المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار» - الإعلام في إيضاح ما خفي على الإمام

[فهد السنيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌«اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة»

- ‌«اتخذوا الغنم فإن فيها بركة»

- ‌«أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس

- ‌«إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا»

- ‌«أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا عليّ وأشار إلى حيث يطعن»

- ‌«أدخل الله عز وجل الجنة رجلاً كان سهلاً مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا»

- ‌«لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر»

- ‌«من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك - الحديث»

- ‌ حديث: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين

- ‌«لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة»

- ‌«إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به»

- ‌«لعن الله العقرب لا تدع مصليًا ولا غيره، فاقتلوها في الحل والحرم»

- ‌«إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة فإذا بلغ أقصى أثرة توفاه فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني»

- ‌«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة وما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها»

- ‌«كان النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة ليسمعناها»

- ‌«الهجرة هجرتان هجرة الحاضرة وهجرة البادي أما البادي فإنه يطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأما الحاضر فهو أعظمهما بلية وأفضلهما أجرًا»

- ‌«إذا نسي أحدكم اسم الله على طعامه فليقل إذا ذكر: بسم الله أوله وآخره»

- ‌«لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار»

- ‌«حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار»

- ‌«إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب»

- ‌ استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق

- ‌«لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف»

الفصل: ‌«حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار»

20 -

وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (18) حديث: ‌

«حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار»

.

قلت: الحديث أخرجه البزار (1089 - البحر الزاخر) والطبراني (1/ 145) وابن السني في عمل اليوم والليلة (595) والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 191).

أما البزار فقال: حدثنا زيد بن أخزم ومحمد بن عثمان بن مخلد قالا: نا يزيد بن هارون قال: أنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار» ، وقال: وهذا حديث لا نعلم رواه إلا سعد ولا نعلم رواه عن إبراهيم بن سعد إلا يزيد بن هارون.

وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: قد رواه الطبراني عن غير يزيد (66 - مختصر الزوائد مسند البزار) قلت: وهو كما قال الحافظ رحمه الله، فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير: ثنا علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي ثنا إبراهيم بن سعد به وزاد فأسلم الأعرابي بعد فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبًا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. وأما ابن السني فأخرجه من طريق زيد بن أخزم قال: ثنا يزيد بن هارون به. ومن طريقه الضياء في المختارة (3/ 204). وأما البيهقي فأخرجه من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين ثنا إبراهيم بن سعد به.

ص: 59

فهؤلاء ثلاثة من الثقات رووا الحديث عن إبراهيم بن سعد متصلاً وهم الفضل بن دكين، ويزيد بن هارون، ومحمد بن موسى ابن أبي نعيم، وابن أبي نعيم هذا قال فيه أبو حاتم: صدوق. وقال أحمد بن سنان القطان: ثقة صدوق. وروى عنه أبو زرعة وهو لا يروي إلا عن ثقة، أما ابن معين: فقال ليس بشيء.

وقال: أكذب الناس عِفْر من الأعفار. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات. وقال الحافظ في التقريب: صدوق لكن طرحه ابن معين. وقول الشيخ حفظه الله: وطرح ابن معين لمحمد بن أبي نعيم لا يلتفت إليه بعد توثيق أحمد وأبي حاتم إياه صحيح لكنني لم أر لأحمد بن حنبل رحمه الله كلامًا في محمد بن أبي نعيم وهو المراد عند الإطلاق فلعل الشيخ أراد أحمد بن سنان القطان فهو الذي نُقل عنه توثيقه. وقوله حفظه الله: "إن أبا حاتم وثقه" الذي في كتب الرجال كتهذيب الكمال للمزي، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وميزان الاعتدال للذهبي قوله في محمد: صدوق؛ فكأن الشيخ جعل قول أبي حاتم في الرواي: صدوق كقول غيره ثقة لما عرف به أبو حاتم من التشديد في التزكية، وهذا صحيح؛ ولكن نقل كلام الناقد كما هو أولى.

