المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابٌ في أمورٍ يُستنَد إليها في بناء الاعتقاد وهي غير صالحةٍ - رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌لا يلزم من الاكتفاء بالإيمان الإجماليِّ بالقرآن والسنَّة بدون معرفة المعاني كلِّها أن يُكتفى بمثل ذلك في الشهادتين

- ‌ بابٌ في أصولٍ ينبغي تقديمها

- ‌الأصل الأولحجج الحقِّ شريفةٌ عزيزةٌ كريمةٌ

- ‌الأصل الثانيالحجج والشبهات

- ‌ الأصل الثالثإصابة الحقِّ فيما يمكن اشتباهه تتوقَّف على ثلاثة أمورٍ: التوفيق، والإخلاص، وبذل الوسع

- ‌ أحدهما: أن يقال قد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}

- ‌ فصلالمنتسبون إلى الإسلام أقسام:

- ‌بابٌ في أمورٍ يُستنَد إليها في بناء الاعتقادوهي غير صالحةٍ للاستناد

- ‌ التقليد

- ‌ القول بالاكتفاء بالتقليد إنما جرى على الألسنة لما لجَّ النزاع بين السلفيِّين والمتكلِّمين

- ‌الأصول الضروريَّة من العقائد التي لا يكون المؤمن مؤمنًا إلا بها لا نعلم أحدًا يقول: يكفي فيها التقليد الحقيقيُّ

- ‌ تفسير لفظ «إله» في كتب العقائد

- ‌ عامَّة المشركين لا يعتقدون لشركائهم تدبيرًا مستقلًّا

- ‌ تفسير الإله بالمعبود

- ‌فصل في تفسير أهل العلم للعبادة

- ‌ حاصل ما تقدَّم في هذا الباب

الفصل: ‌ ‌بابٌ في أمورٍ يُستنَد إليها في بناء الاعتقاد وهي غير صالحةٍ

‌بابٌ في أمورٍ يُستنَد إليها في بناء الاعتقاد

وهي غير صالحةٍ للاستناد

فمن تلك الأمور:‌

‌ التقليد

، وقد دلَّ الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم أن التقليد في أصول العقائد لا يكفي، ومعرفة معنى (لا إله إلا الله) أصل الأصول.

أما دلالة القرآن، فقد تقدَّم أدلَّة اشتراط العلم

(1)

، وفيها قوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، وقوله عز وجل:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، وما قاله ابن جريرٍ في تفسيرها، وما رواه عن مجاهدٍ وقتادة.

والتقليد ليس بعلمٍ؛ لأن العلم عند أهله هو: حكم الذهن [ب 28] الجازم المطابق؛ لموجبٍ، أي لحجَّةٍ قاطعةٍ.

قالوا: خرج بقوله: (لموجِبٍ) اعتقاد المقلِّد ونحوه؛ فإنه قد يكون جازمًا ومطابقًا، ولكنه ليس لحجَّةٍ قاطعةٍ.

أقول: فالاعتقاد ضربٌ من الظنِّ، وقد ردَّ الله عز وجل على المشركين ما كانوا يعتقدونه، ثم قال:{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]، في آياتٍ أخرى بهذا المعنى. قال جماعةٌ من أهل العلم: هذه الآيات واردةٌ فيما يُطلَب فيه العلم كالعقائد، فأما فروع الأحكام العمليَّة فقد ثبت بالحجج القطعيَّة وجوب العمل فيها بأنواعٍ من الظنِّ، كالظنِّ

(1)

انظر: ص 4 - 8.

ص: 199

الحاصل من خبر الواحد بشرطه.

وقال بعضهم: الآيات على عمومها، وما قامت الحجَّة القطعيَّة على وجوب العمل به من الأدلَّة الظنِّيَّة كخبر الواحد بشرطه في الأحكام الفرعيَّة فالعمل به اتِّباعٌ لتلك الحجَّة القطعيَّة، وهي مفيدةٌ للعلم، فالعمل به اتِّباعٌ للعلم لا اتِّباعٌ للظنِّ.

