الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أنواع المنكرين للجدال مع أهل الكتاب:
رأينا في المقدمة أن هناك إعراضا من بعض المنتسبين للعلم عن دعوة ومواجهة أهل الكتاب. ودعا إلى ذلك جملة أسباب منها:
1-
الركون إلى انتشار الإسلام.
2-
أن الأصل في ذلك أنه من باب فروض الكفاية.
3-
الاشتغال بالفروع الفقهية والتعصبات المذهبية وحصر جانب الجدال في باب المذاهب الفقهية الأربعة أو بين المعتزلة والأشاعرة أو أهل الكلام والفلاسفة.
وقد مرت فترات بالأمة ظهر فيها اشتغال مجرد بالعلم من قبل الطلبة وأهل العلم وهو اشتغال على مستوى الكتب والدراسة دون معرفة الواقع الذي يحتاج في كثير من مسائله إلى تفصيل وقول بعلم وعدل.
ولئن كانت تلك جملة من الأسباب التي منعت طوائف من أمة الإسلام عن الاشتغال بالرد على أهل الكتاب أو الحوار معهم فإنَّ هناك طوائف رأتْ أنَّ الباب يجب أنْ يغلق والنافذة يجب أن تسد فأنكرت الاشتغال بالرد عليهم من باب الشرع الذي دعاهم للقيام بالجدال والدعوة للإسلام!
فما هي أهم شبه هؤلاء وما هي أهم مرتكزاتهم؟
الشبهة الأولى: منع الجدال مع أهل الكتاب بناءً على ظهور دلائل النبوة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((
…
ومما يعجب منه أن بعض المنكرين لمجادلة الكفار بناءً على ظهور دلائل النبوة نجده هو ومن يعظمه من شيوخه الذين يعتمد في أصول النظر على نظرهم ومناظرتهم ويزعمون أنهم قرروا دلائل النبوة قد أوردوا من الشبهات والشكوك والمطاعن على دلائل النبوة ما يبلغ نحو ثمانين سؤالا وأجابوا عنه بأجوبة لا تصلح أن تكون جوابا في المسائل الظنية بل هي إلى تقرير شبه الطاعنين أقرب منها إلى تقرير أصول الدين
…
)) . (1)
الشبهة الثانية: منع الجدال مع أهل الكتاب بناءً على نسخ آيات الجدال معهم بآيات السيف وفرضية الجهاد.
ردَّ شيخ الإسلام على أصحاب هذا الاتجاه من تسعة أوجه حررها في كتابه العظيم ((الجواب الصحيح)) . يقول رحمه الله تعالى: ((فإنَّ من الناس من يقول: آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإنَّ النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضا للحكم المنسوخ كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام
…
))
(1) الجواب الصحيح (1 / 243) .
ثم قال رحمه الله تعالى: ((
…
وقوله: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [سورة العنكبوت 29 / 46] فهذا لا يناقض الأمر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن الأمر بالقتال يناقض النهي عنه والاقتصار على المجادلة. فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم بالنسخ ومعلومٌ أن كلا منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر وأن استعمالهما جميعا أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق ومما يبين ذلك وجوه:
…
)) . (1)
ثم عدَّدَ رحمه الله تعالى تسعة أوجه للقول بذلك وكلامه نفيس للغاية. (2)
(1)(1 / 218- 219) .
(2)
(1 / 219-246) .