وتابع الثلاثة الوليد بن عطاء بن الأغر ذكر ذلك الدارقطني في العلل (4/ 334) فقد سئل رحمه الله عن هذا الحديث فقال: يرويه

ص: 60

محمد بن أبي نعيم والوليد بن عطاء بن الأغر عن إبراهيم بن سعد وغيرُه يرويه عن إبراهيم بن سعد عن الزهري مرسلاً وهو الصواب. اهـ.

والوليد بن عطاء ذكره ابن عدي في الكامل وذكر له حديثًا وقال: البلية فيه من النضر بن سلمة الراوي عنه فإنه لين.

وقال الذهبي في الميزان: ذكره ابن عدي وما كان ينبغي له أن يورده فإنه وثق. قلت: لم أر فيه توثيقًا معتبرًا، نعم نقل ابن عدي عن عبد الله بن شبيب أنه قال فيه: ثقة مأمون. وعبد الله بن شبيب قال الذهبي في الميزان: أخباري علامة، لكنه واه، واتهمه ابن خراش وابن حبان بسرقة الحديث، فمن كانت هذه حاله لا ينقل توثيقه فضلاً عن اعتباره.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 256): سألت أبي عن حديث رواه يزيد بن هارون ومحمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين أبي؟ قال في النار. فقال: أين أبوك؟ قال: حيث مررت بقبر كافر فبشره بالنار. فقال: كذا رواه يزيد وابن أبي نعيم ولا أعلم أحدًا يجاوز به الزهري غيرهما إنما يروونه عن الزهري قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمرسل أشبه. اهـ.

قلت: فات أبا حاتم رحمه الله متابعة الوليد بن عطاء لهما، كما فاته، والدارقطني متابعةُ أبي نعيم الفضل بن دكين لهم على روايته عن إبراهيم بن سعد موصولاً.

ص: 61

وقال الضياء بعد روايته للحديث من طريق يزيد بن هارون موصولاً، ونقل كلام الدارقطني في العلل قلت: وهذه الرواية التي رويناها تقوى المتصل.

قلت: ويقوي المرسل ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (19687): عن معمر عن الزهري قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم به نحو رواية الطبراني فهذا يؤيد أن رواية إبراهيم بن سعد المرسلة أصح من المتصلة؛ وذلك لأن معمرًا من أثبت أصحاب الزهري بل قدمه أحمد بن حنبل في رواية ابن هانئ على مالك في الزهري، وهذا وإن كان فيه نظر فإن فيه دلالة قوية على مدى تثبت معمر في الزهري.

وذكر الشيخ حفظه الله للحديث شاهدًا في كتابه "أحكام الجنائز" صفحة 199 فقال: وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية فأخبروهم أنهم أهل النار» ، رواه ابن السني في اليوم والليلة بسند فيه يحيى بن يمان وهو سيء الحفظ عن محمد بن عمر ولم أعرفه عن أبي سلمة عنه، لكن الظاهر أنه "ابن عمرو" بفتح العين وسكون الميم ثم واو بعد الراء -سقط من الطابع حرف الواو- وهو حسن الحديث. اهـ.

قلت: وقع في النسخة التي عندي على الصواب وسنده عند ابن السني هكذا: (594): أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحارث بن سريج

ص: 62

(الأصل بالشين المعجمة وهو تصحيف) ثنا يحيى بن يمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواه ابن حبان في صحيحه (3/ 127) عن أحمد بن علي بن المثنى ثنا الحارث بن سريج النَّقَّال به، وشيخ ابن حبان هو أبو يعلى شيخ ابن السني وهو الحافظ صاحب المسند المشهور.

