الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: سد الذرائع المتعلقة بالإمامة والخروج على الحاكم
المبحث الأول: وجوب تنصيب إمام واحد والاجتماع عليه0
…
الفصل الخامس: سد الذرائع المتعلق بالإمامة والخروج على الحاكم0
المبحث الأول: وجوب تنصيب إمام واحد والاجتماع عليه0
من المعلوم أن الإمامة1 شرعت لحفظ الدين وسياسة الدنيا به ومن هنا دعا الإسلام إلى وجود إمام واحد تجتمع عليه القلوب، وتكون به الجماعة، وتعدد الأئمة مدعاة للتفرق والاختلاف، لما يمكن أن يقع بينهم من تناحر وشقاق، لذا كان من شريعة الإسلام الدعوة إلى إمام واحد سدَّا لذريعة التفرق والاختلاف، وها هي بعض الأدلة على ذلك من القرآن والسنة:
أولاً: أدلة القرآن الكريم0
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} 2 وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 30
في هاتين الآيتين الكريمتين يأمر الله جماعة المؤمنين بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والاجتماع على كلمته وعدم مخالفته، حتى لا يحدث نزاع بينهم فيقع ما حذرت منه الآيتان0
يقول الشيخ رشيد رضا في شرحه للآية الثانية:"أطيعوا الله في هذه الأوامر المرشدة إلى أسباب الفلاح في القتال وفى غيرها، وأطيعوا رسوله فيما يأمر به وينهى عنه من شؤون القتال وغيرها من حيث أنه المبين لكلام الله الذي أنزل إليه على ما يريده تعالى منه، والمنفذ له بالقول والعمل والحكم، ومنه ولاية
1 الإمامة رئاسةً عامة في الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر الموسوعة الفقهية جـ6/216
2 النساء /آية:59.
3 الأنفال / آية: 46.
القيادة العامة في القتال، فطاعة القائد العام هي جماع النظام الذي هو ركن من أركان الظفر
…
"10
وقال القاسمي في تفسيره بعد شرحه للآية:"تنبيه: قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا} أي: لا تختلفوا فيما أمركم به من الجهاد، بل ليتفق رأيكم، قال: ولقائل أن يقول: استثمر من هذا وجوب نصب أمير على الجيش ليدبر أمرهم ويقطع اختلافهم، فإنه بلزوم طاعته ينقطع الاختلاف وقد فعله صلى الله عليه وسلم في السرايا، وقال: "اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي" 20
ثانياً: أدلة السنة النبوية:
1-
عن أبى هريرة – رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدى، وستكون خلفاء فيكثرون"، قالوا فما تأمرنا0 قال:"فوا ببيعة الأول فالأول0 أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم" 30
2-
عن أبى سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" 40
قال النووي في شرح الحديث الأول:"ومعنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثانية باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها
…
، واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد: قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين، قال: وعندي أنه لا
1 تفسير المنار جـ10 / 24.
2 محاسن التأويل جـ8/ 3012، والحديث المذكور أخرجه البخاري في كتاب الأحكام باب 4جـ13/121
3 أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب 50 جـ6 / 495، ومسلم في كتاب الإمارة باب 10 جت3/ 1471.
4 أخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب 15 جـ3 / 1480.
يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال 0 قال: وهو خارج من القواطع وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصول وأراد به إمام الحرمين وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث0 والله أعلم"10
وقال ابن حجر:"فوا" فعل أمر من الوفاء، والمعنى: أنه إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة"20
وقال ابن تيمية:"إنه صلى الله عليه وسلم سنَّ الاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى وفى الجمعة والعيدين والاستسقاء وفى صلاة الخوف وغير ذلك مع كون إمامين في صلاة الخوف أقرب إلى حصول الصلاة الأصلية، لما في التفريق من خوف تفريق القلوب وتشتت الهمم، ثم إن محافظة الشارع على قاعدة الاعتصام بالجماعة وصلاح ذات البين وزجره عما قد يفضى إلى ضد ذلك في جميع التصرفات لا يكاد ينضبط، وكل ذلك يشرع لوسائل الألفة وهى من الأفعال، وزجر عن ذرائع الفرقة وهى من الأفعال أيضاً"30
وقال ابن القيم:"إن الشارع أمر بالاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى، وفى الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف، مع كون صلاة الخوف بإمامين أقرب إلى حصول صلاة الأمن، وذلك سدا لذريعة التفريق والاختلاف والتنازع، وطلبا لاجتماع القلوب وتألف الكلمة، وهذا من أعظم مقاصد الشرع، وقد سد الذريعة إلى ما يناقضه بكل طريق، حتى في تسوية الصف في الصلاة، لئلا تختلف القلوب، وشواهد ذلك أكثر من أن تذكر40
1 شرح النووي على مسلم جـ12 / 231، 232.
2 فتح الباري جـ6 / 497.
3 مجموعة الفتاوى الكبرى جـ3 / 144.
4 إعلام الموقعين جـ3 / 118.