المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصة كعب بن زهير: - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - سيرة ٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة ست من الهجرة:

- ‌غزوة ذي قرد:

- ‌مقتل أبي رافع:

- ‌قتل ابن نبيح الهذلي:

- ‌غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع:

- ‌سرية نجد: قيل إنها كانت في المحرم سنة ست:

- ‌إسلام أبي العاص مبسوطًا:

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم في شوال:

- ‌قصة غزوة الحديبية وهي على تسعة أميال من مكة:

- ‌نزول سورة الفتح:

- ‌وفي سنة ست:

- ‌السنة السابعة:

- ‌غزوة خيبر:

- ‌فصل فيمن ذكر أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة:

- ‌ذكر صفية:

- ‌ذكر من استشهد على خيبر:

- ‌قدوم جعفر بن أبي طالب ومن معه:

- ‌شان الشاة المسمومة:

- ‌غزوة وادي القرى:

- ‌سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى نجد:

- ‌سرية عمر رضي الله عنه إلى عجز هوازن:

- ‌سرية بشير بن سعد:

- ‌سرية غالب بن عبد الله الليثي:

- ‌سرية حنان:

- ‌سرية أبي حدرد إلى الغابة:

- ‌سرية محلم بن جثامة:

- ‌سرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي:

- ‌عمرة القضية:

- ‌تزويجه عليه السلام بميمونة:

- ‌ثم دخلت سنة ثمان من الهجرة:

- ‌إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد:

- ‌سرية شجاع بن وهب الأسدي:

- ‌سرية نجد:

- ‌سرية كعب بن عمير:

- ‌غزوة مؤتة:

- ‌ترجمة جعفر بن أبي طالب:

- ‌ترجمة زيد بن حارثة:

- ‌ترجمة ابن رواحة:

- ‌واستشهد بمؤته:

- ‌ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌غزوة ذات السلاسل:

- ‌غزوة سيف البحر:

- ‌سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌وفاة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌فتح مكة شرفها الله وعظمها:

- ‌غزوة بني جذيمة:

- ‌غزوة حنين:

- ‌غزوة أوطاس:

- ‌غزوة الطائف:

- ‌قسم غنائم حنين وغير ذلك:

- ‌عمرة الجعرانة:

- ‌قصة كعب بن زهير:

- ‌السنة التاسعة:

- ‌وفي رجب غزوة تبوك:

- ‌أمر الذين خلفوا:

- ‌موت عبد الله بن أبي:

- ‌ذكر قدوم وفود العرب:

- ‌ثم بعد أشهر، قدم وفد ثقيف:

- ‌السنة العاشرة:

- ‌وافد بني سعد:

- ‌إسلام ملوك اليمن:

- ‌حجة الوداع:

- ‌سنة إحدى عشرة:

- ‌سرية أسامة:

- ‌فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم:

- ‌باب جامع من دلائل النبوة:

- ‌باب آخر سور نزلت:

- ‌باب في النسخ والمحو من الصدور:

- ‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌باب: في خصائصه صلى الله عليه وسلم وتحديثه أمته بها امتثالا لأمر الله تعالى، بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}

- ‌باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌قصة كعب بن زهير:

ولو أعلم لهم خيرا منك استعملته عليهم. وكان عمره إذ ذاك نيفا وعشرين سنة، وكان رجلا صالحا. روي عنه أنه قال: أصبت في عملي هذا بردين معقدين كسوتهما غلامي، فلا يقولن أحدكم أخذ مني عتاب كذا، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهمين، فلا أشبع الله بطنا لا يشبعه كل يوم درهمان.

وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه. والله أعلم.

‌قصة كعب بن زهير:

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من منصرفه، كتب بجير بن زهير؛ يعني إلى أخيه كعب بن زهير، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش؛ ابن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، قد ذهبوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض.

وكان كعب قد قال:

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة

فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

فبين لنا إن كنت لست بفاعل

على أي شيء غير ذلك دلكا

على خلق لم ألف يوما أبا له

عليه وما تلفي عليه أخا لكا

فإن أنت لم تفعل فلست بآسف

ولا قاتل إما عثرت: لعا لكا

ص: 224

سقاك بها المأمون كأسا روية

فأنهلك المأمون منها وعلكا

فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها. فقال لما سمع "سقاك بها المأمون": "صدق وإنه لكذوب". ولما سمع: "على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه". قال: "أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه".

ثم قال بجير لكعب:

من مبلغ كعبا فهل لك في التي

تلوم عليها باطلا وهي أحزم

إلى الله -لا العزى ولا اللات- وحده

فتنجو إذا كان النجاء وتسلم

لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت

من الناس إلا طاهر القلب مسلم

فدين زهير وهو لا شيء دينه

ودين أبي سلمى علي محرم

فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته، وقدم المدينة.

وقال إبراهيم بن ديزيل، وغيره: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا الحجاج ابن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، عن أبيه، عن جده، قال: خرج كعب وبجير أخوه ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف، فقال بجير لكعب: اثبت هنا حتى آتي هذا الرجل فأسمع ما يقول. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعبا، فقال:

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة

فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

سقاك بها المأمون كاسا روية

وأنهلك المأمور منها وعلكا

ويروى: سقاك أبو بكر بكأس روية.