قلت: وهذا سند ضعيف جدًا: الحارث بن سُريج قال النسائي: ليس بثقة. وترك أبو زرعة حديثه، وقال ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث وضعفه غيرهم. وأما ابن معين فاختلفت الرواية عنه، فقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن الجنيد في سؤالاته (114): سئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن حارث النقال وأحمد ابن إبراهيم الموصلي؟ فقال: ثقتان صدوقان قلت: ويشبه أن يكون هذا أولاً ثم رجع ابن معين عن توثيقه فقد روى ابن أبي حاتم في ترجمته (3/ 76): أنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: وأُلقي عليه حديث عن الحارث النقال فقال: تُرك حديثه وضعفه. قال أبو محمد: وكتب عنه أبو زرعة وترك حديثه وامتنع أن يحدثنا عنه.

ففي هذا السياق ما يدل على أنه كان ثقة عندهما ثم تبين لهما ضعفه فتركا حديثه. والله أعلم.

وأما شيخه يحيى بن يمان فإنه ضعيف، وقد لخص الحافظان الذهبي وابن حجر كلام الأئمة فيه فقال الذهبي في الكاشف:

ص: 63

صدوق فلج فساء حفظه. وقال الحافظ في التقريب صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغير. فهذه علة ثانية في الحديث.

وأما محمد بن عمرو فهو ابن علقمة بن وقاص الليثي وهو حسن الحديث كما قال الشيخ حفظه الله وكذا قال شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله. لكن وقع في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"(65) محمد بن عمرو بن عطاء ولا أظنه محفوظًا لأمرين:

أولاً: لم يقع ذلك في كتاب "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" وإنما وقع فيه محمد بن عمرو حسب.

ثانيًا: لا تعرف لابن عطاء رواية عن أبي سلمة بينما نجد ابن علقمة مكثر الرواية عن أبي سلمة، والله أعلم.

تنبيه: قال أبو حاتم ابن حبان بعد روايته لهذا الحديث: أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر المسلم إذا مر بقبر غير المسلم أن يحمد الله جل وعلا على هدايته إياه الإسلام بلفظ الأمر بالإخبار إياه أنه من أهل النار، إذْ محال أن يخاطب من قد بلى بما لا يقبل المخاطب بما يخاطبه به.

قلت: لو صح الحديث لقلنا بظاهره ولم نلجأ إلى هذا التأويل المخالف لظاهر الحديث -إن صح- الأعرابيُ حين أسلم حيث قال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبًا، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. والله أعلم.

***

ص: 64

وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (625) حديث: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله فيما بقي» ، وحسنه بمجموع طرقه، وكذا حسنه في مشكاة المصابيح (3096).

وعندي أن هذا الحديث لا يصح من جميع التي ذكرها الشيخ، وطرق أخرى لم يذكرها وإليك بيان ذلك: -

قال الشيخ: أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2239 - مجمع البحرين في زوائد المجمعين) من طريق عصمة بن المتوكل أخبرنا زافر بن سليمان عن إسرائيل بن يونس عن جابر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: لم يروه عن زافر إلا عصمة. قلت: لفظه كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين"، «من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان فليتق الله في النصف الباقي» .

قلت: وهذا سند ضعيف جدًا ومسلسل بالعلل.

أولاً: يزيد الرقاشي ضعيف ضعفه جمهور الأئمة، وجزم بضعفه الذهبي في الكاشف، وكذا الحافظ ابن حجر في التقريب، فقال كل منهما: ضعيف.

ثانيًا: جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جدًا، وكذبه بعضهم، قال الذهبي في الكاشف: من أكبر علماء الشيعة وثقه شعبة فشذ وتركه الحفاظ. قلت: لم يشذ شعبة في توثيقه بل وثقه أيضًا الثوري ووكيع كما في تهذيب التهذيب والميزان، أما الحافظ فتساهل فيه.

ص: 65

فقال في التقريب: ضعيف رافضي، والراجح أنه ضعيف جدًا، لا يحتج به بل ولا يستشهد به.

