المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم: - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - سيرة ٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ست من الهجرة:

- ‌غزوة ذي قرد:

- ‌مقتل أبي رافع:

- ‌قتل ابن نبيح الهذلي:

- ‌غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع:

- ‌سرية نجد: قيل إنها كانت في المحرم سنة ست:

- ‌إسلام أبي العاص مبسوطًا:

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم في شوال:

- ‌قصة غزوة الحديبية وهي على تسعة أميال من مكة:

- ‌نزول سورة الفتح:

- ‌وفي سنة ست:

- ‌السنة السابعة:

- ‌غزوة خيبر:

- ‌فصل فيمن ذكر أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة:

- ‌ذكر صفية:

- ‌ذكر من استشهد على خيبر:

- ‌قدوم جعفر بن أبي طالب ومن معه:

- ‌شان الشاة المسمومة:

- ‌غزوة وادي القرى:

- ‌سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى نجد:

- ‌سرية عمر رضي الله عنه إلى عجز هوازن:

- ‌سرية بشير بن سعد:

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي:

- ‌سرية حنان:

- ‌سرية أبي حدرد إلى الغابة:

- ‌سرية محلم بن جثامة:

- ‌سرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي:

- ‌عمرة القضية:

- ‌تزويجه عليه السلام بميمونة:

- ‌ثم دخلت سنة ثمان من الهجرة:

- ‌إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد:

- ‌سرية شجاع بن وهب الأسدي:

- ‌سرية نجد:

- ‌سرية كعب بن عمير:

- ‌غزوة مؤتة:

- ‌ترجمة جعفر بن أبي طالب:

- ‌ترجمة زيد بن حارثة:

- ‌ترجمة ابن رواحة:

- ‌واستشهد بمؤته:

- ‌ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌غزوة ذات السلاسل:

- ‌غزوة سيف البحر:

- ‌سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌وفاة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌فتح مكة شرفها الله وعظمها:

- ‌غزوة بني جذيمة:

- ‌غزوة حنين:

- ‌غزوة أوطاس:

- ‌غزوة الطائف:

- ‌قسم غنائم حنين وغير ذلك:

- ‌عمرة الجعرانة:

- ‌قصة كعب بن زهير:

- ‌السنة التاسعة:

- ‌وفي رجب غزوة تبوك:

- ‌أمر الذين خلفوا:

- ‌موت عبد الله بن أبي:

- ‌ذكر قدوم وفود العرب:

- ‌ثم بعد أشهر، قدم وفد ثقيف:

- ‌السنة العاشرة:

- ‌وافد بني سعد:

- ‌إسلام ملوك اليمن:

- ‌حجة الوداع:

- ‌سنة إحدى عشرة:

- ‌سرية أسامة:

- ‌فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم:

- ‌باب جامع من دلائل النبوة:

- ‌باب آخر سور نزلت:

- ‌باب في النسخ والمحو من الصدور:

- ‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌باب: في خصائصه صلى الله عليه وسلم وتحديثه أمته بها امتثالا لأمر الله تعالى، بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}

- ‌باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم:

‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن جده، سمع البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنه خلقا، ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير.

اتفقا عليه من حديث إبراهيم.

وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، مثل القمر.

وقال إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا. رواه مسلم.

وقال المحاربي وغيره، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو كان أحسن في عيني من القمر.

وقال عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده، قال: لا أن سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه، وكان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر.

ص: 355

أخرجه البخاري.

وقال ابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق، وذكر الحديث. متفق عليه.

وقال يعقوب الفسوي: حدثا سعيد، قال: حدثنا يونس بن أبي يعفور العبدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن امرأة من همدان سماها قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة، بيده محجن، فقلت لها: شبهيه. قالت: كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله.

وقال يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا عبد الله بن موسى التيمي، قال: حدثنا أسامة بن زيد، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لو رأيته، لقلت: الشمس طالعة.

وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت أنسا وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا آدم، ليس بجعد قطط، ولا بالسبط، بعث على رأس أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. متفق عليه.

ص: 356

وقال خالد بن عبد الله، عن حميد، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمر اللون.

وقال ثابت، عن أنس: كان أزهر اللون.

وقال علي بن عاصم: أخبرنا حميد، قال: سمعت أنسا يقول: كان صلى الله عليه وسلم أبيض، بياضه إلى السمرة.

وقال سعيد الجريري: كنت أنا وأبو الطفيل نطوف بالبيت، فقال: ما بقي أحد رأى

رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري. قلت: صفه لي. قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم، ولفظه: كان أبيض مليح الوجه.

وقال ابن فضيل، عن إسماعيل، عن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه. متفق عليه.

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون. رواه عنه حماد بن سلمة.

وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن جبير، عن علي: كان صلى الله عليه وسلم مشربا وجهه حمرة. رواه شريك عن عبد الملك بن عمير، عن نافع مثله.

وقال عبد الله بن إدريس وغيره: حدثنا ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه، أن سراقة بن جعشم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دنوت منه، وهو على ناقته، أنظر إلى ساقه كأنها جمارة.

ص: 357

وقال ابن عيينة: أخبرنا إسماعيل بن أمية، عن مزاحم بن أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، عن محرش الكعبي، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلا، فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة.

وقال يعقوب الفسوي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، قال: حدثني عمرو بن الحارث قال: حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، قال: أخبرني محمد بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان شديد البياض.

وقال رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، عن أبي

هريرة، قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه صلى الله عليه وسلم، كأن الأرض تطوى له، إنا لنجتهد، وإنه غير مكترث.

رواه ابن لهيعة، عن أبي يونس.

وقال شعبة، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس الكعبين. أخرجه مسلم.

ورواه أبو داود، عن شعبة فقال: أشهل العينين، منهوس العقب.

وقال أبو عبيد: الشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة: حمرة في سواد العين قلت: ومنهوس الكعب: قليل لحم

ص: 358

العقب. كذا فسره سماك بن حرب لشعبة.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عباد عن حجاج عن سماك عن جابر بن سمرة عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل، وكان في ساقيه حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما.

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم العينين، أهدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كث اللحية.

وقد خالد بن عبد الله الطحان، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قيل لعلي رضي الله عنه: انعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وكان أسود الحدقة، أهدب الأشفار.

وقال عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان مفاض الجبين، زهدب الأشفار، أسود اللحية، حسن الثغر، بعيد ما بين المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، ليس له أخمص.

وقال عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور بين ثناياه. عبد العزيز متروك.

وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن

ص: 359

جبير، عن علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واللحية، شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، طويل المسربة.

روى مثله شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن علي، ولفظه: كان ضخم الهامة، عظيم اللحية.

وقال سعيد بن منصور: حدثنا نوح بن قيس، قال: حدثنا خالد بن خالد التميمي، عن يوسف بن مازن الراسبي أن رجلا قال لعلي: انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان أبيض مشربا حمرة، ضخم الهامة، أغر أبلج أهدب الأشفار.

وقال جرير بن حازم: حدثنا قتادة، قال: سئل أنس عن شعره صلى الله عليه وسلم، فقال: كان لا سبط ولا جعد بين أذنيه وعاتقه. متفق عليه.

وقال همام، عن قتادة، عن أنس: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب منكبيه. البخاري.

وقال حميد، عن أنس، كان إلى أنصاف أذنيه. مسلم.

قلت: والجمع بينهما ممكن.

وقال معمر، عن ثابت، عن أنس: كان إلى شحمة أذنيه. أبو داود في "السنن".

وقال شعبة: أخبرنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، يبلغ شعره شحمة أذنيه،

ص: 360

عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه. متفق عليه.

وأخرجه البخاري من حديث إسرائيل، ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق الله في حلة حمراء، أحسن منه، وإن جمته تضرب قريبا من منكبيه.

وأخرجه مسلم من حديث الثوري، ولفظه: له شعر يضرب منكبيه، وفيه: ليس بالطويل ولا بالقصير.

وقال شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير، قال: وصف لنا علي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان كثير شعر الرأس رجله. إسناده حسن.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة، ودون الجمة. أخرجه أبو داود، وإسناده حسن.

وقال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلى الله علبه السلام مكة قدمة، وله أربع غدائر، تعني ضفائر. لم يدرك مجاهد أم هانئ، وقيل: سمع منها، وذلك ممكن.

وقال إبراهيم بن سعد: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر يه. وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون

ص: 361

رؤوسهم، فسدل ناصيته ثم فرق بعد. البخاري ومسلم.

وقال ربيعة الرأي: رأيت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: من الطيب. أخرجه البخاري ومسلم.

وقال أيوب، عن ابن سيرين: سألت أنسا: أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لم ير من الشيب إلا قليلا. أخرجاه، وله طرق في الصحيح بمعناه عن أنس.

وقال المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختضب، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا، وفي الصدغين يسيرا، وفي الرأس يسيرا. أخرجه مسلم.

وقال زهير بن معاوية وغيره، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم هذه

منه بيضاء، ووضع زهير بعض أصابعه على عنفقته. أخرجه مسلم. وأخرجه مسلم من حديث إسرائيل.

وقال البخاري: حدثنا عاصم بن خالد قال: حدثنا حريز بن عثمان، قلت: لعبد الله بن بسر: أكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخا؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض.

وقال شعبة وغيره، عن سماك، عن جابر بن سمرة، وذكر شمط النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان إذا ادهن لم ير، وإذا لم يدهن تبين. أخرجه مسلم.

ص: 362

وقال إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وإذا ادهن ومشطه لم يستبن. أخرجه مسلم.

وقال أبو حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي، قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت إلينا من شعر رسول اله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم.

صحيح أخرجه البخاري، ولم يقل:"بالحناء والكتم"، من حديث سلام بن أبي مطيع، عن عثمان.

وقال إسرائيل، عن عثمان بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم، فيه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أصاب إنسانا الحمى، بعث إليها فخضخضته فيه، ثم ينضحه الرجل على وجهه، قال: بعثني أهلي إليها فأخرجته، فإذا هو هكذا -وأشار إسرائيل بثلاث أصابع- وكان فيه شعرات حمر. البخاري.

محمد بن أبان المستملي: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا أبان العطار، عن يحيى بن

أبي كثير، عن أبي سلمة، أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه أن أباه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في المنحر، هو ورجل من الأنصار، فقسم ضحايا بين أصحابه، فلم يصبه شيء هو وصاحبه، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه، وأعطاه إياه، فقسم منه على رجال وقلم أظفاره، فأعطاه صاحبه قال: فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم، يعني: الشعر. هذا خبر مرسل.

وقال شريك، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة، رواه يحيى بن آدم،

ص: 363

عنه.

وقال جعفر بن برقان: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: قدم أنس بن مالك المدينة، وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر، وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد رأيت شعرا من شعره قد لون؟ فقال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد، ولو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه ولحيته، ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة، وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غير لونه.

وقال أبو حمزة السكري، عن عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط، عن أبي رمثة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء.

وقال أبو نعيم: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، قال: حدثني أبي، عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟ قلت: لا.

قال: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقشعررت حين قال ذلك، كنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران.

وقال عمرو بن محمد العنقزي: أخبرنا ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران.

وقال النضر بن شميل: حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري،

ص: 364

عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر، مفاض البطن، عظيم مشاش المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.

وقال جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، لم أر بعده مثله، وفي لفظ: كان ضخم الكفين والقدمين، سائل العرق. أخرج البخاري بعضه.

وقال معمر وغير، عن قتادة، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والقدمين.

وقال أبو هلال، عن قتادة، عن أنس -أو عن جابر بن عبد الله، شك موسى بن إسماعيل فيه- عن أبي هلال، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضخم القدمين والكفين، لم أر بعده شبيها به صلى الله عليه وسلم. أخرجهما البخاري تعليقا، وهما صحيحان.

وقال شعبة، عن سماك عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين. قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب.

أخرجه مسلم.

وقال يزيد بن هارون: حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم بن ضبة، قال: حدثتني عمتي سارة، عن ميمونة بنت كردم، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وهو على ناقة له، وأنا مع أبي، وبيد النبي صلى الله عليه وسلم درة كدرة الكباث، فدنا منه أبي، فأخذ بقدمه، فأقر له رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم.

قالت: فما

ص: 365

نسيت طول إصبعه السبابة على سائر أصابعه.

وقال عثمان بن عمر بن فارس: حدثنا حرب بن سريج الخلقاني، قال: حدثني رجل من بلعدوية، قال: حدثني جدي، قال: انطلقت إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل حسن الجسم، عظيم الجبهة، دقيق الأنف، دقيق الحاجبين، وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود شعره، ورأيته بين طمرين فدنا مني فقال:"السلام عليك".

وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، وقاله شريك، عن عبد الملك بن عمير، كلاهما عن نافع بن جبير، واللفظ لشريك قال: وصف لنا علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا قصير ولا طويل وكان يتكفأ في مشيته كأنما يشمي في صبب -ولفظ المسعودي: كأنما ينحط من صبب- لم أر قبله ولا بعده مثله. أخرجه النسائي.

عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك. أخرجه البخاري تعليقا.

وقال خالد بن عبد الله، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قيل لعلي: انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: كان لا قصير ولا طويل، وهو إلى الطول أقرب، وكان شثن الكف والقدم، في صدره مسربة، كأن عرقة لؤلؤ، إذا مشى تكفأ كأنما

ص: 366

يمشي في صعد ورؤي نحوه من وجه آخر عن علي.

وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا، ولا شيئا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري.

وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ثابت.

وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، فذكر مثله وزاد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذ مشى تكفأ. أخرجه مسلم.

وقال شعبة، عن يعلى بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمنى فقلت: ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي من الثلج وأطيب ريحا من المسك.

وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين"؟ قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا، وهو أطيب الطيب. أخرجه مسلم.

وقال وهيب: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس فذكره، وفيه: وكان صلى الله عليه وسلم كثير العرق. رواه مسلم.

ص: 367

خاتم النبوة:

قال حاتم بن إسماعيل: حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة. أخرجاه، ووهم من قال: رز الحجلة، وهو بيضها.

وقال إسرائيل، عن سماك، سمع جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مستديرا مثل الشمس والقمر، ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده. أخرجه مسلم.

وقال حماد بن زيد وغيره: حدثنا عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: درت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى، جمعا، عليه خيلان كأمثال الثآليل. أخرجه مسلم أطول من هذا.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا قرة بن خالد، قال: حدثنا معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرني

ص: 368

الخاتم: قال أدخل يدك، فأدخلت يدي في جربانة، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه

ذاك أن جعل يدعو لي، وإن يدي لفي جربانه. رواه يحيى بن أبي طالب، عن أبي داود، لكن قال:"مثل السلعة".

قال عبيد الله بن إياد بن لقيط: حدثني أبي، عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال: يا رسول الله إني كأطب الرجال، أفأعالجها لك؟ قال:"لا، طببها الذي خلقها" رواه الثوري، عن إياد بن لقيط، وقال:"مثل التفاحة". وإسناده صحيح.

وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا عبد الله بن ميسرة، قال: حدثنا عتاب، قال: سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الذي بين كتفي النفي صلى الله عليه وسلم لحمة نابتة.

وقال قيس بن حفص الدارمي: حدثنا مسلمة بن علقمة، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي رداءه، وقال: انظر إلى ما أمرت به. قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمام. إسناده حسن.

وقال الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن سعيد بن أبي راشد، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 369

بحمص، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ الفند أو قريبا، فقلت: ألا تخبرني؟ قال: بلى، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، فانطلقت بكتاب هرقل، حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهري أصحابه محتب على الماء فقال:"يا أخا تنوخ"، فأقبلت أهوي حتى قمت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره، ثم قال:"ههنا امض لما أمرت به" فجلت في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة.

ص: 370

باب جامع من صفاته صلى الله عليه وسلم:

قال عيسى بن يونس: حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي، قال: كان علي رضي الله عنه إذا نعت رسول صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، كان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف -أو قال الكتد- أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، أجود الناس كفا وأجرى الناس صدرا، وأصدقهم لهجة، وأوفاهم بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو عبيد في "الغريب": حدثنيه أبو إسماعيل المؤدب، عن عمر مولى غفرة، عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية قال: كان علي إذا نعت، فذكره.

قوله: ليس بالطويل الممغط: يقول: ليس بالبائن الطول ولا القصير المتردد: يعني الذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو مجتمع ليس بسبط الخلق، يقول: ليس هو كذلك ولكنه ربعة.

والمطهم: قال الأصمعي: التام كل شيء منه على حدته، فهو بارع الجمال، وقال غيره، المكلثم: المدور الوجه، يقول: ليس هو كذلك ولكنه مسنون.

ص: 371

والدعج: شدة سواد العين.

والجليل: المشاش: العظيم رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين.

والكتد: الكاهل وما يليه من الجسد.

وشثن الكفين: يعني أنها إلى الغلظ.

والصبب: الانحدار.

والقطط: مثل شعر الحبشة.

والأزهر: الذي يخالط بياضه شيء من الحمرة.

والأمهق: الشديد البياض.

وشبح الذراعين: يعني عبل الذراعين عريضهما.

والمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة.

وقال الأصمعي: التقلع: المشي بقوة.

وقال يعلى بن عبيد، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن عبد الله بن عمران، عن رجل من الأنصار، أنه سأل عليا، عن نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبيض مشرب حمرة، أدعج، سبط الشعر، ذو وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر، يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنا ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقة أطيب من المسك، ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا العاجز ولا اللئيم، لم أر قبله ولا بعده مثله.

ص: 372

قال البيهقي: أخبرنا أبو علي الروذباري، قال: أخبرنا عبد الله بن عمر بن شوذب، قال: أخبرنا شعيب بن أيوب الصريفيني عنه. وقال حفص بن عبد الله النيسابوري: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن حميد، عن أنس، قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالآدم، ولا الأبيض الشديد البياض، فوق الربعة ودون الطويل، كان من أحسن من رأيت من خلق الله، وأطيبه ريحا وألينه كفا، كان يرسل شعره إلى أنصاف أذنيه، وكان يتوكأ إذا مشى.

وقال معمر، عن الزهري، قال: سئل أبو هريرة عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان أحسن الناس صفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ لكلها، ليس أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك يتلألأ، لم أرق قبله ولا بعده مثله، رواه عبد الرزاق عنه.

وقال أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان الكعبي الخزاعي: حدثني عمي أيوب بن الحكم، عن حزام بن هشام، عن أبيه، عن جده حبيش بن خالد رضي الله عنه الذي قتل بالبطحاء يوم الفتح، وهو أخو عاتكة -أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة هو وأبو بكر، ومولى لأبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرا ولحما يشترونه منها، فلم يصيبوا شيئا، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

شاة في كسر

ص: 373

الخيمة، فقال:"ما هذه الشاة يا أم معبد"؟ قالت: شاة خلفها الجد عن الغنم.

فقال: "هل بها من لبن"؟ قالت: هي أجهد من ذلك قال: "أتأذنين أن أحلبها"؟ قالت: نعم بأبي وأمي، إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم. ثم حلب ثانيا بعد بدء، حتى ملأ الإناء، ثم غادر عندها وبايعها، وارتحلوا عنها.

فقل ما لبثت، حتى جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنزا عجافا تساوكن هزلا مخهن قليل. فلما رأي أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد؟ والشاء عازب حيال، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي، قالت: رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال

ص: 374

أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند.

قال أبو معبد: هذا والله صاح قريش، الذي ذكر لنا من أمه، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.

وأصبح صوت بمكة عال، يسمعون الصوت، ولا يدرون من صاحبه، وهو يقول:

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين قالا خيتمي أم معبد

هما نزلاها بالهدى واهتدت به

فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيال قصي ما زوى الله عنكم

به من فعال لا تجاري وسؤدد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

عليه صريحا ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنا لديها لحالب

يرددها في مصدر ثم مورد

فلما سمع بذلك حسان بن ثابت شبب يجاوب الهاتف، فقال:

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقدس من يسري إليهم ويغتدي

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا

عمايتهم هاد به كل مهتد

وقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدى حلت عليهم بأسعد

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلوا كتاب الله في كل مسجد

وإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد

ليهن أبا بكر سعادة جده

بصحبته من يسعد الله يسعد

ص: 375

قوله: إذا مشى تكفأ: يريد أنه يميد في مشيته، ويمشي في رفق غير مختال.

وقوله: فخما مفخما: قال أبو عبيد: الفخامة في الوجه نبله وامتلاؤه، مع الجمال والمهابة وقال ابن الأنباري: معناه أنه كان عظيما معظما في الصدور والعيونن ولم يكن خلقه في جسمه ضخما.

وأقنى العرنين: مرتفع الأنف قليلا مع تحدب، وهو قريب من الشمم.

والشنب: ماء ورقة في الثغر.

والفلج: تباعد ما بين الأسنان.

والدمية: الصورة المصورة.

وقد روى حديث أم معبد أبو بكر البيهقي فقال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني، قال: حدثنا مكرم بن محرز بن مهدي، قال: حدثنا أبي، عن حزام بن هشام. فذكر نحوه.

ورواه أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيوب بن الحكم الخزاعي بقديد، إملاء على أبي عمرو بن مطر، قال: حدثنا عمي سليمان بن الحكم.

وسمعه ابن مطر بقديد أيضا، من محمد بن محمد بن سليمان بن الحكم، عن أبيه.

ورواه عن مكرم بن محرز الخزاعي -وكنيته أبو القاسم- يعقوب بن سفيان الفسوي، مع تقدمه، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وجماعة آخرهم القطيعي.

ص: 376

وقال الحاكم: سمعت الشيخ الصالح أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي يقول: حدثنا مكرم بن محرز عن آبائه، فذكر الحديث، فقلت له: سمعته من مكرم؟ قال: إي والله، حج بي أبي، وأنا ابن سبع سنين، فأدخلني على مكرم.