ألا ترى لو أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم شافه بعض أصحابه بقوله: (إذا جاءك رجلٌ تظنُّه ثقة فأخبرك عنِّي بخبرٍ وجب عليك أن تعمل بخبره)، أليس وجوب العمل على ذلك الصحابيِّ بخبر من يظنُّه ثقةً واجبًا عليه قطعًا؟ أوليس إذا عمل به فإنما يستند إلى الأمر الذي تلقَّاه مواجهةً وهو قطعيٌّ معلومٌ له؟ أفلا ترى أنه متَّبعٌ للعلم لا متَّبعٌ للظنِّ؟ تدبَّر.

/وأما السنة فقد مرَّ

(1)

في أدلّة اشتراط العلم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنَّة» ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:« .... فمَن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشِّره بالجنَّة» .

وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الكسوف، وفيه: فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما من شيءٍ كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنَّة والنار، ولقد أُوحِي إليَّ أنكم تفتنون في القبور مثل ــ أو قريبًا من ــ فتنة

(1)

ص 6.

ص: 200

الدجَّال ــ لا أدري أيَّهما قالت أسماء ــ يُؤتى أحدكم، فيُقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن ــ أو الموقن، لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماء ــ فيقول: محمَّدٌ رسول الله، جاءنا بالبيِّنات والهدى، فأجبنا وآمنَّا واتَّبعنا، فيُقال له: نم صالحًا، فقد علمنا إن كنت لموقنًا. [ب 29] وأما المنافق ــ أو المرتاب، لا أدري أيَّتهما قالت أسماء ــ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته»

(1)

.

وقد رُوِي نحو هذا الحديث في سؤال القبر عن أم المؤمنين عائشة، وعن أنسٍ، وعن البراء، وعن أبي سعيدٍ، وعن جابرٍ، وعن أبي هريرة، وعن غيرهم من الصحابة من طرقٍ كثيرةٍ بعضها في الصحيحين. انظر: فتح الباري

(2)

.

(1)

صحيح البخاريِّ، كتاب الكسوف، باب صلاة الرجال مع النساء في الكسوف، 2/ 37، ح 1053. هذه روايته من طريق مالكٍ عن هشامٍ. ورواه في مواضع أخرى من طرقٍ أخرى. ورواه مسلمٌ من طريق ابن نُمَيرٍ عن هشامٍ. صحيح مسلمٍ، كتاب الصلاة، باب ما عُرِض على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الكسوف إلخ، 3/ 32، ح 905. [المؤلف]

(2)

كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر،

[المؤلف].

والحديث أخرجه البخاريُّ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، 2/ 98 - 99، ح 1374. ومسلمٌ في كتاب الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميِّت من الجنَّة أو النار، 8/ 161 - 162، ح 2870، من حديث أنسٍ. وأخرجه البخاريُّ أيضًا في الموضع السابق، 2/ 98، ح 1369. ومسلمٌ في الموضع السابق، 8/ 162، ح 2871، من حديث البراء ــ وهو في مسند أحمد 4/ 287 - 288 و 4/ 295 - 297. والمستدرك، كتاب الإيمان، مجيء ملك الموت عند قبض الروح

، 1/ 37 - 40، مطوَّلًا، وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقَّبه الذهبيُّ ــ. وأخرجه البخاريُّ في الموضع السابق، 2/ 98، ح 1373، من حديث أسماء. وأحمد 6/ 139 - 140، من حديث عائشة. و 3/ 3 - 4، من حديث أبي سعيدٍ. و 3/ 331، من حديث جابرٍ. والترمذيُّ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، 3/ 374، ح 1071. وابن حِبَّان (الإحسان) في كتاب الجنائز، فصلٌ في أحوال الميِّت في قبره، ذكر الإخبار عن اسم الملكين

، 7/ 386، ح 3117، من حديث أبي هريرة، وقال الترمذيُّ:«حديثٌ حسنٌ غريبٌ» . وهو معدودٌ في الأحاديث المتواترة. انظر: قطف الأزهار المتناثرة ص 294، ح 109.