ص: 225

ففارقت أسباب الهدى وتبعته

على أي شيء ويب غيرك دلكا

على مذهب لم تلف أما ولا أبا

عليه، ولم تعرف عليه أخا لكا

فاتصل الشعر بالنبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه. فكتب بجير إليه بذلك، ويقول له: النجاء وما أراك تنفلت. ثم كتب إليه: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب، وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم، والقوم متحلقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم.

قال كعب: فأنخت راحلتي، ودخلت، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى

جلست إليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، الأمان يا رسول الله. قال:"ومن أنت"؟ قلت: أنا كعب بن زهير. قال: "الذي يقول": ثم التفت إلى أبي بكر، فقال:"كيف يا أبا بكر". فأنشده:

سقاك أبو بكر بكأس روية

وأنهلك المأمور منها وعلكا

قلت: يا رسول الله، ما قلت هكذا. قال:"فكيف قلت"؟. قلت: إنما قلت:

وأنهلك المأمون منها وعلكا

فقال: "مأمون، والله".

قال: ثم أنشده:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يلف مكبول

ص: 226

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلا أغن غضيض الطرف مكحول

تجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

كأنه منهل بالراح معلول

شجت بذي شبم من ماء محنية

صاف بأبطح أضحى وهو مشمول

تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه

من صوب سارية بيض يعاليل

أكرم بها خلة لو أنها صدقت

موعودها، أو لو أن النصح مقبول

لكنها خلة قد سيط من دمها

فجع وولع وإخلاف وتبديل

فما تدوم على حال تكون بها

كما تلون في أثوابها الغول

ولا تمسك بالعهد الذي زعمت

إلا كما يمسك الماء الغرابيل

فلا يغرنك ما منت وما وعدت

إن الأماني والأحلام تضليل

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا

وما مواعيدها إلا الأباطيل

أرجو وآمل أن تدنو مودتها

وما إخال لدينا منك تنويل

أمست سعاد بأرض لا يبلغها

إلا العتاق النجيبات المراسيل

ولن يبلغها إلا عذافرة

فيها على الأين إرقال وتبغيل

من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت

عرضتها طامس الأعلام مجهول

ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق

إذا توقدت الحزان والميل

ص: 227

ضخم مقلدها، فعم مقيدها

في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

غلباء وجناء علكوم مذكرة

في دفها سعة قدامها ميل

وجلدها من أطوم ما يؤيسه

طلح بضاحية المتنين مهزول

حرف أبوها أخوها من مهجنة

وعمها خالها قوداء شمليل

تسعى الوشاة بدفيها وقيلهم

إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

وقال كل صديق كنت آمله:

لا ألهينك، إني عنك مشغول

خلوا طريق يديها لا أبا لكم

فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آله حدباء محمول

أنبئت أن رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا رسول الله الذي أعطاك نافلة الـ

ـقرآن، فيه مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم

أذنب، ولو كثرت عني الأقاويل

لقد أقوم مقاما لو يقوم به

أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل

لظل يرعد إلا أن يكون له

من الرسول بإذن الله تنويل

حتى وضعت يميني لا أنازعه

في كف ذي نقمات قيله القيل

لذلك أخوف عندي إذ أكلمه

وقيل: إنك منسوب ومسؤول

من ضيغم من ليوث الأسد مسكنه

من بطن عثر غيل دونه غيل

إن الرسول لنور يستضاء به

مهند من سيوف الله مسلول

في فتية من قريش قال قائلهم

ببطن مكة لما أسلموا: زولوا

ص: 228

زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف

عند اللقاء، ولا خيل معازيل

شم العرانين أبطال لبوسهم

من نسج داود في الهيجا سرابيل

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم

ضرب إذا عرد السود التنابيل

لا يفرحون إذا نالت سيوفهم

قوما، وليسوا مجازيعًا إذا نيلوا

لا يقع الطعن إلا في نحورهم

وما لهم عن حياض الموت تهليل

وفي سنة ثمان توفيت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر بناته، وهي التي غسلتها أم عطية الأنصارية، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، وقال: أشعرنها إياه. فجعلته شعارها تحت كفنها. وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس أمامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة.

وفيها: عمل منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب عليه، وحن إليه الجذع الذي كان يخطب عنده.

وفيها: ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيها: وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة، رضي الله عنها.

وفيها: توفي مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني؛ والد عبد الله؛ وله صحبة.

وفيها: مات ملك العرب بالشام؛ الحارث بن أبي شمر الغساني،

ص: 229

كافرا. وولي بعده جبلة بن الأيهم.

فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن ابن عائذ، عن الواقدي، عن عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة، فسار من المدينة في ذي الحجة سنة ست. قال: فأتيته فوجدته يهيئ الإنزال لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء؛ إذ كشف الله عنه جنود فارس؛ تشكر الله.

فلما قرأ الكتاب رمي به؛ وقال: ومن ينزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل، وأمر بالخيل تنعل، وقال: أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب قيصر إليه: أن لا يسير إليه، واله عنه، وواف إيلياه.

قال شجاع: فقدمت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"باد ملكه". ويقال: حج بالناس عتاب بن أسيد أمير مكة. وقيل: حج الناس أوزاعا.

حكاهما الواقدي. والله أعلم.

ص: 230