الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[السمة الخامسة السمع والطاعة لولاة الأمر]
مما دلّتْ عليه النصوصُ وتظاهرتْ لزومُ السمع والطاعة لوليِّ الأمر المسلم، لأن السمع والطاعة أمر عظيمٌ، خَالَفَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ الجاهلية.
وقد ذكره إمام الدعوة الشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب رحمه الله في " مسائل الجاهلية " في أوائل المسائل مع التوحيد.
وذكر التوحيد، والنهي عن الشرك فيما خالف به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ الجاهلية. .
وذكرَ الاجتماعَ، وعدمَ الافتراقِ. .
وذكر الطاعةَ.
وهذا أصل عظيم، نَقَلَ به النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ عمَّا كان عليه أهلُ الجاهليةِ، ولهذا قال:
«لا تَرْجِعُوا بعدِي كُفَّارا يَضْرِبُ بعضُكم رِقابَ بَعْض» (1) .
(1) أخرجه " البخاري " في " صحيحه " في (كتاب العلم - باب الإنصات للعلماء)، وفي (كتاب الديات - باب قول الله - تعالى -: وَمَنْ أَحْيَاهَا وفي أماكن أخرى انظر فتح الباري (1 286، 21 237) . ط دار السلام - من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
وإذا كانت النهاية في أمرٍ ما هو هذا فإنّ سدّ الذرائعِ المُوصِلَةِ له واجبٌ شرعاً، بل من أعظم الواجبات.
وينبغي على الأمة التسليمُ لوليِّ الأمر في الوفاء بالعهد والميثاق فإذا أخذَ وليُّ الأمر بالعهد والميثاق بينه وبين غير المؤمنين من الكفار، أو المشركين؛ فإنه يتحتمُ إمضاؤها؛ لأن الله - جل وعلا - قال:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]
وقال - جل وعلا -: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72]
وهذا الاستثناء لا يخالف الولاءَ والبراءَ؛ لأن القرآن حقّ كله.
قال ابن كثير - رحمه لله تعالى - في تفسير هذه الآية:
" إن استنصركم هؤلاء الأعرابُ الذين لم يهاجروا في قتالٍ دينيٍّ على عدوٍّ لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرُهم، لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قومٍ من الكفار بينكم وبينهم ميثاق - أي: مهادنة إلى مدَّةٍ - فلا تخفِروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم ".
قال ابن كثير: " وهذا مرويّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما ".
وهذا ما فَعَلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلح الحُدَيْبِيةِ.
كان في الصلح أنّ مَنْ أتى النبي صلى الله عليه وسلم من مكةَ من المسلمين فإنه يُرجعُه إليهم، ومن ذَهَبَ من المسلمين من المدينة إلى مكةَ فإنَّ المشركين لا يَرُدُّونَهُ إلى المسلمين.
وأمضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا العهدَ والميثاقَ.
قال عمر رضي عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال:
بلى قال: فعلامَ نقبلُ الدَّنِية
في ديننا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنيِّ رسول، وأنا واثق بوعدِ الله» (1) عليه الصلاة والسلام.
ومسائلُ الولاءِ والبراءِ عظيمة ومهمةٌ، فإذا تكلم فيها أحد من العلماء فإنه يقصد بها ما يشمل عمومَ أحكامها؛ لأننا نستدل بالقرآن والسنة.
وإن مسائلَ الولاءِ والبراءِ، والخوضَ في العهودِ والمكاتبات، وما يحصل من قضايا كبيرةٍ هي لأهلها، وليس لعامةِ الناس.
وليس من منهج الخطباء وأئمة الدعوة أن يتحدثوا في ذلك مع العامة.
قال الإمامُ الشيخُ عبدُ اللطيفِ بن عبدِ الرحمنِ بنِ حسنِ بنِ محمدِ بن عبدِ الوهابِ: " وخضتم في مسائلَ من هذا الباب، كالكلام في الموالاة، والمعاداة، والمصالحة،
(1) قطعة بالمعنى من حديثٍ طويل أورده " البخاري " في " صحيحه " في (كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط) و (كتاب المغازي) انظر فتح الباري (5 403 - 408) و (7 453) ط دار السلام.
والمكاتبات، وبذل الأموال والهدايا، ونحو ذلك، والحكمُ بغير ما أنزل الله، عند البَوادي ونحوهم من الجفاة. لا يَتكًلَّمُ فيها إلا العلماءُ من ذوي الألباب، ومَنْ رُزِقَ الفهْمَ عن الله، وأوتي الحكمةَ وفصلَ الخطابِ " اهـ (1)
كما قال رحمه الله أيضًا بعدها:
" والكلامُ في هذا يتوقف على معرفة ما قدمناه، ومعرفةِ أصولٍ عامَّةٍ كلِّية، لا يجوز الكلامُ في هذا الباب وفي غيره لمن جهلها وأعرض عنها وعن تفاصيلها.
فإن الإجمالَ والإطلاقَ وعدمَ العلم بمعرفة مواقعِ الخطابِ وتفاصيلهِ يحصُلُ به من اللَّبْسِ والخطأِ وعدم الفقه عن الله ما يفسِدُ الأديانَ، ويُشتتُّ الأذهانَ، ويحول بينها وبين فهم القرآن.
قال ابن القيم في كافِيَته:
فعليك بالتفصيلِ والتبيينِ فال
…
إطلاقُ والإجمالُ دونَ بيانِ
(1) مجموع الرسائل ص11.
قد أفسدا هذا الوجودَ وخَبَّطا ال
…
أذهان والآراءَ كلَّ زمانِ
انتهى كلامه - رحمه تعالى -.
إنَّ فهمَ منهج أئمةِ الدعوة متكاملٌ، والأخذَ به أخذ بما قامتْ به هذه الدعوةُ وقامت به الدولةُ منذ الدولة السعودية الأولى من تحقيقٍ للإسلامِ بفهمٍ شامل للنصوص.
وهذا يتركُ لأهلِ الشأن من ولاةِ الأمرِ، وأهل العلمِ؛ لأنّ هذا هو الحقُّ في هذه المسّائل.
والعامةُ لا يمكنهم فهمَ التفصيلِ والتبيينِ في مسائلَ أقلَّ من ذلك فكيفَ في هذه المسائلِ العظيمةِ؟ ! ، ولهذا لم يكن أئمة الدعوةِ في خطبهم الموجودةِ يُفَصِّلُونَ الكلامَ في هذه المسائل، لأن ذلك - كما قال الشيخُ عبدُ اللطيف -: إنما هو لأهل العلم الذين يفتُونَ بموجبِ ما يعلمون لوليِّ الأمر وللناس.
*****