ورواه البيهقي أيضا في اجتياز النبي صلى الله عليه وسلم بخيمتي أم معبد، من حديث الحسن بن مكرم، وعبد الله بن محمد بن الحسن القيسي، قالا: حدثنا أبو أحمد بشر بن محمد المروزي السكري، قال: حدثنا عبد الملك بن وهب المذحجي، قال: حدثنا الحر بن الصياح، عن أبي معبد الخزاعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج هو، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي -كذا قال: الليثي، وهو الديلي- مروا بخيمتي أم معبد، فذكر الحديث بطوله.

وقولها ظاهر الوضاءة: أي ظاهر الجمال.

ومرملين: أي: قد نفد زادهم. ومسنتين: أي: داخلين في السنة والجدب.

وكسر الخيمة: جانبها.

وتفاجت: فتحت ما بين رجليها.

ويربض الرهط: يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا، والرهط من الثلاثة إلى العشرة.

والثج: السيل.

والبهاء: وبيض رغوة اللبن، فشربوا حتى أرضوا، أي: رووا كذا جاء في بعض طرقه.

وتساوكن: تمايلن من الضعيف، ويروى: تشاركن، أي: عمهن الهزال.

ص: 377

والشاء عازب: بعيد في المرعى.

وأبلج الوجه: مشرق الوجه مضيئه.

والثجلة: عظم البطن مع استرخاء أسفله.

والصعلة: صغر الرأس، ويروى صقلة وهي الدقة والمضرة، والصقل: منقطع الأضلاع من الخاصرة.

والوسيم: المشهور بالحسن، كأنه صار الحسن له سمة.

والقسيم: الحسن قسمة الوجه.

والوطف: الطول.

والصحل: شبه البحة.

والسطع: طول العنق.

لا تقتحمه عين من قصر: أي: لا تزدريه لقصره فتجاوزه إلى غيره، بل تهابه وتقبله.

والمحفود: المخدوم.

والمحشود: الذي يجتمع الناس حوله.

والمفند: المنسوب إلى الجهل وقلة العقل.

والضرة: أصل الضرع.

ومزبد: خفض على المجاورة.

ص: 378

وقوله: فغادرها رهنا لديها لحالب: أي: خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر.

قال سفيان بن وكيع بن الجراح: حدثنا جميع بن عمر العجلي إملاء، قال: حدثنا رجل من بني تميم -من ولد أبي هالة زوج خديجة، يكنى أبا عبد الله- عن ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة -وكان وصافا- عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إذا انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين. أزج الحواجب: سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن، متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن، وما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل -أو سائر- الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح

القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو

ص: 379

تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقبه بالسلام.

قال: قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام، بأشداقه، ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعدي الحق، لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.

قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، يعني إلى هند بن أبي هالة، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله، فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين: فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، وكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزء جزأه بينه وبين الناس، ورد ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته

ص: 380

عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، يقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فغنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، ولا يذكر عنده إلى ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة يعني على الخير.

فسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان يخزن لسانه إلا مما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفلوا مخافة أن يغفلوا أو

يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده أحسنهم مواساة.

فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه.

من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف. ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطة وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثي فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه

ص: 381

الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. أخرج الترمذي أكثره مقطعا في "كتاب الشمائل".

ورواه زكريا بن يحيى السجزي، وغيره، عن سفيان بن وكيع.

ورواه إسحاق بن راهوية، وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، عن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا جميع بن عمر العجلي، عن رجل يقال له: يزيد بن عمر التميمي -من ولد أبي هالة- عن أبيه، عن الحسن بن علي، وفيه زائد من هذا الوجه وهو: فسألته عن سيرته في جلسائه، فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهيه، ولا يؤيس منه، ولا يحبب في، قد ترك نفسه من ثلاث: من المراء، والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له، وكان يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليتسجلبونهم، ويقول:"إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه"، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه بنهي أو قيام.

فسألته: كيف كان سكوته؟ قال: على أربع: على الحلم، والحذر، والتدبر، والتفكر، فأما تدبره، ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا

ص: 382

يغضبه شيء ولا يستفزه. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالخير

ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام بهم، والقيام فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم.

ورواه بطوله كله يعقوب الفسوي: حدثنا أبو غسان النهدي، وسعيد بن حماد الأنصاري المصري، قالا: حدثنا جميع بن عمر، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن لأبي هالة، فذكره.

ورواه الطبراني، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي غسان النهدي.

قرأت على أبي الهدى عيسى بن يحيى السبتي، أخبركم عبد الرحيم بن يوسف الدمشقي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، قال: أخبرنا أبو سعد الحسين بن الحسين الفانيذي، وأبو مسلم عبد الرحمن بن عمر السمناني، وأبو سعد محمد بن عبد الملك الأسدي، قالوا: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم التاجر، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي المعروف بابن أخي أبي طاهر، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي، قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد بن علي، عن أخيه موسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: سألت خالي هند بن أبي هالة، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وصافا، وأنا أرجو أن يصف لي منه شيئا أتعلق به، فقال: كان فخما مفخما. فذكر مثل حديث جميع بن عمر بطوله، إلا في ألفاظ: قال في عريض الصدر: فسيح الصدر، وقال: رحب الجبهة بدل رحب الراحة، وقال: يبدأ بدل يبدر

ص: 383

من لقيه بالسلام، وقال: طويل السكوت بدل السكت، وقال: لم يكن ذواقا ولا مدحة بدل لا يذم ذواقا ولا يمدحه، وأشياء سوى هذا بالمعنى.

قوله متماسك: أي ممتلئ البدن غير مسترخ ولا رهل، والمتجرد: المتعري، واللبة: النحر، والسائر والسائل: هو الطويل السابغ، والأخمص: ما يلصق من القدم بالأرض، والممسوح: الأملس الذي ليس فيه شقوق، ولا وسخ، ولا تكسر، فالماء ينبو عنهما لذلك إذا أصابهما.

وقوله: زال قلعا، المعنى أنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا بقوة لا كمن يمشي اختيالا ويشحط مداسه دلكا بالأرض، ويروى: زال قلعا. ومعناه: التثبت، والذريع: السريع.

يسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، والجافي: المتكبر، والمهين: الوضيع، والذوق: الطعام،

وأشاح: أي اجتنب ذاك وأعرض عنه. وحب الغمام: البرد، والشكل: النحو والمذهب، والعتاد: ما يعد للأمر مثل السلاح وغيره.

وقوله: لا تؤبن فيه الحرم: أي: لا تذكر بقبيح، ولا تنثى فلتاته: أي: لا تذاع، أي: لم يكن لمجلسه فلتات فتذاع، والنثا في الكلام: القبيح والحسن.

وقد مر في حديث الإسراء أنه قال: رأيت إبراهيم وهو قائم يصلي، فإذا أشبه الناس به صاحبكم، يعني نفسه صلى الله عليهما.

وقال إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن قريشا أتوا كاهنة فقالوا لها:

أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام، قالت: إن جررتم كساء على هذه السهلة، ثم مشيتم عليها أنبأتكم ففعلوا، فأبصرت أثر قدم محمد صلى عليه وسلم قالت: هذا أقربكم شبها به، فمكثوا بعد

ص: 384

ذلك عشرين سنة أو نحوها، ثم بعث عليه السلام.

وقال أبو عاصم، عن عمرو بن سعيد بن أبي حسن، عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث، قال: صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه العصر، ثم خرج هو وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلماء، فأخذه فحمله على عاتقه ثم قال:

بأبي شبيه النبي

ليس شبيها بعلي

وعلي يتبسم. أخرجه البخاري عن أبي عاصم.

وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ عن علي رضي الله عنه قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.

ص: 385

باب قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} :

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا".

وقال البخاري ومسلم: مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله، فينتقم لله بها.

وقال هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط، لا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله. رواه مسلم.

وقال أنس: خدمته صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فوالله ما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟.

وقال عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا. أخرجه مسلم.

وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس،

ص: 386

وأجمل الناس، وأشجع الناس. متفق عليه.

وقال فليح، عن هلال بن علي، عن أنس: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فاحشا، ولا لعانا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترب جبينه. أخرجه البخاري.

وقال الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وأنه كان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقا. متفق عليه.

وقال أبو داود: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع أبا عبد الله الجدلي يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشًا، ولا متفحشا، ولا سخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.

وقال شعبة، عن قتادة: سمعت عبد الله بن أبي عتبة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. متفق عليه.

وقال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الإيمان".

وقال مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركها أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا، حتى نظرت إلى صفحة عاتقه قد أثرت بها حاشية

ص: 387

البرد، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء. متفق عليه.

وقال عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم، قال: كان رجل من الأنصار يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويأمنه، وأنه عقد للنبي صلى الله عليه وسلم عقدا، فألقاه في بئر فصرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا، وهي

في بئر فلان، ولقد اصفر الماء من شدة عقده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج العقد، فوجد الماء قد اصفر، فحل العقد، ونام النبي صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات.

وقال أبو نعيم: حدثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي، قال: حدثني زيد العمى، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل لا ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل ينزع، وإن استقبله بوجهه، لا يصرفه عنه، حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير مقدما ركبته بين يدي جليس له. أخرجهما الفسوي عنهما في تاريخه.

وقال مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس: ما رأيت رجلا التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رسول الله أخذ بيد رجل فترك يده، حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده. أخرجه أبو داود.

وقال سليمان بن يسار، عن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 388

مستجمعا ضاحكًا، حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم. متفق عليه.

وقال سماك بن حرب: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرا، كان لا يقوم من مصلاه حتى تطلع الشمس، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم. رواه مسلم.

وقال الليث بن سعد، عن الوليد بن أبي الوليد، أن سليمان بن خارجة أخبره، عن أبيه أن نفرا دخلوا على زيد بن ثابت أبيه، فقالوا: حدثنا عن بعض أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه، فأكتب الوحي وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا.

وقال إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي قال: لما كان يوم بدر، اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه.

وقال الثوري، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرا يقول: لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا. متفق عليه.

وقال يونس، عن الزهري، عن عبد الله عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. متفق عليه.

وقال حميد الطويل، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: أتى رجل

ص: 389

النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فأمر له بغنم بين جبلين، فأتى قومه فقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة. أخرجه مسلم.

وقال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في بيته يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.

وقال أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، قيل لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاتهن ويخدم نفسه.

وقال شعبة: حدثني مسلم الأعور أبو عبد الله، سمع أنسا يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويجيب دعوة المملوك، ولقد رأيته يوم خيبر على حمار، خطامه من ليف.

وقال مروان بن محمد الطاطري: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثني عمار بن غزية، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي.

وفي "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبا عمير ما فعل النغير"؟ .

وقال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس، أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال:"يا أم فلان، انظري، أي طريق شئت قومي فيه، حتى أقوم معك"، فخلا معها يناجيها، حتى قضت حاجتها. أخرجه مسلم.

