المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الأكبر0 - سد الذرائع في مسائل العقيدة

[عبد الله الجنيدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الأكبر

- ‌المبحث الأول: تعريف الشرك الأكبر وبيان خطورته

- ‌المبحث الثاني: بعض الآيات والأمثلة المتعلقة بسد الذرائع إلى الشرك الأكبر

- ‌المبحث الثالث: بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الأكبر0

- ‌الفصل الثاني: سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الأصغر

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: سد الذرائع في الألفاظ

- ‌المبحث الثاني: سد الذرائع في الأعمال

- ‌الفصل الثالث: سد الذرائع في توحيد المعرفة والإثبات

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: سد الذرائع في مضاهاة أفعال الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني: سد الذرائع في توحيد الأسماء والصفات0

- ‌الفصل الرابع: سد الذرائع المتعلقة بالنبوة والرسالة

- ‌المبحث الأول: تأييد الأنبياء بمعجزات لا تحصل لغيرهم0

- ‌المبحث الثاني: النهى عن المفاضلة بين الأنبياء سدا لذريعة الانتقاص من أحدهم0

- ‌المبحث الثالث: إرسال المرسلين بلسان أقوامهم ليعقلوا خطابهم

- ‌المبحث الرابع: نهى المؤمنين عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ "راعنا"0

- ‌الفصل الخامس: سد الذرائع المتعلقة بالإمامة والخروج على الحاكم

- ‌المبحث الأول: وجوب تنصيب إمام واحد والاجتماع عليه0

- ‌المبحث الثاني: ترك الخروج على الحاكم وطاعته في غير معصية الله0

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الأكبر0

‌المبحث الثالث: بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الأكبر0

بعث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وهداية للناس أجمعين، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على رجوع العباد إلى ربهم وعبادتهم له وحده، وكان توحيد العبادة على رأس المهمات التي ركز عليها صلى الله عليه وسلم، بل هو لُبَّ دعوته ودعوة إخوانه من الأنبياء والمرسلين، ولذلك لا نجد عجبا حينما نجد كتب السنة قد امتلأت بكثير من الأحاديث التي حذر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك، واحتاط صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر احتياطا عظيما بالغا، فسد الذرائع وأغلق أي باب يؤدى إلى الشرك، وأكَّد وكرر ونهى وحذر في مواقف مختلفة متعددة، حتى وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت0

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته، ويحسم عنهم مواد الشرك، إذ هذا تحقيق قولنا "لا إله إلا الله"، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والرجاء والخوف" 10

وهذه نبذة يسيرة مما قاله صلى الله عليه وسلم في ذلك0

1-

نهى عن الغلو فيه حتى لا يكون ذلك ذريعة إلى عبادته من دون الله، أو مع الله0

فعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله" 2 والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه 3، ولذلك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تقع أمته فيه، وتفعل كما فعلت النصارى بعيسى بن مريم0

1 مجموع الفتاوى جـ1 /136.

2 أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب 48 جـ6 / 478، والدرامي في كتاب الرقائق جـ2 /320، وأحمد في مسنده جـ1/23، 24، 47، 55.

3 النهاية في غريب الحديث والأثر جـ3/123.

ص: 197

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في شرحه للحديث:"أي لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى – عليه السلام فادَّعوا فيه الإلهية، وإنما أنا عبد الله ورسوله فصفوني بذلك كما وصفني ربى فقولوا عبد الله ورسوله

"10

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغلو بصفة عامة أهلك الأمم السابقة، وكان سببا في القضاء عليها، ومن هنا حذر أمته منه حتى لا تهلك كهلاكهم، فعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال:"قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداه جمع 2 "هلَّم القط لي"، فلقطت له حصيات من حصى الخذف 3، فلما وضعهن في يده قال: "نعم بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" 40

ولمسلم عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا 50 والمتنطعون: هم المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم 60

وكرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في التعليم والإبلاغ، وتحذيرا من الوقوع فيه لخطره وضرره على العقيدة وحماية لجناب التوحيد0

قال ابن القيم:"فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النمط الأوسط، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا، وهى الخيار العدل لتوسطها

1 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 203، 231.

