الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفا، حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم، حتى استقلت وما كادت، وقال: تبلغوا على هذه. فخرجنا، حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر مع غروب الشمس، فمكنت في ناحية، وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية، وقلت: إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في العسكر، فكبروا وشدوا معي، فوالله إنا لكذلك نتنظر أن نرى غرة وقد ذهبت فحمة العشاء، وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم، فقام زعيمهم رفاعة فأخذ سيفه وقال: لأتبعن أثر راعينا. فقالوا: نحن نكفيك. قال: لا والله لا يتبعني أحد منكم. وخرج حتى يمر بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما نطق، فوثبت إليه، فاحتززت رأسه، ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت وكبر صاحباي، فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه: عندك! بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم، واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجئت برأسه أحمله معي، فأعطاني من تلك الإبل ثلاثة عشر بعيرًا في صداقي، فجمعت إلي أهلي.
سرية محلم بن جثامة:
قال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة، ومحلم بن جثامة بن قيس. حتى إذا كنا ببطن إضم، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي
على قعود له، معه متيع له، ووطب من لبن، فسلم علينا بتحية الإسلام. فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فينا القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] ، إلى آخر الآية. ورواه حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق.
وقال حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضمري يحدث عن أبيه وجده، وقد شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر وجلس في ظل شجرة، فقام إليه عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط، سيد قيس، وجاء الأقرع بن حابس يرد عن محلم بن جثامة، وهو سيد خندف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر:"هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة"؟
فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي. فقام رجل من بني ليث يقال له: ابن مكيتيل، وهو قصد من الرجال، فقال: يا رسول الله، ما أجد لهذا القتيل مثلا في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ففرت أخراها، اسنن اليوم وغير غدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا" فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية. قال قوم محلم: ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء رجل طوال ضرب اللحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تغفر لمحلم". قالها ثلاثا. فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه.
قال ابن إسحاق: وزعم قوم أنه استغفر له بعد.
وقال أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: فحدثني محمد بن جعفر، سمعت زياد بن ضميرة. "ح" قال: وحدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ووهب بن بيان، قالا: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر، أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي. وهذا حديث وهب وهو أتم، يحدث عروة بن الزبير، عن أبيه، قال موسى: وجده، وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، يعني أباه وجده. ثم رجعنا إلى حديث وهب: أن محلم بن جثامة قتل رجلا من أشجع في الإسلام. وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتكلم عيينة في قتل الأشجعي؛ لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس، فذكر القصة إلى أن قال: ومحلم رجل طويل آدم، وهو طرف الناس، فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيناه تدمعان. فقال: يا رسول الله، إني قد فعلت الذي بلغك، وإني أتوب إلى الله، فاستغفر لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لمحلم". بصوت عال.
زاد أبو سلمة: فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه. والله -تعالى- أعلم.