الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كُنَّا نَقُوْلُ: السَّلَامُ عَلَى اللهِ.
فَقَالَ: (لَا تَقُوْلُوا: السَّلَامُ عَلَى اللهِ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُوْلُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
…
) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) .
191 - القَسْرِيُّ أَبُو الهَيْثَمِ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ *
(د)
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الهَيْثَمِ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَسَدِ بنِ كُرْزٍ البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، أَمِيْرُ العِرَاقَيْنِ لِهِشَامٍ، وَوَلِيَ قَبْلَ ذَلِكَ مَكَّةَ لِلْوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ لِسُلَيْمَانَ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ.
وَعَنْهُ: سَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَوْسَطَ البَجَلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ.
وَقَلَّمَا رَوَى.
لَهُ حَدِيْثٌ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، وَفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) حَدِيْثٌ رَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ يَزِيْدَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ.
(1) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري 11 / 12 في الاستئذان: باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومسلم (402) في الصلاة: باب التشهد في الصلاة، وأبو داود (968) ، والنسائي 2 / 240، والترمذي (289) وابن ماجه (899) من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل السلام على فلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل علينا بوجهه، فقال:" إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك، أصاب كل عبد صالح في السماء والارض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتخير بعد من الكلام ما شاء ".
(*) التاريخ الكبير 3 / 158، الجرح والتعديل 3 / 340، الاغاني 22 / 5، 29، ابن الأثير 5 / 124 و276 وما بعدها، وفيات الأعيان 2 / 226، 231، تهذيب الكمال 362، تذهيب التهذيب 1 / 189 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 64، البداية والنهاية 10 / 17، 22، ابن خلدون 3 / 105، تهذيب التهذيب 3 / 101، خلاصة تذهيب الكمال 101، شذرات الذهب 1 / 169، الطبري 7 / 254 وما بعدها، تهذيب ابن عساكر 5 / 70 - 83.
وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مُعَظَّماً، عَالِيَ الرُّتبَةِ، مِنْ نُبَلَاءِ الرِّجَالِ، لَكِنَّهُ فِيْهِ نُصبٌ مَعْرُوْفٌ، وَلَهُ دَارٌ كَبِيْرَةٌ فِي مُربَّعَةِ القَزِّ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ صَارَتْ تُعْرَفُ بِدَارِ الشَّرِيْفِ اليَزِيْدِيِّ، وَإِلَيْهِ يُنسَبُ الحَمَّامُ الَّذِي مُقَابِلَ قَنْطَرَةِ سِنَانٍ، بِنَاحِيَةِ بَابِ تُوْمَا.
قَالَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: قِيْلَ لِسَيَّارٍ: تَروِي عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ؟
فَقَالَ: إِنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: عَزَلَ الوَلِيْدُ عَنْ مَكَّةَ نَافِعَ بنَ عَلْقَمَةَ بِخَالِدٍ القَسْرِيِّ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ، فَلَمْ يَزَلْ وَالِيْهَا إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ، فَوَلَاّهُ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ العِرَاقَ مُدَّةً، إِلَى أَنْ عَزَلَه سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ بِيُوْسُفَ بنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ.
رَوَى: العُتْبِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
خَطَبَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِوَاسِطَ، فَقَالَ: إِنَّ أَكرَمَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لَا يَرجُوْهُ، وَأَعْظَمَ النَّاسِ عَفْواً مَنْ عَفَا عَنْ قُدرَةٍ، وَأَوصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ عَنْ قَطِيْعَةٍ.
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرِّفَاعِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ خَالِداً القَسْرِيَّ حِيْنَ أَتَى بِالمُغِيْرَةِ بنِ سَعِيْدٍ وَأَصْحَابِه، وَكَانَ يُرِيهِم أَنَّهُ يُحْيِى المَوْتَى، فَقَتَلَ خَالِدٌ وَاحِداً مِنْهُم، ثُمَّ قَالَ لِلْمُغِيْرَةِ: أَحْيِهِ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُحْيِي المَوْتَى.
قَالَ: لَتُحْيِيَنَّه، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ.
ثُمَّ أَمَرَ بِطنٍّ مِنْ قَصَبٍ، فَأَضْرَمُوْهُ، وَقَالَ: اعْتَنِقْه.