ص: 390

باب هيبته وجلاله وحبه وشجاعته وقوته وفصاحته:

قال جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي مسعود، قال: إني لأضرب غلاما لي، إذ سمعت صوتا من خلفي:"اعلم أبا مسعود"، قال: فجعلت لا ألتفت إليه من الغضب، حتى غشيني، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته وقع السوط من يدي من هيبته، فقال لي:"والله، لله أقدر عليك منك من هذا"، فقلت: والله يا رسول الله لا أضرب غلاما لي أبدا. هذا حديث صحيح.

وقال شعبة، عن قتادة، عن انس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". أخرجه مسلم.

وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2]، فقال أبو بكر وغيره: لا نكلمك يا رسول الله إلا كأخي السرار.

وقال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .

ص: 391

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نصرت بالرعب، يسير بين يدي مسيرة شهر".

وقال زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي رضي الله عنه قال: كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أقرب إلى القوم منه، وقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين، كما يأتي في غزواته.

قال زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن يوم حنين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي على

بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود بلجامها، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم واستنصر، ثم قال:

"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".

ثم تراجع الناس.

وسيأتي هذا مطولا.

وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجمل الناس وجها، وأجودهم كفا، وأشجعهم قلبا، خرج وقد فزع أهل المدينة، فركب فرسا لأبي طلحة عربا، ثم رجع وهو يقول:"لن تراعوا، لن تراعوا". متفق عليه.

وقال حاتم بن الليث الجوهري: حدثنا حماد بن أبي حمزة السكري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، قال: يا رسول الله ما

ص: 392

لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: "كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها جبريل فحفظنيها". هذا من "جزء الغطريف".

وقال عباد بن العوام: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال رجل: يا رسول الله ما أفصحك، ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال:"حق لي، وإنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين".

وقال هشيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه". قلنا: علمنا مما علمك الله، فعلمنا التشهد في الصلاة.

ص: 393

باب زهده صلى الله عليه وسلم:

وبذلك يوزن الزهد وبه يحد:

قال الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .

وقال بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن عبد الله بن عباس، قال: كان ابن عباس يحدث أن الله -تعالى- أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة معه جبريل عليه السلام فقال الملك: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل أكون عبدا نبيا". قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه تعالى.

وقال عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، قال: حدثني ابن عباس، أن عمر رضي الله عنهم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدنى عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير قد أثر بجنبه، فقلبت عيني في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين -أو قال قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ، نحو الصاعين، وإذا أفيق معلق أو أفيقان، قال: فابتدرت عيناي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما يبكيك يا ابن الخطاب"؟ قلت: يا رسول الله وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله عز وجل ورسوله وخيرته، وهذه خزانتك! وكسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت هكذا. فقال:

"يا ابن

ص: 394

الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا"؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: "فاحمد الله عز وجل". أخرجه مسلم.

وقال معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس، عن عمر في هذه القصة، قال: فما رأيت في البيت شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا وقال:"أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". فقلت: أستغفر الله، وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله تعالى. اتفقا عليه من حديث الزهري.

قرأت على إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، سنة أربع وتسعين، أخبركم العلامة أبو محمد بن قدامة، أن شهدة بنت أبي نصر أخبرتهم، قالت: أخبرنا أبو غالب الباقلاني، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا أبو سهل بن زياد، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول بشريط، وتحت رأسه مرفقة حشوها ليف، فدخل عليه ناس من أصحابه فيهم عمر رضي الله عنه فاعوج النبي صلى الله عليه وسلم اعوجاجة، فرأيى عمر أثر الشريط في جنب النبي صلى الله عليه وسلم فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما يبكيك"؟ قال: كسرى وقيصر يعيثان فيما يعيثان فيه، وأنت على هذا السرير! فقال:"أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"؟ قال: بلى،

ص: 395

فقال: "فهو والله كذلك". إسناده حسن.

وقال المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:

اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير، فأثر بجلده، فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي وأمي ألا آذنتنا فنبسط لك؟ قال: "ما لي وللدنيا، إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها". هذا حديث حسن قريب من الصحة.

وقال يونس، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو أن لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن تأتي علي ثلاث ليال، وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لديني". أخرجه البخاري.

وقال الأعمش، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا". أخرجه مسلم والبخاري من وجه آخر.

وقال إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة، قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى توفي. أخرجه مسلم.

وقال الثوري: حدثنا عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، عن أبيه، أن عائشة قالت: كنا نخرج الكراع بعد خمس عشرة فنأكله، فقلت: ولم تفعلون؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى لحق بالله. أخرجه البخاري.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: كنا يمر بنا الهلال

ص: 396

والهلال والهلال، ما نوقد

بنار لطعام، إلا أنه التمر والماء، إلا أن حولنا أهل دور من الأنصار، فيبعثون بغزيرة الشاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك اللبن. متفق عليه.

وقال همام: حدثنا قتادة: كنا نأتي أنس بن مالك، وخبازه قائم، فقال: كلوا، فما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. أخرجه البخاري.

وقال هشام الدستوائي، عن يونس، عن قتادة، عن أنس قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق فقلت لأنس: على ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. أخرجه البخاري.

وقال شعبة عن أبي إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن يزد يحدث، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض. أخرجه مسلم.

وقال هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير، وإهالة سنخة ولقد رهن درعه عند يهودي، فأخذ لأهله شعيرا، ولقد سمعته ذات يوم يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب، وإنهم يومئذ تسعة أبيات. أخرجه البخاري.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف. متفق عليه.

ص: 397

أخبرنا الخضر بن عبد الله بن عمر، وأحمد بن عبد السلام، وأحمد بن أبي الخير، كتابة أن عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أجاز لهم، قال: أخبرنا علي بن بنان، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو علي الصفار سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما هذا يا عائشة"؟ قلت: فلانة رأت فراشك، فبعثت إلي بهذا. فقال:"رديه يا عائشة".

قالت: فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرار، قال: فقال: "رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة".

أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، عن إسماعيل بن محمد، عن عباد بن عباد -وهو ثقة- عن مجالد، وليس بالقوي.

وأخرجه محمد بن سعد الكاتب، عن سعيد بن سليمان الواسطي، عن عباد بن عباد.

وقال زائدة: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن أم سلمة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ساهم الوجه، فحسبت ذلك من وجع، فقلت: يا رسول الله ما لي أراك ساهم الوجه؟ قال: من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس، وأمسينا ولم ننفقهن، فكن في خمل الفراش. هذا حديث صحيح الإسناد.

ص: 398

وقال بكر بن مضر، عن موسى بن جبير، عن أبي أمامة بن سهل، قال: دخلت علي عائشة أنا وعروة، فقالت: لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له، وكانت عندي ستة دنانير زو سبعة، فأمرني أن أفرقها، فشغلني وجعه حتى عافاه الله، ثم سألني عنها، ثم دعا بها فوضعها في كفه فقال:"ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده".

وقال جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد.

وقال بكار بن محمد السيريني: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على بلال، فوجد عنده صبرا من تمر، فقال:"ما هذا يا بلال"؟ قال:

تمرا أدخره. قال: "ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن يكون لك بخار في النار، أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا". بكار ضعيف.

وقال معاوية بن سلام عن زيد، أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد الله أبو عامر الهوزني، قال: لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب، فقلت: حدثني كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان له شيء من ذلك إلا أنا الذي كنت ألي ذلك منه، منذ بعثه الله إلى أن توفي، فكان إذا أتاه الإنسان المسلم، فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشيء فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما كان ذات يوم، توضأت، ثم قمت لأوذن بالصلاة، فإذا المشرك في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي! قلت: يا لبيه، فتجهمني، وقال قولا غليظا، فقال: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع ليال، فآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك، ولا من كرامة صاحبك، ولكن

ص: 399

أعطيتك لتجب لي عبدا، فأردك ترعى الغنم، كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت ثم أذنت بالصلاة، حتى إذا صليت العتمة رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فاستأذنت عليه، فاذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك قال لي: كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا، حتى يرزق الله رسوله ما يقضي عني.

فخرجت، حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي ورمحي ونعلي عند رأسي، واستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت علي ليلا نمت، حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى، يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت حتى أتيته، فغذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"أبشر، فقد جاءك الله بقضائك". فحمدت الله قال: "ألم تمر على الركائب المناخات الأربع "؟ قلت: بلى قال: "فإن لك رقابهن وما عليهن". فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك، فحططت عنهن، ثم عقلتهن، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني، فناديت وقلت: من كان يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين في الأرض، حتى فضل عندي أوقيتان، أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد، وقد ذهب عامة النهار، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده، فسلمت عليه فقال لي:"ما فعل ما قبلك"؟ قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول

الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شيء فقال: "فضل شيء"؟ قلت: نعم ديناران. قال: "انظر أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما". فلم يأتنا أحد، فبات

ص: 400

في المسجد حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى كان في آخر النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما، فكسوتهما وأطعمتهما، حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال:"ما فعل الذي قبلك"؟ قلت: قد أراحك الله منه فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت، وعنده ذلك، ثم اتبعته، حتى جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة، حتى أتى مبيته. أخرجه أبو داود عن أبي توبة الحلبي، عن معاوية.

وقال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا أبو هاشم الزعفراني، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، أن أنس بن مالك حدثه أن فاطمة رضي الله عنهما جاءت بكسرة خبز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما هذه"؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة، فقال:"أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام".

وقال أبو عاصم، عن زينب بنت أبي طليق، قالت: حدثني حبان بن جزء -أو بحر- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشد صلبه بالحجر من الغرث.

وقال أبو غسان النهدي: حدثنا إسرائيل، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: بينما عائشة ذات يوم إذ بكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: ما ملأت بطني من طعام فشئت أن أبكي إلا بكيت أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان فيه من الجهد.

وقال خالد بن خداش: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني جرير بن حازم، عن يونس، عن الحسن، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والله ما أمسى في آل محمد صاع من طعام، وإنها لتسعة أبيات". والله ما قالها

ص: 401

استقلال لرزق الله، ولكن أراد أن تتأسى به أمته. روى الأربعة "ابن سعد" عن هؤلاء.

وقال أبان، عن قتادة، عن أنس، أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه.

وقال أنس: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم تمر، فرأيته يأكل منه مقعيا من الجوع.

وقالت أسماء بنت يزيد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ودرعه مرهونة عند يهودي على شعير.

ص: 402

فصل من شمائله وأفعاله:

وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع".

وكان صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل واللحم، ولا سيما الذراع. وكان يأتي النساء، ويأكل اللحم، ويصوم، ويفطر، وينام، ويتطيب إذا أحرم وإذا حل، وإذا أتى الجمعة، وغير ذلك، ويقبل الهدية، ويثيب عليها ويأمر بها، ويجيب دعوة من دعاه، ويأكل ما وجد، ويلبس ما وجد من غير تكلف لقصد ذا ولا ذا، ويأكل القثاء بالرطب، والبطيخ بالرطب، وإذا ركب أردف بين يديه الصغير أو يردف وراءه عبده أو من اتفق، ويلبس الصوف ويلبس البرود الحبرة، وكانت أحب اللباس إليه، وهي برود يمنية فيها حمرة وبياض، ويتختم في يمينه بخاتم فضة نقشه "محمد رسول الله" وربما تختم في يساره.