ص: 201

وفيه: «ولابن حِبَّان وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وأحمد من حديث عائشة: «ويُقال له: على اليقين كنتَ، وعليه متَّ، وعليه تُبعث إن شاء الله» ».

وفيه أيضًا: (وله ــ أي: لأحمد ــ من حديث أبي سعيدٍ

(1)

: «فإن كان مؤمنًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمَّدًا عبده ورسوله» ».

وفيه عند الكلام على حديث البراء الذي في الصحيحين في هذا المعنى: «وقد رواه زاذان أبو عمر عن البراء مطوَّلًا مبيَّنًا، أخرجه أصحاب السنن، وصحَّحه أبو عوانة وغيره، وفيه من الزيادة

: «فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقول: ربِّي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأتُ القرآن كتابَ الله فآمنتُ به وصدَّقتُ، فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]» »

(2)

.

وقوله: «وقرأتُ القرآن» إلخ، يريد أنه قرأه فعرف ما فيه من البراهين

(1)

في الأصل: (عائشة)، والتصويب من فتح الباري.

(2)

فتح الباري 3/ 151 - 152.

ص: 202

فحصل له اليقين. «وأما المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته» ، ولا يخفى أيُّ الرجلين المقلِّد؟

وقد دلَّت هذه الأحاديث على توُّقف النجاة على اليقين، واليقين هو العلم القطعيُّ اتِّفاقًا. قال الراغب:«اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها»

(1)

.

وبالغ الغزاليُّ في المستصفى فخصَّه، فقال في صفة النفس الموقنة [ب 30]: «

بل حيث لو حُكي لها عن نبيٍّ من الأنبياء أنه أقام معجزة وادَّعى ما يناقضها، فلا تتوقَّف في تكذيب الناقل، بل تقطع بأنه كاذبٌ أو تقطع بأن القائل ليس بنبيٍّ، وأنَّ ما ظنَّ أنه معجزة فهي مَخْرَقَة

(2)

. وبالجملة/فلا يؤثر هذا في تشكيكها، بل تضحك من قائله وناقله. وإن خطر ببالها إمكان أن يكون الله قد أطلع نبيًّا على سرٍّ به انكشف له نقيضُ اعتقادِها فليس اعتقادها يقينًا، مثاله: قولنا: الثلاثة أقلُّ من الستة، وشخصٌ واحد لا يكون في مكانين، والشيء الواحد لا يكون قديمًا حادثًا موجودًا معدومًا ساكنًا متحرِّكًا في حالة واحدة».

ثم قال: «الحالة الثانية: أن تصدِّق بها تصديقًا جازمًا ولا تشعر بنقيضها البتة، ولو أُشعرت بنقيضها تعسَّر إذعانها للإصغاء إليه، ولكنها لو ثبتت وأصغت وحُكي لها نقيض معتقدها عمَّن هو أعلم الناس عندها كنبيٍّ أو صِدِّيق أورث ذلك فيها توقُّفًا، ولْنُسَمِّ هذا الجنس اعتقادًا جزمًا، وهو أكثر اعتقادات عوامِّ المسلمين واليهود والنصارى في معتقداتهم وأديانهم، بل

(1)

مفردات ألفاظ القرآن 892.

(2)

ما عُمِل بتمويهٍ وخداعٍ. انظر: تاج العروس، مادَّة (مخرق).

ص: 203

اعتقاد أكثر المتكلمين في نصرة مذاهبهم؛ فإنهم قبلوا المذهب والدليل جميعًا بحسن الظن في الصِّبا، فوقع عليه نشؤهم؛ فإنَّ المستقلَّ بالنظر ــ الذي يستوي ميلُه في نظره إلى الكفر والإسلام ــ عزيزٌ.