فَأَبَى، فَعَدَا رَجُلٌ مِنْ أَتبَاعِه، فَاعْتَنَقَه.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَرَأَيْتُ النَّارَ تَأْكُلُه وَهُوَ يُشِيْرَ بِالسَّبَّابَةِ.
فَقَالَ خَالِدٌ: هَذَا -وَاللهِ- أَحَقُّ بِالرِّئَاسَةِ مِنْكَ.
ثُمَّ قَتَلَهُ، وَقَتَلَ أَصْحَابَه.
قُلْتُ: كَانَ رَافِضِيّاً، خَبِيْثاً، كَذَّاباً، سَاحِراً، ادَّعَى النُّبُوَةَ، وَفَضَّلَ عَلِيّاً عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ مُجَسِّماً، سُقتُ أَخْبَارَه فِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ)(1) .
(1) 4 / 160، 162.
وَكَانَ خَالِدٌ عَلَى هِنَاتِه يَرْجِعُ إِلَى إِسْلَامٍ.
وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُتَّهَمُ فِي دِيْنِه، بَنَى لأُمِّهِ كَنِيْسَةً تَتَعَبَّدُ فِيْهَا، وَفِيْهِ يَقُوْلُ الفَرَزْدَقُ:
أَلَا قَبَّحَ الرَّحْمَنُ ظَهْرَ مَطِيَّةٍ
…
أَتَتْنَا تَهَادَى مِنْ دِمَشْقَ بِخَالِدِ
وَكَيْفَ يَؤُمُّ النَّاسَ مَنْ كَانَ أُمُّهُ
…
تَدِيْنُ بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِوَاحِدِ
بَنَى بِيْعَةً فِيْهَا الصَّلِيْبُ لأُمِّهِ
…
وَيَهْدِمُ مِنْ بُغْضٍ مَنَارَ المَسَاجِدِ
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: حَرَّمَ القَسْرِيُّ الغِنَاءَ، فَأَتَاهُ حُنَيْنٌ فِي أَصْحَابِ المظَالِمِ مُلتَحِفاً عَلَى عُودٍ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، شَيْخٌ ذُوْ عِيَالٍ كَانَتْ لَهُ صِنَاعَةٌ، حُلْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
فَأَخرَجَ عُودَه، وَغَنَّى:
أَيُّهَا الشَّامِتُ المُعَيِّرُ بِالشَّيْ
…
ـبِ أَقِلَّنَّ بِالشَّبَابِ افْتِخَارَا
قَدْ لَبِسْتُ الشَّبَابَ قَبْلَكَ حِيْناً
…
فَوَجَدْتُ الشَّبَابَ ثَوْباً مُعَارَا
فَبَكَى خَالِدٌ، وَقَالَ: صَدَقَ وَاللهِ، عُدْ، وَلَا تُجَالِسْ شَابّاً وَلَا مُعَربِداً.
الأَصْمَعِيُّ: عَنِ ابْنِ نُوْحٍ: سَمِعْتُ خَالِداً يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ:
إِنِّي لأُطعِمُ كُلَّ يَوْمٍ سِتَّةً وَثَلَاثِيْنَ أَلفاً مِنَ الأَعرَابِ تَمراً وَسَوِيْقاً.
الأَصْمَعِيُّ: أَنَّ أَعْرَابِيّاً قَالَ لِخَالِدٍ القَسْرِيِّ:
أَصْلَحَكَ اللهُ، لَمْ أَصُنْ وَجْهِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَصُنْهُ عَنِ الرَّدِّ، وَضَعْنِي مِنْ مَعْرُوْفِكَ حَيْثُ وَضَعتُكَ مِنْ رَجَائِي، فَوَصَلَهُ.
وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَأمُرُ الأَمِيْرُ لِي بِمِلْءِ جِرَابِي دَقِيْقاً؟
قَالَ: امْلَؤُوْهُ لَهُ دَرَاهِمَ.
فَقِيْلَ لِلأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: سَأَلْتُ الأَمِيْرَ مَا أَشْتَهِي، فَأَمَرَ لِي بِمَا يَشْتَهِي.
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ شَمِرٍ الخَوْلَانِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ مَوْلَى خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
إِنِّي لأَسِيْرُ بَيْنَ
يَدَيْ خَالِدٍ بِالكُوْفَةِ، وَمَعَهُ الوُجُوْهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ.
فَوَقَفَ، وَكَانَ كَرِيْماً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قَالَ: تَأمُرُ بِضَربِ عُنُقِي؟
قَالَ: لِمَ؟ قَطَعتَ طَرِيْقاً؟
قَالَ: لَا.
