الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجناؤها أبناؤها
.
الأجناء جمع جان. يقال: جنى فلان على فلان، يجني عليه فهو جان وهو جناء وأجناء. وهذا الثاني نادر إذ لا يجمع فاعل على أفعال والبناء جمع بان وهو نادر والمعنى أنَّ الذي جنوا على هذه الدار مثلا بالهدم هم الذين كانوا بنوها. ومضرب المثل من هذا واضح. قال الجوهري: وأنا أضن أنَّ أصل المثل: جناتها بناتها لأن فاعلا لا يجمع على أفعال؛ أما الأشهاد والأصحاب فإنما هو جمع شهد وصحب إلاّ أن يكون هذا من النوادر لأنّه يجيء في الأمثال ما لا يجيء في غيرها. انتهى. وهو ظاهر.
يجني من الشوك الثمر
.
تقدم تفسير هذه الألفاظ في الباب الأول. والمعنى أنك إذا ظلمت فأحذر الانتصار والانتقام!
تجمع الحرة ولا تأكل بثدييها
.
الجوع ضد الشبع. والحرة ضد الأمة والأكل معروف؛ وكذا الثدي وجمعه ثديّ. قال الشاعر:
أبت الروادف والثدي لقمصها
…
مس البطون وأن تمس ظهورها
ويحكى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. ومعناه أنَّ الحرة قد يصيبها ألم الجوع وشدة الاضطراب ولا تؤجر نفسها على الإرضاع لتأكل أجر رضاعتها، فتلزم نفسها الاصطبار صونا لنفسها عن الهوان ة الابتذال. فيضرب في الحر يصون نفسه عن قبيح المكاسب ولا تمنعه شدة فقره وحاجته أن يلزم صيانته ويحفظ مروءته.
وأصل المثل للحارث الأزدي أو الأسدي وكان خطب إلى علقمة بن حفص الطائي بنته
ريا بنت علقمة وكان الحارث شيخا. فقال علقمة لامرأته: اختبري ما عند ابنتك! فقالت لابنتها: أي بنية أي الرجال أحب إليك: الكهل الجحجاح الواصل المياح أم الفتى الوضاح الذهول الطماح؟ قالت: بل الفتى. قالت: إنَّ الفتى يغريك وإنَّ الشيخ يمريك. قالت: يا أمتاه إنَّ الفتاة يحب الفتى كحب الرعاء أنق الكلا. قالت: يا بنية إنَّ الفتى شديد الحجاب كثير العتاب. قالت: يا أمتاه أخاف من الشيخ أن يدنس ثيابي ويبلي شبابي ويشمت بي أترابي! فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها فتزوجها الحارث وأرتحل إلى أهله. فبينما هو ذات يوم بفنائه وهي إلى جنبه إذ أقبل شاب من بني أسد. فتنفست الصعداء ثم بكت. فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: مالي وللشيوخ الناهضين كالفروخ من كل حقول فنيخ؟ فقال: ثكلتك أمك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. ثم قال: وأبيك! لرب غارة شهدتها وسبيئة أرفدتها وخمرة شربتها فلحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك! وقال أبو عبيد في هذا المثل إنّه من أمثال أكثم بن صيفي. قال: وهو مثل قديم لكن العامة ابتذلته وحولته فقالت: ولا تأكل ثدييها يعني بإسقاط حرف الجر. قال بعض العلماء: ليس هذا بشيء إنّما بثدييها ومعناه عندهم الرضاع. يقال لا تكون ظئر القوم على جعل تأخذه منهم. انتهى.
وقال بعض الأمة: إنَّ العرب كانوا يعدون أخذ الأجر على الرضاع سبة ولذلك قيل: تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها. وقال العلماء: بثدييها. والقولان صحيحان لأنها إذا أكلت ثمن لبنها فكأنها قد أكلت ثدييها. قال الراجز:
إنَّ لنا أحمرة عجافاً
…
يأكلن كل ليلةٍ أكافا
أي: نبيع كل ليلة أكافاً من أكفتها ونعلفها ثمنه. قال: وكذلك قول الآخر في وصف إبل: نطعمها إذا شتت أولادها أي أثمان أولادها. انتهى.
وقال السهيلي في الروض: والتماس الأجر على الرضاع لم يكن محمودا عند أكثر نساء العرب حتى جرى المثل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. وكان عند بعضهم لا بأس به فكانت حليمة وسيطة في بني سعد كريمة من كرائم قومها بدليل اختارها الله إياها لرضاع نبيه صلى الله عليه وسلم كما اختار أشرف البطون والأصلاب. والرضاع كالنسب لأنّه يغير الطباع.