وكان يواصل في صومه، ويبقى أياما لا يأكل، وينهى عن الوصال، ويقول:"إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".

وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد أتى بمفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يقبلها، واختار الآخرة عليها، وكان كثير التبسم، يحب الروائح الطيبة وكان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه.

وكان لا يكتب ولا يقرأ ولا معلم له من البشر، نشأ في بلاد جاهلية، وعبادة وثن، ليسوا بأصحاب علم ولا كتب، فآتاه الله من العلم

ص: 403

ما لم يؤت أحدا من العالمين، قال الله في حقه:

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3، 4] .

وكل هذه الأطراف من الأحاديث فصحاح مشهورة.

وقال صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة".

وقال أنس: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في ضحوة بغسل واحد.

وكان يحب من النساء عائشة رضي الله عنها ومن الرجال أباها أبا بكر رضي الله عنه وزيد بن حارثة، وابنه أسامة، ويقول:"آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار".

ويحب الحسن والحسين سبطيه، ويقول:"هما ريحانتاي من الدنيا".

ويحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه.

ويحب التيمن في ترجله وتنعله، وفي شأنه كله.

وكان يقول: "إني أخشاكم الله وأعلمكم بما اتقى".

وقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا".

وقال: "شيبتني هود وأخواتها".

وكل هذا في الصحاح.

ص: 404

باب من اجتهاده وعبادته صلى الله عليه وسلم:

قال ابن عيينة، عن زياد بن علاقة: عن المغيرة بن شعبة، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل: يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، قال:"أفلا أكون عبدا شكورا". متفق عليه.

وقال منصور، عن إبراهيم، عن علقمة: سألت عائشة: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟ متفق عليه.

وقال معمر، عن همام، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والوصال". قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال:"إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكفلوا من العمل ما لكم به طاقة".

وفي الصحيح مثله من حديث ابن عمر، وعائشة، وأنس، بمعناه.

وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مائة مرة". هذا حديث حسن.

ص: 405

وقال حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.

وقال أبو كريب: حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو بكر: يا رسول الله أراك شبت قال: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت".

وأما تهجده، وتلاوته، وتسبيحه، وذكره وصومه، وحجه، وجهاده، وخوفه، وبكاؤه، وتواضعه، ورقته، ورحمته لليتيم والمسكين، وصلته للرحم، وتبليغه الرسالة، ونصحه الأمة، فمسطور في السنن على أبواب العلم.

ص: 406

باب في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية:

قال مبارك بن فضالة، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا". إسناده قريب من الحسن.

وقال أبو حفص بن شاهين: حدثنا عثمان بن جعفر الكوفي قال: حدثنا عبد الله بن الحسين، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قيل: يا رسول الله إنك تداعبنا قال: "إني لا أقول إلا حقا".

تابعه أبو معشر، عن المقبري، وهو صحيح.

وقال الزبير بن بكار: حدثني حمزة بن عتبة، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أنها مزحت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنه بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل بعض مزحنا هذا الحي من قريش". حمزة لا أعرفه، والمتن منكر.

وقال زيد بن أبي الزرقاء، عن ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس. تفرد به ابن لهيعة، وضعفه معروف.

وجاء من طريق ابن لهيعة: كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي.

وقال أبو تميلة يحيى بن واضح، عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فثقل على

ص: 407

القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه علي، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"أنت زاملة".

وقال حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان: سمعت سفينة يقول: ثقل على القوم متاعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ابسط كساءك". فجعلوا فيه متاعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"احمل فإنما أنت سفينة". قال: فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة، حتى بلغ سبعة ما ثقل علي. وهذا يدخل في معجزاته.

وقال علي بن عاصم، وخالد بن عبد الله: حدثنا حميد، عن أنس قال: استحمل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنا أحملك على ولد الناقة". فقال: وما أصنع بولد ناقة يا رسول الله؟ فقال: "وهل تلد الإبل إلا النوق "؟. صحيح غريب.

وقال الأنصاري: حدثنا حميد، عن أنس قال: كان ابن لأم سليم، يقال له: أبو عمير، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه

الحديث.

وقال شريك، عن عاصم، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"يا ذا الأذنين".

وقال محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عائشة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي فأبت، فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فمر عمر فقال: يا عبد الله يا عبد الله، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل، فقال:"قوما فاغسلا وجوهكما". فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.

ص: 408

وقال عبد الله بن إدريس، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت، وقد رش فناء أطمه، ومعه أصحابه سماطين، وجارية يقال لها: سيرين، معها مزهرها تختلف بين السماطين تغنيهم، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم ولم ينههم، وهي تقول في غنائها:

هل على ويحكم

إن لهوت من حرج

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "لا حرج إن شاء الله".

حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هذا مدني، تركه ابن المديني وغيره.

وقال بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن أبي سلمة، عن عائشة قالت: دخلت الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"أتحبين أن تنظري إليهم"؟ قلت: نعم فقالت: "تعالي"، فقام بالباب، وجئت فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: "وأبو القاسم طيب"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حسبك". قلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه.

وفي بعض طرقه: فلا ينصرف حتى أكون أنا الذي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو.

وفي رواية: والحبشة في المسجد يلعبون بحرابهم ويزفنون.

وقال زيد بن الحباب: أخبرني خارجة بن عبد الله قال: حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا لغطا وصوت الصبيان، فقام، فإذا حبشية ترقص والصبيان حولها فقال:"يا عائشة تعالي فانظري" فجئت فوضعت ذقني على منكبه صلى الله عليه وسلم،

ص: 409

فجعلت أنظر، فقال:"ما شبعت"؟ فجعلت أقول: لا لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر رضي الله عنه فارفض الناس عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرقوا من عمر".

خارجة بن عبد الله، قال ابن عدي: لا بأس به.

وقال النسائي: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم، فسبقته ما شاء الله، حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال:"هذه بتلك". صحيح. وأخرجه أبو داود من حديث عروة، عن أبي سلمة عنها وقيل في إسناده غير ذلك.

وقال خالد بن عبد الله الطحان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -وغير خالد يسقط منه أبا هريرة- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، فقال له عيينة بن بدر: ألا أراك تصنع هذا، فوالله إني ليكون لي الولد قد خرج وجهه ما قبلته قط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من لا يرحم لا يرحم".

وقال جعفر بن عون، عن معاوية بن أبي مزرد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد الحسن أو الحسين، وهو يقول:"ترق عين بقه". فيضع الغلام قدمه على قدم النبي يرفعه إلى صدره، ثم قبل فاه وقال:"اللهم إني أحبه فأحبه".

وقال خالد بن الحارث، عن أشعث، عن الحسن، عن أنس، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستلق، والحسن بن علي على ظهره.

ص: 410

وقال محمد بن عمران بن أبي ليلى: حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه الحسن فأقبل يتمرغ عليه، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم قميصه فقبل زبيبته.

وقال أبو أحمد الزبيري: حدثنا زمعة بن صالح عن الزهري، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أم سلمة، أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام أو عامين، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وهما بدريان، وكان سويبط على زادهم، فجاء نعيمان فقال: أطعمني، فقال: لا، حتى يأتي أبو بكر وكان نعيمان مزاحا، فقال: لأبيعنك ثم قال لأناس: ابتاعوا مني غلاما، وهو رجل ذو لسان، ولعله يقول: أنا حر، فإن كنتم تاركيه إذا قال ذلك فدعوني ولاتفسدوا علي غلامي قالوا: لا بل نبتاعه فباعه بعشر قلائص، ثم جاءهم فقال: هو هذا فقال سويبط: هو كاذب، وأنا رجل حر. قالوا: قد أخبرنا بخبرك وطرحوا الحبل والعمامة في رقبته، وذهبوا به، فجاء أبو بكر فأخبروه، فذهب وأصحاب له فردوا القلائص، وأخذوه، فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا. هذا حديث حسن.

وقال الأسود بن عامر: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، أن رجلا كان يكنى أبا عمرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أم عمرة". فضرب الرجل بيده إلى مذاكيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"مه". قال: والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي: يا أم عمرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم". حديث مرسل.

وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر، فكان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضرته".

ص: 411

وكان دميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ والتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من يشتري مني العبد". فقال: يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدا. فقال:"لكن أنت عند الله غال". صحيح غريب.

وقال خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى، عن أسيد بن الحضير، قال: بينا رجل من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث، وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكون، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته، فقال:"اصبر لي". قال: "أصطبر". قال: لأن عليك قميص، ولم يكن علي قميص. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه.

فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله. رواته ثقات.

وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم.

ص: 412

باب في ملابسه صلى الله عليه وسلم:

قال خالد بن يزيد: حدثنا عاصم بن سليمان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس القلانس البيض، والمزرورات، وذوات الآذان. عاصم هذا بصري متهم بالكذب.

وعن جابر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه. تفرد به حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن أبي الزبير، عن جابر.

وقال وكيع، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دسماء. حديث صحيح.

وعن ركانة أنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس". أخرجه أبو داود.

وعن عروة، عن عائشة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم كمة بيضاء.

وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. رواته ثقات.

ص: 413

قلت: كانت -لعل- تحت الخوذة، فإنه دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر.

وعن بعضهم بإسناد واه: كانت له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، يلبس تحتها القلانس اللاطئة، ويرتدي.

قال مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه، عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه.

وعلى الحسن: كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء، تسمى العقاب، وعمامته سوداء، وكان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه. مرسل.

وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه. وكان ابن عمر يفعله. وقال عبيد الله بن عمر: رأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك.

وقال عروة: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة معلمة، فقطع علمها ولبسها. مرسل.

وقال المغيرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على ناصيته وعمامته، وقال: لبس جبة ضيقة الكمين.

ويروى عن أنس: كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قطنا، قصير الطول قصير الكمين.

وعن بديل بن ميسرة عن شهر عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كمه صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ.

ص: 414

وعن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول.

وعن عرورة -وهو مرسل- قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان طول ردائه أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر.

وقال زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعله مرط من شعر أسود. أخرجه أبو داود.

وذكر الواقدي أن بردة النبي صلى الله عليه وسلم كانت طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان، طوله أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر، كان يلبسهما يوم الجمعة والعيدين ثم يطويان. حديث معضل.

وقال عروة: إن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه إلى الوفد رداء حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق، فطروه بثوب، يلبسونه يوم الأضحى والفطر. رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة.

وقال معن بن عيسى: حدثنا محمد بن هلال، قال: رأيت على هشام بن عبد الملك برد النبي صلى الله عليه وسلم من حبرة له حاشيتان.

