ إبراهيمَ التُّسْتَريُّ، ثنا لَيْثُ بنُ أبي سُلَيمٍ، عن النُّعمانِ بنِ سالمٍ، عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ

به.

ثُمَّ قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن النُّعمانِ بنِ سالمٍ إلا لَيْثٌ، ولا عن لَيْثٍ إلا يزيدُ، ولا عن يَزيدَ إلا حَجَّاجٌ، تفرَّد به ابنُه".

قلنا: كلا؛ فقد رواه بَحْشَلٌ في (تاريخ واسط)، من طريقِ سُلَيمانَ بنِ حرْب، عن يَزيدَ بنِ إبراهيمَ التُّسْتَريِّ

به.

فمداره على يَزيدَ.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه لَيْثُ بنُ أبي سُلَيمٍ، قال فيه أبو حاتم:"ضعيفُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 7/ 178)، وقال الذَّهَبيُّ:"فيه ضعْفٌ يسيرٌ مِن سُوء حفْظِه"(الكاشف 4692)، قال الحافظُ:"صدوقٌ، اختلطَ جدًّا ولم يتميزْ حديثُه فتُرِكَ"(التقريب 5685).

ولذا قال الحافظُ: "وحديثُ الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط)، وإسنادُهُ ضعيفٌ"(التلخيص 1/ 164).

قلنا: ولكنْ لحديثِهِ هذا -دُونَ ذِكْرِ غُضُونِ الأُذُنِ- شواهدُ سبقَ بعضُها.

ص: 289

رِوَايَة: مِنْ بَقِيَّةِ المَاءِ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: «

ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءِ يَدَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ المَاءِ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ فَعَلَا بِهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ بُطُونَ أُذُنَيْهِ وَظُهُورَهُمَا، وَجَعَلَ يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنَيْهِ».

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[هقخ 123].

[السند]:

قال البَيْهَقيُّ في (الخلافيات): وأخبرنا أبو الحسنِ، أنبأ القاسمُ، ثنا نصرُ بنُ عبدِ الملكِ البُخاريُّ، ثنا إبراهيمُ بنُ أبي ثابتٍ، ثنا الأَشْجَعيُّ، عن سفيانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عنِ الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذ ابنِ عَفْراءَ

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: إبراهيمُ بنُ أبي ثابتٍ؛ قال البُخاريُّ: "سكتُوا عنه، وبمَشُورتِهِ جُلِدَ مالكٌ". وقال ابنُ عَدِيٍّ: "عامَّةُ أحاديثِهِ مناكيرُ"، وقال ابنُ عَدِيٍّ أيضًا:"لا يُشْبِه حديثُه حديثَ أهل الصدق"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"هو الذي يقالُ له: ابنُ أبي ثابتٍ، تفرَّدَ بأشياءَ لا تُعرَفُ حتى خرجَ عن الاحتجاجِ به مع قِلَّة تيقُّظِه".

ولذا قال فيه الذَّهَبيُّ: "واهٍ"(الميزان 1/ 56)، وأقَرَّه ابنُ حَجَرٍ في (اللسان 266).

ونصْرُ بنُ عبدِ الملكِ البُخاريُّ؛ لم نقفْ له على ترجمةٍ.

ص: 290

وعبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقِيلٍ؛ صدوقٌ في حديثِه لِينٌ، وقدِ اضطربَ في متنِ الحديثِ كما سبقَ بيانُهُ.

فأمَّا الأَشْجَعيُّ: فهو عُبَيدُ اللهِ بنُ عُبَيدِ الرحمنِ الكوفيُّ، ثقةٌ مأمونٌ، أَثبَتُ الناسِ كِتابًا في الثَّوْريِّ.

* * *

رِوَايَة: مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها، قَالَتْ:«أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، وَمَسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهَا» .

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، اضطربَ ابنُ عَقِيلٍ في متنِهِ كما سبقَ بيانُه.

[التخريج]:

[طهور (زوائد المروزي 331)].

[السند]:

أخرجه محمدُ بنُ يحيى بنِ سُلَيمانَ بنِ يَزيدَ المَرْوزيُّ في (زوائده على الطهور لأبي عبيد)، قال: حدثنا عُثْمَانُ بنُ أبي شَيْبةَ، حدثنا شَرِيكُ بنُ عبدِ اللهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه شَرِيكُ بنُ عبدِ اللهِ النَّخَعيُّ، وهو صدوقٌ يُخطئُ كثيرًا كما في (التقريب 2787).

وابنُ عَقِيلٍ الجمهورُ على تضعيفه، وقد بيَّنَّا أنه قدِ اضطربَ في هذا الحديثِ.

* * *

ص: 291

1601 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ (ذِرَاعَيْهِ) ثَلَاثًا [ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهِدِهِ، وإسنادُهُ معلولٌ؛ فالمحفوظُ أنه من حديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وبهذا أَعَلَّه أحمدُ والبُخاريُّ.

[التخريج]:

[حم 8577 (واللفظ له) / طح (1/ 36/ 175) (والرواية والزيادة له) / مج 1458/ تخ (6/ 456)].

[السند]:

قال أحمدُ: ثنا عفَّان، حدثنا هَمَّام، حدثنا عامر -يعني: الأحولَ-، عن عَطاءٍ، عن أبي هريرةَ

به.

ومدارُهُ عندَ الجميعِ على هَمَّامٍ به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات إلا عامرًا الأحولَ فمختلَفٌ فيه؛ ولذا قال الحافظُ: "صدوقٌ يخطئُ"(التقريب 3103).

وقد أخطأَ في سندِ هذا الحديثِ، حيثُ جعَلَه مِن حديثِ أبي هريرةَ، وإنما هو من حديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.

