الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعاذة من مجامع الشر
فإذا أتى بها المصلي أمر أن يستعيذ بالله من مجامع الشر كله، فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه فليس الشر إلا العذاب وأسبابه، والعذاب نوعان: عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة، وأسبابه: الفتنة، وهي نوعان كبرى وصغرى، فالكبرى فتنة الدجال وفتنة الممات، والصغرى فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال، فإن المفتون فيهما لا يتداركها.
الدعاء قبل السلام
ثم شرع له من الدعاء ما يختاره من مصالح دنياه وآخرته والدعاء في هذا المحل قبل السلام أفضل من الدعاء بعد السلام وأنفع للداعي، وهكذا كانت عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم كلها، كانت في الصلاة من أولها إلى آخرها فكان يدعو في الاستفتاح أنواعًا من الدعاء، وفي الركوع، وبعد رفع رأسه منه، وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد قبل التسليم، وعلم الصديق دعاءً يدعو به في صلاته، وعلمَ الحسن بن علي دعاءً يدعو به في قنوت الوتر، وكان إذا دعا لقوم أو على قوم جعله في الصلاة بعد الركوع ومن ذلك أن المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه، فسؤاله في هذه الحال أقرب إلى الإجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع؟ فقال: «جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبة» (1) ودبر الصلاة جزؤها الأخير كدبر الحيوان ودبر الحائط، وقد يراد بدبرها ما بعد انقضائها بقرينة تدل عليه كقوله:«يُسبحون الله ويحمدونه ويكبرونه دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين» فهنا دبرها بعد الفراغ منها، وهذا نظير انقضاء الأجل، فإنه يراد به، ولما يفرغ، ويراد به فراغها وانتهاؤها.
ثم ختمت بالتسليم، وجعل تحليلاً لها يخرج به المصلي منها كما يخرج بتحليل الحج منه، وجعل هذا التحليل دعاء الإمام لمن وراءه بالسلامة التي هي أصل الخير وأساسه، فشرع لمن وراءه أن يتحلل بمثل ما تحلل به الإمام.
وفي ذلك دعاء له وللمصلين معه بالسلام، ثم شرع ذلك لكل مصل، وإن كان منفردًا فلا أحسن من هذا التحليل للصلاة كما أنه لا أحسن من كون التكبير تحريمًا لها، فتحريمها تكبير الرب تعالى الجامع لإثبات كل كماله له، وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وإفراده وتخصيصه بذلك وتعظيمه وإجلاله، فالتكبير يتضمن تفاصيل أفعال الصلاة وأقوالها وهيئاتها.
فالصلاة من أولها إلى آخرها تفصيل لمضمون: «الله أكبر» وأي تحريم أحسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد؟ وهذا التحليل المتضمن الإحسان إلى إخوانه المؤمنين. فافتتحت بالإخلاص، وختمت بالإحسان أ. هـ.
(1) الترمذي (3494) في الدعوات: باب (80) وحسنه.