2 يعنى مزدلفة0

3 أي حصى صغارا. انظر لسان العرب جـ9 / 61.

4 أخرجه أحمد في مسنده جـ1/215، 347، والنسائي في كتاب مناسك الحج جـ5 /218، وابن ماجة كتاب المناسك باب 63 جـ2/1008، وابن أبى عاصم في السنة جـ1/46، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

5 صحيح مسلم كتاب العلم باب 4 جـ4 / 2055.

6 شرح النووي على مسلم جـ16 / 220.

ص: 198

بين الطرفين المذمومين، والعدل: هو بين طرفي الجور والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها0

قال الشاعر:

كانت هي الوسط المحمى فاكتنفت

بها الحوادث حتى أصبحت طرفا10

وقد كان الغلو هو سبب عبادة الأصنام وحدوث الشرك في الأرض كما جاء في البخارى عن ابن عباس – رضي الله عنه في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 2 قال: "أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ 3 العلم عبدت"40

فهؤلاء كما جاء في الحديث غلوا في هؤلاء الصالحين لماَّ صوروا صورهم ونصبوها في مجالسهم، وكان الدافع لهم إلى ذلك – في زعمهم- أن ينشطوا ويجتهدوا في الطاعة والعبادة ويسلكوا سبيلهم ولكن آل الأمر بعد طول الأمد وغلبة الجهل ووسوسة الشيطان إلى عبادتهم من دون الله عز وجل، وقد ساق ابن جرير الطبري بإسناده إلى محمد بن قيس أنه قال:"كانوا قوما صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال:"إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم"50

1 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان جـ1 / 182.

2 نوح / آية: 23.

3 يعنى تحول وتغير ونسى بسبب ذهاب العلماء0

4 البخاري كتاب التفسير جـ8 /667.

5 جامع البيان في تفسير القرآن جـ29 / 62.

ص: 199

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن:"فصارت هذه الأصنام بهذا التصوير على صور الصالحين سُلَّما إلى عبادتها، وكل ما عبد من دون الله من قبر، أو مشهد، أو صنم، أوطاغوت فالأصل في عبادته هو الغلو كما لا يخفى على ذوى البصائر"10

وقال الشيخ حافظ الحكمي بعد ذكره لحديث ابن عباس:"فلو جاءهم اللعين وأمرهم من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوه، بل أمر الأولين بنصب الصور لتكون ذريعة للصلاة عندها ممن بعدهم، ثم تكون عبادة الله عندها ذريعة إلى عبادتها ممن يخلفهم"20

وقال الشيخ صديق حسن خان:"ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته"30

1-

بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستغاثة بالله وحده0

الاستغاثة: هي طلب الغوث وهو إزالة الشدة0يقال: استغاثني فلان فأغثته، ولا تجوز بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله0 قال تعالى مبينا استغاثة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بربهم وحده:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} 40

وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – قال:"لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض"، فمازال يهتف بربه، مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن

1 فتح المجيد الهامش ص 225.

2 معارج القبول جـ1 / 422.

3 الدين الخالص جـ2/ 445.

4 الأنفال / آية: 9.

ص: 200

منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} ، فأمده الله بالملائكة"10

وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: قال أبو بكر: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل" 20

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد ذكره للحديث:"فيه النص على أنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بمن دونه0 كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته، حماية لجناب التوحيد وسدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لربه وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال، فإذا كان هذا فيما يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته"0

وقال في قرة العيون: "وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدر أن يغيثهم من ذلك المنافق فيكون نهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغاثة به حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك كنظائره مما للمستغاث به قدرة عليه مما كان يستعمل لغة وشرعا مخافة أن يقع من أمته استغاثة بمن لا يضر ولا ينفع"30قلت: ويظهر بذلك أن الاستغاثة نوعان:

1 مسلم كتاب الجهاد باب 18 جـ3 /1384، وأحمد في مسنده جـ1 / 30، 32.