فقد خالَفَه يزيدُ بنُ أبي حبيبٍ، واللَّيْثُ، وابنُ جُرَيجٍ، وأسامةُ بنُ زيدٍ، وابنُ لَهِيعةَ، والحَجَّاجُ، فرَوَوْهُ عن عَطاءٍ، عن عُثْمَانَ رضي الله عنه، وانظر (علل

ص: 292

ابن أبي حاتم 1/ 640).

وقد تَقَدَّمَ تخريجُه أول الباب.

وبهذا أَعَلَّه الإمامُ أحمدُ، قال أبو داودَ:"قلتُ لأحمدَ: عامرٌ الأحولُ؟ قال: شيخٌ قد احتَمَلَه النَّاسُ، وليس حديثُه بذاكَ، روَى حديثَ عَطاءٍ، عن أبي هريرةَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا))، وإنما يرويه عطاءٌ عن عُثْمَانَ"(مسائل الإمام أحمد -رواية أبي داود- 1912).

وقال البُخاريُّ: "قال هَمَّامٌ: عن عامرٍ، عن عَطاءٍ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا. وقال حَجَّاجٌ: عن عطاءٍ، عن عُثْمَانَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضُهم: عن حَجَّاجٍ، عن عَطاءٍ، عن حُمْرانَ، عن عُثْمَانَ رضي الله عنه، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وهو المشهورُ، عن عُثْمَانَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم" (التاريخ الكبير 6/ 456).

وأَعَلَّه البُخاريُّ بعلةٍ أخرى، فقال:"وقال الأعرجُ: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: ((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ)) "(التاريخ الكبير 6/ 456).

يشيرُ إلى أن هذا هو المحفوظُ عن أبي هريرةَ في الوُضوءِ، والله أعلم.

قلنا: ومتنُ الحديثِ صحيحٌ؛ له شواهدُ عِدَّةٌ تقدَّمَ ذِكْرُ أكثرِها.

ص: 293

رِوَايَة: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: «

وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا

».

[الحكم]:

منكرُ المتنِ معلولُ السندِ، والمحفوظُ أن مَسْحَ الرأسِ مرة واحدة.

[التخريج]:

[طس 5912].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا محمدُ بنُ يحيى القَزَّازُ، قال: نا حفصُ بنُ عُمرَ الحَوْضيُّ، قال: نا هَمَّامٌ قال: نا عامرٌ الأحولُ، عن عَطاءٍ، عن أبي هريرةَ، به.

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن عَطاءٍ عن أبي هريرةَ إلا عامرٌ الأحولُ، تفرَّدَ به هَمَّامٌ".

[التحقيق]:

وهذا إسنادٌ معلولٌ؛ أخطأ فيه عامرٌ الأحولُ كما تقدمَ بيانُه آنفًا.

وقد سبقَ بيانُ حالِ رجالِ الإسنادِ عدا القَزَّازَ شيخَ الطَّبَرانيِّ، وشيخَه حفصَ بنَ عُمرَ الحَوْضيَّ. فأمَّا حفصٌ هذا، فثقةٌ ثبْتٌ من رجالِ البُخاريِّ (التقريب 1412).

وأما محمدُ بنُ يحيى القَزَّازُ، فقد قال عنه الدَّارَقُطنيُّ:"لا بأسَ به"(سؤالات الحاكم 197).

والحديثُ ذكره الهيثميُّ، وقال:"رجالُهُ رجالُ الصحيحِ"(المجمع 1169).

قلنا: محمدُ بنُ يحيى القَزَّازُ لم يُخَرِّجْ له ممن اشتَرطَ الصحةَ سوى

ص: 294

الحاكمُ، وقد أخطأَ القَزَّازُ في متنِهِ؛ حيثُ زَادَ فيه تثليثَ مسْحِ الرأسِ، وخالَفَه غيرُهُ؛

فقد رواه أبو بكرٍ الدِّينَوَريُّ في (المجالسة 1458) عن العبَّاسِ الدُّوريِّ الحافظِ،

ورواه الطَّحاويُّ في (معاني الآثار 169) عنِ ابنِ أبي داودَ -وهو البُرُلُّسيُّ الحافظُ-،

كلاهما عن حفصِ بنِ عُمرَ، عن هَمَّامٍ، به دونَ ذِكْرِ التثليثِ في مسحِ الرأسِ.

وكذلك رواه عفَّانُ بنُ مسلمٍ، عن هَمَّامٍ، كما سبقَ عند أحمدَ (المسند 8577).

فتبيَّنَ بذلك أن تَكرارَ مسْحِ الرأسِ في هذا الحديثِ ليسَ بمحفوظٍ، وهو مِن أوهامِ القَزَّازِ.

وحديث عُثْمَانَ -الذي هو أصْلُ هذا الحديثِ المعلول- قد سبقَ أن ظاهرَ رواياتِه التي رواها الثِّقاتُ تَدُلُّ على أن مسْحَ الرأسِ واحدة، وصرَّحَ به بعضُهم كما سبقَ.

وهكذا جاءَ مصرَّحًا به في عِدَّةِ أحاديثَ أخرى، كحديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، وقد تقدَّمَ.

ص: 295

رِوَايَة: يُدِيرُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، ((أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ الوُضُوءِ، قَالَ: فَغَضِبَ، فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ، فَجَلَسْتُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ أَتَى أَبُو هُرَيْرَةَ بِإِنَاءٍ إِلَى الصِّغَرِ مَا هُوَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَوْتُ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَضْمَضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ [اليُمْنَى] فِي الإِنَاءِ فَأَخَذَ [المَاءَ] بِكَفِّهِ اليُمْنَى فَصَبَّ عَلَى اليُسْرَى، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، فَكَأَنِّي بِهِ يُدِيرُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيتُ أَبَا القَاسِمِ يَصْنَعُ)).

[الحكم]:

مرفوعُهُ صحيحُ المتنِ بشواهِدِهِ دُونَ إدارةِ أصبعيه، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[تخ (4/ 220) مختصرًا/ طهور 87 (واللفظ له)، 118، 277، 293، 340، 348 (مختصرًا والزيادتان له)].

