المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة المجادلة - روح البيان - جـ ٩

[إسماعيل حقي]

الفصل: ‌تفسير سورة المجادلة

الجزء الثامن والعشرون من اجزاء الثلاثين

‌تفسير سورة المجادلة

اثنتان وعشرون آية مدنية بسم الله الرحمن الرحيم

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة يعنى كار براندن با كسى بر سبيل نزاع وأصله من جدلت الحبل اى أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام اى معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التي تكالمك في حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من ظهاره إياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ عطف على تجادلك اى تتضرع الى الله تعالى وتظهر ما بها من المكروه قال في المفردات الشكاية والشكاة والشكوى اظهار البث يقال شكوت واشتكيت واصل الشكوى فتح الشكوة واظهار ما فيها وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان في الأصل استعارة كقولك بثثت له ما في وعائى ونفضت ما في جرابى إذا أظهرت ما في قلبك وفي كشف الاسرار الاشتكاء اظهار ما يقع بالإنسان من المكروه والشكوى اظهار ما يصنعه غيره به وفي تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن وهى قربة صغيرة والمجادلة هى خولة بنت ثعلب بن مالك ابن خزاعة الخزرجية وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة روى انها كانت حسنة البدن رآها أوس وهى تصلى فاشتهى مواقعتها فلما سلمت راودها فأبت وكان به خفة فغضب عليها بمقتضى البشرية وقال أنت على كظهر أمي وكان أول ظهار وقع في الإسلام ثم ندم على ما قال بناء على ان الظهار والإيلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك الى وقد حرمت على فشق ذلك عليها فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة رضى الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله ان زوجى أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمى وأحب الناس الى ظاهر منى وما ذكر طلاقا وقد ندم على فعله فهل من شيء يجمعنى وإياه فقال عليه السلام ما أراك الا وقد حرمت عليه فقالت لا تقل ذلك يا رسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفانى أهلها وان لها صبية صغارا فقالت ان ضممتهم الى جاعوا وان ضممتهم الى أبيهم ضاعوا فاعاد النبي عليه السلام قوله الاول وهو حرمت عليه فجلت تراجع رسول الله مقالتها الاولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت أشكو الى الله مما لقيت من زوجى حال فاقتى ووحدتي وقد طالت معه صحبتى ونفضت له بطني تريد بذلك انى قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيما لا ألد بعد وكانت في كل ذلك ترفع رأسها الى السماء على ما هو عادة

ص: 388

الناس استنزالا للامر الإلهي من جانب العرش وتقول اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهى ما زالت في مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى الى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الأربع سمعا لدعائها وقبولا لشكواها فكانت سببا لظهور امر الظهار وفي قد اشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لانها انما تدخل على ماض متوقع وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما اى يعلم تراجعكما الكلام وتخاطبكما وتجاوبكما في أمر الضار فان التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعنى يكديكر را جواب دادن من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول الى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة الى طلب التحليل كذلك ومثله المحاورة في البحث ومنه قولهم في الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى الرجوع الى النقصان بعد الوصول الى الزيادة او الى الوحشة بعد الانس وقال الراغب الحور التردد اما بالذات واما بالتفكر وقيل نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من التردد في الأمر بعد المضي فيه او من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفي نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب إذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفا لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فان الحافها في المسألة ومبالغتها في التضرع الى الله ومدافعته عليه السلام إياها بجواب منبئ عن التوقف وترقب الوحى وعلمه تعالى بحالهما

من دواعى الاجابة وفي كشف الاسرار ليس هذا تكرار الان الاول لما حكته عن زوجها والثاني لما كان يجرى بينها وبين رسول الله لان الاول ماض والثاني مستقبل إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاورهما ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها الى السماء وسائر آثار التضرع

يا من يرى ما في الضمير ويسمع

أنت المعد لكل ما يتوقع

يا من يرجى للشدآئد كلها

يا من اليه المشتكى والمفزع

مالى سوى قرعى لبابك حيلة

ولئن رددت فاى باب أقرع

حاشى للطفك أن تقنط عاصيا

الفضل أجزل والمواهب أوسع

وفي الآية دليل على ان من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى ربه وصدق في دعائه وشكواه كفاه الله ذلك ومن كان أضعف فالرب به ألطف

دعاى ضعيفان اميدوار

ز بازوى مردى به آيد بكار

وفيها ان من استمع الله ورسوله والورثة الى كلامه فسائر الناس اولى (روى) ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر بهذه المرأة في خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك عمر ثم قيل لك امير المؤمنين فاتق الله يا عمر فانه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو

ص: 389

واقف يسمع كلامها فقيل له يا امير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل فقال والله لو حبستنى من أول النهار الى آخره ما زلت الا للصلاة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز هى خولة بنت ثعلب سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر وهذه الفوقية لا يلزم منها الجهة لان الله هو العلى المتعال فاعرف ثم انه من اكبر الذنوب أن يقول الرجل لاخيه اتقى الله فيقول في جوابه عليك نفسك اى الزم نفسك أنت تأمرنى بهذا وذلك لانه إذا ذكر اسم الله يلزم التعظيم له سوآء صدر من مسلم او كافر وأعلم الناس لا يستغنى عن تنبيه وإيقاظ

بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند

وكر هيچ كس را نيايد پسند

يقال اللائق بالعاقل أن يكون كالنحل يأخذ من كل شيء ثم يخرجه عسلا فيه شفاء من كل داء وشمعا له منافع لا سيما الضياء فطالب الحكمة يأخذها من كل مقام سوآء قعد أو قام (المرء لولا عرفه فهو الدمى والمسك لولا عرفه فهو الدم) العرف الاول بالضم بمعنى المعروف والثاني بالفتح الرائحة والدمى بضم الدال وفتح الميم جمع دمية وهى الصورة المنقشة من رخام أو عاج الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمي لانه ليس من اهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره مِنْ نِسائِهِمْ هذا شروع في بيان الظهار في نفسه وحكمه المترتب عليه شرعا بطريق الاستئناف والظهار لغة مصدر ظاهر الرجل اى قال لزوجته أنت على كظهر أمي والظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر اى أنت على حرام كبطن أمي فكنى عن البطن بالظهر الذي هو عمود البطن لئلا يذكر ما يقارب الفرج تأدبا ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها إذ الظهار طلاق عندهم كما مر في قولهم آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الالية بمعنى الحلف وفي القرآن واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام اى بعدنى وإياهم من عبادة الأصنام فمعنى البعد انما هو في الاجتناب ونحوه المتعدى بمن لان معنى الابتداء الذي هو معنى من لا يخلو عن البعد فان من معانى عن لامن ثم انه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر إليها من الام فمن قال أنت على كبطن أمي او فخذها او فرجها كان ظهارا بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالأم سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الام ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة او رضاع او صهر كان ظهارا مثل أن يقول أنت عليه كظهر خالتى او عمتى او أختي نسبا او رضاعا او كظهر امرأة ابني او أبى ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم او الميتة او قتل المسلم او الغيبة او النميمة او الزنى او الربا او الرشوة فانه ظهار إذا نوى وفى أنت على كأمى صح نية الكرامة اى استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالأم فى الحرمة فيترتب عليه احكام الظهار لا غير ونية الطلاق بأن يقصد إيجاب الحرمة فان لم ينو شيأ لغا وأنث على حرام كأمى صح فيه ما نوى من ظهار او طلاق أو إيلاء ولو قال

ص: 390

أنت أمي او أختي او بنتي بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعنى ان قال ان فعلت كذا فانت أمي وفعلته فهو باطل وان نوى التحريم ولو قالت لزوجها أنت على كظهر أمي فانه ليس بشيء وقال الحسن انه يمين وفي إيراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم في الظهار فانه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم فلا يليق بهم بعد الإسلام أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعي للمؤمنين بالقبول والاقتداء به اى منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله إذ الكافرون لا يستمعون الخطاب ولا يعملون بالصواب وفي من نسائهم اشارة الى أن الظهار لا يكون في الامة ومن ذلك قالوا ان للظهار ركنا وهو التشبيه المذكور وشرطا وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لا يصح من الامة وأهلا وهو من كان من اهل الكفارة حتى لا يصح للذمى والصبى والمجنون

وحكما وهو حرمة الوطئ حتى يكفر مع بقاء اصل الملك ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ خبر للموصول اى ما نساؤهم أمهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعنى ان من يقول لامرأته أنت على كظهر أمي ملحق فى كلامه هذا للزوج بالأم وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة في المظاهر منها كالحرمة في الام تغليظا وتشديدا فان قيل فحاصل الظهار مثلا أنت محرمة على كما حرمت على أمي وليس فيه دعوى الامومة حتى تنفى وتثبت للوالدات يقال ان ذلك التحريم في حكم دعوى الامومة او أن المراد نفى المشابهة لكن نفى الامومة للمبالغة فيه إِنْ نافية بمعنى ما أُمَّهاتِهِمْ فى الحقيقة والصدق إِلَّا اللَّائِي جمع التي اى النساء اللاتي وَلَدْنَهُمْ اى ولدن المظاهرين فلا تشبه بهن في الحرمة الا من ألحقها الشرع بهن من ازواج النبي عليه السلام والمرضعات ومنكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن فدخلن بذلك في حكم الأمهات واما الزوجات فأبعد شيء من الامومة فلا تلحق بهن بوجه من الوجوه وَإِنَّهُمْ اى وان المظاهرين منكم لَيَقُولُونَ يقولهم ذلك مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ على ان مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فان أمر محقق بل كونه منكرا اى عند الشرع وعند العقل والطبع ايضا كما يشعر به تنكيره وذلك لان زوجته ليست بامه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها الحاقا لأحد بالمتباينين بالآخر فكان منكرا مطلقا غير معروف وَزُوراً اى كذبا باطلا منحرفا عن الحق فان الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلا عن الحق قال بعضهم ولعل قوله وزورا من قبيل عطف السبب على المسبب فان قلت قوله أنت على كظهر أمي إنشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر والا نشاء لا يوصف بالكذب قلت هذا الإنشاء يتضمن الحاق الزوجة المحللة بالأم المحرمة ابدا وهذا الحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذبا وعن أبى بكر رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك

ص: 391

بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت رواه البخاري قال بعضهم لما كان مبنى طلاق الجاهلية الأمر المنكر الزور لم يجعله الله طلاقا ولم تبق الحرمة الا الى وقت التكفير وقال الظهار الذي هو من طلاق الجاهلية ان كان في الشرع بمقدار من الزمان اولا طلاقا كانت الآية ناسخة والا فلا لان النسخ انما يدخل في الشرائع وما قال عليه السلام انها حرمت فلا يعين شيأ من الطرفين الا أن بعض المفسرين جعله مؤيدا للوجه الاول وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ اى مبالغ في العفو والمغفرة لما سلف منه على الإطلاق على المذهب الحق او بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك ان ما دون الشرك حكمه موكول الى مشيئة الله ان شاء يغفره وان لم يتب العبد عنه وان شاء يغفره بعد التوبة واما إذا لم يتب عنه فعذبه عليه فانما يعذبه على حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام في دم الظاهر وإنكاره وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا اللام والى يتعاقبان كثيرا نحو يهدى للحق والى الحق فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يعودون الى ما قالوا والى ما فات عنهم بسببه من الاستمتاع بالتدارك والتلافي بالتقرر والتكرر ومنه قولهم عاد الغيث على ما أفسد اى تداركه بإصلاح فافساده إمساكه وإصلاحه إحياؤه ففيه اطلاق اسم السبب على المسبب فان العود الى الشيء من اسباب التدارك والوصول اليه فيكون محازا مرسلا قال ابن الشيخ العود يستعمل على معنيين أحدهما أن يصير الى شيء قد كان عليه قبل ذلك فتركه فيكون بمعنى الرجوع الى ما فارق عنه والآخر أن يصير ويتحول الى شيء وان لم يكن على ذلك قبل والعود بهذا المعنى لا يلزم أن يكون رجوعا الى ما قارق عنه والعود الذي هو سبب للتدارك والوصول هو العود بهذا المعنى وهو العود الى شيء مطلقا فحاصل المعنى ثم يعودون الى تدارك ما قالوا ودفع ما لزم عليهم به من الفساد من حرمة الحلال ويجوز أن يكون المعنى ثم يريدون العود الى ما حرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع ففيه تنزيل للقول منزلة المقول فيه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ التحرير جعل الإنسان حرا وهو خلاف العبد والرقية ذات مرقوق مملوك سوآء كان مؤمنا او كافرا ذكرا او أنثى صغيرا او كبيرا هنديا او روميا فالمعنى فتداركه او فالواجب اعتاق رقبة اى رقبة كانت وان كان تحرير المؤمن اولى والصالح أحسن فيعتقها مقرونا بالنية وان كان محتاجا الى خدمتها فلونوى بعد العتق او لم ينو لم يجزئ وان وجد ثمن الرقبة وهو محتاج اليه فله الصيام كما في الكواشي ولا يجزئ أم الولد والمدبر ولمكاتب الذي ادى شيأ فان لم يؤدجاز ويجب أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة بالاتفاق وعند الشافعي يشترط الايمان قياسا على كفارة القتل كما قال تعالى فتحرير رقبة مؤمنة قلنا حمل المطلق على المقيد انما هو عند اتحاد الحادثتين واتحاد الحكم ايضا وهنا ليس كذلك والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار لان تكرر السبب يوجب تكرر المسبب كقرآءة آية السجدة في موضعين فلو ظاهر

ص: 392

من امرأته مرتين او ثلاثا في مجلس واحد او مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا اى من قبل أن يستمتع كل من المظاهر والمظاهر منها بالآخر جماعا وتقبيلا ولمسا ونظرا الى الفرج بشهوة وذلك لان اسم التماس يتناول الكل وان وقع شيء من ذلك قبل التكفير يجب عليه أن يستغفر لانه ارتكب الحرام ولا يعود حتى يكفر وليس عليه سوى الكفارة الاولى بالاتفاق وان أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبى حنيفة رحمه الله ولا تسقط الكفارة بل يأتى بها على وجه القضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها فانه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها وفي الآية دليل على ان المرأة لا يسعها أن تدع الزوج أن يقربها قبل الكفارة لانه نهاهما جميعا عن المسيس قبل الكفارة قال القهستاني لها مطالبة التكفير والحاكم يجبر عليه بالحبس ثم بالضرب فالنكاح باق والحرمة لا تزول الا بالتكفير وكذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة او زوج آخر حرم وطئها قبل التكفير ثم العود الموجب لكفارة الظهار عند أبى حنيفة رحمه الله هو العزم على جماعها فمتى عزم على ذلك لم تحل له حتى يكفر ولو ماتت بعد مدة قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة لفوت العزم على جماعها ذلِكُمْ اى الحكم بالكفارة أيها المؤمنون تُوعَظُونَ بِهِ الوعظ زجر يقترن بتخويف اى تزجرون به من ارتكاب المنكر المذكور فإن الغرامات مزاجر من طعاطى الجنايات والمراد بذكره بيان ان المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه والحاصل ان في المؤاخذة الدنيوية نفعا لكل من المظاهر وغير المظاهر بأن يحصل للمظاهر الكفارة والتدارك ولغير المظاهر الاحتياط والاجتناب كما قيل

نرود مرغ سوى دانه فراز

چون دكر مرغ بيند اندر بند

وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من جناية الظهار والتكفير ونحو ذلك من قليل وكثير خَبِيرٌ اى عالم بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها فحافظوا حدود ما شرع لكم ولا تخلوا بشيء منها فَمَنْ لَمْ يَجِدْ اى فالمظاهر الذي لم يجد الرقبة وعجز عنها بأن كان فقيرا وقت التكفير وهو من حين العزم الى أن تقرب الشمس من الغروب من اليوم الأخير مما صام فيه من الشهرين فلا يتحقق العجز الحقيقي إلا به والاعتبار بالمسكن والثياب التي لا بد منها فان المعتبر في ذلك هو الفضل والذي غاب ماله فهو واجد فَصِيامُ شَهْرَيْنِ اى فعليه صيام شهرين مُتَتابِعَيْنِ ليس فيهما رمضان ولا الأيام الخمسة المحرم وصومها اى يوما العيد وايام التشريق فيصلهما بحيث لا يفصل يوما عن يوم ولا شهرا عن شهر بالإفطار فان أفطر فيهما يوما او اكثر بعذر او بغير عذر استأنف ولم يحسب ما صام الا بالحيض كما سيجيئ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ليلا او نهارا عمدا او خطأ ولو جامع زوجة اخرى ناسيا لا يستأنف ولو أفطرت المرأة للحيض في كفارة القتل او الفطر في رمضان لا تستأنف لكنها تصل صومها بأيام حيضها ثم انه ان صام بالاهلة أجزأه وان صام ثمانية وخمسين بأن كان كل من الشهرين ناقصا وان صامها بغيرها فلابد من ستين يوما حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه

ص: 393

الاستئناف فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ اى الصيام بسبب من الأسباب كالهرم والمرض المزمن اى الممتد الغير المرجو برؤه فانه بمنزلة العاجز من كبر السن وان كان يرجى برؤه واشتدت حاجته الى وطئ امرأته فالمختار أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالاطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه ومن الاعذار الشبق المفرط وهو أن لا يصبر على الجماع فانه عليه السلام رخص للاعرابى أن يعطى الفدية لاجله فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً الإطعام جعله الغير طاعما ففيه رمز الى جواز التمليك والإباحة في الكفارة والمسكين ويفتح ميمه من لا شيء له اوله مالا يكفيه وأسكنه الفقر أي قلل حركته والذليل والضعيف كما في القاموس قال القهستاني في شرح مختصر الوقاية قيد المسكين اتفاقي لجواز صرفه الى غيره من مصارف الزكاة يقول الفقير انما خص المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة كما ينبئ عنه ما سبق آنفا من تفسير القاموس واطعام ستين مسكينا يشمل ما كان حقيقيا وحكميا بأن يطعم واحدا ستين يوما

فانه في حكم ستين مسكينا وان أعطاه في يوم واحد وبدفعات لا يجوز على الصحيح فيطعم لكل مسكين نصف صاع من بر او صاعا من غيره كما في الفطرة والصاع اربعة امداد ونصفه مدان ويجب تقديمه على المسيس لكن لا يستأنف ان مس في خلال الإطعام لان الله تعالى لم يذكر التماس مع الإطعام هذا عند أبى حنيفة رحمه الله واما عند الآخرين فالاطعام محمول على المقيد في العتق والصيام ويجوز دفع الكفارة لكافر وإخراج القيمة عند أبى حنيفة رحمه الله خلافا للثلاثة وفي الفقه هذا إذا كان المظاهر حرا فلو كان عبدا كفر بالصوم وان أعطاه المولى المال وليس له منعه عن الصوم فان أعتق وأيسر قبل التكفير كفر بالمال ذلِكَ اى ذلك البيان والتعليم للاحكام والتنبيه عليها واقع او فعلنا ذلك لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم ان قيل إذا كان ترك الظهار مفروضا فما بال الفقهاء يجعلونه بابا فى الفقه أجيب بأن الله وان أنكر الظهار وشنع على من تعود به من الجاهلين الا انه تعالى وضع له احكاما يعمل بها من ابتلى به من الغافلين فبهذا الاعتبار جعلوه بابا ليبينوا تلك الاحكام وزادوا قدر ما يختاج اليه مع ان المحققين قالوا ان اكثر الاحكام الشرعية للجهال فان الناس لو احترزوا عن سوء المقال والفعال لما احتيج الى تكثير القيل والقال ودلت الآية على ان الظهار أكثر خطأ من الحنث في اليمين لكون كفارته اغلظ من كفارة الحنث واللام فى لتؤمنوا للحكمة والمصلحة لانها إذا قارنت فعل الله تكون للمصلحة لانه الغنى المطلق وإذا قارنت فعل العبد تكون للغرض لانه المحتاج المطلق فأهل السنة لا يقولون لتلك المصلحة غرضا إذ الغرض في العرف ما يستكمل به طالبه استدفاعا لنقصان فيه يتنفر عنه طبعه والله منزه عن هذا بلا خلاف والمعتزلة يقولون بناء على انه هو الشيء الذي لاجله يراد المراد ويفعل عندهم ولو قلنا بهذا المعنى لكنا قائلين بالغرض وهم لو قالوا بالمعنى لما كنا قائلين به وَتِلْكَ اشارة الاحكام المذكورة من تحريم الظهار وإيجاب العتق للواجد وإيجاب الصوم لغير الواجد ان استطاع وإيجاب الإطعام لمن لم يسطع حُدُودُ اللَّهِ التي لا يجوز