2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد جـ10 / 159: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث0 قلت: ابن لهيعة ضعيف مختلط إلا في رواية العبادلة عنه، وهذه ليست منها، وقد ذكر بعض العلماء هذا الحديث في كتبهم كابن تيمية وغيره وسقته هناك كشاهد على موضوع سد الذرائع التي أنا بصدد الحديث عنها0

3 فتح المجيد / 184، 185، وبها مشه كلامه في قرة العيون0

ص: 201

أ-استغاثة لا يقدر عليها إلا الله ولا تطلب إلا منه وحده، وطلبها من غيره شرك، وهى التي تقدم الحديث عنها0

ب-استغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ويتمكن من فعله والقيام به، فهذه ليست شركا، وذلك كاستغاثة الغريق مثلا بمن ينقذه ومنه استغاثة الاسرائيلي بموسى – عليه السلام – كما جاء في قوله:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} 10

3-

النهى عن اتخاذ القبور مساجد وعبادة الله عندها0

قبل بيان ما ورد في الشرع من ذلك أرى من الضروري أن أبين أولاً صفة القبور الشرعية، حتى يتبين لنا المخالفات التي وقع فيها من اتخذوا القبور مساجد، ونفهم أيضا أهمية التحذيرات المتكررة من النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه الشديد عن اتخاذ القبور مساجد0

قال ابن فارس في مادة "قبر":"القاف والباء والراء أصل صحيح يدل على غموض في شيئ وتطامن2، ومن ذلك القبر قبر الميت، ويقال في اللغة: أطمأنت الأرض وتطأمنت: انخفضت 30

وهذا يحدد مفهوم كلمة "قبر" في اللغة، وهو ما كان من المواضع منخفضا غير شارع ولا بارز0

1 القصص / آية: 15.

2 أي انخفاض.

3 انظر معجم مقاييس اللغة ج5/47ولسان العرب جـ13 / 268.

ص: 202

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في سنته صفة القبور، وما يجب أن تكون عليه، ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه" 10

وعن أبى الهياج الأسدي قال: قال لي على بن أبى طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته"20

وقد وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى، وكلها تدل على تحريم البناء على القبور أو الكتابة عليها وتجصيصها، وإيقاد السرج عليها30

والآن إلى ذكر بعض الأحاديث الواردة في النهى عن اتخاذ القبور مساجد والصلاة عندها، وبيان ما في ذلك من سد لذرائع الشرك0

1-

عن عائشة وعبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قالا: لما نزل 4 برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق5 صلى الله عليه وسلم يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتنم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا60

1 أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب 32 جـ2 /667، وأحمد في مسنده جـ3/ 339، والترمذي في أبواب الجنائز باب 57 جـ4 / 155، وأبو داود في كتاب الجنائز باب 76 جـ3 /552.

2 أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب 31 جـ2 /666، والترمذي في أبواب الجنائز باب 55 جـ4/150، وأبو داود في كتاب الجنائز باب 72 جـ3 / 548.

3 يراجع في ذلك المبحث الثالث من الفصل الثاني من كتابي "أصول الاعتقاد عند الإمام البغوي"0

4 نُزل ونزل، والمعنى: لما نزل ملك الموت، أو حضرت المنية، والوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

5 طفق: بكسر الفاء وفتحها، أي: جعل، والكسر أفصح وأشهر0

6 الحديث أخرجه البخاري في مواضع منها كتاب الصلاة باب 55 جـ1/532، وكتاب الجنائز باب 61 جـ3 /200، وباب 96 جـ3/255، وكتاب أحاديث الأنبياء باب 50 جـ6/494، ومسلم في كتاب المساجد باب 3 جـ1/ 377، والنسائي في كتاب المساجد باب النهى عن اتخاذ القبور مساجد جـ2/33 وأحمد في مسنده جـ6 /228، 275