الحالة الثالثة: أن يكون لها سكونٌ إلى الشيء والتصديق به وهي تشعر بنقيضه، أو لا تشعر ولكن لو أُشعِرت به لم ينفر طبعها عن قبوله، وهذا يُسمَّى ظنًّا، وله درجاتٌ .... »

(1)

.

أقول: وفيما قاله نظرٌ؛ فإنَّ الحسَّ والمشاهدة تفيد العلم اليقين، ومع ذلك فقد تشكَّك فيها الحكماء السوفسطائيُّون

(2)

كما هو معروفٌ، ومن تأمَّل شُبَههم قد يعرض [له] توقُّفٌ ما. وقال تعالى:

(3)

وجلُّ أو كلُّ البراهين على الأصول الدينيَّة مبنيَّةٌ على المحسوسات، ومع ذلك يرد على البناء شبهاتٌ عديدةٌ. ولوصحَّ ما قاله لما وُجِد مؤمنٌ موقنٌ إلَّا أن يكون من الملائكة والنبيِّين، وهذا باطلٌ قطعًا. والحقُّ أن اليقين لا يختصُّ بما ذكره، بل يعمُّ كلَّ اعتقادٍ جازمٍ عن دليلٍ قاطعٍ كالحسِّ والمشاهدة وما ينبني عليهما انبناءً واضحًا، وأنَّ إمكان التشكيك لا يدلُّ على عدم سبق اليقين. وقد قدَّمنا تحت عنوان:(شبهةٌ وجوابها) ما يصحُّ إيراده ها هنا.

ونحن نرى كثيرًا من الناس يتعقَّلون البراهين القطعيَّة، ومع ذلك لا يزالون مرتابين لغلبة الهوى والتقليد عليهم. فالحقُّ أنَّ مَن تعقَّل البرهان

(1)

المستصفى 1/ 43 - 44. [المؤلف]

(2)

هم أهل السفسطة القائمة على مبدأ الشك في الموجودات. انظر الموسوعة الفلسفية العربية 1/ 480، المعجم الفلسفي 1/ 660.

(3)

وضعُ النُّقَط من المؤلِّف.

ص: 204

القطعيَّ وأذعن وانقاد ظاهرًا وباطنًا فهو موقنٌ، وأنه إن عرض له بعدُ شكٌّ

(1)

أو شبهةٌ فإن دفعها فورًا فهو موقنٌ، وما عرض له وسوسةٌ في

(2)

حكم الشرع. وإن استقرَّت في نفسه وأورثته ريبةً أو جحودًا زال يقينه السابق، وهو العلم الحقيقيُّ.

والحقُّ أنه ليس بين اليقين وبين الظنِّ منزلةٌ. قال الله عز وجل: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]، [ب 31] إلى قوله جلَّ ثناؤه:{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32].

وكأن الغزاليَّ يشير بهذا الاصطلاح إلى تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] بأن المراد الظنُّ الذي ليس بجازمٍ. وهبه تمَّ له هذا، فما يصنع بالآيات والأحاديث الناصَّة على اشتراط العلم واليقين وقد تقدَّمت؟

والحقُّ أنَّ التقليد لا يفيد إلا الظنَّ غير الجازم، وما يظهر من جزم مَن نراه مقلِّدًا لا يخلو عن ثلاثة أحوالٍ:

الأولى: ألَّا يكون مقلِّدًا في الواقع، بل قد يعقل برهانًا قطعيًّا، وهذا حال عوامِّ المسلمين غالبًا في إيمانهم بالله ورسوله.

الثانية: أن يكون قد قام عنده ما توهَّمه برهانًا قاطعًا؛ إما على العقيدة نفسها، وإما على عصمة إمامه، وقد يجتمع الأمران كما وقع لبعض مقلِّدي

(1)

غير واضحة في الصورة.

(2)

الحرف غير واضح في الصورة.

ص: 205

أرسطو من المتفلسفة.