قَالَ: فَنَزَعتَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ: فَعَلَامَ أَضرِبُ عُنُقَكَ؟
قَالَ: الفَقْرُ وَالحَاجَةُ.
قَالَ: تَمَنَّ؟
قَالَ: ثَلَاثِيْنَ أَلفاً.
فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِه، فَقَالَ: هَلْ عَلِمتُم تَاجِراً رَبِحَ الغَدَاةَ مَا رَبِحْتُ؟ نَوَيْتُ لَهُ مائَةَ أَلفٍ، فَتَمَنَّى ثَلَاثِيْنَ أَلفاً.
ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِهَا.
وَقِيْلَ: كَانَ خَالِدٌ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَدْعُو بِالبِدَرِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا هَذِهِ الأَمْوَالُ وَدَائِعُ لَا بُدَّ مِنْ تَفرِيقِهَا.
وَقِيْلَ: أَنْشَدَهُ أَعْرَابِيٌّ:
أَخَالِدُ بَيْنَ الحَمْدِ وَالأَجْرِ حَاجَتِي
…
فَأَيُّهُمَا يَأْتِي فَأَنْتَ عِمَادُ
أَخَالِدُ إِنِّي لَمْ أَزُرْكَ لِحَاجَةٍ
…
سِوَى أَنَّنِي عَافٍ وَأَنْتَ جَوَادُ
فَقَالَ: سَلْ.
قَالَ: مائَةَ أَلفٍ.
قَالَ: أَسرَفْتَ يَا أَعْرَابِيُّ.
قَالَ: فَأَحُطُّ لِلأَمِيْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قَدْ حَطَطتُكَ تِسْعِيْنَ أَلفاً.
فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، فَقَالَ: سَأَلتُكَ عَلَى قَدْرِكَ، وَحَطَطْتُكَ عَلَى قَدْرِي، وَمَا أَسْتَأهِلُه فِي نَفْسِي.
قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا تَغْلِبُنِي، يَا غُلَامُ، أَعْطِه مائَةَ أَلفٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَنْشَدَهُ أَعْرَابِيٌّ فِي مَجْلِسِ الشُّعَرَاءِ:
تَعَرَّضْتَ لِي بِالجُوْدِ حَتَّى نَعَشْتَنِي
…
وَأَعْطَيْتَنِي حَتَّى ظَنَنْتُكَ تَلْعَبُ
فَأَنْتَ النَّدَى وَابْنُ النَّدَى وَأَخُو النَّدَى
…
حَلِيْفُ النَّدَى مَا لِلنَّدَى عَنْكَ مَذْهَبُ
فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلفٍ.
الأَصْمَعِيُّ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، نَحْوَهَا، وَزَادَ: فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ آخَرُ، فَقَالَ:
قَدْ كَانَ آدَمُ قَبْلُ حِيْنَ وَفَاتِهِ
…
أَوْصَاكَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِالحَوْبَاءِ
بِبَنِيْهِ أَنْ تَرْعَاهُمُ فَرَعَيْتَهُم
…
فَكَفَيْتَ (1) آدَمَ عَيْلَةَ الأَبْنَاءِ
فَتَمَنَّى أَنْ يُعْطِيَه عِشْرِيْنَ أَلفاً، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَأَنْ يُضرَبَ خَمْسِيْنَ جَلدَةً، وَأَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ لَا يُحسِنُ قِيْمَةَ الشِّعْرِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: لَا يَحتَجِبُ الأَمِيْرُ عَنِ النَّاسِ إِلَاّ لِثَلَاثٍ: لِعَيٍّ، أَوْ لِبُخلٍ، أَوِ اشْتِمَالٍ عَلَى سُوءةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيُّ رَجُلُ سُوءٍ، يَقعُ فِي عَلِيٍّ.
وَقَالَ فَضْلُ بنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ القَسْرِيَّ يَقُوْلُ فِي عَلِيٍّ مَا لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: خُبِّرتُ أَنَّ القَسْرِيَّ ذَمَّ زَمْزَمَ، وَقَالَ:
يُقَالُ: إِنَّ زَمْزَمَ لَا تُنْزَحُ وَلَا تُذَمُّ، بَلَى -وَاللهِ- إِنَّهَا تُنْزَحُ وَتُذَمُّ، وَلَكِنْ هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ سَاقَ لَكُم قَنَاةً بِمَكَّةَ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: سَاقَ خَالِدٌ مَاءً إِلَى مَكَّةَ، فَنَصَبَ طِسْتاً إِلَى جَنْبِ زَمْزَمَ، وَقَالَ: قَدْ جِئْتُكم بِمَاءِ العَاذِبَةِ لَا تُشبِهُ أُمَّ الخَنَافِسِ -يَعْنِي: زَمْزَمَ-.
