المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثاني: الجدل المذموم: - رؤية شرعية في الجدال والحوار مع أهل الكتاب

[الشريف محمد بن حسين الصمداني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌أولا: الحوار والجدل في اللغة:

- ‌ثانيا: الحوار والجدل في الاصطلاح:

- ‌المبحث الثاني: أنواع المنكرين للجدال مع أهل الكتاب:

- ‌التيار الأول: دعاة التقريب بين الأديان:

- ‌التيار الثاني: دعاة العصرانية:

- ‌التيار الثالث: بعض المتصدين للواقع من الدعاة والمفكرين

- ‌المبحث الرابع: أنواع المجادَلين والمحاوَرين من أهل الكتاب:

- ‌المبحث الأول: أدلة مشروعية مجادلة أهل الكتاب من القرآن:

- ‌أولا: غشيانهم في محافلهم ومجتمعاتهم لدعوتهم إلى الإسلام

- ‌ثانيا: الكتابة إلى ملوكهم ورؤسائهم

- ‌ثالثا: استقبال وفودهم

- ‌الأول: الجدل الممدوح:

- ‌الثاني: الجدل المذموم:

- ‌اللازم الأول: العلم والعدل:

- ‌اللازم الثاني: معرفته بما ينكي وينجع في رد صيال الخصم وجداله

- ‌اللازم الثالث: الصدع بالحق والجهر به

- ‌الشرط الثاني: استقامة المسلم وتخلقه بأخلاق الإسلام

- ‌المبحث الثاني: شروط المحاور الكتابي:

- ‌المبحث الثالث: موضوعات الحوار أو الجدال مع أهل الكتاب:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الثاني: الجدل المذموم:

‌الثاني: الجدل المذموم:

وهو الجدل الذي يقصد به الباطل أو تأييده أو يفضي إليه أو كان القصد منه مجرد التعالي على الخصم والغلبة عليه فهذ ممنوع شرعا ويتأكد تحريمه إذا قلب الحق باطلا أو الباطل حقا. قال ابن تيمية رحمه الله: ((والمذموم شرعا ما ذمه الله ورسوله كالجدل بالباطل والجدل بغير علم والجدل في الحق بعدما تبين

)) . (1) ويدخل في هذا النوع دعوات التقارب ونظريات الخلط بين الأديان فإنَّها من الباطل الصرف؛ كما يدخل فيه كثير من الحوارات الحضارية المعقودة مع أهل الكتاب لما تفضي إليه من الباطل.

ومما يحسن مراعاته في هذا المقام التفريق بين مقام الدعوة ومقام دفع الصائل وهل هما على حد سواء أم لا؟ من استبان عنده الفرق بين المقامين لُمِسَ من كلامه نصرة الإسلام وعزته ولهذا فإنَّ الفرق جليٌ بين من يرد وينافح على سبيل الدعوة وبين من يرد على هيئة دفع الصائل!

(1) درء التعارض (7 / 156) .

ص: 35

إنَّ الرد على جاحد الحق الذي يقيم الحجج والشبه على باطله لا ينبغي أن يكون من باب الدعوة بالحكمة أو الموعظة الحسنة بل يجب أن يكون من باب دفع ضرره عن المسلمين وصياله عليهم فإذا صال عسكر الكفر على المسلمين بالسلاح المادي وجب أن يرد ذلك بالسلاح المادي إنْ كان في المسلمين طاقة وقدرة والقدرة بالسيف ليست دائمة للمسلمين بخلاف ما إذا صال عسكر الكفر بالحجج الباطلة فإنه يجب على أهل العلم والإيمان الدفاع عن الإسلام بإقامة حججه الصحيحة ودلائله الصريحة وذلك أن الإسلام منصور أبدا في مقام الحجة والبرهان هذا هو الأصل.

ص: 36

ولا يغيظ الكفار شيء كما يغيظهم إقامة حجة الإسلام وبيان براهينه والتدليل على أباطيل الكفر وأحابيله. يقول أبو محمد ابن حزم -وهو كلام نفيس-: ((وقال تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} . ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد المسلمين. وأول ما أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال فلما قامت الحجة وعاندوا الحق أطلق الله تعالى عليهم السيف حينئذ؛ وقال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} . وقال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} . ولا شك في أن هذا إنما هو بالحجة لأن السيف مرة لنا ومرة علينا وليس كذلك

ص: 37

البرهان بل هو لنا أبدا ودامغ لقول مخالفينا ومزهق له أبدا. ورب قوة باليد قد دمغت بالباطل حقا كثيرا فأزهقته منها يوم الحرة ويوم قتل عثمان رضي الله عنه ويوم قتل الحسين وابن الزبير رضي الله عنهم

وقد قتل أنبياء كثير وما غلبت حجتهم قط

)) . أهـ. (1)

وإذا تقرر ذلك فإنَّ المجادل عن الإسلام عليه أن يدرك أحوال من يجادل ويحاور في قبوله أورده للحق فإنْ أنزلهم منزلة واحدة فهناك يفقد الكلام معناه ويصبح الأمر مضطربا محيرا لمن قلَّتْ بصيرته في هذا الباب ويكون ذلك داعيا لفتنة بعض المسلمين ببعض. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((الإنسان له ثلاثة أحوال:

إما أن يعرف الحق ويعمل به.

وإما أن يعرفه ولا يعمل به.

وإما أن يجحده.

فأفضلها أن يعرف الحق ويعمل به.

والثاني: أن يعرفه لكن نفسه تخالفه فلا توافقه على العمل به.

والثالث: من لا يعرفه بل يعارضه.

فصاحب الحال الأول هو الذي يدعى بالحكمة فإنَّ الحكمة هي العلم بالحق والعمل به فالنوع الأكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به فيُدْعون بالحكمة.

والثاني: من يعرف الحق لكن تخالفه نفسه فهذا يوعظ بالموعظة الحسنة.

(1) الإحكام في أصول الأحكام (1 / 28) .

ص: 38

فهاتان هما الطريقان: الحكمة والموعظة. وعامة الناس يحتاجون إلى هذا وهذا فإنَّ النفس لها هوى تدعوها إلى خلاف الحق وإنْ عرفته؛ فالناسُ يحتاجون إلى الموعظة الحسنة والى الحكمة فلا بد من الدعوة بهذا وهذا.

وأما الجدلُ فلا يدعى به بل هو من باب دفع الصائل؛ فإذا عارض الحق معارض جودل بالتي هي أحسن. ولهذا قال: {وَجَادِلْهُمْ} فجعله فعلا مأمورا به مع قوله: ادِعُهُمْ فأمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأمره أن يجادل بالتي هي أحسن وقال في الجدال: {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ولم يقل بـ الْحَسَنَةِ كما قال في الموعظة؛ لأن الجدال فيه مدافعة ومغاضبة فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة والموعظة لا تدافع كما يدافع المجادل فما دام الرجل قابلا للحكمة أو الموعظة الحسنة أولهما جميعا لم يحتج إلى المجادلة فإذا مانعَ جودل بالتي هي أحسن)) . انتهى. (1)

(1) الرد على المنطقيين (467-468) .

ص: 39