ص: 394

تعديها وشرائعه الموضوعة لعباده التي لا يصح تجاوزها الى ما يخالفها جمع حد وهو في اللغة المنع والحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر وحد الزنى وحد الخمر سمى بذلك لكونه مانعا لمتعاطيه عن المعاودة لمثله وجميع حدود الله على اربعة اضرب اما شيء لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه والا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض واما شيء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان منه واما شيء يجوز النقصان منه ولا يجوز الزيادة عليه واما شيء يجوز الزيادة عليه والنقصان منه كما في المفردات وَلِلْكافِرِينَ اى الذين لا يعملون بها ولا يقبلونها عَذابٌ أَلِيمٌ عبر عنه بذلك للتغليظ على طريقة قوله تعالى ومن كفر فان الله غنى عن العالمين يعنى ان اطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل لا لانه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج قال بعضهم في قوله عليه السلام من ترك الصلاة فقد كفر اى قارب الكفر يقال دخل البلدة لمن قاربها قال في برهان القرآن قوله وللكافرين عذاب اليم وبعده وللكافرين عذاب مهين لان الاول متصل بضده وهو الايمان فتوعدهم على الكفر العذاب الأليم هو جزاء الكافرين والثاني متصل بقوله كبتوا وهو الاذلال والاهانة فوصف العذاب مثل ذلك فقال وللكافرين عذاب مهين انتهى والأليم بمعنى المؤلم اى الموجع كالبديع بمعنى المبدع او بمعنى المتألم لكن أسند مجازا الى العذاب مبالغة كأنه في الشدة بدرجة تتألم بها نفسه وفي اثبات العذاب للكافرين حث للمؤمنين على قبول الطاعة ولما نزلت هذه الآيات الأربع تلاها عليه السلام فقال لاوس بن الصامت رضى الله عنه هل تستطيع عتق رقبة قال اذن يذهب جل مالى قال فصيام شهرين متتابعين قال يا رسول الله إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات كل بصرى وخشيت أن تعشو عينى قال فاطعام ستين مسكينا قال لا الا أن تعيننى عليه قال أعينك بخمسة عشر صاعا وانا داع لك بالبركة وتلك البركة بقيت في آله كما في عين المعاني يقول الفقير في وجوه

الاحكام المذكورة اما وجه العتق فلان العاصي استحق النار بعصيانه العظيم فجعل عتق المملوك فدآء لنفسه من النار كما قال عليه السلام من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل ارب منها اربا منه من النار ودل تقييد الرقبة بالمؤمنة على أفضلية اعتاق المؤمن وايضا ان ثمن العبد اكثر غالبا من فدية الإطعام والمال يعد من النفس لشدة علاقة النفس به ففى بذله تخليص لها من رذيلة البخل وتنحية لها عن النار واما الوجه في الصيام فلأن الأصل فيه صيام شهر رمضان وهو ثلاثون يوما ففى صيام ستين يوما تضعيف المشقة وتشديد المحنة على النفس واما الوجه في اطعام المساكين اما في نفس الإطعام فلأن الصوم التخلق بوصف الصمدية فاذا فات عنه ذلك لزوم المعالجة بضده وهو الإطعام لان في بذل المال اذابة النفس كما في الصوم ومن هذا يعرف سر التنزيل من الرقبة الى الصوم ثم منه الى الإطعام واما في عدد المساكين فلأن الإطعام بدل من الصيام وخلف له فروعى فيه من العدد ما روعى في الصيام ويجوز أن يقال ان الله تعالى خلق آدم عليه السلام من ستين نوعا من طبقات الأرض فأمر باطعام ستين مسكينا من أولاد آدم حتى تقع المكافأة لجميع أولاده لانه لا يخرج أحد

ص: 395

منهم عن هذه الستين نوعا وايضا سر العدد كون عمر هذه الامة بين الستين والسبعين فمن راعى العدد فكانما عبد الله ستين سنة التي هى مبلغ عمره ومنتهى امده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه اشارة الى فضيلة الوقت فانه إذا فات العمل من محله لا ينجبر بالقضاء بكماله الاولى بل يصير ساقطا عن درجة الكمال الاولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين واطعامها (قال المولى الجامى)

هر دم از عمر كرامى هست كنج بي بدل

ميرود كنجى چنين هر لحظه بر باد آخ آخ

(وقال الشيخ سعدى)

مكن عمر ضايع بافسوس وحيف

كه فرصت عزيزست والوقت سيف

وفي الآية اشارة الى أن النفس مطية الروح وزوجته فاذا ظاهر زوج الروح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الالهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لا يستمتع ولا يتصرف فيها الا بامر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فانه لا يجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة ان لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا يعنى أن يمسك نفسه عن الالتفات الى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل التفات وان لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء بقية من بقايا انانيته فيه فيجب عليه اطعام ستين مسكينا من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالأخلاق الالهية والتحقق بالصفات الروحانية إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادونهما ويشاقونهما وكذا اولياء الله فان من عادى اولياء الله فقد عادى الله وذلك لان كلا من المتعاديين كما انه يكون في عدوة وشق غيره عدوة الآخر وشقه كذلك يكون في حد غير حد الآخر غير ان لورود المحادة في أثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع مالا غاية وراءه وبالفارسية مخالفت ميكنند با خدا ورسول او از حدود امر ونهى تجاوز مينمايند وقال بعضهم المحادة مفاعلة من لفظ الحديد والمراد المقابلة بالحديد سوآء كان في ذلك حديد حقيقة او كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم في معنى الآية يحادون اى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والأمراء السوء الذين وضعوا أمورا خلاف ما حده الشرع وسموها القانون ونحوه

پادشاهى كه طرح ظلم افكند

پاى ديوار ملك خويش بكند

كُبِتُوا اى أخزوا يعنى خوار ونكو نسار كرده شوند وفي المفردات الكبت الرد بعنف وتذليل وفي القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه

ص: 396

وإذ له قال ابن الشيخ وهو يصلح لان يكون دعاء عليهم واخبارا عما سيكون بالماضي لتحققه اى سيكبتون ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جميعا اما الكافرون فمحادتهم في الظاهر والباطن واما المنافقون ففى الباطن فقط كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام مثل أقوام نوح وهود وصالح وغيرهم وكان السرى رحمه الله يقول عجبت من ضعيف عصى قويا فيقال له كيف ذلك ويقول وخلق الإنسان ضعيفا وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ حال من واو كبتوا اى كبتوا لمحادتهم والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسوله ممن قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم او آيات بينات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به والسؤال بأن الانزال نقل الشيء من الأعلى الى الأسفل وهو انما يتصور في الأجسام والآيات التي هى من الكلام من الاعراض الغير القارة فكيف يتصور الانزال فيها مجاب عنه بأن المراد منه إنزال من يتلقف من الله ويرسل الى عباده تعالى فيسند إليها مجازا لكونها المقصودة منه أو المراد منه الإيصال والاعلام على الاستعارة وَلِلْكافِرِينَ بتلك الآيات او بكل ما يجب الايمان به عَذابٌ مُهِينٌ يذهب بعزهم وكبرهم من الاهانة بمعنى التحقير والمراد عذاب الكبت الذي هو في الدنيا فيكون ابتداء كلام او عذاب الآخرة فيكون للعطف بمعنى ان لهم الكبت فى الدنيا ولهم عذاب مهين في الآخرة فهم معذبون في الدارين قال بعضهم وصف الله العذاب الملحق بالكافرين اولا بالايلام وثانيا بالاهانة لان الإيلام يلحق بهم اولا ثم يهانون به وإذا كانت الاهانة ما في الآخرة فالتقديم ظاهر وقد سبق غير هذا وفي الآية اشارة الى أن من يعادون مظاهر الله وهم الأولياء المتحققون بالله المجتمعون بأسماء الله ويشاققون مظاهر رسوله وهم العلماء القائمون باحكام الشرائع حجوا وأفحموا بأبلغ الحجج واظهر البراهين من الكرامات الظاهرة ونشر العلوم الباهرة وكيف لا وقد أنزلنا بصحة ولايتهم وآثار وراثتهم آيات بينات فمن سترها بستائر ظلمات إنكاره قله عذاب القطيعة الفظيعة والاهانة من غير ابانة يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ منصوب با ذكر المقدر تعظيما لليوم وتهويلا له والمراد يوم القيامة اى يحييهم الله بعد الموت للجزاء جَمِيعاً اى كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد غير مبعوث فيكون تأكيدا للضمير أو مجتمعين في حالة واحدة فيكون حالا منه فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من القبائح ببيان صدورها منهم او بتصويرها في تلك النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد وتخجيلالهم وتشهيرا لحالهم وتشديدا لعذابهم وإلا فلا فائدة في نفس الانباء لينبهوا على ما صدر منهم أَحْصاهُ اللَّهُ كأنه قيل كيف ينبئهم بأعمالهم وهى اعراض منقضية متلاشية فقيل أحصاه الله اى أحاط به عددا وحفظه كما عمله لم يفت منه شيء ولم يغب قال الراغب الإحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لانهم كانوا يعتمدون اعتماد نافيه على الأصابع وقال بعضهم الإحصاء عد بإحاطة وضبط إذ أصله العدد بآحاد الحصى للتقوى في الضبط فهو أخص من العد لعدم لزوم الإحاطة فيه وَنَسُوهُ اى

ص: 397

والحال انهم قد نسوه لكثرته او لتهاونهم حين ارتكبوه لعدم اعتقادهم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ لا يغيب عنه امر من الأمور فالشهيد بمعنى الشاهد من الشهود بمعنى الحضور وگفته اند گواهست ومناسب آن مكافات خواهد فرمود وكسى گواهى او رد نتواند كرد