[السند]:

أخرجه أبو عُبَيدٍ (87)، قال: ثنا عُمرُ بنُ يونسَ اليَمَاميُّ، عن جَهْضَمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي الطُّفَيلِ مولى بني قَيْسِ بنِ ثَعْلَبةَ، قال: حدثني شُعَيبُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن أبيه، به.

ومداره على: عُمرَ بنِ يونسَ اليَمَاميِّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عِلَّتان:

ص: 296

الأولى: جهالةُ حالِ شُعَيبِ بنِ عبدِ الرحمنِ؛ فقد ترجمَ له البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 220)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 349)، ولم يَذْكُرَا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 439) على عادتِهِ في توثيقِ المجاهيلِ، فشُعَيبٌ لم يذكروا فيمَن روَى عنه سوى جَهْضَم!.

قلنا: وقد قالوا في جَهْضَم: "يُكثِرُ عن المجاهيلِ"، كما سيأتي.

الثانية: جهالةُ حالِ عبدِ الرحمنِ والدِ شُعَيبٍ، ذكره ابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 304)، ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم يُعرَفْ إلا بروايةِ ابنِه عنه.

فأما جَهْضَمُ بنُ عبد اللهِ فثقةٌ؛ قال يحيى بنُ مَعِينٍ: "ثقةٌ إلا أنَّ حديثَهُ منكَرٌ -يعني: ما روَى عن المجهولين-"(تهذيب الكمال 5/ 157). وقال ابنُ حَجَرٍ: "صدوقٌ، يُكْثِرُ عن المجاهيلِ"(التقريب 982).

[تنبيه]:

وقعَ عند أبي عُبَيدٍ في (الطهور 348): ثنا عُمرُ بنُ يونسَ، عن جَهْضَمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي الطُّفَيلِ، عن الطُّفَيلِ بنِ عبدِ اللهِ، عن شُعَيبِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبيه، به.

فزادَ في السندِ: "عن الطُّفيل بن عبد الله"، فلعلَّ هذا خطأٌ من النُّسَّاخِ، والله أعلم.

* * *

ص: 297

1602 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَالِمٍ سَبَلَانَ، قَالَ -وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَسْتَعْجِبُ بِأَمَانَتِهِ، وَتَسْتَأْجِرُهُ-:((فَأَرَتْنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؛ فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ ثَلَاثًا، وَغَسَلَتْ وَجْهَهُا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَاليُسْرَى ثَلَاثًا، وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَيْهَا بِأُذُنَيْهَا، ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الخَدَّيْنِ. قَالَ سَالِمٌ: كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا مَا تَخْتَفِي مِنِّي، فَتَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَتَتَحَدَّثُ مَعِي، حَتَّى جِئْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقُلْتُ: ادْعِي لِي بِالبَرَكَةِ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: أَعْتَقَنِي اللهُ، قَالَتْ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَأَرْخَتِ الحِجَابَ دُونِي، فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، وصفةُ الوُضوءِ يشهدُ لها ما سبقَ من أحاديثَ.

[التخريج]:

[ن 103 (واللفظ له) / كن 128/ كنى (مُغْلَطاي 1/ 445) / تخ (4/ 110) مختصرًا/ لا 1430/ متفق 950].

[السند]:

أخرجه النَّسائيُّ في (الكبرى) -وعنه الدُّولابيُّ في (الكُنى) -، قال: أخبرنا الحسينُ بنُ حُرَيثٍ، قال: حدثنا الفضلُ بنُ موسى، عن جُعَيدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، قال: أخبرني عبدُ الملكِ بنُ مَرْوانَ بنِ الحارثِ بنِ أبي ذُبابٍ، قال: أخبرني أبو عبدِ اللهِ سالمٌ سَبَلانُ، قال:

فذكره.

والحديثُ مَدارُه عندَهم على: الحسينِ بنِ حُرَيثٍ به.

ص: 298

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ رجاله ثقات سوى عبدِ الملك بن مَرْوانَ بن الحارث، فمجهولٌ؛ فلا نَعْرفُ أحدًا روَى عنه غيرُ الجُعَيدِ بنِ عبدِ الرحمنِ. وترجمَ له البُخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 430)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 5/ 368)، ولم يَذْكُرَا فيه جَرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 107)، وذكره الذَّهَبيُّ في (الميزان 2/ 664) وقال:"تفرَّدَ عنه الجُعَيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ"، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 4212) أي: إذا تُوبِعَ وإلا فلَيِّنٌ، ولم يتابَعْ.

وأبو عبدِ اللهِ سالمٌ سَبَلان، قال الحافظُ فيه:"صدوقٌ"(التقريب 2177).

ومع ذلك قال الألبانيُّ: "صحيحُ الإسنادِ"! (صحيح النَّسائيِّ 100).

* * *

ص: 299

1603 -

حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ:

◼ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ:((حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَمَسَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَأَفَاضَ بِهَا عَلَى اليُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ غَمَسَ اليُمْنَى فِي المَاءِ فَحَفَنَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ كَفَّيْهِ فِي الإِنَاءِ فَحَمَلَ بِهِمَا مَاءً فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَمَسَحَ (وَغَسَلَ) بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ خِنْصَرَهُ (أُصْبُعَيْهِ) فِي دَاخِلِ أُذُنِهِ لِيُبَلِّغَ المَاءَ، ثُمَّ مَسَحَ [ظَاهِرَ] رَقَبَتِهِ وَبَاطِنَ لِحْيَتِهِ [ثَلَاثًا] مِنْ فَضْلِ مَاءِ الوَجْهِ، [ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي المَاءِ] وَغَسَلَ ذِرَاعَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا حَتَّى مَا وَرَاءَ المِرْفَقِ (حَتَّى جَاوَزَ المِرْفَقَ)، وَغَسَلَ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ بِاليُمْنَى حَتَّى جَاوَزَ المِرْفَقَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ [ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ [ظَاهِرَ] رَقَبَتِهِ وَبَاطِنَ لِحْيَتِهِ (وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَظَاهِرَ لِحْيَتِهِ ثَلَاثًا) بِفَضْلِ مَاءِ الرَّأْسِ، ثُمَّ غَسَلَ [بِيَمِينِهِ] قَدَمَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهَا، وَجَاوَزَ بِالمَاءِ الكَعْبَ، وَرَفَعَ فِي السَّاقِ المَاءَ، ثُمَّ فَعَلَ في اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ بِيَدِهِ اليُمْنَى [فَمَلَأَ بِهَا يَدَهُ] فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى تَحَدَّرَ [المَاءُ] مِنْ جَوَانِبِ رَأْسِهِ، وَقَالَ: هَذَا تَمَامُ الوُضُوءِ، [وَلَمْ أَرَهُ تَنَشَّفَ بِثَوْبٍ].

