الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة قبل أن يهاجر ، ولم يستطع أن يجمع بمكة ، فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد فانظر اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور ، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة ، فتقربوا إلى الله بركعتين ، قال فهو أول من جمع حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فجمع عند الزوال من الظهر ، وأظهر ذلك "(2) ، وكان ذلك في دار سعد بن خيثمة ، وهم اثنا عشر رجلاً ، وما ذبح لهم يومئذٍ إلا شاة (3).
المبحث الثالث: تعليمه رضي الله عنه لأهل المدينة ونشر الإسلام فيها:
لما نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة رضي الله عنهما ، بدأ مباشرة بتعليم أهل المدينة مبادئ الإسلام وقد ظهرت النتائج مبهرة في وقت يسير ، وذلك بعد توفيق الله -جل وعلا- يعود إلى أمور تميّز بها مصعب رضي الله عنه منها:
1 -
العلم الغزير الذي كان يحمله مصعب رضي الله عنه.
2 -
قوة الحجة وبلاغة العرض.
3 -
السكينة والوقار وعدم التسرع والطيش.
(1) محمد بن عبدالرحمن المخلِّص: المخلصيات ، 1/ 172 ، رقم 166 ، قال ابن صاعد: وهذا حديثٌ غريبٌ.
(2)
الألباني: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، 3/ 68 ، إسناده حسن.
(3)
ابن سعد: الطبقات الكبرى ، 3/ 88.
4 -
معرفة الفوارق الفردية بين المدعوين ومخاطبة كل واحد بما
يليق به.
5 -
الاستدلال بالآيات القرآنية وأثره الكبير في نفوس الناس.
وهذا ما ينبغي أن تربى عليه الأجيال ، وتقام له الدورات العلمية
لاكتساب مثل هذه المواصفات التي تؤتي ثمارها يانعة -بإذن الله تعالى-.
ومما يبين هذا ما رواه ابن إسحاق إذ قال: حدّثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة رضي الله عنه خرج بمصعب بن عمير رضي الله عنه، يريد به دار بني عبد الأشهل ، ودار بني ظفر (1)، وكان سعد بن معاذ سيّد الأوس ابن خالة أسعد بن زرارة رضي الله عنهما، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وسعد بن معاذ وأُسيد بن حضير رضي الله عنهما يومئذ سيّدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير رضي الله عنهما: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منّي حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. قال: فأخذ أسيد بن حضير رضي الله عنه حربته، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد بن زرارة رضي الله عنه قال لمصعب بن عمير رضي الله عنه: هذا سيّد قومه فاصدق الله فيه، قال مصعب رضي الله عنه: إن يجلس أكلّمه. قال: فوقف عليهما متشتّما، قال: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب رضي الله عنه: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره ، فقال: أنصفت. ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب رضي الله عنه بالإسلام وقرأ عليه القرآن، فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام
(1) دارهما شرقي البقيع. السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ، 1/ 153.
قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلّي.
فقام فاغتسل وطهّر ثوبيه وتشهّد بشهادة الحق، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتّبعكما لم يتخلّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن: سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد رضي الله عنه وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ رضي الله عنه مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد رضي الله عنه: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما ، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدّثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك. قال: فقام سعد رضي الله عنه مغضبا مبادرا تخوّفا للذي ذكر له من أمر بني حارثة. فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً. ثم خرج إليهما، فلما رآهما مطمئنّين عرف سعد رضي الله عنه أن أسيداً رضي الله عنه إنما أراد أن يسمع منهما. فوقف عليهما متشتّما، ثم قال لأسعد بن زرارة رضي الله عنه: يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا منّي، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير رضي الله عنهما: أي مصعب: جاءك والله سيّد مَن وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان ، قال: فقال له مصعب رضي الله عنه: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ، قال سعد رضي الله عنه: أنصفت ، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين.
ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه
أسيد بن حضير رضي الله عنه، فلما رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيّدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة ، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله ، قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة، حاشا الأصيرم ، وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد ، ولم يسجد لله سجدة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ، قال ابن إسحاق: ورجع سعد ومصعب رضي الله عنهما إلى منزل أسعد بن زرارة رضي الله عنه، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف
…
" (1).
وفي رواية ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار مصعب بن عمير رضي الله عنه أخا بني عبد الدار ، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة رضي الله عنه ، فجعل يدعو الناس ويفشو الإسلام ويكثر أهله ، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم ، ثم إن أسعد بن زرارة
(1) ابن هشام: السيرة النبوية ، 1/ 435.
الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء ، 1/ 244.
البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ، 2/ 438.
ابن كثير: السيرة النبوية ، 2/ 181.
محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر
فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد ، 2/ 198.
سليمان موسى الحميري: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء
، 1/ 261.
محمد بن محمد اليعمري: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ، 1/ 186.
أقبل هو ومصعب بن عمير رضي الله عنهما حتى أتيا بئر مري (1) أو قريبا منها، فجلسوا هنالك وبعثوا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين ، فبينما مصعب بن عمير رضي الله عنه يحدثهم ويقص عليهم القرآن ، أُخبر بهم سعد بن معاذ رضي الله عنه فأتاهم في الأرمة ومعه الرمح حتى وقف عليه ، فقال: علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب ، يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم ، لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا ، فرجعوا ، ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مري أو قريبا منها فأُخبر بهم سعد بن معاذ رضي الله عنه الثانية فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول فلما رأى أسعد رضي الله عنه منه لينا قال يا ابن خالة اسمع من قوله فإن سمعت منه منكرا فاردده يا هذا منه ، وإن سمعت خيرا فأجب الله ، فقال: ماذا يقول فقرأ عليهم مصعب بن عمير رضي الله عنه: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} (2)، فقال سعد رضي الله عنه: وما أسمع إلا ما أعرف فرجع وقد هداه الله تعالى ، ولم يظهر أمر الإسلام حتى رجع.
فرجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه ، وقال فيه من شك من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به ، فوالله لقد جاء أمر لَتُحَزَّنَّ فيه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد رضي الله عنه ودعائه إلا من لا يذكر فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها ، ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير رضي الله عنه واشتدوا على أسعد بن زرارة رضي الله عنه ، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ رضي الله عنهما فلم يزل يدعو ويهدي الله على يديه ، حتى قَلَّ دارٌ من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح رضي الله عنه ، وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز
(1) الصحيح أن اسمها بئر مرق في دار بني ظفر بالقرب من مسجد الإجابة. السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ، 4/ 23.
(2)
سورة الزخرف: آية (1 - 3).