حاكم ز حكم دم نزند كر گواه نيست

حاكم كه خود كواه بود قصه مشكلست

فلابد من استحضار الذنوب والبكاء عليها وطلب التوبة من الله الذي يحصى كل شيء ولا ينساه قبل أن يجيئ يوم يفتضح فيه المصر على رؤوس الأشهاد ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد واعلم ان القول بأنه تعالى شهيد قول بأنه حاضر لكن بالحضور العلمي لا بالحضور الجسماني فانه منزه عن ذلك فقول من قال الله حاضر محمول على الحضور العلمي فلا وجه لا كفار قائله مع وجوده في القرآن أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ استشهاد على شمول شهوده تعالى والهمزة للانكار المقرر بالرؤية لما أن الإنكار نفى معنى ونفى النفي يقرر الإثبات فتكون الرؤية ثابتة مقررة والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يستحق الخطاب والمعنى ألم تعلم علما يقينيا بمرتبة المشاهدة انه تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض من الموجودات سوآء كان ذلك بالاستقرار فيهما او بالجزئية منهما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن امية كانوا يوما يتحدثون فقال أحدهم أترى الله يعلم ما نقول فقال الآخر يعلم بعضا وقال الثالث ان كان يعلم بعضه فهو يعلم كله وصدق لان من علم بعض الأشياء بغير سبب فقط علمها كلها لان كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم فنزلت الآية ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ ما نافية ويكون تامة بمعنى يوجع ويقع ومن مقحم ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجي كالشكوى بمعنى الشكاية يقال نجاه نجوى ونجوى ساره كناجاه مناجاة والنجوى السر الذي يكتم اسم ومصدركما في القاموس وأصله أن تخلوفى نجوة من الأرض اى مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله كأن المتناجى بنجوة من الأرض لئلا يطلع عليه أحد والمعنى ما يقع من تناجى ثلاثة نفر ومسارتهم فالنجوى مصدر مضاف الى فاعله إِلَّا هُوَ اى الله تعالى رابِعُهُمْ اى جاعلهم اربعة من حيث انه تعالى يشاركهم في الاطلاع عليها كما قال الحسين النوري قدس سره الا هو رابعهم علما وحكما لا نفسا وذاتا وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى ما يوجد فى حال ما الا في هذه الحال وفي الكلام اعتبار التصيير قال النصرآبادي من شهد معية الحق معه زجره عن كل مخالقة وعن ارتكاب كل محذور ومن لا يشاهد معيته فانه متخط الى الشبهات والمحارم وَلا خَمْسَةٍ اى ولا نجوى خمسة نفر إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ اى الا وهو تعالى جاعلهم ستة في الاطلاع على ما وقع بينهم وتخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة لان المنافقين المجتمعين في النجوى كانوا مرة ثلاثة واخرى خمسة ويقال ان التشاور غالبا انما يكون من ثلاثة الى ستة ليكونوا اقل لفظا وأجدر رأيا واكتم سرا ولذا ترك عمر رضى الله عنه حين علم بالموت امر الخلافة شورى بين ستة اى على أن يكون امر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم وفي الثلاثة اشارة الى الروح والسر والقلب وفي الخمسة إليها باضافة

ص: 398

النفس والهوى ثم عمم الحكم فقال وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ اى اقل مما ذكر كالاثنين والواحد فان الواحد ايضا يناجى نفسه وبالفارسية ونه كمتر باشد از سه عدد وَلا أَكْثَرَ كالستة وما فوقها إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ اى الله مع المتناجين بالعلم والسماع يعلم ما يجرى بينهم ولا يخفى عليه ما هم فيه فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المشاهدة والحضور معهم حضورا جسمانيا أَيْنَ ما كانُوا اى في اى مكان كانوا من الأماكن ولو كانوا تحت الأرض فان علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكانى حتى يتفاوت باختلاف الامكنة قربا وبعدا

اين معيت در بيابد عقل وهوش

زين معيت دم مزن بنشين خموش

قرب حق با بنده دورست از قياس

بر قياس خود منه آنرا أساس

قال بعض العارفين اگر مؤمنان امت احمد را خود اين تشريف يودى كه رب العالمين درين سوره ميكويد كه ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الى قوله هو معهم تمام بودى اصحاب كهف را باجلال رتبت ايشان وكمال منزلت ميكويد ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم فانظركم من فرق بين من كان الله رابعهم وسادسهم وبين من كان اخس الحيوانات رابعهم وسادسهم وحظية المؤمن من المعية أن يعلم ان الخير في أن يكون جليسه صالحا وكلامه نافعا ولا يتكلم بمالا طائل تحته فيكون عيبا في صحيفته وعبثا في صحبته ومعية الله تعالى على العموم كما صرح به قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم ثم انه قد يكون له تعالى معية مخصوصة ببعض عباده بحسب فيضه وإيصال لطفه اليه ونحو ذلك ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا اى يخبرهم بالذي عملوه في الدنيا يَوْمَ الْقِيامَةِ تفضيحا لهم وإظهارا لما يوجب عذابهم إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لان نسبة ذاته المقتضية للعلم الى الكل سوآء يعنى نسبت علم او با همه معلومات يكسانست حالات اهل آسمان را چنان داند كه حالات اهل زمين را وعلم او بمخفيات امور بدان وجه احاطه كند كه بجليات

نهان وآشكارا هر دو يكسانست بر علمت

نه اين را زودتر بينى نه آنرا ديدتر دانى

من عرف انه العالم بكل شيء راقبه في كل شيء واكتفى بعلمه في كل شيء فكان واثقا به عند كل شيء ومتوجها له بكل شيء قال ابن عطاء الله متى علمت عدم اقبال الناس عليك او توجههم بالذم إليك فارجع الى علم الله فيك فان كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم انتهى والتخلق بهذا الاسم تحصيل العلم وافادته للمحتاجين اليه ومن أدمن ذكر يا علام الغيوب بصيغة النداء الى أن يغلب عليه منه حال فانه يتكلم بالمغيبات ويكشف ما في الضمائر وترقى روحه الى أن يرقى في العالم العلوي ويتحدث بامور الكائنات والحوادث قال الفقهاء من قال بأن الله تعالى عالم بذاته أي لا عالم بعلمه قادر بذاته اى لا قادر بقدرته يعنى لا يثبت له صفة العلم القائمة بذاته ولا صفة القدرة كالمعتزلة والجهمية يحكم بكفره لان نفى الصفات الالهية كفر قال الرهاوي من أقر بوحدانية الله وأنكر الصفات كالفلاسفة والمعتزلة لا يكون إيمانه معتبرا كذا قالوا وفيه شيء بالنسبة الى المعتزلة فانهم من اهل القبلة ومن ثمة قال في شرح العقائد والجمع بين قولهم لا يكفر أحد من أهل

ص: 399

القبلة وقولهم بكفر من قال بخلق القرآن واستحالة الرؤية وسب الشيخين وأمثال ذلك مشكل انتهى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتحلقون ثلاثة وخمسة ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم فنهاهم رسول الله عليه السلام ثم عادوا لمثل فعلهم والخطاب للرسول والهمزة للتعجب من حالهم وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة قال الخدري رضى الله عنه خرج عليه السلام ذات ليلة ونحن نتحدث فقال هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى فقلنا تبنا الى الله انا كنا في حديث الدجال قال ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم منه هو الشرك الخفي يعنى المرآة وَيَتَناجَوْنَ وراز ميكويند بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ عطف على قوله يعودون داخل في حكمه وبيان لما نهوا عنه لضرره في الدين اى بما هو اثم في نفسه وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول والعدوان الظلم والجور والمعصية خلاف الطاعة وَإِذا جاؤُكَ و چون بر تو آنيد يعنى اهل النجوى حَيَّوْكَ ترا تحيت وسلام كنند والتحية في الأصل مصدر حياك على الاخبار من الحياة فمعنى حياك الله جعل لك حياة ثم استعمل للدعاء بها ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام فكل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول حياة او سبب حياة اما في الدنيا واما في الآخرة بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ اى بشيء لم يقع من الله أن يحييك به فيقولون السام عليك والسام بلغة اليهود مرك است يا قتل بشمشير وهم يوهمون انهم يقولون السلام عليك وكان عليه السلام يرد عليهم فيقول عليكم بدون الواو ورواية وعليكم بالواو خطأ كذا في عين المعاني او يقولون أنعم صباحا وهو تحية الجاهلية من النعومة اى ليصر صباحك ناعما لينا لا بؤس فيه والله سبحانه يقول وسلام على المرسلين واختلفوا فى رد السلام على اهل الذمة فقال ابن عباس والشعبي وقتادة هو واجب لظاهر الأمر بذلك وقال مالك ليس بواجب فان رددت فقل عليك وقال بعضهم يقول في الرد علاك السلام اى ارتفع عنك وقال بعض المالكية يقول في الرد السلام عليك بكسر السين يعنى الحجارة وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ اى فيما بينهم إذا خرجوا من عندك لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ لولا تحضيضية بمعنى هلا اى هلا يعذبنا الله ويغضب علينا ويقهرنا بجراءتنا على الدعاء بالشر على محمد لو كان نبيا حقا حَسْبُهُمْ پس است ايشانرا جَهَنَّمُ عذابا مبتدأ وخبر اى محسبهم وكافيهم جهنم في التعذيب من أحسبه إذا كفاه يَصْلَوْنَها يدخلونها ويقاسون حرها لا محالة وان لم يعجل تعذيبهم لحكمة والمراد الاستهزاء بهم والاستخفاف بشأنهم لكفرهم وعدم ايمانهم فَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى جهنم قال في برهان القرآن الفاء لما فيه من معنى التعقيب اى فبئس المصير ما صاروا اليه وهو جهنم انتهى قال بعض المفسرين وقولهم ذلك من جملة ما غفلوا عما عندهم من العلم فانهم كانوا اهل كتاب يعلمون ان بعض الأنبياء قد عصاه أمته وآذوه ولم يعجل تعذيبهم لحكمة ومصلحة علمها عند الله تعالى انتهى ثم ان الله يستجيب دعاء رسول الله عليه السلام كما روى ان عائشة رضى الله عنها سمعت

ص: 400

قول اليهود فقالت عليكم السام والذام واللعن فقال عليه السلام يا عائشة ارفقى فان الله يحب الرفق في كل شيء ولا يحب الفحش والتفحش الا سمعت مارددت عليهم فقلت عليكم فيستجاب لى فيهم وقس عليه حال الورثة الكاملين فان أنفاسهم مؤثرة فمن تعرض لواحد منهم بالسوء فقد تعرض لسوء نفسه وفي البستان

