المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صريح فحكم بالطلاق، أو كناية فحكم ببقاء العصمة، ثم بان - الإعلام بقواطع الإسلام

[ابن حجر الهيتمي]

الفصل: صريح فحكم بالطلاق، أو كناية فحكم ببقاء العصمة، ثم بان

صريح فحكم بالطلاق، أو كناية فحكم ببقاء العصمة، ثم بان أنه غراب فليس لحاكم آخر الحكم بخلاف ذلك مستندا إلى أنه حكم قبل تيقنه أحد الطرفين. إذ لو كان كذلك لم يتجه حكم أصلاً، وحصل الضرر ببقاء المرأة مع الجهل بالحال معلقة لا منكوحة ولا مطلقة.

واعلم أنه لا يشترط قصد الحاكم رفع الخلاف فإذا حكم مستنداً لشيء، وهناك ما لو اطلع عليه لم يحكم كما إذا حكم ببينة خارج فظهر للداخل بيِّنة، وهو يرى تقديمها نقضه وإن لم يره لم ينقضه.

ونظيره هنا لو حكم مالكي بعصمته مستنداً للإسلام المستمر، ثم ثبت عنده مكفر جاز له الحكم بإهداره، وكذا لغيره ممن يرى ذلك؛ لأن الحكم الأول إنما كان لظن عدم مكفر، فحيث ثبت بانَ بطلانه بخلاف حكم الشافعي فإنه صحيح، وإن فرض وجود ذلك المكفر، فليس هناك ما لو اطلع عليه لم يحكم، فالضابط أن كل حكم قارنه ما لو علم به الحاكم لم يحكم بنقض على تفصيل فيه بيناه في مسألة الفرس، وكل حكم قارنه ما لو علم به حكم لا ينقض.

وبالجملة: من ادعي عليه بكفر لم يثبت، لو طلبه ظالم ليقتله، فطلب من حاكم شافعي أن يحكم بعصمته، فمن يمنعه يلزمه أنه مكّن الظالم من قتله مع قدرته على إنقاذه بمنعه.

‌9

- ومنها: لو انتُزعت دار من داخلٍ ببينة وحكم له بها، ثم أقام الداخل بينة عنده نقض، وقيل: لا، وقيل: إن كان قبل التسليم، فإن أقامها عند حاكم آخر، فإن علم أن الحاكم الأول إنما حكم لعدم علمه ببينة الداخل فكذلك، وإن احتمل أنه إنما حكم ذهاباً إلى ترجيح بينة الخارج، وهو من أهل الترجيح، أو شك الحاكم لم ينقض على الأصح، بل تقر في يد المحكوم له، فإذا كان هذا قول الأصحاب فيمن لم يقصد بحكمه منع ما هو متوقع ثبوته، فكيف في مسألتنا التي قصد الحاكم بحكمه عصمة المحكوم له عما نسب إليه ويتوقع ثبوته، وهذه المسألة ينبغي أن تحرر ويعتنى بها، فإن الناس يحتاجون إليها.

ص: 255

ولقد بلغني عن ابن دقيق العيد أنه ارتدت الشهادة عنده بحكم حنفي بعصمه دم من نُسب إليه مكفر لينقذه، فامتنع وأمر الشاهدين بأن يشهدا على المنسوب إليه ذلك بالإقرار به، فذهبا إليه وشهدا على إقراره بما نسب إليه ثم حكم بعصمة دمه حكماً مبتدأ، وهذا منه إما احتياط أو لعدم نظر في المسألة مع أني كنت أتبعه في ذلك حتى نظرت فيها فوجدت الحق يقتضي أن ذلك ليس بشرط، والحق أحق أن يتبع، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في مختصر المزني لو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكر قيل له: إن أقررت بالشهادتين وتبرأت عن كل دين يخالف دين الإسلام لم يكشف عن غيره انتهى.

قيل: أراد الكشف عما شهد الشهود من ردته، وقيل: الكشف عن باطن أمره، لأنا لا نطلع على أفعال القلوب، وعلى كل فقد صرح الأصحاب بأنهما لو شهدا عليه بالردة قبلا، وأن أنكر، فعليه أن يسلم، ولا يفيده إسلامه في رفع الحكم بطلاق زوجته بردته، قال ابن الصباغ: ولا يفيده أيضاً الحكم بإسلامه، فكلامهم سيما كلام ابن الصباغ صريح في الحكم بإسلامه، فيشهد لما قلناه لشمول كلامهم للمحلّ المختلف فيه كالمجمع عليه.

نعم الحكم بإسلامه فقط لا يرفع الخلاف؛ لأن المالكي يقتله للحد لا للكفر بخلاف الحكم بعصمة الدم. انتهى المقصود من كلام السبكي.

ص: 256