ص: 203

قال القرطبي في معنى الحديث:"وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام"، وقال أيضاً:"ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال، حتى لا يمكنوا أحدا من استقبال قبره 10

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها، كما تقصد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده، لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه، والدعاء به، والدعاء عنده، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله، والفعل إذا كان يفضى إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنه، كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو التشبه بالمشركين الذي يفضى إلى الشرك"20

وقال في موطن آخر:"إنه نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها، ونهى عن الصلاة إليها

1 فتح المجيد /239.

2 مجموع الفتاوى جـ3 / 163، 164.

ص: 204

وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا، وحرم ذلك على من قصد هذا ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا للذريعة"10

2-

وفى الصحيحين وغيرهما 2 أن أم حبيبة وأم سلمة – رضي الله عنهما – ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال صلى الله عليه وسلم:"أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" 0

قال ابن حجر:"وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك 30

وقال ابن القيم بعد ذكره لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد:"إن فتنة الشرك بالصلاة في القبور ومشابهة عباد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر، فإذا نهى عن ذلك، أي عن الصلاة بعد هذين الوقتين سدا لذريعة التشبه التي لا تكاد تخطر ببال المصلى، فكيف بهذه الذريعة القريبة التي كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك ودعاء الموتى

1 مجموعة الفتاوى الكبرى جـ3 / 141.

2 أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب 48 جـ1/523، وباب 54 جـ1/531، وكتاب الجنائز باب 70 جـ3 / 208، وكتاب مناقب الأنصار باب 37 جـ7 / 187،188، ومسلم في كتاب المساجد باب 3 جـ1 / 375، والنسائي في كتاب المساجد جـ2 /33.

3 فتح الباري جـ1/525.

ص: 205

واستغاثتهم، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها في المساجد مما هو محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم "10

3-

وعن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ ابراهيم خليلاً، ولو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا0 ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد0 ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" 20

قال النووي:"قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثير من الأمم الخالية ....."30

وقال ابن القيم:"إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تجصيص القبور وتشريفها واتخاذها مساجد، وعن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها، وأمر بتسويتها ونهى عن اتخاذها عيدا، وعن شد الرحال إليها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها، وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده، بل قصد خلافه سدَّا للذريعة"40

وقد ذكر الصنعاني بعد سياقه لبعض الأحاديث المبينة لصفات القبور الشرعية:"وهذه الأخبار المعبر فيها باللعن والتشبيه بقوله:"لا تجعلوا قبري وثنا يعبد من دون الله"، تفيذ التحريم للعمارة والتزيين والتجصيص، ووضع

1 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان جـ1/ 188.

2 أخرجه مسلم في صحيحة كتاب المساجد باب 3 جـ1 / 377، 378.

3 شرح النووي على مسلم جـ 5 / 13.

4 إعلام الموقعين عن رب العالمين جـ3 /151.

ص: 206

الصندوق المزخرف، ووضع الستائر على القبر وعلى سمائه، والتمسح بجدار القبر، وأن ذلك قد يفضى مع بعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان، فكان في المنع عن ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المفضية إلى الفساد، وهو المناسب للحكمة المعتبرة في شرع الأحكام من جلب المصالح ودفع المفاسد سواء كانت بأنفسها أو باعتبار ما تفضي إليه"10

4-

وعن ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه – قال:"نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا، قال: " هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالو: لا 0 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" 20

1 سبل السلام شرح أدلة الأحكام جـ2/574.

1 بوانة: هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر. انظر معجم البلدان جـ 1/505

2 أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأيمان والتذور باب 23 جـ9 / 140.وقال الشيخ الألبانى0 صحيح0 انظر صحيح سند أبى داود جـ2 /637.

ص: 207