الثالثة: أن يكون غلب عليه الهوى والعصبيَّة. وقد تقدَّم الكلام في الهوى، ويأتي له مزيدٌ إن شاء الله تعالى

(1)

.

وقال الآمديُّ: «اختلفوا في جواز التقليد في المسائل الأصوليَّة المتعلِّقة بالاعتقاد في وجود الله تعالى، وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، وما يجب له وما يستحيل عليه. فذهب عُبَيد الله بن الحسن العنبريُّ والحشويَّة والتعليميَّة

(2)

إلى جوازه .... وذهب الباقون إلى المنع، وهو المختار؛ لوجوهٍ:

الأول: أن النظر واجبٌ .... ، ودليل وجوبه أنه لما نزل قوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190]، الآية، قال عليه السلام:«ويل لمن لاكها بين لَحْيَيه ولم يتفكَّر فيها» ». أقول: أخرجه جماعةٌ، منهم ابن حِبَّان في صحيحه

(3)

. قال

(4)

: «توعَّد على ترك النظر والتفكُّر فيها، فدلَّ على وجوبه» .

(1)

انظر: ص 24 فما بعدها، والأصل الثاني في باب أصول ينبغي تقديمها، وص 911 فما بعدها.

(2)

من ألقاب الباطنيَّة الذين يزعمون أنهم أصحاب التعليم والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم، وبهذا الاسم اشتهروا في خراسان قديمًا وبالملحدة، كما كانوا يُسمَّون بالعراق: الباطنيَّة والقرامطة والمزدكيَّة. انظر: فضائح الباطنيَّة 17، الملل والنحل 1/ 190.

(3)

انظر: صحيح ابن حبان (الإحسان)، كتاب الرقائق، باب التوبة، 2/ 386، ح 620.

(4)

يعني: الآمدي.

ص: 206

الثاني: الإجماع من السلف منعقد على وجوب معرفة الله تعالى وما يجوز عليه وما لا يجوز، فالتقليد إما أن يقال: إنه محصِّل للمعرفة أو غير محصِّل لها. القول بأنه محصل للمعرفة ممتنع لوجوهٍ:

الأول: أن المفتي بذلك غير معصوم، ومَنْ لا يكون معصومًا لا يكون خبره واجب الصدق، فخبره لا يفيد العلم.

الثاني: أنه لو كان التقليد يفيد العلم لكان العلم حاصلًا لمن قلَّد في حدوث العالَم ولمن قلد في قِدَمه وهو محال لإفضائه إلى الجمع بين كون العالَم حادثًا وقديمًا.

الثالث: أنه لو كان التقليد مفيدًا للعلم فالعلم بذلك إمَّا أن يكون ضروريًّا أو نظريًّا، لا جائز أن يكون ضروريًّا وإلا لما خالف فيه أكثر العقلاء، ولأنه لو خُلِّي الإنسان ودواعي نفسه من مبدأ نشئه لم يجد ذلك من نفسه أصلًا، [ب 32] والأصل عدم الدليل المفضي إليه فمن ادّعاه لا بدَّ له من بيانه.

الوجه الثالث ــ من الوجوه الأُوَل ــ: أن التقليد مذمومٌ شرعًا، فلا يكون جائزًا، غير أنَّا خالفنا ذلك في وجوب اتِّباع العامِّيِّ للمجتهد فيما ذكرناه

(1)

من الصور فيما سبق» يعني: فروع الفقه «لقيام الدليل على ذلك، والأصل عدم الدليل الموجب للاتِّباع فيما نحن فيه، فنبقى على مقتضى الأصل.

وبيان ذمِّ التقليد قوله تعالى حكايةً عن قومٍ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]، ذكر ذلك في معرض الذمِّ

(2)

لهم».

(1)

في الأصل: ذكره، والتصحيح من نسخة أ.

(2)

سقطت الكلمة من الأصل، وأضفتها من نسخة أ.

ص: 207