[ثُمَّ نَهَضَ إِلَى المَسْجِدِ] فَدَخَلَ مِحْرَابَهُ [-يَعْنِي: مَوْضِعَ المِحْرَابِ-]، فَصَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ، وَنَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ بِالتَّكْبِيرِ إِلَى أَنْ حَازَتَا

(1)

شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ جَهَرَ

(1)

في مطبوع الطَّبَرانيّ: "أزتا"، والتصويب من مسند البَزَّار.

ص: 300

بِالحَمْدِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الحَمْدِ، ثُمَّ جَهَرَ بِآمِينَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الحَمْدِ حَتَّى سَمِعَ مَنْ خَلْفَهُ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً أُخْرَى مَعَ الحَمْدِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ بِالتَّكْبِيرِ إِلَى أَنْ حَازَتَا

(1)

شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ انْحَطَّ رَاكِعًا، فَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ] بَيْنَ] أَصَابِعِهِ، وَأَمْهَلَ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى اعْتَدَلَ رُكُوعُهُ وَصَارَ مَتْنَاهُ (صُلْبُهُ) كَأَنَّهُمَا نَهَرٌ جَارٍ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ قَدَحٌ مَلْآنُ مَا انْكَفَأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ بِالخُشُوعِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَازَتَا

(2)

شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَأَمْهَلَ فِيهِ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ انْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ سَاجِدًا، فَأَثْبَتَ جَبْهَتَهُ فِي الأَرْضِ وَأَنْفَهُ حَتَّى رَأَى أَثَرَ أَنْفِهِ فِي الرَّمْلِ، وَفَرَشَ ذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا [وَبَسَطَ فَخِذَهُ اليَسَارَ وَنَصَبَ اليَمِينَ كَمَا أَثْبَتَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُمْهِلْ بِالسُّجُودِ]، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ [فَرَفَعَ يَدَيْهِ] بِالتَّكْبِيرِ [إِلَى أَنْ حَاذَتَا بِشَحْمَةِ أُذُنَيْهِ]، وَجَلَسَ جَلْسَةً خَفِيفَةً فَاسْتَبْطَنَ فَخِذَهُ اليُسْرَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ اليُمْنَى أَثْبَتَ أَصَابِعَهُمَا [فَوَضَعَ كَفَّهُ اليَمِينَ عَلَى رُكْبَتِهِ وَبَعْضِ فَخِذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعِهِ]، ثُمَّ انْحَطَّ سَاجِدًا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ بِالتَّكْبِيرِ [بِيَدَيْهِ إِلَى أَنْ حَاذَتَا بِشَحْمَةِ أُذُنَيْهِ وَإِلَى أَنِ اعْتَدَلَ فِي قِيَامِهِ وَرَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ]، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَمَّتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ [يَفْعَلُ فِيهِنَّ مَا يَفْعَلُ فِي هَذِهِ]، ثُمَّ جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ، فَوَضَعَ كَفَّهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُمْنَى وَخَفَضَ

(3)

فَخِذَهُ،

(1)

في مطبوع الطَّبَرانيّ: "أزتا"، والتصويب من مسند البَزَّار.

(2)

في مطبوع الطَّبَرانيِّ: "أزتا"، والتصويب من مسند البَزَّار ..

(3)

كذا في (مطبوعة المعجم الكبير 22/ 51)، ولعلَّها مصحفةٌ من: وَبَعْضِ فَخِذِهِ. والله أعلم ..

ص: 301

وَحَلَّقَ أُصْبُعَهُ يَدْعُو بِهِ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ أَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ يَعْمَلُونَ هَذَا، وَتَنَفَّلَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْسَرِ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، قَالَ:((خَلَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحْيَتَهُ، وَمَسَحَ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ)).

[الحكم]:

منكَرٌ بهذه السِّياقةِ، وأنكره ابنُ القَطَّانِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

وَضَعَّفَهُ: عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ القَطَّانِ، وابنُ دَقيقٍ، والهيثميُّ، والزَّيْلَعيُّ.

[التخريج]:

تخريج السياق الأول:

[بز 4488 (والروايات والزيادة كلها له) / طب (22/ 49 - 51/ 118) (واللفظ له) / معمري (يوم- إمام 2/ 70، مُغْلَطاي 1/ 502)].

تخريج السياق الثاني: [كنى (مُغْلَطاي 1/ 424)].

[السند]:

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الكبير)، قال: حدثنا بِشْرُ بنُ موسى، ثنا محمدُ بنُ حُجْرِ بنِ عبدِ الجبارِ بنِ وائلٍ الحَضْرَميُّ، حدثني عمِّي سعيدُ بنُ عبدِ الجبارِ، عن أبيه، عن أمِّهِ أمِّ يحيى، عن وائلِ بنِ حُجْرٍ به. بالسياقِ المطوَّلِ.

