الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحو هذا قول الآخر:
مسيخ مليخ كلحم الحوار
…
فلا أنت حلو ولا أنت مر!
وسيأتي هذا المعنى بعد إن شاء الله تعالى.
أثقل من الفيل
.
الثقل مر؛ والفيل بالكسر الحيوان المعروف وثقله معروف. ومما قال بعض الثقلاء يخاطب ثقيلا:
أنت يا هذا ثقيل
…
وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسان
…
وفي المخبر فيل
ولو تعرضت لظل
…
فسد الظل الظليل!
وقال الأخر:
فما الفيل تحمله ميتا
…
بأثقل من بعض جلاسنا!
ويحكى إنَّ الأعمش كان ينشد هذا البيت عندما يستثقل جليسا، وزعموا إنّه قال: من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثقلاء! وإنّه نقش على خاتمه: يا مقيت، أبرمت فقم!، فإذا أستثقل جليسا ناوله إياه؛ وإنّه قال له رجل يوما: مم عمشت عيناك؟ فقال: من النظر إلى الثقلاء!.
وفي حق الثقلاء قال: جالينوس: لكل شيء حمى، وحمى الروح النظر إلى الثقيل. وقيل له: لم صار الرجل ثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ فقال: لأن ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين القلب عليه بالجوارح. وقال زياد بن عبد الله: قيل للشافعي: هل يمرض الروح؟ قال: نعم، من ظل الثقلاء. قال: فمررت به يوما وهو بين ثقلين، فقلت له: كيف الروح؟ فقال: في النزع! كان بعضهم إذا رأى ثقيلاً يقول: قد جاءكم جبل. فإذا جلس قال: قد وقع عليكم! قيل لبعض الظرفاء، وكان له ثلاثة بنين ثقلاء: أي بنيك أثقل؟ فقال: ليس بعد الكبير أثقل من الصغير إلاّ الوسط. وكان بشار يأتيه ثقيل يقال له أبو سفيان. فسئل عنه بشار
يوما فقال: لا ادري لم لا تحمل الأمانة أرض حملته، ولا كيف احتاجت إلى الجبال بعدما أقلته! كأن قربه أيام المصائب وليالي النوائب؛ وكأن عشرته فقد الحبائب، وسوء العواقب. ثم أنشد:
ربما يثقل الجليس وإنَّ كان
…
خفيفا في كفة الميزان
ولقد قلت حين وتد في البيت
…
ثقيل أربى على ثهلان
كيف لا تحمل الأمانة ارضٌ
…
حملت فوقها أبا سفيان؟
وكان لبشار أيضاً صديق يقال له هلال، فقال لبشار يوما: يا أبا معاذ! إنَّ الله لم يذهب بصر أحد إلاّ عوضه منه شيئاً، فما عوضك؟ قال: الطويل العريض. قال: وما هو؟ قال: إلاّ أراك ولا أرى الثقلاء أمثالك! ثم قال: يا هلال، أتطيعني في نصيحة أخصك بها؟ قال: نعم! قال: انك كنت تسرق الحمير زمانا، ثم تبت وصرت رافضيا؛ فعد إلى سرقة الحمير، فهي والله خير لك من الرفض! وفي هلال هـ يقول بشار:
وكيف يحق لي بصري وسمعي
…
وحولي عسكران من الثقال
قعودا عند دسكرتي وداري
…
كأن لهم علي فضول مال؟
إذا ما شئت صبحني هلال
…
وأي الناس أثقل من هلال؟
واستأذن بعض الثقلاء على أبن المبارك، فلم يأذن له. فكتب إليه ذلك الثقيل:
هل لذي حاجة إليك سبيل؟
…
لا طويل قعوده بل قليل!
فأجابه أبن مبارك:
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل!
…
وقليل من الثقيل طويل!
ووصف بعض الأذكياء ثقيلاً فقال: هو ثقيل السكون بغيض الحركة، كثير الشؤم قليل البركة، كأنه ثقل الدين، ووجع العين. وما أحقه بقول القائل:
ثقيل يطالعنا من أمم
…
إذا سره رغم انفي ألم
لنظرته وخزة في القلوب
…
كوخز المحاجم في الملتزم
أقول له إذ أتى: لا أتى
…
ولا حملته إلينا قدم
عدمت خيالك لا من عمى
…
وسمع كلامك لا من صمم!