فَسَمِعتُ عُمَرَ بنَ قَيْسٍ يَقُوْلُ: لَمَّا أَخَذَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ وَطَلْقَ بنَ حَبِيْبٍ، خَطَبَ، فَقَالَ:
كَأَنَّكُم أَنْكَرتُم مَا صَنَعتُ، وَاللهِ لَوْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، لَنَقَضتُهَا حَجَراً حَجَراً -يَعْنِي: الكَعْبَةَ-.
الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ شَبِيْبَ بنَ شَيْبَةَ، يَقُوْلُ:
كَانَ سَبَبُ عَزلِ خَالِدٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ: إِنَّ غُلَامَكَ المَجُوْسِيَّ أَكْرَهَنِي عَلَى الفُجُورِ، وَغَصَبَنِي نَفْسِي.
قَالَ: كَيْفَ وَجَدْتِ قُلْفَتَه؟
فَكَتَبَ بِذَلِكَ حَسَّانٌ النَّبْطِيُّ إِلَى هِشَامٍ، فَعَزَلَهُ.
وَكَانَ خَطَبَ يَوْماً، فَقَالَ: تَسُومُونَنِي أَنْ أَقِيدَ مِنْ قَائِدٍ لِي، وَلَئِنْ أَقَدتُ مِنْهُ، أَقَدتُ مِنْ نَفْسِي، وَلَئِنْ أَقَدتُ مِنْ نَفْسِي، لَقَدْ أَقَادَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَئِنْ أَقَادَ، لَقَدْ أَقَادَ رَسُوْلُ اللهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَئِنْ أَقَادَ، لَيَقِيدَنَّ هَاه هَاه،
(1) في الأصل: " فكيف " وهو خطأ.
وَيُوْمِئ بِيَدِهِ إِلَى فَوْقُ (1) .
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الحِمْيَرِيِّ، قَالَ: أَرَادَ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ الحَجَّ، فَاتَّعَدَ فِتْيَةٌ أَنْ يَفتِكُوا بِهِ فِي طَرِيْقِهِ، وَسَأَلُوا خَالِداً القَسْرِيَّ الدُّخُولَ مَعَهُم، فَأَبَى.
ثُمَّ أَتَى خَالِدٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، دَعِ الحَجَّ.
قَالَ: وَمَنْ تَخَافُ، سَمِّهِم؟
قَالَ: قَدْ نَصَحتُكَ، وَلَنْ أُسَمِّيَهُم.
قَالَ: إِذاً أَبعَثُ بِكَ إِلَى عَدُوِّكَ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ.
قَالَ: وَإِنْ.
فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَعَذَّبَه حَتَّى قَتَلَهُ.
ابْنُ خَلِّكَانَ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ هِشَامٌ عَزلَ خَالِدٍ عَنِ العِرَاقِ، وَعِنْدَهُ رَسُوْلُ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ مِنَ اليَمَنِ، قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ تَعَدَّى طَوْرَه، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ.
ثُمَّ أَمَرَ بِتَخرِيقِ ثِيَابِه، وَضَرَبَهُ أَسْوَاطاً، وَقَالَ: امضِ إِلَى صَاحِبِكَ، فَعَلَ الله بِهِ.
ثُمَّ دَعَا بِسَالِمٍ كَاتِبِه، وَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى يُوْسُفَ: سِرْ إِلَى العِرَاقِ وَالِياً سِرّاً، وَاشْفِنِي مِنِ ابْنِ النَّصْرَانِيَّةِ وَعُمَّالِه.
ثُمَّ أَمْسَكَ الكِتَابَ بِيَدِهِ، وَجَعَلَه فِي طَيِّ كِتَابٍ آخَرَ، وَلَمْ يَشعُرِ الرَّسُوْلُ، فَقَدِمَ اليَمَنَ، فَقَالَ يُوْسُفُ: مَا وَرَاءكَ؟
قَالَ: الشَّرُّ، ضَرَبنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَخَرَّقَ ثِيَابِي، وَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيْكَ، بَلْ إِلَى صَاحِبِ دِيْوَانِكَ.