وكذا رواه البَزَّارُ في (المسند)، والمَعْمَريُّ في (عمل اليوم والليلة) -كما في (الإمام لابن دقيق 2/ 70)، و (شرح ابن ماجَهْ لمُغْلَطاي 1/ 502) -: عن إبراهيمَ بنِ سعيدٍ الجَوْهَريِّ، قال: نا محمدُ بنُ حُجْرٍ، به.

ص: 302

وأخرجه النَّسائيُّ في (الكُنى) عن أحمدَ بنِ يوسفَ، عن محمدِ بنِ حُجْرٍ، به.

قال البَزَّارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمه يُروَى بهذا اللفظِ إلا عن وائلِ بنِ حُجْرٍ بهذا الإسنادِ".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عِلَلٍ:

الأولى: محمدُ بنُ حُجْرِ بنِ عبدِ الجبارِ بنِ وائلٍ؛ ضعيفٌ جدًّا؛ قال البُخاريُّ: "فيه نظرٌ"(التاريخ الكبير 1/ 69)، وقال أبو حاتم:"شيخٌ"(الجرح والتعديل 7/ 239)، وقال ابنُ حِبَّانَ:"يروي عن عمِّه سعيدِ بنِ عبدِ الجبارِ عن أبيه عبدِ الجبارِ عن أبيه وائلِ بنِ حُجْرٍ بنسخةٍ منكَرةٍ، فيها أشياءُ لها أصولٌ مِن حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وليستْ من حديثِ وائلِ بنِ حُجْرٍ، ومنها أشياءُ من حديثِ وائلِ بنِ حُجْرٍ مختصرة جاءَ بها على التَّقَصِّي وأَفْرَطَ فيها، ومنها أشياءُ موضوعةٌ ليس يُشْبِه كلامَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لا يجوزُ الاحتجاجُ به"(المجروحين 2/ 284).

وبه أَعَلَّه عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 166)، وابنُ دَقيقٍ في (الإمام 1/ 439)، والزَّيْلَعيُّ في (نصب الراية 1/ 13)، والهيثميُّ في (المجمع 2805).

الثانية: فيه سعيدُ بنُ عبدِ الجبارِ، وهو ضعيفٌ كما في (التقريب 2344)، وقال النَّسائيُّ:"ليس بالقويِّ"(الضعفاء 265).

وبالعِلَّتينِ السابقتينِ أَعَلَّه الهيثميُّ، فقال: "رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير)، والبَزَّارُ. وفيه: سعيدُ بنُ عبدِ الجبارِ؛ قال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ. وذكره

ص: 303

ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقاتِ). وفي سندِ البَزَّارِ والطَّبَرانيِّ: محمدُ بنُ حُجْرٍ؛ وهو ضعيفٌ" (المجمع 1178).

الثالثة: جهالةُ حالِ أمِّ يحيى أمِّ عبدِ الجبارِ بنِ وائلٍ. وبهذا أَعَلَّه ابنُ القَطَّانِ، فقال:"وأمُّه هذه لا تُعرَفُ لها حالٌ"(بيان الوهم والايهام 3/ 155).

الرابعة: الانقطاعُ بينَ عبدِ الجبارِ بنِ وائلٍ وأمِّه أمِّ يحيى؛ فقد قال المِزِّيُّ -بعد أن ذَكَرَ روايتَه عن أمِّهِ-: "وقيل: لم يسمعْ منها"، وقال الحافظُ:"وقيل لم يسمعْ مِن أبويه"(التهذيب 6/ 95).

والحديثُ قال عنه ابنُ القَطَّانِ: "هو عند البَزَّارِ حديثٌ طويلٌ، فيه صفةُ الوُضوءِ والصلاة بألفاظٍ تُنكَر، ولا تُعرَفُ في غيرِهِ"، ثُمَّ أَعَلَّه بأمِّ عبدِ الجبارِ (بيان الوهم والايهام 3/ 155).

ومع هذا قال مُغْلَطايُ في (التلويح): "سندُهُ جيِّدٌ عند البَزَّارِ"(عمدة القاري للعيني 3/ 14)!

وللحديثِ طرقٌ وألفاظٌ أخرى ستأتي في "موسوعة الصلاة" إن شاء الله تعالى.

* * *

ص: 304

1604 -

حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ:

◼ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:((رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ يُقْبِلُ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ فيه ضعفٌ.

[التخريج]:

[بز 3687].

[السند]:

قال البَزَّارُ: حدثنا محمدُ بنُ صالحِ بنِ العَوَّامِ، قال: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ بكَّارِ بنِ عبدِ العزيزِ، قال: حدثني أَبِي بكَّارُ بنُ عبدِ العزيزِ، قال: سمِعتُ أَبي عبدُ العزيزِ بنُ أبي بَكْرةَ يحدِّثُ، عن أبيه، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: شيخُ البَزَّارِ محمدُ بنُ صالحِ بنِ العَوَّامِ؛ قال الهيثميُّ: "وشيخُ البَزَّارِ محمدُ بنُ صالحِ بنِ العَوَّامِ لم أَجِدْ مَن ترجمهُ"(مجمع الزوائد 1180).

قلنا: لعلَّه محمدُ بنُ صالحِ بنِ أبي العَوَّامِ، ترجَمَ له الخطيبُ في (تاريخ بغداد 3/ 336)، ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا، غير أنه ذَكَرَ له حديثًا فيه وهَمٌ.

الثانية: بكَّارُ بنُ عبدِ العزيزِ؛ مختلفٌ فيه، قال ابنُ مَعِينٍ: "ليسَ حديثُه

ص: 305

بشيءٍ" (تاريخ ابن مَعِينٍ - رواية الدُّوري 4/ 86)، وقال مرَّةً: "صالح" (الجرح والتعديل 2/ 408)، وقال البُخاريُّ: "مقاربُ الحديثِ" (علل الترمذي الكبير صـ 393). وقال ابنُ عَدِيٍّ: "وأرجو أنه لا بأسَ به، وهو من جملةِ الضُّعفاءِ الذين يُكتَبُ حديثُهم" (الكامل 2/ 472). وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 6/ 107). وقال البَزَّارُ:"ليسَ به بأسٌ"، وقال مرَّةً:"ضعيفٌ". وقال الفَسَويُّ: "ضعيفٌ"(تهذيب التهذيب 880). وقال الحافظُ: "صدوقٌ يَهِمُ"(التقريب 735).

