المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: سد الذرائع في الألفاظ - سد الذرائع في مسائل العقيدة

[عبد الله الجنيدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الأكبر

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك الأكبر وبيان خطورته

- ‌المبحث الثاني: بعض الآيات والأمثلة المتعلقة بسد الذرائع إلى الشرك الأكبر

- ‌المبحث الثالث: بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الأكبر0

- ‌الفصل الثاني: سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الأصغر

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: سد الذرائع في الألفاظ

- ‌المبحث الثاني: سد الذرائع في الأعمال

- ‌الفصل الثالث: سد الذرائع في توحيد المعرفة والإثبات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: سد الذرائع في مضاهاة أفعال الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: سد الذرائع في توحيد الأسماء والصفات0

- ‌الفصل الرابع: سد الذرائع المتعلقة بالنبوة والرسالة

- ‌المبحث الأول: تأييد الأنبياء بمعجزات لا تحصل لغيرهم0

- ‌المبحث الثاني: النهى عن المفاضلة بين الأنبياء سدا لذريعة الانتقاص من أحدهم0

- ‌المبحث الثالث: إرسال المرسلين بلسان أقوامهم ليعقلوا خطابهم

- ‌المبحث الرابع: نهى المؤمنين عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ "راعنا"0

- ‌الفصل الخامس: سد الذرائع المتعلقة بالإمامة والخروج على الحاكم

- ‌المبحث الأول: وجوب تنصيب إمام واحد والاجتماع عليه0

- ‌المبحث الثاني: ترك الخروج على الحاكم وطاعته في غير معصية الله0

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: سد الذرائع في الألفاظ

‌المبحث الأول: سد الذرائع في الألفاظ

لقد تهاون كثير من الناس في هذه المسألة، وأصبحوا يطلقون كلمات توقعهم في هذا اللون من الشرك، ولكثرة وقوعه وانتشاره بدأت الحديث عنه في هذا الفصل، ومن أمثلة سد الذرائع في هذا الباب ما يلي:

أ- النهى عن الحلف بغير الله: لما كان الحلف بالشيئ يقتضى تعظيمه، والعظمة في الحقيقة لله وحده، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله كما في حديث عمر – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" 10

وعن ابن عمر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" 20 قال الترمذي بعد سياقه:"هذا حديث حسن 3، وتفسير هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله: "فقد كفر أو أشرك"، على التغليظ، والحجة في ذلك حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يقول: وأبى وأبى، فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، وحديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الل هـ"0

وهذا مثل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرياء شرك"، وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحا} الآية 0 قال: لا يرائي"40

1 أخرجه البخاري في كتاب الأيمان باب 4 جـ11/ 530، ومسلم كتاب الأيمان باب 1 جـ3 /1266، ومالك في الموطأ جامع الأيمان جـ3 /67 من شرح الزرقانى0

2 أخرجه الترمذي في أبواب النذور باب 8 جـ5 / 135 من تحفة الأحوذى0

3 قال الشيخ الألباني بعد ذكره لكلام الترمذي هذا، بل هو صحيح0 انظر السلسلة الصحيحة جـ5 /70.

4 الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي جـ5 / 136، 317.

ص: 210

قال ابن حجر:" والتعبير بقوله:"فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك"10

قال أبو جعفر الطحاوي:"لم يرد به الشرك الذي يخرج من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجاً عن الإسلام، ولكنه أراد أنه لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى، لأن من حلف بغير الله تعالى فقد جعل ما حلف به محلوفا به، كما جعل الله تعالى محلوفا به، وبذلك جعل من حلف به أو ما حلف به شريكا فيما يحلف به، وذلك أعظم، فجعله شركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا بالله تعالى خارجا عن الإسلام"0

قال الشيخ الألباني بعد نقله لهذا الكلام:"يعنى – والله أعلم – أنه شرك لفظي وليس شركا اعتقاديا، والأول تحريمه من باب سد الذرائع، والآخر محرم لذاته، وهو كلام وجيه متين"20

ب-النهى عن قول:"ما شاء الله وشئت"0

قال البخاري في صحيحة:"باب لا يقول ما شاء الله وشئت"30

وعن حذيفة بن اليمان أن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم، لولا أنكم تشركون0 تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أما والله، إن كنت لأعرفها لكم، قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد" 40

قال الربيع بن سليمان: قال الشافعي:"المشيئة إرادة الله قال الله سبحانه وتعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} 5، فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون

1 فتح البارى جـ11 /531.

2 سلسلة الأحاديث الصحيحة جـ1 /217.

3 أخرجه البخاري فىكتاب الأيمان والنذور باب 8 جـ11 /539.

4 أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الكفارات باب 13 جـ1 م 685، والدارمي في سننه كتاب الاستئذان جـ2/295، وأحمد في مسنده جـ5 /393، 394.

5 الإنسان / آية: 30.

