الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: النهى عن المفاضلة بين الأنبياء سدا لذريعة الانتقاص من أحدهم0
دل القرآن الكريم على أن الله فضل بعض النبيين على بعض كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 1، ومع هذا وردت أحاديث صحيحة تنهى عن تفضيل بعض النبيين على بعض كما جاء في حديث أبى هريرة – رضي الله عنه – قال:"بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: "لم لطمت وجهه؟ " فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤى في وجهه، ثم قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدرى أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي"
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول: "إني خير من يونس بن متى0 ونسبه إلى أبيه" 20
وهذه الأحاديث لا تعارض آية التفضيل المذكورة آنفا، وينبغي أن يحمل النهى الوارد فيها عن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية، سدا لذريعة الانتقاص من المفضول0
قال النووي: قال العلماء: هذه الأحاديث تحتمل وجهين
أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس،
1 البقرة / آية: 253.
2 أخرجهما البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب 35 جـ6 / 450، 451، ومسلم في كتاب الفضائل باب 42 جـ4 / 1843، 1844.
فلما علم ذلك قال: "أنا سيد ولد آدم.." 10
والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم 20
وقد ذكر القرطبي أقوالاً كثيرة لأهل العلم في هذه المسألة منها:"إنما نهى عن الخوض في ذلك، لأن الخوض في ذلك ذريعة إلى الجدال، وذلك يؤدى إلى أن يذكر منهم ما لا ينبغي أن يذكر ويقل احترامهم عند المماراة"30
وقال ابن حجر: قال العلماء:"إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا0 إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق، وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا إشكال، وقيل: خص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له، فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة"40
وقال شارح الطحاوية بعد أن ذكر حديث أبى هريرة السابق:"فكيف يجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" 5، فالجواب: أن هذا كان له سبب
…
،لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذموما، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذموما، فإن الله حرم الفخر، وقد قال تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} 6، وقال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} 7، فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر، أو على الانتقاص بالمفضول"80
1 أخرجه أبو داود في كتاب السنة باب 14جـ5 /254 وابن ماجة في كتاب الزهد باب 37 جـ2 /1440.
2 شرح النووي على مسلم جـ15 / 132.
3 الجامع لأحكام القرآن جـ2 / 1070.
4 فتح الباري جـ6 / 452.
5 سبق تخريجه ص 53.
6 الإسراء / آية: 55.
7 البقرة / آية: 253.
8 شرح العقيدة الطحاوية / 170، 171.
وقد جاء في أبحاث اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما يلي:"..... ومن هذا القبيل تفضيل بعض الأنبياء على بعض، هو نفسه جائز، فقد فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، ولكنه يمنع حينما يجر إلى الفتنة والعصبية....، وقد تخاصم مسلم ويهودي في العهد النبوي، ولطم المسلم وجه اليهودي، لأنه أقسم بالذي اصطفى موسى على العالمين وأقسم المسلم بالذي اصطفى محمدا على العالمين
…
، فلما بلغت الخصومة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم غضب حتى عرف الغضب في وجهه، وقال:"لا تخيروني على موسى" 1، ثم أثنى عليه بما هو أهله، ونهاهم أن يفضلوا بين أنبياء الله سدا لذريعة الفتن، وحرصا على وقارهم –صلوات الله وسلامه عليهم-
…
، وإذا كانت الدول تشدد في سد الذرائع، وترى ذلك ركنا من أركان السياسة والأمن والنظام والمعاملات الدنيوية، فإنه في العقائد أخلق وفى مقام النبوة أوجب وأحق"20
1 أخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب 42 جـ4 / 1844.
2 حكم تمثيل الصحابة ص 41 لهيئة كبار العلماء0