والحديثُ قال عنه البَزَّارُ: " لا نعلمه عن أبي بَكْرةَ إلا بهذا الإسنادِ، وبكَّار ليس به بأسٌ، وعبدُ الرحمنِ صالحُ الحديثِ"(كشف الأستار 1/ 140).

والمتنُ يشهدُ له أحاديثُ كثيرةٌ تقدَّمَ بعضُها كحديثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.

ص: 306

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» .

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[خط (11/ 286)].

[السند]:

قال الخطيبُ: أخبرنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ محمدِ بنِ عليٍّ الجَوْهَريُّ، أخبرنا محمدُ بنُ عُمرَ بنِ بَهْتةَ، حدثنا محمدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، حدثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ البَكْراويُّ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ بكَّارِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي بَكْرةَ، عن أبيه، عن أبي بَكْرةَ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ:

الأولى: عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ البَكْراويُّ؛ ذكره الخطيبُ في (تاريخ بغداد 10/ 85)، ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا.

الثانية: فيه بكَّارُ بنُ عبدِ العزيزِ، وقد سبقَ معرفةُ حالِهِ في الروايةِ السابقةِ.

الثالثة: الانقطاعُ بينَ بكَّارِ بنِ عبدِ العزيزِ وأبي بَكْرةَ؛ فإنه لم يسمعْ من جدِّه. وقد رواه محمدُ بنُ صالحِ بنِ العَوَّامِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ بكَّارٍ كما سبقَ بإثباتِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي بكْرةَ بيْن بكَّارٍ وأبي بكْرةَ، وهو الصحيحُ.

ومتنُ الحديثِ صحيحٌ بما سبقَ مِن شواهدَ عِدَّةٍ.

ص: 307

1605 -

حَدِيثُ عبدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ:

◼ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبَّادِ بنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرْقِيِّ قَالَ: ((دَخَلْنَا عَلَى عبدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ فَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ كَيْفَ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ صَلَّى؟ قُلْنَا: بَلَى. فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا وَأَمَسَّ أُذُنَيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا فَاشْتَمَلَ بِهِ وَصَلَّى، قَالَ: هَكَذَا رَأَيتُ حِبِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وَضَعَّفَهُ: البُخاريُّ، وأقَرَّه الذَّهَبيُّ، وابنُ حَجَرٍ.

[التخريج]:

[طس 4133 (واللفظ له) / تخ (5/ 367) مختصرًا].

[السند]:

أخرجه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط)، قال: حدثنا عليٌّ، قال: نا أبو كُرَيبٍ، قال: نا زيدُ بنُ الحُبَابِ، قال: حدَّثني حسيُن بنُ عبدِ اللهِ، قال: حدَّثني عبدُ الرحمنِ بنُ عَبَّاد بنِ يحيى بنِ خَلَّادٍ الزُّرَقيُّ

فذكره.

قال الطَّبَرانيُّ: "لا يُروَى عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ إلا بهذا الإسنادِ، تفرَّد به: زيدُ بنُ الحُبَابِ".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: حسينُ بنُ عبدِ اللهِ، هو ابنُ ضُمَيْرةَ؛ كذَّبه مالكٌ وغيرُهُ، وقال البُخاريُّ:"منكَرُ الحديثِ ضعيف"(التاريخ الكبير 2/ 388)، وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ:"متروكُ الحديثِ"، وقال يحيى بن مَعِينٍ:"ليس بشيءٍ"، وقال أبو حاتم:"متروكُ الحديثِ، كذَّابٌ"، وقال أبو زُرْعةَ:

ص: 308

"ضعيفُ الحديثِ، اضرِبْ على حديثِهِ"(الجرح والتعديل 3/ 57، 58)، وقال العُقَيليُّ:"الغالبُ على حديثِهِ الوهَمُ والنكارةُ"(الضُّعفاء 1/ 246)، وقال ابنُ حِبَّانَ:"روَى عن أبيه عن جدِّهِ نسخةً موضوعةً"(اللسان 3/ 173 - 174).

* وأما عبدُ الرحمنِ بنُ عَبَّاد بنِ يحيى، فهكذا وقعَ نسبُه في الإسنادِ، وصوابُهُ:"عبدُ الرحمنِ بنُ يحيى بنِ عَبَّادِ بنِ خَلَّادٍ الزُّرَقيِّ"، هكذا ترجمهُ ابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 302).

وقال البُخاريُّ: "عبدُ الرحمنِ بنُ يحيى بنِ خَلَّادٍ الزُّرَقيُّ، سمِع عبدَ الله بنَ أُنَيْسٍ رضي الله عنه: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا"، ثُمَّ قال:"لا يَصِحُّ حديثُ حُسينٍ"(التاريخ الكبير 5/ 367).

وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثِّقات 7/ 80) وقال: "يَروي عن المَدَنيِّين، وهو الذي يَروي عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ إنْ كان سمِع منه".

وقال الهيثميُّ: "رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط)، وفيه: عبدُ الرحمنِ بنُ عَبَّادِ بنِ يحيى بنِ خَلَّادٍ الزُّرَقيُّ، ولم أجدْ مَن ترجمهُ"(المجمع 1182).

ولم يجدْ له ترجمةً؛ لأن الاسمَ قد تحرَّفَ عليه كما ذكرنا.

ونَقَل الذَّهَبيُّ في (الميزان 5002) كلامَ البُخاريِّ وأقَرَّهُ، وكذلك ابنُ حَجَرٍ في (اللسان 5/ 147).

