الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في وفد من الأزد.
فأمره على من أسلم من قومه، ليجاهد من يليه.
إسلام ملوك اليمن:
قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير؛ مقدمه من تبوك، ورسولهم إليه بإسلامهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان. وبعث إليه ذو يزن، مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم. فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يذكر فيه فريضة الصدقة، وأرسل إليهم معاذ بن جبل في جماعة، وقال لهم: إني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي، وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن، يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله عنه فأمره أن يقفل خالدا، إلا رجل كان يمم مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه. فكنت فيمن عقب مع علي. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جمعا. فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال:"السلام على همدان، السلام على همدان". هذا حديث صحيح
أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد.
وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء؟ فضرب بيده في صدري، وقال:"اللهم اهد قلبه وثبت لسانه". فما شككت في قضاء بين اثنين أخرجه ابن ماجه.
وقال محمد بن علي، وعطاء، عن جابر، أن عليا قدم من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. متفق عليه. من حديث عطاء.
وقال شعبة، وغيره، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال:"يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا". متفق عليه، ومن أوجه أخر بأطول من هذا.
وفي "الصحيح" للبخاري، من حديث طارق بن شهاب، عن أبي موسى، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي. قال: فجئته وهو منيخ بالأبطح. قال: فسلمت عليه.
فقال: "أحججت يا عبد الله بن قيس"؟ قلت: نعم. قال: "كيف قلت"، قال: قلت: لبيك إهلالا
كإهلالك. فقال: "أسقت هديا"؟ قلت: لم أسق هديا. قال: "فطف بالبيت واسع ثم حل". ففعلت. وذكر الحديث.
أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا، الذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كله. فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ الحق كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، ولا يمس القرآن أحد، إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم، والذي عليهم، ويلين في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه، وقال:{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين} [هود: 18] ، ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس من النار وعملها، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمر الله به، والحج الأكبر والحج الأصغر، فالحج الأصغر العمرة. وينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير، إلا أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد شعر رأسه إذا عفي في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبال والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله عز وجل ودعا إلى العشائر والقبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس
بإسباغ الوضوء؛ وجوهم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم، إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمر الله، وأمروا بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع، وأن يغلس بالصبح، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله عز وجل وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل وفيما سقت السماء العشر، وفيما سقت الغرب فنصف العشر. ثم ذكر زكاة الإبل والبقر"، مختصرا.
قال: وعلى كل حالم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، من اليهود والنصاري، دينار واف أو عرضه من الثياب. فمن أدى ذلك كان له ذمة الله ذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين.
وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، نحو هذا الحديث موصولا؛ بزيادات كثيرة في الزكاة، ونقص عما ذكرنا في السنن.
وقال أبو اليمان: حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن راشد بن حميد السكوني: أن معاذا لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال:"يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري". فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا تبك يا معاذ، البكاء من الشيطان".
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وقد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعوهم". فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
وقال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن ابن البيلماني، عن كرز بن علقمة، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران؛ ستون راكبا، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم، منهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، صاحب مشورتهم، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره؛ واسمه عبد المسيح. والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم؛ واسمه الأيهم. وأبو حارثة بن علقمة، أحد بكر بن وائل؛ أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم.
وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس. فلما توجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أخ له، يقال له: كرز بن علقمة؛ يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له كرز: تعس الأبعد؛ يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست. فقال له: لم يا أخي؟ فقال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره. قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء
القوم؛ شرفونا ومولونا، وقد أبوا إلا خلافة، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، وقال: حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا، فقالت
الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا. فأنزل الله فيهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 65] .
فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من نجران يقال له الربيس: وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله". فنزلت: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} [آل عمران: 79]، إلى قوله:{مِنَ الشَّاهِدِين} [آل عمران: 81] .
وقال إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن ابن مسعود؛ ورواه شعبة، وسفيان، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن مسعود: إن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال:"لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين". فاستشرف لها أصحابه: فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال: "هذا أمين هذه الأمة". أخرجه البخاري من حديث حذيفة.
وقال إدريس الأودي، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا فيما قالوا: أرأيت ما تقرأون {يَا أُخْتَ هَارُون} [مريم: 28]، وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم؟ قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "أفلا
أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم". أخرجه مسلم.
وقال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، قبل أن يقاتلهم، ثلاثا. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون
إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناس، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس، فأقام خالد يعلمهم الإسلام، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعيانهم: قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل. قال: فأمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيسا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم، بعد أن ولى وفدهم، عمرو بن حزم ليفقههم ويعلمهم السنة، ويأخذ منهم صدقاتهم.
وفي عاشر ربيع الأول: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن سنة ونصف، وغسه الفضل بن العباس، ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما قيل، وكان أبيض مسمنا، كثير الشبه بوالده صلى الله عليه وسلم.
وقال ثابت، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم"، ففيه دليل على تسمية الولد ليلة مولده. ثم دفعه إلى أم سيف؛ يعني امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف. قال أنس: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه وانطلقت معه، فدخل فدعا بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول.
قال أنس: فلقد رأيت إبراهيم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكيد
بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب. والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون". أخرجه مسلم والبخاري تعليقا مجزوما به.
وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة". أخرجه البخاري.
وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات.
وفيها: مات أبو عامر الراهب، الذي كان عند هرقل عظيم الروم.
وفيها: ماتت بوران بنت كسرى ملكة الفرس، وملكوا بعدها أختها آزرمن. قاله أبو عبيدة.
وفي أواخر ذي القعدة: ولد محمد بن أبي بكر الصديق، ولدته أسماء بن عميس، بذي الحليفة، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال جابر بن عبد الله: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إليه: كيف أصنع؟ فقال: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي".
وفيها: ولد محمد بن عمرو بن حزم، بنجران، وأبوه بها.