كزيرى بچاهى در افتاده بود

كه از هول او شير نر ماده بود

همه شب ز فرياد وزارى نخفت

يكى بر سرش كوفت سنكى وكفت

تو هركز رسيدى بفرياد كس

كه ميخواهى امروز فرياد رس

كه بر جان ريشت نهد مرهمى

كه جانها بنالد ز دستت همى

تو ما را همى چاه كندى براه

بسر لا جرم بر فتادى بچاه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بألسنتهم وقلوبهم إِذا تَناجَيْتُمْ چون راز كوييد با يكديگر يعنى في انديتكم وخلواتكم فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ كما يفعله المنافقون واليهود وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى اى بما يتضمن خبر المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول قال سهل رحمه الله بذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وحده لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فيجازيكم بكل ما تأتون وما تذرون يعنى بسوى او جمع كرده خواهيد شد پس از موت دلت الآية على ان التناجي ليس بمنهي عنه مطلقا بل مأمور به في بعض الوجوه إيجابا واستحبابا واباحة على مقتضى المقام ان قيل كيف يأمر الله بالاتقاء عنه وهو المولى الرحيم والقرب منه ألذ المطالب والانس به أقصى المآرب فالتقوى توجب الاجتناب والحشر اليه يستدعى الإقبال اليه يجاب بأن في الكلام مضافا إذا التقدير واتقوا عذاب الله او قهر الله او غيرهما فان قيل ان العبد لو قدر على الخلاص من العذاب والقهر لأسرع اليه لكنه ليس بقادر عليه كما قال تعالى ان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يدرك بخير فلا راد لفضله والأمر انما يكون بالمقدور لا يكلف الله نفسا الا وسعها أجيب بأن المراد الاتقاء عن السبب من الذنوب والمعاصي الصادرة عن العبد العاصي فالمراد واتقوا ما يفضى الى عذاب الله ويقتضى قهره في الدارين من الإثم والعدوان ومعصية الرسول التي هى السبب الموجب لذلك فالمراد النهى عن مباشرة الأسباب والأمر بالاجتناب عنها ان قيل ان ذلك الاتقاء انما يكون بتوفيق الله له فان وفق العبد له فلا حاجة الى الأمر به وان لم يوفقه فلا قدرة له عليه والأمر انما يحسن في المقدور أجيب بأنه تعالى علمه الحق اولا ووهب له ارادة جزئية يقدر بها على اختيار شيء فله الاختيار السابق على ارادة الله تعالى ووجود الاختيار في الفاعل المختار امر يطلع عليه كل أحد حتى الصبيان إِنَّمَا النَّجْوى المعهودة التي هى التناجي بالإثم والعدوان بقرينة ليحزن مِنَ الشَّيْطانِ لا من غيره فانه المزين لها والحامل عليها فكأنها منه لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا خبر آخر من الحزن بالضم بعده السكون متعد من الباب الاول لا من الحزن بفتحتين لازما من الرابع كقوله تعالى يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيكون الموصول مفعوله وفي القاموس

ص: 401

الحزن بالضم ويحرك الهم والجمع احزان وحزن كفرح وحزنه الأمر حزنا بالضم وأحزنه جعله حزينا وحزنه جعل فيه حزنا وقال الراغب الحزن والحزن خشونة في الأرض وخشونة فى النفس لما يحصل فيها من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره إذا احزنته والمعنى انما هى ليجعل الشيطان المؤمنين محزونين بتوهمهم انها في نكبة أصابهم فى سيرتهم يعنى ان غزاتهم غلبوا وان أقاربهم قتلوا متألمين بذلك فاترين في تدبير الغزو الى غير ذلك مما يشوش قلوب المؤمنين وفي الحديث إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه وَلَيْسَ اى الشيطان او التناجي بِضارِّهِمْ بالذي يضر المؤمنين شَيْئاً من الأشياء او شيأ من الضرر يعنى ضرر رساننده مؤمنان بچيزى إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى بمشيئته وإرادته اى ما أراده من حزن او وسوسة كما روى ان فاطمة رضى الله عنها رأت كأن الحسن والحسين رضى الله عنهما أكلا من أطيب جزور بعثه رسول الله إليهما فماتا فلما غدت سألته عليه السلام وسأل هو جبريل ملك الرؤيا فقال لا علم لى به فعلم أنه من الشيطان وفي الكشاف الا بإذن الله اى بمشيئته وهو أن يقضى الموت على أقاربهم او الغلبة على الغزاة قال في الاسئلة المقحمة اين ضرر الحزن قلت ان الحزن إذا سلمت عاقبته لا يكون حزنا في الحقيقة وهذه نكتة اصولية إذ الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضررا في الحقيقة وهذه نكتة اصولية إذا الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضررا في الحقيقة والنفع إذا كانت عاقبته العذاب لا يكون نفعا في الحقيقة وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ليفوضوا أمورهم اليه وليثقوا به ولا يبالوا بنجواهم فانه تعالى يعصمهم من شرها وضررها دكر بما سخن خصم تندخوى مكوى كه اهل مجلس ما را از ان حسابى نيست وفي الآية اشارة الى أن الشيطان يناجى النفس الامارة ويزين لها المعارضات ونحوها ليقع القلب والروح في الحزن والاضطراب وضيق الصدر ويتقاعد ان من شؤم المعارضة عن السير والطير في عالم الملكوت ويحرمان من مناجاة الله تعالى فى عالم السر لكنهما محروسان برعاية الحق وتأييده ومنه يعلم ان كل مخالفة فهى في النفس والطبيعة والشيطان لانها ظلمانية وان كل موافقة فهى في القلب والروح والسر لانها نورانية الا أن يغلب عليها ظلمة اهل الظلمة وتختفى أنوارها تحت تلك الظلمة اختفاء نور الشمس تحت ظلمة السحاب الكثيف فليكن العبد على المعالجة دائما لكن ينبغى له التوكل التام فان المؤثر في كل شيء هو الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعنى المخلصين إِذا قِيلَ لَكُمْ من اى قائل كان من الاخوان تَفَسَّحُوا التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس وكذا الفسح لكن التفسح يعدى بفي والفسح باللام اى توسعوا ليفسح بعضكم عن بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح اعنى اى تنح وأنت في فسحة من دينك اى في وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق اى واسع الخلق فى الجالس قال في الإرشاد متعلق بقيل يقول الفقير الظاهر انه متعلق بقوله تفسحوا لأن البيهقي صرح في تاج المصادر بان التفسح يعدى بفي على ما أشرنا اليه آنفا فَافْسَحُوا پس جاى كشاده كنيد بر مردم يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ اى

ص: 402

فى كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فان الجزاء من جنس العمل والآية عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سوآء كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يتضامون تنافسا في القرب منه عليه السلام وحرصا على استماع كلامه او مجلس حرب وكانوا يتضامون في مراكز الغزاة ويأتى الرجل الصف ويقول تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة او مجلس ذكر او مجلس يوم الجمعة وان كل واحد وان كان أحق بمكان الذي سبق اليه لكنه يوسع لاخيه ما لم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفي الحديث (لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا وفي رواية لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا) وقيل ان رجلا من الفقراء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الأغنياء فلما قرب منه قبض الغنى اليه ثوبه فرأى رسول الله عليه السلام ذلك فقال

للغنى أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقراء والتوسعة لهم في المجالس وان كانوا شعثا غبرا وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا يقال نشز الرجل إذا نهض وارتفع في المكان نشزا والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الأرض ونشز فلان إذا قصد نشزا ومنه فلان عن مقره وقلب ناشز ارتفع عن مكانه رعبا والمعنى وإذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين اى على من جاء بعدكم فَانْشُزُوا فارتفعوا وقوموا يعنى إذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لا تحصل التوسعة بتنحى أحد الشخصين عن الآخر حال قعود الجماعة وقيل قوموا جميعا تفسحوا حال القيام فانشزوا ولا تثاقلوا عن القيام او إذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها الى موضع آخر لضرورة داعية اليه أطيعوا من أمركم به وقوموا من مجالسكم وتوسعوا لاخوانكم ويؤيده انه عليه السلام كان يكرم أهل بدر فأقبلت جماعة منهم فلم يوسعوا لهم فقال عليه السلام قم يا فلان ويا فلان فأقام من المجلس بعدد المقبلين من اهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحدا من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله عليه السلام الكراهية في وجوههم فانزل الله الاية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال وإذا قيل انشزوا اى انهضوا عن مجلس رسول الله إذا أمرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول الله بالارتكان فيه او انهضوا الى الصلاة او الى الجهاد او الشهادة او غير ذلك من اعمال الخير فانهضوا ولا تتنبطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جواب للامر اى من فعل ذلك طاعة للامر وتوسعة للاخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر فى الدنيا والإيواء الى غرف الجنان في الآخرة لان من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اى ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العام للدلالة على علو شأنهم وسمو مكانهم حتى كانهم جنس آخر دَرَجاتٍ اى طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ما جمعوا من العلم والعمل فان العلم لعلو درجته يقتضى للعمل المقرون به مزيد رفعة لا يدرك شاؤه العمل الغارى عنه وان كان في غاية الصلاح ولذا يقتدى بالعالم في أفعاله ولا يقتدى بغيره فعلم من هذا التقرير

ص: 403

انه لا شركة للمعطوف عليه في الدرجات كما قال ابن عباس رضى الله عنهما تم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين أوتوا العلم بفعل مضمر اى ويرفعهم درجات وانتصاب درجات اما على إسقاط الخافض اى الى درجات او على المصدرية اى رفع درجات فحذف المضاف او على الحالية من الموصول اى ذوى درجات وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ اى بعملكم او بالذي تعملونه خَبِيرٌ عالم لا يخفى عليه شيء منه لا ذاته جنسا او نوعا ولا كيفيته إخلاصا او نفاقا او رياء او سمعة ولا كميته قلة او كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند الله وجعله بعضهم تهديدا لمن لم يتمثيل بالأمر او استكرهه فلابد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم على غيره في المجالس والمحاضر لان الله تعالى قدمه وأعلاه حيث جعل درجاته عالية وفي الحديث (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) اى فضل العالم الباقي بالله على العابد الفاني في الله كما في التأويلات النجمية وقال في عين المعاني المراد علم المكاشفة في ما ورد فضل العالم على العابد كفضلى على أمتي إذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطا له إذ العمل انما يتعد به إذا كان مقرونا بعلم المعاملة قال بعضهم المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة

علم چندانكه بيشترتى خوانى

چون عمل در تو نيست نادانى

وحيث يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل

رفعت آدمي بعلم بود

هر كرا علم بيش رفعت بيش

قيمت هر كسى بدانش اوست

سازد افزون بعلم قيمت خويش

(وقال بعضهم)

مرا بتجربة معلوم كشت آخر حال

كه عز مرد بعلم است وعز علم بمال

وعن بعض الحكماء ليت شعرى اى شيء أدرك من فاته العلم واى شيء فات من أدرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فالى ذل يصير وعن الزهري رضى الله عنه العلم ذكر فلا يحبه الا ذكورة الرجال قال مقاتل إذا انتهى المؤمن الى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال لأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى ألف ركعة قال ابو هريرة وابو ذر رضى الله عنهما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد واعلم ان جميع الدرجات اما باعتبار تعدد أصحابها فان لكل عالم ربانى درجة عالية او باعتبار تعددها لقوله عليه السلام بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة الحضر بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس في عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده الى القوت وذلك في أربعين يوما والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس فى السباق يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالايمان الخالص إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ المناجاة با كسى راز كفتن اى إذا كالمتموه سرا في بعض شؤونكم المهمة الداعية الى مناجاته عليه السلام

ص: 404

ومكالمته سرا بالفارسية چون خواهيد كه راز كوييد با رسول وفي بعض التفاسير إذا كالمتموه سرا استفسار الحال ما يرى لكم من الرؤيا ففيه ارشاد للمتقدين الى عرضها على المقتدى بهم ليعبروها لهم ومن ذلك عظم اعتبار الواقعات وتعبيرها بين ارباب السلوك حتى قيل ان على المريد أن يعرض واقعته على شيخه سوآء عبر الشيخ او لم يعبر فان الله تعالى قال ان الله يأمركم أن تودوا الأمانات الى أهلها وهى من جملة الامانة عند المريد لا بد ان يؤديها الى الشيخ لما فيها من فائدة جليلة له وقوة لسلوكه وفي التعبير أثر قوى على ما قال عليه السلام الرؤيا على ما اولت فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً اى فتصدقوا قبلها على المستحق كقول عمر رضى الله عنه أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل امام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته فهو مستعار ممن له يدان على سبيل التخييل فقوله نجواكم استعارة بالكناية وبين يدى تخييلية وفي بعض التفاسير إذا أردتم عرض رؤياكم عليه ليعبرها لكم فتصدقوا قبل ذلك بشيء ليكون ذلك قوة لكم ونفعا في أموركم والآية نزلت حين اكثر الناس عليه السؤال حتى اسأموه واملوه فأمرهم الله بتقديم الصدقة عند المناجاة فكف كثير من الناس اما الفقير فلعسرته واما الغنى فلشحه وفي هذا الأمر تعظيم الرسول ونفع الفقراء والزجر عن الافراط في السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف في انه للندب او للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالىء أشفقتم الآية وهو وان كان متصلا به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولا على ما هو شأن الناسخ واختلف فى مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقيل كان ساعة من النهار والظاهر انه عشرة ايام لما روى عن على رضى الله عنه انه قال ان في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلى ولا يعمل بها أحد بعدي كان لى دينار فصرفته وفي رواية فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا ناجيته عليه السلام تصدقت بدرهم يعنى كنت اقدم بين يدى نجو اى كل يوم درهما الى عشرة ايام واسأله خصلة من الخصال الحسنة كما قال الكلبي تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله عليه السلام وهو على القول بالوجوب محمول على انه لم يتفق للاغنياء مناجاة في مدته وهى عشرة ايام في بعض الروايات اما لعدم المحوج إليها او الإشفاق وعلى التقديرين لا يلزم مخالفة الأمر وان كان للاشفاق وفي بعض التفاسير ولا يظن ظان ان عدم عمل غيره من الصحابة رضى الله عنهم بهذا لعدم الاقدام على التصدق كلا كيف ومن المشهور صدقة أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما بألوف من الدراهم والدنانير مرة واحدة فهلا يقدم

من هذا شأنه على تصدق دينار او دينارين وكذا غيرهما فلعله لم يقع حال اقتضت النجوى حينئذ وهذا لا ينافى الجلوس في مجلسه المبارك والتكلم معه لمصلحة دينية او دنيوية بدون النجوى إذ المناجاة تكلم خاص وعدم الخاص لا يقتضى عدم العام كما لا يخفى وعن على رضى الله عنه قال لما نزلت الآية دعانى رسول الله فقال ما تقول في دينار قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة او شعيرة قال انك لزهيد اى رجل قليل المال لزهدك فيه فقدرت على حالك وما في بالك

ص: 405

من الشفقة على المؤمنين وقوله حبة او شعيرة اى مقدارها من ذهب وعن ابن عمر رضى الله عنه كان لعلى رضى الله عنه ثلاث لو كانت لى واحدة منهن كانت أحب الى من حمر النعم تزويجه فاطمة رضى الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى قوله حمر النعم بسكون ميم الحمر وهى من انفس اموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وانه ليس هناك أعظم منه قال بعضهم ان رسم النثارات للملوك والرؤساء مأخوذ من أدب الله تعالى في شأن رسوله حيث قال يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلِكَ التصدق خَيْرٌ لَكُمْ أيها المؤمنون من إمساكه وبالفارسية بهترست مر شما را زيرا كه طاعت بيفزايد وَأَطْهَرُ لانفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشئ من حب المال الذي هو من أعظم حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبالفارسية و پاكيزه تر براى آنكه كناهان محو كند وهذا يشعر بالندب لكن قوله تعالى فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ منبئ عن الوجوب لانه ترخيص لمن لم يجد فى المناجاة بلا تصدق والمعنى بالفارسية پس اگر نيابيد چيزى كه صدقه دهيد پس خداى تعالى آمرزنده است مر كسى را كه اين كناه كند مهربانست بنده را كه تكليف مالا يطاق ننمايد قال بعض اهل الاشارة ان الله تعالى أدب اهل الارادة بهذه الآية أن لا يناجوا شيوخهم في تفسير الإلهام واستفهام علم المكاشفة والاسرار إلا بعد بذل وجودهم لهم والايمان بهم بشرط المحبة والارادة فان الصحة بهذه الصفة خير لقلوبهم واطهر لنفوسهم فان ضعفوا عن بعض القيام بحقوقهم ومعهم الايمان والارادة وعلموا قصورهم في الحقيقة فان الله تعالى يتجاوز عن ذلك التقصير وهو رحيم بهم يبلغهم الى درجة الأكابر (قال المولى الجامى) چهـ سود اى شيخ هر ساعت فزون خرمن طاعت چونتوانى كه يك جواز وجود خويشتن كاهى أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الإشفاق الخوف من المكروه ومعنى الاستفهام التقرير كان بعضهم ترك المناجاة للاشفاق ولا مخالفة للامر وجمع صدقات لجمع المخاطبين قال في بعض التفاسير أفرد الصدقة اولا لكفاية شيء منها وجمع ثانيا نظرا الى كثرة التناجي والمناجى والمعنى أخفتم الفقر يا اهل الغنى من تقديم الصدقات فيكون المفعول محذوفا للاختصار وأن تقدموا في تقدير لان تقدموا او أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر قال الشاعر

هون عليك ولا تولع باشفاق

فانما مالنا للوارث الباقي

فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ما أمرتم به وشق عليكم ذلك وبالفارسية پس چون نكرديد اين كار را وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بأن رخص لكم في أن لا تفعلوه وأسقط عنكم تقديم الصدقة وذلك لانه لا وجه لحملها على قبول التوبة حقيقة إذ لم يقع منهم التقصير في حق هذا الحكم بأن وقعت المناجاة بلا تصدق وفيه اشعار بأن أشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم

ص: 406

من الانفعال ما قام مقام توبتهم وإذ على بابها يعنى الظرفية والمضي بمعنى انكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز الله عنكم بفضله فتدار كوه بما تؤمرون به بعد هذا وقيل بمعنى إذا للمستقيل كما في قوله إذا لا غلال في أعناقهم او بمعنى ان الشرطية وهو قريب مما قبله الا ان ان يستعمل فيما يحتمل وقوعه واللاوقوعه فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ مسبب عن قوله فاذ لم تفعلوا اى فاذ فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات فتدار كوه بالمواظبة على اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في سائر الأوامر فان القيام بها كالجابر لما وقع في ذلك من التفريط وهو تعميم بعد التخصيص لتتميم النفع وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ عالم بالذي تعملون من الأعمال الظاهرة والباطنة لا يخفى عليه خافية فيجازيكم عليه فاعملوا ما أمركم به ابتغاء لمرضاته لالرياء وسمعة وتضرعوا اليه خوفا من عقوباته خصوصا بالجماعة يوم الجمعة ومن الادعية النبوية اللهم طهر قلبى من النفاق وعملى من الرياء ولسانى من الكذب وعينى من الخيانة انك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وفي تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالأمر بالاطاعة العامة اشارة الى علو شأنهما وانافة قدرهما فان الصلاة رئيس الأعمال البدنية جامعة لجميع انواع العبادات من القيام والركوع والسجود والقعود ومن التعوذ والبسملة والقراءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي عليه السلام ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة ومن ذلك سميت صلاة وهى الدعاء لغة فهى عبادة من عبد الله تالى بها فهو محفوظ بعبادة العابدين من اهل السموات والأرضين ومن تركها فهو محروم منها فطوبى لأهل الصلاة وويل لتاركها وان الزكاة هى أم الأعمال المالية بها يطهر القلب من دنس البخل والمال من خبث الحرمة فعلى هذا هى بمعنى الطهارة وبها ينمو المال في الدنيا بنفسه لانه بمحق الله الربا ويربى الصدقات وفي الآخرة بأجره لانه تعالى يضاعف لمن يشاء وفي الحديث (من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) فعلى هذا هى من الزكاء بمعنى النماء اى الزيادة وفي البستان

