الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه ثالث: قوله في الحديث: «فليقل إذا ذكر اسم الله أوله وآخره» كذا وقع في المسند «اسم الله» ووقع في «المقصد العلي» ، «بسم الله» وهو الصواب والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد آله وصحبه وسلم.
…
19 -
وقال الشيخ حفظه الله في تعليقه على الحديث رقم (1104) من المشكاة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار»
رواه أبو داود. رجاله ثقات لكنه من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير وقد ضعفها جماعة من النقاد منهم مخرجه أبو داود، لكن يشهد له حديث أبي سعيد المتقدم من رواية مسلم. اهـ.
قلت: حديث عائشة أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2453) ومن طريقه أبو داود في سننه (2/ 374 - عون) وابن خزيمة (3/ 27) وابن حبان (392 - موارد) والبيهقي (3/ 103) كلهم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة به واللفظ لأبي داود، ولفظ عبد الرزاق وابن حبان:«لا يزال قوم يتخلفون عن الصف الأول حتى يخلفهم الله تعالى في النار» ، ولفظ ابن خزيمة:«لا يزال أقوام متخلفون عن الصف الأول حتى يجعلهم الله تعالى في النار» وأما البيهقي فقد رواه من طريق أبي داود بسنده ومتنه.
قلت: وهذا سند ضعيف قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وعنه قال: عكرمة مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة، وكان حديثه عن إياس صالحًا، ووثقه ابن معين، وفي رواية قال: ثبت. وعنه: صدوق ليس به بأس. وعنه: كان أميًا وكان حافظًا. وقال ابن المديني: أحاديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير ليست بذاك، مناكير، كان يحيى بن سعيد يضعفها. وقال في موضع آخر: كان يحيى يضعف رواية أهل اليمامة مثل عكرمة وضربه. وقال ابن المديني أيضًا: كان عكرمة عند أصحابنا ثقة ثبتًا. ووثقه العجلي، وقال البخاري: مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير ولم يكن عنده كتاب. وقال أبو داود: ثقة وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب. وقال النسائي: ليس به بأس إلا في حديث يحيى بن أبي كثير. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا وربما وهم في حديثه، وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط.
وقال الدارقطني: ثقة، وقال ابن عدي: مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة. اهـ. باختصار من التهذيب.
فهذه علة الحديث، وأما يحيى بن أبي كثير فثقة من رجال الجماعة إلا انه وصف بالتدليس، قال العقيلي: كان يُذكر بالتدليس.
وقال ابن حبان: كان يدلس فكلما روى عن أنس فقد دلس
عنه، لم يسمع من أنس ولا من صحابي. قلت: هذا إرسال لا تدليس؛ لأن التدليس أن يروي عمن سمع منه حديثًا لم يسمعه منه، وأما الإرسال فهو أن يروي عمن لم يسمع منه أصلاً، فإن كان عاصره فهو المرسل الخفي. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في نزهة النظر وشرحها صفحة 43: وكذلك المرسل الخفي إذا صدر من معاصر لم يلق من حدث عنه بل بينه وبينه واسطة، والفرق بين المدلس والمرسل الخفي دقيق. . وهو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه فأما إن عاصره ولم يعرف إنه لقيه فهو المرسل الخفي، ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقي لزمه الدخول المرسل الخفي في تعريفه، والصواب التفرقة بينهما. ويدل اعتبار اللقي في التدليس دون المعاصرة وحدها لابد منه إطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان هؤلاء المدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم قطعًا ولكن لم يُعرف هل لقوه أم لا.
وممن قال باشتراط اللقاء في التدليس الإمام الشافعي وأبو بكر البزار، وكلام الخطيب في الكفاية يقتضيه وهو المعتمد. اهـ.
ونقل الحافظ في كتابه "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، أن النسائي وصفه بالتدليس ولكن جعله
الحافظ من المرتبة الثانية وهي التي قال عنها الحافظ في مقدمة كتابه هذا "من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة"، وقال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه (9/ 142): يحيى بن أبي كثير إمام لا يحدث إلا عن ثقة.
فيدل هذا أنه إن دلس إنما يدلس عن ثقة كابن عيينة فلا تضر عنعنته كما في هذا الحديث، وحصر الشيخ حفظه الله العلة في رواية عكرمة عن يحيى يدل على أنه لم يعتبر عنعنة يحيى علة وهو الصواب لما تقدم، لكن قول الشيخ أن حديث أبي سعيد يشهد له فيه نظر؛ وذلك لأن لفظ حديث أبي سعيد عند مسلم (4/ 158 - نووي): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: «تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم
يتأخرون حتى يؤخرهم الله»، ليس فيه "ذكر النار" وكذا رواه احمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي، وعندي أن ذكر النار في الحديث منكر؛ لأن التخلف عن الصفوف المتقدمة ليس من الكبائر حتى يتوعد صاحبها بالنار. نعم لو صحت الرواية لأمكن تأويلها وأما السند إليه ضعيف فقد كُفينا الجواب عنها، على أنه قد روى يزيد بن هارون أنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرًا:«تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل يوم القيامة» ، رواه أحمد في مسند (3/ 34) عن يزيد به. فهذه الزيادة أصح سندًا من الزيادة المتقدمة، ولكن في السند علة خفية وذلك أن سائر الثقات الذين رووا الحديث عن أبي الأشهب لم يذكروا هذه الزيادة، وقد تابع أبا الأشهب أيضًا الجريري عند مسلم والنسائي وابن خزيمة ولم يذكر هذه الزيادة، فالذي يظهر لي أنها شاذة وعليه فيبقى الحديث على إطلاقه فنبقى على هذا الإطلاق حتى يأتينا حديث صحيح مقيد لا علة فيه فنقول به.
وقد قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال قوم يتأخرون» أي عن الصفوف الأول: «حتى يؤخرهم الله» ، تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك. وقال أبو عبد الله الأبي في شرح صحيح مسلم (2/ 186) قوله:«حتى يؤخرهم الله» قال عياض: أي عن العلم أو عن السبق في المنزلة. وقيل إنه في المنافقين.
قلت: قوله في الحديث «رأى في أصحابه» ، يرد هذا الأخير؛ لأن الأصل البقاء على ظاهر اللفظ حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الظاهر، والله أعلم. لكن إن أدى هذا التخلف إلى ترك الصلاة بالكلية فهذا يؤخره الله في النار لأنه كافر مرتد عن الإسلام في أصح قولي العلماء اختاره شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز، وكذا اختاره العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والله أعلم.
***