قلت: هذا البرد غير برد النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتداوله الخلفاء من بني العباس، ذاك البرد اشتراه أبو العباس السفاح بثلاث مائة دينار من صاحب أيلة.

وذكر ابن إسحاق أنه برد كساه النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب أيلة. فالله أعلم.

ص: 415

وقال حميد الطويل: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: تخلفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى حاجته أتيته بمطهرة، فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة، فأخرج يديه من تحتها، وألقى الجبة على منكبيه، فغسل ذراعيه ومسح ناصيته، وعلى العمامة، ثم ركب وركبنا، وفي لفظ: وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، وفي لفظ: وعليه جبة من صوف.

وقال أيوب، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه إزار يتقعقع.

وعن عكرمة: رأيت ابن عباس إذا ائتزر أرخى مقدم إزاره حتى تقع حاشيتاه على ظهر قدميه، ويرفع الإزار مما وراءه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتزر هذه الإزرة.

وعن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتزر تحت سرته، وتبدو سرته، ورأيت عمر يأتزر فوق سرته، وقال صلى الله عليه وسلم:"إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقية".

وعن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين أوقية.

وعن محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بتسع وعشرين ناقة. وهذان ضعيفان لإرسالهما.

وقال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن

أنس، أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله

ص: 416

صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها.

وقال الحمادان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم". زاد حماد بن زيد في حديثه: "فإنها من خير ثيابكم".

وروى مثله الثوري، والمسعودي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن سمرة بن جندب نحوه.

ورواه المسعودي مرة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعد بن جبير، عن ابن عباس رفعه:"البسوا الثياب البيض، وكفنوا فيها موتاكم".

ورواه أبو بكر الهذلي، عن أبي قلابة، فأرسله.

وقال عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد: حدثنا ابن سالم، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خير ما زرتم الله به في مصلاكم وقبوركم البياض". رواه ابن ماجه.

وقال أبو إسحاق السبيعي، عن البراء: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: لقد رأيت عليه حلة حمراء -فذكره.

عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، قال: حدثني عبيد الله بن المغيرة، عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب رجل إلي، فلما نبئ وخرج إلى المدينة، شهد حكيم الموسم، فوجد حلة لذي يزن فاشتراها، ثم قدم بها ليهديها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا نقبل من المشركين شيئا، ولكن بالثمن". قال: فأعطيته إياها حين أبى الهدية،

ص: 417

فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئا أحسن منه يومئذ فيها، ثم أعطاها أسامة، فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم والله لأنا خير من ذي يزن، ولأبي خير من أبيه. فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقول أسامة.

وقال عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح وهو في قبة له حمراء، فخرج وعليه حلة حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه. صحيح الإسناد.

وقال حفص بن غياث، عن حجاج، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة. رواه هشيم، عن حجاج، عن أبي جعفر محمد بن علي فأرسله.

وقال عبيد الله بن إياد، عن أبيه، عن أبي رمثة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران. إسناده صحيح.

ص: 418

باب منه:

وقال وكيع: حدثنا ابن أبي ليلى، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن محمد بن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد، قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعنا له غسلا فاغتسل، ثم أتيته بملحفة ورسية، فاشتمل بها، فكأني أنظر أثر الورس على عكنه.

وقال هشام بن سعد، عن يحيى بن عبد الله بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران: قميصه ورداءه وعمامته. مرسل.

وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري: سمعت أبي يخبر عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه رداء وعمامة مصبوغين بالعبير. قال مصعب: العبير عندنا: الزعفران. مصعب فيه لين.

وعن أم سلمة، قالت: ربما صبغ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ورداؤه بزعفران وورس.

أخرجه محمد بن سعد، عن ابن أبي فديك، عن زكريا بن إبراهيم، عن ركيح بن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، عن أمه، عن أم سلمة. وهذا إسناد عجيب مدني.

وعن زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه حتى العمامة بالزعفران.

وهذه المراسيل لا تقاوم ما في الصحيح من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن

ص: 419

التزعفر، وفي لفظ:"نهى أن يتزعفر الرجل" ولعل ذلك كان جائزا، ثم نهى عنه.

وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان -وهو ضعيف- عن أنس بن مالك، قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس، فلبسها، فكأني أنظر إلى يديها تذبذبان من طولهما، فجعل القوم يقولون: يا رسول الله أنزلت عليك من السماء؟ فقال: "وما تعجبون منها، فوالذي نفسي بيده إن منديلا من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها". ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب فلبسها، فقال صلى الله عليه وسلم:"إني لم أعطكها لتلبسها".

قال: فما أصنع بها؟ قال: "ابعث بها إلى أخيك النجاشي".

وقال الليث بن سعد: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أنه

أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج -يعني قباء حرير- فلبسه، ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، ثم قال:"لا ينبغي هذا للمتقين".

وقال مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة: أهدى أبو الجهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية لا علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال:"ردوا هذه الخميصة على أبي جهم، فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني".

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في بيت أم سلمة مشتملا في ثوب واحد.

وصح مثله عن أنس رفعه.

ص: 420

وعن ابن عباس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها.

وقال جابر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في إزار واحد مؤتزرا به، ليس عليه غيره.

وقال يونس بن الحارث الثقفي، عن أبي عون محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة. أخرجه أبو داود.

وقال شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس الصوف.

وقال حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: دخلت على عائشة، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه الملبدة، فأقسمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض فيهما.

أخرجه مسلم.

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم من أدم محشوا ليفا.

وقد تقدم أحاديث في هذا المعنى في زهده عليه السلام.

وقال غير واحد، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي

ص: 421

أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء". أخرجه البخاري.

وعند مسلم "على عاتقيه".

وقال عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله مولى أسماء، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمريض يستشفي بها. أخرجه مسلم.

ورواه أحمد في "مسنده" وفيه: جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني.

ص: 422

باب خواتيم النبي صلى الله عليه وسلم:

قال عبيد الله وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، فكان يجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه في يده اليمنى، فصنع الناس خواتيم من ذهب، فجلس على المنبر، ونزعه ورمى به وقال:"والله لا ألبسه أبدا". فنبذ الناس خواتيمهم.

وروي نحوه عن مجاهد، وعن محمد بن علي مرسلين. وكان هذا قبل تحريم الذهب.

وفي "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب.

وصح عن أنس، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له: إن كتابك لا يقرأ إلا أن يكون مختوما. فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة فنقشه "محمد رسول الله"، فكأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من فضة، ونهى أن ينقش الناس على خواتيمهم نقشته، وقال:"كان من فضة، فصه منه".

وصح عنه، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، فصه حبشي، ونقشه "محمد رسول الله".

وصح عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، فكان في يده، ثم كان

في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع بئر أريس، نقشه "محمد رسول الله".

وفي رواية عن ابن عمر: فجعل فصه في بطن كفه.

ص: 423

وعن مكحول، وإبراهيم النخعي من وجهين عنهما أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان حديدا ملوي عليه فضة.

وروى مثله أبو نعيم، عن إسحاق، عن سعيد، عن خالد بن سعيد، ولم يدرك سعيد خالدا، وقال أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي، عن جده، قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص، حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو"؟ قال: هذه حلقة. قال: "فما نقشها"؟ قال: "محمد رسول الله" فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتختمه، فكان في يده حتى قبض، ثم في يد أبي بكر، ثم في يد عمر، ثم عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة، يقال له: بئر أريس، وهوجالس على شفتها، يأمر بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يخرج خاتمه من يده كثيرا، فالتمسوه فلم يقدروا عليه.

وقال أنس: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر: "محمد" سطر، و"رسول" سطر، و"الله" سطر.

وقال: فكان في يد عثمان ست سنين، فكنا معه على بئر أريس، وهو يحول الخاتم في يده، فوقع في البئر فطلبناه مع عثمان ثلاثة أيام، فلم نقدر عليه.

وعن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه.

وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره. وعن ابن عمر مثله.

وصح أن ابن عمر كان يتختم في يساره.

ص: 424

باب نعل النبي صلى الله عليه وسلم وخفه:

قال همام، عن قتادة، عن أنس: كان لنعل النبي صلى الله عليه وسلم قبالان. صحيح.

وعن عبد الله بن الحارث، قال: كانت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها زمامان شراكهما مثني في العقد.

وقال هشام بن عروة: رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة ملسنة لها قبالان.

وقال أبو عوانة، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، سألت أنسا: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم. وروى مثله من غير وجه.

وقال حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن ابي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ وضع نعله على يساره، فألقى الناس نعالهم، فلما قضى صلاته قال:"ما حملكم على إلقاء نعالكم"؟ قالوا: رأيناك ألقيت فألقينا. فقال: "إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا -أو أذى- فمن رأى ذلك فليمسحهما، ثم ليصل فيهما".

وعن عبيد بن جريج، قلت لابن عمر: أراك تستحب هذه النعال السبتية، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها.

السبت: بالكسر، جلود البقر المدبوغة بالقرظ.

وعن عبد الله بن بريدة أن النجاشي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ومسح عليهما.

ص: 425

باب مشطه ومكحلته صلى الله عليه وسلم مرآته وقدحه وغير ذلك:

قال أبو نعيم: حدثنا مندل، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط، والمرآة، والمدهن، والسواك، والكحل. مرسل.

وعن ابن عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا في كل عين.

وقال حبان بن علي، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم. إسناده لين.

وقال الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، أن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح زجاج كان يشرب فيه.

وقال حميد: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس، فيه فضه قد شده بها. حديث صحيح.

وقال عاصم الأحول: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس، وكان قد انصدع فسلسله بفضة.

قال عاصم: وهو قدح جيد عريض من نضار، فقال أنس: قد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن

ص: 426

سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أن يجعل مكانها أنس حلقة من فضة أو ذهب، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه. أخرجه البخاري.

يروى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر تسريح لحيته. إسناده واه.

ص: 427

باب سلاح النبي صلى الله عليه وسلم ودوابه وعدته:

أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة، عن أبي القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي، عن أبي القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا سليمان بن إبراهيم الحافظ، وعبد الله بن محمد النيلي، قالا: أخبرنا علي بن القاسم المقرئ، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي، قال: كان سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذا الفقار، وكان سيفا أصابه يوم بدر. وكان له سيف ورثه من أبيه، وأعطاه سعد بن عبادة سيفا يقال له: العضب وأصاب من سلاح بني قينقاع سيفا قلعيا، وفي رواية كان يقال له: البتار واللخيف، وكان له المخذم، والرسوب، وكانت ثمانية أسياف.

وقال شيخنا شرف الدين الدمياطي: أول سيف ملكه سيف يقال له: المأثور، وهو الذي يقال: إنه من عمل الجن، ورثه من أبيه، فقدم به في هجرته إلى المدينة وأرسل إليه سعد بن عبادة بسيف يدعى "القضب" حين سار إلى بدر وكان له ذو الفقار؛ لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر، صار إليه يوم بدر، وكان للعاص بن منبه أخي نبيه

ص: 428

ابني الحجاج بن عامر السهمي -قتل العاص، وأبوه، وعمه كفارا يوم بدر- وكانت قبيعته، وقائمته وحلقته، وذؤابته، وبكراته، ونعله، من فضة والقائمة هي الخشبة التي يمسك بها، وهي القبضة.