فَفَضَّ الكِتَابَ، وَقَرَأَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الكِتَابَ الصَّغِيْرَ، فَاسْتَخلَفَ عَلَى اليَمَنِ ابْنَه الصَّلْتَ، وَسَارَ إِلَى العِرَاقِ، وَجَاءتِ العُيُوْنُ إِلَى خَالِدٍ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ نَائِبُه طَارِقٌ: ائْذَنْ لِي إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَضمَنَ لَهُ مَالِي السَّنَةَ مائَةَ أَلفِ أَلفٍ، وَآتِيَكَ بِعَهْدِكَ.
قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الأَمْوَالُ؟
قَالَ: أَتَحَمَّلُ أَنَا وَسَعِيْدُ بنُ رَاشِدٍ أَرْبَعِيْنَ أَلفَ أَلفٍ، وَأَبَانٌ وَالزَّيْنَبِيُّ عِشْرِيْنَ أَلفَ أَلفٍ، وَيُفَرَّقُ البَاقِي عَلَى بَاقِي العُمَّالِ.
فَقَالَ: إِنِّي إِذاً
(1) وقد أورد ابن كثير في " البداية: 10 / 20، 21، نحوا من هذا، ثم قال: والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه فإنه كان قائما في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الالحاد، وقد نسب إليه صاحب العقد أشياء لا تصح، لان صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع، ومغالاة في أهل البيت، وربما لا يفهم أحد من كلامه ما فيه من التشيع، وقد اغتر به شيخنا الذهبي، فمدحه بالحفظ وغيره.
لَلَئِيمٌ أُسَوِّغُهُم شَيْئاً، ثُمَّ أَرجِعُ فِيْهِ.
قَالَ: إِنَّمَا نَقِيكَ، وَنَقِي أَنْفُسَنَا بِبَعْضِ أَمْوَالِنَا، وَتَبقَى النِّعْمَةُ عَلَيْنَا.
فَأَبَى، فَوَدَّعَه طَارِقٌ، وَوَافَى يُوْسُفَ، فَمَاتَ طَارِقٌ فِي العَذَابِ، وَلَقِيَ خَالِدٌ كُلَّ بَلَاءٍ، وَمَاتَ فِي العَذَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُمَّالِه بَعْدَ أَن اسْتَخرَجَ مِنْهُم يُوْسُفُ تِسْعِيْنَ أَلفَ أَلفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ هِشَاماً حَقَدَ عَلَى خَالِدٍ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِه وَأَملَاكِه، وَلأَنَّهُ كَانَ يُطلِقُ لِسَانَه فِي هِشَامٍ، وَكَتَبَ إِلَى يُوْسُفَ: أَن سِرْ إِلَيْهِ فِي ثَلَاثِيْنَ رَاكِباً.
فَقَدِمَ الكُوْفَةَ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَبَاتَ بِقُربِ الكُوْفَةِ وَقَدْ خَتَنَ وَالِيْهَا طَارِقٌ وَلَدَهُ، فَأَهْدَوْا لِطَارِقٍ أَلفَ عَتِيْقٍ، وَأَلْفَ وَصِيْفٍ، وَأَلفَ جَارِيَةٍ، سِوَى الأَمْوَالِ وَالثِّيَابِ، فَأَتَى رَجُل طَارِقاً، فَقَالَ:
إِنِّي رَأَيْتُ قَوْماً أَنْكَرتُهم، وَزَعُمُوا أَنَّهُم سُفَّارٌ، وَصَارَ يُوْسُفُ إِلَى دُورِ بَنِي ثَقِيْفٍ، فَأَمَرَ رَجُلاً، فَجَمَعَ لَهُ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مُضَرَ، وَدَخَلَ المَسْجِدَ الفَجْرَ، فَأَمَرَ المُؤَذِّنَ بِالإِقَامَةِ، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَأْتِيَ الإِمَامُ.
فَانْتَهَرَه، وَأَقَامَ، وَصَلَّى، وَقَرَأَ:{إِذَا وَقَعَت} ، وَ* {سَأَلَ سَائِلٌ} ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَالِدٍ وَأَصْحَابِه، فَأُخِذُوا، وَصَادَرَهُم.