بدنيا توانى كه عقبى خرى

بخر جان من ور نه حسرت خورى

زر ونعمت آيد كسى را بكار

كه ديوار عقبى كند زر نكار

أَلَمْ تَرَ تعجيب من حال المنافقين الذين يتخذون اليهود اولياء ويناصحونهم وينقلون إليهم اسرار المؤمنين والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يسمع ويعقل وتعدية الرؤية بالى لكونها بمعنى النظر اى ألم تنظر يعنى آيا نمى نكرى إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا من التولي بمعنى الموالاة لا بمعنى الاعراض اى والوا يعنى دوست كرفتند قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وهم اليهود كما انبأ عنه قوله تعالى من لعنه الله وغضب عليه والغضب حركة للنفس مبدأها ارادة الانتقام وهو بالنسبة اليه تعالى نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الأخذ الأليم والبطش الشديد او هتك الاسرار والتعذيب بالنار او تغيير النعمة ما هُمْ اى الذين تولوا مِنْكُمْ فى الحقيقة وَلا مِنْهُمْ اى من القوم المغضوب عليهم لانهم منافقون

ص: 407

مذبذبون بين ذلك فهم وان كانوا كفارا في الواقع لكنهم ليسوا من اليهود حالا لعدم اعتقادهم بما اعتقدوا وعدم وفائهم لهم ومآلا لان المنافقين في الدرك الأسفل من النار والجملة مستأنفة وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والحلف أصله اليمين التي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبريه عن كل يمين اى يقولون والله انا لمسلمون فالكذب المحلوف عليه هو ادعاء الإسلام وهو عطف على تولوا وادخل في حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر ما يقتضيه وَهُمْ يَعْلَمُونَ ان المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وهو الحلف على فعل او ترك ماض كاذبا عمدا سمى بالغموس لانه يغمس صاحبه في الإثم ثم في النار ولم يجعل حلفهم غموسا لان الغموس حلف على الماضي وحلفهم هذا على الحال والجملة حال من فاعل يحلفون مقيدة لكمال شناعة ما فعلوا فان الحلف على ما يعلم انه كذب في غاية القبح وفي هذه التقييد دلالة على ان الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته للواقع ومالا يعلمه فيكون حجة على النظام والجاحظ (وروى) انه عليه السلام كان في حجرة من حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق بتقديم النون على الباء الموحدة كجعفر وكان ازرق فقال له عليه السلام على م تشتمنى أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال عليه السلام فعلت فانطلق بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت فالكذب المحلوف عليه على هذه الرواية هو عدم شتمهم أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ بسبب ذلك عَذاباً شَدِيداً در دنيا بخوارى ورسوايى ودر آخرت بآتش دوزخ والمراد نوع من العذاب عظيم فالنوعية مستفادة من تنكير عذابا والعظيم من توصيفه بالشدة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى تمرنوا عليه وأصروا وتمرنهم اى اعتيادهم واستمرارهم على مثل ما عملوه فى الحال من العمل السوء مستفاد من كان الدالة على الزمان الماضي اى العمل السيئ دأبهم اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ الفاجرة التي يحلفون بها عند الحاجة واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده جُنَّةً وهى الترس الذي يجن صاحبه اى يستره والمعنى وقاية وسترة يسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم ونهب أموالهم يعنى پناهى كه خون ومال ايشان در أمان ماند فالاتخاذ عبارة عن اعدادهم لايمانهم الكاذبة وتهيئتهم لها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها ايضا كما تعرب عنه الفاء في قوله فَصَدُّوا اى منعوا الناس وصرفوهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن دينه في خلال أمنهم وسلامتهم وتثبيط من لقوا عن الدخول في الإسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم فَلَهُمْ بسبب كفرهم وصدهم عَذابٌ مُهِينٌ مخزى بين اهل المحشر وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الاول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه تعالى شَيْئاً قليلا من الإغناء يقال أغنى عنه كذا إذا كفاه يعنى انهم يحلفون

ص: 408

كاذبين للوقاية المذكورة ولا تنفعهم إذا دخلوا النار أموالهم ولا أولادهم التي صانوها وافتخروا بها في الدنيا او يقولون ان كان ما يقول محمد حقا لندفعن العذاب عن أنفسنا بأموالنا وأولادنا فأكذبهم الله بهذه الآية فان يوم القيامة يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا يكفى أحد أحدا في شأن من الشؤون أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة قال في برهان القرآن بغير واو موافقة للجمل التي قبلها ولقوله أولئك حزب الله أَصْحابُ النَّارِ اى ملازموها ومقارنوها او مالكوها لكونها حاصلهم وكسبهم الذي اكتسبوه فى الدنيا بالسيئة المردية المؤدية الى التعذيب هُمْ فِيها خالِدُونَ لا يخرجون منها ابدا وضميرهم لتقوية الاسناد ورعاية الفاصلة لا للحصر لخلود غير المنافقين فيها من الكفار يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ياد كن روزى را كه بر انگيزد خداى تعالى همه منافقان از قبور وزنده كند پس از مرك وجميعا حال من ضمير المفعول بمعنى مجموعين فَيَحْلِفُونَ فى ذلك اليوم وهو يوم القيامة لَهُ اى لله تعالى على انهم مسلمون مخلصون كما قالوا والله ربنا ما كنا مشركين كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ فى الدنيا وَيَحْسَبُونَ فى الآخرة مصدره الحسبان وهو أن يحكم لاحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الإصبع ويكون بعرض أن يعترية فيه شك ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما الآخر أَنَّهُمْ بتلك الأيمان الكاذبة عَلى شَيْءٍ من جلب منفعة او دفع مضرةكما كانوا عليه في الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد دنيوية أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ المبالغون في الكذب الى غاية لا مطمح وراءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدى علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه كما تروجه عند الغافلين وألا حرف تنبيه والمراد التنبيه على توغلهم فى النفاق وتعودهم به بحيث لا ينفكون عنه موتا ولا حياة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ من حذت الإبل إذا استوليت عليها وجمعتها وسقتها سوقا عنيفا اى استولى عليهم الشيطان وملكهم لطاعتهم له في كل ما يريد منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه وهو مما جاء على الأصل كاستصوب واستنوق اى على خلاف قياس فان القياس أن يقال استحاذ فهو فصيح استعمالا وشاذ قياسا (وحكى) ان عمر رضى الله عنه قرأ استحاذ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ المصدر مضاف الى المفعول اى كان سببا بالاستيلاء لنسيانه تعالى فلم يذكره بقلوبهم ولا بألسنتهم أُولئِكَ المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح حِزْبُ الشَّيْطانِ اى جنوده واتباعه الساعون فيما أمرهم به والحزب الفريق الذي يجمعه مذهب واحد أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم قال بعض المشايخ بوأه الله الدرجات الشوامخ علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل فلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان وسمعه عن الحق

ص: 409

بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الاشارة إذا أراد الشيطان أن ينبت في سبخة ارض النفس الامارة حنظل الشهوة يثب إليها ويغريها على إنفاذ مرادها فتكون النفس مركبه فيهجم الى بلد القلب ويخربه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن إبليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بارادة الله تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس امر الدين بأمر الدنيا ويغويه من طريق العلم فاذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن إذ لا يجتمع الحق مع الباطل

نظر دوست نادر كند سوى تو

چودر روى دشمن بود روى تو

ندانى كه كمتر نهد دوست پاى

چوبيند كه دشمن بود در سراى

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادونهما ويخالفون أمرهما ويتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع اخر في ارض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حدا لا يتعداه خصمه ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا كثرة أعوانهم واتباعهم فيظن من رأهم انهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى نفيا لهذا الغرور الظاهر أُولئِكَ الأباعد والأسافل بما فعلوا من المحادة فِي الْأَذَلِّينَ اى في جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين لا ترى أحدا أذل منهم لان ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبي والقتل في الدنيا وعذاب الناري في الاخرة سوآء كانوا فارس والروم او أعظم منهم سوقة كانوا او ملوكا كفرة كانوا او فسقة كَتَبَ اللَّهُ استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين اى قضى وأثبت في اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد الغلبة بالحجة والسيف او بأحدهما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لانهم الفائزون بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة واما الغلبة بالسيف فهى ليست بثابتة للجميع لان منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة وإذا انضم الى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان أقوى

محالست چون دوست دارد ترا

كه در دست دشمن كذارد ترا

وعن مقاتل انه قال المؤمنون لئن فتح الله لنامكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله انهم لا كثر عدد او أشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزل قوله تعالى كتب الله الآية قال البقلى رحمه الله كتب الله على نفسه في الأزل ان ينصر أولياءه على أعدائه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدو راياتهم التي هى سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الأعداء مغلوبين بتأييد الله ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله اهل الحق لهم الغلبة ابدا ورايات الحق تسبق رايات غيره جميعا لان الله تعالى جعلهم اعلاما في خلقه وأوتادا في ارضه ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده

ص: 410

فمن قصدهم بسوء كبه الله لوجهه واذله في ظاهر عزه إِنَّ اللَّهَ تعليل للقهر والغلبة أكده لان أفعالهم مع أوليائه افعال من يظن ضعفه قَوِيٌّ على نصر أنبيائه قال بعضهم القوى هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجزى نقض ولا إبرام والقوة في الأصل عبارة عن شدة النبية وصلابتها المضادة للضعف ويراد بها القدرة بالنسبة الى الله تعالى عَزِيزٌ لا يغلب عليه في مراده

حكمى كه آن ز باركه كبريا بود

كس را در ان مجال تصرف كجا بود

فان قلت فاذا كان الله قويا عزيزا غير عاجز فما وجه انهزام المسلمين في بعض الأحيان وقد وعد النصرة قلت ان النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بالكافر لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين لانه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الضروري بأن الايمان حق وما سواه باطل ولو كان.

كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون تشدد المحنة عليه في الدنيا تمحيصا لذنوبه وتطهيرا لقلبه واما تشديد المحنة على الكافر فهو من قبيل الغضب ألا ترى ان الطاعون مثلا رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين وما من سابق عدل الا له لاحق فضل ولا سابق فضل الا له لاحق عدل غير أن أثرى العدل والفضل قد يتعلقان بالبواطن خاصة وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخر بالباطن وقد يكون اختلاف تعلقهما في حالة واحدة وقد يكون على البدل وعلى قدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق وقد أجرى الله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ثم عقب ذلك بايراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة الالهية تفويض مما لك الأرض للمستضعفين فيها كالنجاشى حيث بيع في صغره وذلك كثير موجود باستقراء فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد إعلاء شأنهم أن يجرى على ظاهرهم من آثار العدل ما فيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب الى غير ذلك من فوائد التربية ومن تتبع احوال الأكابر من آدم عليه السلام وهلم جرا رأى من احسن بلاء الله ما يشهد لما قرر بالصحة والمبتلى به يصبر على ذلك بل يتلذذ كما هو شأن الكبار

هر چهـ از دست تو آيد خوش بود

كر همه درياى پر آتش بود

وفي الآية اشارة الى أعداء النفوس الكافرة فانها تحمل القلوب والأرواح على مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة وتمحو الذكر من ألواحها بغلبة محبة الدنيا وشهواتها لكن الله تعالى ينصرها ويؤيدها حتى تغلب على النفوس الكافرة بسطوات الذكر فيحصل لها غاية الذلة كأهل الذمة في بلدة المسلمين وذلك لان الله تعالى كتب في صحائف الاستعدادات غلبتها على النفوس وذلك من باب الفضل والكرم لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الخطاب للنبى عليه السلام او لكل أحد وتجدا ما متعد الى اثنين فقوله تعالى

ص: 411

يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مفعوله الثاني او الى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهى حالة تكون في القلب اولا ويظهر آثارها في القالب ثانيا والمراد بمن حاد الله ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفي الوجدان نفى الموادة على معنى انه لا ينبغى أن يتحقق ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وان جد في طلبه كل أحد وجعل مالا ينبغى وجوده غير موجود لشركته في فقد الخير ويجوز أن يقال لا تجد قوما كاملى الايمان على ما يدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال في كشف الاسرار أخبر أن الايمان يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من في حكمهم وعن سهل بن عبد الله التستري قدس سره من صحح إيمانه وأخلص توحيده فانه لا يأنس الى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب الى مبتدع لطلب عز في الدنيا او عرض منها اذله الله بتلك العزة وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك الى مبتدع نزع الله نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب واما المعاملة للمبايعة العادية او للمجاورة او للمرافقة بحيث لا تضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة في مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لا يجتمع الايمان مع ودادة أعداء الله فان قيل اجتمعت الامة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب ان الموادة المحرمة هى ارادة منافعه دينا ودنيا مع كونه كافرا وما سوى ذلك جائز (روى) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقول اللهم لا تجعل لفاجر عندى نعمة فانى وجدت فيما أوحى الى لا تجد قوما إلخ فعلم منه ان الفساق واهل الظلم داخلون فيمن حاد الله ورسوله اى خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائلون

بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته يعنى هم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله وسموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه وقيل لا ثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء لان المناسب حينئذ القدري بضم القاف وَلَوْ كانُوا اى من حاد الله ورسوله وبالفارسية واگر چهـ باشند از مخالفان خدا ورسول والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فيما قبله باعتبار لفظها آباءَهُمْ اى آباء الموادين أَوْ أَبْناءَهُمْ قدم الأقدم حرمة ثم الاحكم محبة أَوْ إِخْوانَهُمْ نسبا أَوْ عَشِيرَتَهُمْ العشيرة اهل الرجل الذين يتكثر بهم اى يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك ان العشرة هو العدد الكامل فصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير المعاشر قريبا او معارفا وفي القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه الأدنون او قبيلته انتهى يعنى ان المؤمنين المتصلبين في الدين لا يوالون هؤلاء الأقرباء بعد ان كانوا محادين الله ورسوله فكيف بغيرهم فان قضية الايمان بالله ان يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى ان أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر وان عبد الله بن عبد الله بن ابى بن سلول جلس الى جنب رسول الله عليه السلام

ص: 412

فشرب رسول الله الماء فقال عبد الله رضى الله عنه يا رسول الله ابق فضلة من شرابك قال فما تصنع بها فقال أسقيها أبى لعل الله يطهر قلبه ففعل فآتاها أباه فقال ما هذا قال فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال له أبوه هلا جئتنى ببول أمك فرجع الى النبي عليه السلام فقال يا رسول الله ائذن لى في قتل أبى فقال عليه السلام بل ترفق به وتحسن اليه وان أبا قحافة قبل ان اسلم سب النبي عليه السلام فصكه أبو بكر رضى الله عنه صكة اى ضربه ضربة سقط منها فقال عليه السلام او فعلته قال نعم قال فلا تعد اليه قال والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته قال في التكملة في هذه الرواية نظر لان هذه السورة مدينة أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى يقول الفقير لعله على قول من قال ان العشر الاول من هذه السورة مدنى والباقي مكى وان أبا بكر رضى الله عنه دعا ابنه عبد الرحمن الى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال يا رسول الله دعنى أكن في الرعلة الاولى وهى القطعة من الفرسان فقال عليه السلام متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم انك بمنزلة سمعى وبصرى يقول الفقير يعلم منه فضل أبى بكر على على رضى الله عنهما فان هذا فوق قوله عليه السلام لعلى أنت منى بمنزلة هرون من موسى فتفطن لذلك وان مصعبا رضى الله عنه قتل أخاه عبيد بن عمير بأحد وان عمر رضى الله عنه قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وان عليا وحمزة عبيد بن الحارث رضى الله عنهم قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وكانوا من عشيرتهم وقرابتهم وكل ذلك من باب الغيرة والصلابة كما قال عليه السلام الغيرة من الايمان والمنية من النفاق ومن لا غيرة له لا دين له (وروى) عن الثوري انه قال كانوا يرون انها نزلت فيمن يصحب السلطان ففيه زجر عن مصاحبتهم وعن عبد العزيز بن أبى دؤاد انه لقيه المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها وفي الحديث (من مشى خلف ظالم سبع خطوات فقد أجرم) وقد قال الله تعالى انا من المجرمين منتقمون أُولئِكَ اشارة الى الذين لا يوادونهم وان كانوا أقرب الناس إليهم وأمسهم رحما كَتَبَ الله سبحانه فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ اى أثبته فيها وهو الايمان الوهبي الذي وهبه الله لهم قبل خلق الأصلاب والأرحام إذ لا يزال بحال ابدا كالايمان المستعار وفيه دلالة على خروج العمل من مفهوم الايمان فان الجزء الثابت في القلب ثابت فيه قطعا ولا شيء من اعمال الجوارح يثبت فيه وهو حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الايمان والكفر يستقل بعملهما العبد وَأَيَّدَهُمْ اى قواهم وأصله قوى يدهم بِرُوحٍ مِنْهُ اى من عند الله فمن لابتداء الغاية وهو نور القرآن او النصر على العدو او نور القلب وهو بإدراك حقيقة الحال والرغبة في الارتقاء الى المدارج الرفيعة

الروحانية والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية وكل ذلك سمى روحا لكونه سببا للحياة قال سهل رحمه الله حياة الروح بالتأييد وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور وَيُدْخِلُهُمْ فى الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت أشجارها او قصورها الْأَنْهارُ الاربعة يعنى جويها از آب وشير وخمر وعسل خالِدِينَ فِيها

ص: 413

ابدا لآباد لا يقرب منهم زوال ولا موت ولا مرض ولا فقر كما قال عليه السلام ينادى مناد آن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وآن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وآن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وآن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا رضي الله عنهم خشنود شد خداى از ايشان بطاعتي كه در دنيا كردند وفي الإرشاد استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم من آثار رحمته العاجلة والآجلة والرضى ترك السخط وَرَضُوا عَنْهُ وخشنود شدند ايشان از خداى بكرامتي كه وعده كرده ايشانرا در عقبى وفي الإرشاد بيان لا بتهاجهم بما أوتوه عاجلا وآجلا أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عز وجل اى جنده وأنصار دينه قال سهل رضى الله عنه الحزب الشيعة وهم الابدال وارفع منهم الصديقون أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الناجون من المكروه والفائزون بالمحبوب دون غيرهم المقابلين لهم من حزب الشيطان المخصوصين بالخذلان والخسران وهو بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة النشأتين وخير الدارين وقال بعض أهل الاشارة حزب الله أهل معرفته ومحبته وأهل توحيده هم الفائزون بنصرة الله من مهالك القهريات ومصارع الامتحانات وجدوا الله بالله إذا ظهر واحد منهم ينهزم المبطلون ويتفرق المغالطون لان الله تعالى أسبل على وجوهم نور هيبته وأعطى لهم اعلام عظمته يفر منهم الأسود ويخضع لهم الشامخات كلأهم الله بحسن رعايته ونورهم بسنا قدرته ورفع لهم اذكارهم في العالمين وعظم أقدارهم وكتم اسرادهم وامام ثعلبى از جرجانى كه او از مشايخ خود شنيده كه داود عليه السلام از حق تعالى پرسيد كه حزب تو كيست خطاب آمد از حضرت عزت كه الغاضة أبصارهم والسليمة اكفهم والنقية قلوبهم أولئك حزبى وحول عرشى هر كه چشم او از محارم فرو بسته بود ودست او از آزار خلق وأخذ حرام كوتاه باشد ودل خود از ما سوى پاكيزه كرده از جمله حزب حضرت الله است ودرين باب كفته اند

از هر چهـ نارواست برو ديدها ببند

وزهر چهـ ناپسند بود دست بازدار

لوح دل از غبار تعلق بشوى پاك

تا با شدت بحلقه اهل قلوب بار

وفي الآية اشارة الى ابوة الروح بالنسبة الى السر والخفي والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب والى نبوة الكل الى الروح والى اخوة السر مع النفس واخوة القلب مع الهوى وعشيرة صفاتهما مع الخفي لكون الكل من واد واحد واصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطانية بالتوجه الكلى الروحي والسرى والقلبي والخلفى الى الحضرة الالهية فهم الذين كتب الله في ألواح قلوبهم وصفاح أسرارهم الايمان الحقيقي الشهودى العيانى وأيدهم بروح الشهود الكلى الجمعى الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الاسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار مياه التجليات الذاتية

ص: 414