وروى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعد بن مزيدة، عن جده مزيدة، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة.

وهو -بالكسر جمع فقرة، وبالفتح جمع فقارة- سمى بذلك لفقرات كانت فيه، وهي حفر كانت في متنه حسنة، ويقال: كان أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن جرهم، فصنع منها ذو الفقار وصمصامة عمرو بن معدي كرب الزبيدي، التي وهبا لخالد بن سعيد بن العاص.

وأخذ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، منسوب إلى مرج القلعة -بالفتح- موضع بالبادية، والبار، والحنف، وكان عنده بعد ذلك الرسوب -من رسب في الماء إذا

سفل -والمخذم وهو القاطع، أصابهما من الفلس: صنم كان لطيئ، وسيف يقال له القضيب، وهو فعيل بمعنى فاعل، والقضب: القطع.

وذكر الترمذي، عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنعه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حنفيا.

رواه عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، وليس بالقوي، وهو الذي روى عن أنس أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة.

والحنف: الاعوجاج.

قال شيخنا: وكانت له صلى الله عليه وسلم درع يقال لها: ذات الفضول، لطولها،

ص: 429

أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر. وذات الوشاح وهي الموشحة، وذات الحواشي، ودرعان من بني قينقاع، وهما السغدية وفضة، وكانت السغدية درع عكير القينقاعي، وهي درع داود عليه الصلاة والسلام التي لبسها حين قتل جالوت.

ودرع يقال لها: البتراء، ودرع يقال لها: الخرنق، والخرنق ولد الأرنب. ولبس يوم أحد درعين ذرات الفضول وفضة. وكان عليه يوم خيبر: ذات الفضول والسغدية.

وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير، أخذها قوتا لأهله.

وقال عبيس بن مرحوم العطار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان في درع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة في موضع الصدر، وحلقتان من خلف ظهره، قال محمد بن علي: فلبستها فجعلت أخطها في الأرض.

قال شيخنا: وكان له خمسة أقواس: ثلاث من سلاح بني قينقاع، وقوس تدعى الزوراء، وقوس تدعى الكتوم، وكانت جعبته تدعى الكافور.

وكانت له منطقة من أديم مبشور، فيها ثلاث حلق من فضة، وترس يقال له: الزلوق،

يزلق عنه السلاح، وترس يقال له: العنق، وأهدى له ترس فيه تمثال عقاب أو كبش، فوضع يده عليه فأذهب الله ذلك التمثال.

وأصاب ثلاثة أرماح من سلاح بني قينقاع. وكان له رمح يقال له:

ص: 430

المثوى، وآخر يقال له: المتثنى، وحربة اسمها البيضاء، وأخرى صغيرة كالعكاز.

وكان له مغفر من سلاح بني قينقاع، وآخر يقال له: السبوغ.

وكانت له راية سوداء مربعة من نمرة مخملة، تدعى: العقاب.

وأخرج أبو داود، من حديث سماك بن حرب، عن رجل من قومه عن آخر قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء، وكانت ألويته بيضا. وربما جعل فيها الأسود، وربما كانت من خمر بعض أزواجه.

وكان فسطاطه يسمى الكن.

وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر، يمشي ويركب به، ويعلقه بين يديه على بعيره.

وكانت له مخصرة تسمى: العرجون، وقيب يسمى: الممشوق.

واسم قدحه: الريان. وكان له قدح مضبب غير الريان، يقدر أكثر من نصف المد.

وقال ابن سيرين، عن أنس: إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، واتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. أخرجه البخاري.

وكان له قدح من زجاج، وتور من حجارة، يتوضأ منه كثيرا، ومخضب من شبه.

وركوة تسمى: الصادرة، ومغسل من صفر، وربعة أهداها له المقوقس، يجعل فيها المرآة ومطا من عاج، والمكحلة، والمقص، والسواك.

ص: 431

وكانت له نعلان سبتيتان، وقصعة، وسرير، قطيفة. وكان يتبخر بالعود والكافور.

وقال ابن فارس بإسنادي الماضي إليه: يقال: ترك يوم توفي صلى الله عليه وسلم ثوبي حبرة، وإزارا عمانيا، وثوبين صحاريين، وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا، وجبة يمنية، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانس صغارا ثلاثا أو أربعا، وإزارا طوله خمسة أشبار، وملحفة يمنية مورسة.

وأكثر هذا الباب كما ترى بلا إسناد، نقله هكذا ابن فارس، وشيخنا الدمياطي، فالله أعلم هل هو صحيح أم لا؟

وأما دوابه فروى البخاري من حديث عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللحيف.

وروى عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد -وهو ضعيف- عن أبيه، عن جده قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند أبي سعد بن سعد الساعدي، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن: اللزاز، والظرب، واللحيف. رواه الواقدي عنه، وزاد في الحديث بالسند: فأما لزاز فأهداه له المقوقس، وأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب، وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي.

واللزاز من قولهم: لازرته أي: لاصقته، والملزز: المجتمع الخلق.

ص: 432

والظرب: واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمي به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته، وقاله الواقدي بطاء مهملة، وقال: سمي الطرب لتشوفه وحسن صهيله.

واللحيف: بمعنى لاحف، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله، وقيل: اللحيف، مصغرا.

وأول فرس ملكه: السكب، وكان اسمه عند الأعرابي: الضرس، فاشتراه منه بعشر أواقي، أول ما غزا عليه أحدا، ليس مع المسلمين غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار. وكان له فرس يدعى: المرتجز، سمي به لحسن صهيله، وكان أبيض. والفرس وإذا كان خفيف الجري فهو سكب وفيض كانسكاب الماء.

وأهدى له تميم الداري فرسا يدعى الورد، فأعطاه عمر.

والورد: بين الكميت والأشقر.

وكانت له فرس تدعى سبحة، من قولهم: طرف سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجري.

قال الدمياطي: فهذه سبعة أفراس متفق عليها، وذكر بعدها خمسة عشر فرسا مختلف فيها، وقال: قد شرحناها في "كتاب الخيل".

قال: وكان سرجه دفتاه من ليف.

وكانت له بغلة أهداها له المقوقس، شهباء يقال لها: دلدل، مع حمار يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: فضة، أهداها له فروة الجذامى، مع حمار يقال له: يعفور، فوهب البغلة لأبي بكر، وبغلة أخرى.

قال أبو حميد الساعدي: غزونا تبوك، فجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب

ص: 433

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردة، وكتب له ببحرهم. والحديث في الصحاح.

وقال ابن سعد: وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة سندس.

وفي إسناد عبد الله بن ميمون القداح، وهو ضعيف

ويقال: إن كسرى أهدى له بغلة، وهذا بعيد؛ لأنه -لعنه الله- مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وكانت له الناقة التي هاجر عليها من مكة، تسمى القصواء، والعضباء، والجدعاء، وكانت شهباء.

وقال أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمي الجمرة، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك. حديث حسن.

الصهباء: الشقراء.

وكانت له صلى الله عليه وسلم لقاح أغارت عليها غطفان وفزارة، فاستنقذها سلمة ابن الأكوع وجاء بها يسوقها. أخرجه البخاري. وهو من الثلاثيات.

وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى يوم الحديبية جملا في أنفه برة من فضة، كان غنمه من أبي جهل يوم بدر، أهداه ليغيظ بذلك المشركين إذا رأوه، وكان مهريا يغزو عليه ويضرب في لقاحه.

وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة، يراح إليه منها كل ليلة بقربتين من لبن.

وكانت له خمس عشرة لقحة، يرعاها يسار مولاه الذي قتله

ص: 434

العرنيون واستاقوا اللقاح، فجيء بهم فسملهم.

وكان له من الغنم مائة شاة، لا يريد أن تزيد، كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة.

ص: 435

وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وسم في شواء:

قال وهيب، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء ولم يصنعه، حتى إذا كان ذات يوم رأيته يدعو، فقال:"أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته: أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما: ما وجع الرجل؟ قال الآخر: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فبم؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعه ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في ذي أروان". فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع أخبر عائشة، فقال: كأن نخلها رؤوس الشياطين، وكأن ماءوها نقاعة الحناء فقلت: يا رسول الله أخرجه للناس. قال: أما أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن أثور على الناس منه شرا. في لفظ: في بئر ذي أروان.

روى عمر مولى غفرة -وهو تابعي- أن لبيد بن أعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس بصره وعاده أصحابه، ثم إن جبريل وميكائيل أخبراه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف، فاستخرج السحر من الجب، ثم نزعه فحله، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعفا عنه.

وروى يونس، عن الزهري قال في ساحر أهل العهد: لا يقتل، قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي، فلم يقتله.

ص: 436

وعن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عنه.

قال الواقدي: هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتله.

وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: إن اليهود سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمت أبا بكر. وفي الصحيح عن ابن عباس أن امرأة من يهود خيبر أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة.

وعن جابر، وأبي هريرة، وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر واطمأن جعلت

زينب بنت الحارث -وهي بنت أخي مرحب وامرأة سلام بن مشكم- سما قاتلا في عنز لها ذبحتها وصلتها، وأكثرت السم في الذراعين والكتف، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب انصرف وهي جالسة عند رحلة، فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك. فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت منها، ثم وضعت بين يديه وأصحابه حضور، منهم بشر بن البراء بن معرور، وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهش من الذراع، وتناول بشر عظما آخر، فانتهش منه، وأكل القوم منها فلما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة قال:"ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة".

فقال بشر: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك من أكلتي، فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أبغض إليك طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ادردتها وفيها بغي فلم يقم بشر حتى تغير لونه، وما طله وجعه سنة ومات.

وقال بعضهم: لم يرم بشر من مكانه حتى توفي، فدعاها فقال: ما حملك؟ قالت: نلت من قومي، وقتلت أبي وعمي وزوجي، فقلت: ان

ص: 437

كان نبيا فستخبره الذراع، وإن كان ملكا استرحنا منه، فدفعها إلى أولياء بشر يقتلونها. وهو الثبت.

وقال أبو هريرة: لم يعرض لها واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله. حجمه أبو هند بقرن وشفرة، وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم، وعاش بعد ذلك ثلاث سنين.

وكان في مرض موته يقول: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها بخيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري"، وفي لفظ:"ما زالت أكلة خيبر يعاودني ألم سمها" -والأبهري عرق في الظهر- وهذا سياق غريب. وأصل الحديث في "الصحيح".

وروى أبو الأحوص، عن أبي مسعود، قال: لأن أحلف بالله تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة، يعني أنه مات موتا، وذلك بأن الله اتخذه نبيا وجعله شهيدا.