ثالثًا: عصمة بن المتوكل قال الإمام أحمد: لا أعرفه وذكر له حديثًا من حديثه فقال: ليس لهذا أصل. وقال العقيلي: قليل الضبط للحديث يهم وهمًا. أما ابن حبان فقال: مستقيم الحديث.

وقال الذهبي في ديوان الضعفاء والمتروكين: صويلح تُكلم فيه لغلطه.

رابعًا: زافر بن سليمان وثقه بعضهم وضعفه آخرون، ولخص الحافظ ابن حجر في التقريب أقوال الأئمة فيه فقال: صدوق كثير الأوهام. أما إسرائيل بن يونس وهو ابن أبي إسحاق السبيعي فثقة.

وذكر الشيخ حفظه الله طريقًا أخرى فقال: أخرجه الطبراني (2240) من طريق عبد الله بن صالح حدثني الحسن بن خليل بن مرة عن أبيه عن يزيد الرقاشي به.

قلت: وهذا أيضًا مسلسل بالضعفاء.

أولاً: عبد الله بن صالح هو كاتب الليث قال الذهبي في الميزان: هو صاحب حديث وعلم مكثر وله مناكير. قال في سير أعلام النبلاء (10/ 405): قد شرحت حاله في "ميزان الاعتدال" وليَّنَّاه وبكل حال فكان صدوقًا في نفسه من أوعية العلم أصابه داء شيخه ابن لهيعة، وتهاون بنفسه حتى ضعف حديثه، ولم يترك بحمد الله، والأحاديث التي نقموها عليه معدودة في سعة ما روى.

ص: 66

وقال أيضًا: وهو في عقلي أقوى من نعيم بن حماد وأسيد الجمال، وما هو بدون إسماعيل بن أبي أويس الأصبحي. وقال في الكاشف: كان صاحب حديث فيه لين.

وقال الحافظ: صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة.

وسألت شيخنا حفظه الله عنه فقال: حسن الحديث.

ثانيًا: الحسن بن خليل قال الشيخ حفظه الله: لم أجد له ترجمة.

قلت: في ثقات ابن حبان (8/ 179): الحسن بن خليل الحلبي يروي عن أبي نعيم الفضل بن دكين حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد، فلعله هو؛ فإن الخليل بن مرة والد الحسن توفي سنة (160هـ) وأبو نعيم ولد سنة (130هـ) فلا يبعد أن يروي الحسن بن خليل بن مرة عنه فإنه قد أدركه، والله أعلم، وعلى كل حال فهو مجهول.

ثالثًا: الخليل بن مرة ضعيف يروي منكرات.

رابعًا: يزيد الرقاشي ضعيف كما تقدم.

ثم قال الشيخ حفظه الله: وقد روى عنه من طريق أخرى خير من هذه عن الخليل أخرجه الخطيب في "الموضح" عن يعقوب ابن إسحاق الحضرمي ثنا الخليل بن مرة به.

قلت: وأخرجه البيهقي أيضًا في شعب الإيمان (4/ 382) من

ص: 67

طريق يعقوب بن إسحاق به: ويعقوب بن إسحاق قال أحمد وأبو حاتم: صدوق. وقال ابن سعد في الطبقات (7/ 304)؛ ليس هو عندهم بذاك الثبت يذكرون أنه حدث عن رجال لقيهم وهو صغير قبل أن يدرك. قلت: لم يلتفت الحافظان الذهبي وابن حجر لقول ابن سعد، قال الذهبي في الكاشف: ثقة. وقال ابن حجر في التقريب: صدوق. ولم يورده الذهبي في الميزان وهو على شرطه.

ثم قال الشيخ: وقد جاء من طريق أخرى عن أنس هي خير من هذه، فمجموعهما يقوي الحديث ويرتقي إلى درجة الحسن، ولفظه:«من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني» أخرجه الطبراني في الأوسط (2246) والحاكم عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي ثنا زهير بن محمد أخبرني عبد الرحمن -زاد الحاكم- ابن زيد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد وعبد الرحمن هذا هو ابن زيد بن عقبة الأزرق مدني ثقة مأمون" ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه البيهقي أيضًا في شعب الإيمان (4/ 383) عن الحاكم به وهذا سند ضعيف زهير بن محمد ضعيف في رواية الشاميين عنه هذه منها، وانظر الحديثين المتقدمين برقم (1) و (15).