ص: 211

خلقه، وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء، فيقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما شاء الله ثم شئت"، ولا يقال:"ما شاء الله وشئت"10

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:"ما شاء الله وشئت"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أجعلتني والله عدلا، بل ما شاء الله وحده" 20

قال ابن القيم:" إنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد"، وذم الخطيب الذي قال:"من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن عصاهما فقد غوى"، سدا لذريعة التشريك في المعنى بالتشريك في اللفظ، وحسما لمادة الشرك حتى في اللفظ، ولهذا قال للذي قال له:"ما شاء الله وشئت" أجعلتني لله ندا؟ فحسم مادة الشرك، وسد الذريعة إليه في اللفظ، كما سدها في الفعل والقصد، فصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله أكمل صلاة وأتمها وأزكاها وأعمها"30

وقال الشيخ الألباني بعد ذكره لبعض الأحاديث في هذا الموضوع:"قلت: وفى هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره: ما شاء الله وشئت يعتبر شركا في نظر الشارع، وهو من شرك الألفاظ، لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين، ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعى العلم مالي غير الله وأنت، وتوكلنا على الله وعليك، ومثله قول بعض المحاضرين: باسم الله والوطن، أو باسم الله والشعب، ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها، أدبا مع الله تبارك وتعالى"40

1 شرح السنة للبغوي جـ12 / 361.

2 مسند أحمد جـ1 /214،224،283،347.

3 إعلام الموقعين جـ3 / 158، 159.

4 سلسلة الأحاديث الصحيحة جـ1 /217.

ص: 212

جـ- النهي عن قول: عبدي وأمتي0

عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة – رضي الله عنه – يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقل أحدكم: أطعم ربك وضئ ربك، وليقل: سيدي، مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي وغلامي" 10

قال البغوي:"قيل: إنما منع من أن يقول: ربى أو اسق ربك، لأن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد، فكره له المضاهاة بالاسم، لئلا يدخل في معنى الشرك، والعبد والحُر، فيه بمنزلة واحدة، فأما ما لا تعبُّد عليه من سائر الحيوان والجماد فلا يمنع منه، كقولك: رب الدار، ورب الدابة والثوب، ولم يمنع العبد أن يقول: سيدي ومولاي، لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده، والسياسة له وحسن التدبير لأمره، ولذلك سمى الزوج سيدا0 قال الله سبحانه وتعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} 2 .....، ومنع السيد من أن يقول: عبدي، لأن هذا الاسم من باب المضاف ومقتضاه العبودية له، وصاحبه عَبْدُ لله، مُتَّعَبَّدُ بأمره ونهيه، فإدخاله مملوكه تحت هذا الاسم يوهم التشريك

"30

وقال النووي في شرحه للحديث:"يكره للسيد أن يقول لمملوكه عبدي وأمتي، بل يقول "غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي، لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد

1 أخرجه البخاري في كتاب العتق باب 17 جـ5 /177، ومسلم في كتاب الألفاظ باب 3 جـ4/1765، وأبو داود في سننه كتاب الأدب باب 83 جـ5/256، وأحمد في مسنده جـ2 /316، 423، 463.

2 يوسف / آية: 25.

3 شرح السنة جـ12 /350، 351.

ص: 213

بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال:"كلكم عبيد الله، فنهى عن التطاول في اللفظ"10

وقال ابن القيم:"إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن يقول لغلامه وجاريته: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتاي وفتاتي، ونهى أن يقول لغلامه: وضئ ربك، أطعم ربك سدا لذريعة الشرك في اللفظ والمعنى، وإن كان الرب ههنا هو المالك كرب الدار، ورب الإبل، فعدل عن لفظ العبد والأمة إلى لفظ الفتى والفتاة، ومنع من إطلاق لفظ الرب على السيد حماية لجانب التوحيد وسدا لذريعة الشرك"20

وقال عبد الرحمن بن حسن:"هذه الألفاظ المنهي عنها، وإن كانت تطلق لغة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها تحقيقا للتوحيد، وسدا لذرائع الشرك لما فيها من التشريك في اللفظ، لأن الله تعالى هو رب العباد جميعهم، فإذا أطلق على غيره شاركه في الاسم فينهى عنه لذلك، وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى

، فالنهى عنه حسما لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق، وتحقيقا للتوحيد، وبعدا عن الشرك حتى في اللفظ، وهذا من أحسن مقاصد الشريعة لما فيه من تعظيم الرب تعالى، وبعده عن مشابهة المخلوقين، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوم مقام هذه الألفاظ، وهو قوله:"سيدي ومولاي" وكذا قوله: "ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي"، لأن العبيد عبيد الله والإماء إماء الله0 قال الله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 3، ففي إطلاق هاتين الكلمتين على غير الله تشريك في اللفظ، فنهاهم عن ذلك تعظيما لله تعالى وأدبا وبعدا عن الشرك وتحقيقا للتوحيد، وأرشدهم إلى أن يقولوا:"فتاي وفتاتي وغلامي"، وهنا من باب حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، فقد بلغ صلى الله عليه وسلم أمته كل ما فيه نفع لهم، ونهاهم عن كل ما فيه نقص في الدين، فلا خير إلا دلهم

1 شرح النووي على مسلم جـ15 / 7.

2 إعلام الموقعين جـ3 / 162، 163.

3 مريم / آية: 93.

ص: 214

عليه، خصوصا في تحقيق التوحيد، ولا شر إلا حذرهم منه خصوصا ما يقرب من الشرك لفظا وإن لم يقصد0 وبالله التوفيق"10

1 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد / 467.

ص: 215