ووصف أخر ثقيلاً فقال: هو بين الجفن والعين قذاة، وبين القدم والنعل حصاة. ما أشبه طلعته إلاّ بغداة الفراق أو كتاب طلاق أو طلعة الرقيب أو موت الحبيب!
مشتمل بالبغض لا تنثني
…
إليه طوعا لحظة الرامق
يظل في مجلسنا مبرما
…
أثقل من واشٍ علىالعاشق
وذكر عند العباس بن الحسن العلوي ثقيل يقال له أبو عمار، فقال: ما الحمام على الأصرار، وحول الدين على الأقدار، وشدة السقم في الأسفار، بأثقل على النفس من طلعة أبي عمار. وانشد:
تحمل منه الأرض أضعاف ما
…
يحمله الحوت من الأرض
وقال الأخر:
إلمام كل ثقيل قد أضر بنا
…
نروم نقصهم والشيء يزداد
ومن يخف علينا لا يلم بنا
…
وللثقيل مع الساعات تزداد
وقال الأخر:
وثقيل أشد من ثقل الموت
…
ومن شدة العذاب الأليم
ولو عصت ربها الجحيم لمّا كان
…
سواه عقوبة للجحيم
وقال جحظة البرمكي في صفة ثقيل:
يا لفظة النعي بموت الخليل
…
يا وقفة التوديع بين الحمول
يا شربة اليارج يا أجرة المنزل
…
يا وجه العدو الثقيل
يا طلعة النعش ويا منزلا
…
أقفر من بعد الأنيس الحلول
يا نهضة المحبوب من غضبةٍ
…
يا نعمة قد آذنت بالرحيل
ويا كتابا جاء من مخلف
…
للوعد مملوء بعذر طويل
يا بكرة الثكلى إلى حفرة
…
مستودع فيها عزيز الثكول
يا وثبة الحافظ مستعجلا
…
بصرفه القينات عند الأصيل
ويا طبيب قد أتى باكراً
…
على أخي سقم بماء البقول
يا شوكة في قدم رخصةٍ
…
ليس إلى إخراجها من سبيل
يا عشرة المجذوم في رحله
…
ويا صعود السعر عند المعيل
يا ردة الحاجب عن قسوة
…
يا نكسة بعد برء العليل!
وقال آخر في ثقيل:
ليس من الناس ولكنه
…
يحسبه الناس من الناس
أثقل في انفس أصحابه
…
من جبل رأسي على رأسِ
وقال أخر:
يا من تبرمت الدنيا بطلعته
…
كما تبرمت الأجفان بالسهدِ
إني لأذكره حينا فأحسبه
…
من ثقله جالسا مني على كبدي
وقال الآخر:
نظر العين نحوه
…
علم الله يمرض
فإذا ما أردتم
…
أن تروه فغمضوا
لا تصبكم ملمة
…
والملمات تعرض
وقال الآخر:
شخصك من مقلة النديم
…
أوحش من نحسة النجوم
يا رجلا وجهه علينا
…
أثقل من منة اللئيم
إني لأرجو بما أقاسي
…
منك خلاصي من الجحيم
والشعر في هذا المعنى كثير. وقد قال المفسرون نزلت آية في الثقلاء: فإذا طعمتم فانتشروا. أد بهم الله بذلك. وكان حماد بن سلمة إذا رأى ثقيلا قال: ربنا اكشف عنا العذاب أنا مؤمنون. وذكر الأعمش ثقيلا كان يجلس إلى جانبه فقال: والله إني لأبغض شقي الذي يليه مني. وقال سهل بن هارون: من ثقل عليك بنفسه وأغمك بحديثه أو سؤاله فأعره عينا عمياء أذنا صماء. وأنشد أيضاً في ذلك:
هذا فتى أثقل من أحد
…
يصبح من يلقاه في جهد
علامة البغض على وجهه
…
بينة مذ كان في المهد