وأما عبد الرحمن بن زيد فإن كان ابن عقبة فهو ثقة، قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس. وقال الحاكم -كما تقدم-: مدني

ص: 68

ثقة مأمون، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: ثقة ولكن لا يعرف لزهير سماع منه.

وإن كان ابن أسلم فإنه ضعيف ولم يدرك أنس بن مالك رضي الله عنه، وعلى الأول فإن في السند علتين:

الأولى: ضعف زهير بن محمد.

الثانية: عدم معرفة سماعه من عبد الرحمن بن زيد بن عقبة وعلى الثاني يكون في السند ثلاث علل وهي:

الأولى: ضعف زهير بن محمد.

الثانية: ضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وضعفه بعضهم جدًا.

الثالثة: الانقطاع بين ابن أسلم وأنس رضي الله عنه.

ولعل كونه ابن أسلم أقرب؛ لأن ابن أسلم مذكور في شيوخ زهير وقد صرح زهير بالسماع منه. وابن عقبة وإن كان يروي عن أنس فإنه عنعنه في هذا السند ولم يصرح بالسماع، والله أعلم.

فهذه طرق الحديث كما ترى كلها معلولة ولا ينجبر بعضها ببعض لوجود أكثر من علة في كل طريق.

وأما الطريق التي لم يذكرها الشيخ فقد أخرجها أبو يعلى في مسنده (4333) حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي أبو عبد الله المكفوف حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عبد الرحيم بن

ص: 69

زيد العمي عن أبيه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تزوج فقد أعطي نصف العبادة» وهذا سند ضعيف جدًا وفيه ثلاث علل: -

الأولى: عبد الرحيم بن زيد متروك الحديث، وكذبه ابن معين.

الثانية: زيد العمي ضعيف، قال الذهبي في الكاشف: فيه ضعف. وقال الحافظ: في التقريب: ضعيف.

الثالثة: قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" في ترجمة زيد العمي، روى عن أنس مرسل.

وأما محمد بن إسماعيل شيخ أبي يعلى فثقة وكذا يزيد بن هارون. ثم رأيت ابن الجوزي رواه في العلل المتناهية (1005) من طريق مالك بن سليمان حدثنا هيَّاج بن بسطام عن خالد الحذاء عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعًا «من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي» ، ثم قال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يُذكَر عنه، وفيه آفات: منها يزيد الرقاشي؛ قال أحمد: لا يكتب عنه شيء كان منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وفيه هياج قال أحمد: متروك الحديث.

وقال يحيى: ليس بشيء. وفيه مالك بن سليمان، وقد قدحوا فيه. اهـ.

قلت: خلاصة ما تقدم أن الحديث لا يصح من جميع طرقه، والله أعلم.

ص: 70

فائدة: ضعف الحديث الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 117) من رواية الحاكم، وكذا أعلَّ الرواية التي أخرجها أبو يعلى بأن في إسنادها زيدًا العمي ولكن إعلالها بعبد الرحيم بن زيد أولى؛ لأنه أشد ضعفًا من أبيه.

فائدة ثانية: جزم القرطبي بنسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رحمه الله في تفسيره (9/ 327): قال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم» وقال: «من تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني» ، ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنى والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة فقال:«من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه» خرجه الموطأ وغيره.

قلت: هذا تفسيرٌ حسنٌ للحديث لو صح، والحديث الأخير الذي ذكره هو في الموطأ (2/ 987) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلاً، قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد (5/ 61): ولا أعلم عن مالك خلافًا في إرسال هذا الحديث. اهـ.

قلت: رواه البخاري في صحيحه (11/ 308 فتح) عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» .

***

ص: 71