* * *

ص: 309

1606 -

حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:

◼ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ:((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَتَنَاوَلَ المَاءَ بِيَدِهِ اليُمْنَى فَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[طس 357].

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا أحمدُ بنُ رِشْدِين، قال: حدثنا أبو صالحٍ عبدُ الغفارِ بنُ داودَ الحَرَّانيُّ، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ لَهِيعةَ، عن سلَمةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الحُصَينِ بنِ الأنصاريِّ، عن أبيه، أنه سمِع جابرًا

به.

وقال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديثَ عن سلَمةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الحُصَينِ إلا ابنُ لَهِيعةَ".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عِلَلٍ:

الأولى: عبدُ اللهِ بنُ الحصينِ الأنصاريُّ؛ لم نجدْ له ترجمةً.

الثانية: سلَمةُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الحُصَين؛ قال البُخاريُّ: "فيه نظرٌ"(التاريخ الكبير 4/ 85).

الثالثة: فيه ابنُ لَهِيعةَ؛ وهو ضعيفٌ سيِّئُ الحفظِ كما سبقَ مِرارًا.

ص: 310

الرابعة: أحمدُ بنُ رِشْدِينَ، قال ابنُ أبي حاتم:"سمِعتُ منه بمِصْرَ، ولم أُحَدِّثْ عنه لَمَّا تَكلَّموا فيه"(الجرح والتعديل 2/ 75)، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"أُنكِرَتْ عليه أشياءُ مما رواه. وهو ممن يُكتَبُ حديثُه مع ضعْفِه"(الكامل 1/ 198)، وقال الحاكمُ:"فيه نظرٌ"(الأسامي والكنى 3/ 88).

وقال الهيثميُّ: "رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط)، وفيه ابنُ لَهِيعةَ؛ وهو ضعيفٌ"(المجمع 1183).

ص: 311

1607 -

حَدِيثُ أَبِي كَاهِلٍ:

◼ عَن أَبِي كَاهِلٍ، قَالَ:((مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي، أُرِيكَ كَيْفَ تَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ بِكَ خَيْرًا كَثِيرًا. فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ يُوقتْ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُوقتْ، ثُمَّ قَالَ: ((يَا أَبَا كَاهِلٍ، ضَعِ الطُّهُورَ مِنْكَ مَوَاضِعَهُ، وَأَبْقِ فَضْلَ طَهُورِكَ لأَهْلِكَ، ولا تَشُقَّ عَلَى خَادِمِكَ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وَضَعَّفَهُ ابنُ عَدِيٍّ، وتَبِعَه ابنُ القَيْسَرانيِّ والزَّيْلَعيُّ.

[التخريج]:

[عد (10/ 322)].

[السند]:

قال ابنُ عَدِيٍّ: أخبرنا عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ ياسينَ،

وثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ بنِ بُهْلُولٍ الأَنْباريُّ، حدثنا أبي.

وثنا أحمدُ بنُ محمد بنِ عَنْبَسةَ، حدثنا محمدُ بنُ عَوْفٍ، حدثنا آدمُ بنُ أبي إياسٍ، قالا، حدثنا الهيثمُ بنُ جَمَّازٍ، عن يحيى -وقال آدَمُ: حدثني يحيى بنُ أبي كَثير-، عن أبي كاهِلٍ، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: الهيثمُ بنُ جَمَّازٍ؛ قال أبو حاتم: "ضعيفُ الحديثِ منكَرُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 9/ 81). وقال ابنُ حِبَّانَ: "غَفَلَ

ص: 312

عن الحديثِ والحفظِ، واشتَغلَ بالعبادةِ حتى كان يروي المعضلاتِ عن الثِّقاتِ توهُّمًا، فلمَّا ظَهَرَ ذلك منه بَطَلَ الاحتجاجُ به" (المجروحين 3/ 91).

وقال ابنُ عَدِيٍّ عَقِبَه: "وللهيثمِ غيرُ ما ذكرتُ، وأحاديثُه أفرادٌ غرائبُ عن ثابتٍ، وفيها ما ليس بالمحفوظِ"(الكامل 10/ 322).

وتَبِعَه ابن القَيْسَرانيِّ، فقال: "رواه الهيثمُ بنُ جَمَّازٍ، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن أبي كاهِل، قال: مَرَرْتُ

الهيثمُ هذا ضعيفٌ" (ذخيرة الحفاظ 4992).

وقال الزَّيْلَعيُّ: "رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل)، وأَعَلَّه بالهيثمِ؛ ونَقَل عن يحيى بنِ مَعِينٍ أنه ضعَّفَه، وعن أحمدَ أنه قال: منكَرُ الحديثِ"(نَصْب الراية 1/ 44).

وانظر الرواية التالية.

ص: 313

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَيْضًا

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي كَاهِلٍ، أَنَّهُ قَالَ:«مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَعْطَانَا اللهُ مِنْكَ خَيْرًا كَثِيرًا. فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ، وَظَهْرَ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ، وَقَالَ: «يَا أَبَا كَاهِلٍ، ضَعِ الطُّهُورَ مَوَاضِعَهُ، وَأَبْقِ فَضْلَ طَهُورِكَ لِأَهْلِكَ، لَا تُعَطِّشْ أَهْلَكَ، وَلَا تَشْقُقْ عَلَى خَادِمِكَ» .

[الحكم]:

منكَرٌ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وَضَعَّفَهُ الهيثميُّ.

[التخريج]:

[طب (18/ 360/ 926)].