قَالَ أَشْرَسُ الأَسَدِيُّ: أَتَى كِتَابُ هِشَامٍ يُوْسُفَ، فَكَتَمْنَا، وَقَالَ: أُرِيْدُ العُمْرَةَ.
فَخَرَجَ وَأَنَا مَعَهُ، فَمَا كَلَّمَ أَحَداً مِنَّا بِكَلِمَةٍ، حَتَّى أَتَى العُذَيْبَ، فَقَالَ: مَا هِيَ بِأَيَّامِ عُمْرَةٍ.
وَسَكَتَ حَتَّى أَتَى الحِيْرَةَ، ثُمَّ اسْتَلقَى عَلَى ظَهْرِهِ، وَقَالَ:
فَمَا لَبَّثَتْنَا العِيسُ أَنْ قَذَفَتْ بِنَا
…
نَوَى غُرْبَةٍ وَالعَهْدُ غَيْرُ قَدِيْمِ
ثُمَّ دَخَلَ الكُوْفَةَ، فَصَلَّى الفَجْرَ، وَكَانَ فَصِيْحاً، طَيِّبَ الصَّوْتِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ كَتَبَ إِلَى يُوْسُفَ: لَئِنْ شَاكَتْ خَالِداً شَوكَةٌ لأَقتُلَنَّكَ.
فَأَتَى خَالِدٌ الشَّامَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا يَغْزُو الصَّوَائِفَ حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ.
وَقِيْلَ: بَلْ عَذَّبَه يُوْسُفُ يَوْماً وَاحِداً، وَسَجَنَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهراً، ثُمَّ
أُطْلِقَ، فَقَدِمَ الشَّامَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ.
وَنَقَلَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَنَّ يُوْسُفَ عَصَرَهُ حَتَّى كَسَرَ قَدَمَيْهِ وَسَاقَيْهِ، ثُمَّ عَصَرَهُ عَلَى صُلبِه، فَلَمَّا انْقَصَفَ، مَاتَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَأَوَّهُ وَلَا يَنطِقُ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ، فَإِنَّهُ جَاءَ إِلَى الشَّامِ، وَبَقِيَ بِهَا، حَتَّى قَتَلَهُ الوَلِيْدُ الفَاسِقُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: لَبِثَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي العَذَابِ يَوْماً، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى صَدْرِهِ المُضرسَةُ، فَقُتِلَ مِنَ اللَّيْلِ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ - فِي قَوْلِ الهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ - فَأَقْبَلَ عَامِرُ بنُ سَهْلَةَ الأَشْعَرِيُّ، فَعَقَرَ فَرَسَه عَلَى قَبْرِهِ، فَضَرَبَهُ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ سَبْعَ مائَةِ سَوْطٍ.
وَقَالَ فِيْهِ أَبُو الأَشْعَثِ العَبْسِيُّ:
أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حَيّاً وَمَيِّتاً
…
أَسِيْرُ ثَقِيْفٍ عِنْدَهُم فِي السَّلَاسِلِ
لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْمَرْتُمُ السِّجْنَ خَالِداً
…
وَأَوْطَأْتُمُوْهُ وَطْأَةَ المُتَثَاقِلِ
فَإِنْ سَجَنُوا القَسْرِيَّ لَا يَسْجُنُوا اسْمَهُ
…
وَلَا يَسْجُنُوا مَعْرُوْفَهُ فِي القَبَائِلِ
لَقَدْ كَانَ نَهَّاضاً بِكُلِّ مُلِمَّةٍ
…
وَمُعْطِي اللُّهَى غَمْراً كَثِيْرَ النَّوَافِلِ
قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَغَيْرُهُ، قَالَا:
حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
شَهِدتُ خَالِداً القَسْرِيَّ فِي يَوْم أَضْحَى يَقُوْلُ: ضَحُّوا تَقبَّلَ اللهُ مِنْكُم، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالجَعْدِ بنِ دِرْهَمٍ، زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوْسَى تَكلِيماً، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُوْلُ الجَعْدُ عُلُوّاً كَبِيْراً.
ثُمَّ نَزَلَ، فَذَبَحَه (1) .
قُلْتُ: هَذِهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، هِيَ، وَقَتْلُهُ مُغِيْرَةَ الكَذَّابَ.
(1) عبد الرحمن بن محمد وأبوه لا يعرفان، وأخرجه البخاري في " أفعال العباد " ص 69.