ص: 438

باب ما وجد من صورة نبينا:

وصور الأنبياء عند أهل الكتاب بالشام:

قال عبد الله بن شبيب الربعي وهو ضعيف بمرة: حدثنا محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، قال: حدثتني أم عثمان عمتي، عن أبيها سعيد، عن أبيه، أنه سمع أباه جبير بن مطعم يقول: لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي: أمن الحرم أنت؟ قلت: نعم قالوا: فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟ قلت: نعم. فأدخلوني ديرا لهم فيه صور فقالوا: انظر هل ترى صورته؟ فنظرت فلم أر صورته، قلت: لا أرى صورته، فأدخلوني ديرا أكبر من ذاك فنظرت، وإذا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته وبصفة أبي بكر وصورته، وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا لي: هل ترى صفته؟ قلت: نعم قالوا: أهو هذا؟ قلت: اللهم نعم، أشهد أنه هو. قالوا: أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه؟ قلت: نعم قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده.

رواه البخاري في "تاريخه" عن محمد، غير منسوب عن محمد بن عمر بن سعيد، أخصر من هذا.

وقال إبراهيم بن الهيثم البلدي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلم، عن

ص: 439

أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص الأموي، قال: بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل ندعوه إلى الإسلام، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه، وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: والله لا نكلم رسولا، إنما بعثنا إلى الملك، فأذن لنا وقال: تكلموا فكلمته ودعوته إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سواد قلنا: ما هذه؟ قال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا: ومجلسك هذا، فوالله لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملأ وجهه سوادا وقال: قوموا، وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة، قال الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم

حلمناكم على براذين وبغال؟ قلنا: والله لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون، فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا، حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها، وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله يعلم لقد تنقضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن أدخلوا، فدخلنا عليه، وهو على فراش له، عنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمد، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنوا منه، فضحك وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم. فإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليكم قال: فبم تحيون ملككم؟ قلنا: بها قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله

ص: 440

أكبر. فلما تكلمنا با قال: والله يعلم لقد تنقضت الغرفة، حتى رفع رأسه إلينا فقال: هذه الكلمة التي قلتموها حيث تنقضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنقض بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذه قط إلا عندك قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنقض كل شيء عليكم، وأني خرجت من نصف ملكي قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها، وأجدر ألا يكون من أمر النبوة، وأن يكون من حيل الناس ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه، ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا، فقما، فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة، مذهبة فيها بيوت صغار، عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، واستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا ضفيرتان أحسن ما خلق الله، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال هذا آدم عليه السلام ثم فتح لنا بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا نوح عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إبراهيم عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو، كأنما تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني

ص: 441

عجلته لكم لأنظر ما عندكم، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينه قبل، فقال: هل عرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا هارون بن عمران، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال هذا إسحاق عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته السفلى خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يعقوب عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجه الخشوع يضرب إلى الحمرة فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم، كأنه وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يوسف عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن، ربعة متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا داود عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرس، فقال:

ص: 442

هذا سليمان عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج صورة، وإذا شاب أبيض، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه فقال: هذا عيسى عليه السلام فقلنا: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت؛ لأنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم وصورته مثله، فقال: إن آدم سأل ربه تعالى أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم وكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمسن فدفعها إلى دانيال عليه السلام، يعني فصورها دانيال في خرق من حرير، فهذه بأعيانها التي صورها دانيال، ثم قال: أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وأني كنت عبدا لشركم ملكة حتى أموت، ثم أجازنا بأحسن جائزة وسرحنا.

فلما قدمنا على أبي بكر رضي الله عنه، حدثناه بما رأيناه، وما قال لنا، فبكى أبو بكر

وقال: مسكين، لو أراد الله بن خيرا لفعل، ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم.

روى هذه القصة أبو عبد الله بن مندة، عن إسماعيل بن يعقوب. ورواها أبو عبد الله الحاكم، عن عبد الله بن إسحاق الخراساني، كلاهما عن البلدي، عن عبد العزيز، ففي رواية الحاكم كما ذكرت من السند وعند ابن مندة، قال: حدثنا عبيد الله عن شرحبيل، وهو سند غريب.

وهذه القصة قد رواها الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أبيه مصعب، عن عبادة بن الصامت: بعثني أبو بكر الصديق في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم لندعوه إلى الإسلام، فخرجنا نسير على رواحلنا حتى قدمنا دمشق، فذكره بمعناه.

ص: 443

وقد رواه بطوله: علي بن حرب الطائي فقال: حدثنا دلهم بن يزيد، قال: حدثنا القاسم ان سويد، قال: حدثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري، عن أيوب بن موسى قال: كان عبادة بن الصامت يحدث، فذكر نحوه.

أنبأنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر وجماعة، عن عبد الوهاب بن علي الصوفي، قال: أخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم الخبري، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب من لفظه سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن العباس بن المغيرة الجوهري، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن أبيه، عن جده، عن عبادة بن الصامت قال: بعثني أبو بكر في نفر من الصحابة إلى ملك الروم لأدعوه إلى الإسلام، فخرجنا نسير على رواحلنا حتى قدمنا دمشق، فإذا على الشام لهرقل جبلة، فاستأذنا عليه، فأذن لنا، فلما نظر إلينا كره مكاننا وأمر بنا فأجلسنا ناحية، وإذا هو جالس على فرش له مع السقف، وأرسل إلينا رسولا يكلمنا ويبلغه عنها، فقلنا: والله لا نكلمه برسول أبدا. فانطلق الرسول فأعلمه ذلك، فنزل عن تلك الفرش إلى فرش دونها، فأذن لنا فدنونا منه، فدعوناه إلى الله وإلى الإسلام، فلم يجب إلى خير، وإذا عليه ثياب سود، فقلنا: ما هذه المسوح؟ قال: لبستها نذرا لا أنزعها حتى أخرجكم من بلادي. قال: قلنا له: تيدك لا تعجل، أتمنع منا مجلسك هذا! فوالله لنأخذنه وملك الملك الأعظم، خبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم قال: أنتم إذا السمراء

ص: 444

قلنا: وما السمراء؟ قال: لستم بهم.

قلنا: ومن هم؟ قال: قوم يقومون الليل ويصومون النهار. قلنا: فنحن والله نصوم النهار ونقوم الليل، قال: فكيف صلاتكم؟ فوصفناها له، قال: فكيف صومكم؟ فأخبرناه به.

وسألنا عن أشياء فأخبرناه، فيعلم الله لعلا وجهه سواد حتى كأنه مسح أسود، فانتهرنا وقال لنا: قوموا فخرجنا وبعث معنا أدلاء إلى ملك الروم، فسرنا فلما دنونا من القسطنطينية قالت الرسل الذين معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فأقيموا حتى نأتيكم ببغال وبراذين. قلنا: والله لا ندخل إلا على دوابنا، فأرسلوا إليه يعلمونه، فأرسل: أن خلوا عنهم فتقلدنا سيوفنا وركبنا رواحلنا، فاستشرف أهل القسطنطينية لنا، وتعجبوا، فلما دنونا إذا الملك في غرفة له، ومعه بطارقة الروم، فلما انتهينا إلى أصل الغرفة أنخنا ونزلنا وقلنا:"لا إله إلا الله" فيعلم الله لنقضت الغرفة حتى كأنها عذق نخلة تصفقها الرياح، فإذا رسول يسعى إلينا يقول: ليس لكم أن تجهروا بدينكم على بابي. فصعدنا فإذا رجل شاب قد وخطه الشيب، وإذا هو فصيح بالعربية، وعليه ثياب حمر، وكل شيء في البيت أحمر، فدخلنا ولم نسلم، فتبسم وقال: ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم؟ قلنا: إنها لا تحل لكم قال: فكيف هي؟ قلنا: السلام عليكم، قال: فما تحيون به ملككم؟ قلنا: بها.

قال: فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا: با قال: فماذا كان يحييكم به؟ قلنا: كذالك قال: فهل كان نبيكم يرث منكم شيئا؟ قلنا: لا، يموت الرجل فيدع وارثا أو قريبا فيرثه القريب، وأما نبينا فلم يكن يرث منها شيئا قال: فكذلك ملككم؟ قلنا: نعم قال: فما أعظم كلامكم عندكم؟ قلنا: لا إله إلا الله فانتفض وفتح عينيه، فنظر إلينا وقال: هذه الكلمة التي قلتموها فنقضت لها الغرفة؟ قلنا: نعم قال:

ص: 445

وكذلك إذا قلتموها في بلادكم نقضت لها سقوفكم؟ قلنا: لا وما رأيناها صنعت هذا قط، وما هو إلا شيء وعظت به. قال: فالتفت إلى جلسائه فقال: ما أحسن الصدق، ثم أقبل علينا فقال: والله لوددت أني خرجت من نصف ملكي وأنكم لا تقولونها على شيء إلا نقض لها قلنا: ولم ذاك؟ قال: ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة، وأن تكون من حيلة الناس ثم قال لنا: فما كلامكم الذي تقولونه حين تفتتحون المدائن؟ قلنا: "لا إله إلا الله والله أكبر". قال: تقولون: "لا إله إلا الله" ليس معه شريك؟ قلنا: نعم قال: وتقولون: "الله أكبر" أي: ليس شيء أعظم منه ليس في العرض والطول؟ قلنا: نعم وسألنا عن أشياء فأخبرناه، فأمر لنا بنزل كثير ومنزل، فقمنا، ثم أرسل إلينا بعد ثلاث في جوف الليل فأتيناه، وهو جالس وحده ليس معه أحد، فأمرنا فجلسنا، فاستعادنا كلامنا، فأعدناه عليه، فدعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة، ففتحها فإذا فيها بيوت مقفلة، ففتح بيتا منها، ثم استخرج خرقة حرير سوداء.

فذكر الحديث نحو ما تقدم وفيه: فاستخرج صورة بيضاء، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما ننظر إليه حيا، فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: هذه صوة نبينا عليه السلام فقال: آلله بدينكم إنه لهو هو؟ قلنا: نعم، آلله بديننا إنه لهو هو، فوثب قائما، فلبث مليا قائما، ثم جلس مطرقا طويلا، ثم أقبل علينا فقال: أما إنه في آخر البيوت، ولكني عجلته لأخبركم وأنظر ما عندكم، ثم فتح بيتا، فاستخرج خرقة من حرير سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة سوداء شديدة السواد، وإذا رجل جعد قطط، كث اللحية، غائر العينين، مقلص الشفتين، مختلف الأسنان، حديد النظر كالغضبان، فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذه صورة موسى عليه السلام.

ص: 446

وذكر الصور إلى أن قال: قلنا: أخبرنا عن هذه الصور، قال: إن آدم سأل ربه أن يريه أنبياء ولده، فأنزل الله صورهم، فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم من مغرب الشمس، فصورها دانيال في خرق الحرير، فلم يزل يتوارثها ملك بعد ملك، حتى وصلت إلي، فهذه هي بعينها. فدعوناه إلى الإسلام فقال: أما والله لوددت أن نفسي سخنت بالخروج من ملكي واتباعكم، وأني مملوك لأسوإ رجل منكم خلقا وأشده ملكة، ولكن نفسي لا تسخو بذلك.

فوصلنا وأجازنا، وانصرفنا.

ص: 447