[السند]:

رواه الطَّبَرانيُّ: قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ الحسينِ المِصِّيصيُّ، ثنا آدمُ بنُ أبي إِيَاسٍ، ثنا الهيثمُ بنُ جَمَّازٍ، عن يحيى بنِ أبي كَثيرٍ، عن أبي كَاهِلٍ

فذكره.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عِلَّتان:

الأولى: عبدُ اللهِ بنُ الحسينِ المِصِّيصيُّ؛ قال ابنُ حِبَّانَ: "يَقْلِبُ الأخبارَ ويَسرِقُها، لا يجوزُ الاحتجاجُ به إذا انفردَ

وذَكَر له حديثين، وقال: كتبْناها عنه في نسخةٍ أَكثَرُها مقلوبة" (المجروحين 2/ 10، 11)، و (الميزان 2/ 408). وَوَثَّقَهُ الحاكمُ في (المستدرك 2/ 50)، وهذا من عادته في التساهلِ في التوثيقِ.

ص: 314

وخُولِف المِصِّيصيُّ في متنِهِ؛

فرواه ابنُ عَدِيٍّ من طريقِ محمدِ بنِ عَوْفٍ، ثنا آدمُ بنُ أبي إِياسٍ، ثنا الهيثمُ بنُ جَمَّازٍ به، وفيه:((وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ))، وقد سبقَ.

الثانية: الهيثمُ بنُ جمَّازٍ؛ واهٍ جدًّا، وقد مَرَّ ذِكْرُه آنفًا.

وبه أَعَلَّه الهيثميُّ، فقال:"رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير)، وفيه: الهيثمُ بنُ جَمَّازٍ؛ وهو متروكٌ"(المجمع 1/ 233).

ص: 315

1608 -

حَدِيثُ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ:

◼ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ:((كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا [وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ غَسْلًا]، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بشواهِدِهِ، وكذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ، وحَسَّنَهُ السُّيوطيُّ، وإسنادُهُ ساقطٌ. وَضَعَّفَ سندَهُ: الهيثميُّ، والعَيْنيُّ، والمُناويُّ، والألبانيُّ.

[الفوائد]:

قال المُناويُّ: "قال بعضُهم: هذا تعديدٌ للغَسلاتِ لا تعديدٌ للغَرَفاتِ كما ذهبَ إليه بعضُهم -يعني: ابنَ العربيِّ-؛ إذْ لم يَجْرِ للغَرَفاتِ في هذا الحديثِ ذِكْرٌ. قال اليَعْمَريُّ: ويؤيده أن الغَسْلةَ لا تكونُ حقيقةً إلا مع الإسباغِ، وإلا فهي بعضُ غَسْلةٍ، فحيثُ وقعَ الكلامُ في أجزاءِ الواحدةِ وترجيح الثانية وتكملة الفضل بالثالثة فهي يقينًا مع الإسباغِ، ليس للغَرْفةِ في ذلك دخْلٌ. قال النَّوَويُّ: أَجمَعَ المسلمونَ على أن الواجبَ في غَسْلِ الأعضاءِ مرَّةً مرَّةً، وعلى أن الثلاثَ سُنَّةٌ، وقد جاءتْ الأحاديثُ الصحيحةُ بالغسلِ مَرَّةً مرَّةً، ومرَّتين مرَّتين، وثَلَاثًا ثَلَاثًا، وبعضُ الأعضاءِ ثَلَاثًا وبعضُها مرَّتين، واختلافُها دليلٌ على جوازِ ذلك كلِّه، وأن الثلاثَ هي الكمالُ، والواحدةُ تجزئُ"(فيض القدير 5/ 259).

[التخريج]:

[طب (20/ 68/ 125) (واللفظ له) / طش 2248/ ناسخ 126 (والزيادة له)].

ص: 316

[السند]:

قال الطَّبَرانيُّ: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ سَلْمٍ الرَّازيُّ، ثنا سَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، ثنا (عبدُ الرحيمِ)

(1)

بنُ سُلَيمانَ، عن محمدِ بنِ سعيدٍ، عن عُبادةَ بنِ نُسَيٍّ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ، عن مُعاذٍ، به.

ومَدارُه عندَهم على: محمدِ بنِ سعيدٍ به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه: محمدُ بنُ سعيدٍ، وهو المصلوبُ، كذابٌ؛

قال الحافظُ: ((كذَّبُوه، وقال أحمدُ بنُ صالحٍ: "وَضَعَ أربعةَ آلافِ حديثٍ"، وقال أحمدُ: "قتَلَه المنصورُ على الزَّندقةِ وصَلَبَه")) (التقريب 5907).

وقال الهيثميُّ: "رواه الطَّبَرانيُّ في (الكبير)، وفيه: محمدُ بنُ سعيدٍ المصلوبُ؛ وهو ضعيفٌ"(المجمع 1184). ومِثْلُه قال العَيْنيُّ في (نخب الأفكار 1/ 256).

كذا قالا! وهو تساهُلٌ غريبٌ. وتعَقَّبَ الألبانيُّ الهيثميُّ، فقال: "قلتُ: بل هو كذابٌ، لكن الحديث قد جاءَ من طريقٍ أخرى عن أبي رافِع

وإسنادُهُ صحيحٌ

وله شاهدٌ من حديثِ ابنِ عُمرَ، وجاءَ مُفَرَّقًا في أحاديثَ" (الصحيحة 2122).

قلنا: وحديثُ ابنِ عُمرَ وحديثُ أبي رافِعٍ مُخَرَّجانِ في هذا الفصلِ، وقد سبقَ لمتْنِه شواهدُ أُخرَى في البابِ.

(1)

وقع في المطبوع من (المعجم الكبير): "عبد الرحمن"، وهو خطأٌ، وقد جاءَ على الصوابِ في (مسند الشاميِّين).

ص: 317

ولعلَّ لذلك رمز لحُسْنِه السُّيوطيُّ في (الجامع الصغير 6982).

وتَعَقَّبَه المُناويُّ، فقال:"رمَزَ المصنِّفُ لحُسْنِه، والأمرُ بخِلافِهِ؛ فقد قال الهيثميُّ: فيه محمد بن سعيد المصلوبُ؛ ضعيفٌ جدًّا"(فيض القدير 5/ 203). وضعَّفَ سندَه في (التيسير 2/ 271).

* * *

ص: 318